البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

"ديناميات الإيمان" لـ بول تيليش - الدين في مكان المتسامي

الباحث :  قراءة وتحليل : جمانة عبد الهادي
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  3
السنة :  السنة الثانية - ربيع 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 2 / 2016
عدد زيارات البحث :  2213
تحميل  ( 323.549 KB )
"ديناميات الإيمان" لـ بول تيليش
الدين في المكان المتسامي
قراءة وتحليل: جمانة عبد الهادي[*]
يعد كتاب الفيلسوف واللاَّهوتي الالماني بول تيليش (Paul Tillich) «ديناميات الإيمان» (Dynamics of Faith)، أحد أهم المؤلفات التي اعتنت بالمسألة الدينية في حقبة ما بعد الحداثة في الغرب. يناقش تيليش في كتابه معضلة أساسية كانت قد أخذت شطراً كبيراً من اهتمامات فلاسفة الدين وعلماء اللاّهوت في أوروبا منذ العصور الوسطى وحتى فجر الحداثة، ألا وهي قضية العلاقة بين الدين والأخلاق وثورة العلوم الطبيعية.
والكتاب الذي صدرت له ترجمات كثيرة منذ العام 1957 إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والاسبانية والعربية، فإنه منذ صدوره في بريطانيا في ذلك العام، لا يزال موضوع الساعة بالنسبة إلى الجامعات ومراكز دراسات فلسفة الدين والمعاهد اللاَّهوتية.
صحيح ان تيليش كان مدافعاً عن المسيحية لإيمانه بها، إلا أنه حرص على تناولها ودرسها في جميع مؤلفاته من داخل ومن خارج، هذا السبب هو ما جعله على مسافة من الكنيسة التقليدية مثلما جعله على مسافة أخرى من الوسط العلماني ومدارسه الفلسفية. ومع هذا لم تملك النخب على اختلافها إلا أن تهتم بنظرياته وتحديداً في موضوع الإيمان الذي وردت مرتكزاته النظرية في هذا الكتاب.
الإيمان باعتباره اهتماماً مطلقاً
الإيمان حسب فهم بول تليش Paul Tillich له خاصيته المنفردة عن الرؤى اللاهوتية الكلاسيكية التي سادت الحداثة الأوروبية: فهو يعرِّفه بهذه العبارة «الإيمان هو حالة الاهتمام المطلق». ويصف تيليش Tillich الاهتمام المطلق بالمقطع التالي: «الاهتمام المطلق هو الترجمة المجرّدة للوصية العظيمة»: «الرب إلهنا، الرب واحد؛ أحبب إلهك من كل قلبك، وكل روحك، وكل عقلك، وكل قوتك». إن الاهتمام الديني المطلق يستبعد كل الاهتمامات عن الأهمية المطلقة ويجعلها تمهيدية. أنه اهتمام غير مشروط، مستقل عن كل الشروط الشخصية والظروف والرغبات. والاهتمام اللامشروط كلي: لا يُستثنى منه أي جزءٍ من ذواتنا او من عالمنا؛ ليس هناك «مكان» للفرار منه، إن الاهتمام المطلق لا متناهٍ: فلا لحظة راحة ممكنة أمام الاهتمام الديني المطلق، وغير المشروع والكلي وغير المتناهي[1].
هذا المقطع يعرض بشكل جيد غموض عبارة «الاهتمام المطلق» التي قد تشير إما إلى موقف اهتمام او إلى موضوع ذلك الموقف (الحقيقي او الموهوم). فهل تشير عبارة «الاهتمام المطلق» إلى حالة اهتمام ذهنية، أم إلى موضوع مفترض للحالة الذهنية؟ ان من بين الصفات الأربع التي يستخدمها تيليش في المقطع، توحي صفة «غير مشروط» أنها تشير إلى موقف اهتمام، وتشير صفة «لا متناهٍ» إلى موضوع اهتمام، وصفتا «مطلق» و»كلي» قد تناسب كلا الأمرين. وعلى كل حال يستحيل فعلاً، معرفة المعنى الذي يقصده تيليش، أو إذا كان يقصدهما معاً، أو تارة هذا وتارة ذاك.
لقد حل تيليش هذا الغموض في كتابه موضوع العرض والتحليل «بواعث الإيمان» Dynamic of Fatih، حيث تبنى بوضوح كلا المعنيين الممكنين باعتبار موقف الاهتمام المطلق وموضوع الاهتمام المطلق أمراً واحداً. «إن عمل الايمان المطلق والمطلق المقصود من عمل الإيمان أمر واحد» وهذا يعني «... زوال نظام الذات ـ الموضوع العادي في تجربة المطلق، غيرالمشروط»؛ أي أن الاهتمام المطلق ليس مسألة الذات الانسانية التي تتبنى موقفاً ما تجاه موضوع مقدس، إنما هو، كما يعبر تيليش، شكل من أشكال مشاركة الذهن البشري في أساس وجوده. إن فكرة المشاركة هذه أساسية في فكر تيليش الذي يميز بين نموذجين من فلسفة الدين يصفهما بالانطولوجي والكوزمولوجي. النموذج الكوزمولوجي(الذي ينسبه لتوما الأكويني) يرى أن الله موجود «هناك»، ولا يكون الوصول اليه الا بعد عملية استدلال خطيرة؛ أما العثور عليه فشبيه بلقاء شخص غريب. أما بالنسبة للمقاربة الانطولوجية التي يتبناها تيليش فإنه يربطها بالقديس أوغسطين، ومفادها أن الله بالأصل حاضر لنا من حيث هو أساس وجودنا، ولكنه بنفس الوقت مفارق لنا إلى حد لا متناهٍ، وأن وجودنا المتناهي استمرار للوجود اللامتناهي؛ وبالتالي، فإن معرفة الله تعني التغلب على اغترابنا عن أصل وجودنا،. فالله ليس الآخر، أي موضوعاً يمكن ان نعرفه اونفشل في معرفته، إنما هو الوجود عينه الذي نشترك فيه بنفس حقيقة الوجود. فأن نكون مهتمين بالله بشكل مطلق يعني أن نعبر عن علاقتنا الصحيحة بالوجود.
وكما هي مسألة العناصر الاخرى في منظومته، فإن تعريف تيليش للإيمان بأنه اهتمام مطلق، قابل للتطور بعدة اتجاهات، فبتأكيده على إزالة ثنائية الذات ـ الموضوع، يمكن النظر إلى تعريفه للإيمان كمؤشر إلى استمرار الإنسانية، او حتى للتماهي مع الله كأصل للوجود.
وهكذا، يمكننا مع معادلة تيليش أن نعرّف الايمان بلحاظ الألوهة، مثلاً، أنه اهتمام الانسان بالمطلق، او يمكن ان نعرف الإله بلحاظ الإيمان بأنه ذاك الذي يهتم الإنسان به اهتماما مطلقاً. نظر تيليش إلى هذا التسامح بين فوق الطبيعانية والطبيعانية بأنه يشكل وجهة ثالثة فائفة «تتجاوز الطبيعانية وفوق الطبيعانية». أما السؤال عما إذا كانت نظرة تيليش بهذه الطريقة مبررة، فإننا نترك للقارئ فرصة للتأمل في ذلك[2].
مفهوما الوحي والإيمان
النقطة المحورية في كتاب تيليش هي محاولاته الدؤوبة لتمييز الفروق اللغوية والاصطلاحية والدلالية بين مفهومي الوحي والإيمان. من المعروف انه يوجد في الفكر المسيحي فهمان مختلفان جداً لطبيعة الوحي، ويلزم عنهما مفهومان مختلفان للإيمان (كتلقِّ بشري للوحي عبر الكتاب المقدس كوسيط للوحي)، واللاهوت (كخطاب مرتكز على الوحي). ومن المفيد الإشارة في هذا الصدد إلى أن الرؤية التي هيمنت في العصور الوسطى والتي تقدم راهنا بأكثر أشكال الكاثوليكية الرومانية تقليدية (وأيضاً، في لقاءات الطرف الآخر اللافت للنظر، البروتستانتية المحافظة)، يمكن وسمها بـ: فهم الوحي «القَضَويِّ».
أما المعنى المقصود من «الوحي القَضَويِّ» فيعبر عنه اللاَّهوت البروتستانتي بأنه الوحي الذي يعكس الذي ينبغي على المؤمنين الأخذ به وتطبيقه على حرفيته.
ويرى محللو هذه الرؤية للوحي القَضَويِّ، أن مضمون الوحي عبارة عن مجموعة حقائق يُعبر عنها بجمل او قضايا. والوحي هو نقل الحقائق الإلهية الاصيلة للبشر، أو كما جاء في اقدم موسوعة كاثوليكية «يمكن تعريف الوحي بأنه إيصال الله الحقيقة لمخلوق عاقل عبر وسائل تختلف عن السياق العادي للطبيعة»[3].
ينسجم مع هذا المفهوم للوحي وجهة نظر ترى ان الإيمان هو قبول الناس وطاعتهم للحقائق الموحاة من الله,. وقد عرف المجمع الفاتيكاني عام 1870 الإيمان بأنه «فضيلة فوق طبيعية، ملهمة ومدعمة بالنعمة الإلهية، وهو الاعتقاد بصحة الامور الموحى بها»، أو كما كتب أحد اللاَّهوتيين اليسوعيين المعاصرين، «بالنسبة للكاثوليك، إن كلمة إيمان توصل فكرة التوافق العقلي على صحة مضامين الوحي بسلطان شهادة الله الموحي... والإيمان هو الاستجابة الكاثوليكية لرسالة عقلية مبلّغة من الله»[4].
هذان المفهومان المتداخلان: الوحي كإعلان إلهي عن الحقيقة الدينية، والايمان كتلقٍ بالطاعة الحقائق، مرتبطان بالكتاب المقدس بصفته المحل الذي سجلت فيه تلك الحقائق رسمياً، والتي أوحيت أولاً عن طريق الأنبياء، ثم بمظهرها الأتم والأكمل عبر المسيح والرسل، وهي مدونة الآن في الكتاب المقدس. والعنصر الأساس في هذه الرؤية، أن الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب بشري، وبالتالي ليس كتاباً قابلاً للخطأ.
وقد صاغ المجمع الفاتيكاني الأول الاعتقاد الروماني الكاثوليكي للعصر الحديث بقوله: إن نصوص الكتاب المقدس «... كتبت بإلهام من الروح القدس، ومؤلفها هو الله». (وهذا ما يمكن مقارنته بكلمات الإنجيلي البروتستانتي، د. بيلي غراهام Billy Graham «الله هو الذي كتب الكتاب المقدس بواسطة ثلاثين من الكتبة». ولا بد من اضافة ما أعلنه مجمع الثلاثين (1546 – 1563) أنه «بنفس الاحترام والولاء الذي به نبجل ونحترم كل كتب العهد القديم والجديد، لأن مؤلفهما واحد هو الله، فإننا نبجل ونحترم التراث الإيماني والأخلاقي الذي تم تلقيه شفويا من المسيح، أو إلهاماً بواسطة الروح القدس، وما زال مستمراً في الكنيسة الكاثوليكية»[5].
من جهة أخرى، فإن البروتستانتية لا تعترف بأن للتراث الشفوي الإيماني والأخلاقي سلطة تساوي سلطة الكتاب المقدس، وتعلن أن الله خاطب الكنيسة ككل بالكتاب المقدس مباشرة، كما خاطب عقول وضمائر الأفراد. وهكذا يتضح بأن مفهوم الوحي القَضَويٍّ، بوصفه كشفاً لبعض الحقائق التي دونَّت في الكتاب المقدس، وصادق عليها الإيمان، يؤدي إلى نظرية خاصة في طبيعة ووظيفة اللاَّهوت. وهذه النظرية القَضَويَّة كانت على الدوام مصحوبة بالتمييز بين اللاَّهوت الطبيعي واللاَّهوت الوحياني. كما أن هذا التمييز ما زال مقبولاً على العموم من قبل اللاَّهوتيين المسيحيين على اختلاف انتماءاتهم التراثية وحتى أزمتنا المعاصرة.
الرمزية في اللغة الدينية
هناك عنصر مهم في فكر تيليش Tillich وهو الطبيعة الرمزية للغة الدينية. قبل كل شيء، ولكي تستوي المفاهيم والمصطلحات على نصاب سليم يميز بين الرمز، والعلامة، إذ كلاهما يشير إلى شيء آخر وراءه. ما تشير اليه العلامة يكون بالاصطلاح والوضع ـ كما يشير الضوء الأحمر على مفترق الطريق إلى أن السائقين مأمورون بالتوقف ـ لكن «الرمز يشارك بما يشير اليه» بخلاف هذه العلاقة الخارجية الخالصة، فإذا استخدمنا مثال تيليش Tillich عن العلم،فإن هذا الأخير يشارك في قوة ومنزلة الأمة التي يمثلها، والسبب في هذه المشاركة يعود إلى الصلة الذاتية بالحقيقة التي يرمز اليها، إذ الرموز لا تعين اعتباطا كما الحال في العلامات الاصطلاحية، ولكنها تنشأ «من اللاوعي الفردي او الجمعي». وبالتالي يكون لها امتدادها في الحياة واضمحلالها وموتها (في بعض الحالات). فالرموز «تكشف عن مراتب للحقيقة تكون مجهولة بالنسبة لنا»، وفي نفس الوقت «تحرر أبعاد النفس وعناصرها». وهي تطبق على مظاهر العالم الجديدة التي تكشف عنها. وأوضح الأمثلة على هذه الوظيفة الثنائية نجدها في الفنون التي «تخلق رموزاً لمستوى من الحقيقة لا يمكن الوصول اليها بطريقة أخرى:، وفي الآن عينه تكشف عن الحساسيات والطاقات الإدراكية في نفوسنا.
يرى تيليش Tillich أن المعتقد الديني، الذي يمثل حالة من «الاهتمام المطلق»، لا يمكن ان تعبر عن نفسها الا باللغة الرمزية. «إن أي شيء نوله عما نهتم به اهتماماً مطلقاً، اسميناه إلهاً أم لم نسمه، فإن له معنى رمزياً، يشير إلى ما وراء نفسه، ويشارك فيما يشير اليه، ولا يمكن للإيمان أن يعبر عن نفسه بأية طريقة أخرى وافية بالمراد. فلغة الدين هي لغة الرموز. وتبعاً لهذه الرؤية فإنه يوجد بحسب Tillich عبارة واحدة فقط حرفية، غير رمزية، يمكن ان تقال عن الحقيقة المطلقة، وهي ما يسميه الدين إلها، إن الإله هو الوجود نفسه، وعدا ذلك فجميع العبارات اللاهوتية، كقولنا إن الإله أزلي، وحي، وخير، وشخصي، وأن الإله هو الخالق، وأنه بحسب مخلوقاته هي عبارات رمزية.
لا شك أن أي حكم على الإله ينبغي أن يكون رمزياً؛ لأن الحكم الجازم يستخدم جزءاً من التجربة المحدودة ليقول شيئاً عنه، ثم يسمو بمضمون هذا الجزء رغم انه يتضمنه. وجزء الحقيقة المحدودة، الذي يصبح وسيلة للحكم الجازم عن الإله، يثبت وينفي في الوقت نفسه، ويصبح رمزاً،لأن التعبير الرمزي، هو ما ينفي معناه الحقيقي بما يشير اليه، وكذلك يثبته، وهذا الإثبات يعطي التعبير الرمزي اساساً كافياً للدلالة على ما وراءه.
يمكن لفكرة تيليش عن الخصائص الرمزية للغة الدين – ككثير من أفكاره المركزية – ان يتطور في احد اتجاهين متقابلين. وقد عرضت هذه الفكرة قي كتابات تيليش بطريقة اجمالية غامضة ورمزية. وهنا لا بد من التطرق لمبدإ تيليش في تطوره التوحيدي المشار اليه في المقاطع اللاحقة ذات الصلة بنظرية ج.هـ راندال H. Randal,jr وكيف يمكن لهذا المبدأ أن يتطور باتجاه المذهب الطبيعي.
ثمة وجه سلبي لمبدأ تيليش في لغة الدين كما يرى جون هيغ –وهو مستخدم في اللاهوت اليهودي ـ المسيحي ـ ينطبق على الوجه السلبي لمبدأ التمثيل حيث يؤكد أننا لا نستخدم اللغة البشرية حرفيا، او على نحو الاشتراك المعنوي، عندما نتحدث في المطلق؛ ذلك لأن تعابيرنا يمكن اشتقاقها فقط من حياتنا البشرية المحدودة، وبالتالي، فهي بما يشير اليه» جزئياً. لكن على المستوى الديني يشكل هذا المبدأ تحذيراً من طريقة التفكير الوثنية بالإله، التي تصوره كمجرد كائن بشري ضخم (وهذا ما يعرف بالتشبيه).
أما التعاليم البناءة في نظرية تيليش، فهي تلك التي تقدم بديلاً عن مبدأ التمثيل أي «نظرية المشاركة»، التي تقول إن الرمز يشارك في الحقيقة التي يشير اليها. وهنا لا يوضح تيليش أو يعرف بدقة ووضوح فكرة المشاركة الأساسية. تأمل مثلاً العبارة الرمزية «الإله خيّر»،هل الرمز في هذه الحال هو عبارة «الإله خيّر» أم أنه مفهوم «خيرية الإله»؟ وهل يشارك هذا الرمز في الوجود نفسه بنفس المعنى الذي يشارك فيه العلم في منزلة وكرامة الأمة؟ وما هو هذا المعنى بالتحديد؟ لا يحلِّل تيليش Tillich هذه المسألة – التي يستخدمها في أماكن عدة ليشير فيها إلى ما يعنيه بمشاركة الرمز بما يرمز إليه، وبالتالي، فإن وجه الشبه في حالة الرمز الديني ليس واضحاً[6].
ومرة أخرى وبحسب تيليش Tillich، إن كلما هو موجود يشارك في الوجود نفسه، فما الفرق إذا، بين الطريقة التي تشارك بها الرموز في الوجود نفسه، وبين الطريقة التي تشارك بها باقي الموجودات فيه؟
إن تطبيق «الخصائص الرئيسية الاخرى لكل رمز على التعابير اللاهوتية ـ تثير أسئلة اخرى. فهل من المعقول القول ان العبارة اللاهوتية المعقدة مثل» الإله غير متوقف بوجوده على أية حقيقة خارجية» قد نشأت من اللاوعي، سواء أكان فردياً أو جماعياً؟ ألا يبدو على الأرجح أن فيلسوفاً لاهوتياً صاغها بعناية؟ وبأي معنى يمكن للجملة نفسها ان تكشف عن «مراتب الحقيقة المخفية علينا»، وعن «أعماق وجودنا المخفية»؟ تبدو هاتان الخاصيتان للرموز قابلتين للانطباق على الفنون أكثر من الأفكار والعبارات اللاهوتية، وإن غرض تيليش الفعلي من تشبيه الإدراك الديني بإدراك الجماليات، هو الذي يوحيبتطور فكره باتجاه المذهب الطبيعي.
هذه بعض الأسئلة التي يثيرها موقف تيليش Tillich وفي افتراض الأجوبة عنها؛ فإن تعاليم تيليش ورغم ما فيها من إيحاءات قيمة، فإنها لا تصل إلى مستوى الطرح الفلسفي المفصلي كما يرى عدد من مجايليه. لكن مع ذلك فإن ميزة الرجل انه قدّم رزمة من المعطيات المعرفية العميقة تتصل بالفلسفة واللاَّهوت وفلسفة الدين في الوقت نفسه. وهذه الميزة التي اختص بها بول تيليش جعلته محطّ اهتمام كبار فلاسفة ما بعد الحداثة فضلاً عن الاهتمام الاستثنائي بأفكاره وأطاريحه من جانب الكنيسة المسيحية بطوائفها المختلفة.
[1] - paul Tillich, Spystematic Theology (Chicago University press, (1951) 1,14 Copyright 1951 by the University of Chicago,P.12
[2]ـ جون هيغ، فلسفة الدين، ترجمة طارق عسيلي، دار المعارف الحكمية، بيروت 2010 – ص 95-96.
[3] - The Catholic Wncyclopedia (New York: Appleton Co.. 1912), XIII, 1.
[4] - Gustave Weigel, Faith and Understanding in America (New York Yhe Macmillan Company, 1959), P.1.
ومن جانب آخر فإن للكتابات الكاثوليكية الحديثة توجه متزايد للاعتراف بالعقائد الأخرى والتسليم بالأفكار الأخرى أنظر:
Karl Rahner, ed.. Encyclopedia of faith (London: Burns & Oates News York: Crossroad Publishing Company, 1975)
[5] - Karl Rahner, Ipid.
[6] - Paul Tillich- Dynamics of Faith- Paperback -24 February 2009 - p 176.