البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

محمد والقرآن واليهود.. بوابة إلى الحقيقة

الباحث :  ---
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  32
السنة :  خريف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 25 / 2024
عدد زيارات البحث :  734
تحميل  ( 329.530 KB )
يمكن تقسيم المجهودات الاستشراقيَّة اليهوديَّة إلى ثلاث مراحل رئيسة، أوَّلها: مرحلة «الاستشراق اليهودي»، والَّتي تبدأ بالتَّوجُّه نحو دراسة الإسلام، والمجتمعات الإسلاميَّة كونها جزءًا من الحركة الاستشراقيَّة في الغرب، والَّتي ظهرت مع بدايات القرن الـ18 الميلادي؛ فقد احتلَّ اليهود مكانة مرموقة داخل حركة الاستشراق الغربي–الأوروبي، وثانيها: مرحلة «الاستشراق الصُّهيوني»، والَّتي ارتبطت - بطبيعة الحال- بالحركة الصُّهيونيَّة الَّتي ظهرت في شرق أوروبا عام 1881؛ الأمر الَّذي ميَّزه عن الاستشراق الغربي من حيث أن أصبح له أهدافه، وموضوعاته الخاصَّة الهادفة لخدمة الحركة الصُّهيونيَّة، وتأصيل الوجود اليهودي في فلسطين من النَّاحيتين العلميَّة والتَّاريخيَّة[1].

أمَّا المرحلة الثَّالثة والأخيرة فهي مرحلة «الاستشراق الإسرائيلي»، وتبدأ مع قيام دولة إسرائيل عام 1948 بصفتها امتدادًا لكلٍّ من «الاستشراق اليهودي»، و«الصُّهيوني»، وبالتَّالي فقد حملت سمات، وأهداف المرحلتين السَّابقتين نفسها، في الوقت نفسه الَّذي انفردت به بسمات، وأهداف خاصَّة بها، صبَّت جميعها في خدمة الأهداف السِّياسيَّة، والفكريَّة لإسرائيل[2].
ويعدُّ الكتاب الماثل للعرض بعنوان «محمد والقرآن واليهود...بوابة إلى الحقيقة» باللُّغة العبريَّة لمؤلفه «نير تسوريف»، واحدًا من أحدث، وأبرز المؤلَّفات الاستشراقيَّة الإسرائيليَّة، الَّتي صدرت مؤخَّرًا، حول الإسلام، والقرآن الكريم، وما يتعلَّق بهما، والَّذي يرتكز بالأساس حول تأثير القرآن الكريم على طبيعة تفكير المجتمعات الإسلاميَّة، ونمط حياتها، وكذا رؤيتها لليهود، وتعاملها معهم، وما عدَّه مؤلِّف الكتاب مظاهر كراهيَّتهم من قبل المسلمين؛ إذ يركِّز الكتاب بشكل أساس على موقف القرآن من بني إسرائيل، وكذا موقفه من القدس؛ فيرى مؤلِّفه أنَّ كتابه يقدِّم نظريَّات جديدة تهدم ما زعم أنَّها الأساطير القرآنيَّة حول القدس، ومكانتها في الإسلام.

يُجسد الكتاب الاهتمام الاستشراقي الإسرائيلي بالقرآن الكريم لا سيما ما يطرحه حول «القدس»، ومفهوم «الجهاد»، ورؤيته لبني إسرائيل، وهو الاهتمام الَّذي يمكن التَّأصيل لتزايده في إسرائيل بأحداث الـ11 من سبتمبر، وما أعقبها من تزايد الفضول الشَّعبي العالمي، والإسرائيلي بالقرآن الكريم بشكل دفع الدَّوائر الاستشراقيَّة الغربيَّة بشكل عامٍّ، والإسرائيليَّة بشكل خاصٍّ لزيادة التَّركيز على القرآن الكريم، وعلومه، وتأثيره على عموم المسلمين، وهو ما تجسَّد في تصريح أوري روبين صاحب أحدث ترجمة عبريَّة لمعاني القرآن الكريم بالقول إنَّ هدف ترجمته هو تقديم القرآن للقارئ الإسرائيلي البسيط، بهدف معرفة المفاهيم المحرِّكة للشَّخص المسلم[3].

وقبل الولوج إلى استعراض أهمِّ محتويات، وأقسام الكتاب، وما تضمَّنته من أفكار ورؤى مؤلِّفه، نرى أنَّه من الأهميَّة بما كان استعراض المعلومات البيبلوغرافيَّة المتاحة عن مؤلِّفه، ودوافعه لتأليف هذا الكتاب، وإلقاء الضَّوء على أبرز المناهج الاستشراقيَّة المستخدمة به، وذلك على النَّحو الآتي:

أولا: مؤلِّف الكتاب ودوافعه لتأليفه:
«نير تسوريف»، مؤلف الكتاب هو مستشرق إسرائيلي حاصل على الماجستير (اللَّقب الجامعي الثَّاني) في تخصص اللُّغة العربيَّة من جامعة «بار ايلان» الإسرائيلية، والليسانس (اللَّقب الجامعي الأوَّل) في اللُّغة العربيَّة، وتاريخ الشَّرق الأوسط من جامعة «حيفا» الإسرائيليَّة. علاوة على ذلك فإنَّه مُقدَّم (احتياط) بالجيش الإسرائيلي، وخدم في الوحدة 8200 الاستخباراتيَّة الإسرائيليَّة تحديدًا[4]، وهي الوحدة المسؤولة عن التَّجسُّس الالكتروني بالاستخبارات العسكريَّة الإسرائيليَّة «أمان»، كما أنَّها الوحدة المسوؤلة عن قيادة الحرب الالكترونيَّة بالجيش الإسرائيلي[5].
كما خدم «تسوريف» في إطار عمله العسكري بالإدارة المدنيَّة للجيش الإسرائيلي بمنطقة نابلس الفلسطينيَّة بالضِّفة الغربيَّة، وعمل كذلك في مكتب منسِّق عمليَّات الجيش الإسرائيلي بالضِّفة الغربيَّة، كما عمل في الوحدة العسكريَّة المختصَّة بالإعلام العربي. وكان له كذلك نشاطٌ صحافيٌّ، فقد عمل مراسلًا للشُّؤون العربيَّة بصحيفة «ماكور ريشون» الإسرائيليَّة ذات التَّوجُّهات اليمينيَّة[6].
علاوة على الكتاب الماثل للعرض؛ فإنَّ مؤلفات «تسوريف» تعدُّ قليلة، وأبرزها كتاب «اشتقاق وتحديث المفردات والمصطلحات اللُّغوية في لغة الصَّحافة العربيَّة»، والَّذي صدر في إسرائيل عام 2021، ويقع في 431 صفحة، ويتمحور حول تحليل لغة الإعلام العربي وتوجُّهاته، ومدى تأثير تطوُّر هذه اللُّغة على الجمهور العربي العامِّ لا سيَّما ما يتعلَّق بهذا التَّأثير على القضايا السِّياسيَّة، والاجتماعيَّة، والدِّينيَّة المختلفة[7].

بالنِّسبة للدَّوافع الَّتي تقف وراء تأليف «تسوريف» للكتاب الماثل للعرض النَّقدي، فقد صرَّح في حوار خاص أجرته معه صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيليَّة بتاريخ 24 فبراير 2021 حول الكتاب، إنَّه هدف إلى معرفة عقليَّة، وثقافة المجتمعات العربيَّة، ومعرفة طُرق التَّعامل معها، ومعرفة الإسلام، وأضاف أنَّ ذلك كلَّه يستلزم المعرفة القويَّة للقرآن، وآياته بعدِّه الكتاب المركزي، والأهمَّ في الإسلام، وأكدَّ أنَّ الفهم العميق لآياته تكشف الطَّبائع المميَّزة للمجتمع العربي- الإسلامي، والأسس المركزيَّة المؤثِّرة على طبائع سلوكيَّاته، وأنماط تفكيره[8].
ولفت «تسوريف» في هذا الحوار إلى أنَّ إسرائيل هي جزيرة صغيرة محاطة ببحر عربي إسلامي، وبالتَّالي فإنَّ فهم ما هو مكتوب في القرآن أمر ضروري لفهم جذور الصِّراع الإسرائيلي- العربي، لا سيما وأنَّ القرآن هو قناة مهمَّة لفهم العقليَّة العربيَّة، وثقافتها، وكذا الدِّين الإسلامي، وفهم عدد من الأفكار الإسلاميَّة المهمَّة، وعلى رأسها فكرة «تقديس الموت»[9].

وعن أسلوب كتابة «تسوريف» في الكتاب فيشار إلى أنَّه «أسلوب إعلامي/ صحفي» أكثر منه «علمي/ أكاديمي»، وهو ما يرجع بطبيعة الحال إلى تخصُّصه الوظيفي في أجهزة الاستخبارات الإسرائيليَّة؛ إذ كان مكلفًا بمراقبة، وتحليل، وسائل الإعلام العربيَّة، كما أنَّ ذلك يحيلنا إلى ظاهرة لافتة من ظواهر الاستشراق الإسرائيلي، وهي أنَّ كثيرًا من المستشرقين الإسرائيليِّين المعاصرين حتَّى لو كانوا أكاديميِّين يكتبون بشكل دوري في وسائل الإعلام الإسرائيليَّة، ومن أمثلتهم البروفيسور ايال زيسر، أستاذ دراسات الشَّرق الأوسط وبلاد الشَّام بجامعة تل أبيب، والَّذي له مقال أسبوعي في صحيفة «يسرائيل هايوم» الإسرائيليَّة ذات التَّوجه اليميني.
يُلحظ كذلك استخدام «تسوريف» في الكتاب كمًّا معلوماتيًّا أرشيفيًّا كبيرًا من الصُّحف العربيَّة تعود إلى فترة الثَّمانينات حتَّى عامي 2010-2012، ولا شكَّ أنَّ هذا الكمَّ المعلوماتي قام بتجميعه، وتحليله من خلال عمله الاستخباراتي المتمثِّل في جمع المعلومات عن الإعلام العربي، وتحليلها.

يتَّضح أيضًا من تحليل البيانات المتوفِّرة عن مؤلف الكتاب جمعه بين الصِّفة العلميَّة المتخصِّصة في الدِّراسات العربيَّة، والإسلاميَّة، وبين تخصُّصه الوظيفي، أو العملي في الأجهزة الاستخباراتيَّة، والعسكريَّة الإسرائيليَّة المعنيَّة بدراسة الشُّؤون العربيَّة والإسلاميَّة، وهي صفة تسم عددًا ملحوظًا من المستشرقين الإسرائيليِّين، والَّذين لا تتوفَّر بهم الصِّفة الأكاديميَّة وحسب، بل يكونوا عسكريِّين، أو على ارتباط وثيق بأجهزة أمنيَّة، واستخباراتيَّة إسرائيليَّة، أو يكونوا أعضاء بها، أو على الأقلِّ يقدِّمون خدمات علميَّة، ومعلوماتيَّة بشكل مباشر لهذه المؤسَّسات والجهَّات.
يُشار كذلك إلى أنَّ التَّكوين العلمي، والمهني لمؤلِّف الكتاب الماثل للعرض، ما هو إلَّا نتاج آليَّة إسرائيليَّة متكاملة هدفت إلى إعداد متخصِّصين في الشُّؤون العربيَّة، والإسلاميَّة، والشَّرقيَّة بشكل يخدم منظومة اتِّخاذ، ودعم القرار في إسرائيل، وإدارة الصِّراع العربي- الإسرائيلي، وهو ما انعكس كذلك من خلال محتويات الكتاب الَّتي قدَّمت كمًّا معلوماتيًّا مشفوعًا بتحليل لعدد كبير من المفاهيم، والرُّؤى، والأفكار الَّتي تعدُّ مفصليَّة في تكوين الشَّخصيَّة العربيَّة والإسلاميَّة، بشكل يمكن القول معه إنَّ الاستشراق الإسرائيلي هو الجناح العلمي لدوائر صنع القرار في إسرائيل، وكذا الدَّوائر الاستخباراتيَّة، والعسكريَّة بها، فلا عجب أن يُنظر للمجهودات الاستشراقيَّة داخل إسرائيل على أنَّها مجهودات ذات « بُعد قومي أمني استراتيجي».

استخدم «تسوريف» في كتابه منهجين أساسين من بين المناهج الاستشراقيَّة العامَّة، أوَّلهما هو «المنهج الإسقاطي» والَّذي يقوم بإسقاط الواقع المعيش على الحوادث، والوقائع التَّاريخيَّة، وبرز استخدام «تسوريف» له من خلال استخدامه للفظة، أو مصطلح «الجهاد» تحديدًا من بين الكثير من الأمور الأخرى الَّتي استخدمها للإسقاط؛ فقد حاول استخدام هذا المنهج لإسقاط معانٍ، ورؤى سياسيَّة، وفكريَّة معيَّنة من خلال هذا المصطلح بمحاولة ربطه بمعاني القتل، وسفك الدِّماء، والحرب دون غيرها من المعاني الأخرى الَّتي ينطوي عليها هذا المصطلح، بل إنَّه ربط بين هذا المصطلح، ومصطلحات أخرى تهدف جميعها إلى خدمة أيدلوجيَّته الاستشراقيَّة الإسرائيليَّة؛ فقد ربطه كذلك بمصطلح «الاحتلالات الإسلاميَّة»، والَّتي قصد بها تحديدًا «الفتح الإسلامي للقدس»؛ إذ عدَّه احتلالًا رغم أنَّه لم يرد به أيَّ أمر قرآني، وكذا ربطه بمصطلح «الشَّهيد» الَّذي حسبه تجسيدًا حيًّا لدور الدِّين الإسلامي في نشر الإرهاب.
كما استخدم «تسوريف» منهج التَّأثير والتَّأثُّر، الَّذي يقوم على محاولة تفريغ الظَّاهرة الفكريَّة من مضمونها محاولًا ردَّها إلى عناصر خارجيَّة في بيئات ثقافيَّة أخرى، بدون وضع أيِّ منطق سابق لمفهوم الأثر والتَّأثُّر، بل إصدار هذا الحكم دائمًا لمجرد وجود اتِّصال بين بيئتين، أو ثقافتين، وظهور تشابه بينهما، مع أنَّ هذا التَّشابه قد يكون كاذبًا، وقد يكون حقيقيًّا، وقد يكون لفظيًّا، وقد يكون معنويًّا[10].

بالنِّسبة لاستخدام «تسوريف» لهذا المنهج فقد تجلَّى في العديد من المواضع، لعلَّ أبرزها عدَّه أنَّ القرآن الكريم بل الدِّين الإسلامي هو اقتباس مشوَّه من اليهوديَّة، وكتبها المقدَّسة وبخاصة المِقرا، أو العهد القديم، ليكرر بذلك تلك الشُّبهة القديمة/ الحديثة الَّتي لطالما ألصقها المستشرقون لا سيَّما اليهود منهم بالقرآن، وبالدِّين الإسلامي، وتبرز معه -في الوقت ذاته- سمة مهمَّة من سمات الاستشراق الإسرائيلي، وهي «الامتداد والتِّكرار»؛ بمعنى أنَّه امتداد للاستشراق الغربي الأوروبي؛ إذ نشأ في رحمِه، وتبنَّى موضوعاته، وكرَّر شبهاته، وافتراءاته نفسها حول الإسلام، ومصادره الرَّئيسة، وفي مقدِّمتها القرآن الكريم، والحديث النَّبوي الشَّريف.

ثانيا: محتويات الكتاب وأهمُّ أقسامه
ينقسم الكتاب إلى ثمانية أجزاء موزعة على 40 فصلًا، وعناوين هذه الأجزاء كالآتي:
1. محمَّد والقرآن والقبائل العربيَّة عبدة الأصنام
2. محمَّد والقرآن والعلاقة مع اليهود
3. فرائض الجهاد بالقرآن
4. الظَّواهر الاجتماعيَّة – الثَّقافيَّة بالمجتمع العربي
5. كراهيَّة اليهود والصُّهيونيَّة وإسرائيل بالإعلام العربي- الفلسطيني
6. جذور الصِّراع بين إسرائيل والعرب والفلسطينيين
7. هل السَّلام ممكن مع العرب والفلسطينين وبأيِّ شروط؟
8. دعوات ومطالب بالعالم العربي لإصلاح الدِّين الإسلامي

مع ذلك، يمكن تقسيم الكتاب -بشكل عامٍّ- إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، الجزء الأوَّل يمكن وصفه بالـ«تعريفي»، أو «التَّمهيدي» نظرًا لأنَّه يُمهِّد للأفكار، والموضوعات الَّتي ستُطرح في بقية أجزاء الكتاب؛ فيركِّز على وصف، وتعريف بأسس الدِّين الإسلامي لا سيَّما القرآن الكريم من حيث مكوِّناته، ومكانته لدى عموم المسلمين، وأهمِّيته لديهم، ومدى قوَّته، وتأثيره عليهم من حيث الأفكار، وكذا السُّلوك الاجتماعي علاوة على التَّأثير في نمط الحياة الثَّقافيَّة والممارسة الدِّينيَّة والمجتمعيَّة.
علاوة على تقديم هذا الجزء من الكتاب كمًّا معلوماتيًّا كبيرًا عن الإسلام، والقرآن الكريم، فإنَّه يبدو فيه الحرص الشَّديد على تقديم القرآن على أنَّه مجرَّد اقتباسات من التَّوراة، ويلفت في هذا الصَّدد بشكل عامٍّ إلى ما حسبه تأثُّر قصص القرآن الكريم تحديدًا بالقصص التَّوراتي لا سيَّما المتعلِّق بالأنبياء، والشَّخصيَّات الدِّينيَّة مثل موسى، وإبراهيم، ويوسف، ويعقوب عليهم السَّلام، وكذا قصتيِّ أصحاب الكهف، وأصحاب الأخدود.

يهدف هذا الجزء من الكتاب إلى فهم، ومعرفة جذور، وخلفيَّات الظَّواهر الَّتي تميِّز المجتمعات العربيَّة، والَّتي يرى الكتاب أنَّ أهمَّها الكذب، والمغالاة، وغياب الفكر النَّقدي، وعدم الاستعداد للتَّوافق علاوة على اتِّهام الآخر، وهو ما يوضح تمهيد هذا الجزء لفكرة ترد فيما بعد حول الإسلام مع العرب، والفلسطينيِّين، ومدى جدوى السَّلام معهم، وكذا تأثير القرآن على المواقف السِّياسيَّة للعرب، والفلسطينيين اتِّجاه إسرائيل واليهود.

كما ركَّز هذا الجزء على شخصيَّة النَّبي محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام محاولًا تقديم بيبلوغرافيا مختصرة عنه؛ إذ يورد أنَّه ولد عام 570 للميلاد، وتوفى عام 632 للميلاد، وأنَّه سليل قبيلة بني هاشم بمدينة مكَّة بالسُّعوديَّة، وينتمي إلى عائلة من وسط اجتماعي متوسِّط، وفقد أمَّه في سنٍّ صغيرة، وتربَّى لدى عمِّه أبو طالب، ولفت إلى أنَّ زواجه في سنِّ الـ25 من خديجة سيِّدة الأعمال، والتَّاجرة البالغة من العمر 40 عاًما خدمه في بداية دعوته بصفته نبيًّا، ووفَّر له دعمًا أمنيًّا، واقتصاديًّا مهمًّا.
علَّق «تسوريف» كذلك على الآيات 2-12 من سورة النَّجم Nمَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰM. وحسب أنَّها انعكاس للجدل الدِّيني الَّذي دار بين محمَّد، ومعارضيه لا سيَّما اليهود، والنَّصارى منهم في بداية دعوته بمكَّة، مؤكِّدًا أنَّ ما ورد في هذه الآيات حول أنَّ ما ينطق به محمد هو وحي يوحى يعدُّ أساسًا مركزيًّا من أسس الإسلام.

قسَّم «تسوريف» دعوة محمَّد صلى الله عليه وسلم إلى فترتين أساسيَّتين، الأولى: في مكَّة الَّتي توجَّه فيها إلى العرب من عبدة الأصنام، ووصف لهم بعض المفاهيم الدِّينيَّة الأساس: مثل قدرة الله على خلق العالم في ستَّة أيَّام، ويوم القيامة، والعقاب الَّذي تعرَّض له الغابرين من الأمم الَّذين عصوا الإله. أمَّا الفترة الثَّانية فهي بعد الهجرة عام 622م، والَّتي برز فيها اضطرار محمَّد إلى أن يستلَّ سيفه ضدَّ معارضيه العرب الَّذين حاربوه، وسخروا منه، وأرادوا إخضاعه.
يُلحظ كذلك تركيز هذا الجزء على علاقة النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم باليهود، وكذا رؤية القرآن الكريم لهم؛ إذ تعمَّد مؤلِّفه تكرار الرُّؤى الاستشراقيَّة القائلة بوجود عداء غير مبرر من جانب النَّبي الأكرم، والقرآن الكريم اتِّجاه بني إسرائيل، وأنَّه يأتي في سياق الكراهيَّة القويَّة من جانب دين الإسلام اتِّجاه أبناء الدِّيانات الأخرى عامَّة، وبرز في هذا الجزء كذلك تكرار ما بات شائعًا في الآونة الأخيرة بالأوساط العلميَّة، والإعلاميَّة الإسرائيليَّة من أنَّ القرآن الكريم به اعتراف بحقِّ اليهود في القدس، ومنطقة الحرم القدسي الشَّريف.

استعرض الكتاب في هذا الصَّدد كذلك ما عدَّها محاولة محمَّد محو الهُويَّة اليهوديَّة القوميَّة والدِّينيَّة، لاقناع اليهود بقبول دينه، ونبوَّته، والاعتراف بالقرآن بدلًا من التَّوراة. كما لم يفت مؤلِّف الكتاب التَّركيز في هذا الجزء على الجهاد تحديدًا من بين الفرائض الإسلاميَّة الواردة في القرآن الكريم، وبطبيعة الحال، ضرب به المثل على ظواهر العنف، والتَّطرُّف الَّتي رأى أنَّها باتت منتشرة في المجتمعات العربيَّة، وما يتعلَّق بذلك من مشاهد باتت منتشرة بها مثل قطع الرَّؤوس، حاسبًا أنَّ هذا المشهد هو محاكاة لما كان يقوم به النَّبي محمَّد، وأنَّ هذا ما مهَّد الطَّريق فيما بعد لما وصفه مؤلِّف الكتاب بـ«الإرهاب الإسلامي العالمي»، بل ربط هذا المصطلح بمصطلح الفتوحات الإسلاميَّة الَّتي عدَّها احتلالات إسلاميَّة.
يرتبط هذا الجزء كذلك بما أبرزه الكتاب من دعوات إعلاميَّة، وفكريَّة بالعالمين العربي، والإسلامي لما سمَّاه بإصلاح الدِّين الإسلامي وفق قيم، ومعايير الحداثة، والتَّطور؛ إذ استعرض الكتاب أفكارًا، ورؤى مفكِّرين، ومثقَّفين مسلمين لإصلاح عدد من الأفكار، والرُّؤى الإسلاميَّة الَّتي قادت وفقًا لوجهة نظرهم إلى العنف، وسفك الدِّماء في المجتمعين العربي- والإسلامي، ما دفعهم لإطلاق دعوتهم إلى إصلاح شامل بالإسلام يشمل التَّعليم، ومراقبة الوعَّاظ، ومضمون ما يتمُّ تقديمه بالمساجد.

أمَّا الجزء الثَّاني من الكتاب فهو يطبِّق ما طرحه في الجزء الأوَّل على الواقعين الاجتماعي، والثَّقافي في المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة، لا سيَّما تأثير القرآن الكريم، وعدد من مفاهيمه، ورؤاه لا سيَّما المتعلِّقة بموضوعات سياسيَّة معاصرة على سلوك العرب، والمسلمين الاجتماعي، وكذا على تصوُّراتهم الثَّقافيَّة، بخاصَّة ما يتعلَّق بذلك من كراهيَّة المسلمين، والعرب لإسرائيل، والصُّهيونيَّة، وانعكاس ذلك في وسائل إعلامهم المختلفة.

يستعرض هذا الجزء من الكتاب الظَّاهرة المسمَّاة بـ«معاداة السَّاميَّة» في الإعلام العربي عامَّة، والفلسطيني خاصَّة، والأفكار الرَّئيسة الشَّائعة بهذه الظَّاهرة مثل الثَّأر، والرُّموز النَّازيَّة، وبروتوكولات حكماء صهيون، وكراهيَّة إسرائيل، والصُّهيونيَّة، ونزع الشَّرعيَّة عن إسرائيل، ونبذها، ورفض وجود إسرائيل دولة قوميَّة للشَّعب اليهودي، ورفض وجود الشَّعب اليهودي على أرض إسرائيل، والقدس، وانكار الهولوكوست.
يربط «تسوريف» في هذا الجزء بين ظاهرة المعاداة للسَّاميَّة، وبين موقف القرآن من اليهود، أو بني إسرائيل، فيشير إلى أنَّه رغم وجود سلسلة طويلة بالتَّوراة تؤكِّد أنَّ اليهود هم شعب الخلاص الَّذين اختارهم الرَّبُّ من بين كلِّ الشُّعوب إلَّا أنَّ القرآن ينكر ذلك، رغم اعتراف القرآن بمعجزات الإله لموسى، وبالمعجزات والآيات المتمثِّلة في خروجهم من مصر، وشقِّ البحر الأحمر لهم. كما أكَّد «تسوريف» أنَّ القرآن لا توجد فيه ولا آية واحدة تعترف بحقِّ المسلمين في أرض إسرائيل (فلسطين)، إلَّا أنَّه استدرك بالقول إنَّ مصطلحات أرض إسرائيل، أو أرض كنعان، أو الأرض الموعودة غير واردة بالقرآن، ووارد مرَّة واحدة فقط لفظ الأرض المقدَّسة، وهو شبيه بالمصلح التَّوراتي الوارد في سفر زكريا، والَّذي يشير إلى الأرض المقدَّسة.

كما يطرح هذا الجزء من الكتاب مواقف، ورؤى مختلفة حول التَّفريق بين الإسلام المعتدل، والإسلام الرَّاديكالي، والَّذي، من وجهة نظر مؤلِّف الكتاب، يدعو إلى قتل أيِّ شخص يكفر بالله، وليس مسلمًا بما في ذلك اليهود، والشُّروع في حرب مقدَّسة تحت اسم «الجهاد» ضدَّهم، وقتلهم، والقتل خلال هذه الحرب للفوز بلقب شهيد، وهي الحقائق الَّتي يرى مؤلِّف الكتاب أنَّها تحول دون وجود إسلام معتدل في وقتنا الرَّاهن.
بالنِّسبة للجزء الثَّالث من الكتاب فيمكن وصفه بـ«السِّياسي البحت»؛ إذ يتعرَّض لجذور الصِّراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ويُحلِّل إمكانيَّة إحلال السَّلام، وظروف ذلك. فيؤصِّل هذا الجزء من الكتاب للصِّراع، ويُرجعه إلى سلوكيَّات، ورؤى النَّبي محمَّد الَّتي طبعت سلوك المسلمين، والعرب في الوقت الحالي بالعنف، وكوَّنت لديهم أيديولوجيَّة دينيَّة سياسيَّة تنظر للأقلِّيَّات الدِّينيَّة الأخرى نظرة دونيَّة، ودفعتهم إلى انتهاج سياسات معادية، واعتناق أخلاقيَّات مزدوجة المعايير، علاوة على الحروب النَّفسيَّة، وعمليَّات غسيل المخ الَّتي ينتهجها الوعَّاظ المسلمون بالمساجد، وهو ما انعكس على حروب الاستنزاف الَّتي نشبت عقب ما عرف بالرَّبيع العربي، كما أنَّها انعكست كذلك على سياسات الفلسطينيِّين اتِّجاه إسرائيل في إطار هذا الصِّراع.

وفقًا لمؤلف الكتاب فإنَّه يحلِّل في هذا الجزء سمات الصِّراع العربي- الإسرائيلي – الفلسطيني من زوايا جديدة، والَّتي تعتمد على القرآن صاحب التَّأثير الكبير على سمات هذا الصِّراع، وماهيَّته. كما يطرح تساؤلًا هل بالإمكان إحلال السَّلام بين إسرائيل، والعرب الفلسطينيين ووفق أيِّ شروط؟ وهل الفلسطينيُّون مستعدُّون للتَّوصُّل إلى حلول وسط، ويمكنهم الاعتراف بإسرائيل دولة قوميَّة للشَّعب اليهودي، وأيضًا التَّوقيع معها على اتِّفاق سلام.

كما يربط مؤلِّف الكتاب ذلك بما عدَّه محاولات فلسطينيَّة لتشويه تاريخ الشَّعب اليهودي لسلب حقوق اليهود الدِّينيَّة، والتَّاريخيَّة على أرض إسرائيل، والقدس، وجبل الهيكل (الحرم القدسي الشَّريف)، وينطلق نحو عرض عدَّة وجهات نظر، ورؤى عربيَّة، وإسلاميَّة تشكِّك في أحقِّيَّة المسلمين بالقدس، والحرم القدسي الشَّريف، ومدى قدسيَّتهما في الإسلام والقرآن، وعرض نظريَّات جديدة حول موقع الأقصى المذكور بالقرآن مرة واحدة فقط ، ولم يحظ بالقداسة من جانب محمَّد مثلما حظيت الكعبة في مكَّة.
ورأى «تسوريف» أنَّ ظاهرة معاداة السَّاميَّة الحديثة من جانب العرب، والفلسطينيِّين تتأسَّس على مفاهيم قرآنيَّة الَّتي تتعرَّض بشكل سلبي، وعدائي لليهود، ففي الإعلام الفلسطيني الحديث تنتشر دعاية أنَّ اليهود لهم طابع عدواني، وعنصري، وإمبريالي، وفوضويِّين، ويرفضون الاعتراف بالأديان الأخرى، كما أنَّهم منافقون، وتجَّار مخدَّرات، وخمور.
في هذا الصَّدد، استشهد مؤلِّف الكتاب بما ورد في كتاب الكاتب العربي عبد الستَّار سعيد بعنوان (حرب الوجود بين القرآن والتَّلمود)، سلسلة طويلة من الأوصاف السَّيِّئة لليهود مثل (المفسدون في الأرض)، و(الشَّيطان اليهودي)، و(شياطين التَّلمود)، و(أبناء إبليس)، حاسبًا أنَّ هذا مثال منعكس على ما يروَّج له في الإعلام الفلسطيني والعربي. وربط «تسوريف» ذلك بالحرب الَّتي دارت بين محمَّد، واليهود الَّذي رأى فيهم أعداء لدعوته، ولنشر دينه الجديد، وبالتَّالي وصفهم بالأعداء مثلما هو وارد في الآية 82 من سورة المنافقون Nلَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواM.

تجدر الإشارة كذلك إلى أنَّ مؤلِّف الكتاب أشار في مقدِّمته إلى أنَّ الكتاب يستند أساسًا إلى الآيات القرآنيَّة بالعربيَّة، وكذا على عدَّة اقتباسات من الأحاديث النَّبويَّة، وعلى كتب، وأبحاث كتبها باحثون من كلِّ أنحاء العالم بما في ذلك باحثون مسلمون، علاوة على مقالات، وتقارير في صحف عربيَّة، وفي مواقع انترنت كتبها إعلاميُّون، وأكاديميُّون عرب. كما أنَّ الكاتب استعان بفقْرات من العهد القديم لعرض وجهة النَّظر اليهوديَّة حول ما هو وارد في القرآن.
يعترف مؤلِّف الكتاب نفسه في المقدِّمة أن جزءًا كبيرًا من الأدب الإسلامي، والعربي الَّذي كُتب حول القرآن، وسيرة النَّبي محمَّد والإسلام كان أمينًا ويعكس الواقع، إلَّا أنَّه قال إنَّ جزءًا صغيرًا منه لم يكن كذلك، واشتمل على أكاذيب، وتحريفات للوقائع التَّاريخيَّة، لافتًا إلى أنَّ استنتاجاته العلميَّة الَّتي توصَّل إليها في الكتاب، والتي قامت على تحليل، وشروح للآيات القرآنيَّة الَّتي اعتمد عليها بشكل واقعي ومنطقي.

اسم الكتاب: «محمد والقرآن واليهود... بوَّابة إلى الحقيقة»
للمستشرق الإسرائيلي نير تسوريف.
إعداد: د. أحمد البهنسي
تأليف: نير تسوريف
مكان وسنة النَّشر: دار نشر « تسميريت «، إسرائيل، 2020
عدد الصَّفحات: 512 صفحة


------------------------------------
[1] محمد خليفة حسن: المدرسة اليهوديَّة في الاستشراق، مجلَّة رسالة المشرق، الأعداد 1-4، المجلد 12، القاهرة 2003.ص 6-21.
[2]- أحمد صلاح البهنسي، الاستشراق الإسرائيلي، الإشكاليَّة، السِّمات، الأهداف، مجلَّة الدِّراسات الشَّرقيَّة، العدد 37، 2007. ص474.
[3]- مقابلة إذاعية مع «أوري روبين» حول ترجمته لمعاني القرآن الكريم، بتاريخ 3/9/2004، نقلا عن:
http://www.urirubin.com/Interviews.html .
[4]- يمكنك العودة للموقع الالكتروني https://www.netbook.co.il/Book.aspx?id=13974
[5]- للاستزادة حول هذه الوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية وأنشطتها وطبيعة عملها يمكنك زيارة الرابط
https://www.aljazeera.net/news/pages/673dd7bd-b318-4294-b540-7b217d7397e0
[6]- يمكنك العودة للموقع الالكتروني https://www.netbook.co.il/Book.aspx?id=13974
[7]- يمكنك العودة للرابط الالكتروني https://www.nli.org.il/he/books/NNL_ALEPH997010396322305171/NLI
[8]- أنظر الحوار كاملًا على الرابط https://jerusalem.mynet.co.il/food_leisure/article/rkMtRFQM00
[9]- المرجع نفسه.
[10]- حسن حنفي، المرجع السابق، ص78.