البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ما العلمانية ؟ - الحالة الفرنسية نموذجاً

الباحث :  دانيال مارتان Daniel Martin
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  2
السنة :  السنة الثانية - شتاء 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 27 / 2015
عدد زيارات البحث :  1115
تحميل  ( 304.179 KB )
ما العلمانية؟
الحالة الفرنسية نموذجاً
دانيال مارتان [1] Daniel Martin [*]
العلمانية ـ بحسب النموذج الفرنسي الذي كان أول تطبيقٍ تاريخيٍ للمفهوم ـ هي مبدأ فصل الدين عن الدولة، وبالتالي هي سياسة حياد القوانين ومؤسسات الدولة في المجتمع عن كل ما يتعلّق بفلسفة الحياة والأعراق. لا تدخل أسس الأديان في عمل الدولة كما لا تتدخل هذه الأخيرة في عمل المؤسسات الدينية. ومن هنا نشأ مبدأ فصل الدين عن الدولة.
هذه المقالة للكاتب الفرنسي دانيال مارتان تلقي الضوء على العلمانية الفرنسية ونتائجها كما تعرض إلى تداعياتها على سبيل التمثيل خارج الجغرافيا الفرنسية.
المحرر
تعني العلمانية إحترام الناس بمختلف معتقداتهم الدينية لا سيما الملحدين منهم، كما تنص على احترام كل الأعراق والآراء والثقافات: «من حق كل فرد أن يلقى الإحترام لأنه إنسان». وتعتبر حرية المعتقد من الحقوق الأساسية للفرد، إلّا أن هذا الحق لا يحمي أي نشاط أو تحرّك يستند على مبادئ الدين أو الفلسفة الحياتية.
لذا لا يحقّ لأي دين أن يفرض أسسه على الدولة، ولا يمكنه بالتالي أن يبرّر أيّ خرق للقوانين. ومن أهم الأسس التي تنص عليها العلمانية هي فكرة ومبدأ العيش المشترك، حيث أنها تكافح وبشكل جدّي كل أعمال التعصّب والتمييز. وهكذا تضمن الجمهورية العلمانية حق الفرد بممارسة كل حقوقه المدنية بغض النظرعن معتقداته وتوجهاته.
واستنادا إلى مبدأ العلمانية، فإن الجمهورية الفرنسية لا تعترف ولا تدعم ولا تموّل أي طائفة دينية، مما يجعل كل طائفة غير منبوذة أو مميزة عن غيرها.
يصبّ مبدأ الفصل والحياد والإحترام في خانة الحرص وليس اللّامبالاة. فإن الدولة الفرنسية بدورها تعترف قانونياً ببعض الأعياد الدينية لرجوع أصلها إلى تقاليد قديمة جداً. وهي أعياد مسيحية لأن أغلبية الشعب الفرنسي هو أساسا من الديانة المسيحية. تعتبر العلمانية في الأساس مبدأ حيادي إيجابي ليس العكس، وعلى هذا تحترم الدولة كل الأماكن العبادية للديانة وتعفيها من الضرائب وتؤمن لها الحماية في معظم الأوقات.
لا يعني مبدأ الحياد بالضرورة المساواة في المعاملة. ففي فرنسا، تعترف الدولة قانونياً ببعض الأعياد المسيحية بينما تفتقد كل الأعياد اليهودية والإسلامية الأخرى لوجودها القانوني في البلد، وكذلك في ما يتعلّق بثقافات المجتمع . فعلى سبيل المثال يتكلّم شعب فرنسا لغة واحدة فقط هي اللغة الفرنسية. أمّا القيم الأخلاقية التي تستند عليها مفاهيم الصواب والخطأ والمسموح والممنوع فهي كلها ذات أصول يهودية مسيحية وليست إسلامية. في عصرنا هذا، يعلم الفلاسفة جيّدا أنه من حقّ الإنسان الملحد أن يتمتّع بالقيم الأخلاقية نفسها التي يتمتّع بها المؤمن. ويعود مصدر قوانيننا، التي من شأنها أن تعكس بنفسها هذه القيم، إلى مرجعيات يونانية ورومانية، وليس من القرآن ولا من الديانة الكونفوشيوسية فلقوانيننا اليوم أصول برلمانية لا تمتّ بصلة لأي مرجع مقدس.
لقد خضعت فرنسا لحروب كثيرة كغيرها من الدول المجاورة لها، وساد فيها الظلم والقتل كلما تدخّلت الأديان في دور الدولة. إلا أن المواطن الغربي استطاع أن يفصل تدريجيا بين الدين والعلم والفلسفة لكونه يتمتّع بالعلم والمعرفة وبقدرته على اكتشاف الحقيقة بنفسه والحكم عليها. وأثبت مبدأ الفصل أنه يساعد الفرد على اكتساب المعرفة، والحقيقة الكاملة والتبريرات المقنعة التي يحتاج إليها في الحياة. وإذا تعمقنا بالدمقراطية اليوم، نرى انها هي أيضا اتخذت بعض المبادئ الجديدة في فصل الدين عن كل شيء، بالرغم من أنها تأسست منذ أكثر من ألفي عام.
الدول الديمقراطية تحترم كل المعتقدات الدينية والفلسفية، ولكن الدولة هي التي تقرّر أمر دعم الأديان. مثلا نرى في البلدان الإسلامية أن الدين السائد هو الدين الإسلامي، وكل المواطنين الذين ينتمون إلى ديانات أخرى يقل مركزهم عن المسلمين في البلد نفسه وتختلف حقوقهم فيه. لا تعتبر البلدان العربية بلدانا ديمقراطية إلى حدّ ما باسثناء تونس، لأن هناك خللاً كبيراً في حقوق الإنسان خاصة في مبدأ العدل بين المواطنين ومبدأ العلمانية.
العلمانية الفرنسية
أقرّت فرنسا في العام 1905 قانون فصل الكنيسة عن الدولة. واستنادا إلى هذا القانون، فإن الدولة لا تعترف ولا تدعم ولا تموّل أي طائفة دينية. ولكن من جهة أخرى، تحترم كل الثقافات، كما تدعم كل ما يخص الثقافة الفرنسية على أنواعها من آثار ومتاحف إلخ...
تطبّق الدولة القانون الفرنسي في جميع الحالات حتى لو تعاكس مع مبدأ دينيّ ما. على سبيل المثال، لا تطبّق فرنسا إلا قوانينها التي أقرّتها بنفسها. لهذا نرى أن مبدأ تعدّد الزوجات ممنوع في فرنسا حتى لو كان القرآن ينص في آياته على ذلك.
في المبدأ العام، لا تتسامح الدولة مع أي خصوصية دينية أو ثقافية في الحياة العامة إلّا ببعض الأعياد الخاصة، كما لا تحبّذ على الإطلاق تداخل النشاطات التبشيرية للدين في أي مركز أو منهاج تعليميّ كان ولا في مؤسسات الدولة. لذلك تمنع الدولة المرأة العاملة المسلمة من ارتداء الحجاب في حال كان عملها يتطلّب الإنخراط مع الشعب، كما تمنع بدورها العامل اليهودي من ارتداء الكيباه (قبعة صغيرة على الرأس) أمام الناس إلخ... فهذه التقاليد ستظهر وكأنها حملات تبشيرية للدين تتعارض تماما مع شروط الخدمة العامة. يجب على المرأة المسلمة أن تظهر بلا حجاب في صورة الهوية أو في عقد الزواج المدني [2] [5a] [5b] [5c] بالإضافة إلى ذلك، لا تضمن المستشفيات العامة للمرأة المسلمة أن تعالج فقط من قبل ممرضات، وتحاول الدولة أن تتعايش مع فكرة المحرّمات في المأكل والمشرب عند المسلمين، لكنها تتسامح بشكل عام بوجود الفتيات المحجبات في الجامعات العامة.
يركّز مبدأ العلمانية في فرنسا على منع إجراء أي إحصاء ديني أو عرقي في البلد، لهذا لا يوجد لوائح رسمية تحتوي على هذا النوع من المعلومات والإحصاءات. ويصنّف كل شخص يعيش في فرنسا لا يحمل الجنسية الفرنسية على أنه مهاجر، أمّا أولاده فيصنّفون في خانة المهاجرين من الجيل الثاني بغض النظر ما إذا كانوا يحملون الجنسية أم لا. بالمقابل تمنح الدولة الجنسية الفرنسية لكل شخص يولد في فرنسا بغض النظر عن هوية والديه.
لا تتسامح الدولة الفرنسية بأي سلوك تعصبّي في أي مجال عمل أو مجال تعليم وخصوصا في موضوع الإقامة في البلد. فاتخذت المؤسسات التعليمية قرار تعليم مفاهيم الأديان وتواريخها في المدارس والجامعات بغية ترسيخ القيم الأخلاقية والثقافة الفرنسية عند الشباب خاصة، وذلك من خلال تعليمهم حقائق عامة لا تمت بصلة لأي دين كان. لذا يطلب إلى من المعلّمين أن يؤدوا دورهم بكل شفافية وصدق آخذين بعين الإعتبار مبدأ الحياد الذي ينص على عدم إقناع أي طالب بتغيير دينه وقناعاته واتباع غيرها.
يأبى الطالب اليوم أن يصدّق كل ما يقوله ويعلّمه الأستاذ في الصف، الأمر الذي ينعكس بصورة سلبية على طريقة تعامله معه، وهي مشكلة كبيرة نواجهها اليوم مع عدد كبير من الطلاب الذين ينتمون إلى الدين الإسلامي خصوصاً.. حيث يرفضون بشكل قطعي مناقشة موضوع الشرق الأوسط أو اليهود أو الصليبيين إلخ... وأظهر استفتاء أجري في العام 2004 أن 46 % من المواطنين الفرنسيين المسلمين يعترفون بدينهم الإسلامي أولا ومن ثم بجنسيتهم الفرنسية، وهذا مؤشر واضح على عدم رغبتهم بالإنتماء إلى المجتمع الفرنسي.
من المهم جدّاً تعليم الطلاب مفاهيم وتاريخ نشوء الأديان في المدارس الرسمية لتفادي دور رجال الدين في ذلك لأن أسس الأديان غالباً ما تتعارض مع قوانين الدولة.
إحدى سلبيات العلمانية في السياسة الفرنسية
لقد ذكرنا سابقاً أن سياسة فرنسا العلمانية ترفض أي اختلاف ديني أو ثقافي بين المواطنين الفرنسيين ورغم ذلك ينتقدها البعض بسبب مبدئها الذي ينص على قبول الآخر كإنسان مثلنا فقط وليس احتراماً أو قبولاً لدينه وثقافته المختلفة عن ثقافتنا. لذا يعتبر الأمر تسامحاً غير مدروس ولا يعبّر عن احترام وقبول الفرد على ما هو عليه.
عدم توافق أسس الدين الإسلامي مع القوانين الديمقراطية من الناحية القانونية. ويظهر في هذا النص شرح مفصّل عن مواقف المنظمات التابعة للأمم المتحدّة اتجاه العلمانية، حيث
تطالب الأقليات المسلمة في البلدان الديمقراطية كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا إلخ بإقرار حقوق جديدة وخاصة لها. على سبيل المثال، طالب العمال الموظفون المسلمون في فرنسا بغرفة صلاة داخل المؤسسة والسماح لهم بمقاطعة أي إجتماع عمل لأداء صلاتهم في وقتها. كما طالب طلاب مسلمون أن يعدّوا لهم غرفة خاصة للصلاة داخل الجامعة وتحضير طعام خالٍ من لحم الخنزير في المقصف إلخ...
أقرّت المملكة المتحدة وكندا في بعض مناطقها قانوناً يسمح للمواطنين المسلمين أن يلجأوا إلى محاكم إسلامية لحل أي مشكلة كالطلاق وحصر الإرث، فبات يحق للمواطن المسلم في هذه المناطق أن يلجأ إلى أسس دينه أولاً بدلاً من القانون.
لقد نتج عن ذلك كله مشاكل عدّة أبرزها ما يلي:
• هل نسمح للمواطن باللجوء إلى قانون آخر لحل مشكلته في حال لم يُرضِهِ قرار القانون الصادر عن السياسة التي يتّبعها ؟
يرفض الدستور الفرنسي أن يلجأ المواطن إلى قانون آخر غير القانون الفرنسي والسبب واضح. عندما يلجأ المواطنون إلى مرجعين مختلفين لحل المشكلة نفسها ينتج عن ذلك اختلافاً كبيراً في ما بينهم، ولا يتحقّق العدل الذي ينص عليه الدستور الفرنسي.
• هل يجب تحمّل نتائج أسس الأديان حتى لو تعارضت في بعض الأحيان مع قوانين الدولة ؟ وبالمقابل هل يجب على المواطن المسلم أن يحترم قرار الدولة حتى لو تعارض مع مبادئ القرآن ؟
• من الممكن جدّاً الحكم على نزاع ينشأ بين مواطنين مسلمين أو مواطنين مسيحيّين بطريقة مختلفة جدّاً فبالتالي لا يتحقّق العدل المطلوب في ما بينهما.
• يعتمد القضاة في أحكامهم الدينية على علم تفسير القرآن وكذلك على الأحاديث الإسلامية التي تعود إلى 1300 عام، حيث يحلّلها رجال الدين حسب الوضع الحالي آخذين بعين الإعتبار كل المفاهيم الدينية الراسخة فيها. ولذا يُنظر إلى المجتمعات الحديثة التي لا تزال تفضّل الأحكام الدينية في قوانين الدولة على أنها ترفض الانخراط في المجتمع الحديث وتشكّل خطرا على الحياة المدنية.
إعادة إدخال أسس وعادات الدين الإسلامي في القوانين
تعتبر تركيا وبعض البلدان القديمة السوفياتية مثل كازاخستان وتركمانستان وآذربيجان البلدان الإسلامية الوحيدة التي تتّبع مبدأ العلمانية بشكل واضح. أي لا تنصّ قوانين هذه البلدان على أي مبدأ إسلامي. ونجد أن البلدان الإسلامية التي هي قليلة جدّاً نذكر منها السعودية وطالبان وأفغانستان وبعض الدول في شرق آسيا. أما قوانين معظم البلدان الإسلامية فهي مستوحاة من شريعة الدين الإسلامي ولكن يختلف دورها وأهميتها حسب بعض المواضيع كالطلاق وتعدّد الزوجات. فكان القانون المغربي مثلا يميل إلى الشريعة الإسلامية أكثر من إيران وذلك قبل العام 2004 من تجديد دستورها.
يجدر بالذكر أن التشريعات غالباً ما تكون صادرة عن قوانين الدولة العثمانية التي تأسست في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وتتعاطى المحاكم الدينية في لبنان وفلسطين والأردن مع كل حالة حسب الإنتماء الديني للفرد.
في العام 1970 بدأ تحرّك تحت عنوان سيادة الشريعة في القوانين، وقد وافق الكثير من البلدان على مبدأ إدخال الشريعة في القوانين بهدف تفادي تدخّل الجماعات الإسلامية. ويعتبرهذا المبدأ الجديد مصدر ضعف للمرأة في ما يتعلّق بأحوالها الشخصية، خصوصاً الطلاق والإرث.
تنص المادة الثانية من الدستور المصري الذي صدر في العام 1972 على أن الشريعة هي المصدر الأساسي لكل قانون في الدستور، أما السودان فأقرّت في العام 1983 قانون جنائي إسلامي، وبدأت باكستان بتنفيذ نظام جديد أقرّته في العام 1985 ينصّ على استبدال المحاكم البريطانية القديمة بمحاكم إسلامية، مشدّدين على أن الشريعة هي المصدر الأساسي لكل قانون. وتبنّت الجزائر عام 1984 واليمن عام 1992 تطبيق نظام الشريعة في الأحوال الشخصية، كذلك دعا أمير الكويت بعد حرب الخليج لعقد لجنة تهدف إلى إدخال أسس الدين في القوانين. أما سوريا فأقرّت في دستورها عام 1972 بأن يكون رئيس الجمهورية مسلماً.
أصبح هذا النظام الجديد مصدر قوة الأطراف المتشددة لنشر ثقافتها الدينية بشكل قانوني. ففي بغنلادش تلاحق هذه الأطراف الكاتبة تسليما نصرين لتلفّظّها بكلمات تسيئ إلى الدين الإسلامي أمام محاكم الدولة. أما في مصر، أصدرت أطراف خاصة قراراً بفسخ عقد زواج الكاتب الراحل أبو زيد من زوجته لأنها مسلمة، وتكثر ملاحقة المسيحيين في باكستان لتلفّظهم بكلمات تسيء أيضا إلى الدين الإسلامي. لا يعتبر مبدأ إدخال الشريعة في القانون نظاماً قانونياً إيجابياً من وجهة نظر أي دولة متحضّرة، وإنما هو مجموعة مفاهيم يطبّقها القاضي في حالات معيّنة فلا يرتكز إلى قوانين دستورية مقرّرة مسبقاً. دوره الأساسي هو تحليل كل حالة على حدة وإيجاد القانون المناسب لها استناداً إلى أسس الدين، وما على سلطات الدولة إلا تشريع هذه القوانين الجديدة.
[1]*ـ كاتب سياسي اجتماعي، له العديد من الأبحاث منها: شارلي إيبدو: حرية الرأي أم احترام الرسول ـ كيفية دمج اللاجئين في المجتمع.
ـ العنوان الأصلي للمقال: La Laïcité française et ses consequences
ـ ترجمة: نبيل المنصوري.