البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

التكنولوجيا البيولوجية ، حيث يصبح الإنسان أدنى إلى شيءٍ غير ذي قيمة

الباحث :  رونالد كول تورنر - Ronald Cole-Turner
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  15
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 7 / 2019
عدد زيارات البحث :  1014
تحميل  ( 354.109 KB )
في هذه الدراسة، يعالج أستاذ علم اللاهوت والأخلاق الأميركي رونالد كول تورنر حقيقة التكنولوجيا البيولوجيّة المعاصرة، وكيفيّة تطورها واتساع مساحة تطبيقاتها، لتشمل النبات والحيوان ومن ثم الإنسان، وهو ما أدى إلى الاحتجاج من جانب المؤسسة اللاهوتيّة وإصدار مواقف نقديّةٍ حادةٍ إزاء إجراءات الاختبار الوراثي وما نجم عنه من تداعياتٍ. يركّز الباحث على أساسيات هذه التقنية مشيراً إلى مخاوف انهيار النوع البشري ذاته من خلال استعمال «التكنولوجيا البيولوجية ما بعد الجينومات» التي ستجعل البشر ينتمون إلى أكثر من نوعٍ واحدٍ من الأحياء. الأمر الذي قد تصبح الأجيال القادمة معه مجرّد منتجاتٍ تكنولوجيّةٍ فاقدةٍ لمقوّمات تأسيس مجتمعٍ بشريٍّ طبيعيٍّ. 

المحرّر

-------------------------------------
التكنولوجيا البيولوجية هي مجموعةٌ من التقنيات يقومُ من خلالها البشر بتعديل الكائنات الحيّة أو استخدامها كوسائلَ. توظِّفُ التكنولوجيا البيولوجية في هيئتها المعاصرة تقنيات بيولوجيا الجزيئيات، وذلك من أجل فهم عناصر البناء الأساسية للكائنات الحيّة والتحكُّم بها. في مرحلتها الأولى، تمّثلت التكنولوجيا البيولوجية في التناسل الانتقائي للنباتات والحيوانات من أجل تحسين قيمتها الغذائية وأعقب ذلك استخدام الخميرة لصناعة الخبز والخمر وماء الشعير.

بدأت هذه الأشكال الأولى من التكنولوجيا البيولوجية منذ نحو 10 آلاف عام، وترمزُ إلى الانتقال الثقافي البشري من مجموعاتٍ صغيرةٍ من الصيّادين وجامعي الثمار إلى مجتمعاتٍ كبيرةٍ ومستقرّةٍ تسكنُ في المدن والدول ما أدّى إلى نشوء الكتابة والتكنولوجيات الأخرى. من المشكوك فيه أن يكون علماء التكنولوجيا البيولوجية الأوائل قد فهموا آثار أعمالهم منذ البداية، وعليه فإنّ سبب إصرارهم على اتّباع التناسل الانتقائي عبر مئات الأجيال لتحصيل الفائدة الكبيرة على مستوى القيمة الغذائية يبقى لغزاً نوعاً ما.

ظهرت الأديان التاريخية العالمية في بيئة الزراعة والتكنولوجيا البيولوجية البدائية، وكما يتوقّع الفرد فإنّها تتآلف مع تلك البيئة (من الأمثلة على ذلك تأكيدها على الأعياد الزراعية). اعتبر الدين المسيحي أنّ الطبيعة بحدّ ذاتها تملكُ تاريخاً، حيث كانت الطبيعة في البداية جنّةً منظمةً بشكلٍ مثاليٍّ، إلاّ أنّه وبسبب قيام البشر برفض العيش ضمن حدودٍ معيّنةٍ لعنها خالقها أو قام بإخضاعها للفوضى. هذه اللعنة تجعل الطبيعة تاريخيةً، وفوضويّةً، ومتآلفةً مع حياة البشر ومعاديةً لها في الوقت نفسه، وقابلةً للتحسُّن عبر الجهد البشري. تقع هذه التأثيرات بشكلٍ خاصٍّ على الزراعة والولادة لكونهما مجالين محوريين في التكنولوجيا البيولوجية.

مع حلول زمن تشارلز داروين (1809-1882)، تأنّى مربّو الحيوانات والنباتات ونجحوا بشكلٍ عالٍ في تطبيق تقنيات التناسل الانتقائي لتحقيق نتائجَ محدّدةٍ ومقصودةٍ. انبنت نظريّة التطوُّر التابعة لداروين بشكلٍ جزئيٍّ على ملاحظته لقدرة مربّي الحيوانات على تعديل الأجناس، وقد ساهمت جهود المربّين بتوجيه أنظار داروين إلى تغيُّر الأجناس وحيويّتها وقابليّتها على التحوُّل. بإلهامٍ من نجاح التناسل الانتقائي المتعمَّد، طرح داروين نظريّة الانتقاء الطبيعي حيث تعمل الطبيعة من دون قصدٍ كمربٍّ بشريٍّ. تستعمل الطبيعة آلية الانتقاء البيئي التي تُفضِّل بعض الأفراد على غيرهم في عملية التناسل. بالطبع، أدّت نظرية الانتقاء الطبيعي إلى تحوّلٍ عميقٍ في الوعي البشري حول مرونة الحياة، وهذا بدوره دعّم التكنولوجيا البيولوجية المعاصرة ورؤيتها حول قابلية تحسين الحياة. على الرغم من أنّ الدين المسيحي قد تصارع مع الدلالات الأخرى للداروينيّة، إلا أنّه لم يعارض إمكانية أن يقوم البشر بتعديل الطبيعة وربما الطبيعة البشرية أيضاً.

ظهور التكنولوجيا البيولوجية المعاصرة

في القرن العشرين، وبالتزامن مع قيام علماء البيولوجيا بإصلاح طرح داروين واستكشاف علاقته مع علم الوراثة، قام مربّو النباتات من أمثال لوثر بوربانك (1849-1926) ونورمان بورلاغ (1914-2009) بإيصال التناسل الانتقائي إلى مستوياتٍ جديدةٍ من النجاح، حيث ازدادت نوعيّة وكميّة المحاصيل الزراعيّة بشكلٍ كبيرٍ. مع ذلك، فإنّ التقدُّم في أواخر القرن العشرين في مجال بيولوجيا الجزيئات والهندسة الوراثية هو الذي أرسى القاعدة التقنية للتكنولوجيا البيولوجية المعاصرة. أدّى اكتشاف وحدات المعلومات الوراثية –أي الجينات- داخل الخلايا في جُزيئيةٍ طويلةٍ اسمها الـDNA إلى فهم هذه البُنية وتقنية التحكُّم بها. لم تعد التكنولوجيا البيولوجية مقتصرةً على الجينات الموجودة في الطبيعة أو تلك التي يُمكن نقلها داخل أحد الأجناس عبر التناسل. وعليه، أصبح بإمكان المهندسين البيولوجيين نقل الجينات من جنسٍ إلى آخر أو من البكتيريا إلى البشر وتغييرها داخل الكائنات الحيّة.

لم يكن اكتشاف بُنية الـDNA في العام 1953 من قِبل فرانسيس كريك (المولود في العام 1916) وجيمز واتسُن (المولود في العام 1928) إلا إحدى الخطوات الأساسيّة في رواية بيولوجيا الجزيئيات. خلال عقدين، فتح هذا الاكتشاف المجال أمام معرفة ما يُسمّى بالأبجدية الجينية أو رمز الأسس الكيميائية التي تحمل المعلومات الوراثية، وفتَحَ الطريق أمام فهم العلاقة بين ذلك الرمز والبروتينات الناجمة عنه واكتساب القدرة على تعديل هذه البُنى والعمليات (الهندسة الوراثية).

شهد عقد الثمانينيات أولى الثديّيات المعدّلة وراثياً، أي المعدَّة لحمل جينةٍ من جنسٍ آخر ونقلها إلى ذريتها، بالإضافة إلى بروز التقدُّم الهام في القدرة على مضاعفة نُسَخ الـDNA (التفاعل المتسلسل للبوليميريز). بدأ المجهود الدولي المتمثِّل بـ”مشروع الجينوم البشري” في العام 1990 تقريباً من أجل تفصيل جميع معلومات الـDNA الموجودة في الخلايا البشرية، وقد أثار هذا المشروع تطوُّر المعلوماتية الحيوية أي استخدام الحواسيب القوية لحيازة المعلومات الوراثية وتخزينها ومشاركتها وفرزها.

وعليه، تمّ التعرُّف إلى التسلسل النمطي للـDNA البشري بشكلٍ تام (ونُشر في شباط 2001)، وعلاوةً على ذلك أصبح من الممكن تحديد الرمز المفصَّل لأيِّ جديلةٍ من الحمض النووي بسرعةٍ وبشكلٍ رخيصٍ، وهو تطوُّرٌ يُرجّح أن يكون له تطبيقاتٌ واسعةٌ في الطب والدائرة الأكبر من العلوم. تعتمدُ التكنولوجيا البيولوجية على علم الأجنّة والتكنولوجيا التناسليّة، وتُمثِّل سلسلةً من التقنيات التي يتمّ من خلالها دعم التناسل الحيواني أو تعديله. تمّ تطوير هذه التقنيات إلى حدٍّ كبيرٍ لغاياتٍ زراعيةٍ وتتضمن التلقيح الاصطناعي والتخصيب المختبري والوسائل الأخرى للتحكُّم بالأجنّة أو الخلايا التناسلية المنتِجة لها. في العام 1978، وُلد أوّل طفل أنبوبٍ، وما زالت تُضاف التقنيات الجديدة إلى عيادات الإنجاب لمساعدة النساء في الحمل.

لقيت هذه التطوُّرات معارضةَ العديد من علماء اللاهوت الأرثودوكس والكاثوليك وبعض البروتستانت (خصوصاً بول رامسي)، أما التعاليم التابعة للأديان الأخرى فقد قبلت عموماً بهذه التكنولوجيات. بالإضافة إلى ذلك، قام بعض العلماء المؤيِّدين لحقوق المرأة بتوجيه النقد للطبِّ الإنجابي على أنّه يُحقِّق رغبات الرجال على حساب النساء وصحّتهن. حينما يتمُّ تقدير الطب الإنجابي وفقاً لخصائصه الذاتية فإنّه يُثير المخاوف الجديدة في حال انضمامه مع أشكالٍ أخرى من التكنولوجيا البيولوجية كالاختبار الوراثي والهندسة الوراثية. في التسعينيات، اجتمع التخصيب المختبري مع الاختبار الوراثي ما سمح للأطبّاء بمعالجة الأزواج المعرّضين لخطر الأمراض الوراثية عبر توفير فرصة الحمل بعدّة أجنّة وفحصها للتأكُّد من خلوها من الأمراض قبل الزرع، ومن ثمّ زرع الأجنّة التي لا يُرجَّح لها أن تكتسب المرض. تُعرف هذه التقنية باسم «التشخيص السابق على الزرع» وتلقى قبول العديد من علماء الدين المسلمين واليهود والبروتستانت، ولكنّها تُرفض من قبل المسيحيين الأرثودوكس وفي البيانات الكاثوليكية الرسمية. يكمنُ سبب هذا الرفض في ضرورة نيل الجنين البشري الاحترام نفسه الذي يناله الإنسان مع تشديدٍ خاصٍّ على احترامه لأنّه ضعيفٌ وعاجزٌ. من المسموح معاملة الجنين كأحد مرضى المستشفيات، ولكن ينبغي عدم إلحاق الضرر به أو إتلافه من أجل معالجة العقم أو انتفاع شخصٍ آخر. في الجهة المقابلة، تتمثّل الحجة المضادّة عادةً في رفض ضرورة احترام الجنين باعتباره إنساناً أو حاملاً للحياة الإنسانية.

الخلايا الجذعية والاستنساخ

تُوفِّر التطوُّرات في مجال الاستنساخ وتقنية الخلايا الجذعية وسائل جديدةً في التكنولوجيا البيولوجية. غالباً ما يُعدُّ الاستنساخ في الفهم الشائع واحداً من تقنيات التناسل، وهو يحمل في طيّاته تلك الإمكانية قطعاً. كانت ولادة النعجة المستنسَخَة دوللي التي تمّ الإعلان عنها في العام 1997 إنجازاً مُفاجئاً دلّ على إمكانيّة تشكيل أيّ حيوانٍ من الثدييات -وحتّى البشر- من خليةٍ مأخوذةٍ من كائنٍ موجودٍ مُسبقاً.

يجدُ العديد من الداعمين للتكنولوجيا التناسلية عموماً -ومن ضمنها التقنيات من قبيل التخصيب المختبري- أنّهم يُعارضون الاستنساخ البشري، ولكنّهم لا يعرفون كيف يُميِّزون بين الاثنين بطرقٍ مُقنعةٍ دينياً أو أخلاقياً. لقي الاستنساخ البشري معارضة المؤسّسات الدينية والقادة المنتمين إلى جميع التعاليم الدينيّة مع قليلٍ من الاستثناءات، وربما كان السبب الوحيد هو عدم إمكانية تخطّي قضايا السلامة في المستقبل القريب. في الوقت نفسه، لم يتطرّق أحدٌ للدلالات الدينيّة أو الأخلاقيّة لدى تطبيق الاستنساخ على الثدييات لا البشر، ولكن تمّت الإشارة إلى أنّه من غير الحكيم أو المناسب استخدام هذه التقنية لإنتاج أعدادٍ كبيرةٍ من المواشي بهدف أكلها، بسبب الخوف من تدمير أحد مسبّبات الأمراض للقطيع بأكمله. يُمكن للتقنية المستخدَمَة في تشكيل دوللي –أي نقل نواة الـDNA من خليةٍ بالغةٍ وزرعها في بُويضةٍ وبالتالي إنتاج جنين وجعله يمرّ في مرحلة النموّ الخاصة به- أن تُحقّق غايات مختلفةً عن التكاثر، وهذه الغايات الأخرى هي التي تهمُّ التكنولوجيا البيولوجيّة بشكلٍ خاصٍ.

يحظى الجمع بين تقنية زرع النواة واستخدام الخلايا الجذعيّة الجنينيّة لمعالجة الأمراض البشرية باهتمامٍ خاصٍ. في العام 1998، أعلن الباحثون نجاحهم في استخراج خلايا جذعيّة جنينيّة من أجنةٍ بشريّة تمّ التبرُّع بها، وظهر أنّ هذه الخلايا هي واعدةٌ لمعالجة العديد من الأمراض. حينما تمّ استخراجها، بدا أنّه يُمكن إدخالها في تحفيزٍ تكاثريٍّ إلى أجلٍ غير محدودٍ، وتبيّن أنّها تنقسم وتتضاعف كلّ 30 ساعة. يملكُ الباحثون بعض الثقة أنّه يُمكن مع حلول العام 2002 زرْع هذه الخلايا في الجسد البشري في موضع المرض أو الإصابة حيث تتكاثر وتنمو بشكلٍ إضافيٍّ وبالتالي تأخذ مكان الخلايا التي تعرّضت للتلف أو الفساد. بالطبع يُمكن استخراج الخلايا الجذعية من مصادر غير الأجنّة، وما زالت الأبحاث جاريةً لاستكشاف إمكانيّة التداوي عبر الخلايا الجذعية المستَخرَجة من المصادر البديلة.

تكمنُ فائدتان في استخدام المصادر الأخرى:

الفائدة الأولى: هي عدم إتلاف الأجنّة خلال استخراج هذه الخلايا. بالنسبة لأيِّ شخصٍ ينسبُ أهميةً عاليةً لحماية الجنين البشري، فإنّ إتلاف الجنين يستدعي السؤال عن أخلاقية أيّ استخدامٍ للخلايا الجذعية الجنينية.

الفائدة الثانية: هي أنّ استخدام الخلايا الجذعية من مصادر أخرى غير الأجنّة قد يؤدِّي مع الوقت إلى أن يتعلم الباحثون في مجال الطب كيفية استخراج الخلايا الاستشفائية من جسد المريض نفسه. تكمنُ المصلحة هنا في أنّ جهاز المناعة لن يرفض هذه الخلايا حينما يتمُّ زرعها في الجسد، بينما الخلايا الجذعية الجنينية -التي قد تحمل منافع على ضوء مرونتها التنموية- تواجه المشاكل بسبب الردّ المناعي. إحدى أساليب تفادي الردّ المناعي هو استخدام عملية نقل النواة لتشكيل جنينٍ خاصٍ بالمريض لحصد الخلايا الجذعية منه (وبالتالي تدميره) وزرع الخلايا المستَخرَجة في بدن المريض. بما أنّ هذه الخلايا تحمل الـDNA الخاص بالمريض، فلا يتمّ رفضها. هذا المنهج معقدٌ من الناحية الطبية ويتألف من الخطوة الإشكالية على الصعيد الأخلاقي والتي تتمثّل بتشكيل جنينٍ من أجل تدميره لصالح شخصٍ آخر.

التطبيقات على غير البشر

كنتيجةٍ للتطوُّرات الحاصلة على صعيد العلم الطبيعي والتكنولوجيا، تستطيع التكنولوجيا البيولوجية تعديل أشكال الحياة بطرقٍ تبدو محدودةً فقط في الخيال أو طلب السوق. أنتجت التكنولوجيا البيولوجية أحياءً دقيقةً معدّلةً وراثياً لغاياتٍ تتراوحُ بين تنظيف النفايات السامة إلى إنتاج الأدوية. على سبيل المثال، من خلال زرع جينةٍ بشريّة في البكتيريا التي تنمو في الكتل، تستطيع التكنولوجيا البيولوجية إنشاء مصنع من الكائنات الحيّة المعَدَّة لتشكيل إحدى البروتينات البشرية.

يُمكن أن تُستخدم هذه التكنولوجيات لتعزيز مقدار الحدّة الجرثومية للكائنات الحية وصناعة الأسلحة المستخدمة في الإرهاب البيولوجي أو البحث عن وسائل الدفاع ضدّ هذه الأسلحة. في ما عدا القلق الواضح حول تطوير الأسلحة، لم تعترض المؤسّسات الدينية وعلماء الدين على استخدام التكنولوجيا البيولوجية على الرغم من أنّ بعض المجموعات البروتستانتية تتساءل حول ضرورة وجود براءات الاختراع خصوصاً في ما يتعلّق بجيناتٍ محدّدةٍ.

ما زالت النباتات محوراً للجهود المكثَّفة، ولعلّها أولى الكائنات الحية التي تمّ تعديلها عبر التكنولوجيا البيولوجية. في العام 2000 تقريباً، وقع تقدُّمٌ كبيرٌ في بحث الجينوم النباتي وأدّى إلى إمكانية دراسة المنظومة الجينيّة الكاملة لبعض الأجناس النباتية بشكلٍ مفصَّلٍ، بالإضافة إلى حصول فهمٍ جديدٍ لطرق استجابة النباتات لبيئتها.

يُوجَّه بعض الاهتمام إلى النباتات لغاياتٍ صيدلانيّةٍ، ولكنّ موضع الاهتمام الرئيسي للتكنولوجيا البيولوجية هو تحسين قيمة النباتات وفاعليتها كمصدرٍ للطعام. على سبيل المثال، جرت محاولاتٌ لزيادة القيمة البروتينية للنباتات من قبيل الرز. يُمكن أيضاً تخفيض الاعتماد على السماد ومبيدات الآفات عبر التكنولوجيا البيولوجية من أجل إعداد نباتاتٍ مقاومةٍ لحشراتٍ معيّنةٍ مثلاً.

قوبل الاستخدام الآخذ بالتوسُّع للنباتات المعدَّلة وراثياً في ميدان الزراعة في التسعينيات بقلقٍ متنامٍ إزاء تأثيراتها على الصحة والبيئة. إضافة البروتينات إلى النباتات عبر تعديل جيناتها قد يُثير المشاكل الصحية لبعض الذين يأكلون هذه النباتات، ولعلّ ذلك يحصلُ من خلال الردود الفعليّة التحسُّسيّة النادرة. قد تتسبّب الجينات المنتِجة للبروتينات الضارة ببعض الحشرات إلى إلحاق الضرر بكائناتٍ حيّةٍ أخرى، وقد تنتقل من نباتات المزرعة المعدَّلة إلى النباتات البريّة النامية في مكانٍ قريبٍ.

يعتقدُ البعض أنّ المستهلكين يملكون الحقّ في تفادي الأطعمة المعدَّلة عبر التكنولوجيا البيولوجيّة، وأنّه من الضروري تطبيق الفصل الصارم بين الأطعمة المعدّلة وغير المعدّلة ووضع العلامات عليها. تُشكِّل القيم الراسخة حول الطعام أساس العديد من هذه المخاوف. في أوروبا والمملكة المتّحدة حيث واجهت الأطعمة المعدَّلة وراثياً معارضةً قويّةً، قامت بعض الكنائس بالاعتراض على الاعتماد المفرط على التكنولوجيا البيولوجية في عملية إنتاج الطعام ودعمت حقّ المستهلكين في الاختيار، ولكنّها اعترفت في الوقت نفسه بأنّ التكنولوجيا البيولوجية تستطيع زيادة كمية ونوعية الطعام المتاح لأفقر الناس على وجه الكرة الأرضية.

تتعرّض الحيوانات للتعديل أيضاً عبر التكنولوجيا البيولوجية وهذا يُثير القلق الإضافي حول سلامتها، وعادةً ما يتّصل هدف عملية التعديل بالصحة البشرية. على سبيل المثال، يُمكن لعلماء التكنولوجيا البيولوجية إنتاج حيواناتٍ من أجل تحصيل المواد الصيدلانيّة أو يُمكنهم إنتاج نماذج حيوانيّةٍ بحثيّةٍ تنطبق عليها الأمراض البشرية. غالباً ما تتضمّن هذه التعديلات تغيير الخط الجنسي الحيواني، أي تكون قابلة للانتقال إلى الأجيال المستقبلية وتؤثِّر على كلّ خليةٍ في الجسد.  يُمكن أن تخضع هذه الحيوانات لبراءة الاختراع، على الأقل في بعض الدول. كلّ هذا يُثير القلق ما جعل البعض يعتبره إضفاءً للطابع السلعي على الحياة، والتسبب بالمعاناة غير الضرورية للحيوانات، واتّخاذ الموقف الاختزالي تجاه الطبيعة الذي يَعتبر الحيوانات مجرّد موادَّ خامةٍ يُمكن إعادة تشكيلها وفقاً لمصلحة الإنسان.

التطبيقات البشرية

التطبيقات البشرية للتكنولوجيا البيولوجية هي التي تُثير أشدّ الردود الدينية وأكثرها شمولاً. منذ العام 2002، بدأت تُستَخدم التكنولوجيات الوراثية لفحص نطاقٍ واسعٍ من الظروف الجينيّة، ولكنّ عمليات معالجة هذه الأمراض تتقدّم على نحوٍ بطيءٍ. في الميدان الطبي، انتشرت عملية فحص الحوامل والمواليد الجدد والبالغين وإخضاعهم للاختبار، واستُخدمت المعرفة الناجمة من أجل التخطيط ضدّ الأمراض أو إنهاء الحمل للحيلولة دون ولادة طفلٍ يعاني من مشاكلَ صحيّةٍ أكيدةٍ في المستقبل.

توجِّهُ بعض الجهات الدينية، وخصوصاً المسيحيين الكاثوليك والأرثودوكس، النقد الشديد لاستخدام الاختبار الوراثي. تتمثّل إحدى الاستخدامات بتحديد جنس الجنين وإسقاط الإناث، ويُعتقد بأنّ هذا الإجراء منتشرٌ في الثقافات التي تمنح أولويةً كبيرةً لإنجاب الذكور مع أنّ الإجراء بحدّ ذاته يخضع للنقد العالمي.

يُعتقد بأنّ عمليات الفحص سوف تزداد، بينما ستتأخر التكنولوجيات الرامية إلى معالجة الأمراض. تقع المحاولات الهادفة للعلاج في مسارَين عامين: المنتوجات الصيدلانية والمعالجة الجينية. تُقدِّم التكنولوجيا البيولوجية نظرةً جديدةً إلى العمليات الأساسية للمرض إما من خلال إنشاء نماذج حيوانيةٍ جديدةٍ أو التدقيق في وظائف الخلايا البشرية. من خلال هذا الفهم، يستطيع الباحثون صناعة منتوجاتٍ صيدلانيةٍ مع معرفةٍ دقيقةٍ بآثارها الجزيئية والخلوية، وإدراكٍ أكبر لهوية المرضى الذين سوف ينتفعون، وبروز آثارٍ جانبيةٍ أقل. هذا الأمر يقودنا إلى ثورةٍ في المواد الصيدليّة، ويُثبت فاعليته في معالجة سلسلةٍ من الأمراض ومن ضمنها السرطان، ولكن التكاليف تشهد ارتفاعاً سريعاً وسط المخاوف المتنامية من عدم الحصول على هذه المنافع خصوصاً في الدول الأفقر.

بدأ تطبيق العلاج الوراثي على البشر في العام 1990 من أجل معالجة الأمراض عبر تعديل الجينات المؤثِّرة على نموّها. تمثّلت الفكرة الأولية في معالجة الأمراض الوراثية الكلاسيكية كمرض «تاي ساخس» أو التليُّف الكيسي، وتوقّع الباحثون أنّ هذه التقنية سوف تُقدّم مع الوقت بعض المساعدة في معالجة هذه الأمراض. من الأرجح أن يحظى العلاج الوراثي بتطبيقٍ أوسع في معالجة الأمراض الأخرى التي لا يُنظَر إليها عادةً على أنّها وراثيةٌ، لأنّ الباحثين قد توصّلوا إلى فهم الدور الذي تلعبه الجينات في ردة فعل الجسم إلى كلّ مرض. قد يكون تعديل ردة الفعل طريقاً إلى علاجاتٍ جديدةٍ يستطيع الجسد من خلالها معالجة نفسه على المستوى الجزيئي. على سبيل المثال، ظهر أنّ الجينات المعدَّلة تستطيع استثارة تجدُّد الأوعية الدموية المحيطة بالقلب. مع الوقت، يُرجَّح أنّ هذه المقاربات سوف تجتمع مع تقنيات الخلايا الجذعية وغيرها من التقنيات الخلوية، وبالتالي يحصل الطب على سلسلةٍ من المناهج الجديدة لتعديل الجسد بُغية تجديد الخلايا والأنسجة.

بشكلٍ عام، يدعم الرأي الديني العلاج الوراثي ويعتبره امتداداً للعلاجات التقليدية. ناقش كلٌّ من علماء الدين وعلماء البيولوجيا الأخلاقيّة حول هذه التكنولوجيات معتبرين أنّها قد تُستخدم لا فقط لعلاج الأمراض بل لتعديل الصفات أيضاً كالقدرة العقلية أو الرياضية التي لا تتصل بالمرض، وبالتالي يتمُّ تعزيز هذه الصفات لغاياتٍ تنافسيةٍ. يقبل الكثيرون بمفهوم العلاج، ولكنّهم يرفضون فكرة التحسين، ويعتقدون بوجود اختلافٍ هامٍ بين الهدفين. في الجهة المقابلة، يُشكِّك العديد من الباحثين بإمكانية التفريق بين العلاج والتحسين فضلاً عن فرضه.

مجرد الشروع في مسار العلاج الوراثي قد يعني أنّ التحسين البشري الوراثي سيأتي على الأرجح. يُثير هذا الاحتمال مخاوف دينيةً من قيام الأثرياء بحيازة مصالح على الصعيد الوراثي تقودهم إلى المزيد من المنافع، أو أن يقوم الناس باستخدام هذه التكنولوجيات لإسداء خدمةٍ لتحيُّزاتهم الاجتماعية بدلاً من دفعها. يُتوقَّع أيضاً أن تجتمع هذه التقنيات مع التكنولوجيات التناسلية وبالتالي يبرز احتمال تعديل البشر في الأجيال المستقبلية.
ينظرُ العديد من الناس إلى فكرة التعديل الوراثي للخط الجنسي بخوفٍ ومعارضةٍ، ويعودُ ذلك عادةً لأسبابٍ دينيةٍ. في أوروبا، يُرفض عموماً التعديل الوراثي للخط الجنسي باعتباره انتهاكاً للحقوق البشرية للأجيال الآتية خصوصاً الحق في امتلاك جينومٍ غير متأثرٍ بالتكنولوجيا. أما في الولايات المتّحدة، فإنّ المعارضة أقل حدّةً، ولكن يعتريها القلق العميق حيال قضية السلامة والتأثير الاجتماعي على الأمد الطويل لما يُسمّى شعبياً بـ«الأطفال المصمَّمين». دعمت الهيئات الدينيّة هذه المخاوف ودعت إما للمعارضة التامة أو الدراسة المتأنية. يُقيَّد المدى الذي تستطيع التكنولوجيا البيولوجية الوصول إليه بالعمليات الحياتيّة خصوصاً الدقة في التفاعل بين الـDNA والبيئة. تُساعد التكنولوجيا البيولوجية الباحثين في اكتشاف هذه الدقة، وبقدر ما تعتمد التكنولوجيا البيولوجية على علم البيولوجيا وعلم الوراثة ينبغي أن نُلاحظ بأنّ التأثر متبادلٌ بين التكنولوجيا والعلم الطبيعي.

من المثير للدهشة كيف أنّ «مشروع الجينوم البشري» قد تحدّى النظرة الشائعة في علم الوراثة المعاصر حول وجود علاقةٍ وثيقةٍ بين كلّ جينةٍ والبروتين التابع لها، أي المبدأ الذي يُسمّى بـ“جينةٌ واحدةٌ، بروتينٌ واحدٌ”. اتّضح أنّ البشر يملكون نحو 100 ألف بروتين، ولكن 33 ألف جينة فقط، وأنّ الجينات هي أكثر غموضاً وديناميكيةً ممّا كان يُعتقد في السابق. يبدو أنّ سلاسل الـDNA التابعة لكروموزوماتٍ متعدّدةٍ تتجمّع لتصبح جينةً فعّالةً، أي النموذج التام اللازم لتحديد البروتين، ويُمكن لهذه السلاسل المختلفة أن تجتمع بأكثر من طريقةٍ ما يساهم في إنتاج أكثر من بروتين. يَسمح هذا التعقيد الديناميكي لنحو 33 ألف سلسلةٍ رمزيةٍ من الــDNA بالعمل كنماذج لـ100 ألف بروتين. ولكن نظراً إلى الفهم المحدود للعمليات التي تُحدّد هذا التعقيد، فإنّ القدرة على تعديل سلاسل الـDNA قد تحظى بنجاحٍ محدودٍ ونتائج لا يُمكن التنبُّؤ بها، وهذا يخفض الثقة بالهندسة الوراثية خصوصاً حينما تُطبَّق على البشر.

   تتقيّد التكنولوجيا البيولوجية أيضاً بالعوامل الاقتصادية، إذ تتم أغلب تطبيقاتها في السياق التجاري، وينبغي أن يتوفّر العائد المالي على الأمد القريب لدعم العمليّة البحثيّة. تعتمدُ التكنولوجيا البيولوجية على رأس المال والحماية القانونية للملكية الفكرية، ومن الأمثلة على ذلك السياسة المثيرة للجدل المتمثِّلة بمنح براءة الاختراع لاكتشاف سلاسل الـDNA أو الجينات والكائنات المعدَّلة وراثياً ومن ضمنها الثدييات. هذه التبعيّة الماليّة هي بحدِّ ذاتها مثيرةٌ للجدل وتُثير المخاوف من تحوُّل الحياة بحدّ ذاتها إلى مجرد سلعةٍ أو اقتصار القيم على قيم السوق.

نظرةٌ إلى الأمام

   لا يوجد سببٌ للاعتقاد بأنّ التكنولوجيا البيولوجية قد وصلت إلى حدود قوّتها، بل على العكس فإنّها تنمو لا فقط في نطاق تطبيقاتها بل أيضاً في قوة تقنياتها ومداها. تستطيعُ التكنولوجيا البيولوجية الوصول إلى الجينوم الكامل للبشر والأجناس الأخرى، وهذا يعني أنّه يُمكن مراقبة النشاط الديناميكي والتفاعل بين مجموعةٍ تامةٍ من الجينات.

   من ناحيةٍ معيّنةٍ، يُؤذِنُ اكتمال الجينومات بما أطلق عليه البعض "التكنولوجيا البيولوجية ما بعد الجينومات" التي تتميّز بنظرةٍ عامةٍ منهجيةٍ إلى الخلية والكائن الحيّ. لقد أثبت هذا الأمر قيمته في منح فهمٍ جديدٍ للسرطان باعتباره سلسلةً من التحوّلات التي تحصلُ في مجموعةٍ من الخلايا الجسدية. يتوجّه الاهتمام حالياً من دراسة الجينات إلى دراسة البروتينات التي تفوق الجينات عدداً، وتتمتّع بديناميكيةٍ أكبر، وتنبعث وتندثر بسرعةٍ في تريليوناتٍ من الخلايا الموجودة في الجسد البشري طبقاً لعلاماتٍ زمنيةٍ ومكانيةٍ دقيقةٍ. تتشكّل أغلب البروتينات البشرية في نسبةٍ ضئيلةٍ من الخلايا، وخلال مرحلةٍ محدودةٍ من النموّ البشري، وبكمياتٍ منظّمةٍ بدقّةٍ. تُمثِّل دراسة المجموعة التامة من البروتينات بتمام ديناميكيتها الوظيفية مهمةً هائلةً تتطلّب تكنولوجيات غير موجودةٍ في مطلع القرن الواحد والعشرين. قد تغدو الدراسة المنهجية للبروتينات التي تُسمّى بروتيوميات (proteomics) مشروعاً عالمياً جديداً في البيولوجيا، وأن يؤدّي هذا المشروع مع الوقت إلى توسعةٍ جذريّةٍ لطاقات التكنولوجيا البيولوجية. مع مرور الوقت سوف يُطوِّر الباحثون مناهج جديدةً وقويّةً لتعديل الـDNA، ربما بدقةٍ وفاعليةٍ أعلى بكثير ممّا تسمح به التقنيات الحالية، وربما مع القدرة على نقل كمياتٍ كبيرةٍ من الـDNA إلى الخلايا والكائنات الحيّة.

   ما زالت القوة الحاسوبية -التي تُعدُّ ضروريّةً لأنشطة «مشروع الجينوم البشري» وتطبيقاته- في طور النموّ بالإضافة إلى تطوّراتٍ من قبيل ما يُسمّى بـ“الرقاقة الجينية” التي تستخدمُ الـDNA كجزءٍ متكاملٍ مع الجهاز الحاسوبي. يُشيرُ التقدُّم في الهندسة على المستوى الدقيق جداً، وهو ما يُعرف بتكنولوجيا النانو[2]، إلى أنّ الأدوات على المقياس الجزيئي قد تُستَخدم يوماً ما لتعديل الوظائف البيولوجية على المستوى الجزيئي. على سبيل المثال، يُمكن زرع أجهزة تكنولوجيا النانو في الجسد البشري لكي تدخل إلى الخلايا حيث يُمكن أن تُعدِّل الـDNA أو الجزيئيات الأخرى.

   في مجالٍ بحثيٍّ آخر، يُحاول العلماء استكشاف إمكانية استخدام الـDNA نفسه كحاسوبٍ أو جهازٍ لحفظ المعلومات. تستطيع الـDNA تخزين المعلومات بطريقةٍ أكثر فاعليةً من وسائل التخزين المعاصرة، ويُمكن الاستفادة من هذه القابلية.

   يستحيل التنبُّؤ بموعد تطوير التقنيات الجديدة أو الطاقات الناتجة عنها ولكن من الواضح أنّه سيتمّ العثور على تقنياتٍ جديدةٍ وأنّها ستتلاقى في فاعليتها لتعديل الحياة. سوف تُصبح المنتوجات الصيدلية المصمّمة بدقّةٍ متوفِّرةً لعلاج كلّ مرضٍ تقريباً، ويتمّ ذلك غالباً عبر اعتراض المرض على المستوى الجزيئي بأساليب متطابقةٍ مع الحاجات المحدّدة للمريض. من الأرجح أنّه سيتمّ استخدام الخلايا الجذعية -سواءً أكانت مستَخرَجةً من الأجنّة أم المرضى- لتجديد كلّ خليّةٍ أو نسيجٍ في البدن تقريباً وربما أيضاً أجزاء الأعضاء ومن ضمنها الدماغ. سوف يتمّ تعديل الجينات في أجساد المرضى إما لتصحيح الأخطاء الجينية التي تُمثّل أساس المرض أو لاستثارة ردٍّ خاصٍ في خلايا محدّدةٍ لعلاج أحد الأمراض أو إحدى الإصابات.

   من أصعب الأمور التنبُّؤ بالحجم التام لتداعيات التكنولوجيا البيولوجية طويلة الأمد على الأنواع غير البشرية والنظام البيئي ومستعمرات الحياة خارج الأرض والنوع البشري بحدّ ذاته، والتقديرات تختلف بشكلٍ هائلٍ. يُشير البعض إلى أنّ البشر سوف يقومون بهندسة زياداتٍ بيولوجيةٍ وربما الوصول إلى درجة الانتماء إلى نوعين من الأحياء أو أكثر. أثارت فكرة التحوُّل عدة ردودٍ دينيةٍ، وانقسم العلماء من أديانٍ متعددةٍ في تقييمهم للموضوع.

   يقوم الداعمون للتكنولوجيا البيولوجية بالتأكيد على مسألة المسؤوليات العبادية المتمثِّلة بشفاء المرضى وإطعام الجوعى. يعتقد أغلبهم أنّه ينبغي تحسين الطبيعة -ربما بحدودٍ- وأنّ البشر يمتلكون الصلاحية لتعديل عمليات الحياة. يُشيرُ البعض إلى أنّ عملية الخلق ليست ساكنةً بل تقدُّمية، وأنّ البشر يتشاركون مع الله في الخالقية من أجل تحقيق تمام الآمال المعقودة على عملية الخلق. أمّا آخرون، فإنّهم يعتقدون أنّ التكنولوجيا البيولوجية سوف تُفسد الطبيعة وتُقوِّض الوجود الإنساني وقاعدته الأخلاقية. على سبيل المثال، يحتجّ هؤلاء بأنّ التعديلات الوراثية للذرية سوف تُلحق الضرر بعلاقة الأهل مع الأطفال من خلال جعل الأولاد مجرد أشياءٍ ومنتجاتٍ تكنولوجيةٍ وسوف تحدُّ من حريتهم في أن يُصبحوا أشخاصاً تربطهم علاقاتٌ مع الآخرين.

   يُحذِّر البعض من أنّ القبول بالتكنولوجيا البيولوجية الآن سوف يجعل رفضها مستحيلاً في المستقبل، بينما هناك من يُشيرُ إلى أنّ المسألة لا تكمنُ في إيقاف التكنولوجيا البيولوجية بل العيش بشكلٍ إنسانيٍ مع طاقاتها ومحاولة إبعادها قدر الإمكان عن الاستخدامات الأنانية أو المفرطة وتوجيهها نحو الغايات العطوفة والعادلة.

----------------------------------
[1]*ـ  أستاذعلم اللاهوت والأخلاق في مدرسة بيتسبرغ اللاهوتية.
ـ العنوان الأصلي: Biotechnology.
ـالمصدر:https://www.encyclopedia.com/people/science-and-technology/genetics-and-genetic-engineering-biographies/biotechnology
ـ ترجمة: هبة ناصر.
[2]- من نانومتر، أي مقدار مليار من المتر.