ما بعد العلمانية الحدث والمفهوم
صدر العدد الجديد من فصلية "الاستغراب" وهو الثامن لصيف 2017 حيث خُصِصَت أبحاثه ومقالاته حول نظرية "ما بعد العلمانية" كما يجري تداولها في أوروبا والولايات المتحدة، وكما تتلقاها النخب الثقافية في العالم العربي والإسلامي.
تضمن هذا العدد من الفصلية التي تصدر عن المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية (مكتب بيروت) سلسلة من المقالات والأبحاث العربية والأجنبية حول القضية المشار إليها، وجاءت حسب ترتيب الأبواب على الشكل التالي:
في باب "المبتدأ"، كتب مدير التحرير المركزي محمود حيدر حول "ما بعد العلمانية" كمفهوم نظري وكحادث تاريخي جرت وقائعه في الإرهاصات الأولى لحركة الحداثة. كما تطرق إلى ضرورة أن تعمل النخب العربية والإسلامية على إعادة النظر بالمفاهيم الوافدة إليها كمعطيات معرفية قابلة للنقد والنقض والمراجعة.
في باب "محاورات" نقرأ حواراً مع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس أجراه معه الباحث إدواردو مندياتا EDUARDO MENDITA وجاء تحت عنوان: A postsecular World Society? on the Philosophical Significance of Postsecular consciousness and the Multicultural world society. هذا الحوار مع الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يعدُّ محطة تأسيسية في سياق الكلام على نظرية المجتمع ما بعد العلماني. وخلاله تصل الأسئلة والأجوبة إلى عمق التنظير الفلسفي حول قضية شكلت محور الجدل المديد الذي عصف بأزمنة الحداثة على امتداد أربعة قرون خلت.
ـ الحوار الثاني جرى مع المفكر الفرنسي إدغار موران وتناول فيه أزمة إنتاج المعرفة في الغرب.
في هذا الحوار الذي أجراه معه لورانس بارانسكي بدا موران كما لو كان يبحث عن منفسح إضافي لنقد العيوب المروِّعة التي أصابت الفكر الغربي بالصميم في زمن العولمة فقد تركز الحوار مسارات التفكير في أوروبا على الخصوص والغرب عموماً هذا إلى جانب الملاحظات التي قدمها موران حيال جوانب شتّى، ولا سيما الجانب المتصل بإصلاح الفكر بوجهيه الاجتماعي والذاتي.
في باب "الملف": مجموعة أبحاث ومقالات تتناول العنوان نفسه وردت على النحو التالي:
ـ دراسة لعالم اجتماع الأميركي رودني ستارك Rodni تحت عنوان: Secularization, R.I.P
في هذه الدراسة نقرأ تحليلاً سوسيولوجياً معمّقاً للأطروحة العلمانية في اختباراتها ونظرياتها المتعددة الظهورات في التاريخ الحديث. وقد يكون اللاَّفت في دراسة ستارك أنه يصدر حكماً معلّلاً يبيّن فيه مناطق الإشكال في التجارب العَلْمانية سواء في أوروبا أو في أميركا الشمالية. كذلك حين يحدد إخفاقاتها في مواجهة الإيمان والأصوليات التي ما تزال حيّة في المذاهب المسيحية الغربية.
ـ تحت عنوان "دور الدين في الفضاء العمومي" كتب الباحثان الإيرانيان حسين غفاري ومعصومة بهرام دراسة مشتركة تلقي الضوء على دور الدين في الفضاء العمومي كما يراه الفيلسوف الألماني المعاصر يورغن هابرماس.
يدرس الباحثان تطوّر نظرة هابرماس إلى الدين من خلال عرض المبادئ والمباني الفلسفية التي تبنّاها خلال حياته الفكريّة في نسختيها الأولى واللاحقة. وأما الهدف الأساس الذي تبتغيه الدراسة هو التحليل النقديّ لآراء هابرماس ونظريّاته في دور الدين في الفضاء العموميّ، وذلك باعتماد منهجية تحليل المضمون والدراسة النقدية المقارنة لأفكاره.
ـ المفكر الفرنسي جان بوبيرو Jean BAUBÉROT كتب تحت عنوان "العلمنة والليئكة" secularisation et laïcisation
ورأى أن علماء الاجتماع ناقشوا مفهوم «العلمنة» sécularisation، بمعناه الأعمّ ووجدوا أنه يعني فقدان الأهمّية الاجتماعية للدّين في بعض المجتمعات الحديثة. وقد أشار إلى أن هذه المجتمعات هي بالتحديد تلك التي تعمل وفق معايير العقلانية الأَدَويّة instrumental المُرتبطة بالعلوم والتقنيات. وهذا «الفقدان» مُرتبط برأيه بالتغييرات الاجتماعية الناجمة عن ديناميكية الرأسمالية الصناعية. وهكذا، فإنّ الموضع الأصلي للعلمنة، برأي بيتر بيرغر Peter Berger (في سنة 1967) كان الدائرة الاقتصادية، بخاصّة «القطاعات الاقتصادية المُختلفة التي لها مصدرها ضمن عمليات رأسمالية وصناعية».
ـ يناقش عالم الاجتماع البروفسور طلال أسد في مقالة مطولة قضية الحجاب الإسلامي كما تعاملت معه العلمانية الفرنسية. وتأتي هذه المقالة في إطار مشروعه المعرفي الذي يبحث في العلاقة المعقدة والمتشابكة بين الإسلام والغرب، كما يتناول جملة من الإشكاليات المتعلقة بما يُسمّى بقضية الحجاب الإسلامي في فرنسا وصياغته الرئيسية الواردة في تقرير لجنة ستاسي.
ـ تحت عنوان "ما بعد العلمانية كحادث تاريخي ـ معاينة للإستثناء الأميركي" يناقش الباحث محمود حيدر نظرية "ما بعد العلمانية" في إطار التجربة التاريخية الأميركية. ومن أجل هذه الغاية أسس بحثه على فَرَضية تقول ان النظرية الما بعد علمانية من قبل ان تجد سبيلها إلى المداولة مع بدايات القرن الحادي والعشرين، كانت حاضرة بالفعل في الولادة العسيرة والمعقدة لأميركا في القرن السابع عشر. ومثل هذه الفرضية تجد أحد مرتكزاتها في التساؤل الذي طرحه عالم اللاهوت الأميركي رينهولد نيبوهر قبل نحو نصف قرن، ويدور حول السبب الذي يجعل الأميركيين أكثر الشعوب تديناً وأكثرهم علمانية في الوقت عينه.
ـ المفكر المغربي حميد لشهب يكتب مقالة بعنوان "ما قبل" "ما بعد العلمانية" وفيها يسعى إلى جلاء اللَّبس الذي تثيره المصطلحات والمفاهيم التي نشأت حديثاً في الغرب، ومنها على الأخص مصطلح "ما بعد العلمانية".
في مقالته يركز الكاتب على الوجه المنهجي في مقاربة هذه القضية الإشكالية. ثم ليبيِّن المشكل المعرفي الذي تولِّده الموجة المفاهيمية حول "الما قبل" و "الما بعد" حتى بين النخب الغربية نفسها.
ـ البروفسور سيزار ميرليني Cesare Merlini كتب مقالة حاول فيها الإجابة على السؤال التالي: هل دخل العالم مرحلة ما بعد العلمانية A post-secular World يقول Merlini في هذه المقالة أن عودة الدين في العقود الأخيرة إلى مسرح السياسة العالمية إلى الحديث عن مصير العلمانية وانتقال العالم إلى مرحلة ما بعد العلمانية. حيث بدأت تتضح معالم التغيّرات في النظام العالمي الذي ساد منذ معاهدة وستفاليا، وأضحى العالم اليوم أمام سيناريوهين الأول يفترض انهيار النظام العالمي والدخول في حالة من الفوضى والنزاعات، وسيناريو آخر يتمثل ببقاء النظام الحالي متماسكاً.
يبيّن الكاتب الإيطالي سيزار ميرليني في مقالته أن السيناريو الثاني هو الأكثر احتمالاً وان الطروحات التي لا تؤمن بالتعددية لا مستقبل لها.
ـ الباحث الإيراني آرمان زارعي تناول في دراسته حول: "ما بعد العلمانية في فكر يورغن هابرماس" الخلفيات الاجتماعية التي اعتمد عليها هابرماس في مجال تحليل ماهية الدين، ومن ثم بيان آرائه حول الدور الذي تفيه المعتقدات الدينية على الصعيد الاجتماعي العامّ والحياة السياسية، وكذلك توضيح أوجه الاختلاف بين استدلالاته والاستدلالات التي طرحها سائر المفكّرين الليبراليين الغربيين وعلى راسهم جون رولز.
ـ في باب "حلقات الجدل" مجموعة مقالات جاءت كما يلي:
ـ الباحث العراقي عامر عبد زيد الوائلي كتب تحت عنوان: عنف الكنيسة الغربية ـ اضطهاد العلماء وأثره في تطوّر العلمنة الشمولية ويرمي هذا البحث إلى تأصيل حقبة تاريخية في الغرب الحديث جرت فيها أحداث ومنعطفات تأسيسية، وكان محورها العنف المفتوح بين اللاَّهوت المسيحي والتنوير العلماني.
كما يسعى البحث إلى بيان المشهد التاريخي لدور الكنيسة في مواجهة ثورة العلم والعنف الذي مورس بحق العلماء وأثر ذلك في ظاهرة العلمنة الحادة.
ـ المفكر المصري أحمد عبد الحليم عطية تناول قضية: ما بعد العلمانية وظاهرة الإلحادـ رؤية نقدية في الحالة العربية في هذه الدراسة يبحث البروفسور عطيّة في الحقل المشترك بين الإلحاد والعلمنة والنتائج المترتبة على ذلك. الحالة التاريخية العربية التي يعتمدها عطية أساساً لدراسته هي ظاهرة التلازم بين العلمنة بأطوارها ومعانيها المختلفة وبين الإلحاد. يعرض في هذا السياق على سبيل المثال الى ثلاثة تيارات شكلت الصورة الإجمالية للتفكير العلماني الإلحادي في العالمين العربي والإسلامي: الأول: ينطلق من المرتكزات المعرفية نفسها للإلحاد الغربي، والثاني: ينطلق من أرضية وهابية عبرت عنها كتابات السعودي عبد الله القصيمي والتيار الثالث: وهو ما لا يعتبره الباحث إلحاداً بالمعنى النمطي للكلمة، وعبّرت عنه مجلة “العصور” القاهرية لصاحبها إسماعيل مظهر في عشرينيات القرن الماضي.
ـ الباحث الفرنسي Rojer MONJO يكتب تحت عنوان: اللّائيكية والمجتمع المابعدعَلْمانيّ Laïcité et société post-séculière. حيث يُسلط هذا المقال الضّوء على أصالة (فرادة / (originalité مفهوم «المجتمع المابعدعَلْمانيّ» من خلال طرْح مسألة تَمفْصُل (تشابك(articulation / هذا المفهوم مع النظريّات التقليديّة للعلْمنة (sécularisation). على وجه الخصوص. هل يهدف هذا المفهومُ إلى التهيئة لـ «عودةٍ للدّينيِّ» (retour du religieux)؟ أم إنّ المقصود، وعكس ذلك، هو ترسيخ سيرورة العلمنة نفسِها؟ كما يحاول الباحث الفرنسي روجيه مونجو الإجابة على هذا السؤال عبر إعادة طرح سؤال استطرادي حول مسألةَ تطبيق مبدأ اللّائيكيّة (laïcité) في سياقٍ مابعدعَلمانيٍّ كهذا. والنتائج المترتبة على ذلك.
ـ في باب "الشاهد" تناول هذا العدد السيرة العلمية شخصية المفكر والمؤرخ المصري الراحل عبد الوهاب المسيري، وقد تم اختيار أبرز مقالاته حول العلمانية كمفهوم وكسياق تاريخي في أوروبا والعالم العربي.
في هذا النص للمفكر المسيري سوف نقرأ مراجعة نقدية شاملة لمفهوم العلمانية كما جرى التعامل معه في الغرب وكذلك الكيفية التي تم التعاطي بشأنه بين النخب العربية.
ـ باب "منتدى الاستغراب" نقرأ للباحث الفرنسي تارين مونت ألفرني مطالعة بعنوان "إعادة النظر في مبدأ اللائيكية الفرنسية
La remise en cause du principe de laïcité à travers l’affaire du foulard الجدير بالذكر أن هذه المطالعة تضيء على قضية معاصرة وشديدة الحساسية في العلاقة بين أوروبا والإسلام. حيث يسعى الكاتب إلى إعادة تأصيل المفهوم استناداً إلى التجارب المعاصرة التي جرت في فرنسا ولا سيما لجهة الجدل الحاصل حول مسألة الحجاب الإسلامي.
في باب "نحن والغرب" يتناول الباحث العراقي محمد عبد المهدي سلمان الحلو قضية المصطلح في فكر الباحث الإسلامي المصري محمد عمارة. فهناك مجموعة كبيرة من المصطلحات المتقابلة تكتظ بها كتابات عمارة. ولا شك في أن هذه الثنائيات المتجاورة مع بعضها تعبر عن نسيج فكري مُحكم في منجزه الابداعي، وهي تتبلور من خلال استعمالاته لها، وتداوله لهذه المصطلحات: (داخلي ـ خارجي، تخلف ـ تقدم، استقلال ـ تبعية، عالمية ـ عولمة، تنوير ـ تزوير، الولاء- البراء، الوحي – الكون، الدين – الدولة، الموروث ـ الوافد، التدافع ـ الصراع).
هذا البحث الذي وضع تحت عنوان "جدلية الصراع والتدافع بين الشرق الإسلامي والغرب العلماني هو محاولة تأصيل الإشكالية من خلال ما قدمه عمارة من كتابات جدالية في هذا الشأن.
في باب "نصوص مستعادة" اخترنا لهذا العدد دراسة لعالم الاجتماع الأميركي من أصل إسباني خوسيه كازانوفا تناول فيه العلاقة بين الدين والدنيا في إطار حديثه عن مشكلة العلمنة في الغرب الحديث، نشير إلى أن هذا النص مستلّ من كتاب المفكِّر الأميركي اللاتيني وعالم الأنثروبولوجيا خوسيه كازانوفا "الأديان العامة في العالم الحديث".
ـ في باب "عالم المفاهيم" نقرأ مقالتين تتركزان على معنى ودلالات مفهوم ما بعد العلمانية.
الأولى كتبها الباحث الكندي جان مارك لاروش وفيه يركز على توضيح الالتباسات المعرفية المتصلة بمصطلح ما بعد العلمانية وما بعد العلماني. وهذا المصطلح الذي أخذ مساره ليتحوّل إلى مفهوم متداول في الوسط الأكاديمي الغربي يبدو بجد أهميته في تعريفه للقارئ العربي اليوم وسط الجدالات التي يرتفع منسوبها يوماً بعد يوم بين النخب العربية والإسلامية حول المستقبل الذي ينتظر مجتمعاتها.
المقالة الثانية بقلم الباحثة كريستينا شتوكل Kristina "بعنوان: "محاولة تعريف بعد العلماني" Defining the Postsecular
تقترح هذه المقالة تعريفاً لمصطلح «بعد العلماني» Postsecular. حيث تطرح فَهمين ممكنين: الأول أن "بعد العلماني" يعني إزالة العلمانية de-secularization، ويعني ما يلي العلمنة، أي تغيّر في النظام يعيد المجتمع إلى الدين. أما الثاني فيقوم على أن بعد العلماني هو شرط للعصرنة والتعايش بين العلماني والدين، وهذا ما يمكن فهمه في أبعاد ثلاثة: معياري، اجتماعي ـ سياسي ـ تاريخي، وفينومينولوجي. وأن لكل من هذه الأبعاد توتّره الخاص: التراث الكانطي مقابل التراث الهيغلي والنموذج مقابل الممارسة في "بعد العلماني" الاجتماعي ـ السياسي ـ التاريخي؛ والفردي مقابل الجمعي في بعد العلماني الفينومينولوجي.
في باب "فضاء الكتب" نقرأ عرضاً وتحليلاً لكتابين الأول للأنثربولوجي طلال أسد تحت عنوان: "تشكُّلات العلمانيّة" ويتضمن
مجموعة من الأسئلة والافتراضات المتعلقة بالعلمانية، جاءت على الشكل الآتي: ما الصلة التي تربط بين «العلماني» بوصفه فئة معرفية لها رؤيتها للوجود والحياة، و"العلمانية" باعتبارها مذهباً سياسياً؟ وهل يمكن أن يكوِّنا موضوعيّ بحث في الأنثروبولوجيا؟ وكيف يمكن أن تبدو أنثروبولوجيا العلمانية؟ وهل يمكن فهم «العلمانية» قبل فهم «الدين»؟
ـ الكتاب الثاني بعنوان: "الثمن الباهظ للمادية" للمفكر الأميركي تيم كاسر والتي صدرت ترجمته العربية عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية في بيروت.
نشير إلى أن المؤلف هو من علماء النفس البارزين في الولايات المتحدة الأميركية. وقد اشتهر بمواقفه المعارضة لأنماط الحياة التي فرضتها العلمنة على الإنسان الغربي لتحوله إلى مجرد رقم باهت في نظامها العام.