الدين والعلم
تكامل في الأصل.. تمايز في الحضور
صدر العدد الجديد من فصليّة "الاستغراب" العدد 13، خريف 2018، وقد عالجت موضوعاته وأبحاثه قضيّة الدين والعلم والإشكاليّات الفلسفيّة والمعرفيّة التي رافقت هذه الثنائية على امتداد قرونٍ متّصلةٍ من تاريخ الحداثة في الغرب.
تضمّن العدد مجموعةً من الأبحاث، حاولت الدخول إلى عمق القضيّة والإحاطة بأبرز مشكلاتها.
في المبتدأ، يكتب الباحث محمود حيدر مقالته الافتتاحيّة وهي بعنوان: "العلم العائد إلى وحيه"، وفيه يفتح الكاتب على مسعىً تنظيريٍّ، يهدف إلى تظهير رؤى نقديّة معمّقة لإفهام الحداثة الغربيّة حول العلاقة غير المتكافئة بين العلم والدين.
في باب "محاورات"، نقرأ مناظرةً حول العلم والدين في المنظور الإسلامي جرت في العام 2003 بين البروفسور سيد حسين نصر والبروفسور مظفّر إقبال. تناولت المناظرة نطاقاً واسعاً من القضايا المتمحوِرة حول المفهوم العام للإسلام، ومواقف المسلمين تجاه العلم المعاصر، بالإضافة إلى إحياء التقليد الإسلامي المتمثِّل باكتساب العلم، ودور المسلمين القاطنين في الغرب في إنعاش هذا التقليد الإسلامي، ووسائل صيانة الأبعاد المختلفة للحضارة الإسلاميّة.
في "الملف"، مجموعةٌ مختارةٌ من الدراسات والأبحاث جاءت على الترتيب التالي:
ـ دراسة للباحث البريطاني جون تايلور تحت عنوان: العلم، الدين والحقيقة (Science, Religion and Truth) رؤيةٌ في مفهومي النسبانيّة والواقعانيّة. ضمّن الباحث دراسته تأصيلاً لمفهوم الحقيقة في الروايات الواقعيّة ثم سلّط الضوء على الجدل الدائر حول التفسيرات الواقعيّة والنسبويّة للعلم في سياق العمل الأدبي المؤثّر لتوماس كوهن المسلَّط على النماذج والثورات العلميّة. كما سوّغت الدراسة الاعتراض على الموقف النسبوي القائل بأنّه لا يمكن فهم طبيعة الخلاف حول المعتقد الديني إلا من خلال فهم الحقيقة الموضوعيّة، وهو ما فتح طريقاً برأي الباحث أمام تفسيرٍ واقعيٍّ لهذا الجانب من الدين الذي يهتمّ بمحاولة تقديم تفسيرٍ أساسيٍّ لخصوصيات الواقع.
ـ المفكّر الإسلامي علي عابدي شاهرودي كتب حول العلم الديني كمفهوم، وذهب إلى تأصيل أطروحة العلم الديني انطلاقاً من الهندسة المعرفيّة للمعادلات التي تنظّم العلاقة بين العلم والدين. يشرح مفهوم العلم الديني على ضوء موازنة المعادلات القائمة بين العلم والدين. كما وانطلاقاً من القانون المطروح في علم الكلام قديمِه وجديدِه، كما في الأبحاث والدراسات التي تنظّر للاجتهاد الفقهي في علم الأصول.
ـ في بحثٍ تحت عنوان: المبدأ الإنساني وجدل العلم والدين (The Science and Religion – Debate – an Introduction). يتحدّث العالم الفيزيائي واللاهوتي البريطاني المعاصر جون بولكينغهورن (John Polkinghorne)، عن موقعيّة الإنسان في النشأة الكونيّة انطلاقاً مما قدّمته علوم الفيزياء الحديثة. كما يربط بين معطيات هذه العلوم والأسس اللاهوتيّة في إطار الجدل المفتوح بين الدين والعلم.
ـ تحت عنوان "نقد العقل الأوروبي"، يتحدّث الباحث والمفكّر السوداني عمر الأمين أحمد عبد الله حول وجوب تفكيك البنية المعرفيّة والحضاريّة للعقل الأوروبي، وفي سياق بحثه يبيّن الاختلال الكياني الوجودي الذي لحق العقل الحداثوي، بسبب انبنائه على الفصل الحاد بين العلم والإيمان الديني. كما سعى إلى تقديم منظوريّةٍ معرفيّةٍ إسلاميّةٍ تعيد وصل ما قطعه العقل الغربي من أواصر الوحدة والتواصل في الحضارة الإنسانيّة الحديثة.
"العلم والدين: بداية كل الأشياء" دراسة للفيلسوف واللاهوتي السويسري المعاصر هانس كونغ، وهي ترجمةٌ للفصل الأول من كتابٍ شهيرٍ له بعنوان: "العلم والدين ـ بداية كلّ الأشياء". يتناول كونغ في هذا الفصل العلاقة بين الرؤية الأنطولوجيّة للوجود وواقعيّة الخلق الفيزيائي، وذلك انطلاقاً من مبدأ التلازم الوثيق بين الدين والعلم في النظر إلى الوجود وإن بلغةٍ مختلفةٍ. من الجدير هنا لفت عناية القارئ إلى تضمّن هذه المقالة جملةً من الإشكاليّات المركزيّة، منها ما يطرح بهذا الخصوص نظريّة التكامل بين العلم والدين بمعنى التفاعل النقدي والبناء بينهما. يؤدّي إلى انسحاب سلبيات العلم من النسبيّة وإلى عدم القطعيّة في الدين أيضاً. ولذا استناداً إلى هذا المدّعى، فمشروع كونغ للتلاحم بين العلم والدين ورفع التناقض بينهما، هو في الحقيقة تنازلٌ من جانب الدين لصالح العلم ليصبح الدين فرضيّةً قابلةً للنقاش والأخذ والرد، وهذا مرفوضٌ وعودٌ على بدء.
ـ الباحث المصري مصطفى النشّار كتب حول "مفهوم الدين وتصنيف الأديان"، وقد تطرَّق فيه إلى رؤى الأديان المختلفة للمفهوم، انطلاقاً من تأسيس كلّ دينٍ لماهيّته والغاية الإلهيّة منه، كما عقد رؤيةً تحليليّةً لموقف الأديان من العلم سواءً في الفضاء الإسلامي أو في الفضاء الغربي المسيحي، قاصداً جلاء جملةٍ من المجهولات المعرفيّة المتّصلة بهذا الشأن.
ـ "هل يحتاج العلم إلى الدين"، هو عنوان البحث الذي يتناوله بالتحليل الأستاذ في فلسفة الدين والرئيس المؤسس للجمعية الفلسفيّة في بريطانيا روجر تريغ (Roger Trigg). والسؤال في هذا البحث يبدو مدهشاً وشاقاً وإشكالياً في الوقت نفسه، فهو سؤالٌ غير مألوفٍ ضمن مناخٍ معرفيٍّ وثقافيٍّ يتموضع العلم فيه مكانةً مرجعيّة. فقد بات يشكّل منظومةً مُغلقةً ويفترضُ أنّ كلَّ الواقع يقعُ ضمن قبضته.
تحت عنوان " العلم والدين: جدليّة الاتصال والانفصال وإشكاليّة الأنساق المعرفيّة". قام الباحث العراقي الشيخ عدنان الحسّاني بمقاربةٍ لجدليّة الانفصال والاتصال بين العلم والدين، منطلقاً من أربع إشكاليات معرفيّةٍ تشكّل الأساس المنهجي في التعامل مع رؤيتين متفاوتتين في المنهج وهما العلم والإيمان الديني. سعى الكاتب إلى تمييز هذه الإشكاليات وفق المحدّدات التالية: إشكاليّة الإمساك بزمام السلطة المعرفية، إشكاليّة تعيين الحدود المعرفيّة ضمن مناطق الفراغ، إشكاليّة توزيع السلطات في إدارة الثابت والمتغيّر، وأخيراً إشكاليّات تعيين الصلاحيات في نطاق المحكي والمسكوت عنه.
ـ في باب "حلقات الجدل"، لدينا مجموعة أبحاثٍ تدور حول العلم والدين وقد جاءت على الشكل التالي:
تحت عنوان "تاريخ العلاقة بين العلم والدين"، تقدّم أستاذة الفلسفة في جامعة أوكسفورد هيلين دي كروز (Helen D. Cruz) نظرةً عامةً إلى المواضيع والنقاشات حول العلم والدِّين. وتركّز في هذا الإطار على مسألة الخَلْق والفعل الإلهي ومبدأ الإنسان. كما تتناول الاتّجاهات المستقبليّة في دراسة العلم والدِّين.
الباحث الإيراني علي رضا قائمي نيا يكتب حول "الدين والذكاء الاصطناعي". وفيه يتناول واحدةً من أبرز القضايا المعرفيّة التي أخذت مساحةً بيّنةً من الجدل منذ عصر التنوير إلى يومنا هذا، عنينا بها علاقة الدين بالتحوّلات العلميّة الكبرى وخصوصاً مسألة الذكاء الاصطناعي. وهذا البحث يتمحور حول السؤال المركّب التالي: ما هو التأثير الذي يتركه الادّعاء القائل: (إنَّ الحاسوب الآلي يفكّر، أو أنّ الشيء الوحيد الذي يستطيع التفكير هو الحاسوب الآلي)، في بعض معتقداتنا الدينيّة؟ وبالتالي هل يتعارض هذا الادّعاء مع مضامين النصوص الدينيّة؟
ـ تحت عنوان: "جدليات العلم والدين والسياسة" يناقش الباحث اللبناني جهاد سعد التعقيدات التي عصفت بالحداثة الغربيّة حيال هذه الثلاثيّة، ثم يمضي بالتحليل إلى تظهير منظومة فهمٍ للعلاقة بين العلم والدين والسياسة، مؤسّسةً على منظورٍ معرفيٍّ إسلاميٍّ تتكامل فيه هذه العلاقة الثلاثيّة الأبعاد من دون أن يشوبها أيّ تناقض.
في باب "الشاهد" يكتب الباحث البروفسور أحمد عبد الحليم عطيّة عن شخصيّةٍ دينيّةٍ وعلميّةٍ، تعدّ من أبرز الشخصيات العربيّة الإسلاميّة في عالم المناظرة بين الدين والعلم، وهو الفيلسوف المصري الشيخ طنطاوي جوهري، 1862م ـ 1940م، وفيه يتناول سيرة هذا الفيلسوف خلال الفترة التي أعقبت حملة نابوليون بونابرت على مصر، والآثار المعرفيّة والفكريّة والاجتماعيّة التي ترتّبت على الثقافة الدينيّة، والسجال الذي احتدم آنذاك حول العلاقة بين العلم الحديث وأصالة الإسلام.
في باب "عالم المفاهيم" كتب الباحث خضر حيدر تعريفاً عاماً بالقواعد والمرتكزات العامة التي ينبني عليها كلّ من الدين والعلم. ينقسم البحث إلى قسمين: يتناول القسم الأول إطلالةً إجماليّةً على معنى الدين ومفهومه، وقد عرض الكاتب ما قدّمته الأدبيات الغربيّة في مجال علم اجتماع الدين، وما قدّمته الأدبيات الإسلاميّة في تعريفها للدين وفقاً لما جاء في القرآن الكريم. أمّا القسم الثاني فيتناول تعريفاً لمصطلح العلم من خلال ما جاء في التراث العالمي من مقارباتٍ في هذا الشأن.