البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

زوال العلمنة من العالم - أطروحة معاكسة لحداثة ناصبت الدين العداء

الباحث :  بيتر برغر Peter Berger
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  2
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 26 / 2015
عدد زيارات البحث :  3356
تحميل  ( 318.162 KB )
زوال العلمنة من العالم
أطروحة معاكسة لحداثة ناصبت الدين العداء [*][1]
[*] Peter Berger بيتر برغر
يقدم عالم الاجتماع الأميركي ذو الأصل النمساوي، بيتر لودفيغ بيرغر Peter Berger، في النص التالي مجموعة من الأفكار والفرضيات حول مآلات العلمنة في أوروبا والولايات المتحدة، ليؤسس عليها مشروعه الفلسفي الذي كان بدأه في العام 1999 حين أصدر كتابه تحت عنوان: «زوال العلمنة من العالم»، The Desecularization of the World.
نشير إلى أن هذا النص هو محاضرة قدمها بيرغر في إطار مشروع بحثي نظمته مؤسسة ماك آرثر الأميركية بعنوان «مشروع الأصولية». نذكر أيضاً أنّ برغر كان قد أسّس سنة 1985 معهد الثقافة والدين والشؤون الدوليّة (CURA) بجامعة بوسطن، وتولّى إدارته، وشغل أيضا أستاذ علم الاجتماع و اللاهوت في كلية الآداب والعلوم، ومعهد اللاهوت بالجامعة نفسها.
ما يلي النص الكامل للمحاضرة.
المحرر
قبل سنوات وَجَدَ المجلد الأول في ما سمي بـ «مشروع الأصولية» طريقه إلى مكتبي. كانت مؤسسة ماك آرثر كريمة في تمويلها لهذا المشروع الذي ترأسه مارتن مارتي خبير التاريخ الكنسي البارز العامل في جامعة شيكاغو. وقد اشترك عدد من الأكاديميين المتفوقين فيه ويمكنني القول بأن نوعية النتائج المنشورة ممتازة إجمالاً. لكن تأملي في محتوى الكتاب منحني ما أمكنني وصفه بأنه «تجربة تدفع المرء إلى الدهشة والفضول. كان الكتاب الضخم يجلس على طاولة مكتبي وهو يبدو أقرب إلى سلاح قد يتسبب بأذى كبير لو ضرب به رأس أحد ما. ثم تساءلت عن السبب الذي دفع مؤسسة ماك آرثر إلى إنفاق ملايين من الدولارات لدعم دراسة دولية حول الأصوليين الدينيين؟».
لكن سرعان ما تبادرت إجابتان إلى ذهني؛ كانت أولاهما واضحة جدّاً وغير مثيرة للاهتمام: فمؤسسة ماك آرثر تقدم نفسها على أنها مجموعة تقدمية للغاية، وتعتبر الأصولية معادية للتقدم. فالمشروع إذن مسألة تتعلق بـ «معرفة العدو». ولكن توجد أيضاً إجابة مثيرة للاهتمام بشكل أكبر: تعتبر «الأصولية» ظاهرة غريبة يصعب فهمها ويهدف المشروع إلى الغوص في ذلك العالم الغريب وجعله أقرب إلى الفهم، ولكن يقربه إلى أفهام من؟ من يجد ذلك العالم غريباً؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تحديداً سهلة بالنسبة للناس الذين يتكلم معهم مسؤولو مؤسسة ماك آرثر عادة مثل الأساتذة في جامعات النخبة الأميركية، وهنا وعند هذه النقطة جاءتني «التجربة التي تدفع المرء إلى أن يقول: آها!» فمصدر القلق والاهتمام الذي أدى إلى هذا المشروع أصلاً هو الإدراك «المقلوب» للعالم، وبحسب هذا الإدراك المقلوب فإن «الأصولية» ـ وبغض النظر عما يقال فهي عادة تشير إلى أي نوع من الحركة الدينية متحمسة ـ ظاهرة نادرة يصعب تفسيرها. ولكن إذا نظرنا سواء إلى التاريخ أم إلى عالمنا المعاصر فسنجد أن النادر هو ليس الظاهرة نفسها بل معرفتنا بها؛ وأن الظاهرة التي يصعب فهمها ليست رجال الدين الذين يحكمون إيران على سبيل المثال بل أساتذة الجامعة الأميركيين! ولعل هذه الظاهرة الأخيرة تستحق مشروعاً خاصّاً بها يُنفق فيه ملايين الدولارات في حالة لتفسيرها!
أخطاء نظرية العلمنة
النقطة التي أريد أن أؤكد عليها هي أن فرضية أننا نعيش في عالم مُعَلْمَن هي فرضية خاطئة، فالعالم اليوم ـ مع وجود استثناءات قليلة ـ لا يزال يتقد بالعاطفة الدينية، وفي بعض الأماكن لربما زاد اتقاد هذه العاطفة. هذا يعني أن جميع ما كتبه علماء الاجتماع والتاريخ حول ما سمي بـ «نظرية العلمنة» هو خاطئ في جوهره، لقد ساهمتُ أنا شخصيّاً في الكتابة في ذلك الاتجاه، كان لدي بعض الرفاق الطيبين في هذا المجال إذ كان معظم علماء الاجتماع يؤمنون بالفكرة نفسها وكان لدينا أسبابٌ وجيهة حتى نؤمن بها. لا أزال أعتقد بصحة بعض الأفكار التي كتبتها وقتها، وكما أظل أخبر تلاميذي، فمن محاسن كون المرء عالم اجتماع أنه يمكنه إذا شاء ـ وبخلاف الفيلسوف أو عالم الدين مثلاًـ أن يظل يستمتع حين يتم إثبات خطإ أفكاره بقدر ما يستمتع إذا ثبتت صحتها!
مع أن مصطلح «نظرية العلمنة» (Securalization theory) يدخل ضمن أعمال تعود إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فيمكننا تتبع الجذور الأصلية لفكرتها الأساسية إلى عصر التنوير الأوروبي. هذه الفكرة هي في غاية البساطة: إن التوجه نحو الحداثة يؤدي بالضرورة إلى تراجع، أو حتى انهيار في الدين سواء في المجتمع أم في عقول الأفراد. وقد كانت هذه الفكرة تحديداً هي ما ثبت خطؤها. فلا شك أن الحداثة ترافقت مع توجهات واضحة نحو العلمنة (Securalization)، وفي أماكن معينة أكثر من غيرها، ولكنها أيضاً استفزت حركات قوية مضادة للعلمنة. بالإضافة إلى ذلك فإن العلمنة (Securalization) على مستوى المجتمع لا تعني بالضرورة العلمنة (Securalization) على مستوى الإدراك الفردي. لقد خسرت بعض المؤسسات الدينية قوتها وتأثيرها في الكثير من المجتمعات، ولكن في المقابل استمرت معتقدات قديمة وبرزت معتقدات جديدة لتلعب دورها في حياة الأفراد متخذة أشكالاً مؤسساتية في بعض الأحيان، ومؤدية إلى تفجُرّات كبيرة في الحماس الديني. كما يمكننا القول أنه يمكن للمؤسسات المعرفية الدينية أن تلعب أدواراً اجتماعية أو سياسية حتى لو كان عدد الناس المؤمنين أو الممارسين للدين الذي تمثله قليلاً جدّاً. فإذن أقل ما يمكننا قوله حول علاقة الدين بالحداثة هو أن هذه العلاقة معقدة.
إن الفرضية القائلة بأن الحداثة تؤدي بالضرورة إلى تراجع دور الدين هي بالمبدإ «خالية من القيم». بمعنى أنها يمكن أن يؤكد صحتها أولئك الذين يرون فيها أخباراً طيبة. كما يمكن أن يفعل ذلك أناس يرون فيها أخباراً في غاية السوء. لقد مال معظم مفكري عصر التنوير، ومعظم الناس ذوي العقلية التقدمية إلى فكرة أن التحول إلى العلمنة (Securalization) أمر جيد بما أنه يتخلص من الظواهر الدينية «المتخلفة» و«الخرافية» و«الرجعية» ـ ربما مع تقبل بقاء بقايا دينية خالية من هذه الصفات السلبية ـ ولكن الناس المتدينين بما في ذلك الذين يحملون أفكاراً تقليدية أو متشددة للغاية أكدوا أيضاً على وجود هذه الرابطة الحداثة / العلمانية (noderity securality) مع أنهم اعترضوا عليها أشد الاعتراض. من بعد ذلك ارتأى بعض أولئك الأخيرين أن الحداثة هي العدو الذي تجب محاربته عند كل فرصة ممكنة، بينما تعامل غيرهم مع الحداثة على العكس تماماً رائياً فيها وجهة نظر نحو العالم لا تقهر، وما على المعتقدات والممارسات الدينية إلا أن تتكيف معها. أو بكلمات أخرى كانت الاستراتيجيتان المفتوحتان أمام المجتمعات الدينية في عالم يعتبر علمانيّاً هما: الرفض أو التكيف. وكما هو الحال في مجمل الإستراتيجيات المبنية على إدراك خاطئ للمحيط الاجتماعي والسياسي، فقد كان للإستراتيجيتين نتائج تثير الشك في صحة توجههما.
من الممكن بالطبع أن ترفض مجتمعات معينة على المستوى النظري أي عدد من الأفكار والقيم الحداثية، ولكن جعل هذا الرفض جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس أمر مختلف تماماً وهو أصعب بكثير ويتطلب اعتماد إحدى إستراتيجيتين:
الأولى، هي الثورة الدينية التي تحاول فيها حركة دينية السيطرة على المجتمع ككل وجعل نظرتها الدينية المعادية للحداثة واجبة على الجميع ـ وهو مشروع صعب في معظم بلدان عالمنا المعاصر أما صعوبة مثل هذا المشروع فتعود بالدرجة الأولى إلى الحداثة التي تؤدي إلى نشأة مجتمعات غير متجانسة والى حدوث قفزة كمية في التواصل بين الثقافات. وهذان عاملان يفضلان التعددية، وليس إنشاء (أو إعادة إنشاء) نوع من الاحتكار الديني.
اما الثانية، أو الطريقة الممكنة الأخرى لجعل الناس يرفضون الأفكار والقيم الحداثية فهي صنع ثقافات فرعية دينية مصممة، لإبقاء تأثيرات المجتمع الخارجي بعيدة. وهذه ممارسة تبشر بنتائج أفضل من الثورة الدينية ولكنها محفوفة بالمصاعب أيضاً. فالثقافة الحديثة قوة لا يستهان بها، ولذا يتطلب الحفاظ على هذه المجتمعات ضمن نظام دفاع شديد الإحكام، جهوداً هائلة. وإذا شئت فاسأل أي شخصمن الأميش في شرق بنسلفانيا، أو حتى أي حاخام من الطائفة الحسيدية اليهودية في زاوية ويليامزبرغ من بروكلين.
من المثير للاهتمام أيضاً، تبيُّن خطأ نظرية العلمنة (Securalization) من خلال نتائج استراتيجيات التكيف التي اتبعتها المؤسسات الدينية؛ فلو كنا نعيش في عالم علماني حقاً لكنا قادرين على أن نتوقع من المؤسسات الدينية أن تحافظ على بقائها بالدرجة الكافية حتى تتمكن من التكيف مع العلمانية (Securality). وقد كانت هذه هي الفرضية التجريبية لاستراتيجيات التكيَّف. إن ما حصل بالفعل هو أن المجتمعات الدينية بشكل عام استمرت في الوجود، بل ازدهرت إلى درجة لم تعد تجد نفسها مضطرة إلى التكيّف مع متطلبات العالم العلماني المزعومة. وحتى نعبر عن هذه النقطة ببساطة نقول: لقد فشلت على الإجمال التجارب مع الدين المُعَلْمَن، بينما نجحت حركات دينية مشبعة بعقائد وممارسات ميتافيزيقية «رجعية» لدرجة أكبر مما قد يحتمله أساتذتنا الجامعيون من الذين ذكرناهم من قبل!
الكنيسة الكاثوليكية مقابل الحداثة
كان الصراع مع الحداثة داخل الكنيسة الكاثوليكية يعكس بشكل جيد مصاعب كل استراتيجة؛ فعلى إثر عصر التنوير والثورات المتعددة التي رافقته، كانت ردة الفعل الأولى التي اتبعتها الكنيسة هي الرفض المتشدد ومن بعده الرفض المتحدي وربما كانت أشد لحظات هذا الرفض روعة تلك التي جرت عام 1870 لما أعلن مجمع الفاتيكان الأول رسميّاً عصمة البابا وطهر (عذرية) مريم. ومن المعروف أن هذا الاعلان كان بمثابة رد على قوى التنوير التي كانت على وشك أن تحتل روما ضمن جيش الملك فيكتور إيمانويل الأول (وقد كان الاحتقار متبادلاً فإذا زرت مثلاً النصب التذكاري لقوات البيرساغلييري (Bersaglieri) ـ قوات النخبة التي احتلت المدينة باسم الوحدة الإيطالية ـ فربما لاحظت الطريقة التي وضع فيها التمثال البطولي الذي يمثل جنديّاً في زي البيرساغلييري إذ وضع وجانبه الخلفي يشير تماماً نحو الفاتيكان!).
أما المجمع الفاتيكاني الثاني والذي انعقد بعد الأول بحوالي المائة سنة، فقد عدَّل من موقف الكنيسة الرافض إلى حد كبير تحت تأثير فكرة الأغيورنامنتو (aggiornamento) (تطوير الكنيسة بحيث تتوافق مع العصر الحديث).
كان يفترض بمجمع الفاتيكان الثاني أن يفتح نوافذ جديدة، وخصوصاً نوافذ الثقافة الفرعية الكاثوليكية التي تم بناؤها بعد أن أصبح من الواضح أن الكنيسة لن تعود إلى هيمنتها السابقة على كامل المجتمع في حين كانت الثقافة الفرعية الكاثوليكية في الولايات المتحدة مثيرة للإعجاب حتى السنوات الأخيرة. ولكن مشكلة فتح النوافذ هي أنك لا يمكنك التحكم بما سيدخل عليك منها وقد دخل من هذه النوافذ الكثير بالفعل ـ كامل عالم الحضارة الحديثة المضطرب ـ وقد كان هذا الأمر في غاية الإشكال بالنسبة للكنيسة. حيث تتحرك الكنيسة تحت قيادة البابا الحالي عبر طريق متلونة بين الرفض والتكيّف مع نتائج متقلبة بين بلد وآخر.
هذا مكان جيد كي أذكر أني أقصد أن أجعل جميع مراقباتي هنا «خالية من أحكام القيمة»؛ أي أني أحاول أن أنظر إلى المشهد الديني الحالي بشكل موضوعي وقد وضعت خلال كتابتي لهذه السطور معتقداتي الدينية الشخصية جانباً. كعالم اجتماع ديني أجد أنه ربما كان على روما أن تمارس بعض الإمساك بزمام الأمور بعد الاضطرابات المؤسساتية التي تلت مجمع الفاتيكان الثاني. ولكن قولي هذا لا يعني أبداً اتفاقي العقائدي مع ما أراه في الكنيسة الكاثوليكية تحت السلطة البابوية الحالية، بل لدي شكوكي حول هذه التطورات. ولكني بروتستانتي ليبرالي ـ (إشارة إلى موقفي الديني لا السياسي) ـ ولا أحمل دهانياً وجوديّاً آنيّاً على ما يحدث ضمن المجتمع الكاثوليكي؛ أعود وأقول أني أتكلم هنا كعالم اجتماع، وهي صفة يمكنني أن أزعم أني أمتلك بعض المقدرة فيها إني، هنا، متجرّدٌ من أي خلفية لاهوتية.
المشهد الديني العالمي
بالنسبة للمشهد الديني على مستوى العالم فالحركات المحافظة أو المتشددة أو التقليدية هي التي تشهد تصاعداً في كل مكان تقريباً هذه الحركات هي بعينها التي رفضت نوعاً من التحديث كما عرفه المفكرون التقدميون. بالمقابل فإنّ جميع الحركات والمؤسسات الدينية التي بذلت جهوداً كبيرة لتتكيف مع الحداثة كما أدركتها، تشهد تراجعاً في كل مكان تقريباً وقد كان هذا واقعاً شهد الكثير من التعليقات في الولايات المتحدة حيث شهد الخط الديني البروتستنتي الرئيسي تراجعاً كبيراً صاحبه تقدم مماثل في النزعات التبشيرية.
لكن الولايات المتحدة ليست فريدة من نوعها في هذا المجال ولا البروتستنتية الخط الديني الوحيد الذي يشهد هذه الظاهرة فقد أثمرت النزعة المحافظة التي قادها البابا يوحنا بولص الثاني في الكنيسة الكاثوليكية سواء في دخول عدد جديد من الناس إلى الديانة الكاثوليكية أم في تجدد الحماس بين الكاثوليكيين الأصليين خاصة في الدول غير الغربية. كذلك تبع انهيار الاتحاد السوفيتي عودة ملحوظة للكنيسة الأرثوذكسية في روسيا. الجماعات اليهودية التي تشهد أكبر قد من التنامي سواء في إسرائيل أم خارجها هي الجماعات الأصولية المتشددة. وقد شهدت الديانات الكبرى الأخرى ـ الإسلام والهندوسية والبوذية ـ فورات قوية من التوجه الديني المحافظ وكذلك المجتمعات الدينية الأصغر حجماً مثل الشينتو في اليابان والسيخ في الهند. تختلف هذه التطورات بشكل كبير في مضامينها الاجتماعية والسياسية ولكن القاسم المشترك فيها هو الاستلهام الديني الذي لا لبس فيه ضمنها وبالنتيجة فإن مجموعها يقدم أدلة هائلة على زيف فكرة أن التحديث (modernizatio) والعلمنة (Securalization) ظاهرتان من أصل واحد أو على الأقل فإنها تظهر أن «مكافحة العلمنة» (Counter-Securalization) هي ظاهرة لا تقل في أهميتها عن العملنة (Securalization) نفسها في عالمنا المعاصر.
عادة ما تدرج هذه الحركات تحت عنوان «الأصولية» سواء في وسائل الإعلام أو في المنشورات الأكاديمية. غير أن هذا المصطلح لم يكن موفقاً ليس فقط لأنه لا يخلو من مسحة إزدرائية، ولكن أيضاً لأنه مشتق من تاريخ البروتستانتية الأميركية حيث توجد له إشارات محددة مشوهة تمتد إلى التراثات الدينية الأخرى. على جميع الأحوال فالمصطلح ينطوي على استخدامات إيحائية إذا أراد أحدنا أن يفسر الظواهر السابقة. فهو يقترح مجموعة من السمات ـ العاطفة الدينية الجياشة، تحدي ما يراه الآخرون على أنه «روح العصر» (Zeitgeist)، العودة إلى المصادر التقليدية للسلطة الدينية هذه بالفعل سمات مشتركة عابرة للحدود الثقافية كما أن جميعها يعكس وجود قوى العلمنة (Securalization). إذ إننا لا يمكننا فهم هذه السمات إلا كردة فعل ضد هذه القوى (وبهذا المعنى وبشكل غير مباشر يمكننا القولُ أنه توجد نسبة من الصحة في نظرية العلمنة القديمة) (Old Securalization). برأيي أن هذا التفاعل بين قوى العلمنة (Securalization Forces) والقوى التي تكافحها هو أحد أهم مواضيع علم الاجتماع الديني المعاصر ولكنه أكبر بكثير من أن نبحثه هنا. كل ما يمكنني فعله هو أن ألقي بإشارة واحدة: الحداثة ولأسباب واضحة للغاية تزعزع اليقينيات القديمة، والشك أو عدم اليقين حالة يجدها الكثيرون غير محتملة؛ ولذلك فإن أي حركة (وليس فقط الحركات الدينية) تعدهم بأن تقدم لهم يقينيات جديدة ستجد سوقها رائجةً في ما بينهم.
الفروقات بين الحركات المزدهرة
مع ان السمات المشتركة التي ذكرناها من قبل تبقى مهمة، إلا أن تحليل الأثر الاجتماعي والسياسي للصحوات الدينية المختلفة يجب أن يأخذ في اعتباره الفروقات في ما بينها. تظهر هذه الحدود بوضوح إذا نظرنا إلى النهضتين الدينيتين الأكثر ديناميكية في العالم اليوم: الصحوة الإسلامية والصحوة الإنجيليّة. سوى أن المقارنة بينهما أظهرت لنا ضعف وضع علامة «الأصولية» على كل منهما.
الصحوة الإسلامية وبسبب تعقيداتها السياسية الواضحة والمباشرة معروفة بشكل أكبر؛ ولكن سيكون من الخطإ الجسيم أن نرى هذه الصحوة من خلال العدسة السياسية فقط. ذلك بأنها تتألف من عودة التزامات ذات طبيعة دينية مؤكدة ومثيرة للإعجاب، وتصنع مدى جغرافيّاً هائلاً يمتد إلى كل بلد إسلامي من شمال أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا. في حين لا يزال عدد المنتمين إليها يزداد يوماً بعد يوم خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث تجد نفسها في منافسة صريحة مع المسيحية. لقد أصبحت هذه الصحوة واضحة جلية في المجتمعات الإسلامية المزدهرة في أوروبا وإلى حد أقل بكثير حتى في أميركا الشمالية حيث تجلب معها وفي كل مكان حركة عودة لا إلى مجرد المعتقدات الإسلامية، بل إلى أساليب حياة متميزة في إسلاميتها والتي تتعارض بشكل مباشر مع الكثير من الأفكار الحداثية ـ مثل أفكار علاقة الدين مع الدولة ودور المرأة والأسس الأخلاقية للمعاملات اليومية والحدود بين التسامح الديني والتسامح الأخلاقي. إن هذه الصحوة غير محصورة بأي شكل من الأشكال في الشرائح الاجتماعية «الأقل حداثة» أو «الأشد تخلفاً» كما يحب أن يعتقد المفكرون التقدميون بل على العكس تماماً، فهي قوية للغاية في مدن تشهد مقداراً كبيراً من التحديث، وفي عدد من البلدان تظهر بشكل أوضح بين أناس تلقوا تعليماً عالياً غربي الأسلوب. في مصر وتركيا على سبيل المثال، يمكن أن تجد بنات أناس علمانيين يرتدين الحجاب الإسلامي بالإضافة إلى مظاهر أخرى للتواضع الإسلامي.
مع هذا، فالفروقات كبيرة ضمن حركة الصحوة هذه حتى في الشرق الأوسط ـ قلب العالم الإسلامي ـ توجد خلافات دينية وسياسية هامة بين صحوات السنة والشيعة. فالنزعة الإسلامية المحافظة في السعودية مثلاً تعني شيئاً مختلفاً تماماً عن النزعة الإسلامية المحافظة في إيران. وإذا ابتعدنا عن الشرق الأوسط، فسنجد أن الفروقات تتسع في إندونيسيا مثلاً ـ وهي أكبر دولة إسلامية في العالم من ناحية عدد سكانها ـ نجد حركة صحوة هامة ـ جمعية نهضة العلماء ـ وهي تعتبر مناصرة للديموقراطية والتعددية. أي أنها تحمل قيماً هي على الضد التام ممّا يتوهمه الكثيرون عن «الأصولية» الإسلامية وحيث تتيح الظروف السياسية المجال نرى الكثير من النقاش حول علاقة الإسلام مع الكثير من الحقائق الحديثة، وتوجد الكثير من الخلافات الحادة بين أفراد ملتزمين إلى الدرجة نفسها بنهضة إسلامية حية. على الرغم من كل هذا ولأسباب تعود إلى جوهر التقاليد الدينية يمكننا القول أنه من الصعب التوفيق بين الدين الإسلامي وبعض المؤسسات الحداثية مثل الديموقراطية واقتصاد السوق.
لا تقل الصحوة الإنجيليّة عن سابقتها في اتساع مجالها الجغرافي، حيث نجحت في الظفر بعدد كبير من المعتنقين الجدد للبروتستانتية الإنجيلية في شرق آسيا ـ في جميع المجتمعات الصينية (بما في ذلك بر الصين الرئيسي رغم اضطهاد السلطات الشديد) وفي كوريا الجنوبية وفي الفيلبين وعبر جنوب المحيط الهادئ وجنوب الصحراء الكبرى حيث غالباً ما تندمج مع عناصر تقليدية من الديانات الإفريقية، وعلى ما يبدو في بعض الأجزاء الأوروبية التي كانت تنتمي إلى الكتلة الشيوعية سابقاً. لكن النجاح الأكبر الذي لاقته البروتستنتية الإنجيلية كان في أمريكا اللاتينية حيث يعتقد أنه يوجد بين 40 ـ 50 مليون بروتستانتي إنجيلي جنوب حدود الولايات المتحدة غالبيتهم العظمى من الجيل الأول (معتنقين جدد). المكون الأكبر عدداً في الصحوة التبشيرية هي الحركة الخمسينية (البنتاكوستال) التي تجمع بين الأصولية الإنجيلية مع الأخلاقيات المتشددة، مع نوع من التعبد القائم على النشوة الروحية والتركيز الخاص على الشفاء الروحي. وقد جلب هذا التحول إلى البروتستانتية خاصة في أميركا اللاتينية تحولاً ثقافياً ـ طرق تعامل جديدة مع العمل والاستهلاك وأخلاقيات تعليمية جديدة ورفض عنيف للذكورية التقليدية حيث إن النساء يلعبن دوراً أساسيّاً في الكنائس الإنجيليّة.
تعود أصول هذه الصحوة الإنجيليّة العالمية إلى الولايات المتحدة والتي خرج أوائل المبشرين منها. ولكن من المهم جدّاً أن نفهم أن هذه الإنجيليّة الجديدة في كل مكان وخاصة في أميركا اللاتينية محلية إلى حد كبير ولم تعد تعتمد على دعم «إخوة الإيمان» في الولايات المتحدة، إذ أصبح الإنجيليون اللاتينيون هم من يبعث بالحملات التبشيرية إلى المجتمعات ضمن البلاد التي شهدت هبة من التحول الديني.
من نافلة القول أن المحتوى الديني للصحوات الإسلامية والإنجيليّة مختلف تمام الاختلاف وذلك لاختلاف النتائج الاجتماعية والسياسية لكل منهما (وهو أمر سأتكلم عنه في ما بعد). ولكن هذين التطورين يختلفان عن بعضهما البعض في طريقة أخرى هي في غاية الأهمية: فالحركة الإسلامية تنشط بالدرجة الأولى ضمن بلاد إسلامية في الأصل، أو بين المهاجرين المسلمين كما هو الحال في أوروبا، بينما تتنامى الحركة البروتستانتية بشكل دراماتيكي في بلاد كان هذا النوع من الدين فيها إما مجهولاً أو هامشيّاً للغاية.
استثناءات لفرضية زوال العلمنة
دعوني أكرر إذن ما قلته قبل برهة من الزمن: العالم اليوم متدين بشكل هائل، وهو أبعد ما يكون عن العالم المُعَلْمَن (Secularised) الذي تكهن الكثير من محللي الحداثة بحصوله (سواء كان ذلك بسعادة أو بإحباط). لكن يوجد استثناءان لهذه الفرضية أحدهما ليس واضحاً تمام الوضوح، والثاني واضح للغاية.
أما الاستثناء الأول الواضح فهو أوروبا، أو بشكل أدق غرب أوروبا أو ما كان يعرف بالستار الحديدي (مع أن التطورات الدينية في البلدان الشيوعية سابقاً أمر لا يزال ينقصه الكثير من البحث وبالتالي لا يزال غير واضح). إذا كانت نظرية العلمنة القديمة (Old Securalization) قد تزعزعت في أماكن أخرى في العالم فهي لا تزال راسخة في أوروبا الغربية. ومع ازدياد التحديث كان هناك ازدياد في مؤشرات العلمنة (Securalization). سواء على مستوى المعتقدات كما يعبر عنها الأفراد (خاصة في ما يمكن أن تسمى المعتقدات الأصولية البروتستانتية أو الكاثوليكية) وبشكل دراماتيكي على المستوى المتعلق بالكنيسة حضور الطقوس التعبدية والالتزام بالسلوكيات التي تمليها الكنيسة (خاصة في ما يتعلق بالأمور الجنسية والإنجاب والزواج)، وأعداد الناس الراغبين في دخول سلك الكهنوت. لقد رصدت هذه الظواهر في بلدان شمال أوروبا منذ زمن بعيد، ولكنها عمَّت حتى في بلدان الجنوب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهكذا نرى أن إيطاليا وإسبانيا مثلاً قد مرَّتا بتراجع كبير في الدين المرتبط بالكنيسةكذلك الحال في اليونان، وهو أمر يدحض حجة المحافظين الكاثوليكيين القائلين بأن تنازلات مجمع الفاتيكان الثاني هي التي أدت إلى هذا التراجع. توجد الآن ثقافة علمانية أوروبية هائلة الحجم والانتشار ويمكننا وصف ما حصل في دول الجنوب (ولكن ليس تفسيره) على أنه غزو هذه الثقافة لهذه البلدان وليس من ضرب الخيال أن نتصور أن تطورات مماثلة ستحصل في أوروبا الشرقية بحسب الدرجة التي تندمج فيها هذه البلدان في أوروبا الجديدة.
رغم أنه لا يوجد جدل حول صحة هذه الحقائق إلا أن عدداً من الأبحاث الصادرة مؤخراً في مجال علم الاجتماع الديني وخاصة في فرنسا وبريطانيا وإسكندنافيا عادت لتتساءل حول صحة تطبيق مصطلح «العلمنة» (Securalization). على هذه التطورات إذ إن مجموعة كبيرة من البيانات تدل على استمرار وجود الدين وبقوة في أشكال معظمها مسيحية رغم بعد الناس العام على الارتباط بالكنائس المنظمة. فإذن الوصف الأدق لما يحصل في أوروبا هو أنه تحول في موقع الدين المؤسساتي وليس تحولاً كاملاً إلى العلمنة ( Securalization). بالرغم من كل ما قيل تظل أوروبا متميزة عن أي مكان آخر في العالم، وبكل تأكيد عن الولايات المتحدة الأميركية، وتظل إحدى أكثر أحاجي علم الاجتماع الديني إثارةً للاهتمام هو معرفة سبب كون الأميركيين إجمالاً أكثر تديناً وأشد حرصاً بكثير على المؤسسات الكنسية من الأوروبيين.
الاستثناء الثاني لقاعدة زوال العلمنة (DeSecuralization) هو أقل غموضاً إذ توجد شبكة ثقافة فرعية دولية من أناس تلقوا تعليماً غربي السمة خاصة في مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية وهي شبكة علمانية بالفعل. هذه الشبكة هي نفسها شبكة الثقافة الفرعية والحامل الأساسي للمعتقدات والقيم التقدمية التنويرية. وعلى الرغم من أن عدد المنتمين إلى هذه الشبكة قليل على الأرض، إلا أن تأثيرهم يبدو كبيراً جدّاً نظراً لسيطرتهم على المؤسسات التي تقدم التعريفات «الرسمية» للحقيقة، خاصة في النظام التعليمي ووسائل الإعلام الجماهيري وبعض أعلى طبقات النظام القانوني. من المثير للدهشة التشابه الكبير بين الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الشبكة في شتى أنحاء العالم. مع أن هذه «الثقافة الفرعية» شهدت من تخلى عنها خاصة في العالم الإسلامي. مرة أخرى وللأسف لا يمكنني التكهن بسبب كون أناس من هذا النوع معرضين لهذه الدرجة للعلمنة (Securalization). إلا أن ما يمكنني الإشارة إليه هو أن ما لدينا هنا هو ثقافة نخبة عالمية.
في بلد تلو الآخر تتخذ الصحوات الدينية طابعاً شديد الشعبوية. فبالإضافة إلى الدوافع الدينية المحضة، فإن هذه الصحوات حركات احتجاج ومقاومة ضد النخبة العلمانية وتشاركها الحرب الثقافية في الولايات المتحدة بوضوح في هذه الصفة. يمكنني أن أبدي ملاحظة عابرة هنا هي أن مصداقية نظرية العلمنة تعود إلى حد كبير إلى هذه الثقافة الفرعية العالمية. إذ أن المثقفين حين يسافرون عادة ما يجتمعون بدوائر من المثقفين الآخرين أي أناس يشابهونهم إلى حد بعيد. وقد يؤدي هذا الأمر بسهولة إلى وقوع هؤلاء المثقفين في خطأ التصور أن هؤلاء الناس يعكسون كامل المجتمع الذي زاروه. هذا بالطبع خطأ كبير؛ فتصور مثلاً مثقفاً علمانيّاً من غرب أوروبا يجتمع مع بعض زملائه في نادٍ للأساتذة في جامعة تكساس قد يؤدي به هذا الاجتماع إلى تصور أنه لا يزال في وطنه! ولكن دعونا نتصور المثقف نفسه وهو يقود سيارته في أزمة السير صباح يوم الأحد في وسط مدينة أوستن، أو إذا فتح قنوات الراديو على سيارته! إن ما سيحدث هو ضربة هائلة لتصوره الأول من النوع الذي يسميه علماء الأنثروبولوجيا الصدمة الحضارية.
صحوة الدين: الأصول والآفاق
بعد هذه الجولة السريعة حول المشهد الديني العالمي دعوني أعُدْ إلى بعض الأسئلة المطروحة للنقاش: أولاً: ما هي أصول الصحوة العالمية الدينية؟
لقد ذكرت سابقاً إجابتين محتملتين، الأولى: أن الحداثة تنزع إلى زعزعة اليقينيات التي سلم بها الناس وعاشوا على أساسها معظم تاريخهم. وهذا وضع غير مريح، وبالنسبة للكثيرين غير محتمل أصلاً. في المقابل فإن الحركات الدينية التي تزعم أنها تقدم اليقين إلى الناس تمتلك جاذبية كبيرة.
الثانية: هي أن وجهة النظر المحض علمانية تقع بالدرجة الأولى ضمن ثقافة نخبوية. ومن غير المفاجئ أن هذه النخبة مكروهة من قبل عدد كبير من الناس الذين لا يشكلون جزءاً منها ولكنهم يشعرون بأثرها خصوصاً حين يجدون أولادهم يتعرضون لنظام تعليمي يهمل، ولربما يهاجم مباشرة معتقداتهم وقيمهم. ولذلك يمكن للحركات الدينية ذات الطابع المعادي بقوة للعلمانية، أن تجتذب الناس الذين ينبع مقتهم للعلمانية من أسباب غير دينية.
سأعود مرة أخرى إلى القصة الصغيرة التي ابتدأت مقالتي منها عن مسؤولي المؤسسة الأميركية القلقين بسبب «الأصولية». من وجه لا يوجد أي شيء يمكننا شرحه هنا، إذ لطالما ظل الدين المرتبط بالمشاعر القوية موجوداً. فما يحتاج إلى تفسير هو غيابه وليس حضوره؛ فالعلمانية الحديثة (Modern Secularity) ظاهرة محيرة بقدر أكبر بكثير من أي من هذه الانفجارات الدينية. بكلمات أخرى: الظواهر التي ندرسها هنا وعلى مستوى معين لا تظهر إلا استمرار دور الدين في المكان نفسه الذي لطالما شغله في التجربة الإنسانية.
السؤال الثاني: ما هو المسار المستقبلي المرجح لهذه الصحوة الدينية؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار تعدد الحركات الدينية الهامة في عالمنا المعاصر، فلن يكون من المنطقي ان نحاول أن نقوم بتكهنات على المستوى العالمي. وإذا ما كان علينا أن نجرؤ وأن نقوم ببعض التوقعات فلا بد لنا أن نقوم بها على نطاق أضيق بكثير. لكن من الممكن لنا أن نقوم بتكهن واحد ضمن مدى معقول من التأكد، وهو أنه لا يوجد لدينا أي سبب يدفعنا إلى أن نتوقع أن يكون العالم في القرن الحادي والعشرين أقل تديناً مما هو عليه اليوم. لقد حاولت أقلية من علماء الاجتماع الديني إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نظرية العلمنة القديمة (Old Securalization) من خلال ما أسميه «فرضية الخندق الأخير»: الحداثة تُعَلْمَن ولكن الحركات الدينية الإسلامية والتبشيرية لا تمثل إلا «الخندق الأخير» من دفاعات الدين ولا يمكن لها أن تستمر، ولا بد للعلمانية (Securality) من أن تنتصر آخر الأمر. إذا شئنا أن نعبر عن الموضوع بشكل أقل احتراماً فسيأتي يوم سيتصرف فيه رجال الدين في إيران والوعاظ الخمسينيون والرهبان التيبتيون كأساتذة الأدب الإنجليزي في الجامعات الأميركية! ولكني أجد هذه الفرضية غير مقنعة بأي شكل من الأشكال!
بعد أن أبديت هذا التكهن العام ـ أن عالم عبر القرن القادم لن يكون أقل تديناً مما هو اليوم ـ علي الآن أن أتكهن بشكل مختلف حول القطاعات المختلفة في المشهد الديني. مثلاً أعتقد أن أشد الحركات الإسلامية تشدداً ستجد من الصعب عليها أن تحافظ على وضعها الحالي في وجه الحداثة بعد أن تصل إلى السلطة في بلادها (ويبدو أن هذه الصعوبة بدأت في الظهور في إيران مثلاً). كذلك أعتقد أن الحركة الخمسينية كما هي اليوم تشهد أوسع انتشار لها بين الفقراء وغير المتعلمين من الناس، ولذلك فمن غير المرجح أن تحافظ على سماتها الدينية والأخلاقية الحالية دون تغيير بما أن الكثير من هؤلاء الناس يمرون بتحرك اجتماعي إلى الأعلى (وقد ظهر هذا بشكل كبير بالفعل في الولايات المتحدة).
بشكل عام ترتبط الكثير من هذه الحركات الدينية مع قوى غير دينية من نوع أو آخر وسوف تحدد مسارات هذه الأخيرة مصائر تلك الأولى ولو جزئياً. ففي الولايات المتحدة مثلاً سوف يكون مستقبل الإنجيليّة المناضلة مختلفاً تماماً إذا ما لاقت بعض النجاح في المضمارين السياسي والقانوني. كذلك ففي الدين وكما هو الحال في أي نشاط إنساني آخر تلعب الشخصيات الفردية أدواراً أكبر بكثير مما يحب علماء الاجتماع والمؤرخون أن يعترفوا به. يمكننا أن نرى ذلك في الثورة الإسلامية في إيران والتي كانت نتيجتها ستختلف بشكل كبير بدون آية الله الخميني. لا يمكن لأحد التكهن بظهور شخصيات ذات كاريزما عالية تطلق حركات دينية قوية في أماكن غير متوقعة؛ ومن يعلم؟ لربما جاءت الصحوة الدينية التالية من أكاديميين بعد حداثيين خائبي الأمل!
السؤال الثالث: هل تختلف الأديان في نقدها للنظام العلماني؟ نعم بالطبع وبكل تأكيد، وهذا يعتمد على نظام المعتقدات في كل دين فسوف يشعر الكاردينال راتزنغر[2] والدلاي لاما بالقلق تجاه مظاهر مختلفة من الثقافة العلمانية. ولكنهما سيتفقان على ضحالة ثقافة تحاول الاستمرار دون نقاط مرجعية متعالية، وسيكون لديهما أسبابٌ وجيهة لدعم وجهة نظرهما هذه فالدافع الديني والبحث عن معنى يتعالى عن مساحة الوجود «التجريبي الملحوظ» المقيدة بهذا العالم، كانتا سِمَتَين خالِدَتين رافقتا وجود الإنسانية منذ بدايته (وهذه ليست مجرد عبارة لاهوتية بل هي مقولة أنثروبولوجية قد يتفق معها أي فيلسوف لا أدري أو ملحد حتى). سيتطلب تغيير هذا الدافع وإلى الأبد ما لا يقل عن تحول كامل في العرق البشري ـ وللملاحظة فإن المفكرين الأشد راديكالية من عناصر وأحفادهم من النخبة الفكرية المعاصرة تمنوا بالفعل حصول شيء من هذا القبيل. ولكن وكما قلت فإن هذا لم يحصل حتى الآن ومن غير المتوقع أن يحصل في المستقبل القريب. تشترك جميع حركات الصحوة الدينية في نقطة تنطلق منها في نقدها للعلمانية (Securality) هي أن جميع الوجود الإنساني الخاوي عن التعالي هو حالة فقيرة وفي النهاية لا يمكن الدفاع عنها.
كما أن حقيقة كون العلمانية (Securality) اليوم تمتلك شكلاً حداثياً (إذ توجد أشكال أقدم من العلمانية في الحضارة الكونفوشية الصينية وفي الحضارة اليونانية) تعني أن انتقاد العلمانية (Securality) يشمل ضمناً جوانب الحداثة التي تقوم عليها العلمانية. وكما سبق وقلت من قبل، فإن الصحوة الدينية الإسلامية تميل بقوة إلى نظرة سلبية نحو الحداثة، بل يمكنها أن تكون معادية تماماً لها كما هو الحال في نظرتها إلى دور المرأة في المجتمع. بالمقابل يمكننا أن نظهر أن الصحوة الإنجيليّة حداثية بشكل إيجابي في معظم الأماكن التي حصلت فيها خاصة في أميركا اللاتينية. إن التبشيريين الجدد يلقون جانباً بالكثير من الحواجز المانعة من الحداثة مثل الذكورية من ناحية، والاستسلام لهرمية السلطة التي ظلت داءً عامّاً في جميع أشكال الكاثوليكية ذات الأصل الإسباني أو البرتغالي. كل ما علينا فعله هو أن نبني نقطة من حالة بسيطة فحتى يتمكن الإنجيليون من المشاركة الكاملة مع مجتمعاتهم الدينية عليهم أن يقرأوا الإنجيل وهذه الرغبة في قراءة الإنجيل ستشجع محو الأمية، وأبعد من ذلك إلى سلوكيات إيجابية نحو التعليم وتطوير النفس. وكذلك قد يرغب هؤلاء الإنجيليون في مناقشة شؤون مجتمعهم الديني وبما أن الكثير من هذه الشؤون بأيدي أشخاص عاديين، والكثير منهم من النساء، فسوف تحتاج هذه الإدارة إلى تدريبٍ ومهاراتٍ إدارية بما في ذلك القدرة على إجراء اجتماعات عامة ومتابعة الحسابات المالية. فليس من ضرب الخيال أن نقول أن هذه المجتمعات تلعب دور مدرسة في الديموقراطية والحركية الاجتماعية.
الصحوة الدينية والشؤون الدولية
تتعلق الأسئلة الأخرى المطروحة للنقاش بعلاقة الصحوة الدينية مع عدد من القضايا غير المرتبطة بالدين.
أولاً: السياسية الدولية: هنا يجد المرء نفسه في معارضة تامة كاملة مع الفرضية التي تقدم بها صامويل هانتنغتون ومؤداها أنه بعد نهاية الحرب الباردة ستتأثر العلاقات العالمية بما أسماه «صراع الحضارات» بدلاً من الصراع الأيديولوجي. يوجد لدي أكثر من نقطة اعتراض على هذه الفرضية: أولاً الصراع الأيديولوجي الكبير الذي حرك الحرب الباردة قد يكون نائماً في هذه اللحظة، إلا أنني لا أرى أننا يمكننا أن نراهن على موته النهائي، بل ولا يمكننا أن نكون واثقين من أن صراعاً أيديولوجيا جديداً لن ينشأ في المستقبل. وبقدر ما تمتلك كل قومية أيديولوجيتها الخاصة، فإن الأيديولوجيا تظل حية وفي أحسن حال في عدد كبير من البلدان.
من الواقعي أيضاً أن نصدق أنه وفي غياب المواجهة الواسعة المجال بين الشيوعية السوفيتية والغرب بقيادة أميركا فقد عادت الكثير من العداوات الحضارية التي كانت مقموعة أيام الحرب الباردة إلى السطح، وقد اتخذت بعض هذه العداوات طابعاً أيديولوجيّاً كما هو الحال في تأكيد بعض الحكومات والمجموعات الفكرية للهوية الآسيوية في شرق وجنوب شرق آسيا. لقد أصبحت هذه الأيديولوجيا ظاهرة بشكل خاص في النقاشات حول طبيعة حقوق الإنسان المتمركزة حول الإثنيات كما تدعو إليها الولايات المتحدة والحكومات الغربية والمنظمات الحكومية. ولكن من المبالغة الزعم بأن هذا الجدل يرقى إلى درجة صراع الحضارات. أقرب مظهر ديني إلى صراع الحضارات هو إذا تمكنت بعض الفروع الأشد تطرفاً من الصحوة الإسلامية أن تؤسس لها قاعدة أوسع في عدد أكبر من البلدان لتصبح هذه الأفرع هي الأسس التي ترسم سياسات هذه البلدان الخارجية، ولكن هذا لم يحدث حتى اللحظة.
إذا أردنا تقويم دور الدين في السياسة الدولية سيكون من المفيد لنا أن نميز بين الحركات السياسية المستوحاة من الدين فعلاً، وتلك التي تستخدم الدين كأداة مريحة لتحصل بها على شرعية لأجنداتها السياسية المؤسسة على مصالح غير دينية. فمثلاً، لا شك لدي بأن الإسلاميين الذين يفجرون أنفسهم يؤمنون بصدق في الدوافع الدينية التي يعلنون عنها، ولكن وبالمقابل فإن لدي أسباباً وجيهة لأشك في أن الأطراف الثلاثة التي تورطت في الحرب في البوسنة ـ والتي صُورت كحرب دينية ـ كانوا يستلهمون أسباباً دينية في أصل النزاع. وأعتقد أن بي جاي رورك هو من لاحظ أن الأطراف الثلاثة ينحدرون من العرق نفسه ويتكلمون اللغة نفسها ولا تفرقهم إلا الديانة التي لا يؤمن بها أحد منهم صدقاً. ينطبق الشك نفسه على الصراع الديني المزعوم في شمال إيرلندا والذي تمثله الطرفة التالية خير تمثيل: يقال أن رجلاً كان يمشي في شارع مظلم في بلفاست حين قفز رجل مسلح أمامه من وراء أحد الأبواب ووضع مسدساً على رأسه سائلاً إياه: «هل أنت بروتستانتي أم كاثوليكي؟» أجاب الرجل متعلثماً: «في الواقع أنا ملحد». قال الرجل المسلح: «آه، هكذا إذن! ولكن هل أنت ملحد بروتستانتي أم كاثوليكي؟»
ثانياً: الحرب والسلام: سيكون من الجيد أن نقول بأن الدين وفي كل مكان هو قوة تدعو إلى السلام، ولكن ولسوء الحظ فهو ليس كذلك. من المحتمل جدّاً أن الدين في العالم الحديث سوف يؤدي إلى حروب بين الدول وضمنها. تفاقم المؤسسات والحركات الدينية من الحروب الأهلية في شبه القارة الهندية والبلقان والشرق الأوسط وإفريقيا، وهذه فقط أشد الحالات وضوحاً. لقد قامت المؤسسات الدينية بالفعل بمحاولة مقاومة سياسات حربية بين جهات متصارعة، فقد نجح الفاتيكان مثلاً في منع بعض الصراعات الدولية في أميركا اللاتينية كما نشأت عدة حركات تدعو إلى السلام على أساس ديني في بلاد كثيرة بما في ذلك الولايات المتحدة أثناء حرب فيتنام. كما حاول كل من رجال الدين البروتستانت والكاثوليك أن يقوموا بالتوسط لأجل السلام في إيرلندا الشمالية ولكن مع فشل ملحوظ في هذا المجال.
من الخطإ أن نبحث هنا عن تصرفات مؤسسات أو جماعات دينية إذ قد يوجد لدينا انتشار للقيم الدينية في المجتمع تدفعه إلى نتائج سلمية حتى في غياب الأفعال الرسمية من الكنيسة نفسها. فمثلاً يقول بعض المحللين أن انتشاراً واسعاً للقيم المسيحية ساعد على إنهاء نظام الأبارتهيد العنصري في إفريقيا الجنوبية، مع أن الكنائس نفسها كانت تلعب دوراً استقطابيّاً بين طرفي النزاع حتى آخر سنوات النظام حين غيرت الكنيسة الهولندية موقفها من الأبارتهيد.
ثالثاً: هو التقدم الاقتصادي: النص الأساسي في علاقة الدين مع الاقتصاد هو بالطبع ما كتبه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر سنة 1905 تحت عنوان «الأخلاقيات البروتستانتية وروح الرأسمالية» (The Protestant Ethic and the Spirit of Capitalism). ظل الأكاديميون يتجادلون حول أطروحة هذا الكتاب لأكثر من تسعين سنة وبغض النظر عن النتيجة التي يخرج بها الدارس عن هذا الأمر (أنا، مثلاً أنتمي إلى المدرسة الفيبرية غير التفكيكية) فمن الواضح أن بعض القيم تساعد على التطور الاقتصادي أكثر من غيرها. إن شيئاً ما يماثل «الأخلاقيات البروتستانتية» الفيبرية قد تساعد المراحل الأولى من النمو الرأسمالي ـ أخلاقيات قد تكون مستوحاة من الدين، أو لا وتقدر الانضباط الشخصي والعمل الجاد وعدم البذخ واحترام العلم. إن الإنجيليّة الجديدة في أميركا اللاتينية تظهر هذه القيم بوضوح في غاية الشفافية بحيث كان العنوان الفرعي الذي رسمته في ذهني لمشروع بحث حول هذا الموضوع في المركز الذي أديره في جامعة بوستون كان: «ماكس فيبر حي يرزق وبخير حال في غواتيمالا». بالمقابل فإن الكاثوليكية الآيبيرية (القادمة من إسبانيا أو البرتغال) وكما هي قائمة في أميركا اللاتينية لا تزرع هذه القيم.
لكن التقاليد الدينية قد تتغير، فإسبانيا مثلاً مرت بفترة مثيرة للإعجاب من النجاح في التقدم الاقتصادي بدأت في الفترة الأخيرة من حكم فرانكو وكان تأثير منظمة أوباس دي (Opus Dei) أي عمل الرب من العوامل الهامة في هذا النجاح إذ جمعت هذه المنظمة بين التزام لاهوتي تقليدي صارم مع انفتاح مشجع للسوق في النواحي الاقتصادية. لقد اقترحت من قبل أن الإسلام يواجه مصاعب في التأقلم مع اقتصاد السوق الحديث ولكن المهاجرين المسلمين حققوا نجاحات مذهلة في عدد من البلدان (خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى)، كما توجد حركة إسلامية قوية في إندونيسيا قد تلعب دوراً مشابها لدور أوباس دي في العالم الكاثوليكي. عليّ أن أضيف هنا أنه يوجد جدل واسع حول الدور الذي تلعبه القيم المستوحاة من الكونفوشية في قصص النجاح الاقتصادي في شرق آسيا، فإذا دعم أحدنا «الفرضية ما بعد الكونفوشية» وأتاح المجال لتقبل فكرة أن الكونفوشية دين فعندها سنجد هنا مساهمة دينية كبيرة نحو التقدم الاقتصادي.
من المسائل المزعجة للغاية أخلاقيّاً في هذه المسألة هو أن القيم التي تعمل خلال فترة معينة من التطور الاقتصادي قد لا تعمل خلال فترة أخرى منه. فمثلاً «الأخلاقيات البروتستانتية» أو أي مقابل وظيفي لها قد تكون جوهرية أثناء المرحلة التي أسماها روستوف (Rostow): «مرحلة الانطلاق» ولكنها قد لا تكون كذلك خلال المراحل التالية التي قد تعمل قيم أقل تقشفاً بشكل أفضل خلالها خصوصاً في المجتمعات ما بعد الصناعية في أوروبا وأميركا الشمالية وشرق آسيا ففي هذه الحالة فإن قلة البذخ وبغض النظر عن مدى إثارتها للإعجاب من ناحية أخلاقية قد تكون صفة ذميمة من الناحية الاقتصادية. ومع أن الشهوانيين غير المنضبطين قد يواجهون مشاكل في التسلق خارج الفقر البدائي، إلا أنه من الممكن لهم أن يزدهروا في عالم اقتصادي يقوم على التكنولوجيا المتطورة والمعرفة كما هو الحال في المجتمعات المتطورة.
أخيراً: حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية: لقد أفصحت المؤسسات الدينية بالطبع عبر الكثير من التصريحات حول حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وكان لبعضها آثار سياسية مهمة كما هو الحال في صراع الحقوق المدنية في الولايات المتحدة وانهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا، ولكن وكما ذكرت من قبل توجد آراء دينية مختلفة حول طبيعة حقوق الإنسان. ينطبق الشيء نفسه على الأفكار حول العدالة الاجتماعية. إذ إن ما يشكل العدالة لبعض المجموعات يشكل ظلماً هائلاً لمجموعات أخرى. من الواضح جدّاً في بعض الأحيان أن المواقف التي تتخذها بعض المجموعات الدينية قائم على منطق ديني بحت، وتمثل المعارضة التي أبدتها الكنيسة الكاثوليكية للإجهاض ومنع الحمل مثالاً واضحاً على ذلك. ولكن في أحيان أخرى نجد أن المواقف حول العدالة الاجتماعية وحتى لو عكست أدبيات دينية، فإنها تعكس موقع الموظفين الدينيين في إحدى شبكات المصالح الاجتماعية غير الدينية. حتى نظل ضمن المثال نفسه فأنا أعتقد أن هذا ينطبق على معظم مواقف المؤسسات الكاثوليكية الأميركية في ما يتعلق بقضايا العدالة الاجتماعية المتعلق بالجنس والإنجاب.
لقد تعاملت بشكل مختصر جدّاً مع قضايا جسيمة التعقيد، وقد طلب مني أن أقدم منظوراً عالميّاً حولها وهذا ما حاولت القيام به. لا توجد طريقة يمكنني أن أنهي بها هذا المقال بموعظة ترفع المعنويات؛ إذ لا بد أن يشعر كل من يحمل آمالاً كبيرة حول دور الدين المستقبلي في قضايا العالم وكذلك من يتخوف من مثل هذا الدور، لا بدّ أن يشعر كلاهما بخيبة أمل أمام الأدلة العملية. في أثناء تقويم هذا الدور لا يوجد بديل عن مقاربة متقلبة تأخذ كل حالة على حدة ولكن يمكننا قول شيء واحد مع كثير من الثقة: ان الذين يهملون الدين أثناء تحليلهم للقضايا المعاصرة إنما يعرّضون تحليلهم إلى خطر عظيم.
[1]*ـ أستاذ جامعي ومدير معهد دراسات الثقافة الاقتصادية في جامعة بوسطن ـ أميركا. من مؤلّفاته نذكر: البناء الاجتماعي للواقع (1966 )، الحداثة، التعدّديّة وأزمة المعنى (1995). زوال العلمنة من العالم (1999) , التنوع الثقافي في العالم المعاصر (2002) , في مديح الشك (2009) , نحو نموذج للدين في عصر التعددية (2014).
ـ العنوان الأصلي للمحاضرة:The desecularization of the world: A global Over view introduction the descuilarization of the world resurgent religion and world politics/edition 1999 by the ethrics and public policy center
ـ تعريب: رامي طوقان.
[2] ـ الاسم الاصلي للبابا المستقبل بنديكتوس السادس عشر من قبل ان يتبّوَأ الكرسي الرسولي في حاضرة الفاتيكان ويصبح رئيساً للكنيسة الكاثوليكية.المترجم