البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الفن كتعبير عن الروح المطلق عند هيغل منظور انتقادي لمعنى الصورة وصورة المعنى

الباحث :  ثريا بن مسمية
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  14
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 16 / 2019
عدد زيارات البحث :  1927
تحميل  ( 360.505 KB )
تهدف هذه الدراسة للباحثة التونسية ثريا بن مسمية إلى بيان أحد الأوجه الأساسية المحجوبة في منظومة هيغل الفلسفية، عنينا به الوجه الجمالي (الأستطيقي) الذي يقاربه هيغل كمعطى أنطولوجيٍّ يؤسس للأفكار لا كمجردِ مشهديّةٍ لا صلة لها بروح التاريخ.

تسعى الباحثة في دراستها إلى تظهير حقيقة موقف هيغل من الفن باعتباره نتاجاً من نتاجات الروح المطلق الذي سيوظف أخيراً في نطاق الإمبراطورية الجرمانية المنشودة.

المحرر

---------------------------------

أخذت المعرفة الغربيّة من الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم هيغل قسطها الأوفر مما أنجزه في فلسفة التاريخ وقوانين الديالكتيك وسائر العلوم الإنسانيّة، وعلى الأخص فلسفة الجمال. حتى إنّ المفكّر الفرنسي باتريس هونريو سيصرّح بشيءٍ من الحماسة ويقول: «كلّنا هيغليون على معنى أنّ زماننا ما كان ليكون ما هو عليه لو لم يكن هيغل قد فهمه، وكذلك لأنّ المدخل إلى فهم أفكارنا إنّما يمرّ بذلك الفكر»[2].

- لكن لِمَ هيغل كفيلسوف جمالٍ، هو موضوع بحثنا؟ ولمَ نهتم بالمبحث الأستيطيقي الهيغلي دون غيره من المباحث؟ ولِمَ فنّ الرسم بالذات؟

هذه الأسئلة تبدو ضروريّةً لعملنا هذا، لأنّ الغرض من هذا العمل هو النظر في ما به تستقيم الرابطة الجماليّة بين الصورة والمعنى في  فنّ الرسم داخل الأستيطيقا الهيغليّة، الذي انتقل معها من مجرّد تصورٍ للطبيعة إلى استبطانٍ للمعنى.

 إذاً، فقد أضحى فنّ الرسم مع هيغل، إحالةً إلى فكرةٍ بدلاً من الإحالة إلى الطبيعة: «يؤكد هيغل في هذا المضمار على أنّ مضمون الأثر الفنّي يكون بالضرورة مطلقاً، فآنية الحدس والتمثّل المتخيّل تجلب نهاية الصورة المتحقّقة في الوجود- هنا لمادةٍ محدودةٍ»[3].

هذا التحول في فنّ الرسم هو ما يحملنا إلى مبحثٍ يُعبّر عنه عند هيغل بضرورة العبور من الصورة إلى المعنى أو ما عبرنا عنه بالانتقال الصيروري من معنى الصورة إلى صورة المعنى. فالرسم لم يعد مع هيغل نقلاً للأشياء بقدر ما هو إتباع للأفكار.

وهكذا فإن العبور من معنى الصورة إلى صورة المعنى في فنّ الرسم، يدخل تحت إطار تحولٍ أشمل يخص المبحث الأستيطيقي الهيغلي برمته، فهيغل قد صاغ نسقاً في المثاليّة الأستيطيقيّة تقوم على تجاوز الحكم الجمالي الشكلاني، إذ بيَّن حدود إرجاع المسألة الجماليّة إلى مجرّد مسألة ذوقٍ وحكمٍ كما حصل في المثاليّة الترنسندنتاليّة مع كانط، لذا كان يشدّد دوماً على فكرة مثاليّة الجميل.

هذه المثالية للجميل سيؤكد عليها هيغل منذ الكلمات الأولى لكتابه «مقدمة في الأستطيقيا» بقوله «هذا الكتاب يهتم بالأسيتطيقيا أي بفلسفة وعلم الجميل، وبأكثر دقة بالجميل الفني بمنأًى عن الجميل الطبيعي»[4].

لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن المبحث الهيغلي في الأستيطيقا لم يحتل عين المنزلة المتقدمة التي احتلتها منذ البدء المباحث المنطقيّة والسياسيّة والتاريخيّة، فالدارسون والمؤرخون للهيغليّة لم يهتموا بأستطيقا هيغل بقدر ما اشتغلوا أولاً على علم المنطق وفلسفة الحق والتاريخ، وقد تكون العلّة في ذلك، أنّ النصوص التي نشرها هيغل بنفسه نزلت على خلاف التنزيل الذي اتصفت به دروسه في هايدلبرغ وبرلين ومنها دروسه في فلسفة الفنّ وفي الأستطيقيا، فهذه الدروس لم تنشر إلاّ بعد وفاته، وظلّ يحال إليها كنصوصٍ تابعةٍ للنصوص المعروفة «فنيومينولوجيا الروح» «علم المنطق» «موسوعة العلوم الفلسفية» و«أصول فلسفة الحق».

ماهيّة الفن الهيغلي

ما يخصنا نحن في هذا الإطار، هو أنّ المبحث الأستيطيقي ورغم كلّ الصعوبات التي سبق ذكرها قد صار شيئًا فشيئًا يحتلّ منزلةً مرموقةً في النسق الهيغلي كافةً.

فما هي الدلالة النسقيّة العامة التي تتصف بها دروس هيغل في الأستيطيقا؟

إنّ علم الأستيطيقا جزءٌ لا يتجزّأ من النسق الهيغلي لأنّه يقوم بالدقّة على فلسفة الروح، ولعلنا بهذا المعنى يمكن أن نقول بأنّ المثاليّة الأستطيقيّة ليست إلا انبساطاً نظريًّا لمثاليّة الروح المطلق عند هيغل  ـ كما يقول ـ «فالروح تغدو ما هي عليه بتحقيق ذاتها فعليًّا في العالم، فهي ليست لا متناهياً منفصلاً عن المتناهي فلو كان الأمر كذلك لكانت لا متناهياً محدوداً وهذا غير معقولٍ، إذاً فهي اللامتناهي الذي يشمل على المتناهي ويحقق ذاته في المتناهي»[5].

لقد شكلت دروس هيغل في «الأستيطقيا» أرضيّةً تحاورت فيها الفلسفات الألمانيّة في الفن، وبخاصةٍ المثاليّة الترنستدنتاليّة لكانط، حيث صاغ هيغل نسقاً في المثاليّة الأستطيقيّة قام من خلاله بنقد ومجاوزة فلسفة كانط في الفن كما صاغها، واتضح ذلك خاصة في القسم الأول من «نقد ملكة الحكم (1790)».

معنى هذا أنّ هيغل قد استأنف الاشتغال على مسألة الفن لا في سياق تأسيس علمٍ في الأستطيقيا وحسب، بل كذلك في سياقٍ فلسفيٍّ نقديٍّ يتحدّد في ضرورة الوقوف على حدود فلسفة الفنّ كما تمّت صياغتها في نظريات الفنّ عامة، وكما هي عند غوته وشلر والفلسفة الرومنطيقية، ثم في نقد ملكة الحكم عند كانط على وجه الخصوص.

إنّ دروس هيغل في الأستيطقيا بما هي علمٌ إنّما تلتمس الخروج على تنزيل مسألة الجميل والحكم الأستطيقي في سياق الحكم الذوقي. لأنّ مثل هذا التنزيل ينتهي في نظر هيغل إلى إرجاع المسألة الأستطيقية برمتها إلى مقام الذاتيّة الأستيطقية، وهو ما يتنافى تماماً مع شرط قيام علمٍ في الأستطيقيا، نعني بذلك إدراج المثاليّة الأستطيقيّة في سياق مثاليّة الروح المطلق، وذلك ما يتجلّى في المقدمة العامة للأستطيقيا عند هيغل (الفصل الثالث خاصة)، حيث يحتكم هيغل في نقد فلسفات الفنّ الحديثة إلى فلسفته في الروح، وهو ما يتوضّح أكثر في تناوله لفكرة الجميل حين يثبت منذ الفصل الأول ارتباط المسألة الأستيطقيّة بالفكرة والروح المطلق.

لذلك ينتهي هيغل في نقد فلسفات الفنّ الحديثة إلى تقرير مثاليّة الجميل، نعني كونه نتاجاً مخصوصاً من نتاجات الروح المطلق.

يقول هيغل ناقداً الفلسفة الكانطيّة:»تلك هي إذاً النتائج الرئيسيّة للنقد الكانطي، في حدود اهتمامنا هنا. ويشكّل هذا النقد نقطة الانطلاق لتفهّمٍ حقيقيٍّ للجمال الفني، ولكنّه ينطوي على بعض الثغرات كان من الضروري ردمها حتى يغدو هذا التفهم أكثر صلاحيّةً واكتمالا»[6].

لكن ما تجدر الإشارة إليه بالنسبة لمبحثٍ يخصّ فنّ الرسم، أي يخصّ الأستطيقيا الهيغليّة أنّ هذه النصوص لم تكن نصوصاً معدّةً للبحث، بل هي جملة من الدروس في الأستطيقيا تنتمي إلى طور تدريس هيغل بجامعة برلين، وقد تم نشرها لأول مرةٍ في 1835 في ثلاثة أجزاء ضمن أعمال هيغل، كما صدرت بفضل ترتيب وجمع أصدقائه وطلبته ومن بينهم (امرهاينكه وغانس وهننغ وهوته وميشليت وفورستر) ولعلّنا قد نعتبر هذا الأمر سبباً من الأسباب التي جعلت هذه الدروس لم تنل القدر الكافي من الدراسات والأبحاث مثلما هو الحال في ما يتعلق بالأبواب الأخرى من نسق هيغل في الفلسفة كعلم المنطق وفلسفة السياسة وفلسفة التاريخ، وهذا ما يمثل في حدّ ذاته صعوبةً كبيرةً في الاشتغال على مثل هذا الموضوع وخاصةً أنّ جلّ الدراسات المتعلقة بأستيطيقيا هيغل كتبت باللسان الألماني.

إذاً، هيغل يجعل من المبحث الأستطيقي مبحثاً عقليًّا، ويخصّص له دروساً تتناول أشكاله وتاريخه، بل إنّ تاريخ الفنّ نفسه يرتبط عند هيغل بفلسفته الميتافزيقيّة، حيث يتطور الفنّ منطقيًّا في أنواعٍ وأشكالٍ من الأدنى إلى الأعلى رتّبها في ثلاثة أنواع: فنٍّ رمزيٍّ، وفنٍّ كلاسيكيٍّّ، وفنٍّ رومنتيكيّ. وكلّ فنٍّ منها يخضع بدوره إلى مراحل البداية والتحقق والأفول.

هذا الترتيب النسقي للفنّ يعتمد على مبدأٍ أساسيٍّ، وهو العلاقة بين الروح والمادة أو المضمون والشكل، فلمّا كانت المادة تطغى على الروح أو الفكرة في الفنّ الرمزي كانت العمارة هي الممثلة لهذا الفن، وعندما تطابقت الفكرة مع مضمونها في الفنّ الكلاسيكي أصبح النحت هو الممثل لهذا النوع من الفنّ. أما عندما انسحبت الروح إلى الداخل متخليةً عن المادة متوحدةً مع ذاتها، ظهرت أشكالٌ أخرى من الفنّ تعبّر عن الانسحاب والابتعاد عن المادة كالرسم والموسيقى والشعر، إنّه الفنّ الرومنطيقيّ.

يقول هيغل:«تلخيصاً لهذه العلاقة بين المضمون والشكل في الفنّ الرومانسي، سنقول أنّه حينما يظهر في مظهره الصادق، تشرق النبرة الأساسيّة للفنّ الرومانسي -إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المضمون المحدّد للتمثل، وذلك بحكم الشموليّة التي تبلغ فيه أعلى درجاتها وبحكم  النفس الساعية إلى التعبير فيه عن ذاتها، لا تنقطع عن البحث والتنقيب في أعماقها الأكثر حميميّةً- من الطبيعة الموسيقيّة بل من الطبيعة الغنائيّة. والغنائيّة في حقيقة الأمر تكون السمة الأساسيّة والجوهريّة للفن الرومانسي»[7].

إنّ ما يخصّنا من الفنون في هذا الإطار من المبحث الأستطيقي الهيغلي الفن الرومانسي دون غيره، ويتمثل المبدأ الأساسي الذي يرتكز عليه هذا الفن، هو انسحاب الروح من العالم الحسّي الخارجي، فهو يركز الحياة الداخليّة للنفس ويبتعد بالتدريج عن جانب التجسيد الحسّي.

بمعنى آخر نقول أن الفنّ الرومانسي هو فنٌّ يركّز على الذاتيّة الداخليّة للفنّان التي تقلب التجسيد الحسي تصوّراً عقليًّا وذهنيًّا.

لذا يقول هيغل:«إنّ المطلق الكلّي في ذاته، كما يعرض ذاته للوعي الإنساني، هو بذاته يؤلف المضمون الداخلي للفنّ الرومانسي، وهذا الفنّ يجد مادةً له لا تنفذ ولا تنضب في الإنسانيّة جمعاء وفي مجمل تطورها»[8].

جدل الاغتراب والاقتراب

الفنّ الرومانسيّ بمنظورٍ هيغليٍّ يحتوي على ثلاثة فنونٍ، وهي الرسم، الموسيقى، والشعر. تعرض لنا هذه الفنون مسار الروح في ما سميناه بالاغتراب من أجل الاقتراب، ففي كلّ فنٍّ من هذه الفنون تحاول الروح أن تغترب عن عالم الحواس وتقترب من مضمونها الروحاني الخاص. إنّه اغترابٌ عن ذاتها من أجل ذاتها.

هذه الثنائية، ثنائية الاغتراب والاقتراب، تتمظهر في الفنون الرومانسيّة من رسمٍ وموسيقى وشعرٍ. كما أنّ الاشتغال على هذا المبحث الأستطيقي بفنّ الرسم كفنٍّ رومانسيٍّ أول دون غيره من الفنون، يقلّص لنا الأبعاد الثلاثة للفضاء إلى بعدٍ واحدٍ وهو السطح الذي يتخذ منه وسطاً يعمل فيه.

يقول هيغل «فنّ الرسم يقلّص الأبعاد الثلاثة للفضاء إلى السطح»[9].

فنّ الرسم على هذا النحو تجاوز فنّ النحت، إذ إنّه لا يتخذ من المادة الجامدة الثقيلة مادةً له، بل إنّ خيال الفنّان وموهبته الإبداعيّة هي ركيزة العمل.

وعلى هذا الأساس نقول بأنّ الوجود الحسّي للعمل المعماري أو للنحت كان شيئًا ماديًّا بالفعل، بينما نجد أنّ الجانب الحسّي للرسم ليس ماديًّا بحتاً وإنّما فيه جزءٌ عقليٌّ وذهنيٌّ من إنتاج مخيّلة الفنّان الرسام.

هذا الخروج من المادي إلى الإبداعي، ومن الموضوعي إلى الذاتي، ولو جزئيًّا، هو ما قد أعطانا مشروعيّة الحديث في فنّ الرسم عن تحوّلٍ من معنى الصورة إلى صورة المعنى أو بتعبيرٍ أشملَ من الصورة إلى الرسم.

 أردنا من خلال هذا الإشكال بيان خروج فنّ الرسم في رؤية هيغل من مجرّد تصويرٍ إلى ضربٍ من التمثّل الذاتي بما هو استبطانٌ للمعنى، فنّ الرسم بهذا الشكل تحوّل من مجرّد نقلٍ للصورة الخارجيّة إلى إبداعٍ ذاتيٍّ وسيلته الروح وغايته الروح. إنّه إبداعُ المعنى الذي يتخذ من العالم الخارجي مجرد مادةٍ يشتغل عليها، بهذا تتحول اللوحة الفنيّة من مجرّد صورةٍ إلى رسمٍ، وبمعنى أشمل يتحوّل فنّ الرسم من مجال معنى الصورة إلى صورة المعنى.

ولقد ارتأينا في بحث هذا الإشكال -من معنى الصورة إلى صورة المعنى- أن ننظّم العمل على نحو أطوارٍ أربعةٍ حاولنا من خلالها مزيد التعمق في البحث، بدءاً بالطور الأول الذي نعتناه «الروح حراكٌ دوريٌّ» أو «بالاغتراب من أجل الاقتراب»، هو طورٌ بيّن فيه أن الروح يتخذ في كلّ مرّةٍ شكلاً من أشكال التعبير عنها لتنفصل عنه في ما بعد وتتجاوزه إلى شكلٍ أرقى، وهذا ما قد يتجلّى في فنّ الرسم كفنٍّ رومانسيٍّ أوّل.

قد يمثل هذا الطور من البحث تمهيداً له لا بدءاً فيه، ولكنّه طورٌ لازمٌ قد سمح لنا بالبدء في الاشتغال بالمسألة التالية وهي «الرسم والفكرة» أو «مسألة المعنى في الصورة»، هذا العنصر الذي حاولنا فيه أن نجعل من قراءتنا للنص الهيغلي قراءةً تأويليّةً تخرج من مجال القراءة إلى مجال «الفهم» لذا بدأنا في الحديث عن هذا الإشكال بعنصر «الإبداع أو أسلوب الخلق الفني» الذي حاولنا من خلاله تبيان جملةٍ من أساليب الفنّان الرسّام في الإبداع، الذي يُخرج هذا الفنّ من مجال الصورة إلى مجال الرسم أو من معنى الصورة إلى صورة المعنى.

لكن لا يقتصر الإبداع الفني في الرسم على الأداتية، بل يتجاوزها إلى عنصرٍ أهمَّ، وهو ما نعتناه «بالذاتيّة الفنيّة أو الروح الإبداعيّة في معنى الصورة كفنّ رسمٍ».

هذه الروح الإبداعيّة تتجلى من خلال رهافة إحساس الفنّان الرسام ودقّة ملاحظته، التي تزيد الرسم واقعيّةً وجماليّةً نابعةً من روحه فتتحول الصورة إلى رسمٍ حي، لذا يقول هيغل «في الفنّ الرومانسي الكلّ منغّمٌ، ومرمّزٌ، الأشياء لم تعد أشياًءَ إنّما رموزاً حيّةً»[10].

في هذا العنصر من البحث تحدثنا عن الإحساس كمحتوى أساسيٍّ للرسم، وعن متعة الفنّان في رسم الأشياء وفي رسم المتزائل أو العابر، هذه العناصر اتضح من خلالها أنّ فنّ الرسم هو إبداعٌ، أي إنّه إعادة حضور الأشياء حضوراً فنيًّا لا حضوراً واقعيًّا، هذا الإبداع الذي يخرجنا من الصورة إلى الرسم أو من معنى الصورة إلى صورة المعنى.

ثم قدّمنا العنصر الثالث من البحث كعنصر تأريخيٍّ لفنّ الرسم حسب دراسة هيغل له، ولقد أدرجناه في هذا الطور من البحث رغبةً منّا في التمهيد للعنصر اللاحق الذي يخصّ فنّ الرسم اليوم، أو فنّ الرسم كانقلابٍ من معنى الصورة واستلاب في صورة المعنى.

فنّ الرسم كانقلابٍ من معنى الصورة إلى صورة المعنى، هو قولٌ يحتاج إلى تدرّجٍ في الفهم، أردنا من خلاله التصريح بأنّ الخروج الهيغلي من الفنّ إلى الجماليّة -وهو ما عبّرنا عنه داخل فنّ الرسم من معنى الصورة إلى صورة المعنى- هو خروجٌ مرتبطٌ بجملة فلسفته الأستيطيقيّة بما هي فلسفةٌ تبحث في الجمال الفنّي دون الجمال الطبيعي ساعيةً نحو تجسيد المطلق الفكري في الخلق الفني.

الرسم على هذا الشكل أضحى فنًّا للمعنى، فالصورة أضحت ملأى بالمعاني، إنّها صورةُ المعنى بامتيازٍ، وبهذا الشكل قد يدخل فنّ الرسم كغيره من مجالات الفكر كالكتابة - بما هي كتابةٌ بالرسم- إلى ضربٍ من التأويليّة قد تسمح لنا بالحديث عن تحوّلٍ من معنى الصورة إلى صورة المعنى. لذا اخترنا أن نتوّج العمل بمجموعةٍ من الرسوم لـ (René Margritte)، لنبيّن مدى حضور المعنى داخل اللوحة، ليجعل منها صورةً للمعنى لا معنى للصورة أي رسماً لا صورة.

I-الــروح حـراكٌ دوريّ: الاغتراب من أجـل الاقــتـــراب

1-حركة الروح من الشكل المادي إلى الفكر الروحي:

ليس الفنّ محاكاةً للطبيعة أو تعبيراً عنها، هذا ما يؤكده هيغل تجاوزاً للرؤية الأفلاطونيّة التي هيمنت على نظريّة الفلاسفة حول الفنّ خلال الحقبتين القديمة والوسيطة والتي لم يتم القطع معها على نحوٍ جذريٍّ إلا انطلاقاً من الأستيطيقا الكانطية، فقد يفقد الإنسان حريته داخل هذا العالم -عالم الأشياء- لكن مع الفنّ يختلف الأمر فهو يمثل التقاء اللامتناهي، التقاء الروحي في تجسيدٍ حيٍّ خارجيّ، فليس الفن إذاً محاكاةً للطبيعة أو تعبيراً عنها لذا:

هكذا يضعنا الفنّ على أرضٍ مختلفةٍ تماماً عن تلك التي نواجهها في الحياة اليوميّة العادية، فالوقوف أمام لوحةٍ فنيّةٍ ليس وقوفاً أمام شيءٍ حيٍّ، بل هو وقوفٌ أمام روحٍ تتجلّى من خلال وسيطٍ حسيٍّ هو اللوحة، لذا يختلف إدراكنا أو بالأحرى تقبّلنا للأثر الفنّي اختلافاً أساسيًّا عن إدراكنا للموضوعات الحسيّة العاديّة، لأنّ تقبّل الأثر الفني يفترض تمثّل ما هو روحيٌّ فيه أي ما هو تمظهرٌ للروح وإن كان يتوسل ما هو حسيٌّ أو ماديٌّ بما أن:

 «الروح تغدو ما هي عليه بتحقيق ذاتها فعليًا في العالم، فهي ليست لا متناهياً منفصلاً عن المتناهي، فلو كان الأمر كذلك لكانت لا متناهياً محدوداً وهذا غير معقولٍ، فهي إذاً اللامتناهي الذي يشتمل على المتناهي ويحقّق ذاته في المتناهي»[11].

فالفنّ يحرّر الظواهر من المظهر الخالص والخداع الخاص بهذا العالم ليعطيه واقعيّةً أسمى، وهي واقعيّةٌ تنتجها الروح المبدعة. إنّ الفنان الرسام إذاً لا ينقل لنا الأشياء كما هي بل يقدمها في شكلٍ إبداعيٍّ، وهذا ما يجعل اللوحة الفنيّة تخرج من مجال الصورة إلى مجال الرسم أي إلى مستوى الإبداع والخيال الفني:

«فالتخيّل لا يكتفي من جهةٍ أخرى، بهذا الإدراك البسيط للواقع الخارجي والداخلي، إذ ليس العمل الفنيّ مجرد كشفٍ عن الروح المتجسّد في أشكالٍ خارجيّة، لكن ما ينبغي عليه أن يعبّر عنه في المقام الأول هو حقيقة الواقع الممثل وعقلانيّته»[12].

فنّ الرسم على هذا الشكل هو استعادةٌ للفكر وتمثلٌ له بواسطةٍ حسيّةٍ مخصوصةٍ مقارنة بغيره من الفنون، وعبر هذه الوساطة يقهر الإنسان غرقه في الجزئيّ والحسيّ والعرضيّ إذ يقول هيغل:

«المبدأ الأساسي لفنّ الرسم كما أسفلت القول، متكونٌ من الذاتيّة الداخليّة والحيّة بأحاسيسها وتمثلاتها وأفعالها، متّخذاً كموضوع له كلّ ما هو موجود في السماء وعلى الأرض بتعدد مواقعها وتمظهراتها الخارجية والجمسانية»[13].

فنّ الرسم إذاً، فنٌّ رومانسيٌّ يدرجه هيغل كمرحلةٍ انتقاليّةٍ من المادي إلى الروحي، وبما أن الفلسفة الهيغليّة هي فلسفة الحركة الدائريّة، فهي تُقيم تصنيفًا للفنون يعتمد اقترابها من الفكرة، أي تحوّلها من المادي إلى الروحاني، حيث تبدأ بالرمزي ثم الكلاسيكي ويليها الفنّ الرومانسي، وحتى داخل هذه الفنون يبقى التصنيف الدوري، فمن فنّ العمارة إلى النحت ثم من الرسم إلى الموسيقى إلى الشعر.

هذا الحراك الدوري هو أساس الفلسفة الهيغليّة من حيث هي ذات مسارٍ اسطوانيٍّ (cylindrique) تجعل العلاقة ما بين الفنون علاقةَ تجاوزٍ، أي تجاوز وسيلة الاغتراب من أجل الاقتراب، أي أنّ وسيلته تتمثل في بحث الروح عن التحرر من عالم الأشياء بدءاً بالأشياء واغتراباً عنها:

«المضمون اللامحدود والشكل المحدود، مستقلٌّ كلُّ واحدٍ منهما عن الآخر، لكنهما متّحدان داخليًّا في الجمال»[14].

لذا قد يمثل فنّ الرسم في الفلسفة الهيغليّة أحسن نموذجاً على هذه الحركة الجوهريّة للروح، فهيغل يأخذنا في هذا الفنّ من معنى الصورة إلى صورة المعنى أي من الصورة إلى الرسم، فالصورة بما هي تقليدٌ للأشياء هي ظاهر الشيء، أما الرسم فهو خروجٌ عن الصورة ليكون إبداعاً تحضر فيه روح الفنّان وذاته الخلاقة لتنقل الصور إلى رسومٍ، أي لتجعل من اللوحة الفنيّة عالماً مستقلاً عن العالم الطبيعي، فالرسم على هذا الوجه أضحى اتباعاً لأفكار الفنّان لا نقلاً للأشياء كما هي، ولذا يحضر المعنى في الرسم ليكون «معنى الصورة» هو «صورة المعنى» بامتيازٍ.

ولعلّ هذا المرور من المادي إلى الروحي أو هذا الحراك الدوري من الشكل المادي إلى الفكر الروحي لا يمكن الحديث عنه بتفصيلٍ إلا إذا ما درسنا فكرة تشكّل الجميل في الفلسفة الهيغليّة بأطوارها الثلاثة الرمزي- الكلاسيكي- الرومانسي.

فكيف ذلك؟

2- أطوار تشكّل فكرة الجميل: الرمزي-الكلاسيكي-الرومانسي:

نرى منذ البدء أن هيغل يقرّ بأنّ دراسته هي للجمال الفنّي دون الجمال الطبيعي، كما يعطي قيمةً أرفع للجمال الفنّي عن الجمال الطبيعي لأنّه نتاج الروح، فكلّ ما يأتي من الروح هو أسمى من الطبيعة، وفي هذا الإطاريقول هيغل:

«ليس جميلاً إلا ما يجد تعبيره في الفنّ بوصفه خلقاً روحيًّا خالصاً ولا يستأهل الجمال الطبيعي هذا الاسم إلا في نطاق علاقته بالروح»[15].

على هذا الأساس تُرتّب الفلسفة الهيغليّة الفنون، فإذا قمنا بربط هذه الفنون الخاصة مع الأشكال الثلاثة يمكن القول عندها أنّ الفنّ المعماريّ هو رمزيٌّ، والنحت كلاسيكيّ، أما الرسم والموسيقى فهما رومنسيان.

يشكّل الفنّ المعماريّ كفنٍّ رمزيٍّ أول الفنون، ويستخدم هذا الفنّ للتعبير عن أفكاره الروحيّة الرمزَ الذي يوحي بالمعنى ولا يعبّر عنه أي لا يجسّده ماديًّا، لذا نعتبر أنّ المضمون الروحيَّ في الفنّ الرمزيّ لا يعتمد إلا على التجريد المحض بالرغم من أنّه يتخذ من كتل المادة الجامدة الضخمة وسطاً يظهر فيه:

«بوجه الإجمال، كلّ مضمار الفنّ الرمزيّ هذا يُؤلّف -كما سبق لنا القول- مضماراً نستطيع أن نصفه بأنّه ما قبل فنّيٌّ بمعنى أنّه يقدّم مدلولاتٍ غيرَ منفردةٍ بعد، بمعنى أنّ الأشكال المرتبطة به يمكن أن تكون مطابقةً وغير مطابقةٍ على حدٍّ سواءٍ[16].

أما النحت كفنٍّ كلاسيكيٍّ، وعلى الرغم من أنّه لا يزال يستخدم المادة الجامدة كوسطٍ يعمل فيه إلا أنّ الجمال الشكلي للجسم البشري يظهر فيه بشكلٍ أفضل مع كلّ استقلاليّته لأنّ الجسم البشير هو التجسيد الأقرب للتعبير عن الروح، لكن يبقى النحت كشكلٍ فنيٍّ تقليديٍّ للغاية إذ يغيب فيه تصوير التعابير الانفعاليّة ليقدّم لنا ملامحَ ساكنةً ومستقرّةً.

وتبدأ مع الرسم كفنٍّ رومانسيٍّ حركة انسحاب الروح من العالم الحسي الخارجي، إذ يتخذ هذا الفنّ من الذاتيّة مبدأ له ويبتعد تدريجيًّا عن جانب التجسيد الحسي وفي الوقت نفسه يحاول أن يصوّر كلّ الخصائص الانفعاليّة والعرضيّة، لذا نرى بأنّ الجانب الحسي للرسم ماديٌّ، ليس بكلّه، إنّما جزءه الباقي عقلي، ويتمثل هذا الانسحاب من الحسي إلى الروحي في مبدأ الفنّ الرومانسي إذ يقول هيغل:

«لأنّ الروح في المرحلة الرومانسيّة يعرف أنّ حقيقته لا تتمثّل في الغوص في الجسماني، بل على العكس، فهو لا يعي حقيقته إلاّ بانسحابه من الخارج ليرجع إلى ذاته، أي بعزوفه عن العالم الخارجي لأنه لا يجد فيه عناصر وجودٍ ملائمٍ»[17].

إلاّ أنّ الرسم يحتوي على مبدأ سقوطه وتجاوزه في الوقت عينه، وذلك باتجاهه في بعض الأحيان إلى تمثيل مجرّد ماديّة الأشياء، فيخرج من الرسم إلى الصورة أي من العنصر الروحاني الإبداعي إلى التصوير المادي المجرد، لكن إذا ما انتقلنا إلى الفنّ الرومانسيّ الثاني وهو الموسيقى فسنجد أنّ هذا الفنّ ينفي المكان تماماً ولا يستخدم إلا الزمان، فالموسيقى تقلّص المسطّح إلى نقطةٍ لتجعل منه ذبذبةً، وهنا تجد الروح نفسها أقرب للعالم الروحي لأنّها تستغني عن المكان وعن مادية الأشياء لتبقي فقط على الصوت، ليجعل هذا السلب الكامل للمكان الموسيقى فنًّا ذاتيًّا خالصًا.

لكن هذا الوجود الروحي في فنّ الموسيقى يبقى وجوداً منقوصاً، لذا يكون الشعر فنًّا بامتيازٍ وفي الوقت عينه تجاوزاً للفنّ باتجاه العنصر الروحي الصرف، فالشعر كفنٍّ هو كلامٌ غايته الأصليّة مخاطبة داخليتنا وإثارة وبثّ الحيويّة في الانفعالات الحارة والعواطف الدفينة، إنّه يستهدف الجمال كمعنى أصليٍّ للوجود وللقول ويرتفع عن الواقع المادي بروتنيّته الاستهلاكيّة ليشكّل بنشاطه الروحي الداخلي ما هو عقلانيٌّ ويجعل له تمظهراً خارجيًّا صادقاً.

فالروح هي المبدأ المحرّك في الشعر، إذ الفكرة حسب هيغل هي في حدّ ذاتها تعبيرٌ مرسلٌ وسيلانيٌّ، أي إنّ الفكرة حاملةٌ للمعنى، فالمعنى ما هو إلا فيضٌ عن الفكرة، وبهذا الشكل يكون الشعر كفنٍّ رومانسيٍّ تجاوزاً للرسم وللموسيقى.

لذا قد تتساءل في ما يخصّ فنّ الرسم كفنٍّ رومانسيٍّ أوّل: كيف يمثّل هذا الفنّ حركة الروح في الاغتراب من أجل الاقتراب ؟

أي كيف تحوّل فنّ الرسم مع هيغل إلى ضربٍ من الإحالة الذاتيّة ليخرج من «معنى الصورة» إلى «صورة المعنى» فيصبح اتباعاً للأفكار لا نقلاً للأشياء ؟

وما هي الأداة أو الأسلوب الذي يتبعه الفنّان الرسام ليجسد هذه الأفكار ؟

 أهي تتمثل في ذاته الإبداعيّة أم في جملةٍ من الوسائل الماديّة أم مزيجٍ من هذا وذاك؟

 كلّ هذه الأسئلة تجعلنا نبحث في معنًُى هيغليٍّ بامتيازٍ وهو معنى الأستيطيقا:

 فهل تعني الأستيطيقا في فنّ الرسم موتاً للفنّ، أو بالعكس فهي تعني توسّعاً لمجالاته إلى حدّ فقدانه داخل المعنى حين يتحول هذا الفنّ إلى ضربٍ من الإحالة الفكريّة فيتحوّل فيه الفنّان الرسّام إلى مفكّرٍ وتصبح فيه المقاييس الأستيطيقيّة مقاييس فكريّةً وفلسفيّةً أكثر منها جماليّةً ؟

ألا تكون الأستيطيقيا مفهوماً استحدثه هيغل ليمنح الفلاسفة حقّ اقتحام مجال الفنون باسم فلسفة الفنّ؟

--------------------------

ثريا بن مسمية : باحثةٌ في الفلسفة وأستاذة الدراسات الإسلامية ـ جامعة الزيتونة ـ تونس.

[2]- « Nous sommes tous hegelins en ce sens que notre temps ne serait pas ce qu’il est si Hegel ne l’avait pas compris, et aussi parce que l’accès à la compréhension de nos pensées passe par cette pensée ». Patrice Henriot, La peinture, Hatier, p.55.

[3] - «Hegel insiste bien que le contenu de l’œuvre d’art soit effectivement absolu, l’immédiateté de l’intuition et la représentation imagée entraîne la finitude de la figure réalisée dans l’être là d’un matériau fini». Yan Patocka. Hegel et le temps, P.O.L, 1990, p.275.

[4]- « Cet ouvrage est consacré à l’esthétique, c’est-à-dire à la philosophie, à la science du beau, plus précisément du beau artistique, à l’exclusion du beau naturel ». Hegel: Introduction a l’esthétique Aubier, Paris,1964, tome I, p.9.

[5] - جيرار برا، هيغل والفن، ترجمة منصور القاضي، ص 9.

[6] - « Tels seraient les principaux résultats de la critique kantienne pour autant qu’ils nous intéressent ici. Cette critique constitue le point de départ pour une véritable appréhension du beau artistique, mais elle présentait certaines lacunes qu’il importait de combler, pour rendre l’appréhension plus efficace et plus complète ». Hegel: introduction a l’esthétique , tome I, p.124

[7] - «Pour résumer ce rapport entre le contenu et la forme dans l’art romantique, nous dirons que là où il apparaît sous son aspect authentique, le ton fondamental de l’art romantique, en raison de l’universalité qui s’y trouve poussée au degré le plus élevé et du fait que l’âme, pour s’y exprimer, ne cesse de fouiller dans ses profondeurs les plus intimes, est de nature musicale et vu le contenu précis de la représentation physique. Le lyrisme, à vrai dire, constitue le trait élémentaire essentiel de l’art romantique… ». , Hegel-l’art romantique, Op.cit, p.24-p.25.

[8] - هيغل- الفن الرومانسي- ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1978، ص 245.

[9] - « La peinture réduit les trois dimensions spatiales à la surface » Hegel, La peinture- la musique,Aubier- Montaigne, Paris, p.18.

[10] - هيغل، فن الشعر، المصدر نفسه، ص 261.

[11] - جيرار برا، هيغل والفن، ص 6.

[12] - جورج طرابيشي، المرجع نفسه، ص 441.

[13] -« Le principe essentiel de la peinture , ai-je dit plus haut, est constitué par la subjectivité interne et vivante, avec ses sentiments, représentations et actions ayant pour objets tout ce qui se trouve dans le ciel et sur la terre, avec la multiplicité de ses situations et de ses manifestations extérieurs et corporelles », Hegel, la Peinture- la Musique, Op.cit, P.18.

[14] -« Le contenu infini et la forme finie indépendants l’un de l’autre mais intérieurement unis dans la beauté » Yan Potocka, Op.cit, P.259.

[15] - هيغل: المدخل إلى علم الجمال، ترجمة جورج طرابيشي، نفس الطبعة، ص 15.

[16] - المرجع نفسه.

[17] -« Car à la phase romantique l’esprit sait que sa vérité ne consiste pas à se plonger dans le corporel ; au contraire, il ne prend conscience de sa vérité qu’en se retirant du dehors pour rentrer en lui-même, et en renonçant au monde extérieur, parce qu’il n’y trouve pas les éléments d’une existence adéquate », Hegel- Du romantique en général, Aubier, Montaigne, 1964, P.9- 10.