البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

أخلاق الإبداع التقني ، بحث في طبيعة العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا

الباحث :  محسن شيراوند - السيد أمين عظيمي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  15
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2019 م / 1440 هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 7 / 2019
عدد زيارات البحث :  689
تحميل  ( 385.759 KB )
تناقش هذه المقالة إشكاليّة العلاقة غير المتكافئة بين أصل حقيقة الإنسان وغايتها من جهةٍ، والتكنولوجيا وتقنية المعلومات من جهةٍ أخرى. وقد اعتمد الكاتبان على فرضية تظهير بعدين تأسيسيين: البعد الميتافيزيقي للإنسان، والبعد الفزيقي اليتيم للتكنولوجيا.

وقد تطرّق الباحثان إلى التعاليم الواردة في حقل الأنثروبولوجيا الدينيّة وأراء ثلّةٍ من الفلاسفة وقسّماها ضمن محورين أساسيين:

- دراسة ذات وماهية التكنولوجيا من ناحية تقنية وناحية أنطولوجيّة.

- دراسة حقيقة الإنسان من منظارٍ أنطولوجيّ.

المحرر

---------------------------------------
كشف المفكرون في حقل فلسفة التكنولوجيا اللثام عن الكثير من الآفات في حقل الارتباط بين الإنسان والتكنولوجيا، بيد أننا إذا أردنا بيان أهمّ تلك الآفات في هذا الشأن، تعيّن علينا ذكر «تعرّض التكنولوجيا» للإنسان. يرى هايدغر ـ بوصفه فيلسوفاً ناشطاً في حقل فلسفة التكنولوجياـ أنّ الرؤية الآليّة للتكنولوجيا صحيحةٌ، ولكنها ناقصةٌ وغيرُ كافيةٍ. ولكنّه بناءً على هذا التعريف الصحيح يعمد إلى بيان ما يجب أن يكون، أي بيان التفكير السائد بشأن السؤال عن التكنولوجيا. يتعمّد هايدغر توقع الطريق الذي فتحه من خلال إثارة الشك، ويعمل هنا على التمييز بين الصحيح أو الصادق والحقيقي (بين الأمر الصحيح والأمر الحقيقي). لذلك ذهب إلى أن الأمر الصحيح (التعريف الصحيح والصادق لموضوع ما) هو الأمر الذي يتعرّض إلى الأمور المرتبطة به، والتي لا تكون مقوّمةً للذات، ولا داخلةً في الذات، ويتحدّث عنها ويعمل على تعيينها. أما «الأمر الحقيقي» فيتعرّض إلى ذات ذلك الموضوع (لا إلى الأمور المحيطة به)، ويعمل على كشف اللثام عن ذات ذلك الموضوع ومقوّماته الذاتيّة. إذاً، فالأمر الصحيح ينظر بشكلٍ جزئيٍّ، بمعنى أنّه يقصر نظرته على جزءٍ خاصٍ أو جهةٍ خاصةٍ من ذلك الموضوع، ويغفل عن سائر الأجزاء والجهات الأخرى، أما الأمر الحقيقي فهو ينظر بشكلٍ شاملٍ ويتعرّض إلى جميع أجزاء وشرائط وحيثيات الموضوع (مورد البحث). وخلاصة ذلك، أنّ الأمر الحقيقي ناظرٌ إلى الباطن ما يجعله بليغاً بما فيه الكفاية ليكشف اللثام عن وجه الحقيقة، في مقابل الأمر الصحيح الذي قد يكون حجاباً يسدل الستار على الحقيقة الجوهريّة.

وعلى هذا الأساس فإن التعريف الآلي والإنساني للتكنولوجيا هو تعريفٌ صحيحٌ ولكنّه جزئيٌّ، ويتمّ تحديده بواسطة مجموعةٍ من الشرائط الذهنيّة. أما التعريف الحقيقي للتكنولوجيا فهو لا يقتصر على مجرّد مجموعةٍ من الأمور والنشاطات، بل هو وجهٌ من الحقيقة، وبعبارةٍ أخرى فهو ميدانٌ ومساحةٌ يمكن للأمور والنشاطات أن تظهر بالصورة التي هي عليها. إنّ تفسير التكنولوجيا بهذا المعنى يتجاوز الدور الآلي، ويحصل على تعريفٍ أكمل، يتمثّل في كون التكنولوجيا أسلوباً ونمطاً من الانكشاف والحضور. وعلى هذا الأساس يجب فهم التكنولوجيا الجديدة أيضاً في إطار ودائرة الانكشاف وإماطة اللثام. وفي الحقيقة، إنّ الانكشاف الحاكم في التكنولوجيا الحديثة يُعدّ نوعاً من التعرّض، أي التعرّض الذي يضع الطبيعة في مواجهة هذا التوقّع الاعتباطي ليكون ضامنا لإنتاج الطاقة، وفي النهاية إمكانيّة استخراج الطاقة من حيث هي طاقةٌ من بطن الطبيعة[2].

وعلى هذا الأساس يمكن القول أنّ التكنولوجيا الجديدة والتكنولوجيا القديمة يشتركان في كونهما نوعاً من الانكشاف. إلا أن طريقة الانكشاف في التكنولوجيا الجديدة تختلف عن طريقة الانكشاف في التكنولوجيا القديمة. إن الانكشاف الحاكم على هذه التكنولوجيا ينطوي على نوعٍ من الانكشاف التعرّضي، وهذا النوع من الانكشاف الحاكم على التكنولوجيا الجديدة يستلزم امتلاك رؤيةٍ جديدةٍ وخاصةٍ إلى الطبيعة، بمعنى النظر إلى الطبيعة بوصفها مصدراً لتوفير الطاقة. وعليه تستلزم هذه الرؤية الخاصة إلى الطبيعة تبلور علاقةٍ خاصةٍ وجديدةٍ بين الإنسان والطبيعة، وهي علاقة تعرّضٍ وتصرّفٍ شاملٍ في الطبيعة (والتعاطي مع الطبيعة). وفي هذه النسبة الجديدة التي حصل عليها الإنسان مع الطبيعة، يقع كلّ شيءٍ في معرض التعرّض والتصرّف. إن حصيلة هذا التعرّض تكمن في إيجاد هذه النقطة، وهي كأنّ كلّ شيءٍ في حالة استعدادٍ كي يتم تسويقه مباشرةً بمجرّد أن يتعلق به الطلب. إن أهمّ تحوّلٍ حصل في مرحلة ظهور التكنولوجيا هو التغيّر الطارئ على نظرتنا للعالم، إذ حلّت رؤيةٌ جديدةٌ محلّ الرؤية القديمة[3]. وفي الحقيقة، فإن هذا النوع من الرؤية تحول في حدّ ذاته إلى تبلورٍ في الأمور، بحيث إن هذا التبدّل والتغيّر في الموجودات إلى مصدر ثابتٍ قد أسس لرؤيةٍ جديدةٍ. وهي الرؤية التي يتمّ من خلالها فهم الهويات بوصفها أشياءً. يقول هايدغر في هذا الشأن:

«لقد حدثت ثورةٌ شاملةٌ في رؤية البشر بشأن الفلسفة الجديدة. لقد تعرّض العالم اليوم بوصفه شيئاً إلى هجماتٍ من قبل التفكير الحسابي، وهي هجماتٌ لا يُتوقع لأيّ شيءٍ أن يصمد في مواجهتها. وقد تحوّلت الطبيعة إلى مخزنٍ عظيمٍ ومصدرٍ للطاقة في الصناعة والتكنولوجيا الجديدة. وإن نسبة الإنسان هذه إلى العالم هي في الأساس نسبةٌ تكنولوجيةٌ»[4].[5]

إن هذا النوع من المواجهة يمثل النسبة القائمة بين الإنسان والطبيعة، وفي الوقت نفسه فهو يُبيّن ماهيّة التكنولوجيا بشكلٍ جيّدٍ. وعلى الرغم من أن التكهّن بشأن التغيّرات العميقة في مستهل وقوعها في إطار التكامل التكنولوجي في غاية التعقيد، إلا أن التمدّد التكنولوجي يتواصل بسرعةٍ متزايدةٍ، ولا يمكن أن يتوقف أبداً. إنه لمن المصائب البشرية أن نشهد نمواً متسارعاً وغير منطقيٍّ للتكنولوجيا، بحيث لم يترتب على ذلك من غايةٍ سوى «سرعة النمو«. وبعبارةٍ أخرى: على الرغم من أنّ الهدف الأول للتكنولوجيا كان قائماً على إمكانية التأسيس لحياةٍ سعيدةٍ للإنسان، إلاّ أنّ هذا الهدف قد اضمحلّ بمرور الوقت، وأصبحت «التكنولوجيا في حدّ ذاتها، وسرعة تطوّرها بمعزلٍ عن غايتها» هي الغاية النهائيّة، وفي الحقيقة يقول هايدغر:

«إن وجود البشر محاصرٌ بقوى التكنولوجيا من جميع الجهات، وإن حلقة هذا الحصار تزداد ضيقاً يوماً بعد يوم. إن هذه القوى تستهدف الإنسان في كلّ مكانٍ تحت ذريعة التدابير والاختراعات التقنية المتنوّعة، وتعمل على اجتذابه واستقطابه وتقوم بالضغط عليه، وتفرض نفسها عليه، وحيث إنها ليست من صنع يد الإنسان[6]، فقد ذهبت إلى أبعد بكثيرٍ من رغبته وإرادته، كما أنّها تنمو بشكلٍ أكبر من ظرفيّة قراراته»[7].

يبدو أنّ الفرصة لا تزال قائمةً أمام البشر، بأن يعمل الإنسان على تجديد رؤيته من خلال إعادة بلورة أو قراءة العناصر الجوهرية في حقل الأنثروبولوجيا، ذلك من قبيل الاهتمام بامتلاك الإنسان لبعدين، وتأصيل حقيقته الوجودية المتمثلة في الاهتمام بالبُعد الروحاني (في الحقل الأنطولوجي والحقل الأنثروبولوجي)، والاهتمام بالكمال والسعادة الروحية والميتافيزيقية للإنسان، وأن يستفيد بنحوٍ من الأنحاء من الوسائل التقنية، وأن يتحرّر من قيودها في الوقت نفسه من خلال الاستفادة الصحيحة منها. وبذلك فإن ارتباطنا مع التكنولوجيا سيكون بسيطاً ومريحاً بشكلٍ مذهلٍ. وبهذه الرؤية لا إشكال في دخول التكنولوجيا إلى حياة الإنسان وأموره اليومية، لوجود إمكانيّةٍ دائمةٍ وسهلةٍ لخروجها أيضاً.

من الواضح أن هذه الرؤية في شأن التكنولوجيا سلبيةٌ-إيجابيةٌ. إن الاستدارة نحو التقنية والتكنولوجيا في حدود التوظيف جديرةٌ بالاهتمام، بحيث يمكن ببساطةٍ فصلها عن بيئة حياة الإنسان، ويبدو أنّ هذه الرؤية الطاردة للتكنولوجيا إنما يمكن تذليلها إذا تمّ التعرّف على ماهيتها بشكلٍ صحيحٍ، وتحديد زاوية رؤيتنا لها. ولكن بغض النظر عن جميع هذه الأوصاف، هل التكنولوجيا مطلوبة للإنسان؟ وبعبارة أخرى: إن أهم سؤالٍ بشأن ارتباط الإنسان بالتكنولوجيا، هو السؤال القائل: في خدمة من يجب توظيف التكنولوجيا و«الأدوات التكنولوجية»؟ لا شك في أن الجواب عن ذلك هو أن التكنولوجيا وأيّ تقنيةٍ أخرى يجب أن تكون في خدمة الإنسان. بيد أن لبّ المسألة يكمن هنا تماماً. فمن هو الإنسان، وما هو العنصر الذي يبلور حقيقته الواقعية؟ أليس التكنولوجيا يجب أن تكون في خدمة «حقيقة الإنسان»، وكماله وسعادته؟ إن هذا السؤال هو الأكثر جديّةً في حقل الرؤية الفلسفية إلى التكنولوجيا. ولا شكّ في أنّ الإجابة عن هذا السؤال تستدعي بحثاً جاداً في حقيقة الإنسان.

حقيقة الإنسان الأنطولوجية

أ ـ حقيقة الإنسان في القرآن الكريم

إن الإنسان يحظى من بين مخلوقات الله بمكانةٍ خاصةٍ. كما أن الله قد وصف نفسه بعد بيان خلقه للإنسان بقوله: { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }[8]. وخاطب اللهُ الإنسان بوصفه أفضل مخلوقاته. فما هو سبب هذا الخطاب الخاص؟ وما هي الحقيقة الأصيلة للإنسان التي جعلته مستحقاً لهذا الخطاب الخاص؟ لا شك في أن هذا السؤال الجوهري يجب الإجابة عنه من زاويةٍ محدّدةٍ. بمعنى أنّ السؤال القديم القائل: هل الإنسان كائنٌ ماديٌّ أم مجرّدٌ؟ يعد من أهم الأسئلة، وأن الإجابة عنه مصيريّةٌ وحاسمةٌ لجميع أنواع الأبحاث الأنثروبولوجية. ليس هناك من يعتقد في وجود الإنسان بواقعيّةٍ أخرى غير هذه الأعضاء المادية والطبيعية التي لها قوانينها الخاصة، حيث إنّ جميع نشاطات وتداعيات الإنسان ناشئةٌ عن الأعضاء الماديّة والطبيعيّة لوجوده. أما القرآن والإلهيون فيعتقدون بأنّ الحقيقة الإنسانية تكمن وراء الجانب المادي من وجود الإنسان، ويرون أن الآثار والأنشطة غير المادية للإنسان تنبثق عن هذه الحقيقة غير المادية. إن هذه الحقيقة غير المادية هي التي تبلور أصل وجوهر الإنسان. ولكن ما هي كينونة الروح؟

تُعدُّ كينونةُ الروح من أعقد المسائل الفلسفية والكلامية، ولا يتسع هذا المقال لبحثها. ولكننا نقول إجمالاً: إن النفس ـ من وجهة نظر الفلاسفة المسلمين ـ هي غير الجسد، فهي موجودٌ مجرّدٌ تعود إليه جميع الآثار والأنشطة الجسديّة وغير الجسديّة. وتكمن عظمة الروح الإنسانية في أنها في سلم الصعود تمتلك القدرة والاستعداد للوصول إلى أعلى درجات الكمال، ويمكنها بلوغ عظمةٍ لا يمكن لأيّ مخلوقٍ أن يبلغها. وقد قال الله تعإلىفي هذا الشأن: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }[9]. وعلى هذا الأساس فإن حقيقة الإنسان تعود إلى بُعده الروحاني المجهول جداً، الأمر الذي جعل منه أكثر الكائنات غموضاً في الوجود بعد الخالق سبحانه وتعالى. إنّ المفسرين عاجزون عن بيان حقيقة البُعد الروحي للإنسان، بيد أنهم يذكرون أن العلم والتفكير والتعقل والإرادة الإنسانية من مختصات هذا البُعد، ويعتبرون وصول الإنسان إلى مرتبة العقل الكامل من جملة ظرفياته الوجودية. ويعتقدون كذلك بأن هذه الأوصاف هي التي جعلت الله سبحانه وتعإلىينسب الروح إلى نفسه تعظيماً وتكريماً لها، وإلا فإن التركيب والجزئية في الله تعإلىمحالٌ[10].

إن الذي تمّ تجاهله في حقل الحياة الإنسانية بجميع توابعها المرتبطة بحقل التكنولوجيا، هو عدم الاهتمام بهذا الموضوع الأساسي في الحقل الأنثروبولوجي، أي الرؤية ذات البُعد الواحد للإنسان ودخول الإنسان وجميع تحقيقاته إلى مدارٍ خاطئٍ تماماً. إن على الإنسان أن يمتلك هذه الفراسة التي تريه أولاً: أن الإنسان كائنٌ ذو بعدين، وثانياً: أن بُعده الروحاني هو الذي يُشكّل حقيقته لا بُعده الجسماني. وهذا يمثل جوهر جميع التحقيقات والدراسات التي يمكنها توجيه حقل التكنولوجيا: «إن أصل الإنسان هو لُبّه، وأصل وحقيقة الإنسان هي روحه الملكوتية». إن الذي يمنح الإنسان هويته هي الناحية الروحانية والملكوتية منه والتي أودعها الله في وجوده، إذ يقول تعالى: { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي }[11]. إن التعرّف الكامل على الإنسان يعود إلى حيثيته ما بعد الطبيعيّة والماورائية، لذلك كان تحديد الإنسان في الحيثيّة الطبيعية يوفر لنا معرفةً محدودةً بهذه الناحية، ولا يعبّر عن حقيقته الكاملة[12]. وعليه ما لم تصل البشرية إلى هذا النضج الفكري والتحوّل في المنهج المعرفي، فإن التكنولوجيا لن تغيّر رؤيتها الصاخبة عرضياً ولا طولياً، وبالتالي لا يمكن أن نتصوّر حدًّا لها يمكن أن تقف عنده.

إنّ ماهيّة وحقيقة الإنسان موضوعٌ طالماً شغل الأذهان البشريّة لأزمنةٍ طويلةٍ، وقد أنفق الكثير من المفكرين في كافة أنحاء العالم أعمارهم في قراءة ودراسة هذا الموضوع. إنّ الإنسان من وجهة نظر القرآن الكريم كائنٌ ذو بعدين: مِلكي وملكوتي، وأرضي وسماوي، وله روحٌ رحمانيّةٌ ونفسٌ شهوانيّةٌ، وهو مجمعٌ لأضداد صفات الخير والشر، حيث يجب الالتفات إلى هذه المسألة. وفي هذه الحالة فقط يمكن الادعاء بوجود معادلةٍ منصفةٍ بين البعد الفيزيقي والميتافيزيقي في العالم. ولا شك بطبيعة الحال في أنّ لكلّ واحدٍ من هذين البُعدين في وجود الإنسان صفاته وحياته الخاصة. ذلك أن الخصائص والصفات متفرّعةٌ عن وجود الحياة. إن البُعد الجسماني للإنسان يعبر عن مشابهته وقربه إلى الطبيعة والخصال الحيوانية، وفي الحقل الأنطولوجي والأبستيمولوجي ليس لديه أيّ حقيقةٍ سوى أنه وسيلةٌ لإيصال بُعد الإنسان الروحاني إلى غاياته ومقاصده السامية. إنّ حقيقة البُعد الجسماني لا يمكن حتى للطبيب أن يعمل على تشخيصها، وهذا في حدّ ذاته يُثبت أن هذا البُعد من الناحية الأنطولوجية يقع في أخسّ المراتب. في حين أن الخصائص الوجودية للبُعد الروحاني في غاية الصلابة، وقد انعكس هذا الأمر في كلام الوحي أيضاً.

ب ـ الحقيقة الأنطولوجية للإنسان في الفلسفة

ربما أثيرت هذه الشبهة، وهي أنّ دراسة حيثيّة الإنسان ذات البُعدين في النصوص الدينية تكفي لبيان علاقته بالتكنولوجيا، ولا حاجة إلى طرح هذه المسألة في فلسفة الوجود. إلا أن مثل هذا الفهم يُعدّ نوعاً من الفهم السطحي، بل وربما يرقى إلى مستوى الجهل وعدم العلم أيضاً. إذ إنّ بحث الحيثيّة الفلسفيّة التكنولوجيّة تحظى اليوم في المؤسسات والأكاديميات العلمية في العالم بأهميّة كبيرةٍ. وفي الحقيقة فإنّ «فلسفة التكنولوجيا» حقلٌ علميٌّ، والنظرة الفلسفيّة إلى هذا الموضوع في غاية الأهمية. ومن هذه الناحية وبالالتفات إلى تنظيم وتبويب هذه الدراسة ضمن الإطار الديني، من الضروري بيان آراء الفلاسفة البارزين بشأن الحيثيّة الثنائيّة للإنسان باختصار.

لقد تمّ اعتبار البحث الأنطولوجي للنفس الإنسانيّة ـ في آراء الفلاسفة المسلمين ـ بوصفها كائناً مغايراً للجسد، أمراً بديهياً ولا يحتاج إلى دليل. لأنّ كلّ شخصٍ يعلم بنفسه بالعلم الحضوري، في حين أن علمه بجسمه من العلم الحصولي. إن كلّ إنسانٍ بالإضافة إلى الجسم له نفسٌ يدركها بشكلٍ مباشرٍ ومن دون واسطة شيءٍ آخر، وهذا العلم الحضوري هو الذي يغنينا عن تعريف النفس وإثباتها، لأن العلم الحضوري لا يقبل الخطأ. ومن هنا سوف ندخل في بحث أصل المسألة دون الدخول في تعريف النفس الإنسانية والأدلة التي تمّ طرحها في الفلسفة بشأن وجودها.

إنّ حقيقة الإنسان هي النفس الناطقة، وحقيقة النفس الناطقة ـ التي هي عين الوجود وجزء الوجود والتي لا تعتبر تشخصاً لشيءٍ آخرـ تتجلى وتظهر في مرجع الضمير «أنا». إن معرفة ما يتمّ تعريفه على أنه الذات والأنا لا يمكن بيانه من طريق المفاهيم والصور الذهنية. لأن الصور الإدراكية أياً كانت ليست هي الذات الإنسانية، ولا يمكن الإشارة إليها بالضمير «أنا»، وإنما هي مجرّد مفاهيم، ويمكن أن يشار إليها بالضمير «هو« أو «ذلك». إذاً، لا يمكن أبداً أن نحصل للنفس الناطقة والزاخرة بالحيوية والنشاط والإدراك على وجودٍ أو صورةٍ ذهنيّةٍ، والإشارة بذلك المفهوم إلى حقيقة ذات الإنسان. لأنه في مثل هذه الحالة سيفقد ماهيته ولن يكون عبارة عن الـ «أنا» الحقيقية[13].

لقد عمد صدر المتألهين ـ كما هو شأن فلاسفة السلف ـ إلى تعريف الإنسان بأنه حيوانٌ ناطقٌ، وقال بأنّ النطق ـ الذي يمثل الفصل المنطقي للإنسان ـ يعني إدراك الكليات التي تعبّر عن حقيقة، وتلك الحقيقة هي الفصل الحقيقي للإنسان، أي: نفسه الناطقة وهي خاصةٌ بالإنسان، لأن العلم والإدراك من خصائص الكائنات المجرّدة، والعلم ليس شيئاً آخر غير «حضور المجرّد عند المجرّد». ولكن لا بدّ من الأخذ بنظر الاعتبار أن الإنسان في عالم الخلق ليس مجرّد نفسٍ ناطقةٍ، بل هو مركّبٌ من نفسٍ وجسدٍ، ولكن لا بنحو تركيب جزئين مستقلين عن بعضهما. وبعبارة أخرى: على الرغم من اختلاف النفس والروح في المنزلة والرتبة، إلا أنهما على مستوى الذات حقيقةٌ واحدةٌ، ولهما في عين الوحدة والبساطة درجتان متفاوتتان. تماماً مثل الشيء الواحد الذي يحتوي على طرفين. طرفٌ هو الفرع ويكون في حالةٍ متواصلةٍ من التحوّل والتبدّل والفناء، وطرفٌ هو الأصل وهو باقٍ وثابتٌ، ويمثل شخصيّةً وهويّةً واحدةً ترتقي في الأصل والجوهر، وتكون وحدتها الشخصيّة محفوظةً في جميع المراتب. غاية ما هنالك أنّها في كلّ مرتبةٍ تغدو أكملَ، وكلّما تكاملت النفس في وجودها، يكتسب الجسد نقاءً وصفاءً أكبر، ويغدو اتصالُه وارتباطُه بالنفس أوثقَ، ويقوى الاتحاد في ما بينهما حتى يبلغ بهما الأمر عند وصول الإنسان إلى مرتبة الوجود العقلي ويصبح الإنسان عقلاً، سيكون أمراً واحداً لا تشوبه أيّ مغايرةٍ أبداً[14].

ويذهب ابن سينا إلى الاعتقاد بأنّ النفس جوهرٌ واحدٌ يشكّل حقيقة الإنسان، وهي مصدر مختلف الأفعال التي تصدر عن الإنسان. إن الإنسان جسمٌ طبيعيٌّ يتألف من المادة والصورة، ومادته هو الجسد وصورته هي النفس التي بها يمتاز الإنسان عن سائر الكائنات الحية الأخرى. إنّ النفس مخلوقةٌ وحادثةٌ، بمعنى أنّها لم تكن موجودةً قبل وجود الجسد، وإنها وإن كانت تبقى بعد فناء الجسد، ولكنها لا توجد إلا عند ظهور الجسد. وبعبارةٍ أخرى: إنّ للنفس بدايةً، ولكن لا نهاية لها، والدليل على حدوث النفس أنّها لا تتعيّن إلا بواسطة الجسد. وذلك لأنّ النفس إذا كانت موجودةً قبل وجود الجسد، فالأمر لا يخرج من إحدى حالتين، إما أن تكون متعدّدةً أو تكون واحدةً لجميع الأجسام. في حين أنّ النفس ما دامت مجرّدةً تكون ماهيّةً غير مختصّةٍ بشيءٍ، ولا طريق إلى تعددها، كما أنّ الوحدة لا يمكن القبول بها أيضاً. لأن تمايز الأشخاص عن بعضهم لا يقتصر على أجسامهم فقط، وإنما يعود إلى نفوسهم أيضاً[15].

إن دراسة الحيثيّة الثنائيّة للإنسان في النصوص الدينية وفي آراء الفلاسفة، تمثل تأكيداً على غاية هذه الدراسة التي ترمي إلى إثبات أن التكنولوجيا لا يمكن أن تمثل رؤيةً حياديّةً تجاه هذا الموضوع. وإن تجاهل الحيثيّة الميتافيزيقيّة للإنسان والكون ينطوي على آفاتٍ أنطولوجيّةٍ في غاية الخطورة. إنّ ما يعيشه العالم حالياً ـ للأسف الشديد ـ هو العبور من مرحلة الأزمة إلى مرحلةٍ أخرى أخطرَ منها بمراتبَ كثيرةٍ.

غاية كمال وسعادة الإنسان

قبل الدخول في التعريف بكمال الإنسان في الإطار الديني، نرى من الضروري التأكيد على أنّ الاستناد إلى اللذّة والمتعة في هذه الدنيا إذا لم تلحظ بوصفها الغاية الوحيدة لكمال الإنسان المعاصر، فهي واحدةٌ من الأهداف الأساسية للبشر. يرى المفكر المعاصر (جان بودريار)[16] أن إنسان ما بعد الحداثة يشبه ساكن الصحراء الذي يتمتع بأفضل الإمكانات والوسائل والأدوات، ويعيش في رفاهٍ كاملٍ ويتقلب في أقصى حدود المتعة واللذة، بيد أنه لا يمتلك غايةً وهدفاً يتجه إليه. وإنما تقتصر غايته وطموحه على الاستفادة الكاملة من هذه المتعة واللذة. ويزعم (بودريار) أنّ هذا الشخص لا يبدي امتعاضاً أو انزعاجاً من هذه الحالة، لأنّ هذه النقطة هي التي تمثل كمال الإنسان الذي يجب التوقف عنده. وعلى هذا الأساس فإن الحياة دون أن يكون هناك مثالٌ يُطمح إليه ودون أن يكون هناك هدفٌ متعالٍ، أمرٌ ممكنٌ. وعليه يمكن للإنسان في مجتمع ما بعد الحداثة أن يعيش ويموت دون أن يفكر في الأمر المتعالي وما هو فوق الأشياء الأخرى[17]. وفي معرض تمثيله عن المجتمع المعاصر، يشير (بودريار)  إلى عنصر «اللذة» قائلاً:

«من الآن فصاعداً لن يكون هناك موضعٌ للرغبة وحتى للذوق والمنحى الخاص، وإنما سنواجه فضولاً عاماً وشاملاً، بمعنى «أخلاق التسلية» أو التكليف بالسعادة والاستفادة القصوى من جميع الإمكانات، للحصول على الاغتباط واللذة»[18].

وقد ذهب (جان بوديار) إلى أبعد من ذلك، حيث طرح اللذة بوصفها «تكليفاً» للإنسان الغربي المعاصر[19]. لم يعد الأمر وكأنّ اللذة حقٌّ طبيعيٌّ للإنسان، وأمرٌ مسموحٌ له به، بل إنّ الإنسان مكلّفٌ باللذة لكي يحقق ذاته. إنّ الإنسان المستهلِك يرى نفسه ملزماً بالتلذّذ، واعتبار نفسه بوصفه مؤسسةً للاستمتاع والتلذّذ[20]. وفي الحقيقة فإنّ غاية الكمال والسعادة القصوى التي يمكن تصوّرها للإنسان المعاصر، تكمن في تحقيق اللذة في ما يتعلق بجميع الإمكانات الفعلية أو تفعيل جميع الإمكانات الكامنة بالقوّة. والنقطة الجديرة بالتأمّل في هذا النوع من الرؤية هي أن القيَم في هذا الإطار لا يتمّ اكتشافها ولا نفيها، وإنما يتمّ «خلقها». إن القيَم والواجبات والمحظورات تشكل جزءاً لا يقبل الانفصال عن حياة الإنسان. وعندما لا يعثر الإنسان على غايةٍ وقيمةٍ متعاليةٍ في حياته اليومية، بحيث يغدو راغباً في اكتشافها والحصول عليها، يعمد إلى خلق هذه القيَم[21]. وقال (فيبر)[22] في كتابه (الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية):

«حيث لا يمكن نسبة تحقق التكليف إلى أسمى القيَم المعنوية والثقافية مباشرةً... يعمد الفرد بالتدريج إلى التخلي عن سعيه في تبريرها. وتحل الدوافع المادية محل الدوافع الروحية والصوفية، وتعمل أساليب اللذة في الحياة على إشباع ذاتها بواسطة اللذة»[23].

ولكن هل النصوص الدينية تنشد هذا النهج حقّاً؟ إن الإنسان في الإطار الديني يحتوي على بُعدين وكمالٍ واحدٍ. وإنّ مفهوم «الكمال « يتمّ تفسيره بالالتفات إلى البُعد الحقيقي من الإنسان. ولا شك في ضرورة أخذ بعض المقدمات للوصول إلى الكمال النهائي للإنسان بنظر الاعتبار كي لا نقع في فخ المغالطة والسفسطة. يجب البحث عن الكمال والسعادة الحقيقية ـ لا الوهمية ـ  في الآراء المختلفة المطروحة بشأن الإنسان. إن اختلاف الرؤية في خصوص سنخ معرفة الإنسان (وما إذا كان الإنسان كائناً ذا بُعدين أو ذا بعدٍ واحدٍ)، ووجود الآراء المتعددة في خصوص هذا التحليل الجوهري، أدى إلى توفير الأرضية للتنوّع في النظريات المرتبطة بالكمال والسعادة. وعلى هذا الأساس فإن المذهب القائل بأن الإنسان كائنٌ ماديٌّ، يرى أنّ سعادته رهنٌ بتلبية احتياجاته الماديّة، ومن هنا ذهب البعض إلى القول بأنّ كمال الإنسان يكمن في حصوله على المقدار الأكبر من الملذات المادية، وإن الذي يرى العقل معياراً للإنسانية، يرى السعادة في ازدهار العقل في طريق المعارف والحقائق الإلهية.

إن المنهج العرفاني يرى الإنسان كائناً مسجوناً في قفصٍ يحول بينه وبين أصله وموطنه، ويرى أيضاً أن سعادته تكمن في مقدار استفادته من العشق، وأما تلك الجماعة التي ترى ـ مثل (فريدريك نيتشه)[24] ـ القوّة هي الأساس في البين، فإنها ترى أن الإنسان السعيد هو الإنسان القوي[25]. وأما طبقاً لنظرية الإسلام، فقد تمّ تعريف الإنسان على النحو الآتي: إنه كائنٌ يتمتع بطاقاتٍ مختلفةٍ، ويتألف من روحٍ وجسدٍ، وليس مادياً بحتاً، وإن حياته الحقيقية والأصلية تعود إلى عالمٍ آخر، وقد خُلق للخلود، وإنّ فكره وعمله وسلوكه وأخلاقيّته هي التي تبلور كيانه الأخروي. وعلى أساس هذه الرؤية، تتحقق سعادة الإنسان من خلال الازدهار المنسجم مع طاقاته والتلبية المناسبة لحاجاته الروحية والجسدية. وفي هذا الشأن يقول العلامة الطباطبائي ما مضمونه: إن سعادة كلّ شيءٍ عبارةٌ عن وصوله إلى خيره الوجودي، وإن سعادة الإنسان ـ الذي هو مركب من روحٍ وجسد ٍـ عبارة عن وصوله إلى خيراته الجسمانية والروحانية، وتنعّمه بتلك الروح التي هي من الله { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي }[26]، وإن سعادته رهنٌ بالتقرّب من الله، بمعنى عودته إلى المبدأ الذي نشأ منه[27].

وقد بيّن المفكر والفيلسوف الإسلامي الكبير صدر المتألهين الشيرازي[28] هذه المسألة ضمن إطارٍ فلسفيٍّ ـ دينيٍّ، ومال إلى الاعتقاد بأن للوجود حركةً وثورةً، وأنّ هذا الأمر ذاتيٌّ في جميع الكائنات الحية وغير الحية في الطبيعة وما وراء الطبيعة. إن العالم الذي نعيش فيه يشتمل على ذاتٍ متحرّكةٍ. وهو في حال تغيّرٍ وتحوّلٍ مستمرٍّ، أو بعبارةٍ أخرى يحتوي على نظامٍ حركيٍّ لا يعرف الاستقرار. إن جميع كائنات العالم ـ بما في ذلك الجمادات ـ في حالة تحرّكٍ وسيرٍ إلى جهةٍ معيّنةٍ. ولكن ما هي هذه الجهة حقاً؟ وما هو منتهى هذه الحركة؟ يجيب صدر المتألهين عن هذا السؤال بالقول: «إن جميع الحركات الموجودة في العالم لها غايةٌ، وإن هذه الحركات الهادفة ناشئةٌ عن علمٍ وشعورٍ وإدراكٍ كامنٍ في جميع الكائنات. ولذلك فإنّ كلّ واحدٍ من الموجودات في عالم الطبيعة ـ وحتى الجمادات ـ تسير إلى جهةٍ وغايةٍ موجودةٍ في خارجها. وطبقاً للحركة الجوهرية فإن العالم في حركةٍ واحدةٍ وحيويّةٍ لا تعرف السكون والركود»[29].

إن المهم في هذه الرؤية هو تحليل الوجود على أساس رؤيةٍ غائيّةٍ تسير نحو الكمال. وفي الحقيقة فإنّ عالم الطبيعة هو عين الحركة، وإن هذه الحركة ليس لها من غايةٍ سوى الفعلية الكاملة والمتعالية. وليست أجزاء الطبيعة والعالم وحدها، بل جميع الوجود في كافة مراتبه ـ سواءً في حركته الصعودية أو النزولية ـ يتصرّف على نحوٍ هادفٍ. إن غاية الهيولى (المادة الأولى) هي التحول إلى عنصرٍ، وغاية العناصر هي التحوّل إلى مركّباتٍ، وغاية المركّبات هي التحوّل إلى نباتٍ، وغاية النبات في الحيوان، وكمال الحيوان في النفس الناطقة، وكمال النفس الناطقة في التجرّد المحض، وغاية المجرّدات هو التشابه التام مع الله. وعلى هذا الأساس فإنّ الطبيعة تميل دائماً إلى التعالي من أجل الوصول إلى الله[30].

إن الإنسان بوصفه آيةً إلهيّةً يُعدّ -طبقاً لمبنى الحكمة المتعالية- الغاية من جميع الحركات في العالم والهدف الغائي من الخلق. ففي الوقت الذي تكون لجميع الكائنات في عالم الخلق غاية، فإنّما غايتها تأتي في جهة غاية الإنسان. وبعبارةٍ أخرى: إنّ كمال الكائنات يُعدّ مقدمةً لكمال الإنسان[31]. ثم إنّ السعادة لا تنفصل عن الكمال. وإنّ الإنسان إنّما ينال من السعادة بمقدار ما يبلغه من الكمال. إن سعادة الروح تكمن في القرب من الله والوصول إليه، وفي هذه الحالة يكون قد بلغ غاية كماله. بيد أنّ المنهجيّة المنشودة في هذا البحث منهجيّةٌ جديدةٌ في هذا الباب، بحيث نعمد إلى دراسة السعادة والكمال من زاوية تقسيم عوالم الوجود.

لقد قسم الفلاسفة المسلمون عوالمَ الوجود إلى ثلاثة أقسام، وهي:

1 ـ عالم المادة أو الطبيعة.

2 ـ عالم المثال.

3 ـ عالم العقل، وهو عالمٌ مجرّدٌ من المادة وتداعياتها وآثارها.

ومن الناحية الذاتيّة والفعليّة فإنّ عالم المثال مجردٌ من المادة، ولكنّه لا يتجرّد من آثار المادة. وأمّا عالم المادة فهو ماديٌّ ويشتمل على الآثار الماديّة أيضاً[32].

يرى صدر المتألهين أنّنا كلّما ابتعدنا عن عالم الطبيعة، واقتربنا من عالم العقل، سنكون أكثر سعادةً ونكون قد وصلنا إلى الكمال النهائي. وفي هذه الهندسة الفكرية يُشكل الإنسانُ حلقةَ الوصل بين عالم الأمر والخلق، وحيث يعتبر الإنسان عصارةً لكلا هذين العالمين، فإنه يكون على معرفةٍ وإحاطةٍ جيّدةٍ بقوانين وأسرار وخفايا كلا هذين العالمين. ومن ناحيةٍ أخرى حيث إنّ للعالم بأكمله غايةً، فإن أفضل موجودٍ يمكنه أن يبلغ به إلى المنزل والغاية المنشودة هو الموجود المطلع على قوانينه، وإن جميع هذه الخصائص متوفرةٌ في الإنسان. وإلى ذلك فإنّ الإنسان ترجمانُ قوس الصعود والنزول في العالم. ومن هذه الناحية يجب اعتبار الإنسان من جهة كونه كائناً على مستوى عالم الأمر، ومن ناحيةٍ أخرى يجب اعتباره كائناً على مستوى عالم الخلق، ومن هنا كان خليفة الله بحق.

تحليل وبيان

بعد دراستنا لآراء كلّ من بيكون، وهايدغر، وجان بودريار، وغيرهم من الناشطين في حقل التكنولوجيا، توصلنا إلى بعض النقاط البارزة التي يجب التعرّض إليها باختصار. إن الحقيقة هي أن التكنولوجيا يراد توظيفها في حياة الإنسان في هذا العالم، وهي تشتمل على ذاتٍ آليّةٍ. وفي الحقيقة فإنّ التكنولوجيا وتقنية المعلومات تحظى بماهيّةٍ فيزيقيّةٍ، لا يتجاوز شعاع نشاطها أبعد من ذلك، ولا يتوقع منها أكثر من ذلك. والحقيقة هي أنّ الاهتمام بحاجة الإنسان في الحقل الفيزيقي، يعدّ اهتماماً بجانبٍ هامٍّ من الاحتياجات الحقيقيّة للإنسان، ولا أحد يُنكر ذلك. بيد أنّ التركيز البحت على هذا الجانب قد أدّى إلى حذف ـ أو في الحدّ الأدنى تجاهل ـ الجانب الأصلي من الاحتياجات في الحقل الميتافيزيقي. والحقيقة أنّه قد تمّ الاهتمام بهذه المسألة من زاوية الرؤية الدينيّة أيضاً، ويمكن لنا بواسطة رؤيةٍ إجماليّةٍ إلى كلّ واحدةٍ من أنشطتنا ورغباتنا أن ندرك بوضوح أنّ الدافع والعامل الرئيس لنا في القيام بالأعمال أو الابتعاد عن بعض الأمور يعود إلى تحصيل اللذة أو تجنّب الألم. وهذه المسألة في ما يتعلق بالملذات الحسيّة واضحةٌ تماماً[33].

أما المسألة الأساسيّة فهي أنّ النصوص الدينيّة ـ وكذلك الفلاسفة المسلمون ـ ترى أنّ الحقيقة الحقّة في الحقل الأنثروبولوجي هو البُعد الميتافيزيقي من الإنسان، حيث تشكلُ دراسة مسألة السعادة والكمال الجانب الأهم في هذا البُعد. إن الاهتمام بالحياة السعيدة من أهم البرامج الدينية، والسؤال المطروح في هذا الشأن يقول: ما هي السعادة المنشودة في التعاليم الدينية؟ وعلى الرغم من أن هذه الدراسة لا تُعنى بالإجابة عن هذا السؤال، ولكننا نتعرّض إليه على نحو الإجمال فنقول بأنّ السعادة والكمال النهائي للإنسان يُبحث فيها من خلال تظهير وإبراز «القرب الإلهي»، حيث إن سعادة وكمال الإنسان في المنظور الديني إنما يمكن تفسيرهما في إطار الالتفات إلى الغاية النهائية من الخلق، ألا وهي القرب الإلهي. إنّ النقطة الرئيسة التي يكمن فيها لبّ هذه الدراسة، هي أنّ هذه الغاية النهائية إنما تتحقق من خلال التأكيد على النقاط البديهية[34] الآتية:

1 ـ التأكيد على أنّ الإنسان كائنٌ ذو بعدين.

2 ـ إنّ أصالة الإنسان وجميع حيثياته تكمن في بُعده الميتافيزيقي.

3 ـ إنّ كمال وسعادة الإنسان المتمثلين بالقرب الإلهي إنما يتحققان في إطار القول بالفِقرتين أعلاه، لا على أساس التضحية بهما تحت ذريعة الحياة السعيدة.

إن حذف وإلغاء العناصر الأساسية في حقل الأنثروبولوجيا لا يؤدي إلى عدم تحقق مقدمات السعادة والكمال للإنسان فحسب، بل إن السعادة الإنسانية إنما تحصل إذا اهتم الإنسان بإيجاد الرفاه من خلال توظيف جميع طاقاته وإمكاناته الفيزيقية والميتافيزيقية. واليوم حتى فلاسفة التكنولوجيا يعمدون إلى انتقاد الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، ويمكن القول بكلّ جرأةٍ أنّه ليس هناك من يدعو إلى الاستفادة من التكنولوجيا بشكلٍ مطلقٍ ومنفلتٍ، إذ تجلى لجميع الناس الكثير من الشواهد الدالة على عدم نجاح الحياة القائمة على التكنولوجيا، وأن ذلك الادعاء الأول القائل بأن الشرارات الأولى لذلك قد انقدحت في عصر (فرانسيس بيكون)، أخذ يواجه بالتردّد والتشكيك. وفي الحقيقة فإنّ التكنولوجيا المقبولة هي التكنولوجيا الناظرة إلى السعادة والكمال الحقيقي للإنسان.

الأمر الآخر يكمن في السؤال القائل: هل يمكن للتكنولوجيا في الأساس أن تكون ناظرةً إلى السعادة والكمال الديني الحقيقي؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال بشكلٍ إيجابيٍّ، يجب أن نجيب عنه بشكلٍ سلبيٍّ ونقول: هل التكنولوجيا التي لا تكون في خدمة البُعد الميتافيزيقي للإنسان ولا تعمل على تحصيل مقدمات سعادته وكماله أو لا تكون بصدد تحقيق هذه المسائل في الحد الأدنى، تستحق الاهتمام؟ وكما سبق أن ذكرنا فإنّ كاتب المقال ليس بصدد تجاهل الاحتياجات في الحقل الفيزيقي (الاحتياجات الجسديّة) للإنسان، بيد أنّ نتيجة التكنولوجيا التي تؤدي إلى إلغاء أو تجاهل العناصر الميتافيزيقية من الحقل الإنثروبولوجي بدورها مرفوضة قطعاً. والغاية الأخيرة والنهائية من هذه الدراسة هي الاهتمام بهذه الفقرة.

أما الجواب الإيجابي عن هذا السؤال فهو أن الإنسان الغربي بعد العصور الوسطى حيث خرج لتوّه من جور سياط الجمود والركود الذي فرضه عليه رجال الكنيسة، كان يرى من واجبه مواجهة كلّ ما يحمل بصمةً ميتافيزيقيّةً. إنّ الإنسان الحداثوي وما بعد الحداثوي من خلال التأسي بهذا المفهوم الخاطئ للعصور الوسطى، سعى إلى إظهار هذه المسألة، ألا وهي «مسألة رفاه وسعادة الإنسان في هذا العالم رهنٌ بإلغاء العناصر الميتافيزيقيّة في حقل الأنثروبولوجيا»، بوصفها مسألةً عامّةً وعالميّةً. يذهب كاتب هذه السطور إلى الاعتقاد بأنّ مسار الاكتشافات والاختراعات المرتبطة بالتكنولوجيا لو تحقق على يد الصالحين من المطلعين على البُعدين اللذين يتألف منهما الإنسان والعالم، وكانوا يتمتعون بالدوافع الإلهية ـ كما كان هذا هو حال العلماء في عصر الأئمة الأطهار (ع) ـ لما شهد العالم المعاصر جميع هذه المصائب الناشئة عن التكنولوجيا. إن القيود التي تكبل الإنسان المعاصر ناشئةٌ من اعتبار التكنولوجيا خطأ هي الغاية (بمعنى الراحة بمعزل عن الطمأنينة)، والاستفادة من المنهج التجريبي البحت، والأهم من ذلك كله عدم العلم بالمساحة الميتافيزيقية، أو الغفلة عنها وتجاهلها عند اتخاذ القرارات من قبل المختصين في الشأن التكنولوجي. يُعد تجنّب ميتافيزيقيا العصور الوسطى في إبداع أيّ نوعٍ من التكنولوجيا هو الأصل الأول، الذي شغل كلّ اهتمام القائمين على صناعة التكنولوجيا وتقنية المعلومات، وربما لا يمكن لنا أن نتصوّر أيّ غايةٍ غير هذه الغاية للتكنولوجيا. وإن كلّ ما نرومه في هذه الدراسة هو التأكيد على هذه النقطة وهي أن التكنولوجيا يجب أن تكون على صلةٍ وثيقةٍ بالميتافيزيقا والأنثروبولوجيا، ومن دون أخذ هذه المسألة بنظر الاعتبار، لن يكون الرخاء والرفاه الإنساني سوى سرابٍ.

النتيجة

من خلال دراسة التعاليم الواردة في حقل الأنثروبولوجيا الدينية، والاهتمام بالأفكار الفلسفية للفلاسفة المسلمين حول حقيقة الإنسان، والسعادة والكمال النهائي من جهة، ودراسة ذات وحقيقة التكنولوجيا الراهنة بوصفها أداةً غايتها تحقيق الرفاه في هذه الدنيا، ويكمن فخرها في السرعة العرضية، والتخريب والتعرّض، يمكن لنا أن نصل إلى هذه النتيجة وهي أن هذا الاتجاه والغاية ما دامت هي المترتبة على التكنولوجيا، لن يكون هناك أدنى أمل بتحقيق السعادة والكمال الحقيقي. ومن هذه الناحية لا يمكن تصوّر ارتباطٍ ماهويٍّ أو سنخيّةٍ حقيقيّةٍ بين التكنولوجيا وحقيقة الإنسان. من قبيل:

1 ـ إن ذات التكنولوجيا والتقنية الموجودة آليةٌ، والحدّ الأقصى الذي تستطيعه هو استيعابها للحيثية الفيزيقيّة للإنسان، وهي عاجزةٌ عن الخوض في البعد الروحاني للإنسان والطبيعة.

2 ـ إن ذات التكنولوجيا ستؤدي إلى قطع الارتباط بين البُعد الفيزيقي والبُعد الميتافيزيقي.

3 ـ حيث إن السعادة والكمال النهائي للإنسان أمرٌ ميتافيزيقيٌّ، فإن التكنولوجيا بحقيقتها الآلية لا يمكنها أن تبدي اهتماماً كبيراً بهذه الأمور.


---------------------------------
[1]*-محسن شيراوند: أستاذٌ مساعدٌ في فرع فلسفة الأخلاق، جامعة إصفهان (كاتب مسؤول: m.shiravand23gmail.com).
**- السيد أمين عظيمي: طالبٌ على مستوى الدكتوراه في الجامعة الافتراضية في مدينة قازان في روسية الفدرالية، بمنحة من جامعة إصفهان.
 ـ  المصدر: مقالٌ منشورٌ باللغة الفارسية في مجلة: (إنسان بژوهي ديني) العلمية التحقيقية، السنة الرابعة عشرة، العدد: 37، ربيع وصيف عام 1396 هـ ش، تحت عنوان: (بررسي تكنولوژي وأخلاق فناوري در برتو تبيين عناصر حوزه انسان شناسي ديني). 
 ـ ترجمة: حسن علي الهاشمي
[2] - انظر: علي زماني، أمير عباس، ماهيّت تكنولوژي از ديدگاه هايدگر (ماهية التكنولوجيا من وجهة نظر هايدغر)، ص 222، مقال منشور في مجلة: نامه مفيد، العدد: 23. (مصدر فارسي).
[3] - انظر: المصدر أعلاه.
[4] - هذا الكلام جزءٌ من كلمةٍ ألقاها هايدغر بعنوان (التحرر: مقالة في التفكير المعنوي)، وقد عمدنا إلى نقله بنصّه.
[5] - انظر: هايدغر، مارتين، وارستگي: گفتاري در تفكر معنوي (التحرر: مقالة في التفكير المعنوي)، ص 55، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد رضا جوزي، منشور في سلسلة مقالات الفلسفة وأزمة الغرب، نشر: هرمس، طهران، 1382 هـ ش.
[6] - لقد أشار هايدغر في موضع إلى مثال قال فيه: إن الفلاّح ينثر البذور في الأرض، وتعمل الأرض على تغذية وتنمية هذه البذور. وأراد من خلال هذا المثال أن يعمل على تطبيق التكنولوجيا عليه، ويقول: إن الفلاح والمزارع لا يتعرّض إلى الأرض، بيد أن التكنولوجيا الحديثة تتعرّض إلى جميع المصادر.
[7] - انظر: هايدغر، مارتين، وارستگي: گفتاري در تفكر معنوي (التحرر: مقالة في التفكير المعنوي)، ص 78، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد رضا جوزي، منشور في سلسلة مقالات الفلسفة وأزمة الغرب، 1382 هـ ش.
[8] - المؤمنون: 14.
[9] - الإسراء: 85.
[10] - انظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 155 و251، مطبوعات إسماعيليان، قم، 1392 هـ ش.
[11] - الحجر: 29؛ ص: 76.
[12] - انظر: جوادي آملي، عبد الله، صورت وسيرت انسان در قرآن (صورة وسيرة الإنسان في القرآن الكريم)، ص 60، نشر: إسراء، قم، 1382 هـ ش.
[13] - انظر: الشيرازي، صدر الدين محمد (صدر المتألهين)، الأسفار الأربعة، ج 8، ص 343، طبعة مصطفوي، قم، 1368 هـ ش؛ أخلاقي، مرضية، حقيقت انسان وجايگاه آن در نظام هستي (حقيقة الإنسان ومنزلته في الوجود)، ص 15، 1392 هـ ش. المنشور على الموقع أدناه:
http://www.mullasadra.org
[14] - انظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 98، مطبوعات إسماعيليان، قم، 1392 هـ ش.
[15] - انظر: ملك شاهي، حسين، ترجمة وشرح باللغة الفارسية لكتاب: (الإشارات والتنبيهات) لابن سينا، ص 122، نشر: سروش، ط 3، طهران، 1375 هـ ش.
[16] - جان بودريار (1929 ـ 2007 م): منظّرٌ ثقافيٌّ وفيلسوفٌ ومحللٌ سياسيٌّ وعالمُ اجتماعٍ فرنسيٌّ. تصنف أعمال بودريار بشكلٍ أساسي ضمن مدرسة ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية. من أعماله: (نظام الأشياء)، و(مجتمع الاستهلاك: الأساطير والبنى)، و(في ظلال الأغلبية الصامتة)، و(استراتيجيات قاتلة)، و(وهم النهاية). المعرّب.
[17] - انظر: بيابانكي، سيد مهدي، مقايسه انسان شناسي اسلامي وبست مدرن وتأثير آن در فلسفه أخلاق (مقارنة الأنثروبولوجيا الإسلامية وما بعد الحداثة وتأثير ذلك على فلسفة الأخلاق)، مقال مطبوع ضمن مقالات المؤتمر العالمي الأول للعلوم الإنسانية الإسلامية، ج 1، ص 145، نشر آفتاب توسعه، 1394 هـ ش.
[18] - انظر: رشيديان، عبد الكريم، از فرد مدرن تا شخص بست مدرن (من الشخص الحداثوي إلى الشخص ما بعد الحداثوي)، ص 119، المنشور في مجلة: فلسفة، 1385 هـ ش.
[19] - إن المتخصصين في فلسفة الأخلاق والمحققين في حقل الحياة الإنسانية مطلعون على العمق المعرفي لهذا المصطلح، حيث يمكن مشاهدة السقوط المعرفي للإنسان إلى حضيض المراتب الوجودية بوضوح.
[20] - انظر: المصدر أعلاه.
[21] - انظر: بيابانكي، سيد مهدي، مقايسه انسان شناسي اسلامي وبست مدرن وتأثير آن در فلسفه أخلاق (مقارنة الأنثروبولوجيا الإسلامية وما بعد الحداثة وتأثير ذلك على فلسفة الأخلاق)، مقال مطبوع ضمن مقالات المؤتمر العالمي الأول للعلوم الإنسانية الإسلامية، ج 1، ص 146، نشر آفتاب توسعه، 1394 هـ ش.
[22] - ماكس فيبر (1864 ـ 1920 م): عالمُ اقتصادٍ وسياسيٌّ ألمانيٌّ وأحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث، وهو من أتى بتعريف البيروقراطية. وعمله الأكثر شهرة هو كتاب: (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) وقد أشار فيه إلى أن الدين عاملٌ غير حصريٍّ في تطور الثقافة في المجتمعات الغربية والشرقية. وفي عمله الشهير الآخر (السياسة كمهنة) عرّف الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوّة الطبيعية محورياً في دراسة علم السياسة. المعرّب.
[23] - فيبر، ماكس، اخلاق بروتستان وروح سرمايه داري (الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد المعبود أنصاري، طهران، 1374 هـ ش.
[24] - فريدريك فيلهيلم نيتشه (1844 ـ 1990 م): فيلسوفٌ ألمانيٌّ وناقدٌ ثقافيٌّ وشاعرٌ وملحّنٌ ولغويٌّ وباحثٌ في اللاتينية واليونانية. كان لنشاطه تأثيرٌ عميقٌ على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث. وكان من أبرز الممهدين لعلم النفس. من أعماله: (هكذا تكلم زرادشت)، و(العلم المرح)، و(ما وراء الخير والشر)، و(إنسان مفرط في إنسانيته). المعرّب.
[25] - انظر: استرن، جوزيف بيتر، نیچه (نيتشة)، ص 123 ـ 128، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عزت الله فولادوند، نشر: طرح نو، طهران، 1373 هـ ش.
[26] - ص: 72.
[27] - انظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 11، ص 28، مطبوعات إسماعيليان، قم، 1392 هـ ش.
[28] - محمد بن إبراهيم القوامي الشيرازي المعروف بصدر المتألهين (980 ـ 1050 هـ / 1572 ـ 1640 م): فيلسوف شيعي جمع بين المعرفة النظرية والعملية. كما يُنسب إليه منهج الجمع بين الفلسفة والعرفان المسمّى بـ (الحكمة المتعالية). ومن مؤلفاته: (الأسفار الأربعة في الحكمة المتعالية)، و(المبدأ والمعاد)، و(الحكمة العرشية)، و(مفاتيح الغيب). المعرّب.
[29] - انظر: الشيرازي، صدر الدين محمد (صدر المتألهين)، الأسفار الأربعة في الحكمة المتعالية، ج 3، ص 21، طبعة مصطفوي، قم، 1368 هـ ش.
[30] - انظر: المصدر أعلاه، ج 9، ص 386.
[31] - انظر: المصدر أعلاه.
[32] - انظر: الطباطبائي، محمد حسين، نهاية الحكمة، ص 379، دفتر تبليغات انقلاب اسلامي، ط 3، قم المقدسة، 1373 هـ ش.
[33] - انظر: مصباح اليزدي، محمد تقي، نقد وبررسي مكاتب اخلاقي (نقد ومناقشة المذهب الأخلاقي)، ص 158، تحقيق وإعداد: أحمد حسين شريفي، مؤسسة آموزشي بژوهشي امام خميني، قم المقدسة، 1393 هـ ش.
[34] - لقد تعمدنا هنا استعمال مصطلح البديهي، لاعتقادنا بأن تجاهل الأصول البديهية في الحقل الأنثروبولوجي والغفلة عن هذه الأمور في البهارج والزخارف المادية المعاصرة، هو السبب في الكثير من المصائب والابتلاءات البشرية.