البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

التحولات القيمية في ظل "وباء كورونا"، رصد تحليلي نقدي لراهن العالم ومستقبله المنظور

الباحث :  إعداد : علي الحاج حسن
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  20
السنة :  السنة الخامسة - صيف 2020م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 5 / 2020
عدد زيارات البحث :  714
تحميل  ( 442.904 KB )
يحوي التحقيق التالي إحاطة نانورامية إجمالية تستظهر سلسلة من الرؤى الغربية والعربية حول الجائحة. ولعلّ الأهميّة التي تنطوي عليها المعطيات الواردة، أنها تجمع إلى المعلومات رصداً تحليلياً بعد كورونا. بل أكثر من ذلك فإن ما يقصده التحقيق هو التأكيد على ظهور هذا الوباء ليس أمراً عارضاً في تاريخ الحضارات الإنسانية، وإنما يشكل انعطافاً في مسيرتها تتبدل معه صورتها المألوفة وسيكون له تأثيرات عميقة على مجمل القيم الفكريّة والعلمية والاجتماعية التي يتشكل منها النظر العالمي المقبل.

المحرر

-------------------------

فرض «وباء كورونا» وجوده على السّاحة البشريّة انطلاقًا من نهاية العام 2019م، وهو لايزال يشكّل تحدّيًا للمجتمعات البشريّة أفرادًا ودولًا وجمعيّات ومؤسّسات. وبات التخلّص منه هاجسًا يقضّ مضاجع الجميع، بالأخصّ وأنّ سبل الخلاص والنجاة منه لمّا تتّضح معالمها بعد.

في الظاهر، يبدو أنّ الفيروس التاجي يندرج ضمن الاختصاصات الطبيّة التي تأخذ على عاتقها دراسة الجوانب الصحيّة للموجود الحيّ، فتُبادر لفهم أسباب وجوده وتطوّره، إضافة إلى مكوّناته الخاصّة؛ لتتمكّن من إنتاج عقارٍ يُعالج المشكلة الصحيّة من الجذور. وفي الباطن، كلام وتحليل وقراءات من وحي ما آلت إليه الأمور جرّاء تفشّي الوباء، حين توقّف الإنسان عن أشكال حركته كافّة، إلّا الضروري منها. فقد أُغْلقت الحدود بين الدول، ومُنع السّفر والتّجوّل، وفُصلت العديد من المدن والقرى عن محيطها، وتوقّفت العلاقات والاتّصالات البشريّة، فأضحى كلّ شخص أو عائلة تعيش بمفردها، واُلْغيت المناسبات الاجتماعيّة والدّينية والسياسيّة، وتوقّف الإنتاج نتيجة إغلاق الحدود وعدم وجود طلب على العديد من السّلع،.... وما إلى هنالك من نتائج ظهرت، وما نزال ننتظر الكثير منها، قُبيل انعدام الأفق بما ستؤول إليه الأمور.

في الواقع، ما نشهده من حركةٍ بشريّةٍ شبه معدومة، يدفع إلى طرح العديد من الأسئلة والاستفسارات التي لا بدّ من إيجاد إجابات عليها:

ما هو مصير المنظومة القيميّة الإنسانيّة؟

هل سيؤدّي انتشار الوباء إلى تغيير القيم أو إبطالها وتعطيلها، تلك القيم التي يؤمن بها البشر ويمارسونها في حياتهم اليوميّة؟

هل سنكون أمام عالمٍ قيميّ جديد، تسود فيه قيم أخرى من وحي ما تعانيه البشريّة قيميًّا اليوم؟

إذا تحوّلت القيم، أو تعطّلت، هل سنشهد تحوّلاً على مستوى الإيديولوجيات السائدة، وعلى اختلاف مكوّناتها؟ بعضهم يتحدّث عن اتّجاه سيتبلور مع الوباء، مُفاده ترك الإيديولوجيات الوضعيّة والاتّجاه نحو الإيدولوجيات السماويّة. وبعضهم الآخر يغرّد، في الاتّجاه المعاكس، مع أنّ ما يُلاحظ من تحوّلات تحكي عن خللٍ كبيرٍ أصاب الإيديولوجيات الوضعيّة في الصميم، على صعيد الفهم واليقين والقدرة على معرفة القيمة الإنسانيّة ومستقبلها. تاليًا، يُطرح العديد من التساؤلات التي بدأت بالظهور نتيجة ما أصاب النيوليبراليّة الحديثة من انتكاسات.

ما هو مصير النّظام العالمي الجديد (نظام العولمة) الذي اجتمعت فيه مكوّنات الثقافة والقيم والاقتصاد والسياسة في فهم معيّن؟ وهل ستتّجه البشريّة إلى البحث عن نظام آخر، يقدّم فهمًا أكثرَ دقّة للكون والإنسان والحكم؟

كما في الأبعاد القيميّة والإيديولوجيّة والسياسيّة، ما هو مصير النّظام الاقتصادي؟ وهل ستتمكّن النظريات الاقتصاديّة الرأسماليّة من الاستمرار في ظلّ الإشكاليات التي تحوم حول جدواها.

كلّ ذلك، سنحاول الإجابة عنه ضمن هذه القراءة التحليليّة لمآل القيم على اختلافها، في ظلّ انتشار الوباء. ويبقى أن نشير إلى أنّ الحديث عمّا ستؤول إليه الأمور، ما هو إلا تحليل ينطلق مما يعيشه العالم، اليوم، ويُبنى على ما ظهر من نتائج للوباء. إذ لا يمكن الحديث، على سبيل القطع، بظهور عالم قيميّ جديد، بالأخصّ ونحن أمام موضوع تتداخل فيه العديد من الأبعاد. حتى إنّ الحديث عن فكرة المؤامرة لم يعد خفيًّا، بل الاتّهامات المتبادلة تكاد تكون أوضح من الشمس. فإذا كنّا أمام وباء يجرى في عالم تتداخل فيه الأبعاد والأسباب والأهداف، يصبح من الصعب تقديم قراءة قطعيّة حول ما سيحصل. نعم، ما يمكن الاعتماد عليه لصحّة التحليل أنّ ما ظهر من ممارسات قيميّة جرّاء الوباء ينذر بتحوّل قيميّ كبير على مستوى الكرة الأرضيّة بأكملها. 

إشارات على ضفاف الوباء

المتّتبع للقراءات التحليليّة والنقديّة التي أعقبت الوباء، وهي كثيرة، يخلص إلى مجموعة من المقدّمات التي تشكّل الركيزة الأساسيّة في قراءة ما أسفر عنه. لذلك، يمكن الحديث عن مجموعة من الإشارات التي تبني ركائز في قراءة المشهد الآتي، ومن أبرزها:

يجمع الكثير من المحلّلين على أنّ أشدّ ما يعانيه الإنسان، مع هذا الوباء، هو فقدان الأمل.

صحيح، أنّ قراءة الإنسان المتدّين، لِما آلت إليه الأمور، تختلف عن غيره، إذ ما يزال يجد الأمل مزروعًا في بعض جوانب اعتقاده وأساسياته، وما دام الاعتقاد راسخًا عميقًا، فإنّه يشكّل الدعامة للشخص أمام الملمّات. وعند فَقْدِ الاعتقاد والابتعاد عن الأسّس الإيمانيّة والمعرفيّة يظهر العجز، أو يُفتح له الباب على مصراعيه، رغم ادّعاءات فاقد الاعتقاد بصلابته، إلا أنّه في لحظة الحقيقة والتفكير الصريح يجد نفسه أمام عدوّ لا يحيط به ولا يدركه ولا يعلم إلى أين يتّجه به، لذلك يتجلّى فقدان الأمل بالتوقّف والاعتراف بالعجز.

إلى ذلك فإن من جملة الركائز المحوريّة في هذا الموضوع، فقدان الإنسان الثقة بالعلم. ولقد، أجمعت أغلب القراءات التحليليّة على أنّ العلم، بالمفهوم الحديث، أثبت عجزه عن تقديم إجابات تُشعر الإنسان بقيمته الإنسانيّة. وذلك، لأنّ ما يعانيه الإنسان من ضياع سببه بالدرجة الأولى عدم وجود الجواب المقنع، في حين أنّ الجواب متوقّع ومطلوب من العلم. وهذا، يدفعنا، من جديد، إلى السؤال عن المنهج في العلم وعن سيطرة المنهج المادي التجريبي سيطرةً كاملةً على مختلف نواحي الفكر البشري. ومع العجز (عجز العلم) لم يبقَ أمام الإنسان إلا التشكيك به.

في الغرب، بدأت التيّارات اليمينيّة بالتوظيف السياسي للفيروس، وخصوصًا التيّارات صاحبة الخطابات الشعبويّة. فقد رأى السياسيون اليمينيون المتطرّفون، في جميع أنحاء العالم، أنّ «كورونا» جاء عقابًا على الحدود المفتوحة، وعلى عملية استقبال اللاجئين والمهاجرين. وعكف هؤلاء على توجيه الاتّهامات إلى الأجانب المقيمين أو الآسيويين القادمين. من هنا، سوف يساهم استغلال انتشار هذا الفيروس في صعود هذه التيّارات، بشكل كبير، إضافة إلى أنّه سيساهم في خلق بيئةٍ مناسبةٍ وحاضنة لولادة تيّارات شعبويّة ويمينيّة أكثر تطرّفًا [2].

لقد ساعد الوباء، أيضًا، في توجيه الأنظار نحو مفهوم «التقدّم» في الدول التي يُطلق عليها صفة «الدول المتقدّمة»، في مقابل «الدول النامية» أو ما يُعرف بالمتخلّفة، حتى ساد اعتقاد أنّ عالم «الدول المتقدمة» لم يكن متقدّمًا، على الأقل في إطار المواجهة الطبيّة للوباء. فالدول ذات الاقتصاد النيوليبرالي والسوق الحرّة، بدأت تتهاوى بسرعة مخيفة، فاختلفت هنا الأسلحة الحقيقية للمواجهة عن سياقات الدول التقليديّة[3].

في هذا الإطار، أيضًا، يمكن التوقّف عند نظام العولمة[4] الذي فرض التكنولوجيا وأنظمة الفساد والرأسماليّة المتوحّشة، فقد توسّعت الهوّة والفوارق بين الطبقات، وبين الدول الغنيّة والدول الفقيرة، ما وضع العالم أمام تحديات مصيريّة كبرى. ولأنّ «المصيبة تجمع» ـ كما يقول المثل الشعبي ـ تجتمع، اليوم، الدول الفقيرة والدول الغنية لمواجهة تحدّيات صعبة، ما يطرح سؤالاً حول استمرار الجنس الإنساني نفسه. وهذه المصاعب الوجوديّة هي كوارث إنسانيّة وطبيعيّة وبيئيّة، نجمت عن سياسة الإنسان تجاه نفسه وتجاه الطبيعة.

في الخلاصة، يقف البشر، اليوم، أمام أهمّ تحدٍّ في وجود الإنسانيّة، وهو تحدّي البقاء. فمع التغيّرات المناخيّة الضخمة التي أدّت إلى مشاكل بيئيّة لا تُعدّ ولا تُحصى، ومع المشاكل الاقتصاديّة التي يغرق فيها العالم أجمع، وخصوصًا بعد ارتفاع أسعار النفط والغذاء العالمي وانتشار المجاعة في عدد من دول العالم، هل يمكن للإنسان أن يواجه هذه الأخطار، ويبقى على وجه هذه الأرض... أم سيزول[5]؟

العالم وتوقّعات ما بعد “كورونا”

يتحدّث مجموعة، من المفكّرين الغربييّن، حول ما ستؤول إليه أحوال العالم بمختلف اتّجاهاته بعد «كورونا»، ويقدّم كلّ منهم رؤيته التحليليّة التي تُخفي وراءها ميوله الاستراتيجية. وهذا، ما ظهر في دراسة أعدّتها «مجلّة فورين بوليسي»[6]، حين وجّهت سؤالاً : كيف سيكون شكل العالم ما بعد كورونا؟ إلى اثني عشر باحثًا ومفكّرًا ومنظّرًا، من مختلف المدارس الفكريّة، خاصّة لأصحاب اختصاص العلاقات الدوليّة الذين تغلب عليهم الثقافة الأميركيّة (الأنجلوساكسونيّة) منهم تسعة أميركيين، وواحد بريطاني، وآخر هندي، ثم واحد سنغافوري... ليتحدّثوا عن وجهات نظرهم، وتحليلاتهم لشكل العالم بعد «كورونا».

تبرز أهميّة الإجابات في أنّ بإمكانها تقديم إضاءات لما سيحصل، بالأخصّ على المستوى القيميّ في اتّجاهاته المتعدّدة. سنحاول، في بضع صفحات، تقديم خلاصات عن الإجابات لما تشكّله من أهميّة على مستوى فهم اتّجاه التّغييّرات. وهنا نكرّر التأكيد على أنّ الإجابات تُبرز، في بعض جوانبها، خلفيّات استراتيجية يمكن الاعتماد عليها في قراءة التّحوّلات القادمة.

أكّدت المجلّة أنّ «كورونا» تشبه بحدود معيّنة سقوط  جدار برلين. فهي حدثٌ مدمّرٌ على مستوى العالم، لا يمكننا أن نتخيّل عواقبه بعيدة المدى، ولا نستطيع، حتى اللحظة، إلا التنبّؤ ببعض الأمور البسيطة. لكن من المؤكّد أنّه مثلما أدّى هذا المرض إلى تحطيم الحياة، وتعطيل الأسواق، وكشف كفاءة الحكومات، فإنّه سيؤدّي إلى تحوّلات دائمة في القوّة السياسيّة والاقتصاديّة، بطرق لم تكن تخطر ببالنا قط.

أوّلًا: المنظّر السياسي الأميركي وأستاذ العلاقات الدوليّة، في جامعة هارفرد، «ستيفن والت»[7]، يرى أنّ «وباء كورونا» سيقوّي دور الدولة القطريّة ويعزّز القوميّة، وستتبنّى الحكومات، بجميع أنواعها، إجراءات طارئة لإدارة الأزمة، وسيُكره الكثيرون على التخلّي عن هذه السلطات الجديدة عند انتهاء الوباء، والذي يُتوقّع أن يُسرّع من تحوّل السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق؛ فعلى سبيل المثال، استجابت كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل للوباء، فيما ردّت الصين بشكل جيّد بعد تجاوز أخطائها المبكرة. لكن الاستجابة، في أوروبا وأميركا، كانت بطيئة وعشوائيّة، بالمقارنة مع دول الشرق الأقصى، ما زاد من تشويه هالة «العلامة التجارية» الغربيّة.

يضيف «والت» أيضًا: «لم تنهِ الأوبئة السابقة التنافس بين القوى العظمى، ولم تظهر حقبة جديدة من التعاون العالمي، ولن تتغيّر الطبيعة المتضاربة، بشكل أساسي، للسياسة العالميّة. فالأوبئة السابقة ـ بما في ذلك وباء الإنفلونزا في 1918-1919 ـ لم تنهِ تنافس القوى العظمى، ولم تخلق حقبة جديدة من التعاون العالمي، ووباء كورونا ليس استثناءً».

يُلاحظ كيف تدفعه منظومته الفكريّة لنفي أيّ إمكانية لحدوث تغيير في التنافس العالمي، وقدرة الوباء على صنع مثل هذا التغيير. فمن المتوقّع أن يشهد العالم تراجعًا آخر من العولمة المفرطة، حين يتطّلع المواطنون إلى الحكومات الوطنيّة لحمايتهم، بينما تسعى الدول والشركات إلى الحدّ من نقاط الضعف المستقبليّة. كما يتوقّع «والت»، أنّ «وباء كورونا»، سيخلق عالمًا أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وأقل حريّة. ما كان يجب أن نصل إلى هذه النتيجة، ولكن الجمع بين فيروس قاتل، وتخطيط غير ملائم وقيادة غير كفؤة، وضعت البشريّة على مسار جديد، ومثير للقلق.

ثانيًا: المنظّر السياسي الأميركي «جوزيف ناي» (الابن)[8] رأى أنّ القوّة الأميركيّة بحاجة إلى استراتيجية جديدة؛ ذلك أنّه في العام 2017، أعلن الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» عن استراتيجية جديدة للأمن القومي، تركّز على منافسة القوى العظمى. ويظهر الآن «فيروس كورونا» أنّ هذه الاستراتيجية غير كافية، حتى لو سادت الولايات المتحدة كقوّة عظمى، فإنّها لا تستطيع حماية أمنها من خلال التصرّف بمفردها. بالطبع، فإنّ هذه نقطة جوهريّة، في معظم سردية المدرسة الليبراليّة الجديدة، والتي يمثّلها «ناي»؛ ذلك لأنّ تقنيات القرن الحادي والعشرين عالميّة ليس فقط من ناحية توزيعها، ولكن أيضًا في عواقبها. يمكن أن تصبح مسبّبات الأمراض وأنظمة الذكاء الاصطناعي وفيروسات الكمبيوتر، والإشعاع التي قد يطلقها الآخرون بطريق الخطأ، مشكلتنا مثل مشكلتهم. كما يجب متابعة أنظمة التقارير المتّفق عليها، والضوابط المشتركة، وخطط الطوارئ المشتركة، والمعايير، والمعاهدات كونها وسيلةً لإدارة المخاطر المتعدّدة.

أمّا فيما يتعلّق بالتهديدات العابرة للحدود، مثل «وباء كورونا» وتغيّر المناخ، لا يكفي التفكير في القوّة الأميركيّة، بل يتجلّى النجاح في الانفتاح على الآخرين. وهنا، يمكن الحديث عن أهمية القوّة المشتركة مع الآخرين، فكلّ بلد يضع مصلحته الوطنيّة أوّلاً؛ والسؤال المهمّ هو كيف يُحدّد هذا الاهتمام على نطاق واسع أو ضيق؟ إذ يظهر «وباء كورونا» أنّنا فشلنا في تعديل استراتيجيتنا مع هذا العالم الجديد.

ثالثًا: المنظّر السياسي البريطاني «روبن نبليت»[9]، يتوقّع نهاية العولمة كما نعرفها؛ فهو يدّعي أنّ «وباء كورونا» قد يكون هو القشّة التي قصمت ظهر البعير للعولمة الاقتصاديّة. ذلك إذا نظرت إلى ما تثيره القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة المتنامية للصين من ردّ فعل عند الولايات المتحدة الأميركيّة العازمة على فصل الصين عن التكنولوجيا العالية والملكيّة الفكريّة، ومحاولة إجبار حلفاء أميركا على أن تحذو حذوها.

إنّ الضغط العام والسياسي المتزايدين، لتحقيق أهداف خفض انبعاثات الكربون، أثار بالفعل تساؤلات حول اعتماد العديد من الشركات على نقل البضائع من أماكن بعيدة. الآن، يُجبر «وباء كورونا» الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدرتها على التعامل مع مراحل طويلة من العزلة الاقتصاديّة الذاتيّة. ويبدو من غير المحتمل، إلى حدّ كبيرٍ في هذا السياق، أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين التي حدثت في أوائل القرن الحادي والعشرين. إذ ستتدهور البنية الاقتصاديّة العالميّة التي أُنشئت في القرن العشرين بسرعة، وسيتطلّب الأمر عندئذٍ انضباطًا للقادة السياسيين للحفاظ على التعاون الدولي، وعدم الدخول في المنافسة الجيوسياسيّة العلنيّة.

رابعًا: أمّا في الشرق، فقد توقّع البروفسور السنغافوري «كيشور محبوباني»، عولمةً أكثر تتمحور حول الصين. هو يرى أنّ «وباء كورونا» لن يغيّر، بشكل أساسي، الاتّجاهات الاقتصاديّة العالميّة، ولن يؤدّي إلا إلى تسريع التغيير الذي بدأ بالفعل: الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى العولمة التي تتمحور حول الصين. هنا، هو يقول: «لقد فَقَدَ الشعبُ الأميركي ثقته بالعولمة والتجارة الدوليّة، واتّفاقيات التجارة الحرّة «سامة» كما يراها الأميركيون، اليوم، سواء مع أم من دون الرئيس الأميركي دونالد ترامب».

في المقابل، لم تفقد الصين إيمانها نظرًا لامتلاكها أسبابًا تاريخية أعمق. يعرف القادة الصينيون جيّدًا الآن، أن قرن الإذلال الذي عاشته الصين، من العام 1842 إلى العام 1949، كان نتيجة لتهاونها وجهود قادتها غير المجدية لقطعها عن العالم. وعلى النقيض من ذلك، كانت العقود القليلة الماضية من الانتعاش الاقتصادي نتيجة للمشاركة العالميّة، كما شهد الشعب الصيني انفجارًا في الثقة الثقافية، ما يجعلهم يعتقدون أنّهم قادرون على المنافسة في أي مكان.

خامسًا: في الاتّجاه نفسه، يرى البروفسور الهندي «شيفيشنكار»[10] أنّ هناك عودة لسلطة الدولة والحكومات، وأن هناك ثلاثة أشياء مهمّة في هذا السياق :

سيغيّر «كورونا» سياساتنا، سواء داخل الدول أم فيما بينها، والسلطات تحوّلت من المجتمع إلى الحكومات. تعرف الحكومات، اليوم، حتى في المجتمعات الليبراليّة، أنّ النجاح النسبي للحكومة في التغلّب على الوباء وآثاره الاقتصاديّة، سيؤدّي إلى تفاقم أو تقليص القضايا الأمنيّة والاستقطابات داخل المجتمعات، وفي كلا الحالين، تعود الحكومة. وتُظهر التجربة حتى الآن، أنّ السّلطويين أو الشعبويين ليسوا أفضل في التعامل مع الوباء. وفي الواقع، إنّ الدول التي استجابت، في وقت مبكر وبنجاح، مثل كوريا وتايوان، كانت ديمقراطية وليست تلك التي يديرها قادة شعبويون أو سلطويون.

هذه ليست نهاية عالمنا المترابط، إنّ الوباء نفسه دليل على تكافلنا، ولكن في جميع الأنظمة السياسيّة، هناك بالفعل تحوّل إلى الداخل، بحث عن الاستقلاليّة والتحكّم في المصائر الداخليّة؛ نحن متّجهون نحو عالم فقر وبخل أكثر، وعالم أصغر.

هناك علامات الأمل والحسّ السليم؛ أخذت الهند زمام المبادرة لعقد مؤتمر، عبر الفيديو، لجميع قادة جنوب آسيا، لصياغة استجابة إقليميّة مشتركة لهذا التهديد. وإذا كان «كورونا» قد صدمنا، ففي الحقيقة إنّنا أدركنا مصلحتنا الحقيقيّة في «التعاون المتعدّد».

إنّ اشتغال الفلاسفة والمفكّرين وعلماء السياسة والاجتماع على مفهوم «ما بعد» معروف لكلّ المشتغلين بالعلوم الإنسانيّة والنظريات السياسيّة والاجتماعيّة، خاصة مع فورة سيرورة العولمة، منذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين. وكانت ميزة هذا «الما بعد» أنّه ارتبط بالأفكار الكبرى التي تجلّت في مفهوم واسع وغامض ومشوش هو «ما بعد الحداثة»، والذي استخدم لأوّل مرّة في سبعينيات القرن التاسع عشر تقريبًا، في مختلف المجالات، ثم إنّ «ما بعد» بعد الحداثة تجلّت وأخذت لبوس السياسيّة والتنافس السياسي، سواء على الأرض بالقوّة الجبارة أم بالنظريات الكبرى والصراع بينها.

من الواضح، أنّ الافكار المتقدّمة، أعلاه، تعرض استشرافًا للمستقبل، وتسعى إلى تشكيل القيم الجديدة على المستويات كافة: الأخلاقي والسياسي والاقتصادي.

كورونا والتّحوّلات الإيديولوجيّة

في دراسة التّحوّلات التي ستحصل في العالم، يبدو أنّ الإيديولوجيّة منها حجزت مكانًا مهمًّا، كونها واحدة من أبرز ردّات الفعل الإنسانيّة، على ما يمكن أن يحصل في الكرة الأرضيّة[11]. تشير الكتابات إلى أنّ التّحوّل الإيديولوجي سيتراوح بين الإقبال على المعتقد الدّيني، مع بعض التفاصيل والمناقشات حول مكوّنات الخطاب، وبين العزوف عن الإيديولوجيات الوضعيّة، انتقالًا إلى فهم جديد للإنسان ووصولًا إلى ضرورة بناء خطاب جديد، يتمكّن من تفسير الواقع طبق التغييرات الإيديولوجيّة. وهذا ما سنناقشة في النقاط الآتية:

العودة القوية للمعتقد الدّيني: يعتقد بعضهم أنّ من جملة ملامح التّحوّل الإيديولوجي هو العودة إلى المعتقد الدّيني، بشكل عام. فمن الطبيعي أن يتعمّق الشعور الدّيني، ويتّجه إليه الإنسان كونه شعورًا يقوم على الإيمان بوجود قوّة إلهيّة خارقة، يلجأ إليها حين يرجع إلى حقيقته ككائن ضعيف ـ يتجلّى الضعف عند إدراك الإنسان أنّه واقع في أزمة، والعلاجات خارجة عن قدرته بصفته كائنًا بشريًا ـ مهما أحسّ بالتميّز والمركزيّة في الكون. ومع «كورونا» ينبعث هذا الشعور حتى عند الغافلين أو المنكرين أو المستهترين بالدّين، ويتجدّد عند المتدينين.

في الأزمات، عادة، والتي تتجاوز قدرة الإنسان وتتحدّاه، يشعر الناس بالحاجة إلى القوّة الإلهيّة المحيطة بكلّ شيء، ولا يزيد التقدّمُ العلمي الإنساني هذه الحقيقةَ إلا تأكيدًا[12]. ذلك أنّ طريقة انتشار «كورونا» بين الناس، والانتقال من شخص إلى آخر، متّخذًا جسمَ الإنسان حاضنًا وناقلًا؛ يجعله أشدّ وقعًا على شعور البشر من الكوارث الطبيعيّة.

أمّا مخاطر العودة إلى التدّين، كما يصوّرها بعضهم، تتجلّى، في بعض الأحيان، في غياب «وعي ديني مستنير» بحقيقة الدّين والعلم؛ فالشعور الدّيني غير المؤطَّر بفهم روح الدّين ومقاصده قد يكون كارثة، وهذا ما يفسّر حالات جماعيّة من الوجد «الدّيني» الجماعي التي تتنافى وأحكام الدّين نفسه، ليس فقط فيما يتعلّق بكلّ ما له صلة بحفظ النفس، بل أيضًا في الأحكام الناظمة لشعائره التعبديّة. وفي هذا السياق، يشير بعض المحلّلين إلى أنّ الفايروس كشف عن معضلة قديمة جديدة، هي ذات صلة بجدليّة العلاقة بين العلم والدّين. وقد كتب «أسعد قطان»[13] عن النزاع بين العلم والدّين أمام ظاهرة الوباء فقال: «يحيلنا الخطاب الدّيني، في زمن الكورونا، إلى التوتّر القديم بين العِلم والدّين، وكأنّ الناطقين الرسميين باسم الأديان لا يتقنون لعبة الترويج لله (من الأولياء والقدّيسين) إلاّ إذا مرّت هذه اللعبة بتكتيك نفي العلم أو التقليل من شأنه. فتارةً يصبح القدّيس فلان هو الشافي (الحقيقي) من كورونا وسائر الأمراض المستعصية، وطورًا يصبح المرض الآخذ في التفشي أحجية بيولوجيّة يضرب الله بها عصفورين بحجر واحد، فيتحدّى العلماء ويعجّزهم من جهة، ويرسل إلى الناس أمراضًا يؤدّبهم بها كي يرجعوا إليه من جهة أخرى»[14].

الخلفية الايديولوجية للسؤال القيمي الأخلاقي: المقصود أنّ الوباء فرض ممارسات تكشف مدى هشاشة الاعتقاد بالقيم والسلوكيات الأخلاقيّة، فانتشار فيروس «كورونا» كشف عن الهاوية التي تقف على سفحها البشريّة، كما يقول «سيد قطب»[15]، في مقدّمة كتابه «معالم في الطريق»، إذ ورد فيها: «تقف البشريّة، اليوم، على حافة الهاوية، لا بسبب الفناء المعلّق على رأسها.. فهذا عارض من أعراض المرض؛ ولكن بسبب إفلاسها في عالم القيم»[16]. وهذا ما تجلّى في مواقف عدد من المسؤولين الغربيين، ومنهم، مثلًا، الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» وعدد من الجمهوريين الذين أكّدوا على إعطاء الأولويّة للشباب في مقاومة «كورونا»، وللاقتصاد والحفاظ على فرص الشغل على حساب المسنين؛ حين أطلقوا شعار: «العلاج أسوأ من المرض». وهذا ما يفسّر تأخّر الولايات المتّحدة الأميركيّة في فرض إجراءات الحجر الصحي؛ لأنّ الكارتيلات الصناعيّة والماليّة والاقتصاديّة لا تتحمّل طويلًا مثل هذه الإجراءات.

الأمر لم يقتصر على الولايات المتحدة الأميركيّة فقط، بل شمل العديد من الدول الأوروبيّة ومن أبرزها بريطانيا، حين أوضحت التصريحات والاتّجاهات الأولى فيها لمواجهة «كورونا» اتّجاهًا نحو التخلّي عن كبار السن لمصلحة من هم دونهم، هذا في الوقت الذي لم يجد بعضهم حرجًا في الإعلان عن نظريّة «مناعة القطيع»، والتي تعني في جوهرها عدم المبادرة لمساعدة الإنسان على أمل أن يمتلك المناعة لاحقًا، بعد أن يكون الوباء قد فتك بالكثيرين. أضف إلى ذلك، خشية الأوروبيين من تدهور اقتصادهم، فكانت محاولاتهم غير جديّة في المعالجة، وهذا ما يفسّر في بعض جوانبه سرعة الانتشار ووجود العدد الكبير من الضحايا، خصوصًا إذا قارنتَ الوضعَ مع بعض الدول الأخرى كإيران، مثلاً، والتي بادرت إلى اتّخاذ إجراءات لحماية الإنسان، ستجد أنّها لم تتأثّر بالمقدار ذاته الذي تأثّرت به أوروبا.

إفلاس الإيديولوجيّة الرأسماليّة، وعجز النموذج الديمقراطي الاجتماعي عن التصدي للأزمة: يتبيّن من خلال طريقة التعامل مع الوباء نجاح سؤال: هل ما تزال الإيديولوجيّة الليبراليّة الرأسماليّة ناجحة في تقديم العلاجات، وهل يجب أن نبقى على اعتقاد أنّها الأصلح للبشرية؟ في النفوذ إلى الأذهان البشريّة، تجد حقيقة نجاح الصين ـ على ما يبدو ـ في مواجهة «جائحة كورونا» واحتوائها، وكذلك بعض الدول الأخرى التي لا تعتمد الإيدولوجيا الرأسماليّة، والتي عجزت عن ذلك في صيغتها الأكثر تطرّفًا ممثّلة بالولايات المتحدة الأميركيّة والأنظمة الديمقراطيّة الاجتماعيّة المبنيّة على الحرية الفردية، والتي يتمرّد فيها الفرد- بسبب تكوينه الثقافي- على التحكّم السلطوي، ما أدّى إلى نوع من التهاون في التعامل مع الجائحة؛ فكانت الكارثة، ولم تستعد السلطة المركزيّة دورها «إلا بعد خراب البصرة»؛ كما يُقال.

كما تُطرح، هنا بشدّة، إشكاليّة انهيار منظومات الحماية الصحيّة والاجتماعيّة، ونموذج دولة الرّفاه الاجتماعي في دول كان يُضرب بها المثل في ذلك؛ حتى إنّنا لم نعد نميّز بين هشاشة تلك المنظومة في هذه الدول، ونظائرها في بعض دول الجنوب. فقد اكتشفت دول غربيّة متأخّرة، وبعد أن نخرها فيروس «كورونا»، أهميّة التضامن العالمي، فجاء اجتماع قمة دول العشرين الافتراضي وتعهّدت فيه بضخّ خمسة تريليونات دولار، من دون أن تصدر قرارات عمليّة للتعاون أو التضامن مع الدول والشعوب الأكثر فقرًا.

انهزام قيم الفردانيّة وانبعاث قيم التضامن الاجتماعي والإنساني: لقد كانت فلسفة النهضة الأوروبيّة، كما يروّجون، قد بُنيت على أساس إعادة الاعتبار للإنسان في بعده الفردي، وعلى تمجيد العقلانيّة المجرّدة التي ترى الإنسان الفردَ مقياسًا لكلّ شيء، أمّا الجماعة والدولة فليستا إلا فضاءً لممارسة الفرد لحرّيته المطلقة ما لم تمس بحريّة الآخرين. وتقوم الفكرة على أساس أنّ الحريّة والحقوق الفرديّة يحتلاّن أهميّة تتفوّق على أيّ قيمة أخرى، ويكون المحور فيها تحقيق الفرد لرغباته واستقلاله وحريته في محاربة التأثيرات الخارجية. وأمّا في الإسلام، فهو ينظر إلى الفرد بصفته خليفة الله على الأرض، وبه ومن خلاله، تتحقّق مجموعة من الأهداف الساميّة التي تمهّد للاستخلاف الجمعي، والذي يظهر على أشكال الاستخلاف الاجتماعي يبدأ من الأسرة والمجموعة والشعب والأمة. فلكلّ منها وظيفته التي تتكامل مع بعضها بعضًا؛ لإيصال الإنسان الفرد والمجموع إلى الهداية الحقيقيّة. كلّ ذلك الاتّجاه الفرداني، وفق المفهوم القيمي الغربي، يبدو أنّه سقط مع الوباء؛ سقط كمكوّن من الإيديولوجيا الحاكمة. وهذا يسمح بطرح السؤال الآتي: هل النزعة الفردانيّة تهدف إلى حماية الإنسان الفرد، أم إنّها تهاوت مع طريقة التعامل مع الوباء؟

يبدو أنّ الأزمة ساهمت في انهيار الفردانيّة لتحلّ مكانها قيم التضامن والتضحية ونكران الذات -حتى في المجتمعات المتخمة بفردانيّة الحداثة- وهذا ما يُشاهد، وبوضوح، عند الأطباء والممرضين وغيرهم، وربما يكون ذلك بداية لعودة الشعور بالحاجة إلى الانتماء الاجتماعي والتضامن الإنساني العالمي. فبالقدر الذي كشفت به هذه الجائحة عن إفلاس عدد من الدول التي تقدّم نفسها على أنّها مهدٌ لقيم الحريّة والديمقراطية، بل وعن إفلاس منظوماتها الصحيّة والاجتماعيّة التضامنيّة؛ فقد كشفت عن وجه آخر من الصورة، صور التضامن مع الشعب الإيطالي وإيفاد عدد من الأطباء والمعدّات الطبيّة والصحيّة، وما هو إلا وجه من هذه الصورة المضيئة، هذا فضلًا عن صور الكفاح والمرابطة التي أظهرتها الأطقم الطبيّة وغيرها، إلى درجة تعريض أفرادها أنفسَهم لمخاطرة من درجة عالية.

نزعة الابتعاد عن الدّين: يرى بعضهم أنّ «وباء كورونا» جعل الدّين على المحك، وقضى على عقيدة المعجزة التي باتت أقرب إلى «الخرافة منها إلى الحقيقة»؛ ذلك لأنّ الإنسان المهزوم غير القادر على فهم الطبيعة هو الذي يلجأ إلى معجزة تنتمي إلى عالم آخر[17]. إذ يقول «وجيه قانصو»[18] في هذا الخصوص: «هذا الأمر تسبّب بتقليص دائرة نفوذ الدّين، في المجال العام، وتضييق مجاله المعرفي، بمعنى عدم استناد المعرفة الإنسانيّة الجديدة على مسلّمات دينيّة، وتجاهل أكثر ادّعاءاته المتعلّقة بتفسير العالم والكون والتاريخ، أي إقصائه إقصاءً شبه تام عن رفد المجال العام بالحقائق والتفاسير والإجراءات، وإحالته شأنًا فرديًا يقبع في منطقة الضمير والانتماءات الطوعيّة غير الملزمة. فينتقل الدّين، تاليًا، من كونه مصدرًا للحقائق إلى مجال للحقيقة، ومن كونه مصدرًا للتعليمات والتوجيهات إلى كونه إلهامًا للمعنى والاختبارات الذاتيّة. فقد أعاد «وباء كورونا» الإنسان إلى العالم المحيط به ووضعه في مواجهة الطبيعة وحيدًا ومحاصرًا بالمخاطر وعاريًا ومجرّدًا من كلّ الأسلحة والأوهام والمعتقدات والدغمائيات التي أفاض «فرانسيس بيكون»[19] في استعراض وجوهها المؤذية. إذ بات الإنسان، منذ تلك اللحظة، في هذا العالم من دون معجزات، أو لنقل أنّه تخلّى عن المعجزة التي كان يلوذ بها دائمًا لتنسيه ضعفه ويأسه ومرضه وجزعه وارتعابه من موته القادم إليه حتمًا. ما يعني أنّ اللجوء إلى المعجزة لم يكن فقط جهلاً مُقنَّعًا أو فكرة مستحيلة عقلاً- بحسب «سبينوزا»[20]- بقدر ما هو انخلاع الإنسان من حقيقته، ورغبة منه في نسيان وجوده الفعلي بأنّه مرمي في هذا العالم لوحده. والأهم من ذلك، فإنّ لجوءه إلى المعجزة هو هروب من حريته التي تدفعه إلى استجلاء حقيقته ومواجهة وجوده. فالحرية لا تبدأ بأن تفعل أو تنجز شيئًا ما، بقدر ما هي القرار الجريء بأن تقف بصلابة وإقدام أمام رعب المحدوديّة الإنسانيّة وهشاشتها ويأسها وقلقها»[21].

من الواضح، أنّ أشكال هذه القراءة تظهر من خلال عدم الفهم الدقيق للدّين، وتوقّع البشر منه. فالدّين الذي يُشكّل منظومة متكاملة متماسكة تبدأ من الاعتقادات واليقينيات إلى الممارسات التي تحاكيها، وتقدّم فهمًا للانسان تجعل منه عنصرًا فاعلًا مؤثرًا مندفعًا بعمله، ومن خلال القدرات العقليّة إلى إيجاد الحلول والعلاجات. لذلك لن تجد في الدّين، بالأخصّ الدّين الإسلامي، نصًا يدعو الإنسان إلى توقّع المعجزة عند حدوث تحدٍّ أو مشكلة....، بل الدّين يدعو إلى المبادرة والعمل ويترتّب على ذلك نتائج معينة. نعم، قد يكون مراد صاحب الكلمات المتقدّمة ما يُفهم من الأديان الأخرى، خاصّة تلك التي تطوّرت في مرحلة القرون الوسطى الأوروبيّة، إلا أنّ فهم الدّين في تلك المرحلة يتطلب آليات ومناهج أخرى تُبحث في مكانها، ومن هنا فالتعميم غير صائب. 

الوباء ومكانة الإنسان: هو فيروس صغير، ولكنّه استطاع أن يشكّل بتأثيره الكبير صدمة وعي ثقافي جديد، تجعلنا نفكر من جديد في وزن الإنسان وفي مكانته المزعومة، في هذا الكون، بوصفه مركز الكون وصانعًا للحضارة، وبانيًا للقوّة والمجد. ولا نريد الذّهاب أبدًا إلى حدّ التقليل من شأن العلم، بل نحن على ثقة أنّ العلم سيجد الدواء لهذا الداء، عاجلًا أم آجلًا، والذي قد ينقذ الإنسانيّة من هذا المصير المخيف. ومع ذلك، يبقى علينا أن نثير السؤال الخطير: كم هو عدد الجائحات التي تنتظر الإنسانيّة في مستقبلها القريب والبعيد؟ وكم هو عدد الفايروسات الغافية الهاجعة في تضاريس الزمن الغابر التي لمّا تستيقظ بعد، والتي قد تكون يومًا ما أشدّ فتكًا وأعظم هولاً من كلّ الجائحات التي عرفتها الإنسانيّة عبر تاريخها المديد؟ فالعلماء يؤكّدون بوجود جحافل من الفيروسات الرهيبة الكامنة في تلافيف الجبال الجليديّة للقطب الشمالي المتجمّد، ويعتقدون، أيضًا، أنّ طبقات السماء العليا قد تحمل إلينا جائحات فيروسية أعظم وأشدّ من «كورونا» بآلاف المرات التي قد يحرّرها الاحتباس الحراري، فتسقط على الأرض. نعم، هناك الكثير من التحدّيات الهائلة التي تواجه المجتمع الإنساني، ويبقى السؤال كيف سيكون المصير الحضاري للإنسانيّة؟ وأين هي مركزيّة الإنسان في هذا الزمن الرهيب مع تكاثف الأزمات الاقتصاديّة وتضافرها مع اندلاع الحروب المدمّرة، وزيادة درجة التطرّف والتعصّب والكراهيّة، وتفاقم أزمات البيئة، وتعاظم التلوث في الأرض، والفساد في المجتمعات الإنسانيّة، تزامنًا مع الحروب البيولوجيّة والجرثوميّة التي نراها اليوم تنذر بالكوارث التي لم يسبق للإنسانيّة أن رأت لها مثيلًا، وكأنّها بداية نهاية الإنسان والتاريخ الإنساني؟

إنّ جائحة «كورونا» تثير، اليوم، قضايا فكرية في مختلف المجالات والميادين في الأدب والفن والفلسفة والموسيقى وعلم الاجتماع، وهي فوق ذلك كلّه ستكون أكثر القضايا إثارة للوعي الفلسفي الجديد الذي يتعلّق بمركزيّة الإنسان وهويته وانزياحاته المستمرة عن مركزيّة الكون؛ أي بوصفه غاية الوجود، وصانعًا للتاريخ، وبانيًا لأمجاد الحضارة الإنسانيّة.

يتابع أصحاب هذا المنحى تحليلهم، بأنّ الصدمة الجديدة ممثّلة بهجمة «الكورونا» التي تأتي لتؤكّد من جديد دورنا الهامشي في الكون. فالفيروس إذن يهدم الجدران الثقافيّة التي بناها الإنسان التقليدي من أجل أن يفصل «نفسه» عن بقيّة الكائنات «الحيّة»، بحسب ترتيب أخلاقي لم يعد له، اليوم، ما يبرّره. ولأوّل مرة، في عصر الفيروسات، صار الجسم البشري هدرًا عضوّيا أمام كلّ أنواع الهجومات الحيويّة، من منطقة «خارجة» بمعنى ما، من دون أن يكون «الخارج» «خارجيًا» دومًا.

الخطاب الدّيني في ظلّ الأزمة: يعتقد بعضهم أنّ الفيروس ساهم في إعادة الخطاب الدّيني إلى الواجهة، عدا عن أسئلة كثيرة تتعلّق بالتجديد فيه، إذ يعيش الخطاب الدّيني الآن في العالم، بمختلف أشكاله، العودة السريعة إلى الحياة، خصوصًا أنّ المتعصّبين والمتدّينين ينظرون إلى فيروس «كورونا» على أنّه العقاب على الخطايا. وإن تفاوت ذلك بين مختلف التوجّهات الدّينية، إلّا أنّ الرغبة البشريّة في ثنائية الخير والشر، يجري التعبير عنها بمختلف التوصيفات[22]. ومن جملة الأمور التي يمكن إدراجها ضمن البعد الإيديولوجي، مسألة التجديد في الخطاب الدّيني الذي فرض نفسه على إثر الوباء. إذ يعتقد بعضهم أنّ فيروس «كورونا»، بما يحمله، وما أدّى إليه من إغلاق المساجد وإيقاف النشاطات الدّينية، ساهم في مكان ما في إصدار الكثير من الفتاوى التي رأها بعضهم مستغربة ومستهجنة لتعارضها مع العلم والقيم، وما شابه ذلك، عدا عن تضاربها وتعارضها فيما بينها، وهذا يدعو إلى الشروع بعملية تجديد الخطاب الدّيني.

في هذا الشأن، يقول «معتز الخطيب»[23]: «هذا الوباء حدثٌ جديد يضاف إلى غيره، ويكشف عن وجود مشكلة منهج لدى العديد من المشايخ، من مختلف الاتّجاهات في فهم أدبيّاتهم الفقهيّة من جهة، وقصورهم عن استيعابها والتحقّق من أدواتها، ويكشف عن قصور في فهم الواقع بعلومه المختلفة من جهة أخرى». وأضاف أنّ :«النظر في الحكم الفقهي أو الأخلاقي له نظران: الأوّل، في دليل الحكم والأدلّة هنا عديدة، إذ لا حكم من دون دليل، خصوصًا عندما نتحدث عن الشارع، وما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا هو النوازل الجديدة ولجوء كثير من المفتين إلى النصوص العامة التي تصلح للاستدلال بكلّ اتّجاه. أمّا النظر الثاني: في محل الحكم، وهو الواقع الذي يتم تنزيل الحكم العام عليه، وهذا الواقع صار له علوم، اليوم، تساعدنا على فهمه، ولم يعد مقبولًا من المشايخ أن يكتفوا بكلام عام وخطابي»[24].

تعقيبًا على هذه الرؤية، يؤكّد بعضهم أنّ الخطاب الدّيني، في زمن «كورونا»، كشف عن درجة من الفعاليّة في التعاطي مع الأزمة عبر دعم الإجراءات الحكوميّة في مواجهة تفشي الفيروس، ومطالبة أفراد المجتمع بالالتزام بسياسات التباعد الاجتماعي ومتطلبات النظافة الشخصية كعوامل رئيسية في مواجهة الفيروس. وبالتوازي مع هذا الجانب العملي، اضطلع الخطاب الدّيني بدور في التكريس لسياسة الأمل في المجتمعات، لتعويض مساحات العجز البشري، وما صاحبها من مفردات اليأس[25].

يتابع أصحاب هذه الرؤية، بأنّ الخطاب الدّيني يعمل على تهذيب النزعات الفرديّة التي قد تُصاحب حال التوتّر والقلق الناتجة عن تفشي الوباء. ولهذا، كان يعتقد المفكّر الفرنسي الشهير «ألكسيس دو توكفيل» أنّ الأنظمة الديمقراطية بحاجة إلى الطاقة الروحانيّة؛ كي تقاوم الميل الطبيعي للإنسان نحو المبالغة في الأنانيّة الفرديّة والنزعة الماديّة والعقلانيّة الضيّقة. وهذا الدور الذي تحدّث عنه «توكفيل»، كانت له تجليات في خطاب الأديان المختلفة وتعاطيها تاريخيًّا مع الأزمات والأوبئة، فعادةً ما تُستدعى النصوص الدّينية التي تشجّع الأفراد على التضامن والإيثار وتقديم المساعدة للآخرين. وهنا، تشير المصادر التاريخية إلى رفض رجل الدّين «مارتن لوثر» مغادرة مدينة «فيتنبرج»، بعد تفشي الطاعون فيها، في العام 1527، ليقدّم «لوثر» خطابًا تضامنيًّا يقوم على ضرورة مساعدة المرضى ورعايتهم والاهتمام بهم.

ثمّة جانب آخر، تطرحه التجربة التاريخيّة للخطاب الدّيني، وهو ذلك المتعلّق بالوظيفة الإلزاميّة للخطاب، والتي من خلالها تُطرح مجموعة من التعليمات والقوانين الهادفة إلى تنظيم حياة الأفراد، والعمل على ضبط تصرّفاتهم، ولا سيّما في سياقات الأزمة. ويظهر هذا النمط -مثلًا- في الخطاب الدّيني الإسلامي عبر استحضار النصوص الدّينيّة التي تضبط العلاقات بين الأفراد في وقت الوباء، وذلك على غرار الحديث النبوي الشريف حول الطاعون، وتوجيه الأفراد بعدم الدخول أو الخروج من الأماكن المنتشر فيها الوباء، وهو ما يؤسّس دينيًّا لفكرة الحجر الصحي لمواجهة الأوبئة[26].

سيؤدّي الوباء إلى إنهاء الغرور التكنولوجي للإنسان وزوال فكرة الاستغناء عن العقول المبتكرة، وإنّ التطوّر التكنولوجي يمكنه الإحلال مكان الفكر والإيديولوجيا التي ترضي الجانب الفطري والنفسي عند الإنسان[27]. لعلّ هذا الكلام فيه إشارة إلى وجود إيديولوجيا أخرى تحكم الإنسان، تدور حول محوريّة التكنولوجيا ومدى قدرتها على الإحلال مكان الإنسان، بالأخصّ وأنّها أصبحت قادرة على تطوير ذاتها وقيادة الإنسان نحو مشكلات وأسئلة لم تكن، ولن تكون موجودة عنده.

الوباء وانهيار حضارات: يرى الفيلسوف الفرنسي «ميشال أونفراي» أنّ أزمة «كورونا» تندرج ضمن مسألة انهيار الحضارة اليهودية ـ المسيحية التي تطرق إليها في كتابه «الانحطاط». فإيديولوجيّة أوروبا التي ضُربت بهراوة منذ عقود سقطت كالفاكهة المتعفّنة... نتيجة السياسة الليبراليّة الأوروبيّة! وقال الفيلسوف الفرنسي إنّه بالطريقة نفسها التي أظهر بها سقوط الاتّحاد السوفياتي أنّ الشرق عاش في الوهم لأكثر من نصف قرن من الزمان، في ما يتعلّق بالإمبراطوريّة الماركسيّة-اللينينيّة، والتي تحوّلت إلى نمر من ورق؛ فإنّ وباء «كورونا» يظهر بقسوة أنّ أوروبا الماستريشيّة التي قُدّمت، على مدار ربع قرن، على أنّها وحش اقتصادي، من المحتمل أن يتصدّى للإمبراطوريات الكبرى في العالم، ها هي، اليوم، تسقط في هذا الأمر، عاجزةً عن صنع الكمّامات للأطباء وتوفيرها للممرضين[28].

التّحوّلات القيميّة

القيم، جمع قيمة، وجذرها قَوَمَ. وقد ذكرت مشتقّاتها في موارد كثيرة من القرآن الكريم. ويظهر من مجموع استخداماتها القرآنيّة أنّ الكون كلّه قائم على نظام تتقوّم به أشياؤه وظواهره، وأنّ حياة الإنسان في الكون تتقوّم بمنظومة من القيم تحدّد تصوّراته وعلاقاته وأعماله الظاهرة والباطنة. وتركّز الدلالات القرآنيّة ذات العلاقة بجذر القيم على أربعة مجالات تعطي الدلالة الكليّة للقيمة، وهي: الوزن والفائدة والخيريّة، الثبات والاستقرار والتماسك، المسؤولية والرعاية، الاستقامة والصلاح. وتبرز أهميّة هذه المجالات عند تحليل القيم إلى إيجابية وسلبية، بينما يظهر في بعض الآراء أنّ القيم تدلّ على ما هو إيجابي، كونها تحمل في طيّاتها الخير والاستقامة والصلاح... ويتّجه بعضهم الآخر ليتجاوز المفهوم، ويؤكّد على أنّ كلّ ما يوجّه الإنسان في سلوكه وتصرفاته هو من جملة القيم حتى لو كانت سلبية. ولذلك عند تقويم ما سيتحوّل من قيم على أثر جائحة «كورونا» يبدو أنّ المتحوّل هو القيم الإيجابيّة، والتي سيتم استبدالها (بقيم) سلبية.

لعلّ من أوضح التّحوّلات التي سيتركها الوباء هو التّحوّل على مستوى القيم السائدة. واذا كانت القراءات الحديثة للوباء تتراوح في تحليلها بين التأكيد على الاضمحلال الأخلاقي والقيمي، وبين التأكيد على بروز قيم جديدة هي من مقتضيات المرحلة، إلا أنّ الإنسان قد يتأقلم مع الواقع القيمي الجديد على مستوى تعويم القيم التي تأخذ الإنسان إلى فهم جديد لضرورة تمتين العلاقات القيميّة بين البشر، كونها المثال الأبرز لانتشار القيم. في مجمل الأحوال، ينحو بعضهم نحو القول بضرورة وحتمية التغيير في نمط الحياة الذي يحمل معه قيمًا جديدة، قد لا تتنافي مع القيم الأخلاقيّة الإنسانيّة، بل تدعمها وتساندها، معتمدةً في ذلك على ضرورة التضامن البشري للمواجهة.

أمّا أبرز المقولات في هذا الشأن:

الوباء والحريّة: من أبرز القيم التي ستتغيّر مع «وباء كورونا»، رواج معنى جديد للحرية للشخصية. إذ من المتوقّع أن ينتج الوباء عالمًا جديدًا يجعل من تقييد الإنسان ومراقبته أساسًا في ممارسة السلطة. طبعًا، تقييد حرية الإنسان وحركته تجري تحت ذريعة ملاحقة الوباء ومنع تفشيه، إلا أنّه من المتوقّع أن يفرز الوباء أسلوبًا جديدًا للحكم، يعتمد على تكبيل الشخص وتقييد تحركاته[29]. طبعًا، من تداعيات تقييد الحرية، عمل الأجهزة الحاكمة على التأسيس لما يساعدها في التعرّف على مواطنيها عبر تزويدهم بأجهزة تكنولوجيّة قادرة على قياس الحركة البيولوجيّة للشخص. هذه الطريقة لا تزود السلطة بمعلومات عن الأمراض التي تصيب الشخص وحسب، بل أكثر من ذلك، هي تحدّد، وبدّقة، الأماكن التي تنقّل فيها والأشخاص الذين التقى بهم، وما إلى هنالك، وهذا ما يدور حاليًا في الأروقة الصينيّة[30].

التّحوّل على مستوى قيم التعاون والتعايش: من أبرز القيم التي تحوّلت، ظهور الإنسان على حقيقته، وانسلاخه عن قيمة التعايش والتعاون والرأفة بالآخرين، حتى ظهر مقدار جبروته ضد أخيه الإنسان. ولم يتوانَ عن القتل والتدمير والتشريد، بل ونهب الثروات والإمكانيات الطبيّة والاستئثار بها، ومنعها عن المحتاج، كذلك أظهر زيف مقولة العدل التي تتغنّى بها بعض الأنظمة وبعض الإيديولوجيات الحاكمة[31].

انتشار الكراهيّة: أدّى الوباء إلى ازدياد الكراهيّة بين البشر، وانتشار القلق والاضطراب. يقول بعضهم يكفي أن تعيش في أوروبا لتتلمّس الكراهيّة، بشكل واضح، مع عودة ظهور ما يُعرف بـ«الإنذار الأصفر»، وهو توصيف يرجع إلى القرن التاسع عشر، ويدلّ على التمييز ضد وجود الوجوه الآسيويّة في المجتمع. وإن كان بعضهم يبرّر ذلك برُهاب الموت والحرب من أجل البقاء، إلّا أنّه سلوك يتوازى مع ارتكاب التصرّفات العنصريّة التي أصبحت، اليوم، معروفة باسم «الكورونافوبيا»[32]. ومنذ بداية تفشي جائحة فيروس «كورونا» في مدينة «ووهان» الصينيّة، ورد أنّ التغريدات العنصريّة المعادية للصين زادت بنسبة 900% [33].

التغيير في نمط الحياة: يعتقد الباحثون أنّ «وباء كوفيد ـ 19» أحدث تغيّرات لا رجعة فيها في أنماط الحياة، بشكل عام، إذ يقول «براين ألكسندر»[34]: «بعد انتهاء الوباء، سيحدث اندفاع في زيارات الناس لعائلاتهم والمطاعم والذهاب إلى السينما، والسفر، سيلتئم شمل المحبيّن والأقرباء، لكن لن يعود مستوى التواصل بينهم إلى ما كان عليه في السابق؛ لأنّهم تعلّموا، بشكل ما، أن يعيشوا بعيدًا عن بعضهم بعضًا»[35]. كما يشير «ريني روهيرربيك»[36] إلى أنّ التباعد الاجتماعي بين الناس، قد يجعلهم أكثر قربًا على المستوى النفسي حول العالم، ويقول : «أعتقد أنّ اتّحاد الناس لمواجهة الأزمة الحالية سيقربهم من بعض بشكل أكبر، حتى كمجتمعات دوليّة، وسيعزّز التعدّديّة، كما سيعزّز قدراتنا على إيجاد إجابات لتحديات أخرى تواجه الإنسانيّة»[37]. والجدير بالذكر، أنّه وفقًا لإحصائيات «بيزنيس انسايدر»، يعيش نحو ثلث سكان العالم في حال عزلة، بسبب فيروس «كورونا» المستجد[38].

الوباء والمؤامرة: كشف فيروس «كورونا»، وبقوّة، أنّ نظريّة المؤامرة قد عادت لتبلغ الذروة، وكشف كلّ معاني التآمر ومعاييره ومندرجاته، بالإضافة إلى انعكاسه على الإدارة المتآمرة عينها، بصورة سلبيّة وقاتلة للغاية. نتيجة لذلك، سقط سعي الأميركيين إلى الآحاديّة المطلقة في حكم العالم، وفرض أنظمتهم وعقوباتهم على الناس والدول والمنظمات والأشخاص، مستنسبين لأنفسهم اتّهام الناس بالعمالة والإرهاب، يخلقون مسوخًا تكفيريّة، ويوجدون عملاء، ويخطّطون لتغيير أنظمة انتهى تاريخ صلاحيّة وظيفتها ودورها بالنسبة إليهم، ثمّ يقتلون شخصيات سياسيّة واقتصاديّة مع نهاية تواريخ الصلاحيّات حتّى لا ينكشفوا، ويتحكمّون بأنظمة يجعلونها مطواعة لهم، ثمّ يصدّرون الجراثيم والفيروسات مستهدفين دولاً محدّدة وشعوبها، إلى أن سقطوا في الجبّ على قاعدة أن طابخ السمّ آكله[39].

الوباء واحترام الإنسان: كشف الوباء مقدار انهيار قيمة الإنسان، بالأخصّ عند أصحاب السلطة والكثير من المؤسّسات النفعيّة. ولعلّ من أصدق مصاديق عدم مراعاة الدول الغربيّة للقيم والمثل واحترام الإنسان، هو ما صرّح به رئيس وزراء بريطانيا أنّ على العائلات الاستعداد لفراق أحبّتها، ثم في إيطاليا صار الأمر بترك كبار السنّ يموتون، وتحويل الأجهزة الإنعاشية إلى الشباب المصابين. في أميركا، كانت الصورة أكثر بشاعة، فأميركا التي كانت توصف برائدة الإنسانيّة، انهارت مُثلها وقيمها سريعًا، فالسطو والاعتداء والجرائم صار مشهدًا مألوفًا في الشارع الأميركي، وإنّ نظامها الصحي صار منهارًا تمامًا، فلا معدّات وقائيّة طبيّة، ولا مستشفيات تكفي، وتُرِكَ الفقراء ليلاقوا مصيرهم المحتوم[40].

الوباء وحتميّة التّحوّل في العادات والتقاليد: سيعيد «كورونا» نظر الشعوب إلى ثقافاتها وتقاليدها السائدة، وسنرى عادات وتقاليد تختفي وتولد غيرها تكون أكثر تحفّظًا من الآخر، أو أكثر وقاية من مخاطر الغير. وهذا أمر جديد، ربّما لم تألفه البشريّة من قبل، كما ستتعرض بعض الممارسات القيميّة إلى إعادة تقويم لجدواها أو استجابتها لمقتضيات العلم والحاجات البشريّة، كما سيتعرّض بعض رموزها إلى الاستهداف بشكل أو آخر. لكنّ ذلك، لن يعني قطيعة عالميّة بين البشر، بل سيتولّد إدراك جديد أنّهم أكثر تقاربًا من بعضهم بعضًا، وأنّهم بحاجة إلى تضامن وتعاون أكثر لمواجهة التهديدات التي تواجه الجنس البشري. نعم، قد يحصل تقاطع بين سياسات الهيمنة للحكومات ومشاعر التضامن بين الشعوب، في هذه المرحلة، إلا أنّ النتيجة ستكون أنّ العالم بحاجة إلى نظام عالمي، يكون أكثر اهتمامًا بحاجات البشر الأساسيّة، وأكثر استجابة للحفاظ على سلامة الكرة الأرضيّة، لتستمر بالعطاء لمصلحة سكانها[41].

الوباء والخوف[42]: من جملة التأثيرات التي سيتركها الوباء موضوع الخوف، فقد خلق الوباء معه حالًا من الخوف السائل، فلم يعد يقتصر الأمر على أنّه حال بيولوجيّة صحيّة، بل تعدّت لتكون ظاهرة ثقافيّة أو روحيّة، أو كتجربة إنسانيّة فريدة من نوعها، سوف يتحدّث عنها الجميع لاحقًا، لمدّة زمنية ليست بالقصيرة. والمقصود من الخوف السائل، هي الحال التي تتحوّل فيها المخاوف إلى ما يشبه الحال السائلة، بل أقرب إلى الحال الغازيّة، حين يتسرّب الخوف، ويسيل وينتشر حولنا في كلّ مكان؛ فالخوف يمحو المعالم الأساسيّة للحياة المتحضرّة في لحظة، وفي ظلّ كلّ هذا الخوف السائل من كلّ شيء، والذي يستبيح كلّ شيء، يشعر الفرد بأنّ مواجهة التهديدات والمخاطر مهمّته هو، حيث يتفوّق الخوف على علاقتنا بكلّ ما يحيط بنا، بالأشياء والأشخاص، وهذا ما يفنّد وهم الهيمنة والسيطرة وإخضاع الماديات، ليتسرّب إلى حال من الضبابيّة واللا يقين نحو كلّ شيء، وأي شيء.

سينسحب الخوف على كلّ ما يحيط بنا مادّيًا كان أم معنويًا، على علاقتنا بالأشياء والأسطح المحيطة، وسيجعلنا نتصرّف معها بطريقة مغايرة، بل ننظر إليها بطريقة مغايرة، ليس كما اعتدنا على النّظر إليها من قبل، يتسرّب نحو الأشخاص المحيطين، نحو العائدين من السفر، نحو الملامح الآسيويّة، نحو الماديات، كأكياس البقالة والنفايات، والارتياب من التعامل مع الأوراق النقديّة، أو لمس مقابض أبواب المنزل والسيارات والمكاتب، أو شاشات التلفاز، وأصبح كلّ ما اعتاد عليه إنسان الحداثة يظنّ أنّه تحت سيطرته الكاملة، يتسرّب ويسيل منه شيئًا فشيئًا، وهو ما يعكس مفهوم سيولة الخوف[43].

يظهر من مجمل التحليلات المقدّمة للخوف، سواء من الوباء المستّجد أم غيره، أنّه ناشيء من اضطرابات نتيجة توقّع أمر مرتقب هو سلبي بالمجمل. ولكن عند تحليل الأسباب، سنجد أنّ الأمر المرتقب هو نقطة الجهل التي يعيشها الفرد في داخله، والتي تسمح بإحلال الخوف مكانه. لذلك من لا يشعر بالنقص أو الاضطراب من أمر مجهول، فهو بعيد عنه، ومن يستند في قراءته وتحليلاته لما هو قادم إلى رؤية متماسكة واستشرافية سيكون بعيدًا عنه. وبعبارة أخرى، من الواضح أنّ الاعتقاد يهيّئ للشخص المقدّمات الضرورية ليقدّم تفسيره لما هو مجهول عنده، فيشعر تاليًا بالقلق والاضطراب.

التأثيرات الاجتماعيّة والتربويّة

لا يمكن حصر التّحوّلات الاجتماعيّة والتربويّة حاليًا، إذ ما يزال الوقت مبكرًا لجلاء صورها، كونها تأتي كنتائج لكلّ التّحوّلات التي تقدّم ذكرها من إيديولوجيّة وقيميّة وأخلاقيّة واقتصاديّة وسياسيّة. ولكنّ القدر المتيقّن منه، في هذه الأبعاد وعلى الصعيد الفردي، أنّ العالم بدأ بإعادة الاعتبار مجدّدًا إلى الخليّة الأساسيّة في تكوين المجتمع ألا وهي «الأسرة»، لا سيّما في الغرب الذي فقد الكثير من الشعور بالانتماء إليها، بحيث باتت العائلة الملجأ الذي يهرب الشخص إليه، ويحتمي به وفيه، وزادت الروابط الأسريّة متانة بين أفرادها، بعد أن طغت عليها ضرورات العمل وتغيرات الحياة.

عند الخروج إلى الدائرة الكبرى، لا شكّ أنّ التكافل الاجتماعي قد زاد ضمن البيئة الواحدة، في الحيّ والشارع، لا بل حتى في المبنى ذاته، وبين كلّ طبقاته، فرأينا الناس يخرجون إلى الشرفات، ويستمعون إلى الموسيقى. إنّ طبيعة المدن، لا سيّما الكبيرة منها، تفتقد إلى الحياة الاجتماعيّة بالشكل الموسَّع، فالعديد من السكان لا يعرفون القاطنين في الشقة المجاورة لهم، فجاء هذا الوباء لكي يرمي حجرة في المياه الاجتماعيّة الراكدة.

تعليميًا، ستبدأ الأنظمة التعليميّة عبر العالم بتطوير أدواتها، بما يجعل التعليم عن بعد أكثر كفاءة وتطوّرًا، هي، اليوم، في بداية استجابتها لهذا الأسلوب، ولكن قطعًا ستبدأ كلّ دول العالم بالاستعداد لحالات مشابهة. ولكنّ هذا الأمر لا يخلو من المخاطر، فهو يعتمد على استمرار شبكات الإنترنيت والطاقة الكهربائيّة، إلا أنّ السؤال هو ما مصير التعلّم عن بعد لو تعرّضت هذه إلى الانقطاع والتدمير أو التعطيل؟ يجيب بعضهم أنّ ذلك سيحكم بالفشل على طريقة التعلّم عن بعد. مع ذلك، سيشهد النّظام التعليمي عبر العالم إعادة نظر فيه، ليكون أكثر استجابة للتهديدات غير المتوقّعة.

التّحوّلات الاقتصاديّة

بما أنّ الوباء فرض قيودًا على الحركة، بأنحائها كافّة، فقد ظهر ذلك وبوضوح في عدم القدرة على التخالط والتبادل، بالأخصّ الاقتصادي منه. قد يعود السبب، في ذلك، إلى اعتماد الدول مبدأ التباعد للحفاظ على الحياة من دون وباء، إلا أنّه لا يمكن إنكار مسألة الخوف من الآخر. يعزّز الفكرة هذه، اتّهام بعض الدول وبعض منتجاتها أنّها تقف وراء الوباء، لذلك انكفأ الإنسان عن التعامل مع الآخر.

هنا، سنحاول تسجيل بعض الملاحظات الاقتصاديّة التي تتشكّل بناءً على خلفيات معرفيّة وقيميّة.

يضع فيروس «كورونا» الاقتصاد العالمي على حافّة الانهيار، في حال طالت مدّة الصراع معه، فالأسواق تغلق، عدا الضروري منها، ويتقلّص الطلب الداخلي والخارجي، فتتراجع التجارة الدوليّة ومثلها التجارة الداخليّة، فتتوقّف قطاعات اقتصاديّة كاملة، بينما تتراجع قطاعات أخرى، وتغلق أسواق المال على تراجع، وتهبط أسعار أسهم الشركات، وتتوقّف الاستثمارات، ويصبح النموّ الاقتصادي سالبًا. وكلّ هذا سيرفع معدّلات البطالة، وستتراجع قدرات الدول المتقدّمة على دعم اقتصاداتها وشركاتها إذا طالت مدّة الصّراع ضدّ الفيروس، وستعلن شركاتٌ إفلاسها في حال طالت مدّة تطبيق هذه الإجراءات، وستكون هذه مناسبة لابتلاع الكبيرة منها[44].

إذا كانت بعض الدول ستواجه الإفلاس، بالأخصّ تلك التي تعتمد على النفط، إلا أنّ سوق الدواء سينتعش وستتسابق الدول للإعلان على إجراء تجارب على الأدوية، وهذا يعني أنّ بإمكانها جني المليارات من الدولارات[45].

فضلاً عن تأثير فيروس «كورونا» الاقتصادي على حركة البضائع والسلع والسياحة العالميّة، فقد أثّر أيضًا على أسواق السلع، مثل النفط. وقد يسبّب هذا الاضطراب الاقتصادي مخاوفَ من حدوث ركود عالمي جديد في قادم الأيام، كما ورد في بعض التقارير، في ظلّ الخسائر التي وصلت إلى 2.7 تريليون دولار. ويصف بعض أصحاب الاختصاص هذا الواقع، بأنّه قد يمثّل نهاية لعقود من سياسات السوق الحرّة الاقتصاديّة والعولمة غير المقيّدة، وانتشار اللا مساواة[46].

التّحوّل في السياسة والعلاقات الدوليّة

تشير التحليلات المرافقة للوباء أنّنا سنكون أمام عالم جديد على مستوى العلاقات والسياسة الدوليتين. والسبب أنّ الوباء فرض سلوكيات عند بعضهم، وساهم في تكريس نظرتهم إلى العلاقة مع الآخر، بينما لم يخفِ بعضهم الآخر أنّ الاتّجاه الجديد في العلاقات الدوليّة يعود لمنحًى فكريّ قادته الولايات المتحدة الأميركيّة مع انتخاب «دونالد ترامب» للرئاسة. وتاليًا، ليس الوباء هو المسؤول الوحيد عن السياسة الدوليّة القادمة، بل النهج المعرفي للإدارة الأميركيّة، والتي بدأت العمل به قبل الوباء، أي منذ العام 2016.

يؤكّد «هنري كيسنجر»، في مقال نشر في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنّ نظامًا دوليًا جديدًا يتشكّل، مطالبًا الولايات المتحدة بالاستعداد لهذا العالم الجديد، بالتوازي مع مواجهة الفيروس[47]. لقد وضع فايروس «كورونا» دول العالم أمام تحدّيات كبيرة لها تداعياتها على العلاقات الدوليّة التي حكمت معظم دول العالم.فالعالم كان مستقرًا بعلاقاته، ضمن مجموعة اتّفاقيات ومعاهدات حكمت تحالفاته وتكتّلاته، وأرسى من خلالها آلية العمل للسياسة الخارجيّة لكلّ محور لتكون الولايات المتحدة الأميركيّة سيّدة الهيمنة والديكتاتوريّة التي تحكم دول العالم. فالحليف بالنسبة إليها هو تابع، والعدو هو من يتطّلع لبناء أمجاد بلاده من دون التحفّظ على الخطوط الحمراء التي قد تنال من مكانة أميركا وتفردّها في حكم دول العالم.

تأتي جائحة «كورونا» واضعة العالم في أكبر اختبار له، هذا الفيروس الذي أدخل الجميع في دوائر الخوف والهلع، بل وأفقد بعضهم القدرة على سيطرة الاحتواء، ففي اللّحظة التي ظهرت فيها أميركا في موقف الدولة الانتهازيّة والأنانيّة، أوروبا هي أيضا ظهرت أمام هذا الحدث كقوّة دوليّة متراخية وغير متماسكة وضعيفة وعاجزة وغير جادة في مواجهة الجائحة منذ البدايات، بينما ارتفعت الصين من الناحية الدوليّة وارتقت في مواقفها وقدراتها، لتتحوّل عندها الساحة الأوروبيّة إلى ساحة مواجهة بين أميركا والصين بالمعنى الحقيقي. وكلّ هذه مؤشرات تدلّ على بدء تغيير في الموقف الدولي، بل وإعادة تشكيله، وإن لم يكن مؤشّرًا قويًّا على قرب انهيار المنظومة الدوليّة، لكن يظلّ مؤشّرًا مهمًّا على تغيير كبير في طبيعة حجم العلاقات الدوليّة وشكلها ما بعد «كورونا».

قد تتحوّل في لحظة ما الحرب بين أميركا والصين، بعد ظهور فيروس «كورونا»، إلى حرب إعلاميّة وتنتقل حلبة الصّراع من الحرب التجاريّة إلى حلبة الحرب الإعلاميّة، حيث استطاعت الصين، رغم الجهد الكبير الذي تبذله واشنطن تجاهها إعلاميًّا فيما يخصّ هذا الفيروس، أن تسّجل العديد من النقاط لصالحها في هذه المعركة. وما هو ملاحظ في هذا السياق، هو قدرة الصين على إرساء منظومة قيم وسلوكيات من شأنها أنسنة العلاقات بين الدول والشعوب، ونبذ كلّ ما يتهدّد طموح التعاون المشترك، وهذا بخلاف ما ترسّخه الولايات المتحدة الأميركيّة من العداء بين الأمم والشعوب، ما فرض أشكالاً جديدة من المواقف تجاه هذا الصراع، الأمر الذي أسّس، فعليًا، لإعادة توجيه العلاقات الدوليّة في عالم ما بعد «الكورونا».

مع انتشار هذا الوباء، في أوروبا وبالأخصّ في إيطاليا وتخلّي الولايات المتحدة الأميركيّة والاتّحاد الأوروبي عن مساعدتها والقرارات الصادرة عن دول الاتّحاد بإغلاق الحدود وإيقاف العمل بمعاهدة «شنغن» ركيزة الاتحاد الأوروبي التي تتضمّن حريّة العبور بين دول الاتّحاد، تتقدّم وتتسارع كلٌّ من الصين وروسيا إلى انتهاج مواقف وسياسات لمساعدة بعض الدول الكبيرة في القضاء على الوباء. فتسارعان إلى تقديم الدعم لإيطاليا ولدول أوروبية عدّة تفشّى فيها الفايروس، لنجد صورة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ترفع في بلدات إيطالية، بينما العلم الصيني يرفرف في سماء «صربيا»، مع كلمات الشكر والعرفان من الرئيس الصربي، حين قال: «لقد رأينا أنّه لا يوجد تضامن، ولا تكاتف في أوروبا، أنا أثق بالصين، فهي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعدنا، أمّا بالنسبة إلى الآخرين، فنشكرهم على لا شيء». وهذا يعبّر عن إمكانية كبيرة لفك تحالفات، وعقد تحالفات أخرى، وإحداث تغيير كبير في العلاقات الدوليّة من ناحية توجه دول الاتّحاد الأوروبي إلى الاهتمام بالمصلحة القوميّة، وتفضيلها عن مصلحة الاتّحاد، ما قد يؤثّر على وجود هذا الاتّحاد الذي لم يصمد أمام أزمة «وباء كورونا»، وتوجّه بعض دوله إلى بناء علاقات أكثر قوّة مع دولٍ، مثل الصين وروسيا.

هذا الأمر سينعكس على علاقات هذه الدول مع الولايات المتحدة الأميركيّة التي تعاملت باستخفاف مع أزمة «وباء كورونا»، فأثبت ضعفها وغياب أي استراتيجية للتعامل معه، وفضّلت أيضًا المصلحة القوميّة لأميركا على مصلحة الدول الغربيّة التي تحكمها معهم علاقات مهمّة جدًا، وستنعكس تاليًا على التحالف العسكري المتمثّل بـ«الناتو»، وعلى التحالفات الاقتصاديّة المهدّدة بالانهيار في حال عدم نجاح هذه الدول بوقف انتشار هذا الوباء، لينتقل تأثيره إلى منظّمة التجارة العالميّة التي ستعاني انسحاب دول عدّة. وأوّل هذه الدول ستكون الولايات المتحدة الأميركيّة التي تفشّى الوباء فيها نتيجة عدم تعامل إدارتها، بالشكل المطلوب للحدّ من انتشاره، والنقص الكبير في المستلزمات الطبيّة التي تساهم في مكافحته، لتذهب الولايات المتحدة للعمل لتأمين حاجاتها الداخليّة بعيدًا عن السوق العالميّة.

هذا سيجعل العديد من الدول الأوروبيّة تحذو حذو أميركا، وهذا سيؤثّر سلبًا على هذه العلاقات، وإلى انكفاء هذه الدول على نفسها أو اتّجاهها لعقد تحالفات جديدة تتناسب ومصالحها. وبما أنّه في السياسة لا توجد علاقات دائمة، بل توجد مصالح دائمة، فلا عجب لو وجدنا في المستقبل تحالفات بين من كانوا البارحة أضدادًا. وسنرى تأثير فيروس «كورونا» في التغيير على العلاقات الدوليّة، ولعلّ آثار هذا الفيروس على هذه العلاقات، هو تعرية الولايات المتحدة الأميركيّة من لقب الدولة العظمى وفضح عجزها، وغياب أي استراتيجية لهذه الدولة العظمى في فنّ إدارة الأزمات.

لعلّ الانكفاء القومي والعزلة الاستراتيجية والانطواء الاقتصادي هي العناوين الأبرز للمرحلة المقبلة لما بعد «كورونا»، وهنا، الأقوياء هم من يسجّلون لأنفسهم مكانًا في التاريخ، وهم الراسمون الحقيقيون لملامح العالم القادم، وهم المؤثّرون على العديد من المسارات المهمّة التي ستشكّل هوية العالم لما بعد «كورونا». وفيما تؤسّس الولايات المتحدة الأميركيّة للعزلة والانكفاء، تفرض الصين نفسها قوّةً عالميّة بديلة عن هذا العجز والفشل الأميركيين، وهو أوّل إعلان يستدعيه «كورونا» والمتمثّل في انتقال مركز العولمة والقيادة للعالم من الولايات المتحدة الأميركيّة إلى الصين[48].

يؤكّد بعض الباحثين على أنّ الفيروس ساهم في الاتّجاه نحو القوميّة بديلًا عن العولمة أو في مواجهتها، ونسبوا هذا التوجّه للادارة الأميركيّة التي يمثّلها الرئيس «دونالد ترامب»[49]. ويتابع هؤلاء الباحثون قراءتهم، أنّ فوز «ترامب» بالانتخابات الأميركيّة العام 2016، كان انتصارًا لخطاب القوميّة على خطاب العولمة، فقامت حملته الانتخابيّة على شعار «أميركا أوّلاً». وفي خطاب الاتّحاد الأوّل، أمام الكونغرس الأميركي، نعى الرئيس ترامب العولمة لصالح مفهوم الدول القوميّة، ومن حينها لم يعد «ترامب» مجنونًا أو شخصية هزليّة، بل حمل فكرًا سياسيًا، وهو «القوميّة في مواجهة العولمة».

مع بروز فيروس «كورونا»، برزت مجموعة كبيرة من الأقلام، ترى هذا المرض نتيجة للعولمة، أي أنّ العولمة هي المسؤولة عن تفشّي هذا الفيروس. كانت آراؤهم، أنّ حركة السفر، التنقل، السياحة، المطارات والتبادل التجاري، أي نظام العولمة القائم، هو الذي سهّل انتقال الفيروس وانتشاره، واضعين اللّوم على نظام العولمة[50]. ومن أبرز ما سيتغيّر في العالم ما بعد «كوفيد- 19» هو شكل القيادة، وطريقة عمل القادة. يقول مدير الابتكار والتّحوّل والتبصر بالمدرسة العليا للتجارة في فرنسا، «ريني روهيرربيك»، لوكالة سبوتنيك: «نحن الآن نحاط بالغموض، الطرق القديمة لاتّخاذ القرارات تفشل بسبب نقص المعلومات، وفي مثل هذا الموقف، نحتاج إلى قادة يمكنهم العمل وسط هذا الغموض، بخطط سريعة وعن طريق التعلّم من الأخطاء»[51].

يضيف «روهيرربيك»: «في الأشهر القادمة، علينا التأكّد من أنّ القادة يحصلون على التدريب المناسب، حين يجدون فجأة أنّ عليهم العمل والقيادة في هذه البيئة الغامضة». ويتابع : «بعد مرور الوباء، سنرى ازدياد في عدد القادة الذين يتخذون قراراتهم بناء على قناعتهم وموهبتهم، إلى جانب تطبيق التقنيات الصحيحة، والسيناريوهات السريعة القائمة على التعلّم من الأخطاء»[52]. وذلك كون هذا الفيروس كشف زيف نظام العولمة: «في مضمار الإنسانية وأخلاقها، أسقط كورونا أخلاقيّة العولمة، وكشف ادّعاءاتها. الدليل على ذلك، انكفاء كلّ دولة وطنيّة على ذاتها، وتحديد الصلة بين المتشابهين على صعيد نظامي رأسمالي، والتمييز ضمن المجموعة الرأسماليّة ذاتها، على أساس لا تخطئ العين مقدار السياسة الكامنة فيه»[53].

حول أشكال السلطة المستقبليّة، عقب «وباء كورونا»، يتوقّع الباحث وعالم المستقبليات «براين ألكسندر» أن تتمدّد سلطات الدولة في المستقبل، إذ يقول: «قد نشهد تمدّدًا في سلطات الدول، خاصة في الأجزاء المتعلّقة بمراقبة السكان والصّحة العامة والسياسات الصناعية والسياسيّة بشكل عام، والصين تقدّم أنموذجًا لمثل هذا التمدّد[54]. ومع ذلك، فإنّ العالم الذي سيخرج من الأزمة سيكون معروفًا، من تضاؤل القيادة الأميركيّة، وتعثّر التعاون العالمي، وخلاف القوى العظمى، كلّ هذه السمات ميّزت البيئة الدوليّة قبل ظهور الوباء، والذي أدّى إلى تغذيتها أكثر من أي وقت مضى، فمن المرجّح أن تكون تلك السمات أكثر بروزًا في العالم بعد ذلك.

كانت إحدى سمات الأزمة الحالية التراجع الواضح في القيادة الأميركيّة. لم تحشد الولايات المتّحدة العالم في محاولة جماعيّة لمواجهة الفيروس أو آثاره الاقتصاديّة، كما لم تحشد العالم ليحذو حذوها في معالجة المشكلة في الداخل، بينما تعتني دول أخرى بنفسها بأفضل ما يمكنها أو تلجأ إلى الذين تجاوزوا ذروة العدوى، مثل الصين، للحصول على المساعدة. لكن، إذا كان العالم الذي يتّبع هذه الأزمة سيكون عالمًا تهيمن فيه الولايات المتحدة الأميركيّة، بشكل أقل، فمن المستحيل تقريبًا تخيّل أي شخص يكتب، اليوم، عن «لحظة أحادية القطب» - فهذا الاتّجاه ليس جديدًا. لقد كان واضحًا منذ عقد على الأقل[55].

الخلاصة

لعلّ الموجز الذي بين أيدينا، لا يعدو كونه رؤية أولى لما ستؤول إليه الأمور بعد الوباء. وكما أشرنا سابقًا، فإنّه من المبكر إصدار أفكار نهائيّة وحتميّة في الموضوع، لذلك يمكن استخلاص ما تقدّم من أفكار طبق التحليلات الموجودة إلى ما يلي:

يتبيّن، من خلال مجريات أمور الوباء، أنّ العالم يقف على عتبة تحوّل إيديولوجي كبير، يُشكّل انهيار الحضارات التي نشأت بعد عصر النهضة الأوروبيّة في أبرز معالمها. ويحكي عن ذلك الفلسفة الغربيّة الحديثة التي أخذت بالتّحوّل نحو مفاهيم معرفيّة وقيميّة أكثر حداثوية. ومع الوباء يبدو أنّ الانكفاء عن هذه الفلسفة بات ضروريًا.

يبدو أنّ على الإنسان، بعد الوباء، أن يعيد رسم خريطة نمط حياته المستقبلي. من غير المجدي، بالأخصّ على المستوى الفردي، أن تبقى أنماط الحياة على ما هي عليه، فقد يتطلّب الأمر النزوع نحو نمط آخر يحكي عن إمكانية التعايش مع الوباء لمدّة طويلة.

من الواضح، أنّ التوجّه نحو المعنويات والروحانيات هو الاتّجاه المُهيمن على السلوك البشري بعد الوباء. وهذا يعني أنّ العجز البشري قد دفع نحو البحث عن إجابات، هي ليست من إنتاج الحضارة الماديّة الجديدة، بل من إنتاج الأديان السماويّة على الأغلب. يُضاف إلى ذلك، أنّ المنحى العام للبشريّة مع الوباء، هو الاتّجاه نحو المعتقد الدّيني.

يبدو أنّ العالم على عتبة نظام عالميٍّ جديد، تتحوّل فيه الأنظمة السياسيّة والقياديّة، عدا عن الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وهنا، ينبغي على الإنسان الاستعداد لما بعد الوباء، إذ يجب إعادة رسم أنظمة تتلاءم والتوجّه الإيديولوجي الإنساني.

-------------------------------

[1]*ـ باحث في الفكر السياسي ـ أستاذ في الجامعة اللبنانية.

[2]- عبد الحسين، ياسر: العلاقات الدوليّة في عالم ما بعد «كورونا»،، صحيفة الاخبار، 27/3/2020.

[3]- م.ن.

[4]- العولمة عبارة عن جعل الشيء عالميًا، وقد ظهرت في نهاية القرن السادس عشر مع بداية الاستعمار الغربي لآسيا. ويقوم نظام العولمة على أربع عمليات أساسيّة وهي: المنافسة بين القوى العظمى، انتشار الإنتاج وتبادل السلع، الابتكار والإبداع التكنولوجي، والتحديث المستمر. (راجع: أمجد قاسم، العولمة: مفهومها، أهدافها وخصائصها، نشر على صفحة: www.al3loom.com). ومن جملة آثار العولمة: التدويل وإلغاء خصوصيات الدول واستقلالها، تعزيز السلطوية العالميّة وتفجير النزاعات الداخليّة، ظهور المجتمع المدني، خروج المرأة إلى المجتمع في الأنظمة الدّينية، والتي تحكمها التقاليد، تعميم الفقر والبطالة، ربط التنمية الاقتصاديّة بالآخر....(انظر: برهان غليون، العولمة وأثرها على المجتمعات العربية، ورقة مقدمة إلى خبراء اللجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغرب آسيا، بيروت 2005)

[5]- أبو زيد، سركيس: تأمّلات في زمن الوباء: الحقّ في الـحياة والبقاء، صحيفة الاخبار، الثلاثاء 31 آذار 2020.

[6]- سعود الشرفات، قدمت العديد من المقالات رؤية تحليليّة لما ورد في الفورين بوليسي من جملتها: العلاقات الدوليّة وعالم «ما بعد» وباء كورونا، في عددها الصادر في 20/3/2020.

[7] - هو يعدّ، اليوم، من أهم منظّري المدرسة الواقعيّة الدفاعيّة الجديدة في الولايات المتحدة الأميركيّة، ونظرية توازن التهديد في حقل العلاقات الدوليّة.

[8] - أستاذ العلاقات الدوليّة، في جامعة هارفرد، وأحد أهم منظّري «المدرسة الليبراليّة الجديدة» في العلاقات الدوليّة، وهي مدرسة معارضة شرسة للمدرسة الواقعيّة.

[9] - المدير التنفيذي للمعهد الملكي للشؤون الدوليّة لـ»شاثم هاوس».

[10] - المنظّر السياسي الهندي والمستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي».

[11]-  انظر: يتيم، محمد: أزمة كورونا وانعكاساتها على منظومة القيم، موقع الجزيرة، 10/4/2020

[12]- يقول الله تعالى في القرآن الكريم: وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا..، سورة يونس، الآية 12.

[13] - البروفسور «أسعد قطان» أستاذ اللاهوت، في جامعة مونيستر، في ألمانيا.

[14] - علاء رشيدي: البشريّة في مواجهة كوفيد 19... العولمة أم القوميّة، الشموليّة أم مناعة القطيع، الحرية أم الصحة، موقع رصيف، 30/3/2020.

[15] - سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي (1906 - 1966) كاتب وشاعر وأديب ومنظّر إسلامي مصري، مؤلف كتاب «في ظلال القرآن»، وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير سابق لجريدة الإخوان المسلمين.

[16] - سيد قطب: معالم في الطريق، لاط، القاهرة، دار الشوزق، 1968، ص 9.

[17]-  قانصو، وجيه: الكورونا وأوهام المعجزة الدّينية، موقع المدن 23/3/2020.

[18] - وجيه قانصو، لبناني ومثقف، وهو أستاذ جامعي، يدرّس الفلسفة في الجامعة اللبنانية.

[19] - «فرانسيس بيكون»‏ فيلسوف ورجل دولة وكاتب إنجليزي، معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على «الملاحظة والتجريب». وهو من الروّاد الذين انتبهوا إلى غياب جدوى المنطق الأرسطي المعتمد على القياس.

[20] - «باروخ سبينوزا» (1632-1677) هولندي من أهم فلاسفة القرن السابع عشر. في مطلع شبابه، كان موافقًا مع فلسفة «رينيه ديكارت» عن ثنائية الجسد والعقل على أنّهما شيئان منفصلان، ولكنّه عاد وغيّر وجهة نظره، في وقت لاحق، وأكّد أنهما غير منفصلين، لكونهما كيان واحد.

[21] - قانصو، وجيه، الكورونا وأوهام المعجزة الدّينية، م.س.

[22]- عبد الحسين، ياسر: العلاقات الدوليّة في عالم ما بعد «كورونا»، صحيفة الاخبار، 27/3/2020.

[23] - باحث سوري، وأستاذ فلسفة الأخلاق في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة.

[24]- تمتم، أبو الخير: بين الجمود والتجديد..كورونا وضرورة تغيّر الخطاب الدّيني، موقع ن بوست، 27/3/2020.

[25] - بسيوني، محمد: اتّجاهات دعم الخطاب الدّيني الرسمي لمكافحة «كورونا، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية،12 أبريل/ نيسان 2020.

[26]- م.ن.

[27]- العرداوي، خالد: عالم ما بعد كورونا كيف سيكون؟، موقع شبكة النبأ،25/3/2020.

[28]- حجيري، محمد: كورونا والفلاسفة... حرب أهلية أم حرب وهمية، موقع المدن،24/03/2020.

[29] - ليوفال نوح هراري: العالم ما بعد فيروس كورونا، مقال نشر في الفاينانشال تايمز، بتاريخ 20/03/2020.

[30]- م.ن.

[31]- الخليفة العلي، رامي: العالم ما بعد كورونا مختلف عما قبله، موقع عكاظ، 25/3/2020.

[32]- عبد الحسين، ياسر، العلاقات الدوليّة في عالم ما بعد «كورونا»، م.س.

[33] - موقع الجزيرة نت: أوبئة نفسية في الأساس.. كيف تغذي جائحة كورونا الكراهيّة بأميركا؟ الجزيرة، 4/4/2020.

[34] - الباحث وعالم المستقبليات في «مؤسسة دافنشي».

[35] - سبوتنيك: حياة ما بعد كورونا، 28 آذار 2020.

[36] - مدير الابتكار والتحول والتبصر بالمدرسة العليا للتجارة في فرنسا.

[37] - سبوتنيك، حياة ما بعد كورونا، م.س.

[38]- م.ن.

[39]- جورج عبيد: عالم ما بعد الكورونا... تاريخ جديد، موقع Tayyar.org، 13/3/2020.

[40]- الجابري، عبد الكاظم حسن: عالم ما بعد كورونا، موقع صوت كوردستان، 29/3/2020.

[41]- خالد العرداوي، عالم ما بعد كورونا كيف سيكون؟، م.س.

[42]- الخوف، عند علماء النفس، عبارة عن شعور يصيب عقل الإنسان المترقّب لحدوث أمر سلبي، له خطر معين. وقد يكون هذا الشعور حقيقيًا أو مجرد خيال ووهم. ورأى هؤلاء العلماء أن أسبابه محض نفسية وسلوكية، يعانيها الأفراد الذين يترقّبون حدوث شيء ما، ما يؤدي لحصول اضطرابات هرمونية داخلية.

[43]- أسماء عبد العزيز، أبرز مظاهر الخوف المستّجدة من «كورونا»: الخوف من العدوى، الخوف من التحية الجسديّة والاتصال البشري، الخوف من الآخرين وعلى الآخرين، الخوف من الموت، الخوف من الملامح الآسيويّة، الخوف من الجهل، الخوف من العزلة، الخوف من انهيار أنظمة الرعاية الصحيّة، الخوف من الأشياء والأسطح، الخوف من وصمة العار للأوبئة، الخوف من التلوث، الخوف من المجهول. الخوف ذو الوجهين في زمن الكورونا،،24 أبريل/ نيسان 2020.

[44]- سعيفان، سمير: العالم إلى تغيّر بعد كورونا، موقع العربي الجديد، 23/3/2020.

[45]- م.ن.

[46]- ياسر عبد الحسين، العلاقات الدوليّة في عالم ما بعد «كورونا»، م.س.

[47]- تصريح لـ"هنري كيسسنجر"، في 6/4/2020.

[48]- نصر الحسين، حسناء: حتمية التّحوّلات في العلاقات الدوليّة في عالم ما بعد الكورونا، موقع Top news، 28/3/2020.

[49]- رشيدي، علاء، البشريّة في مواجهة كوفيد 19... العولمة أم القوميّة، الشمولية أم مناعة القطيع، الحرية أم الصحة، م.س.

[50]- رشيدي، علاء، البشريّة في مواجهة كوفيد 19... العولمة أم القوميّة، الشمولية أم مناعة القطيع، الحرية أم الصحة، م.س.

[51] - وكالة سبوتنيك، م.س.

[52] - م.ن.

[53]-  البشريّة في مواجهة كوفيد 19... العولمة أم القومية، الشمولية أم مناعة القطيع، الحرية أم الصحة، م.س.

[54]- سبوتنيك، حياة ما بعد كورونا، 28 آذار 2020.

[55]-  ريتشارد هاس: عالم ما بعد كورونا، فورين أفيرز،7 نيسان 2020.