البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نظريات الغيرية الإنسانية مراجعة منهجية

الباحث :  سفتلانا فاغن، غلين أوونز، وفليسيتي غوديير سميث
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  10
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  1465
تحميل  ( 309.641 KB )
تهدف هذه المراجعة المنهجية إلى تلخيص الكتابات السيكولوجية الاجتماعية التي تناولت النظريات التي أثيرت حول وجود الغيريّة في البشر من عام 1960 إلى عام 2014. توافرت المواد من قواعد البيانات الموجودة على الإنترنت، وفي أقسام الكتب، ومن منشورات غير رسمية، وأبحاث مكتوبة بخط اليد. وقد تم عرض الموضوعات بطريقة نقدية وفقاً للخصائص والنتائج الأساسية.

لكن العوامل المؤثرة في الغيريّة  كما يتبين من سياق هذه المقالة ـ هي معقدة وليست نابعة من مصدر واحد، بل إنها تجيء من مصادر كثيرة من داخل دائرة الفرد ومن خارجها. ذلك بأن النماذج النظرية المستقبلية ستستفيد بشكل كبير من اشتمالها على إتاحة إمكان التعايش بين القوتين الدافعتين (الأنانية والغيرية) لا من منعها لهما.

المحرر


كان أوغيست كونت أول من وضع مصطلح «الغيرية» موضع الاستعمال لوصف التضحية من أجل الآخرين بالمبدأ الموجِّه للفعل. وفي هذا الصدد، عرّف المؤلفون خصائص فعل الغيريّة الإنسانية بأنه فعل قصدي إرادي ينجز من أجل منفعة شخص آخر باعتباره الدافع الأولي إمّا من دون توقع واع لمكافأة (مقاربة غيرية)، أومع التوقع الواعي وغير الواعي للمكافأة (مقاربة غيريّة - زائفة).

أخذ الاهتمام العلمي بالغيرية في الإنسان بالتزايد ابتداء من العام 1960 وما بعده. لكن الكتابات المتعارضة، النظرية والتجريبية، أدّت إلى انقسامات إشكالية عدة. لذلك جاءت هذه المراجعة الأدبية لتعرض البراهين النظرية المتعارضة التي قدمتها المقاربة الغيريّة الزائفة (المدفوعة أنانياً) والمقاربة الغيرية. وكان الهدف من هذه المراجعة المنهجية التوليف بين البراهين النظرية المتعارضة واقتراح طرق لتجاوز هذا النزاع.
المنهجيات
استعملت المراجعة الأدبية المنهجية معيار PRISMA (البنود المفضلة لرفع التقارير من أجل المراجعات المنهجية وما وراء التحاليل) للتوليف بين الكتابات السيكولوجية الاجتماعية حول موضوع الغيريّة في البشر من عام 1960 إلى الراهن (2014). ولكي نحدد مجال البحث، لن نشمل إلا الأبحاث المتعلقة بالسيكولوجيا - السوسيولوجيا حول نظرية الغيريّة في البشر، وسنستثني الأبحاث الأصلية.
كان مصدر الكتابات من قواعد البيانات الكبرى مثل (PsycInfo، PsycArticles، PsycCritiques، PsycExtra
Psychology and Behavioural Sciences Collection، ProQuest، Voyager and Google Scholar) وكذلك كانت المصادر الثانوية مثل لائحة المراجع من المقالات التي يمكن الوصول إليها ومن المنشورات غير الرسمية. بالإضافة إلى المصادر الثانوية التي تم الاطلاع عليها بداية للملاءمة (العنوان والملخص) ثم النصوص التامة التي تم تقييمها باستعمال لائحة تقييم الصلاحية.
النتائج
من أصل 1881 مدوّنة ممكنة الصلاحية، ضمّينا 97 مقالة نظرية أصلية إلى المراجعة الأدبية التوليفية المنهجية الحالية. أما بعض أسباب استثناء المدوّنات بعد المراجعة التامة للنص، فهي أن المقاربات النظرية التي تمت مناقشتها غير إنسانية بنوعها، وهي ذات أساس فلسفي وليس سيكولوجياً اجتماعياً. كما استثنى معيار الصلاحية الذي استعمل في المراجعة التامة للنص المقالات التي كانت، إلى حد كبير، تعبيراً عن آراء أو شروحات ناتجة من براهين تطورية. ونوقشت النظريات الثورية المبكرة بإيجاز من أجل تزويد القارئ بوجهة نظر تجاه التأثيرات النظرية المبكرة على التقسيم الحديث للغيرية إلى غيريّة وغيرية زائفة. وقد عرضنا تلخيصاً للنظريات الغيريّة الإنسانية.
النظريات حول الغيريّة الإنسانية Theories on human altruism
لا شك أن تعريف الغيريّة مسألة إشكالية، فالتعريفات تحدد في الغالب كيفية إدارة البحث. وأحد أبرز الانقسامات ترتبط بالدافعية التي تشكل أساساً للغيرية.
يرى بعضهم أننا لكي نعرّف الغيرية، يجب أن نفصلها عن المفهوم المقابل لها - الأنانية. وعليه فإن الغيريّة والأنانية دافعان منفصلان ومتمايزان يرتبطان باتجاه الدوافع الموجهة نحوهدف (النفس أوالآخر) على أن تكون غاية الغيريّة توفير السعادة للآخر. وعلى الرغم من أن الأنانية والغيرية دافعان يمكن أن يتمايزا، إلا أنهما يمكن أن يحصلا معاً. ويرى آخرون أن الأنانية هي الدافع إلى الغيرية، باعتبار أن الهدف الأساسي هوالسعادة الذاتية.
كما يمكن تعريف الغيريّة إما بوصفها معيارية أوبوصفها مستقلة. فالغيرية المعيارية تشتمل على الأفعال الشائعة من مساعدة محكومة بمكافآت وعقوبات اجتماعية؛ أما الغيريّة المعيارية فهي لا تتأثر بهذا. وبشكل عام، إن خطر الغيريّة المعيارية قليل وكلفتها قليلة من جهة الفاعل، في حين أن خطر الغيريّة المستقلة مرتفع وكذلك كلفتها. 
يتفق الباحثون، الذين يقدمون حججاً على المقاربات الغيرية، على أن الملامح الأساسية للغيرية تشتمل على فعل ينجز طوعاً وقصداً بهدف أساسي هو نفع الشخص الآخر. وهذا الدافع الأساسي هو ما يفصل المقاربة الغيريّة عن المقاربة الغيريّة المزيفة. أي إنجاز الفعل من دون توقع الكسب الشخصي (غيرية) أومع  توقع الكسب الشخصي (الغيرية المزيفة)  وسواء أكان هذا على شكل مكافآت داخلية أمخارجية. وهكذا يكون الأساس الدافعي للغيرية هو المعيار الحاسم لتعريف الغيرية.
النظريات المبكرة
أثّرت النظريات التطورية المبكرة في المقاربات النظرية والعملية لتفسير الغيريّة الإنسانية. وتحديداً، النظريات التطورية المبكرة التي تلقي بظلالها على الأفهام النظرية للغيرية الإنسانية بوصفها تملك الدافعية الأنانية الأساسية. لقد كان مفهوم الغيريّة حالة شاذة في نظرية تطور الإنسان والاصطفاء الطبيعي لتشارلز دارون، وكان مهملاً على نطاق واسع. فمن منتصف إلى أواخر القرن العشرين حل الباحثون مفارقة الاصطفاء الطبيعي والغيرية من خلال تقديم أفكار اصطفاء الجماعة والنَّسَب، والملاءمة الشاملة، والغيرية التبادلية. ترى نظريات الاصطفاء النَّسَبي والجماعي أن الانتخاب الطبيعي يفضل الجماعات على الأفراد بسبب احتمال تزايد تمرير الجينات بنجاح. وترى مقاربة الملاءمة الشاملة أن الملاءمة الجينية للفرد لا يمكن أن تقاس ببقائها وبقاء ذريتها فحسب، بل أيضاً بتحسين ملاءمة نَسَبها. وترى الغيريّة  التبادلية أن الانتخاب الطبيعي يفضل الغيريّة حتى بين غير الأنسباء بسبب المنافع على المدى الطويل. وفقاً لهذه النظريات، تكون الغيريّة في النهاية أنانية لأنها تسهم في زيادة الملاءمة الجينية للمرء. وعليه، فقد أثر تطور هذه النظريات البيولوجية والتطورية في بعض النظريات السيكولوجية المبكرة المتعلقة بعناية الأهل والتضحية بالذات. كما أثرت هذه النظريات في البراهين السيكولوجية النظرية التي ترى أن الغيريّة الإنسانية في نهاية المطاف أنانية الدافع.
تأثر عدد من النظريات السيكولوجية، كتلك التي ترتكز على التحليل النفسي، بالاعتقاد أن كل الدافعية الإنسانية هي أنانية أوذاتية بالوراثة. وفي النتيجة، كان البحث في الغيريّة في أدنى مستوياته. ومن هنا رأى فرويد أن جميع الأفعال تحصل في النهاية لتلبية حاجات النفس، ووفقاً لهذا تكون الطبيعة الإنسانية قائمة على مبدأ اللذة، ويكون هدفها السعي لتحصيل اللذة وتجنب الألم. لذلك لم يكن وجود الغيريّة مورداً للبحث الفعال في جزء كبير من بدايات القرن العشرين.
ساد لمدة طويلة رأي يقول إن كل الدوافع الإنسانية أنانية بالوراثة، لكن برز رأي بديل يؤكّد وجود دافعية غير أنانية موجهة لمنفعة «الآخر» وليست موجّهة «للذات»، عُرف في البداية بعنوان «فعل الخير». وفي عام 1851 قدّم أوغيست كونت مصطلح «الغيرية» ليميز هذا الشكل من الدافعية غير الأنانية عن الأفعال المدفوعة أنانياً. لكن وجود الغيريّة «الحقيقية» ما زال مستمراً وبقيت النظريات حول الدافعية الإنسانية متميزة بتوجّهات خفية: أنانية أوغيرية.
مقاربة الغيريّة الزائفة The pseudo-altruistic approach
كانت مقاربة الغيريّة - الزائفة قوة مسيطرة في النظرية السيكولوجية. والخاصية المعرّفة لهذا السلوك الغيري المزعوم هي أن الأنانية هي الدافع الأساسي له، لأن الهدف النهائي لهذا السلوك هوسعادة المرء. وبناء على ما مر يمكن إعادة تعريف الغيريّة لتتناسب مع الموقف الذي يرى في كل فعل إنساني مصلحة ذاتية، وهذا يختلف عن تعريف كونت.
يبدو أن الغيريّة بهذا التعريف هي الغيريّة التي تحركها دوافع الحصول على مكافآت داخلية حتى عندما لا تكون هذه المكافآت قابلة للملاحظة المباشرة. إذ يرى بعضهم أن الغيريّة عند البالغين، من خلال عملية الاستدماج، تتصرف كآلية للمكافأة الذاتية. وهذه الآلية في النهاية تعزز الرضا الذاتي والاعتداد بالنفس عند المراهقين. وليس هذا للتقليل من أهمية الشعور العاطفي الذي يتم احتماله نيابة عن الآخرين، والذي يبدو أنه المعيار الأساسي للسلوك الغيري. لكن إذا طور المرء الاعتماد على المكافآت المادية، فقد لا يكون استدماج الدوافع الحقيقية للمساعدة ناجحاً جداً. ربما كان هذا هو الرأي الأكثر شعبية بين السيكولوجيين الذين يتمسكون ببرهان الغيريّة الزائفة.
وجهة نظر التعلم الاجتماعي  Social learning perspective
ترى وجهة نظر التعلم الاجتماعي أننا نكتسب استجاباتنا الأخلاقية عن طريق «قوانين التعلم». فقد تيسَّر استدماج القيم من خلال التعلم المرتكز على المراقبة. وتم اقتراح نماذج الأهل من أجل بذل التأثير الأقوى والأكثر استمراراً في عملية الاستدماج. كما رأى بعض المفكرين أن تعلم السلوك الممكن يؤثّر في تطوير السلوك الغيري في مرحلة الطفولة، وهذا بدوره يعمل معززاً داخلياً. لكن ثمة من يرى أن التعلم الاجتماعي لا يفسر الغيريّة كما ينبغي، بسبب تجاهله التأثيرات الجينية ومهارات التفكير العليا مثل قدرات لعب الأدوار، وهكذا يكون التأثير الاجتماعي غير كافٍ لتفسير التفكير الأخلاقي.
النظرية المعيارية  Normative theory 
وفقاً للنظرية المعيارية يوجد ثلاثة مؤثرات أساسية في الغيريّة : شدة الإلزامات الأخلاقية (الشخصية)، والبناء المعرفي للمعايير والقيم، وملاءمة مشاعر الإلزام الأخلاقي. تتأثر الإلزامات الشخصية أوالمعايير الأخلاقية بتوقعات المجموعة المشتركة حول السلوك الملائم والمكافآت الاجتماعية، التي تختلف من فرد إلى فرد. يساعد الناس لأنهم يفهمون المساعدة بوصفها الاستجابة الاجتماعية الملائمة التي إما أن تكون ناجمة عن تجربة سابقة أوعن مراقبة الآخرين. في الجوهر، يتفاعل الناس في المجتمع كي يتبنوا معيار المسؤولية الاجتماعية ومساعدة الآخرين. وما يرتبط بهذا هوالإنصاف والحاجة لاعتبار العالم «عادلاً». هذه مفاهيم مركزية لـ «فرضية العالم العادل» التي اقترحها  لرنر Lerner. فوفقاً لهذه الفرضية هناك إيمان مشترك بأن العالم عادل والناس يحصلون على ما يستحقونه والعكس بالعكس. وبالتالي، نساعد أولئك الذين ساعدونا وليس أولئك الذين حرمونا من المساعدة.
كما تؤدّي المعايير الشخصية دوراً معرفياً وعاطفياً مؤثراً ومهماً. فمثلاً، يمكن أن يكون لدى الناس توقعات سلوكية مرتكزة على معايير شخصية أوتنتابهم مشاعر (مثل الذنب) عند مواجهة هذا الأمر أوعدم مواجهته.
المقاربة النظرية للمرحلة Stage theoretic approach
ترى المقاربة النظرية للمرحلة أن الأفراد يمرون بمراحل متعددة من التطور الأخلاقي ويكون التطور البنيوي المعرفي المصدر الأساسي للتغيير. بيد أن التطور الأخلاقي المبكر في أساسه متجذر في المصلحة الذاتية. ومن ثم طور بعضهم الدافعية من أجل اتباع معايير الجماعة. أما الآخرون الذين تقدّم تطورهم الأخلاقي، فقد اكتسبوا معايير أخلاقية كلية. لكن السلوك الإنساني لا يتوقف على المراحل فحسب، بل ينطوي على تفاعل يرتبط بحالة المؤثرات. الفعل الغيري الحقيقي هوإنجاز تطوري، وهولا يكون ممكناً إلا في المرحلة التطورية الأخيرة، أومع تعاظم حالة النضوج.
نماذج التقليل من الإثارة وإزالة الحالة السلبية Arousal-reduction and negative state relief models
ترى نماذج التقليل من الإثارة وإزالة الحالة السلبية أن الدافع إلى الغيريّة هوالتقليل من الإثارة أوالتوتر المنفّر. إذ عندما يشاهد المراقب غيره يتألم فإن هذا سيسبب إثارة للمشاعر السلبية التي ستخف وطأتها حين يقدّم  المساعدة للمتألم.
يمكن أن يكون الشعور بالذنب استجابة لتألم الآخر دافعاً قوياً. فالشعور بالذنب يعرّض الاعتداد بالنفس للخطر أما السلوك المساعد، فإنه يمكّن من ترميم صورة الذات. والأحداث الأخرى التي تجعل الملاحظ يشعر أفضل فيمكن أن تقضي على الدافع للمساعدة، وخصوصاً حين تسبق هذه الأحداث فرصة المساعدة أوإذا كان المراقب مدركاً الطرق الأقل كلفة لتحسين المزاج. وهكذا تكون الدافعية متوقفة على المساعدة في امتلاك خصائص المكافأة الذاتية. لكن إذا استبعد احتمال أن تقلّل المساعدة من المشاعر السلبية، فسيستبعد احتمال أن يساعد المراقب. 
نموذج الكلفة – المكافأة Cost-reward model
يشمل نموذج الكلفة – المكافأة التكاليف والمكافآت على المساعدة أوعلى عدم المساعدة ويرتبط مباشرة بنماذج التقليل من الإثارة. ويرى نموذج الكلفة – المكافأة أن مشاهدة تألّم الآخر تسبب إثارة تعاطفية مزعجة في المراقب، وبالتالي يكون المراقب، مدفوعاً لكبحها. فالإثارة التعاطفية تدفع المراقب للفعل، أما تحليل الكلفة - المكافأة فإنه يوجّه أفعال المراقب.
توجد متغيرات طفيفة في هذا النموذج. فقد رأى هوفمن  Hoffman أن مشاهدة تألم الآخر تسبب أزمة عاطفية في المراقب وأن كل الصفات المتعلقة بسبب الألم تؤثر في رغبة المراقب في المساعدة. تألُّم الأعضاء «في الفريق” يسبب توتراً مزعجاً كما أن فهم التعارض بين الحالة الراهنة والحالة المرغوبة لسعادة الآخر تؤدّي إلى تناقض معرفي.
نموذج قرار المراقب بالتدخّل Decision model of bystander intervention
يشير نموذج قرار المراقب بالتدخّل إلى أن قرار المساعدة يتوقف على خمسة عوامل. الأول والثاني تحديد التغير السلبي في ظروف الضحايا والاعتراف بالحاجة إلى المساعدة. العاملان الثالث والرابع هما تحمّل المسؤولية الشخصية والقرار المتعلق بأي نوع من المساعدة هوالمطلوب. العامل الأخير في عملية اتخاذ القرار هوالقرار بتقديم المساعدة. فإذا فشل المراقب في أي من هذه المراحل بتوفير أي من هذه العوامل، فلن تقدم المساعدة إلى الضحية. إذ يمكن للمؤثرات الخارجية مثل مظاهر البيئة الفيزيائية والاجتماعية أن تؤثر  سلباً في إمكان تفسير الوضع. مثلاً، يرى الباحثون أن الاستعداد للمساعدة يكون أكثر انخفاضاً في المدن من البلدات كنتيجة للحمل الزائد للمدخلات البيئية. كما يمكن للحالات العاطفية الداخلية للمراقب أن تؤثر في قراره بالمساعدة. وهكذا تم البرهان على أن حالات المزاج الداخلي الإيجابية تزيد من سهولة السلوك المساعد أكثر من الحالات السلبية.
بالإضافة إلى هذه المؤثرات، يتأثر المراقبون بمن حولهم. فمثلاً، حين يكون المراقب واحداً بين كثيرين غيره، يمكن أن يحصل تعميم للمسؤوولية. وهذا يشير إلى الاعتقاد بأن للآخرين القدرة نفسها على مساعدة الضحية. والأرجح أن يحصل تعميم المسؤولية حين تنطوي على عنصر خطر، يدركه الآخرون بوصفهم قادرين على المساعدة، و/أو حين تسمح المعايير. كما يمكن أن يحصل تثبيط للجمهور، إذ يمكن أن يثبط المراقب بسبب الخوف من الإحراج أومن التقييم السلبي.
المقاربة الغيريّة The altruistic approach
الصنف الثاني من النظرية المعاصرة حول الدافعية الإنسانية – المقاربة الغيريّة – يحافظ على معنى الغيريّة «الحقيقية” كما يقصد كونت. فالدافعية هنا موجهة نحوغاية وهي زيادة سعادة الآخر وأي مشاعر بمكافأة الذات أوالتخفيف من الضيق الشخصي هي حصيلة ثانوية لهذا. من خلال تحدي الافتراضات المسبقة للفردانية والذاتية، لم تعد الغيريّة «الحقيقية” مستحيلة، بل على العكس باتت واسعة الانتشار. وهكذا بات وجود «سمة» الغيريّة ونموذج “الشخصية الغيرية» ممكناً.
ثمة دوافع تشكل أساساً لـ “الشخصية الغيرية” كدافع التعاطف، ومعايير السلوك الملائم، والميل لتجربة التعاطف المعرفي والعاطفي. تزوّد قدرات تمثيل الأدوار بالقابلية للتعاطف وتكون معايير السلوك أحكاماً توجيهية مستدمجة. لكن هذه الدوافع هي «بنى افتراضية». غير أن  أنصار  «الشخصية الغيرية» يصفون الغيري بأنه شخص يتبنّى معايير أعلى للعدالة، والمسؤولية الاجتماعية، وصيغ التفكير الأخلاقي، وهوأكثر تعاطفاً مع مشاعر الآخرين.
التعاطف Empathy
ينطوي التعاطف على مشاعر المشاركة الوجدانية وعلى رغبة في التخفيف من آلام الآخرين. وتتوقف مكوناته المعرفية على المرحلة التطورية للمراقب. فحين يمر الأولاد بالمراحل التطورية يعون في النهاية بأن للآخرين هويات شخصية، ويزداد رجحان اختبارهم التعاطف بوصفه حالة ذاتية وكذلك إثارة لا إرادية. يوجد، في الأساس، نظام دافعية غيري حقيقي، توفّر فيه الاستجابة التعاطفية لآلام الشخص الآخر، مقرونة بالإحساس المعرفي للآخر، الأساس لدافع مستقل عن الدافعية الأنانية.
ينشأ عن مكونات الألم التعاطفي مشاعر مشتركة وجدانية مؤلمة ثبت أنها الدافع الرئيس للغيرية. لكن قد يكون للألم التعاطفي تأثير معاكس، هوتوجيه انتباه المراقب بعيداً عن الضحية إلى الذات، والتقليل من احتمال السلوك الغيري. هذا يوحي بأقصى  مدى من الإثارة التعاطفية للسلوك الغيري. كما يمكن أن يحاول المراقبون التقليل من مستوى الإثارة، وأن يستعملوا استراتيجيات مختلفة (مثل الإعراض) أوالانتقاص من قدرة الضحية. علاوة على ذلك، إذا فهمنا أن الضحايا مسؤولون عن مأزقهم فقد يتحيّد الألم التعاطفي. فالألم التعاطفي والشعور الوجداني المشترك لا يكونان اجتماعيين إلا ضمن بعض الحدود.
الغيرية المستقلة Autonomous altruism
تم افتراض مشاعر معينة كسبب للدافعية الغيرية. وفقاً لهذا الرأي، في أثناء اختبار هذه المشاعر، ينتهك المراقب قوانين التعزيز من خلال توجيه السلوك نحوحاجات الآخرين من دون التفات إلى ذاته. الغيريّة المستقلة هي المثال على هذا. فالغيرية المستقلة في تعريفها ينبغي أن تعدّ «إيثارية” لأنها غير محكومة بمعايير مجتمعية ولأن دوافعها تنبع من النفس. أضف إلى ذلك أن ما يقال من أن عملية «التكيف التعاطفي» تحصل في الأولاد والبالغين إذ يتأثر سلوك المراقب بإشعارات خاصة تظهر الاستجابة التعاطفية.
برهن كاريلوسكي  Karylowski على التمييز بين فعل الخير من أجل الشعور بالاطمئنان النفسي (الغيرية الأنانية)، وفعل الخير لجعل الغير يشعر بالراحة (غيرية إيثارية). وفقاً لهذا الرأي تكون الغيريّة الأنانية غيريّة زائفة، فيما تكون الغيريّة الموجّهة للخارج غيريّة ذات دافعية خالصة. تم البرهان على أن الغيريّة الموجهة خارجياً هي نتيجة لتركيز الانتباه على الآخر عوضاً عن تركيزه على الذات.
فرضية العالَم العادل Just world hypothesis
وسّع لرنر  Lerner فرضية العالم العادل لتشتمل على علاقة الهوية. حين ندرك أن ذواتنا “بأننا غير متميزين سيكولوجياً» عن الآخر فإننا نختبر ما يختبر. وحين ندرك أن الشخص الآخر محتاج، تستثار فينا «عدالة الحاجة»، ونشارك في «أنشطة ترتكز على الهوية». وتصبح الذات غير قابلة للتميز عن «الآخر”، والدافع الأساسي للمساعدة لا يمكن أن يكون أنانياً أوغيرياً بشكل حصري. هذا الرأي شبيه برأي هورنستاين  Hornstein. وقد ظهر التشابه بشكل خاص من خلال تجربة «النحن – وية» we-ness’” وانحلال التمايز بين الذات ـ الآخر.
فرضية غيريّة – التعاطف Empathy-altruism hypothesis
المبحث المشترك في نظريات الغيريّة هوأن الشعور التعاطفي ينتج الدافعية الغيريّة للمساعدة. وصف باتسون Batson ثلاثة سبل أساسية تؤدي إلى المساعدة منها سبيل يرتبط بدافعية غيريّة تثار تعاطفياً، وهي ما يعرف بفرضية غيريّة ـ التعاطف. لهذا السبيل أهمية خاصة بالنسبة لهذه المراجعة الأدبية التي تفصل ذاتها عن البرهان الأناني السائد على الدافعية التي تشكل أساساً للمساعدة. إنه يتميز بسبع عمليات قابلة للاختبار التجريبي. الأولى «إدراك الآخر المحتاج»، هي وظيفة عدد من العوامل التي تنطوي على تباين يمكن إدراكه بين حالة السعادة الفعلية والكامنة للآخر؛ والبروز الكافي لهذه الحالات، وتركيز الانتباه على الآخر. إن درجات  الكمية تشتمل على عدد أبعاد السعادة التي نفهم تعارضها، وحجم التعارضات المدرَكة، وأهميتها المدركة. إن إدراك حاجات الآخرين يؤدي إلى شعور بالتعاطف.
تشمل العملية الثانية تبنّي موقف الآخر وهي وظيفة حدود قدرة - العامِلَين على تبنّي موقف الآخر والتوجّه لتبني الموقف. يلحق بذلك العملية السيكولوجية الثالثة التي تسهم في اختبار التعاطف الذي يشكّل العملية السكولوجية الرابعة. تتأثر إثارة التعاطف بهذا الملحق بطريقتين أساسيتين. تحديداً، تؤثر قوة الملحق في احتمال تبني موقف الآخر ويمكن أن تؤثر قوة الملحق في مقدار الشعور التعاطفي الذي يعيشه المراقب. وخلافاً لاختبار الألم الشخصي الذي يمكن أن يثير الدافعية الأنانية، فإن اختبار التعاطف، الذي يتميز بمشاعر التضامن والشفقة، يثير الدافعية الغيريّة (العملية الخامسة) التي تشكّل الغاية القصوى التي تتحسّن بها سعادة الآخر. تتوقف قوة الدافع الغيري (العملية الخامسة) على قوة اختبار التعاطف. يمكن للدافع الغيري أن يظهر المكافأة الذاتية والاجتماعية وكذلك اجتناب العقوبة والتخفيف من الألم الشخصي الذي يشكل أساس الدافعية الأنانية. لكن باستون Batson يرى أن هذه النتائج هي مجرّد منتج جانبي للدافعية وليس هدفها الأقصى. بالإضافة  إلى أن فرضية الغيريّة التعاطفية، ترى أن الغيريّة “الحقيقية” موجودة وهي ناتجة من العمليات السيكولوجية.
العملية السيكولوجية السادسة، التي يصطلح عليها «التلذذ بالحساب” أوتحليل الفائدة النسبية، هو تحليل أنجزه المراقب قاصداً منه تحديد السلوك الأكثر فاعلية الذي يمكن أن يلبّي حاجات الآخر وتحديد إذا كان لأي شخص آخر قدرة كافية على تحقيق هذا. ويمكن البرهان على أن هذا من طبيعة أنانية، لكن ينبغي ألا يُفهم أن هذا يعني أن دافع المساعدة أناني أيضاً. إضافة إلى أن المراقب المدفوع غيرياً سيساعد طالما أن المساعدة ممكنة وإذا كان تحليل الفائدة النسبية لصالح هذا. وفي الحالات التي يكون فيها تحليل الفائدة النسبية سلبياً سيتجنب المراقب المساعدة إما من خلال تجاهل الضحية أومن خلال الحط من قدرها. في هذه الحال يزول الشعور التعاطفي والدافعية الغيريّة معاً.
غير أن فرضية الغيريّة التعاطفية تعرضت للنقد بسبب محاولة البرهان على وجود الدافعية الغيريّة «الحقيقية» وعوضاً عن ذلك، تم اقتراح أن الدافع الأساسي أناني. فمثلاً، تحدث بعض الباحثين عن المعالجات المستعملة لإظهار التعاطف في المشاركين ولإظهار مركّب الذات – الآخر أوالشعور بالاتحاد الذي يسهم في تحسين السعادة النفسية للمراقب إثر تقديم المساعدة للشخص المحتاج. لكن باتسون عرض نتائج تشير إلى أن عضوية الجماعة أوتجربة «الاتحاد» لا تؤثر في السلوك المساعد. كما لاحظ باتسون وكوك أن توفير فرص لملاذ سهل للمراقب ينبغي أن يؤمن التبصر في الدافعية حيث سيُظهر الملاذ السهل سلوكاً مساعداً منخفظاً في المراقبين المدفوعين أنانياً، ولن يؤثر في المراقبين المدفوعين غيرياً.  
تم اقتراح بعض البراهين البديلة على فرضية الغيريّة – التعاطفية. وبشكل خاص اقتراح تفسيرَي: التعاطف ـ المكافأة الخاصة، والتعاطف ـ العقاب الخاص التي تفترض أن المراقب يساعد نتيجة لتوقعات المكافآت الداخلية / الخارجية أوخشية التكاليف الشخصية / الاجتماعية. غير أن هذه البراهين في طبيعتها غيريّة زائفة وما هو أهم، يجب علينا ألا نخلط بين نتائج فعل كالمكافآت الداخلية والخارجية وهدفه الرئيس (السلوك المساعد).
مناقشة وخاتمة     
تواجه نظريات الغيريّة مشاكل متعددة. أولاً، إنها تفتقر إلى الدقة وأحياناً يساء تفسيرها. ثانياً، عدم الدقة في تعريفها يعني أن النتائج التجريبية تكون في الغالب غير حاسمة ويمكن تفسيرها عن طريق نظريات الغيريّة – الزائفة. بيد أن نظريات الغيريّة توفر تفسيرات جديدة وبراهين نظرية لدراسة السلوك الغيري تفصل ذاتها عن التفسيرات المدفوعة أنانياً.
أضف إلى أن هناك صعوبة واضحة في الوصول إلى نتائج ملموسة حول وجود ما أشير إليه بأنه غيريّة «حقيقية» في الإنسان. تنبع الكتابات النظرية المكثفة حول الغيريّة الإنسانية من عدد من وجهات النظر النظرية المختلفة. واضح أن المؤثرات الدافعية (بين الأشخاص وداخل الأشخاص) والسلوكية خلف الغيريّة معقدة في طبيعتها ولا تنبع من مصدر واحد، بل تنبع من مصادر متعددة داخل الفرد وخارجه على حد سواء. فالنظريات الموجودة تسلط الضوء على عدد من العناصر وتوفر بعض الفهم للغيرية الإنسانية. وهكذا يمكننا، من الكتابات الموجودة، أن نبدأ في تطوير تحقيقات ونظريات تجريبية وربما نفهم تعقيد بنية الغيرية.
واضح أن الأنانية الإنسانية لا تكقي لتفسير جميع وجوه السلوك «الغيري”. وهكذا يصحّ افتراض وجوب الاستعاضة عن الأنانية الشاملة بفرضية أكثر تعقيداً تفسح المجال للأنانية والغيرية معاً.
كان هناك بعض القيود الجوهرية على مراجعة الأدبيات الراهنة. فمثلاً، تم استثناء المقالات المكتوبة بلغات غير الإنكليزية  وهذا ما أدّى إلى حصر النتائج بالمقالات المكتوبة باللغة الإنكليزية فقط. ولأن البحث في قاعدة البيانات المتوافرة جرى على شبكة الإنترنت، فإن المقالات القديمة التي لم تشملها قواعد البيانات الموجودة على الشبكة يمكن أن تكون مفقودة. وأخيراً، إن مراجعة الأدبيات الحالية لا تشمل غير النظريات الغيريّة الإنسانية السيكولوجية الاجتماعية، وبالتالي فهي لا تغطي نظريات من حقول سيكولوجية أخرى مثل الحقل التنظيمي والحقل التطوري.
توجيهات مستقبلية Future directions
الظاهر أن الطبيعة الإنسانية المعقدة ومتعددة الأوجه تحتاج لـ”سعة أفق» في أثناء تطوير النماذج النظرية. غير أن فقدان «سعة الأفق» في فهم القوى الدافعة التي تشكّل القوى الأساسية للغيرية الإنسانية سيكون عائقاً أمام الأبحاث والنظريات المستقبلية فقط. فالنماذج النظرية المستقبلية ستستفيد بشكل كبير من اشتمالها على إتاحة إمكان التعايش بين القوتين الدافعتين (الأنانية والغيرية) لا من منعها له. ويمكن أن يقلّ التعارض بين مقاربة الغيريّة الزائفة ومقاربة الغيريّة النظرية أوتنحل من خلال تركيب عناصر من الطرفين المتعارضين وإجراء بحث يستكشف صحة هذه المركّبات الجديدة.