البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تصور "الآخر" ، تمييز ممأسس، وعنصرية ثقافية

الباحث :  مسعود كمالي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  10
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 23 / 2018
عدد زيارات البحث :  785
تحميل  ( 351.794 KB )
تشكل هذه المقالة رؤية تأسيسية في تصوّر الحداثة الغربية للآخر الحضاري المسلم. فهي تنطلق من أولاً من اختبار الباحث البروفسور مسعود كمالي للسوسيولوجيا الثقافية والفلسفية للمجتمع الغربي، وثانياً من اختصاصه بالفكر الفلسفي الغربي وخصوصاً لجهة الكيفية التي قارب فيها فلاسفة الغرب الإسلام والمسلمين، وعلى الأخص منهم هيغل وفولد وسواهما.

المحرر


تمتد جذور التراث الاستشراقي وبدعة «الغرب والباقي» عميقاً في التراث الفكري الغربي، في المؤسسات التعليمية، والأنظمة السياسية، وكذلك في العلوم الاجتماعية التي يبدو أنها «خالية من القيم».
حدّدت في هذه المقالة منظومات الفئات والمباني القيمية والخطابات ـ باعتبارها عناصر النظريات أوالنماذج ـ التي تصلح لبث التعابير العنصرية الممأسسة وإنتاجها ودراستها، وبشكل خاص حين تتعلق بالشعوب الإسلامية. كما أشارت المقالة إلى دور وسائل الإعلام العامة في تسليط الضوء على «المسائل النموذجية» التي تشكّل حقيقة «الآخر» المختلف جوهرياً الذي يساوى «الآخر الشرير أوالبدائي».
علينا أن نذكر المأسسة المنسية العلنية أوالخفية لتصنيف “نحن” في الغرب و«هم»، سواء أكان في «الشرق» أوفي أي مكان آخر من العالم. لقد كان التفكير العنصري جزءاً لا يتجزأ من العلم وفلسفة التنوير. فعادة تصنيف الناس إلى فئات “طبيعية” بالطريقة نفسها التي صنّفت فيها الطبيعة هي تراث تنويري أيضاً، فقد أسهم الفلاسفة وعلماء الطبيعة في القرن الثامن عشر  من كارل فون لينيه Karl von Linné إلى هيغل في التصنيف الهرمي للمجموعات البشرية والمجتمعات. أما أحد أكثر تصنيفات المجتمعات الإنسانية ديمومة، والتي تمتد جذورها إلى الثورة الأممية للأديان الخلاصية المتنافسة في الشرق الأوسط، وتحديداً الإسلام، فهي «الاستشراق».
التراث الاستشراقي
يعدّ الشرق تقليدياً  نقيضاً للغرب، أي الوجه المغاير للعقلانية، والعلم، والتطور، والنموالاقتصادي، والازدهار وهلم جراً. وبتعبير آخر، إن عناصر التفوّق كلها التي تحققت في الغرب كانت مفقودة في الشرق. لذلك أهمل حقل البحث العلمي الاجتماعي والسوسيولوجي بشكل أساسي إجراء أبحاث حول التعقيد، والتغاير، والتحولات الكبرى لما كان يسمى «الشرق». فمفاهيم المجتمع المدني الإسلامي، والأيديولوجيات السياسية الإسلامية، والإسلام الحديث كانت مثار جدل، ورفضها عدد من باحثي العلوم الاجتماعية المعاصرين والكلاسيكيين. وكما عبّر إدوارد سعيد؛ لم يستطع الشرق إيجاد نفسه، بل كان الشرق من إنتاج الغرب، ووجد وفقاً لرغبات الغرب.
لغاية الآن، نعرف أن تصوّر ماكس فيبر Max Weber حول «السوسولوجيا الخالية من القيم» ما زال مجرّد تصوّر لم يتحقق بعد. لأن حقل إنتاج المعرفة جزء لا يتجزأ من إنتاج الروابط السلطوية في المجتمعات الحديثة. وكما يذكر فوكوFoucault :
ثمّة تلازم بين السلطة والمعرفة، إذ لا يوجد علاقة سلطوية من دون القانون الملازم لحقل معرفي، ولا توجد معرفة لا تسلّم بالعلاقات السلطوية وتشكّل هذه العلاقات في الوقت عينه.
يؤكد فوكوأن «السلطة تنتج معرفة». فإحداهما تحتاج الأخرى من أجل المحافظة على النظام الذي يخدم السلطة والمعرفة معاً وضمان استمراره. وعليه فإن انتصار العقل هوانتصار لتحالف السلطة والمعرفة. وكما قال ترنر Turner، إن فئات «المجرم» و«المجنون» و«المنحرف» هي تجليات للخطاب العلمي الذي يمارس الطبيعي والعاقل من خلاله السلطة بإزاء التقسيم المنهجي للتشابه والاختلاف». فالتحالف بين السلطة والمعرفة أدى إلى وجود ما يمكن تسميته بـ”الآخر”، الذي يمكن أن يكون «المجنون»، «المجرم»، «المنحرف»، أو«الشرق». والإنسان العاقل الحديث حامل المعرفة والسلطة يحتاج إلى انحراف الجنون من أجل تعريف العقل السوي والحفاظ عليه. لا فرق إذا كان هذا «الإنسان العاقل» بنية حديثة  كما كان يرى فوكو، أو، كما يرى دريدا، تطوراً للإنسان العاقل القديم الذي تمتد جذوره إلى اليونان القديمة، فالعقل والجنون كانا وما زالا متلازمين.  ويمكننا من خلال اتباع سير النقاش هذا، أن نقول إن تصور الغرب ذاتَه، المغرب، كان مرتبطاً مباشرة وبالضرورة بالبنية المنحرفة لـ «الآخر»، المشرق. إن إيجاد نموذجي الشرق والغرب هو تجلِّ للسيطرة الغربية والنوايا والسياسات الاستعمارية. والاستشراق خطاب مؤلّف من شبكة من التصنيفات والجداول والمفاهيم التي يتم من خلالها تعريف الشرق والسيطرة عليه في الوقت عينه، «أن تعرف هو أن تُخضِع».
كان دور المستعمرين والسياسة الإمبريالية حاسماً في تكوين التصور الغربي للإسلام وتحليل «المجتمعات الشرقية». وقد بيّن إدوارد سعيد في كتابه المؤثر «الاستشراق» السياسات الاستعمارية والغربية المعادية للإسلام التي تشكلت بسبب التنميط الاستشراقي وكيف استخدمه الغربيون بوصفه خطاباً إخضاعياً. فأوروبا التي عرّفت الشرق كانت مطبوعة بما يسمى الشرق وكان لها علاقة مزدوجة به. لم يكن هذا بسبب وجود الشرق على مقربة من أوروبا، بل لأن أوروبا وجدت ضالتها هناك، في المستعمرات الأغنى والأقدم، مصادر حضارتها ولغتها، ومنافسها في الدائرة الثقافية، وواحدة من أكثر الصور الاعتيادية لـ «الآخرين الحقيقيين»، كما عبّر إدوارد سعيد (1978). بدأت أوروبا مشروعها السوسيوبوليتيكي في تكوين هوية أوروبية أوغربية منذ مطلع القرن السابع عشر، في كل شيء، العقلانية، الديمقراطية السياسية، الفردانية، وباختصار، كان يفترض أن تبدأ أوروبا عند حدود اليونان مقابل الشرق ـ المجال الجغرافي العامر الذي قدم إسهامات ثقافية اجتماعية وسياسية كبيرة لكل العالم. فقد تبيّن أن الخصائص كلها التي أسهمت في تمييز الغرب عن سائر العالم، مثل العلم، والفلسفة، والديمقراطية، كان لها جذور في اليونان القديمة. وكان هناك تجاهل متعمّد للتأثير غير الغربي – أي التأثير الشرقي كما يسميه التراث الغربي لفلسفة العلم. وكما عبّر كنغ King :
يبدأ كل تأريخ للفلسفة الغربية مع اليونانيين، ويتجاهل أي تأثير إفريقي وشرقي في اليونانيين القدامى. والأهم في هذا هو غياب الإشارة إلى الدور الذي قام به «تراث الأسرار» المصري والشرقي في تشكيل المقاربات والأفكار الفلسفية اليونانية.
لم يكن إيجاد العالم الغربي المتخيل وانتشار أفكاره الكلية المتصلة إلا محاولات ذات توجه أوروبي مبالغ فيها. ولم يكن الكلي أكثر من تجارب جزئية للفهم الأوروبي الغربي وبنية ثابتة لذواتهم الاجتماعية – الثقافية و«للآخرين». وبما أن فكرة الموقف المحايد، والموضوعي والكلي هي خيال، كما جاء في حجج غرايز جانتزن  (Grace Jantzen 1995)، فهذا يعني أنه لا يوجد مطلقاً وجهات نظر حيادية أو اعتقادات منفصلة عن مكان محدد، والسبب:
لا تكون وجهات نظر من لا مكان، كما لا تكون وجهات نظر من كل مكان. تكون وجهات نظر من بعض الأماكن فقط، ويكون للمكان الخاص تأثير حتمي في وجهة النظر. وإذا فرضنا العكس، فإن ما يحصل هو تعميم لوجهة نظرة معينة زوراً.
بيد أن الأفكار الكلية «الخالية من القيم» عن العالم عموماً وعن «الشرق» خصوصاً»، ليست مجرّد تخيل واستحالة، بل هي، كما عبر غولدنر (Gouldner 1973)  «أسطورة المجتمع المتحرر من القيم»،  وتبقى هذه مجرد أسطورة للمناقشات الأكاديمية في الدائرة الداخلية. استُعمل علم الاجتماع، كغيره من العلوم الأخرى، في ميدان عام هو ممارسة القوة السياسية - الاجتماعية والعسكرية لإيجاد النظام العالمي الاستعماري وما بعد الاستعماري. وكما ذكرنا سابقاً ما زال دور السياسة الاستعمارية والامبريالية حاسماً خصوصاً في تشكيل التصورات الغربية عن الإسلام وتحليل ما يسمى بـ«المجتمعات الشرقية». وهنا تم تعميم «المجتمعات الغربية» وتصنيفها من خلال الميتا - نظريات الكلاسية، مثل نظريات ماركس وفيبر، بوصفها مجتمعات ذات خصائص مميزة مختلفة كلياً عن الغرب. وقد نشأت القوة الدافعة الأساسية لفهم «الشرق» ولتأسيس تراث الاستشراق نتيجة للمشاحنات بين الخصوم الدينيين في البلدان الغربية والنزاعات العسكرية والاقتصادية مع إمبراطوريات «الشرق» المقتدرة، مثل الإمبراطورييتين العثمانية والفارسية. وعليه، كما يذكر ترنر «لا يمكن لمعرفة الشرق أن تكون معزولة عن تاريخ التوسع الأوروبي في الشرق الأوسط وآسيا».
يمكن أن تفهم العلاقة المتبادلة بين «المعرفة» و«السلطة» والتأثيرات المتبادلة بينها من خلال سلطات الاحتلال الإمبريالية الغربية خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ففي عام 1878 كانت أوروبا تسيطر على حوالي 67 في المائة من مساحة اليابسة في العالم وفي عام 1914، 84 في المائة. وبعد الحرب العالمية الأولى ارتفعت النسبة المئوية إلى مستويات أعلى عندما أنشأت إنكلترا وفرنسا سلطات انتداب في الدول التي ورثتها  عن الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط. وهذا ما جعل من الغرب عاملاً مؤثراً في التطور غير المتوازن لأجزاء أخرى من العالم، وبالتالي جعل منه عدواً. لم تكن عداوة الغرب للبلدان والشعوب الأخرى صورة خيالية، بل ظاهرة حقيقية أثرت إلى حد كبير في المجموعات الفكرية والوطنية للعديد من البلدان غير الغربية.
وعلى الرغم من  أن الاستشراق بدأ في العصور الوسطى وشمل البلدان غير الإسلامية مثل الصين والهند، كان دائماً يرتبط بما يسمى جغرافياً «العالم الإسلامي» ودينياً الإسلام. وفي العودة إلى البدايات، كان اللاهوتي المسيحي يوحنا الدمشقي أول من وضع أسساً للاستشراق. فقد كان يوحنا الدمشقي من أهم أصدقاء الخليفة الأموي يزيد بن معاوية. وهوالذي شكّلت تصريحاته بأن الإسلام ديانة وثنية، وأن الكعبة في مكة صنم، وأن محمداً إنسان غير متديّن وغارق في الشهوات، مصدراً كلاسيّاً للكتابات المسيحية عن الإسلام. وهكذا كانت مواقف الغرب المسيحي تجاه البلدان الإسلامية من الناحية التاريخية في غاية السلبية ومليئة بالتعصّب. وشكّل هذا الموقف السلبي أحد أكثر الركائز خطورة في تعبئة الفلاحيين الأوروبيين البسطاء من أجل الانضمام إلى الحملات الصليبية، التي بدورها عززت التصنيف الدوغمائي: الشرق / الغرب. وبالتالي باتت المواقف والأفهام المعادية للإسلام جزءاً أساسياً من الاستعمار الغربي والصورة الذاتية.
سنورد في الفقرة التالية مثالاً توضيحياً قدمه غوردن عن عدوانية الغرب تجاه الإسلام، «حتى العلماء البارزون في الميدان»:
مما ذكره المؤرخ اللبناني مروان بحيري في مطلع القرن، أن المجلة نصف الشهرية «أسئلة ديبلوماسية واستعمارية» colonials et Questions diplomatiques (15 أيار 1901) نظّمت ندوة حوارية لدراسة  التطلعات الإسلامية في القرن المقبل. قال المتحدّث باسم عدد من علماء الغرب الممثلين، المستشرق البارز بارون كارا دوفوBaron Carra de Vaux، إن توقعات التغير التقدمي بين المسلمين، باستثناء فارس بروحها «الآرية»، هي في حدها الأدنى. وإن «الإسلام اليوم مدحور»، ثم تابع مؤكّداً، «إن انحلاله السياسي أمر حتمي... وأما فيما يتعلق بالمصير الزمني للإسلام، فإن الإسلام بوصفه ديناً انتهى». ومن أجل درء أي خطر قد تشكله الإسلامية الشاملة أسدى نصيحته الآتية: نحن لا نحتاج إلا لتحريض بعض المسلمين على بعض من خلال تشجيع البدع الإسلامية والمنظومات الصوفية في وجه التيار السائد واستخدام القومية لبث الفرقة بين المجموعات الإثنية الإسلامية المختلفة.
عُدَّ الإسلام والمجتمعات الإسلامية هم «الآخرين» أو الجانب الآخر أوالطرف المقابل للعقل. وهكذا عُدَّ الإسلام والحداثة ظاهرتين متنافرتين. وعليه، فإن تحديث البلدان الإسلامية لم يكن ممكناً من دون القضاء على الإسلام أو«تدميره» بوصفه ديناً وأيديولوجيا ومبادئ سياسية. لقد كان الغرب موطن الحداثة وكان له رسالة نبوية لتغيير العالم بناء على خطة رسمها مفكرون غربيون، وعلماء اجتماع، وبالطبع القوى العظمى العسكرية الغربية. وكما يعبّر عزيز العظمة؛ كان الغرب هوالنموذج، وفي المقابل كان الشرق وما زال مختزلاً بـ«الصورة المرآتية للغرب»، هكذا عُرّف وشُوّه. 
زد على ذلك، أن صلة «الشرق» الوثيقة بالإسلام أدّت، تبعاً لهذا، إلى إيجاد «عالم إسلامي» متخيّل ذي خصائص عامة محددة، وهو بالطبع يختلف جوهرياً عن الغرب. إن الجزء الأكبر من العالم المليء بالخلافات الاقتصادية الاجتماعية والثقافية موجود تحت المظلة الدينية. فالإسلام دين، وهوكغيره من الأديان، يرتبط إلى حد كبير بالتفسيرات اللاهوتية من جهة، وبالاندماج الاجتماعي من جهة أخرى. وقد مر الإسلام خلال أكثر من ألف وأربعمائة عام من وجوده بعدد من التحولات اللاهوتية والاجتماعية. وانتشار الدين الإسلامي إلى مناطق نائية ذات أنظمة ثقافية ـ اجتماعية مختلفة في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا أجبر الفاتحين وعلماء الكلام المسلمين على تكييف أنفسهم وتكييف الإسلام مع تقاليد المجتمعات الجديدة والتاريخ والأنظمة المؤسساتية. وقد ساعد التكيف المتبادل بين الإسلام والمجتمعات الحديثة على خلق مجتمعات مختلفة جداً فكان البعد الإسلامي واحداً من الخصائص العديدة التي فصلت كل مجتمع «إسلامي» عن غيره من المجتمعات الإسلامية. لكن كيف يمكن للمرء أن يقارن إيران الإسلامية، وشبه الجزيرة العربية، وإسبانيا ويرى تلك المناطق مكونات واحدة لـ"عالم إسلامي»؟ لا يحتاج المرء لمقارنة تلك المناطق النائية كي يفهم الفوارق العديدة بين هذه البلدان. فالمقارنة البسيطة لبلدان يتاخم بعضها بعضاً، مثل إيران وتركيا وأفغانستان، توفر لنا سبباً كافياً للتشكيك بالنظام المتخيل لـ»العالم الإسلامي». بالإضافة إلى أن الفوارق الداخلية، مثل الحضري / البدوي، العامي / النخبوي، والمجموعات الإثنية والدينية المختلفة، والفئات الاجتماعية والاجتماعية - الاقتصادية المختلفة، في البلدان الإسلامية تجعل المفهوم أكثر إشكالية. كان إنكار هذه الاختلافات الداخلية والخارجية جزءاً من محاولات المستشرقين الغربيين ومحاولات علماء الاجتماع «المتحررة من القيم»  لتصوير أن المسلمين هم «الآخرون» الذين يبلورون «التخلّف»، و«التراثي»، و«الفشل»، واللاعقلاني» إلخ.
«العالم الإسلامي» بموزاة الشرق المثير للجدل و«الصورة المرآتية للغرب» لا ينتمون إلى ماضي «العالم الغربي» الحديث. الشرق بوصفه «الآخرين» هوجزء لا يمكن أن ينفصل عن فهم الغرب ذاتَه. وعملية إعادة بناء «الشرق» وإحيائه بوصفه المكان لفئة «الآخرين» عملية حداثية بامتياز وهي تحصل خارج وعينا. وهناك عاملان يحافظان على بقاء هذه العملية حية: الأول هو المستشرقون الغربيون (من بينهم مجموعة من علماء الاجتماع) والمجموعة الثانية موجودة في البلدان الإسلامية وهي ذات توجه غربي، ومتأثرة بالغرب وتحمل ثقافة غربية (من بينهم مجموعة من علماء الاجتماع). المجموعة الأولى تتابع جهودها بفاعلية كبيرة بمساعدة وسائل الاتصال الجديدة وصناعة الترفيه الجماهيرية. فالمستشرقون القدامى والجدد يحصلون على المساعدة عبر الإنترنت، وCNN،
وS، وBBC، ووسائل إعلامية أخرى، وهوليوود وغيرها من وسائل التواصل الجماهيرية لإعادة كتابة التاريخ، وتغيير الوقائع وإعادة إنتاج الأشخاص «الشرقيين» الشريرين. لا ضرورة للخوض في نقاش حول «رد فعل المجتمع الدولي ضد العراق و«رد فعله» على الفلسطينيين والصورة التي تعرض عن صدام وعرفات الشرقيين المستبدين، و«إسرائيل الديموقراطية». لكن المشاركة في استشراق «الشرق»، ليست محصورة بما يسمى وكالات جديدة «جدية» فقط، بل لصناعة الترفيه أيضاً تكون مسهمة فاعلة. فثمة  عدد هائل من الأفلام، والبرامج التلفزيونية، والكتب الشعبية التي تشارك بفاعلية في إعادة إنتاج صورة الأشخاص الشرقيين الأشرار وفرضهم. وإذا أهملنا ذكر العديد من المسلسلات والمقابلات التلفزيونية، وتحدثنا عن صناعة الأفلام الهوليوودية خلال السنوات العشرين الماضية فقط، نجد أنها زادت من إنتاجها للأفلام التي شاركت مباشرة في فرض الأحكام المسبقة حول أشخاص «الشرق» الأشرار، ورسم الصورة النقية للغربي الصالح والأشخاص الأميركيين على نحوالخصوص. يضرب ساردر Sardar مثالاً توضيحياً من تلك الأفلام:
نجد في فيلم علاء الدين (1970) «أن القدرة الكونية الفائقة» لعفريت الجن تحتاج للتدجين والجلب لخدمة أميركا. قد يكون علاء الدين أكثر شخصيات الرسوم المتحركة في عالم دزني عنفاً. في بداية الفيلم، بطلنا هوعلاء الدين، عبد الله، لكنه في نهاية القصة، وبعد إدراكه الحقيقةَ والجمال، يقول، «نادوني آل فحسب». الشيء الوحيد الذي يميز علاء الدين من أي شاب قوقازي غرب أوسطي عادي هو لون بشرته المائل إلى السمرة. الفيلم مشبع بالاستشراق، فالأشخاص الصالحون حليقو الذقون، أما الأشخاص الشريرون فلحاهم طويلة ولهم خصائص مدنية أخرى ترتبط نمطياً بالشرقيين، كالطرقات المزروعة بمقايضين فقراء من العرب والهنود، و«شبه الجزيرة العربية» هي أرض الغرباء. يصور الفيلم النساء على أنهن مثيرات، راقصات، يرتدين زي الحريم القصير. وعلى الرغم من  أن عفريت الجن محبوس في العالم العربي، فإنه لا يعرف غير الثقافة الغربية، ويغنّي بكل الحقد الاستشراقي الموروث:
أتيت من بلاد، في مكان بعيد، تجول فيه قوافل الجمال
حيث يقطعون أذنيك إذا كرهوا وجهك؛
هذا توحّش، لكن انتبه، إنها بلادي
تتبنّى الأفلام، والتلفاز، والمذياع، والصحف، واليوميات، مواقف سلبية من المسلمين، وهي مسؤولة إلى حد كبير عن تبنّيها الاستشراق وبث التعصّب ضد المسلمين. الاستشراق موجود في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمعات الغربية كلها، إنه نتاج لأنظمة ثقافية اجتماعية ومؤسساتية، بتعبير آخر، ليس لدينا استشراق، بل نحن نعيشه.
العنصرية الثقافية
منذ هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، بدا أن العنصرية البيولوجية اختفت إلى حد كبير من الحياة العامة والميدان العلمي لصالح الجوهرية الثقافية المتنامية التي كان لها دور ريادي في تصنيف الناس إلى «مجاميع ثقافية» مختلفة ومجتمعات قومية. بنى علماء الاجتماع وبشكل خاص الأنثروبولوجيون والأثنولوجيون كيانات خيالية ومجردة، وأظهروا المجتمعات المختلفة بصورة أنظمة ثقافية متجانسة. الثقافة المنفردة لا يمكن أن توجد، وكما يذكر توملنسون (Tomlinson1999)، لا يوجد ثقافة منفردة، بل ثقافات. إذا كان اختزال تركيب المجتمعات القومية – بوصفها تراثاً لـ"سوسيولوجيا الاحتواء»– إلى ثقافات قومية منفردة  واحتواء المجموعات الاقتصادية الاجتماعية المختلفة والإثنية بثقافة، خطأ فادحاً،  فإن الخطأ الأكثر فداحة هواختزال مفهوم الثقافة إلى غربي، أوشرقي، أومشرقي خالص. لقد ارتكز الفهم الغربي للفلسفة اليونانية على الترجمات والشروحات الإسلامية للفلسفة اليونانية، وذلك لأن « فلسفة أرسطو، التي شكلت الإطار المسيحي الأكبر للصياغة الفلسفية للمعتقدات المسيحية، نقلت عن طريق علماء مسلمين – ابن رشد، ابن سينا، الكندي، الرازي. وبالتالي كان هذا مجالاً للتجربة المشتركة وللتطور التاريخي الذي ارتبطت فيه ثقافة القرون الوسطى المسيحية بالإسلام Turner، 1994 ) :46). وانتقد أيضاً من يرون أن الإسلام هوالوسيط الوحيد بين الثقافة اليونانية والثقافة المسيحية. لم يكن تأثير الإسلام كبيراً في الثقافة المسيحية فحسب، بل أثر في المسيحيين الغربيين العلمانيين الذين استخدموا الإسلام في نقدهم المسيحية اللاعقلانية. زد على هذا، أمراً قد يكون أكثر أهمية، وهوأنه لا يوجد مجتمع يختلف جوهرياً عن غيره. وهذه حقيقة أنكرها الغربيون والمستشرقون القوميون الذين حاولوا لقرون أن يميزوا على المستوى النظري بين «الغرب والباقين»، والنسبيون الثقافيون الذين حاولوا على حد سواء إزالة الفوارق الثقافية الأساسية بين البلدان والمجتمعات المختلفة. تعود مشكلة النسبية الثقافية إلى الفيلسوفين اليونانيين، هيرودوس وأرسطو اللذين تعرّضا لحقيقة أن «النار تحرق في فارس وهلاس، لكن أفكار الإنسان عن الحق والباطل تختلف من مكان إلى آخر.»
الجوهرية الثقافية ليست تجريداً فقط، بل هي جزء من الحياة اليومية للعديد من البلدان الغربية. إن اعتبار «أنفسنا» أفراداً حداثيين ونتاجاً اجتماعياً لثقافة حداثية عالية من جهة، ورؤية غير الغربيين أو«الآخرين» مختلفين كلياً وأنهم نتاج ثقافات دونية من جهة أخرى، هو فهم شائع تمت مأسسته في الأنظمة التعليمية والقضائية والسياسية والبيروقراطية في عدد من البلدان الأوروبية. وبات هذا واضحاً إزاء ازدياد التباين الناتج، جزئياً، من الهجرة من البلدان غير الغربية إلى أوروبا حيث يواجه عدد من البلدان الأوروبية تزايداً في الهجرة وازدياداً في المطالبة من مهاجري الجيلين الأول والثاني بالمشاركة في الحياة الثقافية والاقتصادية الاجتماعية لهذه البلدان. غير أن المواقف التقليدية السلبية تجاه «الآخر»، وبشكل خاص تجاه مسلمي أوروبا، تتجلى من خلال تمييز وعنصرية قد تكون ظاهرة أوباطنة في سوق العمل الأوروبية، والمدارس، والنظام القضائي، ووسائل الإعلام الجماهيرية، وفي دوائر أخرى من الحياة الاجتماعية.
بالإضافة إلى المجموعات اليمينية المتطرفة وأحزاب البلدان الأوروبية، ما زالت الثقافة العنصرية تنتشر من خلال مجموعتين ناشطتين من العملاء:
1 - مجموعة الموظفين الحكوميين والبلديين.
2 - مجموعة المهاجرين «الأكفياء ثقافياً» المنتخبين ذاتياً.
يظهر التراث الاستشراقي والتفوق الغربي على جميع الثقافات المعترف بها قانوناً والممأسس، في السياسات الحكومية والمجتمعية، من أجل دمج مجموعات المهاجرين في المجتمعات المضيفة. فالسائد  فرضية أنـ"هم» مختلفون وأنهم المقابل الثقافي لـ"نا». «أن تعرف يعني أن تُخضِع» وبالتالي، «نحن» يجب أن نفهم «هم» لكي نكون قادرين على تغييرهم وأن نكيّفهم مع مجتمعاتنا. فنحن نعرف مسبقاً أنهم مختلفون وغريبون، لأنهم يأتون من «الشرق». إنهم الأفراد الذين يمكن تعريفهم من خلال ثقافتهم الغريبة والمنحرفة. فجميع الآتين من البلدان الإسلامية يملكون «الشيفرة الأخلاقية» نفسها ويعتمدون «الطريقة في الفعل» نفسها. إنهم مسلمون، وبالتالي، كليانيون/ شموليون، ذكوريون، معادون للحداثة وبالتالي معادون للغرب. يمكن أن يقتلوا لحفظ الشرف دفاعاً عن عائلاتهم، وهم يغتصبون الفتيات والنساء الأوروبيات لأنهن غير مسلمات. إنهم طابور خامس من البلدان الإسلامية في أوروبا وبالتالي، يجب مراقبتهم لدرء الخطر الذي يشكلونه جرّاء تجسسهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
الإعلام الجماهيري لعدد من الدول الغربية مليء بالصور المتحاملة على المسلمين. إن الإحباط الذي يعانيه كثير من المهاجرين المسلمين المهمشين، والتمييز الحاد ضدهم في عدد من البلدان الأوروبية وطرق اعتبارهم على المستوى المؤسسي «الآخر» يدفع بعضهم للذهاب إلى المساجد والدوائر الدينية كتعويض عن أزمة الهوية والحاجة للانتماء. وهذا ما يستعمله عدد من الدول الأوروبية ووسائل الإعلام الجماهيرية دليلاً على الاختلاف عن «القيم» والمثل الأوروبية والعداء لها.
يستعمل تاريخ «جرائم الشرف» في السويد، الذي بات نموذجاً ممأسساً عن صورة «الرجل الشرقي» مثلاً للتوضيح. فحين نشرت وسائل الإعلام الجماهيرية خبراً عن رجل كردي خطط لقتل ابنته بعد أن اتهمها بأنها صارت «سويدية»، وأنها دنست شرف والدها. بات هذا الخبر أكثر أهمية من أي خبر محلي وعالمي في وسائل الإعلام السويدية، وتمّت تغطية التحقيقات والمحاكمة بتفاصيلها كلها في وسائل الإعلام العامة. ونظراً لأهمية الموضوع، يناقش الممثلون عن الحكومة، والأحزاب السياسية المختلفة، والخبراء، «مشكلة» المهاجرين ويسعون للحوار والتعاون مع روابط المهاجرين لتطبيق سياسات وقائية وتغيير هذه الخاصية الثقافية التراثية لـ"ثقافات المهاجرين». هذا بالطبع يشغل الطبقة الثانية من العملاء الذين يجنون منافع اقتصادية من تعريف المهاجرين بأنهم «كيانات ثقافية منحرفة» لا يمكن أن يفهمها إلا أشخاص «أكفياء ثقافياً» من الثقافة نفسها. ثم يشكلون حلفاً ثقافيا لتغيير ثقافات المهاجرين. على الرغم من  أن هذا الرجل الكردي قادم من مناطق قروية في جنوب شرق تركيا، ويمكن أن يعاني نس مشاكل التكيّف في أنقرة أو إسطنبول نفسها، فإنه يصبح رمزاً «للإنسان الشرقي».
إن إقصاء «الآخرين»، سواء أكانوا مسلمين أم مهاجرين من بلدان غير إسلامية، هوجزء من الحياة الاجتماعية اليومية والمشهد العام في عدد من البلدان الأوروبية. فالأشخاص المتحدرون من خلفيات مهاجرة بشكل عام، والمسلمون بشكل خاص، مصنفون مؤسساتياً تحت عنوان «كائنات ثقافية» تنتمي لثقافات تقليدية متدنية المستوى. غير أن «الكائنات الثقافية» منقسمة إلى فئتين: بوابين وضحايا. المجموعة الأولى تتألف من المهاجرين الذكور، الذين هم ذكوريون، عدائيون، هجوميون، غير منسجمين مع المجتمعات الغربية الإنسانية الحديثة. ومن جهة أخرى تعدّ النساء والفتيات المهاجرات، «ضحايا فقراء» للثقافات التقليدية أجبرن على العيش ضمن هذه الثقافات، وتتم معاملتهن على هذا الأساس.  
إن تصنيف المجموعات الاجتماعية ذات الخلفيات المهاجرة التي تعيش في بلدان أوروبا الغربية الراهنة ـ حتى أولئك المولودون في تلك البلدان ـ وتعميم توصيفهم بـ «الآخرين» والمختلفين هوتعزيز للإحساس الذي يميز «نحن» من «هم» ويضع العوائق أمام الجماعات المهاجرة من المشاركة الديموقراطية في جميع جوانب الحياة الاجتماعية. ففـ"هم" صنف له خصوصيته، في إحصاءات حول الجريمة مثلاً، يبدو كما لوكان لـ «خلفياتهم المهاجرة» علاقة بالأفعال الإجرامية. فالمناطق السكنية المعزولة من المدن الأوروبية الكبرى مكتظة بالأفراد والعائلات ذات الخلفيات المهاجرة. لكن التهميش والعزل الذي يطال المهاجرين ليس محصوراً بالمستوى السكني فقط، بل يطال المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن جهة أخرى، إن تجميع الناس الذين يعدّون «آخرين» ومأسستهم بوصفهم آخرين ووصفهم بالمجموعات التي لا تنتمي إلى المجتمع الأوروبي، يجبر كثيراً من المجموعات المهاجرة على قبول غيريتهم وجعلها جزءاً من هويتهم. وفي النتيجة، إن الاستشراق الممأسس والإنتاج الثقافي الاجتماعي لـ"الآخرين" من خلال الأنظمة التعليمية والقضائية والسياسية في البلدان الأوروبية لا يسام فقط في الإقصاء المضاعف «للآخرين»، بل يعزز العنصرية والإسلاموفوبيا.
التمييز الممأسس والإسلاموفوبيا
ليس الاستشراق مجرّد مسألة تحليل للخطاب، بل يجب دراسته في سياق أوسع بكثير من الدائرة الفكرية للمجتمعات الأوروبية. هناك عدد من المؤسسات الأوروبية، كالمؤسسات التعليمية، والقضاء، والحكومات تشارك إلى حد كبير في عملية إنتاج تصوّر الآخرين وفي استراتيجيات نزع قوتـ"هم" واستبعاد"هم". فتزايد الفصل العنصري، والعنصرية المكانية والثقافية والمفتوحة، توحي بمشكلات التمييز والإقصاء من جانب المؤسسات الأوروبية.
جرت العادة على اعتبار السويد، كما قال أولوف بالم  Olof Palme في إحدى خطاباته في بداية الثمانينات من القرن العشرين،  «قلعة التسامح» ويُراد لها أن تفهم بأنها كذلك. وتُعرف السويد بأنها بلد يتمتع بالرفاه الاجتماعي، لكن هذه الصورة للسويد مبالغ فيها جداً، فأمام هذا المستوى المرتفع والمستمر من العنصرية ومن فصل المهاجرين، تبدو غير واقعية.
تفسّر الأمثلة الآتية كيف تنجح العنصرية الثقافية في المؤسسات المختلفة:
  المدارس:
تؤثر العنصرية الثقافية بأكثر من طريقة في المدارس السويدية. لا حاجة للدخول في المناقشة المهمة الأخرى حول المدارس التي يتم تطويرها في السويد وتقسيمها إلى مدارس من المستوى ـ أ ومدارس من المستوى ـ ب، حيث يسيطر التلاميذ من خلفية سويدية على المدارس (أ) ذات المواصفات العالية نسبياً، في حين يتم تجميع التلاميذ المتحدّرين من عائلات مهاجرة في المدارس (ب). هذا فصل إضافي خطير يعزز العنصرية في المجتمع السويدي.
الكتب المدرسية:
إن الكتب المدرسية في التاريخ، والعلوم الاجتماعية، والأدب، والدين ذات توجّهات إثنية وأوروبية على نحو مبالغ فيه.  وتعدّ كتب تاريخ العالم من أهم الأمثلة على ذلك. فوفقاً لكتب تاريخ العالم السويدية، يبدأ تاريخ العالم بمجمله في اليونان وينتهي في السويد. يمكن أن نجد محاولة جادّة لـ (إعادة) تشكيل هوية أوروبية للسويديين، تستثني تلقائياً الحضارات الأخرى كلها من تاريخ العالم. فمثلاً، يمكن أن نجد في كتب التاريخ عدداً قليلاً من السطور التي تذكر الحروب بين اليونان وبلاد فارس. لكن طريقة الحديث عن الحروب وعن الإمبراطورية الفارسية توصيفية جداً. فحين نقرأ عن انتصارات الفرس في الحروب التي خاضوها ضد اليونانيين، نجد: «دخل الفرس اليونان بالقوة»، وعلى العكس، فمثلاً حين نقرأ عن نجاح الإسكندر في هزيمة الفرس نجد أن: «اليونانيين انتصروا في الحرب وفتحوا بلاد فارس». هذا بالإضافة إلى الإغفال التام للتراث الفارسي، باستثناء القول إنهم «كانوا شعباً محارباً» يعيش في منطقة جغرافية بين سلسلتي جبال. أما في كتاب الدين الذي تعتمده الثانويات السويدية، فيمكن مثلاً أن نقرأ عن الإسلام أيضاً بوصفه ديناً محارباً (وهذا يعيد إلى الذاكرة فهم فيبر للإسلام)، ونقرأ تعريفاً للجهاد بأنه «حروب المسلمين ضد غير المسلمين» وفي هذا إشارة إلى أن غير المسلمين يشملون المسيحيين واليهود والزرداشتيين. ونحن نعرف أن هذا التعريف يستفز المسلمين وهو غير واقعي (الجهاد ضد «الكفار» وليس ضد غير المسلمين). بالإضافة إلى أننا يمكن أن نجد في الكتاب كثيراً من الثناء على الأخلاق المسيحية، التي كانت بالطبع دائما مقارنة إنسانية بالإسلام وأديان أخرى.
المعلّمون:
للمعلمين الذين يدرّسون في المدارس السويدية خلفية سويدية تماماً تقريباً، فإنهم تدرّبوا في مدارس سويدية وهم أنفسهم تعلموا في مدارس سويدية، فقد تم إقناعهم بأن السويد جزء من أوروبا، العالم العقلاني والحديث، أما الآخرون جميعهم، والمسلمون بشكل خاص، فتقليديون، لا عقليون ومختلفون تماماً «عنا». الاقتباسات التالية هي أمثلة أخذت من مقابلات أجريتها مع تلاميذ مهاجرين حول تجربتهم في المدارس السويدية: أحمد في الرابعة عشر يقول: يعتقد أستاذي السيء أنني عالِم (قائد ديني مسلم متعلم) أعرف كل شيء عن الإسلام. فلمجرد أنني مسلم، أو لأن أهلي مسلمون، عليَّ أن أعرف كل شيء حول الإسلام. هل تستطيع يا أحمد، أنت المسلم، أن تكتب شيئاً عن الإسلام وتعرّفنا به. لقد كان هذا  مذلاً.» مثال آخر هو غولام ابن السادسة عشرة، «في أحد الأيام، قالت (معلمته) ما شعورك بوصفك مسلماً في السويد،  أليس ذلك صعباً، أعني أنكم مختلفون جداً، لديكم عادات وقيم مختلفة، ولا أعرف ماذا أيضاً/... / أردت أن أقتل المرأة السيئة، ثم قالت لماذا لا تأتي إلى صفوفي، أخبرت إدارة المدرسة وهم أخبروا أهلي». أمّا أشرف فهي فتاة في السابعة عشرة، من إيران: «تعرفون أني لم أرد إيذاء أفراد عائلتي من خلال إخبارهم ماذا كانت تعتقد المعلمة عنهم وعن غيرهم من «المسلمين». وسيمال ابنة الثامنة عشرة، «دائماً حين كان أستاذي يتحدث عن أناس من البلدان الأخرى، مهاجرين، وحتى حين كان يتحدث عن المجرمين، كان ينظر إليّ وإلى التلاميذ المهاجرين الآخرين».

مشرفو المدارس:  
يوجد في المدارس السويدية موظف اجتماعي يسمى «المشرف»، وظيفته مساعدة التلاميذ في مسائل مختلفة، كالمشكلات الشخصية، والصحة النفسية للتلميذ، وفي بعض الحالات التعاون مع السلطات البلدية حين يكون «تطور التلميذ وصحته في خطر»، كما ينص قانون الضمان الاجتماعي. وفي الكثير من الحالات يتحوّل المشرف إلى شخص يشكو التلاميذ المهاجرين بشكل متكرر إلى السلطات البلدية. وما يحصل في الغالب هو أن التواصل بين المدرسة والعائلات المهاجرة لا يحل المشكلة ويتحول إلى نزاع. فالمدارس ككثير من المؤسسات التي تضم عائلات مهاجرة، تجرد الأهل المهاجرين  بسرعة من أهليتهم للتربية الملائمة وتنزع عنهم صفة «الأهل الحقيقيين». وقد ناقشت في مكان آخر (1977) كيف أن الناشطين الاجتماعيين يعدّون الأهل المهاجرين عاجزين «عن القيام بدورهم بوصفهم أهلاً» في السويد. وكانت معظم الملفات المتعلقة بمشكلات التلاميذ المهاجرين، المفتوحة في عدد من البلديات السويدية «تبدأ برسالة من مرشدي المدرسة (المستشارون الاجتماعيون).

السلطات الاجتماعية:
ثمة مؤسسة أخرى متورطة في التمييز ضد المهاجرين وعزلهم عن المجتمع السويدي العام وفي تعزيز العنصرية الثقافية تتمثل بالسلطات الاجتماعية (العمل الاجتماعي، المساعدات الاجتماعية إلخ.). غير أن التعليم التقليدي وفي كثير من الحالات التعليم الموجّه إثنياً يجعل كثيراً من المرشدين الاجتماعيين غير مؤهلين للتعامل مع العائلات المهاجرة. إذ يرى العاملون الاجتماعيون أن العائلات المهاجرة «منحرفين ثقافياً» وأنهم بحاجة «لمساعدة» من السلطات الاجتماعية. فكثير من المهاجرين الذين يعيشون في مناطق معزولة هم «زبائن» دائمون للمكاتب الاجتماعية وهم إما معتمدون على «المساعدات الاجتماعية» من «أقسام المعونات الاجتماعية» الموجود في البلديات أوزبائن لـ «قسم المشكلات العائلية». تبيّن الأمثلة الآتية كيف تميّز السلطات الاجتماعية ضد المهاجرين:
«اتصلت امرأة سويدية بالسلطات الاجتماعية متهمة زوجها المتحدر من أصول تركية بالتخطيط لخطف أطفالهما والمغادرة بهم إلى تركيا. قالت إن الأطفال «خائفون ولا يريدون لقاء والدهم». أرسلت السلطات الاجتماعية الأولاد إلى معالج نفسي وطلبت «تحقيقاً جذرياً حول الصحة النفسية والجسدية للأولاد.» وعلى الرغم من إرسال الطبيب رسالة للسلطات الاجتماعية تقول إن «الأولاد طبيعيون ولا يوجد أي إشارة إلى أي اعتداء جسدي أونفسي» فإن السلطات الاجتماعية واصلت اتصالها مع المرأة والأولاد من دون أي تواصل مع الأب. يمكن أن نقرأ في الملف الحكم الآتي على الزوج: «رجل تقليدي متدين من تركيا يهدد زوجته وأولاده مرات متعددة ويسيء معاملتهم. /.../ ويخطط لخطف الأولاد والذهاب بهم إلى تركيا.» هذا الحكم مرتكز تماماً على ما قالته المرأة السويدية للسلطات الاجتماعية وقد تم قبوله على أنه حقيقة. بعد ذلك تتصل السلطات الاجتماعية بالشرطة وتسأل «ما الذي يمكننا فعله لترحيل الرجل من السويد ومنعه من العودة إليها.» على الرغم من  أن الرجل مواطن سويدي. تجيب الشرطة: «الآن لا يمكننا فعل أي شيء قانوني، لكن دعينا نأمل أن يقوم الرجل بخطوة غبية، حينئذٍ قد نستطيع ترحيله». بعد سنتين تطلّق الزوجان، يعيش الرجل في السويد ويلتقي أولاده، ويسافرون معه إلى تركيا كما كانوا في السويد. تلّقت المرأة مزيداً من المساعدة من السلطات الاجتماعية، منها معونات السفر، ومساعدات اجتماعية، ومساعدة في الحصول على شقة كبيرة، لكن الرجل أرغم على العيش في بيت متنقل قبل أن يستطيع إيجاد شقة بمساعدة أصدقائه.

وسائل الإعلام العامّة:   
تعدّ وسائل الإعلام من أهم العوامل المؤثرة في إنتاج صورة الآخرين بوصفهم مختلفين تماماً ومنحرفين. فوسائل الإعلام السويدية متورطة يومياً بالتمييز ضد المهاجرين وإقصائهم. يتحدث التلفاز والمذياع والصحف الكبرى يومياً عن الجرائم التي يقترفها المهاجرون، والمشكلات المتصلة بالمهاجرين، والفوارق الثقافية، وعن المهاجرين الذين يرغمون بناتهم على الزواج من الرجل الذي تختاره العائلة، وغيرها من المسائل. وفيما يأتي بعض الأمثلة: 
1.  داغنز نايهتر  Dagens Nyheter: (الأخبار اليومية)، هي واحدة من أكثر الصحف تأثيراً في السويد، تنقل هذه الصحيفة في الغالب أخباراً عن جرائم ارتكبها رجل «ذوخلفية مهاجرة» أوبالاصطلاح الأكثر تطوراً «مواطن سويدي» كإشارة إلى أن الجاني ليس «سويدياً حقيقياً». غير أن المهم هو أن داغنر نايهتر تضمّ قسمين يحملان عنواني Insidan (الداخل) وKultur (الثقافة). تحدث قسم الثقافة ولمدة زمنية طويلة عن «كتّاب مهاجرين»، و«منتجي أفلام مهاجرين» و«نساء مهاجرات حررن أنفسهن من قيود التراث.» والجدل حول «جرائم الشرف» وغير ذلك. والمحرر المسؤول عن القسم هو لجنة سلمان رشدي التي تدافع عن «العالم الحر»  من «التخلف الديني»  و«الأصولية». لقد استخدمت قضية سلمان رشدي في السويد كما في بلدان أخرى، مثل إنكلترا وسيلةً للإقصاء والتهميش  من أجل تعزيز التعصب ضد المهاجرين. أما قسم الداخل من جريدة داغنز ناهتر فإنه يمثل أحد أكبر الأمثلة على العنصرية الثقافية في وسائل الإعلام السويدية. وهذا القسم يناقش باستمرار الأسباب الثقافية التي تقف خلف الإجرام عند الشبان المهاجرين. كانت أكثر مراحل القسم ظلاماً خلال العام 2000 عندما تم توقيف مجموعة من الشبان المتحدرين من أسر مهاجرة واتهموا باغتصاب فتاة سويدية في الرابعة عشرة. كان القسم الداخلي من صحيفة داغنز ناهتر العامل الأكثر فاعلية في إنتاج التقارير الصحفية، ومقابلة الشبان المهاجرين وأهلهم وتقديمهم بصورة من «يكرهون المجتمع السويدي ويصبّون جام غضبهم على السويد». طبعاً لقد استعمل قسم الداخل عملاء مهاجرين «مؤهلين ثقافياً»، يجنون المال من «مشكلات المهاجرين» و«إجرام المهاجرين» لإبراز الأسباب الثقافية خلف إجرام المهاجرين. وأطلق على هؤلاء المشعوذين اسم «خبراء بالمهاجرين».
2. التلفزيون السويدي: تشارك قنوات التلفزيون السويدي صحيفة د. ن. في الموقف نفسه تجاه المهاجرين تقريباً، وتبث أخبار الجرائم التي يرتكبها المهاجرون في غالب الأحيان. وعليه فقد عرضت برامج عن الإسلام والمسلمين في السويد، مثل  Reprterarna (مراسلون) الذي حاول فيه المراسل أن يبيّن «كيف منع الرجل العربي المسلم ابنته من الذهاب إلى نادي الرقص، لأن ذهابها سيضر بشرف العائلة». وقد ظهر في أحد المشاهد: أحد المراسلين يسأل فتاة في السابعة عشرة: «ما الذي يمكن أن يقوله والدك إذا ذهبتِ إلى ملهى الرقص؟» فتجيب الفتاة: «لا أحب الذهاب إلى ملهى الرقص». ثم يكرر السؤال قائلاً: «افرضي أنك ذهبت إلى ملهى الرقص، فماذا سيكون ردة فعل والدك؟» تكرر الفتاة جوابها، فيكرر المراسل سؤاله بصيغة مختلفة ويرغم الفتاة على الإجابة عن سؤاله.  تجيب الفتاة: «لا أعتقد بأنه سيكون سعيداً.» المراسل الذي يعتقد أنه حصل على إقرار من الفتاة يتوجّه إلى الكاميرا، وينظر بثقة في عيون المشاهدين الذين يشاهدون التلفاز قائلاً: «الرجل العربي المسلم لا يحب أن تذهب ابنته إلى ملهى الرقص، لأن هذا يضر بشرف العائلة.» ثمة مثال آخر وهو التقرير عن تدمير تمثال بوذا في أفغانستان. فقد أُعلن في البرامج الإخبارية كلها أن طالبان دمرت التماثيل «لأنها ضد الإسلام». على الرغم من  أن الجميع يعرفون أن هناك كثيراً من التماثيل في البلدان الإسلامية الأخرى، التي جرت العادة على تسميتها بالأصولية، مثل إيران، حيث تعتبر التماثيل كنوزاً تاريخية لا يجوز تدميرها.
3. الراديوالسويدي: أجرى عدد من البرامج الإذاعية مجموعة من المقابلات: مثلاً الفتاة المهاجرة، التي أخفت نفسها عن عائلتها لأنها «أصبحت سويدية» ولأنها لا تريد أن تعيش وفقاً «لتقليد عائلتها ودينها».
يُصوّرالمسلمون في الإعلام السويدي بطريقتين مختلفتين: تبيّن الصحف والقنوات التلفزيونية السويدية أن المسلمين الموجودين خارج السويد عدوانيون، وأنهم مسلحون في الغالب، ورجال مجتمعون يصرخون الله أكبر، بينما يصورون في السويد نساءً يرتدين غطاء الرأس الأسود الذي يرمز إلى المرأة المستغلّة من زوجها المسلم أوإلى الثقافة الذكورية. تتعزز هذه الصور يومياً حتى من خلال استعمال «خبراء» بالمهاجرين لمناقشة هذه «المشكلات» التي يواجهها المسلمون دولياً وفي السويد. وهذه مجرّد «خدع قذرة» تؤدّي إلى انتشار الإسلاموفوبيا.
لقد تمأسس الاستشراق وهويتعزز في الحياة اليومية لعدد من الدول الأوروبية. بيد أن الطريقة الجديدة لإنتاج المسلمين بوصفهم «الآخرين» وبوصفهم مجموعة غير متوافقة أساساً مع الحداثة، هي التي تضع أساس فكرة التعددية الثقافية الجديدة، التي باتت تعني، «إنهم يعيشون بيننا». إنهم مسلمون وبالطبع مختلفون جوهرياً «عنا»، و«نحن» بوصفنا دولاً ليبرالية أوديمقراطية اجتماعية مضطرون لقبول «الاختلاف» وعلينا مساعدتهم، إذا أمكن، في الحفاظ على «خصوصيتهم الثقافية». يتراءى لي أن الوجود المحض للمسلمين بوصفهم «الآخرين» بات جزءاً لا يتجزّأ من «الهوية الغربية». وبات في إمكانهم أن يؤدوا الدور نفسه الذي أدّاه «المجنون» للإنسان العاقل بالنسبة لأوروبا الراهنة في القرن التاسع عشر. وأخيراً، ما لم تتخذ تدابير جذرية «لضعضعة الممارسات المركزية والروابط السلطوية»، التي تعيد تأطير وسائل الإعلام الجماهيرية وتغييرها، والخطابات السائدة في السياسة والتعليم وقطاع الأعمال، وما لم يتغير التوجّه الأوروبي والاستشراق الممأسس والإسلاموفوبيا، فإننا لن نكون قادرين على مواجهة مشكلات العزل والإقصاء. لأن العنصرية الثقافية هي العامل الأساس في إقصاء «الآخرين» و(إعادة) إنتاج النازية من جديد ورهاب الأجانب في أوروبا.