البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مسار الروح بين هيغل وصدر الدين الشيرازي، الحركة الجوهرية نقيض الديالكتيك الهيغلي

الباحث :  علي حقي و حسين شورفزي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  14
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 16 / 2019
عدد زيارات البحث :  4297
تحميل  ( 424.876 KB )
ملا صدرا بطرحه مسألة الحركة الجوهريّة، ساق مبحث الحركة في الفلسفة إلى مضمار ما بعد الطبيعة، وقد أثبت تجرّد النفس على ضوء اعتقاده بأنّ جميع الكائنات تسير نحو الكمال.

وأمّا هيغل فقد اعتبر تأريخ الفلسفة بأسره عبارةً عن مسيرةٍ للروح المطلقة التي تتأمّل بذاتها عن طريق الأذهان المحدودة لكي تبلغ مرتبة الكمال، أي تصبح حرّةً برأيه.

تطرّق الباحثان في هذه المقالة إلى الحديث عن الحركة في الفلسفة على ضوء آراء ونظريات الفيلسوفين ملا صدرا وهيغل، ثمّ أثبتا وجود الكثير من المشتركات بينهما على هذا الصعيد، إذ يمكن القول أنّهما تبنيا نظرةً متكافئةً حينما طرحا مسألة الحركة في منظومتيهما الفلسفية رغم اختلافهما في الأصول الفكرية.

المحرر

-----------------------------------

بعد أن طرح ملا صدرا نظريّة الحركة الجوهريّة ضمن مباحث حكمته المتعالية، شهدت الكثير من مسائل الفلسفة تحوّلاً مشهوداً على صعيد الطرح والتنظير، وهذا الأمر لم يقتصر على الفلسفة فحسب، وإنّما طرأ على الأخلاق أيضاً بعد أن شهدت الكثير من مسائلها تحوّلاً واسع النطاق. فهذه الأطروحة تؤكّد على الدور الفاعل للأخلاق في ظهور الإنسان وبنيته وتربيته، بمعنى أنّ الفعل الذي يقوم به يعدّ في بادئ الأمر حالاً ثمّ يتحوّل إلى ملكةٍ وفي ما بعد يصبح صورةً جوهريّةً، وبما أنّه يتجلّى في رحاب صورةٍ جوهريّةٍ فالنفس تكون بالنسبة له بمثابة المادّة، وهذه الصورة بالنسبة له ليست سوى صورةٍ، وعلى هذا الأساس فالحقيقة تتبلور من مجموع هذه المكوّنات.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا الفيلسوف المسلم قد حاد عن المسلك الذي اتّبعه الفلاسفة الذين سبقوه بعد أن طرح نظريّة الحركة الجوهريّة، إذ إنّه لم يقبل بمسألة الإدراك الحسّي للحركات السطحيّة، ولم يرق له النهج العرفاني الشعوري الذي كان سائداً على نطاقٍ واسعٍ في عهده، بل اعتمد على فكرٍ أنطولوجيٍّ متقوّمٍ على مبدأ أصالة الوجود لإثبات حقيقة الحركة العامّة والأساسية في العالم المادّي على ضوء براهين عديدةٍ ومتنوّعةٍ.

وأمّا مفهوم الروح في الأصول الفلسفيّة التي تبنّاها هيغل، فهي تعتبر الأهم من بين سائر المفاهيم التي تطرّق إلى الحديث عنها بالشرح والتحليل، وقد بلغت درجةً من الأهميّة بحيث لا يتسنّى لنا فهم منظومته الفكريّة الفلسفيّة دون معرفة دلالتها حسب الآراء التي طرحها؛ لذا على ضوئها نتمكّن من فهم سائر المفاهيم التي طرحها مثل الإدراك الكلّي ومعرفة النفس والاستعلاء والإطلاق والحرّية والوجود لأجل طرفٍ آخر، وما شاكل ذلك.

الإدراك أو الرّوح حسب وجهة نظره عبارةٌ عن موضوعٍ يتجلّى في بادئ الأمر على هيئةٍ ذهنيّةٍ مكنونةٍ في باطن الذات الإنسانيّة، وهو في هذه الحالة يسعى إلى أن يصبح أمراً مطلقاً، وفي هذا السياق يسلك نهجاً منطقياً للولوج في مقولات الفكر، ولكن نظراً لكون عالم الإثبات محدوداً ونظراً لأنّ رغبة الإنسان تتمحور حول بلوغ عالم الثبوت، فهذا الأمر في عالم الطبيعة يسير نحو التحوّل إلى أمرٍ خارجٍ عن نطاق الذات ليصبح من جملة الأشياء الموجودة في عالم الخارج. وبالتالي فالرّوح وفق مبادئ علم الفلسفة هي التي تبلور وحدة النفس في نطاق الذهن والخارج، أو أنّها الفكر والوجود الذي يبلغ ذروة الوعي وقمّة الحرّية.

أوّلاً: نظريّة ملا صدرا

صدر الدين الشيرازي المعروف باسم ملا صدرا وصدر المتألّهين، هو أوّل من ابتكر مسألة الحركة الجوهريّة، في حين أنّ الفلاسفة المسلمين الذين سبقوه وعلى رأسهم الفارابي وابن سينا وشيخ الإشراق والميرداماد طرحوا الحركة على صعيد الأعراض، أي في الكمّ والكيف والأين والوضع بحيث اعتبروها مستحيلة الحدوث في مجال الجوهر.

المسألة المحوريّة التي أكّد عليها ملا صدرا في نظرية الحركة الجوهرية هي أنّ الحركة تعدّ أمراً ذاتياً للكائنات المادّية ما يعني عدم وجود أيّ كائنٍ مادّيٍّ ثابتٍ ذاتياً، ومن هذا المنطلق لا صواب لقول من قال أنّ الله عزّ وجلّ خلق عالم المادّة أوّلاً ثمّ جعله متحرّكاً، بل خلق هذا العالم متحرّكاً بذاته، وهو في حركته ليس بحاجةٍ إلى فاعلٍ وعلّةٍ.

الحركة حسب مبادئ الفلسفة المتعالية لا تعني الكون والفساد والتغيّر الوضعي وفق أطروحة الرئيس ابن سينا، وإنّما هي عبارةٌ عن تغيّرٍ جوهريٍّ تدريجي، وحدوثٍ تدريجيٍّ، أو حصولٍ أو خروجٍ من الاستعداد إلى الفعلية، وهذه الحركة التجريديّة تطرأ على وجود الشيء المادّي لا على ماهيته.

ننوّه هنا إلى أنّ الحركة والمتحرّك يجسّدان أمراً واحداً في عالم الخارج برأي ملا صدرا.

الحركة الجوهريّة برأي هذا الفيلسوف المسلم تحتاج إلى من يفيض الوجود، وهي في غنًى عمّا هو مفيض للحركة، بينما الحركات العرضيّة التي تحدث في عالم الطبيعة والتي تتبلور في نطاق إحدى المقولات العرضيّة مثل الحركة في الكيف أو الكمّ أو الوضع، هي بحاجةٍ إلى محرّكٍ يفيض عليها الحركة.

إذاً، الطبيعة المتجدّدة في الحركة الجوهريّة تفتقر إلى مفيضٍ يفيض الوجود عليها، حيث يتجلّى هذا الأمر في رحاب الحركة الذاتية للجوهر ما يعني أنّ الجعل المتحرّك - الجسم - في الحركات العرضية ليس ذات جعل الحركة، وهذا يعني أنّه معلّلٌ بمحرّكٍ خارجٍ عن نطاق ذاته. ومن هذا المنطلق أكّد ملا صدرا على أنّ كلّ متحرّكٍ لا بدّ وأن يكون مفتقراً إلى محرّكٍ ثابتٍ، إلا أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الحركات الجوهريّة لكون جعل الطبيعة هو عين جعل الحركة، ومن ثمّ فالجوهر ليس مفتقراً في حركته إلى محرّكٍ خارجٍ عن نطاق ذاته، وإنّما افتقاره مقتصرٌ على جاعل الوجود فحسب.[2]

ومن جملة ما أكّد عليه أنّ الحركة ما دامت تعني قابليّة الشيء للاتّصاف بالتحرّك، فهذا يقتضي أن تكون العلّة القريبة منها لا تتّصف بذاتٍ ثابتةٍ وفي غير هذه الحالة سوف لا تتلاشى أجزاء الحركة وإثر ذلك لا تصبح حركةً وإنّما تكون مجرّد سكونٍ. إذاً، الفاعل المباشر للحركة هو أمرٌ تكون الحركة لازمةً لوجوده الذاتي، وبطبيعة الحال حينما تكون هذه الميزة من اللوازم لأمرٍ ما فهو ذو ماهيّةٍ غير متحرّكةٍ؛ ولكن مع ذلك فهي ليست منفصلةً عنه من الناحية الوجودية، وكلّ شيءٍ يكون من مقتضيات وجود أمرٍ ما فلا يوجد جعلٌ بينه وبين مقتضاه. وفي هذا السياق قال: إنّ جاعل الحركة يعتبر في جوهره جوهراً لنفسه.[3]

الفاعل المباشر للحركة استناداً إلى ما ذكر، هو ليس العقلَ المحضَ الذي لا يمكن أن يكون عرضةً للتغيير، وليس النفسَ من حيث ذاتُها وحقيقتُها العقلية، وإنّما هو النفس من حيث كونها موجودةً في الجسم ومتعلّقةً به، ومن هنا يطلق عليها عنوان «طبيعة». إذاً، طبيعة الشيء هي الفاعل المباشر للحركة لا أعراضه، فالأعراض تابعةٌ للجوهر في وجودها وفي أفعالها وآثارها[4] ما يعني أنّ الحركة الذاتية عبارةٌ عن جوهرٍ.

وبتعبيرٍ بسيطٍ يمكن وصف الحركة الجوهريّة كما يلي: الجوهر هو الأساس والبنية للكون، وجميع الجواهر تتحرّك بشكلٍ دائمٍ دون انقطاعٍ ولو للحظةٍ واحدةٍ، فحتّى أعراض الجوهر مثل اللون والحجم هي في حالة تغيّرٍ متواصلٍ جرّاء الحركة الدئمة المستبطنة في ذات الجوهر الذي عرضت عليه. ومن ثمّ يمكن القول أنّ الحركة الجوهريّة هي عين وجود الجوهر ولا تفتقر إلا إلى فاعلٍ إلهيٍّ خالقٍ للوجود، أي إنّ إيجاد الجوهر هو عين إيجاد الحركة الجوهرية، في حين أنّ حركة الأعراض تابعةٌ للحركة الجوهريّة.[5]

كما ذكرنا أعلاه فالتغييرات التي تطرأ على الأعراض ناشئةٌ من طبيعة الجوهر الذي تعرض عليه، وهذا يعني عدم وجود أيّ ترديدٍ في حركة أعراض كلّ جوهرٍ، فلون التفاحة يتغيّر على سبيل المثال، والسبب في تغيّره هو الحركة الجوهريّة لجوهره، ومن هذا المنطلق يجب أن يكون الفاعل الطبيعي لهذه التغييرات متغيّراً أيضاً، وبالتالي فالجوهر الذي يعتبر فاعلاً طبيعياً للحركات العرضيّة لا بدّ وأن يكون متحرّكاً.

الجدير بالذكر هنا أنّ ملا صدرا ساق الكثير من الأدلّة لإثبات نظريته التي طرحها في مجال الحركة الجوهرية، أحدها المسيرة التكامليّة للنفس الحيوانيّة التي تبلغ مرتبة النفس الناطقة والإدراك العقلي، إذ إنّ كلّ كائنٍ له غايةٌ في مسيرته التكاملية، وهي لا تتحقّق إلا على ضوء الاتّحاد لا الانفصال، وعلى هذا الأساس بمجرّد أن يتجاوز المتحرّك مرتبة الكمال، يصبح عين غايته في نهاية المطاف.

ومن أطروحاته في مجال تكامل مراتب العقل النظري، أنّ العقل الهيولاني يتّحد مع العقل الفعّال بعد أن يبلغ مرتبة العقل المستفاد،[6] وهذا الأمر يقتضي تحقّق الحركة الجوهرية وتغيّر ذاتي الشيء، كما أنّ حصول التصوّرات الجزئيّة التي تعتبر مبادئ للحركات الجزئيّة يكون تدريجياً وعلى هذا الشكل: كلّ حركةٍ تعتبر متجدّدةً بحدّ ذاتها، ومن ثمّ تصبح جميع نقاط انطلاقها من تصوّراتٍ وعلومٍ متجدّدةً أيضاً ما يعني أنّ المؤيّدين للحركة الجوهرية يستنتجون من مسألة تجدّد العلوم أنّ الجوهر متحرّكٌ بذاته، وأنّ النفس الناطقة لكي تبلغ مرتبة الكمال لا بدّ أن تكون متغيّرةً في كلّ لحظةٍ، وهذا التغيّر يحدث إثر تجدّد الصور.

النفس الإنسانية تطوي مراحلها التكاملية بعد خلقها جرّاء الحركة الجوهرية الموجودة في البدن الذي تتعلّق به، وبالتالي تصبح لها القابلية لامتلاك جميع الإدراكات الحسّية والتصوّريّة والوهميّة وكذلك العقلية، والعقل برأي ملا صدرا يطوي مسيرةً تكامليّةً ضمن أربع مراتب كالتالي:

المرتبة الأولى: العقل الهيولاني

العقل الهيولاني هو عبارةٌ عن استعدادٍ وقابليةٍ بحتةٍ، وفي هذه المرحلة لا يمتلك أيّ انفعالٍ إزاء البديهيات والعلوم النظرية.

المرتبة الثانية: العقل بالملكة

العقل بالملكة بإمكانه إدراك البديهيات الأوّلية وهو مستعدٌّ لمعرفة العلوم النظريّة.

المرتبة الثالثة: العقل بالفعل

العقل بالفعل تتبلور فيه بديهياتٌ ونظرياتٌ، حيث يستنتج العلوم النظرية من البديهيات المكنونة فيه.

المرتبة الرابعة: العقل المستفاد 

العقل المستفاد يضمّ في باطنه جميع المعقولات البديهيّة والنظريّة، وله القابلية على مقارنتها مع الحقائق الموجودة في العالم المادّي والعالم العلوي، ومن ثمّ يمتلك علماً حضورياً.[7]

يشار هنا إلى أنّ المقصود من أجزاء الصور الجوهريّة في الحركة الجوهريّة هو تلك الدرجات والمراتب المتفاضلة التي يعيّن العقل لكلّ واحدةٍ منها ماهيّةً مستقلّةً وحدّاً مشخّصاً،[8] وعلى هذا الأساس يقال أنّ الحركة التي تعتبر خروجاً من الاستعداد إلى الفعليّة، هي في الحقيقة خروجٌ من النقص إلى الكمال باعتبارهما وصفين لشيءٍ متحرّكٍ بشكلٍ متوازٍ مع الحركة.[9]

ولدى بيانه طبيعة الحركة الجوهريّة، أكّد ملا صدرا على أنّ الجوهر يتحرّك لأجل أن يتكامل، ومن هذا المنطلق فالعالم الجسماني قاطبةً يتكامل في كلّ آنٍ ولحظةٍ ما يعني أنّ اللحظة الثانية غير اللحظة الأولى، وهذه الحركة الدائبة في الصور التي تستقرّ بهيئتها الأشياء، هي في الواقع غطاءٌ كائنٌ على غطاءٍ آخر، ومن ثمّ تعتبر ارتداءً على ارتداءٍ وليست من سنخ الارتداء بعد الخلع.

الكائنات في هذا العالم على أساس ما ذكره ملا صدرا بخصوص الحركة الجوهرية، تتّصف ذاتياً بالإمكان أو الفقر الوجودي ما يعني أنّ كلّ شيءٍ بحدّ ذاته في هذا العالم ليس سوى عدمٍ، فالوجودات فيه تعلّقيّةٌ بحيث لو جرّدت للحظةٍ واحدةٍ من تعلّقاتها تصبح عدماً نظراً لفقرها الذاتي، فكلّ كائنٍ ينزع إلى نفي نفسه بمقتضى فقره الوجودي، وهذا هو ذات المعنى الذي نستلهمه من مفهوم السيلان والتجدّد المطروح في فلسفة ملا صدرا، إذ نقول على أساس الحركة الجوهرية بأنّ كلّ ظاهرةٍ مادّيةٍ لها القابلية على التغيّر والتحوّل وفق مقتضى ذاتها وجوهرها، ومن ثمّ فإنّ وجودها في كلّ لحظةٍ هو غير وجودها الكائن في اللحظة التي سبقتها أو التي تليها الأمر الذي يعني دوام فعل الخلقة من قبل الذات الإلهية المطلقة، فالخلقة متواصلةٌ ومفاضةٌ في كلّ آنٍ دون انقطاعٍ.[10]

ملا صدرا في نظريّة الحركة الجوهريّة أكّد على أنّ الروح ثمرةٌ للتحوّل الحاصل من حركة البدن الجوهرية، إلا أنّ هذا لا يعني كون الروح معلولةً للبدن وقائمةً به، أو أنّها صفةٌ ذات طابعٍ طفيليٍّ بالنسبة له، وإنّما البدن يمثّل أرضيّةً وقابليّةً لها، فهي تتنامى وتترعرع في أحضانه، وهذا الأمر بطبيعة الحال لا يعني أنّ البدن يلد الروح، فغاية ما يفعله هو توفير الظروف المناسبة لظهورها. الروح بهذا البيان عبارةٌ عن صورةٍ تعدّ كمالاً بالنسبة إلى مادّة البدن وفعليّةً جديدةً تنالها هذه المادّة، كما أنّها تمثّل وجوداً خاصّاً بحاجةٍ إلى أرضيةٍ مادّيةٍ كي تظهر، لكنّها في الحين ذاته مستقلّةٌ عن المادّة والشروط المادّية في بقائها ودوامها.[11]

وأمّا بالنسبة إلى النفس، فقد تبنّى فكرة أنّها غير مفتقرةٍ لحاملٍ مادّيٍّ في مقام بقائها ودوامها، حيث ذكر مثالاً رائعاً حول العلاقة بينها وبين البدن، وتقريره كما يلي: النفس كالطفل الذي هو بحاجةٍ إلى رحم أمّه في بادئ الأمر، لكنّه حينما يتكامل وجودياً يصبح في غنى عنه.[12]

فضلاً عمّا ذكر، أكّد على أنّ كلّ بدنٍ ضمن حركته الجوهرية يبحث عن روحٍ تتلائم معه، وهذه الروح لا تكون في بادئ الأمر شيئاً، بل تتنامى وتترعرع في مواكبة البدن لتكتسب خلال هذه المسيرة فعليتها وصورتها الخاصّة بها[13] .

ينبغي التنويه هنا على وجوب الاعتقاد بكون النفس حاملةً للبدن وفق مبادئ فلسفة هذا الحكيم المسلم، والعكس ليس صحيحاً، فالنفس هي التي تفعّل الجسم وتكوّنه وتسوقه نحو جهاتٍ عديدةٍ وتدبّر شؤونه كيفما تشاء، أي أنّها هي التي تتولّى مهمّة فاعلية البدن والعكس ليس صحيحاً.[14]

ومن جملة آرائه الأخرى أنّ النفس ضمن حركتها الجوهرية لا بدّ أن تجتاز منازلَ ومراتبَ متنوّعةً، فهي عبارةٌ عن حقيقةٍ واحدةٍ ومشكّكةٍ، ومن هذا المنطلق تجرّب في مسيرتها العديد من النشآت، والدنيا خلال هذه المسيرة تعدّ واحدةً من منازلها، ولربّما تكون أوّل منزلٍ لها، لذا لا محيص لها من اجتياز هذه المرحلة التي تفرض عليها إلزاماتها وتبعاتها. إذاً، لا بدّ من الاهتمام بالأمور الدنيويّة وعدم الغفلة عن البدن الذي هو في الواقع عبارة عن مركبٍ للنفس، إذ إنّ اجتياز هذه المرحلة يقتضي وجود مركبٍ تمتطيه النفس، والبدن بطبيعة الحال هو مركبها في الدنيا.[15]

النفس الأولى تظهر على هيئة جسمٍ، ثمّ تتحوّل إلى نفسٍ نباتيّةٍ[16] عن طريق الحركة الجوهرية، وبعد ذلك تصبح نفساً حيوانيةً، وفي نهاية المطاف تتحوّل إلى نفسٍ ناطقةٍ إنسانيةٍ. وجميع هذه المراحل مكنونةٌ في الجوهر على نحو الاستعداد، حيث تتحرّر من تعلّقها بالمادّة وتخرج من نطاق الاستعداد المحض بواسطة التحوّل الذاتي الباطني، وكما هو معلومٌ فالرأي الذي تبنّاه صدر الدين الشيرازي في هذا السياق نستشفّه من عبارته المعروفة: «النفس جسمانيّة الحدوث وروحانيّة البقاء»، وهو يجسّد ما ذكرنا أعلاه[17]. ومن جملة ما أكّد عليه في منظومته الفكريّة أنّ البدن الدنيوي يتحوّل من صورته الدنيويّة إلى صورةٍ برزخيّةٍ وصورةٍ أخرويّةٍ، ومن ثمّ اعتبره خالداً وأخروياً على أساس خلود النفس، كما قيّد شخصيّة الإنسان وهويّته بالصورة الكماليّة والنفس الناطقة، وذهب إلى أبعد من ذلك ليعتبر تشخّص البدن متحقّقاً على هذا الأساس.[18]

وممّا طرحه حول الجوهر أنّ وجود جميع الكائنات هو عين السيلان والشوق للمبدأ، والجوهر في الواقع هو الذي يجسّد السيلان والحركة، وعلى ضوء ذلك فالتحوّل في الأعراض والظواهر منبثقٌ من الحركة الجوهرية، لذا يمكن اعتبار عالم الطبيعة بأسره مضماراً للحركة والانفعال والشوق بغية الوصول إلى الموجود أو الموجودات المجرّدة التي هي خاتمةٌ للحركة ومحلٌّ للثبوت والسكون، فهذه المجرّدات هي التي تفيض السيلان وتعتبر بحدّ ذاتها علّةً للحركة. إذاً، يمكن القول بأنّ هناك نظاماً للكائنات الخالدة المتحرّرة من قيود الزمان في ما وراء النظام المادّي الذي يمتاز بطابعٍ تدريجيٍّ ويكون بحدّ ذاته عرضةً للفناء والزوال، وهذه الكائنات محيطةٌ بنظام الخلقة ومقدّمةٌ عليه، بل إنّها تشرف عليه، والحقيقة أنّ جميع الكائنات تسير نحو هذا النظام الخالد على ضوء حركتها الجوهريّة.[19]

وقد اعتبر ملا صدرا رفض فكرة الحركة الجوهريّة واحداً من آثار الاعتقاد بأصالة الماهيّة، فكلّ شيءٍ حسب هذا الاعتقاد له ماهيّةٌ وجوهرٌ محدّدان يجسّدان الحقيقة والوجود الخارجي. يشار هنا إلى أنّ واقع كلّ شيءٍ منوطٌ بماهيته، لذا فكلّ تغيّرٍ وتحوّلٍ يطرأ عليها يسفر عن انتقاض واقع متعلّقها، وعلى هذا الأساس رفضت مبادئ الحكمة المتعالية فكرة أصالة الماهية لتتبنّى رؤيةً جديدةً - تتقوّم على فكرة أصالة الوجود - فقد أكّد ملا صدرا على أنّ وجود الأشياء، ما دام أصيلاً وماهيتها اعتباريّةً، لا بدّ وأن يطرأ التغيير عليه لكون كلّ تغييرٍ إنّما يحدث في باطن الواقع والحقيقة، وهنا ليس سوى وجود الأشياء لا ماهيتها.

ثانياً: هيغل

الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل طرح فينومينولوجيا الروح في إطار ثلاث مراحل أساسيّة لعمليّة الإدراك، وهي كما يلي:

1 ) الفكرة المنطقيّة أو المفهوم

2 ) الطبيعة

3 ) الروح

هذه المراحل تشمل ثلاثة أقسامٍ أساسيّةٍ هي المنطق وفلسفة الطبيعة وفلسفة الروح.

أوّل مرحلةٍ تجسّد إدراكاً للأمور الموضوعيّة الخارجيّة - غير الذاتية - مثل الأشياء المحسوسة التي هي في موازاة الأمور الذهنيّة - الذاتية - وهي التي أطلق عليها هيغل عنوان وعي أو شعور أو إدراك.[20]

ثاني مرحلةٍ وصفها بأنّها إدراكٌ بالذات[21] وقد تطرّق فيها إلى الحديث عن الإدراك الذاتي الاجتماعي بشكلٍ مسهبٍ.

ثالث مرحلةٍ اعتبرها مرحلة العقل،[22] وهي تمهّد الطريق لاتّحاد المرحلتين الأولى والثانية، أي أنّ العقل عبارةٌ عن بنيةٍ للموضوع الخارجي والأمر الذهني.

أهمّ ما أفاده هيغل في نظرياته الظاهراتيّة يتمحور حول كيفيّة اجتياز مرحلة المعرفة الأوّلية البسيطة وبلوغ مرحلة المعرفة المطلقة الأكثر دقّةً وعمقاً، وهو يعتقد بعدم وجود بونٍ واختلافٍ حتميٍّ بينهما، إذ إنّ المعرفة المطلقة برأيه كامنةٌ في باطن ذات الشعور البسيط والمعرفة الابتدائية. ولا نبالغ لو قلنا أنّ مسألة الإدراك هي المرتكز الأساسي في جميع مبادئ هيغل الظاهراتية، ومما قاله في هذا المضمار: «الإدراك على غرار الروح في ظهوره، وعلى ضوء تكامله فهو يتحرّر من الوسائط ويتجرّد من تحجّره الخارجي، ثمّ ينال معرفةً خالصةً».[23]

بناءً على ما ذكر يمكن القول أنّ معرفة الصور ضمن الفكر الظاهراتي الذي تبنّاه هذا الفيلسوف الغربي، تحدث في إطارٍ عقليٍّ أو مفهوميٍّ، وأهمّ ميزةٍ لها في هذه الحالة أنّ المتعلّق والمعرفة قد انضويا تحت مظلّة وحدةٍ تامّةٍ، وهذه الحالة وصفها بكونها إدراكاً في مسيرة الحركة التقدّمية باتّجاه الوجود الحقيقي للنفس، وسوف يبلغ نقطةً يزيح معها ظواهر ارتباطه بكلّ ما هو غريب عن ذاته ويزيل جميع أشكال الغيريّة منها ليبقى كائناً لذاته فقط، وهذه هي النقطة التي يتّحد فيها الظاهر مع الذات والوجود، لذلك يرتبط ظاهره مع العلم الحقيقي للروح، ومن ثمّ تتجلّى طبيعته في إطار إدراكٍ ذاتيٍّ مطلقٍ بعد أن يصل إلى مرحلة إدراكها.[24]

ومن جملة ما أكّد عليه أنّ الروح تبدأ مسيرتها من مرحلة اليقين الحسّي[25] ثمّ تطوي مراحل تتمكّن من خلالها بلوغ مرتبة الإدراك المطلق، وخلال هذه المرحلة يمتلك الإنسان ضرباً من الإدراك البسيط والابتدائي على نسق ما يدركه الطفل، حيث يتمثّل وعيه على ضوء مقولاتٍ من قبيل «أين» و«هنا» و«الآن» لكونه ينال على ضوئها معرفةً محدودةً ومقتضبةً.

المعرفة في مرحلة الإدراك[26] ترتبط بالعلاقات بين الأشياء، فعلى سبيل المثال حتّى وإن لم يكن هناك ارتباطٌ ضروري بين اللون الأبيض والطعم المالح بحيث إنّ كلّ واحدٍ منهما يمكن تشخيصه في معزلٍ عن الآخر، لكن ما نسمّيه ملحاً وندركه بهذا الاسم، قد اجتمع فيه هذان الأمران، إذ ما نعيه في مرحلة الإدراك هو فهم واقع العلاقة بين الظواهر.

المرحلة الثالثة من المراحل التي أشرنا إليها في بادئ البحث تعتبر البنية الأساسيّة للنزعة الظاهراتيّة التي تبنّاها هيغل، وهي العقل[27] الذي يدرك ضرورة العلاقة بين الظواهر، وإضافةً إلى هذا الإدراك الذي يعتبر من وظائف عمليّة الفهم، فالعقل يبلغ مرتبة إدراك ضرورتها، ومثال ذلك أنّ إدراك حقيقة العلّة والمعلول  يندرج ضمن مهام العقل، وقيل في هذا السياق: «الإنسان حينما يشاهد الظواهر، يسعى شعوره إلى تجاوز نطاقها بحيث يصل إلى مستوى أعلى منها، ومن ناحيةٍ أخرى فهو يصوغ مفهوماً للضرورة الكامنة في باطنها كقانونٍ لها».[28]

وقد طرح فرضيّةً مطلقةً تعمّ جميع الكائنات باعتبار أنّ عالم الطبيعة ليس سوى انعكاسٍ لسلسلة مراتبه، وهذا الإطلاق يبدأ من أدنى مستوى للوجود ليتحرّك نحو مختلف الأشياء كالجمادات والنباتات والحيوانات، ثمّ يبلغ مرحلته النهائية حينما يتبلور في أعلى مراتبه التكامليّة والمنتظمة ضمن الإدراك الذاتي الذي يناله الإنسان، وعلى هذا الأساس قال: إنّ الأمر المطلق عبارةٌ عن بنيةٍ حيّةٍ وكلّيةٍ يتنامى ويترعرع وينتظم في نطاق ذاته، فهو الذي يحدّد مصيره ولا يتمّ التعرّف عليه إلا عن طريق إدراكه ذاتياً، وهذا الإدراك هو ذات الفهم الذي يتحقّق لدى الفاعل العارف بالأمور، وهكذا يصبح ممكناً.[29]

وقد اعتبر الإدراك الذاتي أو الوجداني[30] قابلاً للتحقّق في إطار الرغبة في معرفة الغير، وهذا يعني أنّه ينصبّ في محرّكه الدافع له من منطلق الرغبة التي تعدّ كالجسر الرابط بين الإدراك الذاتي والأشياء التي ندركها، أو أنّها تقع في مقابل رغبةٍ أخرى لأجل تحقيق هدفها الأساسي، وأبرز مثالٍ لهذه الفكرة ما جاء في حكاية السيّد والعبد، فالمواجهة الخارجية قد تغلغلت في باطن كلّ واحدٍ منهما، ومن ثمّ تحوّل الإدراك الذاتي إلى ضربٍ من التضادّ الباطني الذي يعتبر بحدّ ذاته وسيلةً لتحليل نفسيّة كلّ إنسانٍ لأجل معرفة توجّهاته وطباعه الخاصّة.

هيغل في كتابه الذي دوّنه تحت عنوان «ظواهريّة الروح» طرح مبحثاً حول الآلهة والعبد، ومن جملة ما قاله في هذا القسم من الكتاب: «الرغبة أو الطموح الإنساني يجب وأن يكون متعلّقاً بطموحٍ آخر، لذا إن أريد تحقّقه لا بدّ أوّلاً من وجود عدّة طموحاتٍ حيوانيّةٍ، وهذا يعني أنّ الإدراك الذاتي لا يتحقّق على ضوء نفس القابليات الشعورية المكنونة فيه، وكذلك الطبيعة الإنسانيّة لا تتبلور في رحاب الطبيعة الحيوانيّة إلا إذا كانت الطبيعة الحيوانيّة متعدّدةً في ذاتها؛ وعلى هذا الأساس لا يمكن للإنسان أن يظهر على الأرض ما لم يكن هناك عددٌ كبيرٌ من البشر».[31]

وفي سياق كلامه حول السيّد والعبد، أكّد على أنّ ظاهر الأمر في البداية يدلّ على امتلاك السيّد كلّ شيءٍ بحيث يسخّر العبد للعمل في هذا العالم المادّي، لكنّه مع ذلك بحاجةٍ إلى أن يُعرف من جديدٍ. والجدير بالذكر هنا أنّ العبد يحترم سيّده، لكنّ هذا السيّد ينظر إليه وكأنّه مجرّد شيءٍ من الأشياء بحيث لا يمتلك أيّ وعيٍ مستقلٍّ بما للكلمة من معنى، وعلى هذا الأساس عجز السيّد عن بلوغ المعرفة والاحترام الذي تفتقر إليهما نفسه. وأمّا بالنسبة إلى حالة العبد، فهو ليس على غرار تلك الحالة التي اتّصف بها في بادئ الأمر، ومن المؤكّد أنّه لا يحظى بالاحترام كما ينبغي باعتباره ليس سوى شيءٍ من الأشياء حسب رأي سيّده، إلا أنّه رغم كلّ ذلك يساعد على رقي العالم بفضل جهوده وعمله خلافاً للسيّد الذي لا يمتلك سوى حياة البذخ واللذّة على ضوء استهلاكٍ قصير الأمد.

لا شكّ في أنّ العبد يصوغ أشياءَ مادّيةً بجهوده ومساعيه، ومن هذا المنطلق يبلور تصوّراته وأفكاره على هيئة شيءٍ عينيٍّ ملموسٍ وأمرٍ خالدٍ لا يزول، وهو خلال هذه العملية يدرك ذاته، وهذا الإدراك يتحقّق لديه بصفته أمراً خارجياً أو شيئاً من الأشياء، وحين مزاولته عمله سواءً تحت إشراف صاحب ذهنٍ تناهض توجّهاته ما يجول في ذهنه أو تحت إشراف غيره، فهو يتمكّن من استكشاف حقيقة ذهنه المستقلّ.[32] السيّد في هذا المثال يفرض قيماً أخرى على العبد وكأنّه هو المعيار لذلك، والعبد بدوره يلمس حقيقة نفسه في الطرف المقابل، لذا يتبنّى كلّ واحدٍ منهما أسلوباً يختلف عمّا يتبنّاه الآخر.

الروح تعتبر مدركةً ذاتياً برأي هيغل، وهذا الإدراك الذاتي يجعلها حرّةً، ولكن بما أنّها تجهل كونها حرّةً، فهي مسترقّةٌ، ومن هذا المنطلق أكّد على كونها تسعى بحدّ ذاتها لنيل هذه الحرّية، وبيان ذلك كما يلي: إدراك الروح بكونها حرّةً هو الدليل الأنطولوجي على وجودها، لذا فهي تجسّد الغاية للعالم الروحي الذي يعتبر جوهرياً وأساسياً في حين أنّ العالم المادّي تابعٌ له، وعلى هذا الأساس يقال أنّ الغاية لهذا الكون بشكلٍ عامٍّ تتمثّل في إدراك الروح لكونها حرّةً ومعرفتها لحقيقة هذه الحرّية.

إذاً، الحرّية هي جوهر الروح والغاية التي تسعى الروح لتحقيقها على مرّ العصور،[33] ونستشفّ من المسيرة التأريخية للبشريّة أنّ الإنسان طوال تأريخ وجوده قد ارتقى من مستوياتٍ متدنيةٍ في الحرّية إلى مستوياتٍ عليا، حيث تحوّلت السلوكيات الأقلّ حرّيةً إلى مستوياتٍ أكثر تطوّراً. وخلاصة الكلام أنّنا نتمكّن من فهم واقع فلسفة تأريخ هيغل على ضوء ما طرحه من أفكارٍ حول الحرّية[34].

ومن جملة أطروحاته الفكرية أنّه استعرض مسيرة الروح المطلقة في رحاب مفهوم الديالكتيك، وكما هو معلومٌ فالبنية الأساسيّة لهذا الفكر هي النفي، فكلّ شيءٍ خلال عملية التحوّل الديالكتيكي يظهر قابلياته الكامنة عن طريق نفي أو نقض هويته الفعلية، وعلى هذا الأساس يثبت وجوده.

الفكر الديالكتيكي يتشكّل من ثلاثة أجزاءٍ، كالتالي:

الجزء الأوّل: يتقوّم على البنية التي تعني بساطة الشيء الابتدائية والتي تنطبق بالكامل على كيانه.

الجزء الثاني: هذا الجزء في مقابل نفي البساطة الابتدائية، وهو عبارةٌ عن نفي، أي أنّه غير منطبقٍ على كيان الشيء.

الجزء الثالث: هو نفي النفي الذي يتكوّن من وحدةٍ منطبقةٍ وغير منطبقةٍ على كيان الشيء.

الجزء الأخير يتبلور على هيئة عنصرٍ أكثر كمالاً ووضوحاً، وهو في الحقيقة ثمرةٌ للجزئين السابقين في تجلّي الوجود، وبدوره يتقوّم على ثلاثة مرتكزاتٍ جديدةٍ.

المفهوم المحض للوجود برأي هيغل يعدّ نقطة البداية للحركة الديالكتيكية في الفكر، والتي لا يتحقّق فيها أيّ تعيّنٍ،[35] ومن هذا المنطلق يمكن للحركة أن تسير قدُماً لتصل مرحلة الأوّل السابق لجميع المقولات، وهذه المرحلة هي التي يتبلور في ضوئها المثال المطلق، وبيان ذلك كما يلي: لو أنّ الوجود هو السبب في تحقّق المقولة النهائية، فهذه المقولة هي السبب في مقولته، وهكذا يرجع الفكر وجميع أجزاء السبب إلى ذاته، ونظراً لعدم القدرة على البحث عن سببٍ مقدّمٍ عليه فهو البنية المناسبة التي يمكن اللجوء إليها في معرفة حقيقة الكون.[36]

الفلسفة برأي هيغل ذات بنيةٍ منتظمةٍ يتنامى الفكر ويتطوّر في رحابها، حيث تنطلق من مبدأ بسيطٍ للغاية يتمثّل في إطار فكرٍ غير محدّدٍ بالكامل أو من فكرٍ يتمحور حول عدم التعيّن الصرف، وهو ما أطلق عليه عنوان «وجود». المرحلة التالية هي تنمية هذا الفكر والرقي به باتّجاه سائر الأفكار الأكثر تعيّناً، وهذه العمليّة تشمل الاختلافات التي نتمكّن على أساسها من فهم واقع السير نحو المراحل الأكثر تطوّراً، وثمرة ذلك هي تنامي الفكر وتشكيل بنيته ومعرفة حقيقته باعتباره وجوداً كلّياً ومنسجماً وموحّداً.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الاعتقاد بسيادة العقل على الكون بين فلاسفة العهد القديم قد ظهر للوجود منذ زمان أناكسوغوراس والأزمنة اللاحقة له، حيث لم يكن يعتقد بشكلٍ عامٍّ بإمكانيّة الصدفة في الكون خلافاً لأبيقورس، لكنّ هيغل أكّد على أنّه عجز عن بيان حقيقة العقل الحاكم على الكون ولم يتمكّن من توضيح غايته الحقيقية.[37] ومن هذا المنطلق بادر هيغل إلى بيان حقيقة الكون وغايته، وقد أشار في هذا المضمار إلى أنّ العقل هو الحاكم على الكون بحيث أشاع العقلانيّة على تأريخ البشرية، لأنّه جوهرٌ وقابليّةٌ غير متناهيةٍ وأساسٌ لكلّ وجودٍ مادّيٍّ وروحيٍّ،[38] فهو الذي تتبلور على ضوئه الحقيقة وذات كلّ شيءٍ، ومادّته مكنونةٌ في ذاته، لذلك يقال أنّه ليس على غرار الوجودات المحدودة بداعي عدم افتقاره للانفعال المادّي الذي يطرأ على الخارج، وغايته تعدّ من ناحيةٍ ذات طبيعةٍ مطلقةٍ تعمّ كلّ شيءٍ، ومن ناحيةٍ أخرى فهو يعدّ بحدّ ذاته عاملاً لتحقّقها عن طريق قيامه بتفعيلها في العالمين المادّي والروحي، حيث يخرجها خلال المسيرة التأريخية العامّة من هيئتها الباطنية - الكامنة - ليبلورها إلى حالةٍ خارجيّةٍ أو فعليةٍ.

العقل برأي هيغل خالدٌ وقادرٌ على كلّ شيءٍ بحيث يمتلك القابليّة على إبراز ذاته في الكون، وكلّ أمرٍ يتجلّى في رحاب هذا الكون هو في الواقع ليس سوى العقل، كما أنّ المسيرة التأريخية متقوّمةٌ به، وليس المقصود هنا العقل الذهني والجزئي، وإنّما العقل الربّاني المطلق، فالكون ليس ألعوبةً للصدفة والاحتمال، إذ هناك مرادٌ نهائيٌّ في جميع الأحداث والوقائع التي تطرأ في حياة مختلف الشعوب والأمم.[39] الجدير بالذكر هنا أنّ الحرّية هي مقصود هيغل من الغاية الكلّية والنهائية.

حينما يقول هيغل: «الروح تجعل ذاتها منسجمةً مع عددٍ كبيرٍ من الأذهان المحدودة بشكلٍ فاعلٍ، فهي في هذه الحالة توجد عالماً منسجماً، وخلال ذلك تمسي مدركةً لذاتها وتمتلك قابليةً عقلانيةً»، فهو في الحقيقة يؤكّد على أنّ الروح هي التي تصوغ الكون دون أن تدرك كيف تقوم بذلك، حتّى إنّها لا تدرك كونها قامت بذلك، لذا تعتبر الكون أمراً مستقلاً عن ذاتها. فضلاً عن ذلك اعتبرها في نهاية المطاف تتمكّن بالضرورة من معرفة هذه الحقيقة، حيث تدرك بأنّ الكون الذي تصوّرته مستقلاً عن ذاتها ليس سوى ثمرةٍ لوجودها، حيث تتوصّل إلى نتيجةٍ فحواها أنّ الكون أمرٌ عقليٌّ من الممكن إدراكه باعتباره ثمرةً للعقل. بناءً على ذلك، ذهب إلى القول بأنّ الروح تدرك حقيقة نفسها في رحاب الكون وتنال طمأنينتها وسرورها فيه.[40]

ولو تتبّعنا ما ذكر على ضوء النزعة الظاهراتية، نستنتج أنّ مقصوده من المعرفة المطلقة لا يعدّ مجرّد طرح منطقٍ نظريٍّ بحتٍ أو نظامٍ فلسفيٍّ جديدٍ، بل هو ادّعاءٌ على انفراج عالمٍ جديدٍ للروح، إذا تمكّنت الإنسانيّة بحدّ ذاتها من امتلاك وعيٍ وشعورٍ تصبح قادرةً على أساسه في تعيين مصيرها بنفسها ومن ثمّ تكون حاكمةً عليه.

ثالثاً: مقارنة بين نظريتي ملا صدرا وهيغل

صدر الدين الشيرازي أكّد على أنّ الموجود بحدّ ذاته مركّبٌ من شيئين، أحدهما استعدادٌ -قابليةٌ- والآخر فعليّةٌ، ومن ثمّ يكون استعداده مؤهّلاً للخروج من نطاقه والظهور في إطار الفعليّة بمعونة موجودٍ آخر، وهذا الخروج يحدث بشكلين، تدريجيٍّ ودفعيٍّ؛ حيث اعتبر الأوّل حركةً في ما اعتبر عدم الخروج من الموضوع سكوناً[41]. استناداً إلى ما ذكر أكّد على كون الحركة خروجاً من الشيء المستعدّ أو أنّها خروجٌ متجدّدٌ من الاستعداد إلى الفعلية[42].

وأمّا فريدريك هيغل فقد اعتبر النظام الفلسفي المتنوّع على مرّ العصور سبباً في مواصلة المسيرة التكامليّة وفق أساليبَ مختلفةٍ، وخلال آلاف السنين من الفكر الفلسفي نشأت منظومة المعرفة البشريّة الكبرى على يد معمارٍ واحدٍ، وهذا المعمار ليس سوى الروح الواحدة التي طبعها التفكّر وبلوغ مرتبة الإدراك الذاتي والعروج إلى مراتب وجوديّة أعلى[43].

الحركة الجوهريّة في فلسفة ملا صدرا هي عبارةٌ عن حركةٍ باطنيّةٍ ذاتيّةٍ، وعلى هذا الأساس يتغيّر الشيء في جوهره وذاته فيتحرّك ليتحوّل من جوهرٍ أضعف إلى جوهرٍ أقوى وذاتيٍّ أكثر تكاملاً، والحركة الجوهريّة هي التي تتيح هذا الإمكان الذي تتبدّل على ضوئه الحقيقة المادّية الجسمانية لتصبح حقيقةً مجرّدةً[44].

وعلى ضوء الحركة الجوهريّة تبنّى فكرة حشر ذات البدن والنفس الدنيويين للإنسان في يوم القيامة، وهو لم يؤكّد فقط على وجود حركةٍ تكامليّةٍ للإنسان، بل أكّد أيضاً على كون عالم الطبيعة بأسره يتحرّك في مسيرةٍ تكامليّةٍ لأنّ جميع الكائنات تسير نحو غايةٍ لها، وبالنسبة إلى حشرها في يوم القيامة، اعتبر أنّ كلّ موجودٍ يحشر تناسباً مع طبيعته، لذا يختلف حشر الإنسان عن حشر الشياطين والحيوانات والنباتات والجمادات، فكلّ واحدٍ من هذه الكائنات يحشر وفق طبيعته الخاصّة ومكانته الوجودية[45].

وما أكّد عليه أيضاً أنّ الروح تسعى بشكلٍ دائبٍ إلى استكمال حرّيتها، وهذا السعي يعتبر من ذاتياتها، والجدير بالذكر هنا أنّ حرّية الروح لا تتحقّق على ضوء طمأنينتها، وإنّما من خلال تجرّدها عن كلّ ما من شأنه تعريض هذه الحرّية للخطر، ولكن كلّ شيءٍ يعود في أساسه إلى إدراكها الذاتي. وهناك اختلافٌ كبيرٌ بين معرفة الروح بكونها حرّةً وبين جهلها بذلك، فهي مسترقّةٌ في الواقع حينما تجهل بكونها حرّةً، وتكون في هذه الحالة راضيةً برقّها دون أن تدرك عدم استحقاقها قيود الرقّ.[46]

الروح وفق مبادئ فلسفة هيغل بعد أن تبدأ حركتها تبلغ الذروة دون أن تعرف شيئاً عن ذاتها، وعبر اجتيازها المراحل الثلاثة التي تتمثّل بالفنّ والدين والفلسفة، تبلغ مرتبة الإدراك الذاتي، وبيان ذلك كما يلي:

المرحلة الأولى: (الفن) الروح تدرك حركتها هذه في المرحلة الأولى عن طريق الذهن والروح الإنسانية.

المرحلة الثانية: (الدين) تعرف الروح نفسها بعد المرحلة الأولى ضمن الدين المسيحي.

المرحلة الثالثة: (الفلسفة) تبلغ الروح مرتبة العقلانية المحضة في رحاب الفلسفة فتنفصل بالكامل عن عالم المادّة.

وأضاف أنّ حركة الروح المطلقة تبدأ منذ باكورة خلقتها في إطار حركةٍ متّصلةٍ مداومةٍ على مرّ التأريخ وفق أسلوبٍ ديالكتيكيٍّ لتبلغ مرتبة الإدراك الذاتي.

ومما يعتقد به ملا صدرا أنّ اتّصال الوجود يعني تجلّي حضور جميع الوجودات الآنفة في الوجود الحالي للشيء، وهذا الحضور ليس من سنخ التركيب الوجودي الفعلي للوجودات الآنفة، وإنّما الوجود الفعليّ عبارةٌ عن حقيقةٍ واحدةٍ تنتظم فيها جميع الكمالات الوجوديّة للوجودات الآنفة مع كمالاتٍ وجوديّةٍ أعلى مرتبةً على نحو البساطة والوحدة. وعلى هذا الأساس توصف الحركة بكونها كالامتداد الواحد والمتواصل على مرّ العصور، وأمّا المتحرّك فهو خلال جميع مراحل حركته يحتفظ بوحدته الحقيقية لكي يبلغ مرتبة الكمال والتجرّد، ووفق هذا التحليل أكّد ملا صدرا على أنّ غاية الحركة الجوهرية هي التجرّد من جميع أشكال المادّة.

تنامي الفكر وسيره نحو الكمال برأي هيغل، علامةٌ على وجود حرّيةٍ في التغلّب على القيد الطبيعي ما يعني أنّ الإدراك المتكامل يعي معقوليّة التعقّل، أي إنّه يدرك معقوليّة الأشياء الخارجيّة فيعي هذا الاتّحاد الموجود مع الخارج، لذا يجب التنويه على أنّ حريّة الإدراك للقيد الطبيعي من وجهة نظر هذا الفيلسوف الغربي لا تؤدّي إلى الانفصال عن عالم الخارج.[47]

ومن جملة ما أكّد عليه أنّ شخصاً لو اعتبر الوجود أصيلاً ذا مراتبَ متعدّدةٍ يكون الوجود هو وجه التمايز والاشتراك في ما بينها، سوف يدرك أنّ الطبيعة هي الأخرى مرتبةٌ من مراتب الوجود، لكنّها آخر مرتبةٍ له،[48] ونتيجة ذلك هي بقاء الوجود كصورةٍ جوهريّةٍ في جميع مراحل الحركة لأنّ المتحرّك ليس سوى الأجزاء المتنوّعة للجوهر، بمعنى أنّ الكائن المادّي يمتلك حدوداً جوهريّةً غير متناهيةٍ تتحرّك بشكلٍ دائبٍ من حدٍّ إلى آخر، وجميع هذه الحدود تمثّل مراحل متعدّدة للجوهر.

كلّ كائنٍ باعتقاد ملا صدرا يعتبر متجدّداً من حيث وجوده، لكنّه ثابتٌ من حيث ماهيته، ووجه اختلافه عن الحركة هو ذات ثبوته الماهوي لأنّ الحركة عبارةٌ عن نفس التجدّد والانقضاء، لذا يصحّ قول من قال أنّ موضوع الحركة يجب وأن يكون أمراً ثابتاً من حيث ذاته، إذ المقصود من موضوع الحركة هو موضوعها بحسب ماهيتها، والأمر الذي يصبح موضوعاً للتجدّد هو ما يعرض عليه التجدّد، ومن هذا المنطلق فالموضوع من جهة ذاته وماهيّته لا يكون متجدّداً.[49] إذاً، الهويّة الوجوديّة للجوهر الجسماني ضمن نظرية الحركة الجوهرية، هي التي تتّصف بالحركة لا ماهيته[50].

وقد اعتبر هيغل التأريخ بأنّه يجسّد فعليّة الأمر المطلق - الروح - في نطاق الزمان، وقال بأنّ الروح تتكامل عن طريق مختلف مراحل الحياة الاجتماعية، وبما أنّ الحرّية هي ذات الروح، فمضمون تأريخ الفلسفة والكون يتنامى في رحاب هذه المراحل، كما أنّ تكامل حرّية الإنسان يتبلور على ضوء الأنواع المتوالية للنظام الاجتماعي كمّياً ونوعياً. وعلى هذا الأساس بات كلٌّ من الروح والحرّية مفهومين أساسيّين في فلسفة هيغل.

الحركة على ضوء الفلسفة المتعالية لا تعني الكون والفساد والتغيير الوضعي حسب ما هو مطروحٌ في فلسفة الحكيم ابن سينا، بل هي عبارةٌ عن تغييرٍ جوهريٍّ تدريجيٍّ وحدوثٍ تدريجيٍّ أو أنّها حصولٌ أو خروجٌ من الاستعداد إلى الفعليّة، وهذه الحركة التدريجيّة تتبلور في وجود الشيء المادّي لا في ماهيته، وهي بحسب رأي ملا صدرا من سنخ الارتداء بعد الارتداء، لا الارتداء بعد الخلع، كما أنّ الحركة والمتحرّك في الخارج هما عبارةٌ عن شيءٍ واحدٍ[51]. هذا الأمر في فلسفة هيغل ذو سنخٍ آخر يختلف عمّا تبنّاه ملا صدرا، فالعنصر الأساسي في الديالكتيك هو النفي، أي أنّ الشيء من خلال نفيه نفسه يفعّل استعداده الكامن، ففي رحاب مقولة الوجود على سبيل المثال، يقوم الوجود بنفي نفسه كي تتحقّق مقولة العدم؛ وقد اعتبر هيغل الوجود بكونه هو المبدأَ لبحوثه الفلسفية والديالكتيكية، فالوجود عبارةٌ عن نفيٍ يقوم من خلال نفيه نفسه بإيجاد نفي النفي، ومن ثمّ فالصيرورة هي التركيب بين الأمرين[52].

ومما قاله ملا صدرا أنّ الحركة تبدأ من العقل الهيولاني الذي هو ذات المادّة العارية من الفعلية، وهذه المادّة معتبرةٌ على نحو الغموض ودون تعيّنٍ فقط، لذا لا تأثير لها، بل غاية ما تفعله هو استعدادها لطروء التغيّر عليها، لأنّها ليست شيئاً متحصّلاً وبالغاً مرحلة الفعلية، فشأن المادّة هو الاستعداد والإمكان والنقصان، وبما أنّها مادّةٌ فهي عبارةٌ عن وجودٍ في مرحلة الاستعداد وتمتاز بوحدةٍ ضعيفةٍ يتحقّق تحصّلها وفعليّتها وتعيّنها بواسطة الصورة[53]. وهذا الأمر في فلسفة هيغل ينعكس بذات الشكل، إذ إنّ الحركة برأيه تنطلق من وجودٍ غير متعيّنٍ، لذا يكون الوجود هو نقطة الانطلاق لها، ومقصوده من الوجود بهذه الصورة كونه مفهوماً تمتزج في رحابه مبادئ الفكر والواقع، لذا لا يمكن اعتبار الوجود منفرداً، والوجود غير المتعيّن ليس سوى عدمٍ، ومن هذا المنطلق أكّد على أنّ الوجود هو ذلك الشيء الذي يتبلور من باطن العدم، والعدم بدوره عبارةٌ عن فقدان الوجود، أي أنّ الوجود عدمٌ أيضاً لكونه يستبطن ما ينافيه[54].

الحركة هي المادّة الأساسية للكائنات في الكون سواءً الحية منها أو الجمادات، وكذلك تعدّ مادّةً لوجود النفس؛ فهي جامعةٌ لكلّ شيءٍ، وجميع الكائنات المادّية هي ذات السيلان والشوق للمبدأ الأوّل، لذا لا بدّ لها من غايةٍ ذاتيّةٍ وإلا يصبح اتّصافها بهذا الأمر عبثياً ولا طائل منه، والواقع أنّ الوجود لا يطرأ عليه الباطل. ملا صدرا لدى إثباته المعاد قال: إنّ الكون بأسره يسير في حركةٍ دائبةٍ وخالدةٍ، فهو مثل الطفل غير الرشيد، ورشده الذي يعتبر وجهةً لحركته، هو في الواقع المعاد والقيامة.[55] والمعاد بطبيعة الحال هو الصورة التامّة لجميع الحركات التي حدثت قبل تحقّقه.

المنظومة الفلسفيّة لهيغل تختم في نطاق الروح المطلقة، وفي هذه المرحلة يتّحد الذهن مع الخارج ليصبح الإنسان الفلسفيّ أرقى مظهرٍ للعقل في الكون، وقد اعتبر الأصول الفلسفيّة التي تبناها بأنّها حقائقُ مطلقةٌ تتبلور في صورةٍ مطلقةٍ، كما أكّد على كونها الانعكاس الحقيقي لجميع الأصول الفلسفية السابقة، وشبّه ذلك بانعكاس مبادئ جميع الأديان المتدنية في رحاب الديانة المسيحية. الفلسفة في هذا المقام تثمر معرفة المطلق، ولم يعتبرها هيغل على غرار الفنّ الذي يتجلّى على هيئة أمرٍ مادّي محسوس، أو مثل الدين الذي يتبلور في إطارٍ تمثيليٍّ، وإنّما هي برأيه مطلقةٌ بحسب ما عليه حالها وتجسّد مثالاً، وقال: إنّ الروح بعد أن يطوي مسيرةً طويلةً يتجلّى في رحابه العديد من الأمور مثل غربته عن ذاته وظهوره في مختلف الأطر المنطقيّة والأفق الطبيعية، يبلغ في نهاية المطاف بغيته القديمة، ألا وهي وحدة الذهن والخارج ليصبح غير متناهٍ في عين تناهيه[56].

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ ملا صدرا وهيغل قد أكّدا على أنّ النقطة النهائية للحركة تجسّد الصورة الكاملة السابقة لجميع الصور التي كانت قبلها، والحقيقة أنّ مفهوم المعاد الصدرائي والروح المطلقة الهيغليّة يجسّدان في باطنهما فعليّةً لجميع الصور التي سبقتهما.

هناك ضربٌ من الحركة نحو الكمال في فلسفتي هذين الفيلسوفين، ففي رحاب فلسفة ملا صدرا يتبلور الكمال من باطن الحركة، وهذا الكمال هو الصفة الوجوديّة للشيء، لذا من المستحيل تكامل أيّ شيءٍ في منأى عن الحركة، وخلال سير الحركة وجريانها وضمن الخروج التدريجي من الاستعداد والدخول في مرحلة الفعلية يتبلور الكمال، إذ إنّ الحركات المتواصلة والمترابطة تفعل الكمال وتخرجه من نطاق الاستعداد.

الروح في فلسفة هيغل تبدأ من الوجود المجرّد، ثمّ تطوي العديد من المراحل لكي تبلغ مرحلة الإدراك الذاتي، وهنا تصل إلى مرتبة الحرّية والكمال.

*ـ نتيجة البحث

المعرفة هي المسألة التي طرحها الفيلسوف الغربي فريدريك هيغل، وهدفه من طرحها هو المعرفة الحقيقيّة، وهذا الهدف لا يتحقّق إلا حينما يواصل الإدراك الطبيعي حركته من مسيرة المعرفة الظاهراتيّة ليتحرّك بشكلٍ متوالٍ من مرحلةٍ إلى أخرى ويواصل تطوّره وتناميه لكي يبلغ أسمى أشكال المعرفة وأكثرها واقعيةً، وهنا يصل إلى مرحلة الحرّية.

الإدراك والحرّية في فلسفة هيغل عبارةٌ عن مفهومين مترادفين، فكلّما كان الإنسان أكثر إدراكاً فهو أكثر حرّيةً.

ملا صدرا من خلال طرحه نظريّة الحركة الجوهرية، أكّد على أنّ الكائنات تسير في حركةٍ ذاتيّةٍ تسوقها نحو الكمال المجرّد من جميع أشكال المادّة.

هناك تشابهٌ كبيرٌ بين آراء هذين الفيلسوفين بخصوص الحركة، فهي تعتبر أهمّ ركنٍ في فلسفتيهما، ويمكن القول أنّهما تبنيا وجهات نظرٍ متكافئةٍ تقريباً في هذا المضمار.

الحركة برأي ملا صدرا عبارةٌ عن أمرٍ تدريجي، كما أنّ سير الروح في فلسفة التأريخ التي طرحها هيغل تجتاز مراحل ومراتب تدريجية، ويمكن اعتبار كلّ شعبٍ وأمّةٍ مرحلةً من مراحل مسيرة الروح المطلقة.

الحركة في فلسفة ملا صدرا عبارةٌ عن خروجٍ من الاستعداد والدخول في مرحلة الفعلية، وهذا هو الكمال بحدّ ذاته، بينما حركة الروح الكونية طوال التأريخ في فلسفة هيغل تعدّ انتقالاً من مراتب الاستعداد إلى مراتب الفعلية، واستشهد على ذلك بمختلف الشعوب والأمم السالفة مثل الإغريق والرومان والشرقيين والألمان، وغيرهم.

الغاية التي تتحقّق على ضوء الحركة في رحاب مبادئ الحكمة المتعالية لملا صدرا، هي نيل الكمال والفعلية، بمعنى الاستقلال والحرّية. وحسب مبادئ فلسفة التأريخ الهيغلية، فحرّية الروح هي غاية الحركة، والروح بذاتها تسعى إلى نيل الحرّية، إذ إنّ تحرّرها هو الأساس لسيرها وحركتها.

ومع ذلك هناك اختلافاتٌ واضحةٌ بين آراء هذين الفيلسوفين على صعيد ما ذكر، إذ إنّ طريقة طرحهما للموضوع تختلف، ومثال ذلك أنّ البنية الأساسية للفلسفة الصدرائيّة تتقوّم على أساس الوحي ومن ثمّ فالله عزّ وجلّ له دورٌ أساسي فيها، بينما الفلسفة الهيغلية ترتكز على النزعة الذاتانية الإنسانية. 

إنّ كلا الفيلسوفين أكّد على وجود غايةٍ للإنسان، فهو يتحرّك بصورةٍ ذاتيّةٍ برأي ملا صدرا، إلا أنّ حركته هذه جبريّةٌ من وجهة نظر هيغل، والغاية من الحركة باعتقاد الثاني تتمثّل في الإدراك الذاتي المطلق الذي هو عين الحرّية، بينما ملا صدرا يعتبرها تجرّداً مطلقاً.

* * *

*ـ مصادر البحث

1 - وولتر ستيس، فلسفه هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حمید عنایت، إيران، طهران، منشورات أمیر کبیر،  1991م.

2 - حسن أمين، برداشتي از مشاعر ملا صدرا (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات فراهاني،  1972م.

3 - جون بلامناتز، فلسفه ‌اجتماعي وسیاسي ‌هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حسین بشیریه، إيران، طهران، منشورات ني، 1992م.

4 - عبد الله جوادي الآملي، شرح حکمت متعالیه اسفار اربعه (باللغة الفارسية)، القسم الأوّل من الجزء السادس، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 2007م.

5 - مهدي دهباشي، پژوهشي تطبیقي در هستي شناسي وشناخت شناسي ملا صدرا ووایتهد (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات علم، 2007م.

6 - محمّد حسين دهقاني محمود آبادي، ملا صدرا وتحلیل عقلاني معاد جسماني (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة أنديشه الفصلية الدينية، تصدر من جامعة شيراز، 2010م، العدد 36، الصفحات 101 إلى 124.

7 - بيتر سينجر، هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية عزت الله فولادوند، إيران، طهران، منشورات طرح نو، 2000م.

8 - محمّد شریفاني، نظریه حرکت جوهري: پیامدهاي فلسفي وتربیتي (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة أنديشه الفصلية الدينية، تصدر من جامعة شيراز، 2008م، العدد 29.

9 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، الشواهد الربوبیه في المناهج السلوکیه، إيران، طهران، منشورات مركز النشر الجامعي، 1981م.

10 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسفار أربعه (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية وشرحه عبد الله جوادي الآملی، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 1989م.

11 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، رسالة القطب والمنطقة، تصحیح حسن حسن زاده الآملی، إيران، طهران، منشورات بنیاد حکمت إسلامي صدرا، 1999م.

12 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، المبدأ والمعاد، تقديم وتصحیح جلال الدین آشتیانی، إيران، قم، منشورات بوستان، 2001م.

13 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، الحکمة المتعالیة في أسفار أربعه العقلیه (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية محمّد خواجوي، إيران، قم، منشورات مطبعة، 2004م.

14 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، رسالة سه أصل (باللغة الفارسية)، مقدّمة وتصحيح محمّد خواجوي، إيران، طهران، منشورات مولی، 2005م.

15 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسرار الآیات، تصحیح محمّد موسوي، إيران، طهران، منشورات حکمت، 2006م.

16 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، المشاعر، إيران، قم، منشورات بوستان کتاب، 2007م.

17 - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، تفسیر القرآن الکریم: سورة یس، تصحیح محمّد خواجوي، إيران، قم، منشورات بیدار، 1402هـ.

18 - محمّد فتحعلي ‌خاني، بنیاد انسان شناختي اخلاق در حکمت متعالیه (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة إنسان پژوهي دیني، السنة السابعة، العدد 24، 2010م.

19 - بين كيمبل، فلسفة تاریخ هگل (باللغة الفارسية)،، ترجمه إلى الفارسية عبد العلي دستغیب، إيران، طهران، منشورات بديع، 1994م.

20 - روجيه جارودي، شناخت اندیشه هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية باقر برهام، إيران، طهران، منشورات اگاه، 1983م.

21 - كريم مجتهدي، دربارة هگل وفلسفة او (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات أمیر کبیر، 1991م.

22 - جواد مصلح، فلسفه عالي یا حکمت صدر المتالهین (باللغة الفارسية)، تلخیص وترجمة لمباحث (الأمور العامّة والإلهيات) من كتاب الأسفار الأربعة، إيران، طهران، منشورات جامعة طهران، 1974م.

23 - مرتضى مطهّري، مقالات فلسفي (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات صدرا، 1994م.

24 - حسن مهرنیا، مراتب تجلي روح در تاریخ (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة فلسفه دین، السنة السادسة، العدد السادس، 2008م.

25 - محسن نقد علي، نظریه حرکت جوهري ومسئله ماده وصورت (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة پژوهش ‌های إسلامي، السنة الرابعة، العدد السادس، 2010م.

26 - جورج ولهلم فريدريك هيغل، عقل در تاریخ (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حمید عنایت، إيران، طهران، منشورات جامعة آریا مهر، 1957م.

27 - جورج ولهلم فريدريك هيغل، خدایگان وبنده (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حمید عنایت، إيران، طهران، منشورات خوارزمي، 1989م.

28 - جان هيبوليت،  پدیدار شناسي روح بر حسب نظر هگل (باللغة الفارسية)، اقتباس وتدوين کریم مجتهدي، إيران، طهران، منشورات علمی وفرهنگی، 2004م.

 29- Edwards, Paul. ( 1967 ). The Encyclopedia Of Philosophy. Vol .3. The Macmilan Campany and The Free Press. New York.

30 - Hegel, G. W. F. ( 1961 ), Phenomenology of Mind Translated. with an Introduction and Notes by J. B. Baillie. Printed in Great Britain. Fifth Impression, Billing and Sons LTD.

31 - Hegel, G. W. F. ( 1969 ), Hegel’s Science of Logic. A. V. Miller. New York: Humanity.

32 - Hegel, G. W. F. ( 1975 ), Hegels’ Logic. translated by william Wallace. Oxford and London. Oxford Univerity Press.

33 - Inwood, M. J. ( 1994 ), Hegel. London and Boston and Melborn and Henley. Routledge and Kengan Paul.

34 - Marx, Werner. ( 1975 ). Hegel’s Phenomenology of Spirit. A Commentary Based on the Preface and Introduction Translated by Peter Heath, The University of Chicago.

-----------------------------

علي حقّي: أستاذٌ مشاركٌ في جامعة فردوسي بمدينة مشهد.

ـ حسين شورفزي: باحثٌ في الفلسفة ـ إيران.

ـ المصدر: المقالة نشرت في مجلة "حكمت صدرائي" النصف سنوية - سنة 2012م.

ـ ترجمة: أسعد مندي الكعبي.

[2] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسفار أربعه (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية وشرحه عبد الله جوادي الآملی، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 1989م، ص 39 - 40.

[3] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، المشاعر، إيران، قم، منشورات بوستان کتاب، 2007م، ج 2، ص 623 - 624؛ محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسرار الآیات، تصحیح محمّد موسوي، إيران، طهران، منشورات حکمت، 2006م، ص 83 - 84.

[4] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، المشاعر، إيران، قم، منشورات بوستان کتاب، 2007م، ج 2، ص 624. 

[5] - مرتضى مطهّري، مقالات فلسفي (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات صدرا، 1994م، ص 286.

[6]- محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، الشواهد الربوبیه في المناهج السلوکیه، إيران، طهران، منشورات مركز النشر الجامعي، 1981م، ص 130.

قيل في تعريف العقل المستفاد أنّه يتعامل بشكل محض مع المفاهيم التجريدية التي توصل إليها العقل بالفعل. (المترجم)

المصدر: https://ar.wikipedia.org/wiki/مستخدم:Hasanisawi/الفارابي_حول_العقل

[7]- محمّد حسين دهقاني محمود آبادي، ملا صدرا وتحلیل عقلاني معاد جسماني (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة أنديشه الفصلية الدينية، تصدر من جامعة شيراز، 2010م، العدد 36، الصفحات 101 إلى 124، ص 112 - 113.

[8] - جواد مصلح، فلسفه عالي یا حکمت صدر المتالهین (باللغة الفارسية)، تلخیص وترجمة لمباحث (الأمور العامّة والإلهيات) من كتاب الأسفار الأربعة، إيران، طهران، منشورات جامعة طهران، 1974م، ج 1، ص 147.

[9] - عبد الله جوادي الآملي، شرح حکمت متعالیه اسفار اربعه (باللغة الفارسية)، القسم الأوّل من الجزء السادس، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 2007م، ص 463.

[10] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، المشاعر، إيران، قم، منشورات بوستان کتاب، 2007م، ص 281 - 283.

[11] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، الشواهد الربوبیه في المناهج السلوکیه، إيران، طهران، منشورات مركز النشر الجامعي، 1981م، ص 347.

[12] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسفار أربعه (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية وشرحه عبد الله جوادي الآملی، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 1989م، ص 393.

[13] - المصدر السابق، ص 394.

[14] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، المبدأ والمعاد، تقديم وتصحیح جلال الدین آشتیانی، إيران، قم، منشورات بوستان، 2001م، ص 353.

[15] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسرار الآیات، تصحیح محمّد موسوي، إيران، طهران، منشورات حکمت، 2006م، ص 115.

[16] - قيل في تعريف النفس النباتية أنّها مشتركة بين الأجسام الحية والنبات والحيوان والإنسان. (المترجم)

المصدر:  https://www.arab-ency.com/ar/البحوث/النفس

[17] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسفار أربعه (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية وشرحه عبد الله جوادي الآملی، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 1989م، ص 390.

[18] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، المبدأ والمعاد، تقديم وتصحیح جلال الدین آشتیانی، إيران، قم، منشورات بوستان، 2001م، ص 367.

[19] - محمّد شریفاني، نظریه حرکت جوهري: پیامدهاي فلسفي وتربیتي (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة أنديشه الفصلية الدينية، تصدر من جامعة شيراز، 2008م، العدد 29، ص 98.

[20] - Bewusstsein.

[21] - Selbstbewusstsein.

[22] - Vernunft.

[23] - Hegel, G. W. F. ( 1969 ), Hegel’s Science of Logic. A. V. Miller. New York: Humanity, p. 58.

[24] - Inwood, M. J. ( 1994 ), Hegel. London and Boston and Melborn and Henley. Routledge and Kengan Paul, p. 370.

[25] - Certitude sensible.

[26] - Perception.

[27] - Entendement verstand .

[28] - جان هيبوليت،  پدیدار شناسي روح بر حسب نظر هگل (باللغة الفارسية)، اقتباس وتدوين کریم مجتهدي، إيران، طهران، منشورات علمی وفرهنگی، 2004م، ص 59.

[29] - Beiser, 1996, p. 5 - 6.

[30] - Conscience.

[31] - جورج ولهلم فريدريك هيغل، خدایگان وبنده (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حمید عنایت، إيران، طهران، منشورات خوارزمي، 1989م، ص 30.

[32] - بيتر سينجر، هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية عزت الله فولادوند، إيران، طهران، منشورات طرح نو، 2000م، ص 117 - 121.

[33] - بين كيمبل، فلسفة تاریخ هگل (باللغة الفارسية)،، ترجمه إلى الفارسية عبد العلي دستغیب، إيران، طهران، منشورات بديع، 1994م، ص 71.

[34] - Edwards, Paul. ( 1967 ). The Encyclopedia Of Philosophy. Vol .3. The Macmilan Campany and The Free Press. New York, p. 446.

[35] - Hegel, G. W. F. ( 1975 ), Hegels’ Logic. translated by william Wallace. Oxford and London. Oxford Univerity Press, p. 124.

[36] - وولتر ستيس، فلسفه هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حمید عنایت، إيران، طهران، منشورات أمیر کبیر،  1991م، ص 23 و154.

[37] - كريم مجتهدي، دربارة هگل وفلسفة او (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات أمیر کبیر، 1991م، ص 97 - 98.

[38] - جورج ولهلم فريدريك هيغل، عقل در تاریخ (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حمید عنایت، إيران، طهران، منشورات جامعة آریا مهر، 1957م، ص 31.

[39] - المصدر السابق، ص 32.

[40] - جون بلامناتز، فلسفه ‌اجتماعي وسیاسي ‌هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حسین بشیریه، إيران، طهران، منشورات ني، 1992م، ص 66.

[41] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، الحکمة المتعالیة في أسفار أربعه العقلیة (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية محمّد خواجوي، إيران، قم، منشورات مطبعة، 2004م، ص 120.

[42] - حسن أمين، برداشتي از مشاعر ملا صدرا (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات فراهاني،  1972م، ص 246.

[43] - حسن مهرنیا، مراتب تجلي روح در تاریخ (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة فلسفه دین، السنة السادسة، العدد السادس، 2008م، ص 106.

[44] - محمّد فتحعلي ‌خاني، بنیاد انسان شناختي اخلاق در حکمت متعالیه (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة إنسان پژوهي دیني، السنة السابعة، العدد 24، 2010م، ص 64.

[45] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، رسالة سه أصل (باللغة الفارسية)، مقدّمة وتصحيح محمّد خواجوي، إيران، طهران، منشورات مولی، 2005م، ص 197.

[46] - بين كيمبل، فلسفة تاریخ هگل (باللغة الفارسية)،، ترجمه إلى الفارسية عبد العلي دستغیب، إيران، طهران، منشورات بديع، 1994م، ص 62.

[47] - Marx, Werner. ( 1975 ). Hegel’s Phenomenology of Spirit. A Commentary Based on the Preface and Introduction Translated by Peter Heath, The University of Chicago, p. 1 - 14.

[48] - مهدي دهباشي، پژوهشي تطبیقي در هستي شناسي وشناخت شناسي ملا صدرا ووایتهد (باللغة الفارسية)، إيران، طهران، منشورات علم، 2007م، ح 73.

[49] - محسن نقد علي، نظریه حرکت جوهري ومسئله ماده وصورت (باللغة الفارسية)، مقالة نشرت في مجلة پژوهش ‌های إسلامي، السنة الرابعة، العدد السادس، 2010م، ص 282.

[50] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، رسالة القطب والمنطقة، تصحیح حسن حسن زاده الآملی، إيران، طهران، منشورات بنیاد حکمت إسلامي صدرا، 1999م، ص 39.

[51] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسفار أربعه (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية وشرحه عبد الله جوادي الآملی، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 1989م، ص 186.

[52] - وولتر ستيس، فلسفه هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية حمید عنایت، إيران، طهران، منشورات أمیر کبیر،  1991م، ص 148.

[53] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، الشواهد الربوبیه في المناهج السلوکیه، إيران، طهران، منشورات مركز النشر الجامعي، 1981م، ص 635.

[54] - روجيه جارودي، شناخت اندیشه هگل (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية باقر برهام، إيران، طهران، منشورات اگاه، 1983م، ص 150.

[55] - محمّد بن إبراهيم صدر الدین الشیرازي، أسفار أربعه (باللغة الفارسية)، ترجمه إلى الفارسية وشرحه عبد الله جوادي الآملي، إيران، طهران، منشورات الزهراء، 1989م، ص 159.

[56] - Inwood, M. J. ( 1994 ), Hegel. London and Boston and melborn and Henley. Routledge and Kengan paul, p. 515.