البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

" الوجود والموجود عند هايدغر " للباحث جمال محمد سليمان

الباحث :  قراءة : هدى الناصر
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  5
السنة :  السنة الثانية - خريف 2016 م / 1438 هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 1 / 2016
عدد زيارات البحث :  1294
تحميل  ( 444.695 KB )
يعتبر كتاب «الوجود والموجود» للباحث جمال محمد أحمد سليمان، من الكتب القليلة الصادرة باللغة العربية والتي تناولت مبحث الوجود عن الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر. أهمية هذا الكتاب تكمن في كشف المجهود الفلسفي الذي بذله هايدغر لتعميق البحث لدى الوجود بما هو وجود. في حين أن معظم الدراسات الأخرى على أهميتها قد عنيت بالهايدغرية على الإجمال، أو أنها أعطت مساحة واسعة للمصطلح ومن ثم لتناول بعض نظرياتها بالعرض والتحليل والتفسير.

ينطلق الباحث في كتابه من قضية محددة تشكل أساس فلسفة هايدغر وهي قضية الوجود بمعزل عن الموجود. يشير المؤلف في هذا المضمار إلى ما أعلنه هايدغر نفسه في رسالته التي بعث بها إلى الجمعية الفلسفية الفرنسية عام 1937 من أنه ينظر إلى فلسفته على أنها فلسفة للتواجد Existenz رغم اهتمامه بتناول التواجد في كتابه «الوجود والزمان». وقد أقرّ في الرسالة المذكورة بأن المشكلة التي تشغله هي مشكلة الوجود. وذلك ليس بسبب الإساءة التي تعرضت لها كلمة الوجودية من الناحية التفسيرية والاستعمالية، ولكن لأن السؤال الأساسي المحوري في فلسفة هايدغر هو السؤال عن الوجود، حيث منه تبدأ كل دروبها وإليه تؤوب. وهذا ما يلاحظه الباحث عندما يتحدث عن محاضرة هايدغر الشهيرة «ما الميتافيزيقا؟» التي ألقاها عام 1930 والتي تعتبر بداية التحول الجذري في فكره. فقد اتجه بعدها إلى البحث في الوجود بما هو وجودٌ مُنِّحيّاً جانباً البحث في الوجود بما هو موجود، وهو الطريق الذي افتتح به مسيرة تفلسفه.

يبذل الباحث في كتابه هذا جهوداً مضنية لكي يوضح المحور الرئيسي الذي تدور حوله فلسفة هايدغر. فقد أراد أن يثبت أن فلسفته هي فلسفة وجود أكثر من كونها فلسفة وجودية، وذلك من خلال تركيز هايدغر على البحث في الوجود الإنساني بوصفه مدخلاً ضرورياً للبحث في الوجود بما هو وجود.

إلى ذلك تهدف دراسة جمال سليمان إلى التأكيد على حقيقة أن هايدغر سعى إلى تقويض تاريخ الميتافيزيقا الغربية من أفلاطون إلى نيتشه، ذلك لأنها فلسفة تهتم بالموجود وتكتفي به. وهو الأمر الذي أدى بها إلى نسيان الوجود بما هو وجود وأودى بها من ثم إلى العدمية المطلقة.

من الناحية المنهجية ينبغي أن نشير إلى أن الدراسة تحتوي على خمسة فصول جاء ترتيبها على الشكل التالي:

الفصل الأول: ويعرض فيه إلى موقف هايدغر من الميتافيزيقا الغربية، حيث يتناول بالنقد مفاهيم الحقيقة، وعلم الوجود، وفلسفة الحداثة ابتداء من أفلاطون وصولاً إلى هوسرل.

الفصل الثاني: ويتحدث فيه عن الوجود بما هو موجود، ويعلل الخاصيَّات الانطولوجية الأساسية للموجود الإنساني.

الفصل الثالث: ويتناول مفهوم الزمان بوصفه أفقاً للوجود. وفيه يعرض إلى ملاحظات هايدغر النقدية لمفهوم الزمان عند أرسطو وكانط وهيغل.

الفصل الرابع: وهو بعنوان: البحث في الوجود بما هو وجود، ويتناول فيه جوهر نظرية هايدغر حول الوجود بوصفه حضوراً وعطاء.

أما الفصل الخامس: فيتضمن بحثاً في المبادئ والعلل الأولى وعلى الأخص: مبدأ الهوية ومبدأ العلة.

نسيان الموجود من أجل الوجود

يعرض المؤلف في كتابه مجموعة من الاقتباسات تفضي إلى تأكيد منظومته النقدية للميتافيزيقا الحديثة. ومن أهم هذه المقتبسات قوله في كتاب «الوجود والزمان» أن محاولة التفكير في الوجود بدون الموجود أصبحت ضرورية. وقوله أيضاً: «أن نفكر في الوجود نفسه يتطلب ان نتغاضى عن التفكير في الوجود على نحو ما أسّسته وأولته كل ميتافيزيقا عن الموجود».

إن من أهم الاستنتاجات التي خلص اليها المؤلف أن هايدغر قد استطاع من دون أدنى شك، ومن خلال نقده للفلسفة الغربية، أن يكشف على نحو دقيق وأصيل عمّا يسميه «ناظمة العقد» التي تجمع كل تاريخ الميتافيزيقا الغربية، من أفلاطون حتى نيتشة. ويقصد المؤلف بـ «ناظمة العقد» البحث في الموجود ونسيان الوجود على وجه التحديد. وعلى الرغم من أن معالجته لهذا الموضوع جاءت في كتب متعددة وعلى فترات متباعدة، إلا أنها تتكامل ضمن رواية كلية لتاريخ الفلسفة.

وإذا كان هايدغر ـ كما يرى المؤلف ـ قد استخدم الهيرمينوطيقا كوسيلة لقراءة التراث الفلسفي الغربي، فقد كان موضوعياً إلى  حد كبير. وإن كل ما يمكن أن يؤخذ عليه هو أنه كان متعاطفاً مع كانط لدرجة جعلته يتغاضى كما قاله الأخير من أن الميتافيزيقا الممكنة هي ميتافيزيقا النقد، ولذا فقد سعى جاهداً إلى التماس الشعاع الخافت والمتباعد للوجود عند كانط، في حين اتخذ موقفاً متشدداً من هيغل، ورأى أن فلسفته تقف على طرف نقيض مع الفلسفة اليونانية القديمة.

وعلى الرغم من أن هايدغر اتخذ موقفاً نقدياً من تاريخ الفلسفة الغربية ابتداءً من أفلاطون، إلا أنه في ما يتعلق بآراء بارمنيدس وهيراقليطس لم يأخذ عليهما مأخذاً واحداً بل ينزلهما منزلة التقديس الذي يتطلب الذود عنهما ضد من يسيئون فهمهما. أما في ما يتعلق بتحليل هايدغر للخاصيات الأنطولوجية الأساسية للموجود الإنساني، فقد أوضح المؤلف أن الوقائعية هي الخاصِّية الأنطولوجية الأساسية للموجود الإنساني، والتي تشكل ما يمكن تسميته بالمواقف الحدية التي لا حيلة للموجود الإنساني على دفعها، وإنما يمكنه فقط التكيُّف معها وبالتالي تجاوزها. واعتبر المؤلف أن الحالة الأساسية في هذا الخاصِّية هي النظر إلى وجود الموجود الإنساني، على أنه وجود في العالم يتعرّف على الموجودات الأخرى عبر استخدامه واستعماله لها، أو اتخاذها موضوعاً لاهتمامه. وانطلاقاً من هذه الرؤية يكون هايدغر ـ برأي المؤلف ـ قد أحدث تحولاً جذرياً في نظرية المعرفة التي تعطي الأولوية للذات على الموضوع. صحيح أنه لم يجعل الموجود الإنساني موجوداً كباقي الموجودات، إلا أنه ينظر إليه على أنه يتميز عنها بالقدرة على التعقّل. تلك القدرة التي من أخص خصائصها الكشف عن سكن الوجود في الإنسان، وسكن الإنسان في الوجود، وهذه الخاصِّية تتيح للإنسان أن ينشئ ويهب الوجود سواء بإظهاره للموجود في نور الوجود، أو عن طريق الفعل الذي يعد أحد وسائل كشف حجب الموجود وانتزاعه من التحجُّب.

وأما عندما اعتبر هايدغر أن الموجود الإنساني هو وحده المسؤول الأول والأخير عن جعل وجوده أصيلاً أو غير أصيل، ورفض كل محاولة لتأصيل الوجود الإنساني تأتي من الخارج، فإنه وجّه انتباهنا إلى حقائق كثيراً ما غابت عنا وكثيراً ما نتغافل عنها.

الهايدغرية ومفهوم الزمان

في ما يتعلق بتناوله لمفهوم الزمان يقرر المؤلف أن هايدغر يكشف لنا في معالجته "الزمانية الأصيلة وغير الأصيلة"، عن جانب آخر من أصالته التي تتعدد أوجهها، خاصة عندما جعل التوقع والانتظار تعبيراً عن عدم الأصالة. إذ عندما أعطى هايدغر المستقبل الصدارة في فهمه للزمانية فإنه استفاد بشكل أو بآخر من التصور المسيحي للزمان، وإن اختلف عنه في التناول. وقد تمكن هايدغر عبر إدخال مفهوم الزمانية من تجاوز إشكالية «الآن» عند أرسطو. وهكذا أصبحت عنده ظواهر الزمان الثلاث متكاملة وذلك على عكس تصور الآنات التي تبدو أشتاتاً لا علاقة في ما بينها. إن محاولة هايدغر الربط بين الزمان والوجود ترجع إلى أصولها اليونانية القديمة. ولعل جِدّة هايدغر في اعتباره الزمان امتداداً يتيح للوجود الأفق الذي فيه يهب هبته، وحديثه عن البعد الرابع للزمان، إنما هي محاولة لتجاوز هيغل لناحية ذكر هذه الرباعية في مواضع أخرى من أبحاثه الفلسفية، كما في تحويرات الوجود الأربعة، وكذلك الرباع الذي يشكل وحدة الشيء ويجعله شيئاً.

حينما يتناول الباحث رؤية هايدغر في الوجود بما هو وجود، أي دون النظر إلى الموجود، فقد كان يُلمِّح إلى أن الفيلسوف الألماني قد نجح إلى حد كبير في إلقاء المزيد من الضوء على مفهوم الوجود، الذي يدهش المرء لنسيان الحديث عنه وغيابه سواء عند فلاسفة العصور الوسطى، أو فلاسفة العصر الحديث أو في الفلسفة المعاصرة، وذلك من خلال تحويرات مختلفة كمعالجته لمفهوم اللاَّشيء وتحديدات الصيرورة والظاهر والتفكير والواجب.

في مجال الاستنتاجات التي يذكرها في نهاية الكتاب يرفض المؤلف فكرة اتجاه هايدغر نحو التصوف بقوله: «إذا كان هايدغر قد كثر حديثه في الفترة الأخيرة من حياته عن السر والتخلي، فالواقع أنه لم يتجه بالبحث في الوجود اتجاهاً صوفياً كما ذهب إلى ذلك البعض متخذين سنداً لهم من مؤلفات هايدغر المتأخرة. في حين أن حديث هايدغر عن السر بدأ في وقت مبكر من فلسفته، وعلى وجه التحديد في محاضرته في «ماهية الحقيقة» التي ألقيت عام 1930.

ومن ناحية أخرى، فإن حديثه عن السر والتخلي في مؤلفاته المتأخرة، يتعاصر تماماً مع محاضرته «الزمان والوجود» التي كرسها للحديث عن الوجود بوصفه حضوراً، وهي تعد من أعمق ما كتب في هذا الموضوع، كما يرفض الباحث ما ذهب اليه جان فال في مقاله حول «تاريخ الوجودية»، أن هايدغر قد حاول في مؤلفاته المتأخرة إنشاء نوع من الفلسفة الاسطورية، وأن فلسفة هايدغر تتألف من عدد من العناصر المتنافرة.

في كل الأحوال، يرى المؤلف أخيراً  أن البحث في الوجود، سواءً بوصفه وجود الموجود، كما تناوله هايدغر في مؤلفاته الأولى، أو بما هو وجود على نحو ما نادى بذلك في مؤلفاته المتأخرة، واعتبره ضرورة يمليها التفكير في الوجود بما هو وجود، ظل هو الشغل الشاغل لهايدغر طوال حياته. وهذا ما يعتبره كثيرون من الباحثين والنقاد محل القلق الأساسي في مشروعه الفلسفي ككل.

- الكتاب: مارتن هايدغر ـ الوجود والموجود

- الكاتب: جمال محمد أحمد سليمان.

- الإشراف: أحمد عبد الحليم عطية.

- الناشر: دار التنوير ـ بيروت ـ 2009.