البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مهام العقل وأدواره في المعرفة الدينية

الباحث :  رضا برنجكار
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  32
السنة :  خريف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 25 / 2024
عدد زيارات البحث :  470
تحميل  ( 513.168 KB )
الملخص
إنَّ دور العقل في المعرفة الدينيّة يُعدّ مِن الأبحاث العريقة في حقل «العقل والوحي»؛ إذ كان هذا البحث محطّ اهتمام المفكّرين وعلماء الدين على الدوام. ومِن هنا، يمكن بيان وتحليل تاريخ علم الكلام في ضوء دراسة دور العقل في المعرفة الدينيّة، كما يمكن لنا أنْ نرجع الاختلاف الجوهري بين المدارس الكلاميّة إلى رؤية هذه المدارس بشأن هذا البحث. يقوم ادّعاء هذه المقالة على أنَّ للعقل ـ في الحدّ الأدنى ـ خمس مهام وأدوار مهمّة، وهي على النحو الآتي: العقل النظري، والعقل العملي، والعقل الآلي، والعقل الاستنباطي، والعقل الدفاعي. كما يمكن تحليل أدوار ومهام العقل في المعرفة الدينيّة ـ في الحدّ الأدنى ـ بوساطة ثماني آليّات، وهي: الميزان، والمفتاح، والاستنباط، والدفاع، والأداة، والتكميل، والتعامل الاستقلالي، والتعامل غير الاستقلالي. ومن هنا، فإنَّ أدوار العقل ومهامه أبعد ممّا تمّ تناوله حتّى الآن.

كلمات مفتاحية: العقل، المعرفة الدينية، العقل والوحي، المدارس الكلامية، العقل النظري، العقل الدفاعي.

مقدّمة
إنَّ النسبة بين العقل والوحي كانت محطّ اهتمام العلماء والمفكّرين في الشأن الديني منذ القدم؛ وعلى الرغم مِن أنَّ باب البحث في هذا الملفّ قد فُتح للمرّة الأولى بشكل جادّ في الإسكندريّة ـ بوصفها ملتقى الفلسفة الإغريقيّة والتفكير اليهودي والمسيحي[3] ـ وبعد ذلك، كان هذا البحث قد شكّل محور الجدل بين المفكّرين اليهود والمسيحيين والمسلمين على الدوام. وإنَّ مسائل مِن قبيل: «الفلسفة والدين»، و«العلم والدين»، و«العلم الديني»، و«دور الوحي في المعارف العقليّة»، و«دور العقل في المعارف الدينيّة»، تعتبر مِن فروع وشُعب ذلك البحث الكلّي، وقد خصّصنا هذه المقالة للبحث في المقام الأخير مِن هذه المسائل؛ نعني بذلك «دور العقل في المعارف الدينيّة».

إنَّ مبحث العقل والوحي بصدد العمل على اكتشاف النسبة والارتباط بين هاتين الطائفتين مِن المدركات، وهما: المدركات التي يصل الإنسان إليها بوساطة قواه المعرفيّة، والمدركات أو المعارف التي يوصلها الله إليه بوساطة الأنبياء والرُسل. إلّا أنَّ بحثنا في هذه المقالة، يدور حول الأدوار والمهام التي يتكفّل بها العقل بوصفه وسيلة لإدراك الإنسان في المعارف الدينيّة. وتقوم فرضيّة هذه المقالة على أساس اعتبار العقل مِن جهة، وتأثيره على المعارف الدينيّة مِن جهة أخرى.
إنَّ دور العقل في المعرفة الدينيّة كان مِن أهمّ الهواجس التي شغلت حيّزًا كبيرًا مِن اهتمام المتكلّمين المسلمين. وفي ضوء هذا البحث، يمكن تحليل تاريخ علم الكلام، وتبويب المدارس الكلاميّة. وإنَّ الاختلاف الأهمّ بين المدارس الكلاميّة الإماميّة والمعتزلة والأشاعرة، يعود إلى رأي هذه المدارس الثلاث بشأن هذا البحث.

وقد زاد الاهتمام بهذا البحث وأصبح مركَزًا للبحث للدراسة أكثر مِن ذي قبل بعد صدور كتاب «موقع العقل مِن هندسة المعرفة الدينيّة»[4] لسماحة آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي[5]. وقد عمد سماحته في هذا الكتاب إلى بحث رؤية الميزان والمفتاح والمصباح. ويقوم ادّعاء المقالة الراهنة على القول بأنَّ أدوار العقل في المعرفة الدينيّة أبعد بكثير مِن هذه الأدوات والمهام، ويمكن ـ في الحدّ الأدنى ـ أنْ نعدّد ثماني مهام للعقل في المعرفة الدينيّة؛ ولكنْ قبل بيان هذه الأدوار، مِن المناسب أنْ نبحث في مهام وأدوار العقل بشكل عام؛ لننتقل بعد ذلك إلى بيان النوع الخاصّ لأدوار العقل في المعرفة الدينيّة.

أدوار العقل ومهامه
يمكن بحث أدوار ومهام العقل مِن عدّة جهات، إذ يتمّ في بعضها الاهتمام بالعقل بوصفه مصدرًا مستقلًّا، وفي بعض الموارد الأخرى يتمّ الاهتمام بالأدوار والمهام غير الاستقلاليّة للعقل. وبالنظر إلى مهام العقل في مختلف العلوم، ولا سيّما منها علم الكلام، وكذلك بالنظر إلى الآيات والروايات، يمكن أنْ نذكر ـ في الحدّ الأدنى ـ خمس مهام وأدوار للعقل، وهي: العقل النظري، والعقل العملي، والعقل الآلي، والعقل الاستنباطي، والعقل الدفاعي.

المهمّة والدور النظري
إنَّ الدور النظري للعقل عبارة عن: اكتشاف الحقائق النظريّة والوقائع والموجودات والمفقودات. وبذلك تكون معرفة الله والإنسان والعالم مِن المهام والأدوار النظريّة للعقل. إنَّ جميع مدركات الإنسان تتحقّق بوساطة القلب والنفس أو الروح، وإنَّ العقل سراج القلب وأداة إدراكه، سواء في ذلك إدراك الحقائق الخارجيّة أو المفاهيم، وسواء في ذلك المفاهيم الجزئيّة أو المفاهيم الكليّة. وبطبيعة الحال، فإنَّ النفس في مدركاتها تعتمد في بعض الموارد على الحواس، وفي بعض الموارد الأخرى مِن دون الاستعانة بالحواس؛ وإنَّما تعتمد على مجرّد نور العقل في إدراك الحقائق.

هناك مِن العلماء والمفكّرين مَنْ يُعبّر عن المهمّة والدور النظري للعقل بعنوان «العلم»، ويستخدم مفردة العقل بشأن العقل العملي ـ الذي يتولّى مهمّة إدراك الحُسن والقبح العقلي ـ فقط. وفي ضوء هذا المصطلح، يكون العلم والعقل حقيقة واحدة، ويعود اختلافهما إلى متعلّق الإدراك. فإنْ تمّ بوساطة تلك الحقيقة الواحدة إدراك الموجودات والمعدومات، سُمّي ذلك الإدراك «علمًا»، وإنْ تمّ بها إدراك الواجبات والمحظورات، سُمّي ذلك الإدراك «عقلًا». ويستشهدون لذلك بلغة العرب، إذ يتضمّن العقل مفهوم المنع مِن الأعمال القبيحة[6]. كما أنَّ أغلب الروايات المرتبطة بالعقل، تتعلّق بالمهمّة والدور العملي للعقل[7]. وهناك مَنْ يستدلّ بهذا الأمر، وهو أنَّ العقل شرط التكليف، والطفل يدرك الموجودات والمعدومات؛ ولكنّه عندما يبلغ سنّ الرشد سوف يدرك الواجبات والمحرّمات، ومِن هنا يكون مكلّفًا بالتكاليف. وهناك مَن اعتبر الإطلاقات العرفيّة شاهدًا على هذه المهمّة والدور أيضًا[8]. وعلى الرغم مِن ذلك كلّه، ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة استعمال العقل في الدور النظري. فقد ورد في القرآن الكريم بعد ذكر الآيات التكوينيّة، مطالبةُ الناس بالتعقّل فيها، وتمّت نسبة إدراك الآية والتدبّر ـ مِن خلال الآية ـ بذيل الآية إلى أصحاب العقول:

1.(وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[9].
2.(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِن السَّمَاءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كلّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[10].

كما تمّت الإشارة في الروايات إلى الدور النظري للعقل بتعبير العقل. مِن ذلك مثلًا أنَّ الإمام عليّ(عليه السلام) يقول:

ـ «بالعقل استخرج غور الحكمة»[11].
ـ «أفضل العقل، معرفة الحق بنفسه»[12].
ـ «أفضل العقل، معرفة الإنسان نفسه»[13].
ـ «بالعقول تعتقد معرفته»[14].

وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنَّه قال: «بالعقل عرف العباد خالقهم، وأنَّهم مخلوقون»[15].
وبذلك يمكن القول بأنَّ مفردة العقل ومشتقّاتها، تستعمل أحيانًا في المعنى العام المشتمل على جميع المهام والأدوار، ومِن بينها الدور النظري والعملي، وتستعمل أحيانًا في المعنى الخاصّ، الذي يشتمل على خصوص دور العقل العملي، وتتمّ الإشارة إلى سائر الأدوار والمهام بلفظ «العلم». ويمكن أنْ نصطلح على المعنى الأوّل للعقل مصطلح «العقل بالمعنى الأعمّ»، وعلى المعنى الثاني للعقل مصطلح «العقل بالمعنى الأخصّ»، والمراد هنا هو العقل بالمعنى الأعمّ.

والنقطة الأخرى، هي أنَّ المهمّة والدور النظري للعقل، يشملان العقل الرياضي والعقل السليم أيضًا، وكلا العقلين يستعملان في دائرة الأمور النظريّة. والنقطة الختاميّة هي أنَّ جميع المدارس الكلاميّة المهمّة، مثل الإماميّة والمعتزلة والماتريديّة وحتّى الأشاعرة، يؤمنون بدور العقل النظري، كما يؤمنون بالاختلاف ضمن دائرة هذا العقل وكيفيّة الاستفادة منه.
مِن المعروف أنَّ الأشاعرة لا يستعملون العقل إلّا في مورد الدفاع عن التعاليم الدينيّة، ولا يؤمنون بالعقل بوصفه مصدرًا. إنَّ هذا الأمر ، وإنْ كان صحيحًا بشأن العقل العملي، ولكنّه لا يصحّ بشأن العقل النظري؛ وذلك لأنَّ الأشعري في كتاب (اللمع)، يستفيد مِن برهان مثل برهان الحركة لأرسطو في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، ويرى أنَّ انتقال الإنسان مِن النطفة إلى العلقة، ومِن النقص إلى الكمال، ومِن القوّة إلى الفعل، بحاجة إلى ناقل، وهو الله سبحانه وتعالى[16]. كما استفاد في نفي الشبيه[17] ونفي الشريك[18] مِن البرهان العقلي أيضًا. وهكذا، فإنَّ الكتب الأخرى للأشاعرة زاخرة بالاستدلالات العقليّة. مِن ذلك أنَّ الفخر الرازي ـ على سبيل المثال ـ يستفيد مِن برهان الحدوث، وكذلك مِن برهان الإمكان؛ لإثبات وجود الله سبحانه وتعالى[19]. ومِن بين المجلّدات الثمانية لكتاب (شرح المواقف) للقاضي عضد الدين الإيجي والسيّد شريف الجرجاني، تمّ تخصيص سبعة مجلّدات بالأمور العامّة المرتبطة بالعقل النظري، وتمّ تخصيص مجلّد واحد بالإلهيّات، إذ اشتمل على مختلف الأبحاث ـ ومِن بينها إثبات الصانع ـ مِن خلال إقامة براهين متنوّعة[20].

وعلى هذا الأساس، فإنَّ الاختلاف الجوهري في أصل إثبات وإنكار العقل، إنَّما يرتبط بالعقل العملي، وليس في أصل القبول بالعقل النظري. وبطبيعة الحال، هناك اختلاف في حدود ونوع الاستفادة مِن العقل النظري. يستفيد الإماميّة مِن العقل النظري على نطاق واسع، بينما يذهب الأشاعرة والماتريديّة إلى الاستفادة مِن العقل النظري على نطاق ضيّق. كما يكمن الاختلاف بين الإماميّة والمعتزلة في أنَّ العقل والوحي في تفكير الإماميّة عند الأئمّة وأصحابهم والكثير مِن المتكلّمين ـ في الحدِّ الأدنى ـ يتعاملان فيما بينهما بشكل وثيق، في حين أنَّ هذا التعامل في التفكير الاعتزالي، إمّا معدوم وإمّا هو في غاية الندرة. وبطبيعة الحال، فإنَّ هذا التعامل حتّى في الفكر الإمامي ليس على وتيرة واحدة. مِن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنَّ هذا التعامل في المدرسة الكلاميّة للكوفة، أكثر منه في مدرسة بغداد.

المهمّة والدور العملي
كما سبق أنْ ذكرنا في بحث الدور النظري للعقل، فإنَّ الاختلاف الجوهري في علم الكلام بشأن العقل، يعود إلى الدور العملي للعقل. إنَّ أصحاب الحديث والحنابلة والأشاعرة ينكرون الدور العملي للعقل. وأمّا الإماميّة والمعتزلة، فإنَّهم يقبلون بهذا الدور للعقل، ويقيمون الكثير مِن أدلّتهم على هذا الأساس.

إنَّ الدور العملي للعقل في علم الكلام عبارة عن: إدراك الحُسن والقبح الذاتي للأفعال. يذهب الإماميّة والمعتزلة إلى الاعتقاد بأنَّ الأفعال ـ بغضّ النظر عن أمر الشارع ونهيه ـ تنطوي على صفة الحُسن والقبح في ذاتها، وأنَّ الإنسان يدرك هذا الحُسن والقبح في بعض الموارد بعقله. وقد أقام هؤلاء بعض الأدلّة على مدعاهم، ومِن بين أهمّ تلك الأدلّة أنَّ العقل يدرك حسن بعض الأفعال وقبحها، حتّى مِن دون أمر الشارع ونهيه، ويحكمون باستحقاق هذه الأفعال للمدح والذم[21]. وهذا الأمر يعني الاعتقاد بالدور العملي للعقل. إنَّ الأشاعرة مِن بين المعاني الثلاثة للحسن والقبح (وهي: الكمال والنقص، والتناسب والتنافر مع الغرض، واستحقاق المدح والذم) ينكرون المعنى الثالث، وهو استحقاق المدح والذم، ويقولون: إنَّ الشارع وحده هو الذي يستطيع أنْ يحكم بحسن الأفعال وقبحها؛ بمعنى استحقاق المدح والذم[22]. وهذا الأمر يعني إنكار الدور العملي للعقل.
إنَّ أكثر الأدلّة التي يسوقها المتكلّمون في باب الأفعال الإلهيّة أو العدل الإلهي، تعود إلى العقل العملي؛ إذ إنَّ العدل الإلهي مِن وجهة نظر المتكلّمين، عبارة عن: تنزيه الله سبحانه مِن فعل القبيح والإخلال بفعل الواجب. وإنَّ مبنى هذا المفهوم، هو الاعتقاد بالحُسن والقبح العقلي. وعلى هذا الأساس، فإنَّ البحث الأوّل في العدل الإلهي، هو إثبات الحُسن والقبح العقلي على أساس إدراك العقل العملي، والبحث الثاني هو إثبات أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يفعل القبيح، ولا يترك فعل الواجب[23].

وأمّا سائر أبحاث العدل الإلهي، مِن قبيل: أنَّ أفعال الله معلّلة بالأغراض، وأنَّ الله يريد الطاعات ويكره المعاصي، وأنَّ الفعل الناتج مِن فعل الإنسان يُنسب إلى الإنسان، والتفسير الخاصّ للقضاء والقدر والإضلال، وعدم تعذيب أطفال الكفّار والمشركين، وحسن التكليف وشرائطه، ووجوب اللطف، ونظريّة العوض في بحث الشرور والآلام، يتمّ إثباتها بأجمعها في ضوء الحُسن والقبح العقلي وأداء العقل العملي[24].

كما أنَّ البحث الكلامي الأوّل، بمعنى «النظر والتفكير والتحقيق»، يتمّ بيانه على أساس وظيفة العقل العملي بوصفه أوّل واجباته ومهامه، وأنَّ دليليه ـ وهما: وجوب دفع الضرر المحتمل، ووجوب شكر المنعم ـ يتبلوران في ضوء الحُسن والقبح العقلي والعقل العملي[25]. كما أنَّ دليل الكثير مِن الأبحاث المرتبطة بالنبوّة والإمامة والمعاد، ينبثق عن العقل العملي والحُسن والقبح العقلي أيضًا. وحتّى وجوب الإيمان بالله الذي تمّ إثباته بوساطة العقل النظري والنبيّ والإمام المعصوم، يعود بدوره إلى العقل العملي أيضًا.
إنَّ الفلاسفة المسلمين ـ مِن أمثال: ابن سينا وصدر المتألّهين ـ لا ينكرون الحُسن والقبح العقلي، ولكنَّهم لا يرونه عقليًّا، وإنَّما يرونه عقلائيًّا، وأنَّه مِن المشهورات العامّة، ولا يقبلون بدور العقل العملي بالمعنى المذكور. ومِن هنا، فإنَّ صدر المتألّهين الشيرازي يرى أنَّ مراد المتكلّمين مِن العقل هو المشهورات العامّة[26]؛ وذلك لإأَّ الكثير مِن أدلّة المتكلّمين ـ التي تقدّم جانب منها ـ تقوم على أساس الحُسن والقبح العقلي والعقل العملي، وأنَّ هؤلاء الفلاسفة لا يعتبرون الحُسن والقبح عقليًّا، وإنَّما يرونه عقلائيًّا واعتباريًّا ومِن المشهورات العامّة. وحيث أنَّ المشهورات مِن مواد الجدل دون البرهان، فإنَّهم يقولون بأنَّ أدلّة المتكلّمين جدليّة، وأنَّ أدلّة الفلاسفة ـ القائمة على يقينيّات العقل النظري ـ برهانيّة.

ذهب ابن سينا في كتاب (منطق الإشارات) إلى تقسيم المشهورات إلى قسمين: قسم أوّليات العقل النظري، والآخر يستند إلى مجرّد الشهرة دون الأوليّات. والقسم الأوّل هو المشهورات بالمعنى الخاصّ للكلمة. وقد مثّل لهذا القسم بقبح أخذ مال الغير ظلمًا وكذلك قبح الكذب[27]. وقد ذهب الشيخ نصير الدين الطوسي بدوره في شرح عبارات ابن سينا إلى القول بأنَّ العدل مِن المشهورات التي تعود إلى مطلوب عموم الناس[28]. وقد مثّل ابن سينا للمشهورات في كتاب الشفاء بقبح الكذب والظلم[29].
وقال الشهيد مرتضى المطهري في هذا الشأن:»إنَّ الحكماء الإلهيين لا ينكرون الحُسن والقبح العقلي، ويرفضون رأي الأشاعرة في هذا الشأن؛ ولكنّهم يحصرون حدود هذه المفاهيم بحقل الحياة البشريّة فقط. يرى هؤلاء الحكماء أنَّ مفاهيم الحُسن والقبح لا طريق لها إلى الساحة الكبريائيّة بوصفها مقياسًا ومعيارًا. ولا تفسَّر أفعال ذات الباري تعالى بهذه المعايير والمقاسات البشريّة المحضة. إنَّ الله مِن وجهة نظر الحكماء عادل، ولكنْ لا مِن حيث أنَّ العدل حسن، وأنَّ إرادة الله تتعلّق دومًا بفعل الأمور الحسنة دون القبيحة ... يرى الحكماء أنَّ مفهوم الحُسن والقبح في أفعال الإنسان ـ والتي يتكوّن منها الوجدان الأخلاقي للناس ـ مفهوم اعتباري وليس مفهومًا حقيقيًّا. إنَّ قيمة المفهوم الاعتباري قيمة عمليّة، وليست قيمة علميّة واكتشافيّة. وإنَّ كلّ قيمته تكمن في كونه واسطة وأداة. إنَّ الفاعل بالقوّة لكي يصل إلى غايته الكماليّة في الأفعال الإراديّة، مضطرّ إلى صناعة واستعمال هذا النوع مِن المفاهيم بوصفها أداة للفعل»[30].

وكما هو واضح، فإنَّ الشهيد المطهري يرى أنَّ الفلاسفة المسلمين يرون أنَّ الحُسن والقبح أمور اعتباريّة وواقعيّة وبشريّة مئة في المئة، وأداة مصنوعة لأغراض خاصّة، وليست أمورًا واقعيّة نفسّر في ضوئها الأفعال الإلهيّة والعدل الإلهي. هذا في حين أنَّ المتكلّمين مِن الإماميّة والمعتزلة في ضوء الوظيفة العمليّة للعقل، يرون أنَّ الحسن والقبح مِن ذاتيّات الأفعال، وأنَّها أمور واقعيّة يعمل العقل العملي على اكتشافها؛ ومِن هنا يمكن الاستفادة منه في العقائد، ومِن بينها أصول الدين، مِن قبيل: العدل، والنبوّة، والإمامة، والمعاد، وحتّى في الواجب الأوّل؛ أي وجوب النظر أيضًا.
بعد اتّضاح موقع ومهام العقل العملي في علم الكلام، مِن المناسب أنْ نعمل أوّلًا على بيان معاني العقل العملي في الكلام والفلسفة، لنبحث بعد ذلك في رؤية القرآن الكريم والروايات الشريفة في هذا الشأن. إنَّ المعنى الأوّل للعقل العملي، هو أنَّه قوّة يدرك الإنسان بوساطتها حسن الأفعال وقبحها أو يدرك بها الواجبات والمحظورات؛ الأعمّ مِن القول بذاتيّة الحسن والقبح بالنسبة إلى الأفعال ـ وهو قول المتكلّمين مِن الإماميّة والمعتزلة ـ أو أنْ نفسّرها بالمشهورات الاعتباريّة التي تعود إلى المصالح العامّة، وهو ما ذهب إليه بعض الفلاسفة. إنَّ العقل العملي بهذا المعنى يلعب دورًا إدراكيًّا، وإنَّ اختلافه عن العقل النظري يعود إلى المدرَكات. إنَّ العقل النظري يدرك الموجودات والمعدومات، وأمّا العقل العملي فهو يدرك الواجبات والمحظورات. ويمكن الإشارة مِن بين أنصار هذه النظريّة إلى كلّ مِن: الفارابي، وابن سينا في الإشارات، والعلّامة الحلّي، والمرحوم السبزواري، والشهيد مرتضى المطهري، وآية الله مصباح اليزدي[31].

والمعنى الآخر للعقل العملي، عبارة عن القوّة المحرّكة بالعمل والإرادة. وعلى أساس هذا المعنى، يكون العقل العملي عبارة عن قوّة العمل وليس قوّة الإدراك، وأنَّ إدراك الواجبات والمحظورات بدوره يقع على عاتق العقل النظري أيضًا. إنَّ قطب الدين الرازي، والمحقّق النراقي، وآية الله جوادي آملي، مِن أنصار هذه النظريّة[32].
لقد عمد ابن سينا في الطبيعيّات مِن كتاب الشفاء وكتاب النجاة في البداية إلى عدّ العقل العملي مبدأ تحريك أعضاء الإنسان إلى الأفعال الجزئيّة المنبثقة عن السلوك والتفكير[33]؛ ولكنّه عمد في توضيح أدوار العقل العملي إلى بيان ثلاثة أدوار، وقال في هذا الشأن:

"إنَّ للعقل العملي ثلاثة اعتبارات وثلاث جهات، وعلى أساس كلّ واحد مِن هذه الجهات تصدر عن الإنسان أعمال خاصّة: الجهة الأولى بالمقارنة إلى القوّة الحيوانيّة النزوعيّة، والجهة الثانية بالمقارنة إلى القوّة الحيوانيّة المتخيّلة والمتوهّمة، والجهة الثالثة بالمقارنة إلى ذاتها"[34].
إنَّ العقل العملي بالمقارنة إلى القوّة الحيوانيّة النزوعيّة، يؤدّي إلى ظهور حالات مِن قبيل: الحياء، والخجل، والضحك أو البكاء، وهذه حالات خاصّة بالإنسان. إنَّ العقل العملي يستعدّ بفضل الفعل والانفعال ـ الذي يحدث في الإنسان سريعًا ـ ليُحدث هذا النوع مِن الحالات في الإنسان. إنَّ هذا العقل بالمقارنة إلى القوّة الحيوانيّة المتخيّلة والمتوهّمة، قوّة تعمل على توظيف تلك القوّتين في استنباط تدبير الأمور الحادثة والقابلة للفساد واستنباط الصنائع الإنسانيّة؛ وأمّا بالمقارنة إلى نفسها فهي قوّة تتوصّل بمساعدة العقل العملي إلى الآراء المتعلّقة بالأعمال، والتي تُسمّى بالمشهورات؛ مِن قبيل: الكذب والظلم قبيح[35].
لقد ذكر ابن سينا ما يُشبه هذه المطالب في كتاب (عيون الحكمة) أيضًا[36]. وفي رسالة النفس لم يذكر مِن بين هذه المهام والأدوار الثلاثة سوى الموردين الثاني والثالث فقط[37].

وفي كتاب الإشارات لم يذكر سوى الدور والمهمّة الثالثة فقط، وذلك بتفسير خاصّ بطبيعة الحال[38]. إنَّ المعنى أو المهمّة الأولى للعقل العملي، هو الدور العملي وغير الإدراكي. والمهمّة الثانية وإنْ كانت إدراكيّة واستنباطيّة، ولكنْ لا ربط لها بالواجبات والمحظورات. وأمّا المهمة الثالثة، فهي ترتبط بالواجبات والمحظورات.
وبذلك، فقد اتّضح أنَّ هناك آراء متنوّعة في تفسير العقل العملي. والآن علينا أنْ نرى ما هي المطالب الواردة في القرآن الكريم والروايات بشأن العقل العملي. والنقطة الأولى في هذا الشأن، هي أنَّ أغلب استعمالات العقل في الأحاديث ترتبط بالاستعمال العملي للعقل[39].
وفي الآية رقم 151 مِن سورة (الأنعام) بعد ذكر قائمة مِن المحرّمات والأمور القبيحة، قال تعالى: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[40].

والنقطة الثانية أنَّه ورد الكلام في الروايات المتنوّعة عن دور العقل العملي بأشكال متنوّعة، ويمكن إدراج هذه الأشكال المتنوّعة ـ في الحدّ الأدنى ـ ضمن أربع مجموعات[41]. وفيما يلي مِن الضروري بيان مجموعتين مِن هذه الروايات بالنسبة إلى بحثنا.

الطائفة الأولى مِن الروايات، هي الروايات التي تتحدّث عن العقل بوصفه أداة لإدراك حُسن الأفعال وقبحها. وممّا يروى عن الإمام الصادق(عليه السلام)، في هذا الشأن قوله: «عرفوا [العباد] به [العقل] الحسن مِن القبح»[42].
وعن الإمام عليّ(عليه السلام)، قال: «العاقل مَن يعرف خير الشرّين»[43].
وعن النبيّ الأكرم (ص)، أنَّه قال:
«فإذا بلغ [الإنسان]، كُشف ذلك الستر [عن القلب]؛ فيقع في قلب هذا الإنسان نور، فيفهم الفريضة والسنّة، والجيّد والرديء، إلّا مثَل هذا العقل في القلب كمثَل السراج في وسط البيت»[44].

والمجموعة الثانية مِن الروايات تعتبر العقل أمرًا بالفضائل وناهيًا عن الرذائل والسيّئات. وممّا يروى عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في هذا الشأن قوله:

ـ «العقل يأمرك بالأنفع»[45].
ـ «الحازم مِن عقله عن كلّ دنية زاجر»[46].
ـ «للقلوب خواطر سوء، والعقول تزجر عنها»[47].
وعن الإمام الحسن(عليه السلام)، أنَّه قال: «اعلموا أن العقل حرز»[48].
وفي ضوء هاتين المجموعتين مِن الروايات، يكون العقل العملي مدركًا لحسن الأفعال وقبحها، كما أنَّه يأمر بالحسنات وينهى ويردع عن السيّئات أيضًا.

وفيما يتعلّق بالدور الثاني للعقل العملي، لا بدّ مِن الالتفات إلى أنَّ المراد مِن القوّة المحرّكة ليس بمعنى الإرادة؛ إذ مِن الممكن للعقل أنْ يأمر بعمل خاصّ، إلّا أنَّ الإنسان لا يريد ذلك العمل. إَّن الإرادة في حدّ ذاتها عمل جوانحي، هو مبدأ لعمل جوارحي. إنَّ هذا العمل الجوانحي يتمّ بوساطة النفس على أساس القدرة والاختيار. فبعد أنْ يعمل الجهل والشهوة على أمر النفس بالقيام بالعمل القبيح، وتمارسان الضغط على النفس في ذلك، وفي المقابل يعمل العقل على أمر النفس بالقيام بالعمل الحسن، ويضغط على النفس في ذلك، تكون النفس على أساس القدرة والاختيار أمام مفترق طريقين؛ ويمكن لها أنْ تختار امتثال أحد الأمرين وتلبية إحدى هاتين الدعوتين، بحرّيتها وإرادتها. وحتّى النفس في ظلّ هذه الشرائط تلاحظ مرجّحات الطرفين، وتقول لأحدهما: كن أنت مرجّحي؛ وبذلك فإنَّها تختاره في الواقع بوصفه مرجّحًا لها، وتتخلّى عن مرجّح الطرف الآخر، ثمّ تعمل إرادتها على أساس المرجح الذي تختاره. وعلى هذا الأساس، لا يكون عمل العقل إرادة. ولو كان عمل العقل إرادة، لكان الناس على الدوام مجبرين على العمل في ضوء العقل؛ في حين مِن الواضح أوّلًا أنَّ الإنسان لا يعمل على أساس العقل دائمًا، وثانيًا إنَّ الإنسان ليس مجبرًا ولا مكرهًا. إنَّ الدور والمهمّة الثانية للعقل؛ أي الأمر والنهي، هو مِن قبيل قوله تعالى: (إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[49]. إنَّ نهي الصلاة ليس بمعنى الإرادة التي تصدر بعد ذلك الفعل، بل إنَّ ردع الصلاة يكون بشكل اقتضائي، والدعوة إلى الحسنات وترك السيّئات وممارسة الضغط النفسي على الإنسان، واضطرار الإنسان إلى القيام بعمل خاصّ أو تركه.

وعلى هذا الأساس، فإنَّ العقل العملي يدرك حسن الأفعال وقبحها بشكل كلّي وجزئي، كما يحكم بالواجبات والمحظورات، ويضغط على الإنسان نفسيًّا؛ ولكنَّ هذه الأمور بأجمعها إنَّما تكون في مرحلة الاقتضاء دون العلّة التامّة. إنَّ الحكم التكويني الذي لا يقبل التخلّف، يعود ـ بعد إمضاء الله سبحانه وتعالى بطبيعة الحال ـ إلى إرادة نفس القادر المختار، وليس إلى العقل. إَّن هذا الإدراك والحكم والضغط، يعود إلى قدرة العقل العملي. إنَّ الإنسان يجد هذه القدرة في نفسه بنور العقل، ولا ضرورة إلى إحالتها إلى أمور أخرى مِن قبيل: المصالح الاجتماعيّة، أو أمر الشارع، أو الضرورة بالقياس إلى الكمال والسعادة النهائيّة.

إنَّ الدور الثاني للعقل العملي، ينطبق بالكامل على المعنى اللغوي للعقل، الذي هو عبارة عن النهي والزجر؛ رغم أنَّ المهمّة الأولى للعقل العملي، وكذلك كلّ واحد مِن أدوار العقل ـ وإنْ كان على نحو بعيد ـ يقع في مسار ترك السيّئات والقبائح. وسوف نعود إلى هذه المسألة في معرض الحديث عن الدور الآلي.

الدور الآلي
لقد تمّ التعبير عن الدور الآلي للعقل في الروايات بـ»التدبير» و»المعاش»، والمراد به هو العقل الذي يهدي الإنسان إلى تدبير وإصلاح أمور حياته وتنظيم معاشه الدنيوي. إنَّ هذا العقل يسعى إلى العثور على التدابير التي توصل الإنسان إلى مقاصده وغاياته المنشودة في الحياة. وبذلك، فإنَّ جميع العلوم والفنون التي يتمّ الحصول عليها مِن أجل الوصول إلى أهداف محدّدة، تعود إلى العقل الآلي؛ لأنَّ هذا العقل يمثّل آلة للوصول إلى الأهداف المحدّدة في الحياة الدنيويّة. إنَّ هذا العقل يزوّد الإنسان بالقدرة على الحساب والتنبّؤ بما ستكون عليه الأمور في المستقبل.
إنَّ الفلاسفة المسلمين يعملون في العادة على تقسيم العقل إلى العقل النظري والعقل العملي، ولا يأتون على ذكر العقل الآلي في تقسيماتهم؛ ولكنْ كما نرى في عبارات ابن سينا، فإنَّ الدور الثاني للعقل العملي ـ بمعنى استنباط الصناعات الضروريّة ـ يُشير إلى الدور الآلي. وبطبيعة الحال، فإنَّ أرسطو قد قسّم الحكمة إلى ثلاثة أقسام، وهي: الحكمة النظريّة، والحكمة العمليّة، والحكمة الإنتاجيّة[50]، إذ يمكن إرجاع القسم الثالث مِن الحكمة إلى العقل الآلي.

ويمكن الإشارة في الروايات إلى موارد مِن هذه المهام والأدوار، على النحو الآتي:

1. «لا عقل كالتدبير»[51].
2. «أدلّ شيء على غزارة العقل حُسن التدبير»[52].
3. «يا عليّ، لا ينبغي للعاقل أنْ يكون ظاعنًا إلّا في ثلاث: مرمّة لمعاش، أو تزوّد لمعاد، أو لذّة في غير محرّم»[53].
4. «سبعة أشياء تدلّ على عقول أصحابها: المال يكشف عن مقدار عقل صاحبه، والحاجة تدلّ على عقل صاحبها، والمصيبة تدلّ على عقل صاحبها إذا نزلت به، والغضب يدلّ على عقل صاحبه، والكتاب يدلّ على عقل صاحبه، والرسول يدلّ على عقل مَنْ أرسله، والهدية على مقدار عقل مهديها»[54].

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو أنَّه يقال مِن جهة: إنَّ تدبير المعاش وإصلاح أمور الدنيا مِن مهام وأدوار العقل، وفي السياق ذاته نعلم أنَّ هناك الكثير مِن الأشخاص الذين لم يتركوا جرمًا وظلمًا إلّا وقد ارتكبوه مِن أجل إصلاح دنياهم، ويقال مِن ناحية أخرى: «العقل ما عُبد به الرحمن». فهل يمكن القول: إنَّ ما كان يعمل هؤلاء الأشخاص على تطبيقه وممارسته ـ الذي يعود بجذوره ومناشئه إلى عبادة الشيطان ـ هو العقل؟

والجواب عن ذلك ـ كما تقدّم بيانه ـ هو أنَّ للعقل ثلاثة مهام وأدوار؛ فإنْ كان ما يقوم به العقل الآلي ويعمل على تدبيره قائمًا على أساس التطابق مع معطيات البُعد النظري والعملي للعقل، وكان تدبير العقل الآلي مِن أجل الوصول إلى الأهداف والغايات المحدّدة والمنشودة بوساطة العقل العملي؛ أمكن عدّ ذلك في المصطلح الديني عقلًا. وبعبارة أخرى: عندما يقوم العقل النظري بإثبات وجود الله سبحانه وتعالى، ويدرك العقل العملي بوجوب إطاعته، فإنْ كان التدبير الذي يراه العقل الآلي واقعًا في هذا المسار ومِن أجل تحقيق العبادة والقيام بها على النحو الأفضل، كان إطلاق العقل عليه صائبًا؛ وإلّا لن يكون هناك ـ كما جاء في بعض الروايات ـ سوى تشابه اسمي وظاهري له مع العقل، لا أنَّه عقل حقيقة: «تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بعقل»[55]؛ وذلك لأنَّ العقل في مثل هذه الحالة، يكون قد وقع في مسار الشيطان، ويعمل ـ في الحقيقة ـ في إطار الجهل.

ومِن هنا يمكن القول بأنَّ العقل الآلي في المصطلح غير الديني، يمكن أنْ يقع في مسار الجهل، كما يمكن أنْ يقع في مسار العقل، ويكون بذلك في حالة محايدة. وأمّا في المصطلح الديني، فإنَّ العقل الآلي إنْ استعمل في مسار العقل النظري والعملي، سُمّي عقلًا، وإنْ تمّ توظيفه في مسار الجهل، سُمّي بالنكراء والشيطنة. وفي النقطة المقابلة للمصطلح الديني، يقع مصطلح ديفيد هيوم عن العقل؛ إذ يرى أنَّ العقل الآلي أداة في خدمة الرغبات والشهوات والانفعالات[56].
لا ينبغي تفسير الدور الآلي للعقل بوصفه مجرّد دور فردي وعملي، بل يمكن اعتباره ـ بشكل أكثر عمومية ـ مشتملًا على دور معرفي واجتماعي. في ضوء هذا التفسير، يمكن للعلوم الإنسانيّة ـ التي هي مِن قبيل: الإدارة، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والسياسة والحقوق ـ أنْ تكون أداة ووسيلة لتحقيق الحياة الطيّبة والمعقولة التي تمّ التخطيط لها مِن قبل الدين. وعليه، يمكن للعقل الآلي مِن خلال الاستعانة بالتجربة وفي ضوء التعاليم الدينيّة أنْ يؤسّس للعلوم الإنسانيّة؛ وهي العلوم التي تقع في مسار إدارة الإنسان والمجتمع، وفي خدمة المجتمع والأمّة الإسلاميّة والحياة الطيّبة والمعقولة.

وبذلك يمكن اعتبار تأسيس العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة مِن مهامّ وأدوار العقل الآلي؛ وذلك لأنَّ هذا الدور للعقل يقع في طول الدور النظري والعملي، والذي يتمّ به إثبات الدين والتعاليم الدينيّة والحياة السعيدة، والهدف منه تحقيق نوع مِن الحياة التي تمّ إثباتها بالعقل النظري والعقل العملي والمعارف الدينيّة. بل ويمكن اعتبار حتّى العلوم الأخرى مِن قبيل العلوم الفنيّة والعلوم الهندسيّة والعلوم الطبيّة والعلوم الأساسيّة، مِن أدوار ومهام العقل الآلي أيضًا، شريطة أنْ تقع هذه العلوم في إطار خدمة الناس وتلبية احتياجات المجتمع. وبطبيعة الحال، تتمّ الاستفادة في هذه العلوم مِن العقل النظري والتجربة أيضًا، بيد أنَّ العقل الآلي بدوره يلعب دورًا في إنتاج هذه العلوم أيضًا؛ وذلك لأنَّ إنتاج هذه العلوم، يأتي في إطار تدبير المعاش والرفاه في الحياة الدنيويّة، وهذا الأمر مِن مهام العقل الآلي. إنَّ العقل الآلي بهذا الدور يتكفّل بأداء مهمّته ودوره في توسيع رقعة الدين لتشمل مسرح إدارة المجتمع ومعاش الإنسان، كما يساعد المتكلّم بذلك في الدفاع عن حياض الدين أيضًا. وسوف نعود إلى هذا البحث عند الحديث عن مساحة جدوائيّة العقل وفائدته في المعارف الدينيّة.

الدور الاستنباطي للعقل
إنَّ المهام الثلاثة التي تقدّم بيانها للعقل، هي مِن المهام والأدوار المستقلّة للعقل، بيد أنَّ للعقل في دائرة المصادر الأخرى ـ مِن قبيل الوحي ـ مهمّات وأدوارًا أيضًا، ومِن بينها، الدور الاستنباطي. إنَّ فهم مراد المتكلم، وفهم المنطوق والمفهوم، وفهم مقدّمات ولوازم النصّ، ومقارنة العام بالخاصّ والمطلق بالمقيّد، وجمعها وتبويبها، وبشكل عام جميع الأمور التي يرِد ذكرها في مباحث الألفاظ مِن علم الأصول، هي مِن مهام وأدوار العقل الاستنباطي. إنَّ الاجتهاد في اللغة وتوظيف اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان وعلم الأصول؛ لغرض الاجتهاد والاستنباط المنشود للشارع مِن الكتاب والسنّة، مِن بين المهام والأدوار الاستنباطيّة للعقل. وهكذا الأمر في فهم التعارض بين العقل والوحي، أو فهم التعارض بين النصّين والعثور على حلّ لهذا التعارض. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[57]. إنَّ هذه الآية تُشعر بنوع مِن تجسيم الله سبحانه وتعالى؛ إذ النظر يكون عادة بالعين الجارحة، وهذا يتوقّف على أنْ يكون المرئي جسمًا، ويشغل حيّزًا مكانيًا، وأنْ يكون مرئيًّا أيضًا. في حين هناك بحث طويل وعريض حول كيفيّة جسمه وأين يكون محلّ رؤيته؟ ولكنْ عندما يتمّ ضمّ هذه الآية إلى قوله تعالى في آية أخرى تقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[58]، يحكم العقل بأنَّ المراد في الآية الأولى شيء آخر، ولا ينبغي لنا أنْ نفهم التجسيم منها. وعليه، فإنّه يُصوَّر لها معان ووجوه، مِن قبيل: أنَّ المراد مِن كلمة «ناظر» هو النظر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى بعين الأمل. ولا شكّ في أنَّ هذه المهمّة مِن المهام الأساسيّة للعقل.

المهمّة الدفاعيّة للعقل
إنَّ المراد مِن الدفاع هنا، هو الدفاع بالمعنى العام للكلمة؛ أي الخطوات التي يتّخذها المتكلّم بعد استنباط التعاليم الدينيّة وفي المواجهة مع المخاطب مِن أجل إعداد الأرضيّة لاعتقاده وإيمانه بالدين. وهذه المراحل عبارة عن: البيان، والتنظيم، والإثبات، وردّ الشبهات، والردّ على المدارس والمذاهب المخالفة والمناوئة. وبطبيعة الحال، فإنَّ الدفاع في بعض الموارد، إنَّما يشمل المرحلة الثالثة والرابعة فقط؛ بيد أنَّ المراد هنا، هو الدفاع بالمعنى العام.
إنَّ القوّة التي تقوم بالمهام المذكورة في سياق الدفاع عن الدين هي العقل، ونحن نسمّي هذا الدور الذي يقوم به العقل بالدور الدفاعي للعقل. إنَّ العقل يعمل على بيان وتنظيم التعاليم المستنبطة على أساس حالة المخاطب ومقتضيات المجتمع وما إلى ذلك مِن الأصول والشرائط، ويقوم بإثبات التعاليم التي تمّ بيانها وتنظيمها، ويردّ الشبهات الواردة عليها. وبطبيعة الحال، يمكن في مقام الدفاع عن هذه التعاليم ـ بما يتناسب مع حالة المخاطب وموضوع البحث ـ الاستفادة مِن النقل أيضًا؛ بيد أنَّ العقل هو الذي يعمل على تنسيق التعاليم النقليّة، وعرضها وتقديمها في قالب الاستدلال الخاصّ.

أدوار ومهام العقل في المعرفة الدينيّة
بعد بيان مهام العقل وأدواره، سوف نعمل ـ في ضوء هذه المهام ـ على بحث واستقراء أدوار العقل في المعرفة الدينيّة.

العقل باعتباره ميزانًا
إنَّ هذه النظريّة المنسوبة إلى المعتزلة، تقوم على ضرورة عرض جميع المعتقدات الدينيّة على العقل بوصفه ميزانًا، وإذا تمكّن العقل مِن إقامة البرهان على تلك المطالب، سوف نقبل بها، وإلّا فإنَّها لن تكون مقبولة[59]. يجب القول في نقد هذه النظريّة: إنَّ هذا رأي متطرّف بشأن العقل؛ وذلك لأنَّ العقل يؤكّد ـ بشكل غير مباشر ـ على ضرورة القبول بالكثير مِن المطالب، ولكنّه لا يستطيع أنْ يقوم مباشرة بإقامة الدليل والبرهان على صحّتها وصوابيّتها؛ بمعنى أنَّ العقل عندما يقيم الدليل على وجود الله سبحانه وتعالى، وصدق النبيّ والوحي، وضرورة التبعيّة لهم، يجب عليه القبول بما ثبت لديه مِن هذا الطريق، وإنْ لم يكن يمتلك استدلالًا مستقلًّا ومباشرًا على ذلك؛ في حين أنَّ القائلين بهذه النظريّة لا يقبلون بهذا الأمر.

وبطبيعة الحال، فإنَّ المضمون النقلي يجب أنْ لا يخالف البديهيّات العقليّة. وبعبارة أخرى: يجب إزاحة المطلب «المخالف للعقل» جانبًا، وبذلك يكون العقل هو الميزان؛ وأمّا المطلب «غير العقلي»، فلا يجب التخلّي عنه؛ لأنَّ العقل يعمل على تأييده بشكل غير مباشر.

العقل بوصفه مفتاحًا
في ضوء هذه النظريّة التي تنسب إلى الأشاعرة عادة ـ وهي بطبيعة الحال نسبة غير دقيقة ـ يكون دور العقل مجرّد دور المفتاح بالنسبة إلى المصدر الوحياني للمعارف، وليس أكثر مِن ذلك؛ بمعنى أنَّ العقل مِن خلال إثبات وجود الله والأنبياء ووجود الوحي وضرورة التبعيّة لهذه المفاهيم، إنَّما يوفّر لنا هذه الإمكانيّة، وهي الاستفادة مِن مصدر باسم الوحي والنقل؛ ولكنّه في حدّ ذاته بوصفه مصدرًا معرفيًّا ليس له أيّ اعتبار أبدًا في العثور على معارف الدين الأخرى، ويتعيّن على الأشخاص في ذلك أنْ يحصلوا على المعارف مِن طريق النقل فقط.

إنَّ هذه النظريّة كما نلاحظ، تمثّل رؤية تقليليّة وتفريطيّة وضيّقة للغاية تجاه العقل، وكما أدركنا في بحث مهام العقل، فإنَّ للعقل الكثير مِن الوظائف والمهمّات الأخرى، ودليل ذلك هو العقل ذاته. مِن ذلك عندما يدرك العقل حُسن أو قبح بعض الأفعال ـ على سبيل المثال ـ لا يمكن القول إنَّه يجب علينا التخلّي عن هذا الإدراك العقلي؛ إذ ليس هناك مِن دليل أو سبب يدعونا إلى القبول بالحكم العقلي وردّ حكم عقلي آخر.

ومِن ناحية أخرى، ليس الأمر بحيث لا يمكن للعقل أنْ يلعب أيّ دور في الوظيفة المفتاحيّة للعقل؛ إذ يمكن للنقل في هذا المقام أنْ يعمل على تثوير العقل وإرشاده مِن خلال البيان الاستدلالي العقلي إلى صحّة هذا الاستدلال.

العقل بوصفه سراجًا
هناك مِن العلماء والمفكّرين مَنْ عمد ـ بعد نقد نظريّة القول بالعقل بوصفه ميزانًا أو مفتاحًا ـ إلى بيان نظريّة العقل بوصفه مصباحًا وسراجًا. وبطبيعة الحال، فقد تمّ القبول في هذه النظريّة بدور العقل بوصفه مفتاحًا أيضًا. «إنَّ العقل ـ في ضوء هذه النظريّة ـ بالإضافة إلى كونه مفتاحًا، يلعب ـ بالنسبة إلى أصل كنز الدين ـ دور السراج أيضًا، فهو مصدر معرفي بالنسبة إلى مضامين ومحتويات الكنز أيضًا»[60].

إنَّ الذي يُفهم مِن هذه العبارة في النظرة الأولى، هو أنَّ العقل بالإضافة إلى دور المفتاح، يقوم بمهمّة استنباطيّة أيضًا، وأنَّ فهم المعارف الدينيّة يتحقّق بوساطة العقل الاستنباطي والاجتهادي. إنَّ هذا الدور للعقل أمر ثابت ومسلّم، ولكنْ بعد التدقيق في تتمّة كلامه، وكذلك بالرجوع إلى مختلف أبحاثة المتنوّعة التي ذكرها المنظّر في كتابه، يتّضح أنَّ مراده مِن العقل بوصفه سراجًا، ليس هو مجرّد الدور المفتاحي والاستنباطي المحض فقط؛ بل إنَّ كلّ ما يفهمه العقل ولو مِن غير النصّ، وحتّى أفهام العقل التجريبي مِن الطبيعة المشروطة باليقين أو الاطمئنان، سوف تكون داخلة ضمن دائرة المعرفة الدينيّة أيضًا. وقد قال سماحته بعد العبارة أعلاه: «إنَّ العقل في مختلف مستوياته وسطوحه ـ ابتداءً مِن العقل التجريدي إلى العقل شبه التجريبي والتجريبي المحض ـ إذا كان مفيدًا لمعرفة يقينيّة أو مورثّة للاطمئنان، يمكن له أنْ يكون كاشفًا عن الأحكام الدينيّة، وأنْ يضمن البُعد المعرفي لقوانين الدين جنبًا إلى جنب النقل»[61].

كما قال سماحته بشأن موضوع البحث:
«إنَّ ما سوى الله إمّا كتاب تكوينه، مِن قبيل: السماء والأرض والإنسان والحيوان، وأمّا كتاب تشريعه، مِن قبيل: التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم، والقرآن الكريم. وعلى هذا الأساس، فإنَّ العقل بمعناه الواسع، يتولّى عمليّة فهم وإدراك فعل الله وقوله وتصفّح أوراق كتاب تكوينه وتدوينه. وعليه، ليس إدراكه في قبال المعرفة الدينيّة، وخارج حدود معرفة الدين أبدًا»[62]. «ليس لدينا علم غير ديني أصلًا، فليس علم الجيولوجيا ولا أيّ علم آخر مطلق ومتحرّر ولا غير ديني، بل هو ديني فقط»[63]. «إذن فالعلم ليس علمانيًّا أبدًا، وإنْ أمكن للعالِم أنْ يصبح علمانيًّا»[64].
ومِن بين أدلّته على دينيّة الفهم اليقيني والاطمئناني للعقل والتجربة، هو «إنَّ الدليل العقلي والنقلي كلاهما هبة مِن الله سبحانه وتعالى»[65]. «وحيث أنَّ العالَم مِن صنع الله سبحانه وتعالى على نحو القطع واليقين، فإنَّ العلم بدوره يجب أنْ يكون إلهيًّا ودينيًّا لا محالة»[66].

يجب القول في نقد هذه النظريّة، أوّلًا: إنَّ القول بأنَّ العقل والنقل هبة، وأنَّ العالم مخلوق مِن قبل الله، لا يصلح دليلًا على أنْ يكون كلّ ما يتمّ فهمه بالعقل والتجربة في باب العالم صحيح، ناهيك عن أنْ يكون دينيًّا. وثانيًا: ليس هناك تلازم بين صحّة أمر ما وكونه دينيًّا. مِن ذلك مثلًا أنّنا حتّى لو أدركنا معادلة رياضيّة ذات مجهولين ـ على سبيل المثال ـ واكتشفنا معادلة التفاضل والتكامل، أنْ ندرك باطمئنان أنَّ تربة هذه المدينة مِن نوع خاصّ، لا يمكن لهذه المعلومات أنْ تكون دينيّة مهما كانت صحيحة. ولكي يتمّ إثبات دينيّة قضايا العلوم المختلفة، يجب إيضاح وإثبات ملاك الدينيّة، وأنْ يتمّ إثبات وجوده في القضيّة مورد البحث، وهو ما تفتقر إليه هذه النظريّة. وإذا ما تجاوزنا ذلك كلّه، فإنَّ هذه النظريّة في غاية البُعد عن واقعيّة العلوم المعاصرة؛ وذلك لأنَّ العلوم المعاصرة عبارة عن مجموعة مِن النظريّات القائمة على فرضيّات متنوّعة ونماذج مختلفة. إنَّ علميّة مسألة ما في العلوم المعاصرة، لا تعني صوابيّتها وصحّتها؛ بل يعني ذلك مجرّد استنادها إلى أسلوب ومنهج خاصّ. ومِن هنا، يتمّ بيان الآراء المتنوّعة في العلوم بوصفها علمًا، وليس الأمر بأنْ ينظر إليها بوصفها نظريّة علميّة فقط، واعتبار سائر الآراء الأخرى غير علميّة.

الرأي المختار
كما تقدّم أنْ ذكرنا، فإنَّ القول بالعقل بوصفه ميزانًا؛ بمعنى أنَّ القضيّة النقليّة إذا كانت متعارضة مع اليقينيّات العقليّة، يجب التخلّي عنها أو تأويلها؛ أمر مقبول، وإنَّ العقل النظري والعقل العملي بهذا المعنى ميزان؛ وأمّا إذا كانت بمعنى أنَّ جميع التعاليم الدينيّة يجب أنْ تمتلك برهانًا عقليًّا مباشرًا، لم يكن ذلك صحيحًا؛ إذ مِن الممكن لبعض المفاهيم النقليّة أنْ لا تدرك بالعقل، ولكنْ حيث أنَّ العقل قد أثبت النقل، فإنَّ هذا المفهوم النقلي، سوف يكون بدوره عقليًّا بشكل غير مباشر أيضًا. إنَّ العقل بوصفه مفتاحًا يعود إلى الدور النظري والعملي للعقل؛ لأنَّ العقل النظري يثبت وجود الله سبحانه وتعالى وصدق النبيّ، والعقل العملي يحكم بوجوب الإيمان بالله تعالى والقبول بالدين. إنَّ هذا الدور أمر واضح؛ لأنّنا إذا أردنا أنْ نثبت وجود الله بالدليل النقلي، لزم مِن ذلك الدور الباطل؛ وأمّا القول بالعقل بوصفه مفتاحًا، فلا يعني عدم وجود أيّ دور للنقل في إثبات وجود الله والدين؛ إذ مِن الممكن للنقل أنْ ينطوي على برهان عقلي، ويعمل على إثارة العقل مِن هذه الناحية.

وأمّا القول بأنَّ العقل مصباح، فهو إذا كان بمعنى الاعتراف بالعقل الاستنباطي، فإنَّ هذا الدور للعقل مِن أكثر أدوار العقل ومهامه بداهة، وهو أمر يعترف به جميع المتكلّمين. وحتّى المخالفون لعلم الكلام مِن أصحاب الحديث والحنابلة بدورهم، يعملون على الاستفادة مِن هذا الدور للعقل وإنْ في الحدّ الأدنى، دون أنْ يأتوا على تسمية ذلك.
بالإضافة إلى هذه المهام والأدوار الثلاثة ـ على التفسير المتقدّم بطبيعة الحال ـ هناك الدور الدفاعي للعقل، الذي لم يتم الالتفات إليه في النظريّات الثلاثة المذكورة آنفًا، وهو أحد الأدوار المهمّة للعقل في المعرفة الدينيّة على ما تقدّم توضيحه.

إنَّ الدور الخامس للعقل في المعارف الدينيّة، هو الدور الآلي. قد يبدو أنَّ الدور الآلي للعقل بمعنى تدبير المعاش والحياة الدنيويّة، ومِن هنا فإنّه لا تكون له أيّ صلة بالدين. إنَّ هذا الأمر في ضوء الرؤية القائلة بأنَّ الدين لا شأن له بالحياة في هذه الدنيا، وإنَّما يهتمّ بخصوص الآخرة، قد يبدو صحيحًا؛ ولكنْ لو قلنا بأنَّ الدين يتكفّل بهداية الإنسان إلى الحياة الطيّبة، سواء في الدنيا والآخرة، فإنَّ الأمر سوف يكون مختلفًا. إنَّ الحياة الأصليّة والخالدة مِن وجهة نظر الدين وإنْ كانت هي الحياة الأخرويّة، إلّا أنَّ طريق الوصول إلى الحياة الأخرويّة هي الحياة الدنيويّة؛ لأنَّ الدنيا مزرعة الآخرة[67]. إنَّ الإسلام يمتلك خطّة ومشروعًا للحياة الدنيويّة، وإنَّ الناس إذا ساروا على وفق هذه الخطّة ولم يحيدوا عن هذا المشروع، فإنَّهم لن يضمنوا سعادتهم في هذه الدينا فحسب، بل وسوف يضمنون السعادة الأخرويّة والأبديّة أيضًا. وعلى هذا الأساس، لو سار العقل الآلي ـ في إطار تحقّق هذا المشروع والبرنامج المتطابق مع العقل النظري والعقل العملي والتعاليم الدينيّة ـ وعمل على تنظيم معاشه الدنيوي ضمن إطار هذا البرنامج، فإنّه سيكون قد قام بمهمّته الدينيّة. وفي هذا السياق، فإنَّ الدور الذي يؤدّيه العقل الآلي هو بسط المعارف الدينيّة ـ التي تمّ الحصول عليها بوساطة العقل النظري والعملي والاستنباطي ـ على الحياة العمليّة للإنسان، ويقوم بهذا الأمر مِن خلال إنتاج العلوم المتنوّعة، ولا سيّما منها العلوم الإنسانيّة التي تسعى إلى إدارة وتدبير الحياة الدنيويّة. وبطبيعة الحال، تتمّ الاستفادة في هذه العلوم مِن العقل النظري والعقل التجريبي أيضًا.
إنَّ صلة هذا الدور للعقل الآلي في الدين مع علم الكلام، هو أنَّ علم الكلام بصدد الدفاع عن الدين. وإنَّ دور العقل الآلي بالمعنى المذكور آنفًا، يمثّل نوعًا مِن الدفاع عن الدين، بل هو أفضل طريق للدفاع عن الدين؛ وذلك لأنَّ العقل الآلي مِن خلال التخطيط للنموذج الديني للحياة المزدهرة، يعمل على إثبات قدرة وتفوّق الدين على سائر المدارس والمذاهب الأخرى على المستوى العملي، وقد أثبت أنَّ الحياة على أساس التعاليم الدينيّة أفضل مِن الحياة على أساس التعاليم غير الدينيّة: «كونوا دعاة إلى [دين] أنفسكم بغير ألسنتكم»[68].

إنَّ الدور السادس للعقل في المعارف الدينيّة، هو أنَّ العقل النظري والعقل العملي بعد أنْ يعملا على إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وبعد أنْ يحقّقا دورهما المفتاحي، سوف يواصلان مهمّتهما ونشاطهما في مواصلة الطريق جنبًا إلى جنب مع الوحي أيضًا. يمكن تسمية هذا النشاط بالدور التكميلي للعقل. وفي هذا الدور يمكن للعقل أنْ يكتشف بعض المفاهيم الدينيّة، ويعمل على إثباتها. مِن ذلك أنَّ العقل ـ على سبيل المثال ـ يمكن له أنْ يثبت المعاد، ويمكنه أيضًا أنْ يكشف عن بعض المفاهيم في بحث الأسماء والصفات الإلهيّة ويعمل على بيانها. وكما تقدّم ذكره، فإنَّ أكثر الأبحاث المرتبطة بأفعال الله والعدل الإلهي، يتمّ كشفها وإثباتها بوساطة العقل العملي. وبطبيعة الحال، مِن الممكن في بعض هذه الموارد أنْ يكون الوحي قد تكلّم أيضًا، بيد أنَّ العقل يكتشف المطالب بشكل مستقلّ ومنفصل عن الوحي. مِن ذلك أنَّ العقل ـ على سبيل المثال ـ يكتشف أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يكلّف بما لا يطاق، ويعمل على الوفاء بوعده في إقامة المعاد والجنّة.
إنَّ الدور السابع للعقل في المعارف الدينيّة، هو الدور التعاملي والاستقلالي للعقل في سياق الاكتشاف العقلي للمعارف الدينيّة. يمكن إدراج هذا الدور للعقل ضمن الدور التكميلي؛ ولكنْ حيث يتوصّل العقل في الدور التكميلي إلى مطلب دون الاستعانة بالوحي، ويصل إلى الحقيقة في الدور التعاملي مِن خلال الاستعانة بالوحي، فإنّنا نبحث هذا الدور بشكل مستقلّ.

في بعض التعاليم الدينيّة، بل وفي الكثير مِن التعاليم، لا يصل العقل إلى مطلب خاصّ مِن دون التعاطي والارتباط مع الوحي، ولكنْ عندما يتّصل بالوحي، ويضع نفسه أمام تعاليم الله سبحانه وتعالى والمرسلين، فإنَّه سوف يصل إلى الحقيقة بنفسه، ولكنْ بشكل غير مستقلّ. مِن قبيل أنْ يقوم طالب بعد التعلّم على يد أستاذ الرياضيّات بفهم طريقة حلّ عقليّة يكتشف بوساطتها معادلة ذات مجهولين أو ثلاثة مجاهيل. إنَّ هذا الإدراك هو مِن المدركات المستقلّة للعقل؛ إلّا أنَّ الإدراك الاستقلالي للعقل لا يعني عدم الحاجة إلى المعلّم. إنَّ الكثير مِن الأمور العقليّة التي أدركها المتكلّمون مِن الإماميّة، وعجز الفلاسفة الإغريقيّين عن إدراكها، تندرج ضمن هذا القسم. عندما ننظر اليوم إلى ما ذكره أرسطو في بحث التوحيد[69]، يبدو لنا مِن المستغرب أنْ يكون هذا الفيلسوف الكبير قد عجز عن الوصول إلى أمور أخذنا اليوم ندركها بيسر في ضوء تعاليم الوحي[70].
ويبدو أنَّ الجملة الجديرة بالتأمّل، والتي ذكرها الشيخ المفيد بشأن حاجة العقل إلى الوحي، والتي نسبها إلى اتفاق وإجماع الإماميّة، ناظرة إلى هذا المقام، دون المهام والأدوار الأخرى للعقل؛ إذ قال في ذلك:
«اتّفقت الإماميّة على أنَّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه العاقل على كيفيّة الاستدلال، وأنّه لا بدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم مِن رسول»[71].
وقد سبق للشيخ الصدوق أنْ تقدّم على الشيخ المفيد في إبداء هذا الرأي أيضًا[72].

وإنَّ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، يؤكّد مِن جهة على أنَّ الحكمة هبة مِن الله، ويذكّر مِن جهة أخرى بأنَّ العقلاء وأولي الألباب، هم وحدهم الذين يؤتون الحكمة، كما ورد ذلك في قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مِن يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إلّا أُولُو الْأَلْبَابِ)[73].

وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في بيان مهام الرسل والأنبياء فيما يتعلّق بالمعرفة والحكمة:
«فبعث فيه مرسله، وواتر إليهم أنبياءه؛ ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول»[74].
وبذلك، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد أودع في عقل الإنسان خزائن معرفيّة، ولا يمكن للعقل أنْ يدرك هذه المعارف مِن دون تذكير وإشارة مِن الأنبياء والرُسُل؛ وإنْ كان مِن بعد التذكير والإثارة سوف يكون باستطاعته أنْ يكشف هذه المعارف بشكل مستقلّ، وهذا هو الدور التعاملي والاستقلالي للعقل.

والدور الثامن للعقل في المعارف الدينيّة، هو الدور التعاملي وغير الاستقلالي للعقل. وفي هذا الدور يتظاهر كلّ مِن العقل والوحي مع بعضهما مِن أجل العمل على كشف حقيقة ما، ويعمل على إظهارها للإنسان؛ بحيث أنَّ العقل ـ سواء قبل إشارة الوحي أو بعدها ـ لا يستطيع أنْ يكتشف نتيجة الاستدلال بشكل مستقلّ، ولكنّه يستطيع ذلك بمساعدة مِن الوحي. مِن ذلك ـ على سبيل المثال ـ لو قام كلّ مِن العقل والوحي ببيان واحدة مِن مقدّمات الاستدلال، سوف تكون نتيجة هذا الاستدلال حصيلة للتعامل بين العقل والوحي. ويمكن مثلًا بيان هذا الاستدلال لكشف وإثبات الجزاء الأخروي والجنّة:

1. أنَّ الله سبحانه وتعالى قد وعد المحسنين بالثواب والجنّة.
2. أنَّ العقل يحكم بقبح خلف الوعد.

النتيجة: أنَّ الجنة حقّ، وأنَّ المحسنين سوف يرون جزاء عملهم فيها.
ونذكر مثالًا آخر على إثبات اختيار الإنسان وحريّته:
1. أنَّ الله سبحانه وتعالى سوف يحاكم ويجازي المذنبين ويعاقبهم يوم القيامة.
2. أنَّ محاكمة ومعاقبة المضطرين قبيح عقلًا، وأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يفعل القبيح.
النتيجة: أنَّ المذنبين يتمتّعون بالحريّة والاختيار.
إنَّ مِن بين الموارد التي يختلف فيها علم الكلام عن الفلسفة، هو الدور التعاملي للعقل. إنَّ الفلسفة ـ كما سبق أنْ ذكر في الأبحاث التمهيديّة ـ علم ذو بعد واحد، ومنهجه عقلي؛ في حين أنَّ علم الكلام، بالإضافة إلى المنهج العقلي، يستفيد مِن المنهج النقلي أيضًا. ثمّ إنَّ المنهج العقلي ومهام العقل في الفلسفة والكلام مختلفة. ومِن بين الاختلافات التي سبق أنْ ذكرناها هو العقل العملي. والاختلاف الآخر يكمن في توظيف علم الكلام للدور التعاملي الاستقلالي وغير الاستقلالي للعقل. إنَّ الاستفادة مِن هذا الدور، يُضاعف مِن قدرة العقل في اكتشاف المعارف والحقائق الدينيّة؛ لأنَّ العقل يزدهر ويتطوّر ـ مِن خلال الاتصال بالوحي والمعلّمين الإلهيين ـ ويكتشف آفاقًا معرفيّة أوسع.

النتيجة
يمكن أنْ نستنتج مِن مجموع الأبحاث السابقة أنَّ العقل يلعب دورًا في جميع الأبعاد والساحات المعرفيّة، ومِن بينها المعارف الدينيّة المتنوّعة، وإنْ كانت هذه الأدوار مختلفة. وحتّى في الأمور التعبّديّة التي يذهب التصوّر إلى اعتبارها مِن الحقول الخاصّة بالوحي، يمكن للعقل أنْ يلعب فيها أدوارًا استنباطيّة ودفاعيّة وآليّة، بل وحتّى أدوارًا تكميليّة، وأنْ يكون له فيها تعامل غير استقلالي.
مِن خلال الاستقراء الذي أجريناه، توصّلنا إلى ثمانية أدوار متنوّعة للعقل في المعرفة الدينيّة، وهي عبارة عن: دور الميزان، ودور المفتاح، ودور الاستنباط، ودور الدفاع، ودور الآلة، ودور التكميل، ودور التعامل الاستقلالي، ودور التعامل غير الاستقلالي. وإنَّ هذه الأدوار تقوم ـ بدورها ـ على خمسة أدوار عقليّة، وهي العقل النظري، والعقل العملي، والعقل الآلي، والعقل الاستنباطي، والعقل الدفاعي.

لائحة المصادر والمراجع
نهج البلاغة، انتشارات هجرت، قم، 1414هـ.
الآبي، منصور بن حسين، نثر الدر، تحقيق: محمّد علي قرنة، ج 1، مركز تحقيق التراث، مصر، 1981م.
ابن سينا، حسين، الإشارات والتنبيهات، ج1، نشر البلاغة، قم، 1375هـ.ش.
ابن سينا، حسين، الشفاء (الطبيعيّات)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.
ابن سينا، حسين، النجاة مِن الغرق في بحر الضلالات، تحقيق: محمّد تقي دانش پژوه، جامعة طهران، ط2، طهران، 1379هـ.ش.
ابن سينا، حسين، رساله نفس (رسالة النفس)، ترجمها إلى اللغة الفارسيّة: موسى عميد، جامعة أبو علي سينا، ط2، همدان، 1383هـ.ش.
ابن سينا، حسين، عيون الحكمة، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، دار القلم، ط2، بيروت، 1980م.
الأشعري، أبو الحسن، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع، المكتبة الأزهريّة للتراث، القاهرة.
إيلخاني، محمّد، تاريخ فلسفه در قرون وسطى و رنسانس (تاريخ الفلسفة في العصور الوسطى وعصر النهضة)، نشر سمت، ط2، طهران، 1382هـ.ش.
بني هاشمي، سيّد محمّد، پرتو خرد (شعاع العقل)، نشر نبأ، طهران، 1388هـ.ش.
التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، دفتر تبليغات اسلامي، قم، 1366هـ.ش.
الجرجاني، السيّد شريف، شرح المواقف، مطبعة السعادة، مصر، 1325هـ/ 1907م.
جوادي آملي، عبد الله، منزلت عقل در هندسه معرفت ديني (موقع العقل مِن هندسة المعرفة الدينيّة)، نشر إسراء، قم، 1389هـ.ش.
الحرّاني، ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي أكبر غفاري، جامعة المدرّسين، ط2، قم، 1404هـ.
الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، قم، 1409هـ.
الحلّي، الحسن بن يوسف، مناهج اليقين في أصول الدين، دار الأسوة، طهران، 1415هـ.
الحلّي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تصحيح: حسن حسن زاده الآملي، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط4، قم، 1413هـ.
الديلمي، حسن بن محمّد، إرشاد القلوب إلى الصواب، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1412هـ.
الفخر الرازي، فخر الدين، المحصل، دار الرازي، عمّان، 1411هـ.
الرازي، قطب الدين، حاشية الإشارات والتنبيهات، دفتر نشر كتاب، طهران، 1403هـ.
رباني گلپايگاني، علي، «برهان محرك اول در فلسفه ارسطو» (برهان المحرّك الأوّل في فلسفة أرسطو)، مجلّة: كلام، العدد 4، شتاء عام 1372هـ.ش.
الشافعي، محمّد بن طلحة، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول.
الشهرستاني، محمّد بن أحمد، الملل والنحل، انتشارات الشريف الرضي، ط3، قم، 1364هـ.ش.
الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه، التوحيد، جامعة المدرّسين، قم، 1398هـ.
الصدوق، محمّد بن علي (ابن بابويه)، علل الشرائع، مكتبة الداوري، قم، 1385هـ.ش.
الصدوق، محمّد بن علي (ابن بابويه)، مَنْ لا يحضره الفقيه، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي أكبر الغفاري، جامعة المدرّسين، ط2، 1413هـ.
الفارابي، أبو نصر، فصول منتزعة، مكتبة الزهراء، ط2، طهران، 1405هـ.
كابلستون، فريدريك، تاريخ فلسفه (تاريخ الفلسفة)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: جلال الدين مجتبوي، نشر علمي و فرهنگي، طهران، 1388هـ.ش.
كابلستون، فريدريك، فيلسوفان انگليسي از هابز تا هيوم (الفلاسفة الإنجليز مِن هوبز إلى ديفد هيوم)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: أمير جلال الدين أعلم، انتشارات سروش، طهران، 1362هـ.ش.
الكراجكي، محمّد بن علي، معدن الجوهر ورياضة الخواطر، المكتبة المرتضويّة، ط2، طهران، 1394هـ.
الكُليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلاميّة، ط4، طهران، 1407هـ.
مجموعة مِن المؤلّفين، سرچشمه حكمت (معين الحكمة)، نشر النبأ، طهران، 1388هـ.ش.
المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، ط2، بيروت، 1403هـ.
محمّدي ري شهري، محمّد، دانش نامه عقايد اسلامي (موسوعة العقائد الإسلاميّة)، دار الحديث، قم، 1385هـ.ش.
المطهري، مرتضى، عدل إلهي (العدل الإلهي)، جامعة المدرسين، قم، 1361هـ.ش.
المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، أوائل المقالات، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم، 1413هـ.
المقداد الفاضل، ابن عبد الله السيوري، اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة، دفتر تبليغات اسلامي، ط2، قم، 1422هـ.
الملّا صدرا، صدر المتألّهين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1981م.
الملّا صدرا، صدر المتألّهين الشيرازي، شرح أصول الكافي، مؤسّسة مطالعات وتحقيقات فرهنگي، طهران، 1366هـ.ش.
ملكي ميانجي، محمّد باقر، توحيد الإماميّة، وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامي، طهران، 1415هـ.
النراقي، محمّد مهدي، جامع السعادات، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.

-----------------------------------------------
[1]. المصدر: المقالة بعنوان «کارکردهای عقل و نقش‏ های أن در معرفت دینی» في مجلة «معرفت فلسفی» التي تصدر في الجمهوريَّة الإسلاميّة الإيرانيَّة باللغة الفارسيّة، العدد 36، صیف 1391ش، الصفحات 71 إلی 100.
تعريب: حسن علي مطر.
[2][*]- رئيس المعهد العالي‌ للقرآن والحديث، قم، وعضو الهيئة العلميّة في‌ جامعة ‌طهران.
[3]- كابلستون، فريدريك، تاريخ فلسفه (تاريخ الفلسفة)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: جلال الدين مجتبوي، ج1، ص635، نشر علمي و فرهنگي، طهران، 1388هـ.ش؛ إيلخاني، محمّد، تاريخ فلسفه در قرون وسطى و رنسانس (تاريخ الفلسفة في العصور الوسطى وعصر النهضة)، ص51، نشر سمت، ط2، طهران، 1382هـ.ش.
[4]- عنوان في الأصل الفارسي: «منزلت عقل در هندسه معرفت ديني».
[5]- انظر على سبيل المثال: معرفت فلسفي (المعرفة الفلسفيّة)، العدد 24؛ معارف عقلي (المعارف العقليّة)، العدد 11؛ إسراء (الإسراء)، العدد 4. (مصادر فارسيّة).
[6]- ملكي ميانجي، محمّد باقر، توحيد الإماميّة، ص45، وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامي، طهران، 1415هـ.
[7]- محمّدي ري شهري، محمّد، دانش نامه عقايد اسلامي (موسوعة العقائد الإسلاميّة)، ج1-2، دار الحديث، قم، 1385هـ.ش. (مصدر فارسي).
[8]- بني هاشمي، سيّد محمّد، پرتو خرد (شعاع العقل)، ص24-28، نشر نبأ، طهران، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).
[9]- المؤمنون (23): 80.
[10]- البقرة (2): 164.
[11]- الكُليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي أكبر غفاري، ج1، ص28، دار الكتب الإسلاميّة، ط4، طهران، 1407هـ.
[12]- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، ح3220، دفتر تبليغات اسلامي، قم، 1366هـ.ش.
[13]- الشافعي، محمّد بن طلحة، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، ص50.
[14]- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، ح1959.
[15]- الكُليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص29.
[16]- الأشعري، أبو الحسن، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع، ص18، المكتبة الأزهريّة للتراث، القاهرة.
[17]- المصدر أعلاه، ص20.
[18]- المصدر أعلاه، ص30.
[19]- الفخر الرازي، فخر الدين، المحصل، ص337، دار الرازي، عمّان، 1411هـ.
[20]- الجرجاني، السيّد شريف، شرح المواقف، ج8، ص2-13، مطبعة السعادة، مصر، 1325هـ/ 1907م.
[21]- الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تصحيح: حسن حسن زاده الآملي، ص302-305، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط4، قم، 1413هـ.
[22]- الجرجاني، السيّد شريف، شرح المواقف، ج8، ص181-184.
[23]- الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تصحيح: حسن حسن زاده الآملي، ص302-305.
[24]- المصدر أعلاه، الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص306، 307، 313، 318، 319، 322، 324، 329.
[25]- المقداد الفاضل، ابن عبد الله السيوري، اللوامع الإلهي في المباحث الكلامي، ص83-85، دفتر تبليغات اسلامي، ط2، قم، 1422هـ؛ الحلّي، الحسن بن يوسف، مناهج اليقين في أصول الدين، ص167، دار الأسوة، طهران، 1415هـ.
[26]- الملّا صدرا، صدر المتألّهين الشيرازي، شرح أصول الكافي، ج1، ص222، مؤسّسة مطالعات و تحقيقات فرهنگي، طهران، 1366هـ.ش؛ الملّا صدرا، صدر المتألّهين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، ج3، ص419، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1981م.
[27]- ابن سينا، حسين، الإشارات والتنبيهات، ج1، ص220، نشر البلاغة، قم، 1375هـ.ش.
[28]- المصدر أعلاه، ص221.
[29]- ابن سينا، حسين، الشفاء (الطبيعيّات)، ج2، ص37، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.
[30]- المطهري، مرتضى، عدل إلهي (العدل الإلهي)، ص43-44، جامعة المدرّسين، قم، 1361هـ.ش. (مصدر فارسي).
[31]- الفارابي، أبو نصر، فصول منتزعة، ص54، مكتبة الزهراء، ط2، طهران، 1405هـ؛ ابن سينا، حسين، الإشارات والتنبيهات، ج2، ص352.
[32]- الرازي، قطب الدين، حاشية الإشارات والتنبيهات، ج2، ص352، دفتر نشر كتاب، طهران، 1403هـ؛ النراقي، محمّد مهدي، جامع السعادات، ج1، ص75، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف؛ جوادي آملي، عبد الله، منزلت عقل در هندسه معرفت ديني (موقع العقل مِن هندسة المعرفة الدينيّة)، ص33، نشر إسراء، قم، 1389هـ.ش.
[33]- ابن سينا، حسين، الطبيعيّات مِن الشفاء، ج2، ص37؛ ابن سينا، حسين، النجاة مِن الغرق في بحر الضلالات، تحقيق: محمّد تقي دانش پژوه، ص330، جامعة طهران، ط2، طهران، 1379هـ.ش.
[34]- ابن سينا، حسين، الطبيعيّات مِن الشفاء، ج2، ص3؛ ابن سينا، حسين، النجاة، ص330.
[35]- المصدر أعلاه، ج2، ص37؛ المصدر أعلاه، ص330-331.
[36]- ابن سينا، حسين، عيون الحكمة، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، ص31، دار القلم، ط2، بيروت، 1980م.
[37]- ابن سينا، حسين، رساله نفس (رسالة النفس)، ترجمها إلى اللغة الفارسيّة: موسى عميد، ص24، جامعة أبو علي سينا، ط2، همدان، 1383هـ.ش.
[38]- ابن سينا، حسين، الإشارات، ج2، ص352.
[39]- محمّدي ري شهري، محمّد، دانش نامه عقايد اسلامي (موسوعة العقائد الإسلاميّة)، ج1. (مصدر فارسي).
[40]- الأنعام (6): 151.
[41]- برنجكار، رضا، عقل در أحاديث (العقل في الأحاديث) المطبوع ضمن كتاب: سرچشمه حكمت (معين الحكمة)، ص67-70. (مصدر فارسي).
[42]- الكُليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص29.
[43]- الشافعي، محمّد بن طلحة، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، ص49.
[44]- الصدوق، محمّد بن علي (ابن بابويه)، علل الشرائع، ص98، مكتبة الداوري، قم، 1385هـ.ش؛ العلّامة المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج1، ص99، دار إحياء التراث العربي، ط2، بيروت، 1403هـ.
[45]- الآبي، منصور بن حسين، نثر الدر، تحقيق: محمّد علي قرنة، ج1، ص285، مركز تحقيق التراث، مصر، 1981م.
[46]- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، ح735.
[47]- المصدر أعلاه، ح734.
[48]- الديلمي، حسن بن محمّد، إرشاد القلوب إلى الصواب، ص199، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1412هـ.
[49]- العنكبوت (29): 45.
[50]- كابلستن، فريدريك، تاريخ فلسفه (تاريخ الفلسفة)، ج1، ص381.
[51]- الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج12، ص39، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، قم، 1409هـ؛ الشيخ الصدوق، محمّد بن علي (ابن بابويه)، مَنْ لا يحضره الفقيه، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي أكبر الغفاري، ج4، ص372، جامعة المدرّسين، ط2، 1413هـ.
[52]- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، ح354.
[53]- الشيخ الصدوق، محمّد بن علي (ابن بابويه)، مَنْ لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ج4، ص356.
[54]- الكراجكي، محمّد بن علي، معدن الجوهر ورياضة الخواطر، ص60، المكتبة المرتضويّة، ط2، طهران، 1394هـ.
[55]- الكُليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص11.
[56]- كابلستون، فريدريك، فيلسوفان انگليسي از هابز تا هيوم (الفلاسفة الإنجليز مِن هوبز إلى ديفيد هيوم)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: أمير جلال الدين أعلم، ص334-337، وص343-347، انتشارات سروش، طهران، 1362هـ.ش.
[57]- القيامة (75): 22-23.
[58]- الشورى (43): 11.
[59]- الشهرستاني، محمّد بن أحمد، الملل والنحل، ج1، ص45، انتشارات الشريف الرضي، ط3، قم، 1364هـ.ش.
[60]- جوادي آملي، عبد الله، منزلت عقل در هندسه معرفت ديني (موقع العقل مِن هندسة المعرفة الدينيّة)، ص52. (مصدر فارسي).
[61]- المصدر أعلاه، جوادي آملي، عبد الله، ص53.
[62]- المصدر أعلاه، ص61-62.
[63]- المصدر أعلاه، جوادي آملي، عبد الله، ص88.
[64]- المصدر أعلاه، ص89.
[65]- المصدر أعلاه، ص92.
[66]- المصدر أعلاه، ص130.
[67]- الحراني، ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: علي أكبر غفاري، ص510، جامعة المدرسين، ط2، قم، 1404هـ.
[68]- الكُليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج2، ص77. وقد ورد هذا الحديث بألفاظ أخرى تشير إلى هذا الأمر ذاته أيضًا. المصدر ذاته، ص78 وص105.
[69]- برنجكار، رضا، حكمت و انديشه ديني، در: سرچشمه حكمت (الحكمة والتفكير الديني) المطبوع في: سرچشمه حكمت، ص388-416. (مصدر فارسي).
[70]- رباني گلپايگاني، علي، «برهان محرك اول در فلسفه ارسطو» (برهان المحرّك الأوّل في فلسفة أرسطو)، مجلّة: كلام، العدد 4، ص49-62، شتاء عام 1372هـ.ش.(مصدر فارسي).
[71]- الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، أوائل المقالات، ص7-8، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم، 1413هـ.
[72]- الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه، التوحيد، ص290، جامعة المدرّسين، قم، 1398هـ.
[73]- البقرة (2): 269.
[74]- نهج البلاغة، الخطبة الأولى.