تضمن العدد الثالث من فصلية "الاستغراب" الذي حمل عنوان، "حضور الديني" تغطية للتحولات التي شهدها العالم والغرب حول النزاع بين الطويل الدين والعلمانية، وبروز تيارات وأفكار تتحدث عن عودة الدين ليحتلّ مساحة واسعة من النقاش بين فلاسفة الغرب ومفكريه في مرحلة ما بعد الحداثة.
توزّعت الأبحاث والمقالات الواردة في هذا العدد على الأبواب المخصّصة لها، وفي ما يلي الملخصات التالية عنها:
ـ في الافتتاحية كتب مدير التحرير المركزي محمود حيدر مقالة قدّم فيها للعدد وتضمنت إحاطة إجمالية بأبرز العناوين الفكرية التي تشكل محور السجال الدائر حول الدين في مرحلة ما بعد العلمانية، والتحولات الجذرية التي طرأت على طبيعة هذا السجال مع بداية القرن الحادي والعشرين.
ـ في باب "محاورات" نقرأ حواراً مع المفكر البروفسور طلال أسد أستاذ الأنثربولوجيا في جامعة نيويورك، وقد دار الحوار بشكل أساسي حول كتابه المعروف "سلالات الدين: الانضباط وأسباب السلطة في المسيحية والإسلام". في هذا الحوار الذي أداره معه كريغ مارتن يؤكد أسد على أن الدين الأصيل ليس مغلقاً أمام العقل النقدي.
ـ في "الملف" نقرأ البحوث والمقالات التالية:
ـ كتب Anthony Thiselton حول الفكر اللاهوتي عند الفيلسوف الألماني (Paul Tillich) وتناول فيه عدداً من أطروحات تيليش حول النقد التاريخي للكتاب المقدس، واللاهوت الدفاعي، ومفهوم الخلاص، وعلاقة اللاهوت الدفاعي، ومفهوم الخلاص وعلاقة اللاهوت بالتطور العلمي ولغة الدين والسلطة الكنسية.
ـ تحت عنوان "الدين في الفلسفة ـ قراءة في الرؤية الهيغلية"، أشار الباحث الجزائري شريف الدين بن دوبه، إلى وجود ثلاث قواعد رئيسية لمنظومة هيغل هي: العقيدة المسيحية بوصفها حقيقة مطلقة، العوامل التاريخية التي أدت إلى الانحراف في العقيدة المسيحية، وعقيدة الثالوث.
ـ الباحث والمفكر الإيراني مسعود آذربيجاني عرض في بحثه "علم نفس الدين" إلى آراء عالِمَي النفس فرويد ويونغ حول الدين من زاوية سيكولوجية، كما بيَّن الاختلافات بينهما في ما يتعلق بالنظرة إلى علاقة الفرد والجماعة بالدين.
ـ عالم اللاهوت اليوناني Konstantions D. GIANNIS، تناول في مقالته "الدين والسياسة" مسار النظريات العلمانية وما بعد العلمانية، وأشار إلى اهتمام المجتمعات المدنية في الغرب بالدين والإيمان وتأكيد حضوره وفعاليته في مجمل القضايا وخصوصاً في مجال السياسة والسلطة.
ـ المفكّر المصري أحمد عبد الحليم عطيّة كتب تحت عنوان "فويرباخ راهناً"، وفيه ركّز على الجدل اللاهوتي والفلسفي بين هيغل ونيتشه (Nietzsche) كما رصد أبرز أطروحات فويرباخ الفلسفية التي أحاطت ـ كما يقول ـ بمجمل الفضاء الروحي للحضارة الأوروبية الحديثة.
ـ جان لوي شليغل Jean-Louis SCHLEGEL الباحث الفرنسي في علم اجتماع الأديان، كتب مقالاً بعنوان: (Religion et sécularisation Sience et religion) وفيه يتناول الكيفية التي سيطرت النزعة فيها "الدهرية" على البحث العلمي، وعلاقة ذلك بالموقف من الدين والوجود، كما يشير إلى أن الداروينية على سبيل المثال طرحت نصوص الكتاب المقدس بشكل عميق ابتداءً من القرن التاسع عشر وما ترتب على ذلك من صدام كبير بين العلم والدين.
ـ اللاهوتي والفيلسوف الكندي (Gregory Go Boom) كتب تحت عنوان: "مستقبل الدين" Lavenir de la religion . وقد أجرى مقارنة بين مطارحات عالِمَي الاجتماع اميل دوركايم وماكس فيبر، حيث توصل إلى استنتاج مؤداه ضرورة إعادة قراءة نصوص العالِمَين المذكورين حول المجتمع باعتباره منتجاً للوعي الشخصي.
ـ الباحث الإيراني وأستاذ الفلسفة في جامعة طهران عبد الحسين خسروبناه، يكتب بحثاً عنوانه: "حقيقة الدين" وفيه تعريف لمفهوم الدين كما تناولته المعارف الفلسفية واللاهوتية في الغرب، وكذلك تعريف الدين من وجهة نظر إسلامية. كما يعرض الكاتب إلى الفروع العلمية التي تناولت فلسفة الدين، ومنها: علم الاجتماع الديني وعلم نفس الأديان، وفينومينولوجيا الدين وعلم الكلام واللاهوت.
ـ في باب "حلقات الجدل" مجموعة مقالات جاءت على النحو التالي:
ـ الباحث في الفلسفية السياسية والاجتماع الديني محمود حيدر قارب ظاهرة الأصولية المسيحية انطلاقاً من النموذج التاريخي الأميركي وكتب تحت عنوان: "صورة الأمبريالية الدينية" وفي المقالة تركيز على النشأة الدينية لأميركا. ودور العقائد الدينية، وخصوصاً البروتستانتية الإنجيلية في تشكّل ما سمي بـ "الدين المدني" في التجربة الأميركية.
ـ الباحث الإيراني في علم الاجتماع الديني ياسر عسكري كتب عن "حكاية لاهوت التحرير" وذكر أوجه الاختلاف والتمايز بين قواعد هذا اللاهوت والقواعد التي يقوم عليها اللاهوت المسيحي المعاصر كما تمثله الكنيسة الكاثوليكية، كما تناول أصل المصطلح ومعناه والأسباب التي أدت إلى ظهوره في أميركا اللاتينية.
ـ الباحث في جامعة كوبنهاغن جيمس سبيكارد (James V. Spickard) عرض ست روايات حول الدين استناداً إلى دراسات علم الاجتماع ووضعها تحت سؤال: "ماذا يحدث للدين؟"..
نشير إلى أن منهجية هذه المقالة تقوم على ترتيب المقاربات الحديثة لعلم الاجتماع الديني ضمن ست مجموعات، كل واحدة منها تحكي قصة مختلفة عما يحدث للاجتماع الديني في أواخر حقبة ما بعد الحداثة.
ـ الباحث العراقي مازن المطوري كتب تحت عنوان: "الإلهيات في الفلسفة الغربية، وفيها يعرض إلى البحوث التي تناولت البراهين على وجود الله منذ أريسطو إلى عصر ما بعد الحداثة في الغرب، وينطلق الباحث هنا من القواعد المنطقية للفلسفة الأولى ليواصل مناقشته لمسألة البرهان الوجودي كما وردت في الفلسفتين الإسلامية والمسيحية في أوروبا.
في باب "الشاهد" تناولنا السيرة الذاتية والعلمية للفيلسوف الفرنسي الكبير بيير بيل، وقد عرض الباحث العراقي جعفر حسن الشكرجي النزعة الشكِّية عند بيل، ملاحظاً أبرز نظرياته وأطروحاته في هذا المجال وتأثيرها على الجيل الفلسفي الجديد في أوروبا.
كما تضمن الباب عرضاً للسيرة الذاتية وأهم الأعمال والمؤلفات التي قدمها.
ـ في باب منتدى "الاستغراب"، لدينا موضوعان: الأول: ندوة تحت عنوان: الدين والعولمة والعلمنة" وفيها مداخلات لأربعة من علماء الاجتماع هم: خوزيه كازانوفا، جيل كيبل، توماس هاليك، وغريس ديفي. وتطرقت إلى إشكاليات العلاقة بين الدين والعلمنة في عصر العولمة. وقد عقدت هذه الندوة التي أدارتها الباحثة في جامعة جون كارول الأميركية دوريس دونيللي في براغ عاصمة تشيكيا في إطار مؤتمر "فوروم 2000" في تشرين الأول 2016.
الثاني: "حلقة فكرية" تحت عنوان: "الحداثة والأديان" وشارك فيها أربعة من الفلاسفة وعلماء الاجتماع هم: أوليفييه آبل، جان بوبيرو، مارسيل غوشيه، وأوليفييه مونغان.
تناولت هذه الحلقة أبرز القضايا المتعلقة بالدين والعلمانية في المجتمعات الغربية المعاصرة، وأهمها نظرية "الخروج من الدين" التي طرحها الفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه، والمعنى المقصود منها.
في باب "نصوص مستعادة" نقرأ ثلاثة نصوص لثلاثة من كبار علماء القرن العشرين في أوروبا والعالم الإسلامي.
النص الأول لعالم الفيزياء آلبرت أينشتاين قد تحدث فيه عن العلاقة الوطيدة بين العلم والدين. ودور الشعور الديني في إنجاز الكشوفات العلمية الكبرى.
النص الثاني: للفيلسوف الإسلامي العلامة محمد حسين الطباطبائي ويتناول فيه تعريفاً للدين على أساس الحكمة والنص القرآني، ثم ينتهي إلى أن الإسلام يقدم حياة معنوية أوسع وأعمق مما هي عليه في الأديان والمذاهب الأخرى.
ـ النص الثالث هو لفيلسوف الأخلاق الأميركي والتر ستيس وفيه يقدم تحليلاً فلسفياً معمقاً عن علاقة الدين بالعلم انطلاقاً من علاقتهما بالمهندس الأعظم للكون وهو الله تعالى.
تشير إلى أن النصوص الثلاثة متباينة ومختلفة من حيث الأسس والمبادئ والمناهج إلا أنها تعالج الإشكالايات المعرفية حول الدين من زوايا مختلفة ومن منطلقات علمية بحتة لاهوتية وفلسفية.
في باب "عالم المفاهيم" لدينا مقالتان: الأولى بعنوان: "تعريف الدين" للباحث الأميركي روبرت ميلتون، والثانية: مصطلح فلسفة الدين للكاتب خضر إبراهيم، تتضمن المقالة الأولى معالجة ابستمولوجية لتعريف كلمة الدين كما وردت في كتابات ثلاثة من العلماء وفلاسفة الدين: بول تيلش، ابراهام ماسلو، ملفرود سبير.
أما المقالة الثانية، فتعرض إلى أهم التعريفات التي وردت حول مصطلح فلسفة الدين.
في باب "فضاء الكتب" قراءة لكتابين الأولى : (L'homme – Dieu) للفيلسوف الفرنسي Luc Ferry، وقد عرض الكاتب جميل قاسم إلى أهمية هذا الكتاب في سياق الجدل الفلسفي حول الدين في عصر الحداثة، كما بيّن مكانة الفيلسوف فيري بين فلاسفة الدين الأوروبيين في عصر ما بعد الحداثة.
أما الكتاب الثاني فهو كتاب (Dynomics of Faith) ديناميات الإيمان للفيلسوف الألماني PAUL Tillich. وقد تناولت الكاتبة اللبنانية جمانة عبد الهادي أفكار تيليش وعرضت إلى أهم القضايا التي تناولها وخصوصاً نظريته حول الدين والأخلاق والتصوف وقضية ما يسميه بـ "الإيمان الأقصى" كشرط للمعرفة الحقيقية لجوهر الدين.