البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الأمر والنهي بوصفهما نظامًا أخلاقيًّا إلهيًّا قراءة تأصيليّة لِإشكاليّة الحرّيّة الفرديّة في ضوء القرآن الكريم

الباحث :  سامر توفيق عجمي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  26
السنة :  شتاء 2022م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 4 / 2022
عدد زيارات البحث :  729
تحميل  ( 587.035 KB )
الفكر الإصلاحيّ، الروح الثوريّة، التغيير الاجتماعيّ، النقد البنّاء، الواجب الأخلاقيّ، حسّ المسؤوليّة، المساندة، الدّعم....إلخ، مفردات تشكِّل عناصر محوريّة في بناء المجتمع الصالح والعادل، لا يحتويها إلّا «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

تشهد المجتمعات المعاصرة حضورًا قويًّا  لقيم فلسفات الفرديّة، والليبراليّة، والديموقراطيّة، وإعلانات حقوق الإنسان، التي تُعلي من قيمة الفرد، وتغذّي نزعة الحرّيّة الشخصيّة. تطرح هذه النزعة العالميّة إشكاليّة بنيويّة، من أنّه كيف يحقّ لبعض الأفراد، من منطلق أطروحة دينيّة خاصّة، التدخّل في خيارات الآخرين وتضييق إرادتهم الحرّة، بأمرهم بـ/ أو نهيهم عن عقيدة أو سلوك معيّن؟ مع ما يتضمّنه مفهوم الأمر والنهي بالتحليل اللغويّ-الأصوليّ من تسلّط ونفوذ واستعلاء.

ومعالجة هذه الإشكاليّة يحصل في ضوء فهم الرؤية الكونيّة التي تقوم عليها التشريعات الإسلاميّة، والتي إن لم يؤخذ بعين الاعتبار ما بين عناصرها من علاقة عضويّة، فسيكون ثمّة تشوّه وبتر في الوعي بأطروحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ من الأصول العقديّة الإسلامية، خالقيّة الله ومالكيّته، وبالتالي ولايته، بمعنى نفوذ إرادته التكوينيّة، ويتفرّع عنها ولايته التشريعيّة بتنظيم حياة الإنسان وتقييد إرادته الطبيعيّة بمجموعة من القيم والقوانين.

وبما أنّ الأمر والنهي يقتضيان التسلّط على خيارات الناس وتضييق حرّيّتهم، تتوقّف هذه الممارسة السلطويّة على الولاية الشرعيّة، وتستظهر هذه الولاية من الأدلة القرآنيّة التي تمنح عموم المؤمنين حقّ التدخل في خيارات الآخرين في ضوء الإرادة التشريعيّة الإلهيّة، بنحو لا يعدّ تدخّلهم تعدّيًا على الحرّيّات الفرديّة، كون الحرّيّة في المفهوم الإسلاميّ لا تعني تصرّف الإنسان انطلاقًا من قناعاته الذاتيّة ورغباته الخاصّة، بل توظيف إرادته الحرّة بما يتوافق مع الإرادة التشريعيّة الإلهيّة.

كلمات مفتاحيّة: الأمر، النهي، المعروف، المنكر، الولاية، الأمّة، المجتمع العادل، الحرّيّة، السنن التاريخيّة، المسؤوليّة الاجتماعيّة، الواجب الأخلاقيّ.

لو استقرأنا القرآن الكريم، نلاحظ الأمر والنهي بجملة مفاهيم بنيويّة، مثل: الإرادة الإلهيّة، النبوّة، الولاية، التمكين، القيام، الأمّة، الإيمان، الصلاح، الفلاح، الخير، القسط، العدل، الإحسان، الاستقامة، النجاة، المدد، البركة، الشيطان، النفاق، الفساد، الفحشاء، البغي، السوء، الظلم، الهلاك... ، فليس كمثلها فريضة، تعبِّر عن قوّة الحضور الأخلاقيّ والعاطفيّ للإسلام في الحياة الإنسانيّة العامّة، وفعاليّة دوره في عمليّات تنمية المجتمع، وإصلاحه، وتغييره، والنهوض به في مختلف الميادين: الفكريّة، التربويّة، الاجتماعيّة، السياسيّة، الاقتصاديّة، الماليّة، الإدرايّة، والإعلاميّة... في هذا السياق، نفهم ما رُوي عن الإمام عليّ(عليه السلام): «وما أعمال البرِّ كلّها، والجهاد في سبيل الله، عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلّا كنفثة في بحر لجّيّ[2]»[3]. هذا، ما جعلها تتموضع في موقع حيويّ ضمن خارطة المعارف الإسلاميّة، فتحظى باهتمام العلوم الثلاثة الرئيسة: الكلام ، الأخلاق[4]، الفقه، مضافًا إلى معالجتها في مباحث تفسير القرآن، والموسوعات الحديثيّة وشروحاتها، وكتب السير والتاريخ.

هذا التوسع كمًّا وكيفًا، أفقيًّا وعاموديًّا، جعلها أطروحة متكاملة الأضلاع في الإسلام. ولئن كانت في الأمم السالفة على امتداد حركة النبوّة[5]، إلّا أنّه ليس بين أيدينا ما يفيد كونها في اليهوديّة أو المسيحيّة أو غيرهما من الأديان نظريّة متكاملة، وكذلك في الفكر الغربيّ، لا نعثر على ما يقاربها بصيغتها الإسلاميّة. ويقول  المؤرّخ البريطانيّ المعاصر مايكل كوك Michael Cook: «... إذ لا يجوز للمرء أن يقف، ويشاهد بلا حراك امرأة –ولو غريبة- تُغتصب في مكان عامّ[6]. يجب أن يفعل شيئًا، إلّا إذا كانت له أعذار مقبولة لعدم التدخّل. بعبارة أخرى، لدينا فكرة واضحة عن واجب لا يفرض علينا التصرّف بنحو لائق إزاء الغير فقط، بل كذلك منع الآخرين من فعل ما فيه تعدٍّ واضح على الناس. مع ذلك ليس لدينا في حياتنا اليوميّة مصطلح يشرح هذا الواجب، كما ليست لدينا نظريّة عامّة حول الأوضاع التي ينطبق عليها، والإرغامات التي تسقطه، إنّ القيمة الأخلاقية موجودة عندنا، لكنّها ليست من القيم التي أولتها ثقافتنا صياغة متطوّرة ومتكاملة...

يقدِّم الإسلام، في المقابل، اسمًا ونظريّة لواجب أخلاقيّ من هذا النواع، واسع المجال. لا يخلو المصطلح «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» كترجمة الإنكليزيّة (Commanding Right and Forbidding Wrong)...»[7].

ولا تزال الحاجة قائمة لتجديد الاجتهاد فيها، إجابةً عن مجموعة من الإشكاليّات التي يطرحها تصاعد الخطّ البيانيّ لمعالم الحضارة البشريّة والتحوّلات الجذريّة التي تشهدها حياة الإنسان المعاصر، خصوصًا في شبكة المعارف والعلوم الإنسانيّة، نظم الاجتماع-السياسيّ وهويّة الدولة الحديثة، الأحزاب السياسيّة، منظّمات المجتمع الأهليّ، الشبکات الإعلامیَّة والتواصليّة، المؤسّسات التعليميّة والتربويّة....

إشكاليّة الحرّيّة ومشكلاتها المعاصرة
تشهد مجتمعاتنا المعاصرة حضورًا قويًّا لأفكار وقيم -بفعل بروباغندا فلسفات الفرديّة Individualism، والمذاهب الليبراليّة Liberalism والديموقراطيّة، وإعلانات حقوق الإنسان-، تغذّي نزعة الحرّيّة الشخصيّة[8]، والخصوصيّة Privacy... وتعلي من قيمة الفرد، ومحوريّته، وساعد على تنشيطها الإعلام الجديد[9]، بحيث نصبح ونمسي كلّ يوم على عشرات بل مئات السلوكات غير المرغوب فيها تُمارَس تحت شعار: هذه حرّيّتي، هذا شأني الخاصّ، هذه حياتي الشخصيّة...

هذا، مع سيادة منطق الدولة وقوانينها الوضعيّة، وحصريّة سلطتها على مواطنيها في تنفيذ القوانين وتكفّل حقوقهم. ومع ما تشهده المجتمعات الإنسانيّة من تعدّديّة فكريّة ودينيّة وسياسيّة... داخل الدولة أو المجتمع الواحد، وتكسّر الحواجز الجغرافيّة وانفتاح العالم على فضاء كونيّ مشترك. ورفض إجبار الفرد أو تعنيفه لقبول عقيدة أو سلوك معيّن، واعتباره تعدّيًا على حقوق الإنسان...
أمام هذا المشهد، هل، وكيف، ولماذا... يحقّ لبعض الأفراد، ومن منطلق أطروحة دينيّة خاصّة، التدخّل في شؤون أفراد آخرين لتضيّق إرادتهم الحرّة وتحدّد خياراتهم، بأمرهم بـ/ أو نهيهم عن عقيدة أو تصرّف معيّن، قد يصل أحيانًا إلى حدّ المضايقة وممارسة العنف أو إثارة الفزع؟
ولنفترض، أنّ ذلك جائز في المجتمعات التي تسود فيها منظومة دينيّة خاصّة بحكم اختيار الفرد الانتماء إلى ثقافة هذا المجتمع ورؤيته الكونيّة والحقوقيّة، فكيف يصحّ في المجتمعات التعدّدية؟

بل نحفر عميقًا، ونفترض أنّ الفرد يعيش في مجتمع دينيّ أو دولة دينيّة، فهذا أقصى ما ينبغي أن يفيده على ضوء تطوّر مفهوم فقه الدولة والمواطنة، أن يكون المواطن خاضعًا لمنطق القانون، الذي ينحصر تطبيقه بأيدي الأجهزة المختصّة تربويًّا وأمنيًّا وقضائيًّا... دون أن يكون ثمّة حق لعموم الأفراد في الأمر والنهي بما يتضمنه ذلك من تسلّط على الآخرين؟

المحور الأوّل: تحليل مفهوم الأمر والنهي: قراءة أصوليّة
نبدأ المقالة من تحليل الكلمات المفتاحية الأربعة: الأمر، النهي، المعروف، والمنكر، كي يتضح المقصود من مفهوم «الأمر بالمعروف» و «النهي عن المنكر»[10]. فقد عرّف بعض العلماء الأمر بأنّه: «قول القائل لمن دونه في الرتبة: افعل»[11]. والنهي: «قول القائل لمن دونه: لا تفعل»[12].

وعرّفهما آخرون بأنّ: «الأمر: طلب الفعل من الغير على جهة الاستعلاء. والنهي: طلب الترك على جهة الاستعلاء أيضًا»[13]. وقيّده بعضهم بـ«القول»[14]، مُعلِّلًا، أنّ الفعل لا يسمى أمرًا حقيقة، فمن يصلّي ليراه غيره؛ فيصلّي، لا يصدق عليه أنّه أمر بالصلاة حقيقة؛ وكذا في جانب النهي، فضرب الولد بهدف ترك السرقة، ليس نهيًّا حقيقة، بل مجازًا[15].
وقد رفض مشهور متأخّري الأصوليّين[16] إرجاع الأمر والنهي إلى معنى مشترك وهو الطلب مع اختلاف المتعلَّق، مستشهدين بالوجدان اللغويّ، على التباين الذاتيّ بين صيغتي «افعل» و«لا تفعل»، فالأمر طلبيّ ويدلّ على البعث نحو الطبيعة، أمّا النهي فليس طلبًا بل زجر وردع وتبعيد[17].

وما ذُكِر في التعريفين من قيد: «مَنْ دونه» أو «الاستعلاء»، فلإخراج أمرين: الأوّل: السؤال، فهو لا يسمّى أمرًا لأنّه على جهة التسفّل. والثاني: الالتماس، لأنّه على جهة المساواة. وذهب بعض الأصوليّين كالسيّد الخوئيّ والشهيد الصدر إلى أنّ «الظاهر اشتراط العلوّ[18] في صدق الأمر دون الاستعلاء»، أمّا  «طلب المستعلي لا يسمّى أمرًا حقيقة، وإن كان بحسب نظره وادّعائه أمرًا»[19].

ويظهر من السيّد الخمينيّ اعتبار العلو والاستعلاء معًا[20]. أمّا الشيخ لطف الله الصافي، فقد جرّد مفهوم الأمر عن العلوّ أو الاستعلاء، غاية الأمر، أنّه لو صدر الطلب من السافل أو المساوي بداعي تحريك الغير، يذمّه العقلاء لأنّ صدوره منه غير لائق[21].

من الواضح، أنّه بناء على الآراء كلّها، الأمر مأخوذ فيه -سواء بالتضمّن أم القرينة الخارجيّة- نحو من التسلّط على المأمور، والكلام عينه في النهي.

المعروف والمنكر ومجالاتهما
المعروف على مبنى المعتزلة «كلّ ما يحسن في نظر العقل»، وعند الأشاعرة: « كلّ ما يحسن في الشرع»[22]. وقال الشيخ الطوسيّ: «هو ما أوجب الله فعله أو رغّب فيه عقلًا أو شرعًا»[23].
فيشمل المعروف –عند المشهور- ثلاثة مجالات: الواجب، المستحبّ، ترك المكروه. والأمر بالواجب واجب، وبالمستحب مندوب، والنهي عن المكروه مندوب أيضًا. وبما أنّ المنكر ضدّ المعروف، فيُعرَف بما يقابله. لكن، يختص المنكر بما هو حرام، فيكون النهي عنه واجبًا.

وعليه، هل المقصود من الأمر والنهي في باب المعروف والمنكر، خصوص العبارات الإنشائيّة أو الخبريّة، التي يستفاد منها البعث والزجر بالمفهوم الذي شرحه الأصوليّون؟ أم يشمل العبارات التقريريّة والوصفيّة وصيغ الوعظ والإرشاد والنصح والتوجيه التي تحثّ على فعل المعروف وترك المنكر بالتذكير بالجنّة والنار، والثواب والعقاب ...؟  ففي مجال الاعتقاد مثلًا، هل تكفي عبارة: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[24] أم لا بدّ من القول: (لا تشرك بالله) ليصدق النهي عن المنكر؟ وفي مجال العمل، هل تكفي عبارة (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ)[25] ليصدق الأمر بالصلاة؟ أم لا بدّ من: (أقم الصلاة)؟

ثمّة وجهة نظر فقهيّة، أنّ الأمر والنهي مفهومان عرفيّان خاصّان لا إجمال فيهما، يقعان مقابل الأساليب التبليغيّة والدعويّة الأخرى، فكلّ لفظ ـ مثلًا ـ لا يتضمّن معنى الأمر، لا يصدق عليه أمر بالمعروف، وإن كان وعظًا... والشاهد، وجوب الأمر بالمعروف، دون الوعظ، كذلك لو وجب تعليم الجاهل وإرشاده، فهو عنوان مستقلّ عن الأمر والنهي[26]. بل ذهب بعضهم إلى أنّ الإخبار عمّا هو ثابت في لوح الواقع التشريعيّ من واجبات ومحرّمات، كقول: تجب الصلاة في الشريعة، لا يصدق عليه الأمر، بل ينبغي قول: «أقم الصلاة» مثلًا...

فيعتقد الرأي الثاني بمحوريّة المقاصديّة، وأنّه لا خصوصيّة لصيغة الأمر أو النهي، فتكفي كلّ عبارة تحقّق الهدف، أي فعل المعروف أو ترك المنكر، حتى لو كانت وصفيّة، وعظيّة، إرشاديّة...[27]، بل يعتقد الشهيد مرتضى مطهّري أنّ تشكيل المعاهد لتدريس اللغة العربيّة هو جزء من آليّات النهي عن المنكر، باعتبار محاربة اللغة العربيّة من المنكرات التي ينبغي عدم السكوت عليها. ويوسّع الدائرة فيقول: «إنّ الإسلام لا يضع حدًّا معيّنًا يحدّد فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأهداف الإسلاميّة الإيجابيّة بأجمعها تدخل في عداد المعروف، كما أنّ الموضوعات السلبيّة كافّة في الإسلام، تدخل في عداد المنكر، صحيح أنّ مدار البحث في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتلخّص في تعبير الأمر والنهي، لكنّه، ونظرًا للقرائن التي يمكن استنباطها من القرآن الكريم نفسه، واستنادًا إلى الأحاديث الإسلاميّة المؤكّدة، وتأسيسًا على مسلّمات فقهنا الإسلاميّ، وبشهادة التاريخ الإسلاميّ، فإنّ المقصود ليس الأمر والنهي اللفظيّين فحسب، بل إنّ المقصود هو الاستفادة من كلّ الوسائل المشروعة في سبيل تطبيق الأهداف الإسلاميّة وتدعيمها وترسيخها في المجتمعات، وهذه هي الروح الحقيقيّة لواقع موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[28].

وذهب الشيخ السبحانيّ إلى أنّ الأمر والنهي ليسا منطويين على مجرَّد طلب فعل المعروف وطلب ترك المنكر، مستشهدًا على ذلك بأنّ الجهاد حتّى الابتدائيّ[29] وإجراء الحدود والقصاص من مصاديق الأمر والنهي رغم كونهما غير طلبيّين، معلّلًا أنّ «الطلب الإنشائيّ الذي هو من قبيل المفهوم، وإن لم يكن موجودًا في إجراء حدّ القتل والرجم، لكنّه فيه واقعيّة الطلب وحقيقته وأثره، إذ بإجراء هذين الحدّين تنعدم المنكرات واقعًا، ولو بالنسبة للآخرين... وخلاصة القول: إنّ الأثر المطلوب من إجراء الحدود وإن كان منفيًّا بالنسبة إلى الجاني نفسه، ولكنّه موجود بالنسبة إلى المجتمع»[30].

هذا، ويمكن القول، إنّ الألفاظ ليست غاية مستقلّة بحدّ ذاتها في الدلالة على المعاني المطلوبة، بل هي وسائل لتعبير المتكلّم عن مراده الجدّي. قال الشاعر:

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما            جعل اللسان على الفؤاد دليلًا

إلّا أنّ الإنسان كثيرًا ما يستخدم وسائل أخرى للدلالة على المسموح والممنوع، كلغةَ الجسدِBody language، بتحريك الإصبع أو رفع الحواجب، وكالإشارات الضوئيّة والرسوم البيانيّة في قانون السير... إلخ. فاللغة مأخوذة على نحو الطريقيّة لا الموضوعيّة في إيصال المعنى إلى ذهن السامع ليفهم المراد ويرتّب الأثر المطلوب، وأيّ وسيلة عرفيّة أخرى، يستعملها من له سلطة الأمر والنهي بداعي البعث نحو الفعل، تكون أمرًا، أو ينشئها بداعي الزجر، تكون نهيًا. وعليه، يكون الأمر والنهي في باب المعروف والمنكر ليسا إرشاديّين إلى إطاعة أمر الله تعالى ونهيه كما ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، «بل الظاهر من الأدلّة وجوب الأمر والنهي المولويّين تأكيدًا لأمر الله ونهيه»[31].

والنتيجة، أنّ المأخوذ في عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الأمر والنهي بمعناهما العرفيّ المتضمّن لإظهار السلطة والنفوذ. فالذي نرجّحه حسب ظهور الأدلّة هو الرأي الأوّل، فهما عنوان مستقلّ عن عناوين أخرى تساهم في تحقيق الأهداف المشتركة، وثمّة شواهد عديدة في القرآن والسنة على هذا الفهم، منها قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ)[32]، حيث عطفهما على الدعوة إلى الخير، وهو يفيد التغاير، وكذلك الأمر على ما أفاده بعض الفقهاء سابقًا من عدم وجوب الوعظ، فهو عنوان مستقلّ، وإن حقّق الهدف ذاته.

فوحدة الهدف ليست تمام المناط في نظر المشرِّع الإسلاميّ، بل يريد لهدفه أن يتحقّق بوسائل متعدّدة، من جملتها الدعوة أو الوعظ، ومن جملتها الأمر بالمعروف بما يتضمّنه من منطق حزم كأسلوب خاصّ، وهذه سنّة عقلائيّة في التربية، فمثلًا في تربية الطِّفل يكون لنا هدف معيّن، ومع قناعتنا بإمكانيّة التوصّل إليه بالثواب، نسعى لتحقيقه بواسطة أسلوب الأمر غير المقرون بالتعليل أو العقاب؛ لأنّ الأسلوب قد يكون هدفًا وسيطًا منظورًا إليه بذاته أيضًا، لتعويد الطِّفل على عنصر آخر من الأهداف، وهو عدم التمرّد والشعور بسلطة أعلائيّة تضبط تصرّفاته، أو تنمية الشعور بالخوف من عواقب السلوك غير المرغوب فيه عند الطِّفل لكونه مستخفًّا أو لامباليًا.

المحور الثاني: المبنى العقديّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تقوم التشريعات الإسلاميّة على الرؤية الكونيّة الدينيّة التي تشكّل البنية التحتيّة لها، ففهم أيّ أطروحة تشريعيّة كلّيّة أو قضيّة جزئيّة بمنهج يحدّد الهدف، ويرفع الالتباسات ويجيب عن الإشكاليّات، إنّما ينبغي أن يتمّ على ضوء الشبكة المفاهيميّة العامّة للمنطق الإسلاميّ عقيدة، ومفاهيمَ، وقيمًا، وعواطف...، وإذا لم ندخل في الحساب العلاقة العضويّة بين مختلف عناصر الشبكة سيكون ثمة تشوّه وبتر في الوعي بهذه الأطروحة أو تلك خارج صيغتها العامّة، وإذا نُظر إلى عنصر ما لمحاكمته بمعزل عن العناصر الأخرى المساهمة في التصميم، كان ذلك أشبه بالنظر إلى جزء من مبنى صمّمه أبرع المهندسين ليكون غاية في الفنّ والجمال، وإصدار حكم سلبيّ عليه قبل أن يتمّ بناؤه كما أراده المهندس في رسمه للخريطة العامّة[33].

ومن الأصول العقديّة القرآنيّة أنّ الله تعالى خالق كلّ شيء[34]، ويتفرّع عليه مالكيّته له[35]، وبالتالي ربوبيّته، وولايته عليه، (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ)[36].

والولاية على قسمين: تكوينيّة أو حقيقيّة، بمعنى نفوذ إرادة الله في كلّ مراتب الوجود وذرّات الكون، فيحقّ له التصرّف في كلّ شيء بما شاء كيف شاء[37].

والثانية: تشريعيّة أو اعتباريّة، وهي فرع التكوينيّة، «فلو لم تكن هناك مولويّة ذاتيّة لا تثبت الجعليّة أيضًا، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه»[38]، فبما أنّ الناس كافّة، مخلوقون، مربوبون، مملوكون... لله تعالى، تكون إرادته التشريعيّة –وهي تدخل في دائرة التصرّف أيضًا- عامةّ بحقّ جميع أفراد البشر دون مزاحمة، فله سبحانه وتعالى حقّ تنظيم حياة الإنسان وتقييدها بمجموعة من القيم والقوانين، والتصرّف في نفوس الناس وأموالهم، والتسلّط على خياراتهم[39].

وعليه، إنّ مصدر سلطة الأمر والنهي والإلزام هو الله تعالى حقيقة، أصالة، ذاتًا، وحصرًا، دون غيره.
وأفراد البشر جميعًا، أمامه تعالى سواسية، لا ولاية لأحد منهم على الآخر، ولا سلطة له على غيره في بدنه وعقيدته وأمواله وتصرّفاته... ولا تكون سلطة بعضهم على بعض شرعيّة إلّا بترخيص إلهيّ، وإلّا كانت تصرّفًا عدوانيًّا[40].

وتكمن لمّيّة انحصار حقّ الحاكميّة والولاية على البشر بيده تعالى في طبيعة صفاته، فبما أنّ الإنسان (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)[41]، يكون تعالى العالِم بما عليه واقع الطبيعة البشريّة -(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[42]-وخصوصياتها الذهنية والنفسية والوجدانية والجسميّة وحاجاتها الواقعية، وما يوصلها إلى أهدافها الوجودية[43]. وهو تعالى الغني المطلق (إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[44]، المجرّد عن هوى الانتفاع الشخصي من القوانين التي يشرّعها[45].

وعليه، إنّ أوامره ونواهيه تعالى لا تعود بالنفع عليه «إِنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيًّا عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِنًا مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ، لِأَنَّةُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ، وَلاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَه»[46]، بل تخضعان لملاكات المصالح والمفاسد في الأفعال التي توصل الإنسان إلى كماله وسعادته. فأوامره تعالى لا تتعلّق إلّا بما هو عدل وإحسان وخير وصلاح للمجتمع الإنسانيّ، ونواهيه لا ترتبط إلّا بما هو ظلم وفساد وشرّ... (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[47].

في المقابل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ...)[48]، (... وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[49].

هذا، ومن حقّه تعالى، أن يأذن لغيره بالأمر أو النهي ثبوتًا، وقد وقع إثباتًا، سواء أكان في مجال التكوين[50] أم التشريع، فيمنح شخصًا ما كالنبيّ أو الوصيّ سلطة تدبير شؤون الأفراد أو المجتمع والتصرّف في نفوسهم وأموالهم[51]، (ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)[52]، (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )[53]...

المحور الثالث: ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن
تفريعًا على النتائج السابقة، وبلحاظ ما تبنّيناه من معنى تضمّن الأمر والنهي للسلطة والنفوذ، المستلزمان لتضييق حرّيّة الأفراد في مشيئة الفعل أو الترك، والتسلّط على خياراتهم الحياتيّة في هذا الاتجاه أو ذاك، يتوقّف هذا اللون من الممارسة السلطويّة في الأمر والنهي على الولاية الشرعيّة[54]، وإلّا تكون افتراءً (آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)[55]. وثمّة آية في القرآن نستظهر منها أنّها في مقام البيان من هذه الجهة، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...)[56].

وهذا يستلزم شرح مدلول الولاية لننظر كيف يمكن استفادة هذا المعنى. فقد وردت الولاية في المعاجم اللغويّة بمعان متعدّدة، منها: القرابة، النصرة، الأجدر بالتصرف، الأحقيّة، السلطان، الأمارة، السياسة، الملك، القيام بالأمر، الغلبة، التمكّن، المحبّة، الصداقة...[57].

هذا، وقد اختلفوا في المصدر الذي تؤول إليه، فتبنّى بعضهم القرابة، وبعضهم النصرة، وبعضهم السلطنة... واستظهر المصطفويّ أنّ الأصل الواحد في مادّة وليّ هو وقوع شي‌ء وراء شي‌ء مع رابطة بينهما. وأمّا مفاهيم القرب والحبّ والنصر والمتابعة، فهي من آثار الأصل باختلاف الموارد. وذكر من مصاديقه: الولاية بمعنى تدبير أمور الغير والقيام بكفاية جريان حياته ومعاشه، فإنّ الوليّ والمتولّيّ واقع وراء المتولّى عليه، والرابطة بينهما تدبير الأمور والقيام به.... فالوليّ هو المتّصف بالولاية والتدبير. ومنها: مفهوم الأولويّة، وهو الأحرى والأجدر في جهة الوقوع وراء شي‌ء مع وجود الرابطة[58]...

وفي تفسير الآية، أغلب المفسّرين حملوا الولاية في الآية على أحد معانيها اللغويّة دون بيان القرائن والشواهد[59]، فيكون أشبه بالحمل التبرّعيّ، لكن المفترض في فهم الآية محاولة الكشف عن المراد الجدّي لله تعالى من مفردة الولاية بما هي جزء من التركيب العامّ، وليس مجرّد استبدال لفظ «الولاية» بلفظ آخر مرادف له في اللغة، والمراد الجدّي لا يتوقّف على المعنى التصوّريّ اللغويّ فقط، وإن كان له دور في الفهم، لكن الأهمّ النظر إلى طبيعة العلاقة بين مفردات التركيب وعناصره، والشواهد الخارجيّة، وقرائن السياق.

ولا نفهم لماذا لم يتمّ فهم الولاية في الآية في ضوء ربطها بمفهوم آخر يتفرّع عنها، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمعاني التي ذكروها وإن أمكن ربطها به، إلّا أنّها بعيدة عن سياق الآية، فالأمر والنهي بالمعنى الأصوليّ الذي شرحناه، والمأخوذ فيه السلطة والنفوذ والغلبة... يشكّل قرينة نستظهر في ضوئها كون الولاية في الآية بمعنى السلطة والأحقّ بالتصرّف والسياسة والتدبير والقيام بالأمر...، مع مساعدة اللغة عليه، وقال ابن الأثير: «وكأنّ الولاية تُشعِر بالتدبير والقدرة والفعل»[60]، ولنا قرائن عديدة على ذلك في الاستعمال القرآنيّ والعرفيّ، أمّا ما ذكروه من معانٍ كالتناصر، والتوادّ، والتراحم، والتعاضد، والتآخي، والتآلف... فهي من لوازم الولاية بمعنى التصرّف والتدبير أو مقارناتها. وقد استظهر بعض الفقهاء والمفسّرين هذا المعنى من الآية، نذكر بعضها: يقول الشيخ المنتظري: «... والظاهر من الولاية هو سلطة الشخص وأولويّته. فالله تعالى بولايته العامّة على عباده جعل لكلّ مؤمن ومؤمنة حقّ الولاية والسلطة على غيره ليكون له حقّ الأمر والنهي»[61].

ويقول العلّامة الطباطبائيّ: «... ليدلّ بذلك على أنّهم مع كثرتهم وتفرّقهم من حيث العدد ومن الذكورة والأنوثة ذوو كينونة واحدة متّفقة لا تشعّب فيها؛ ولذلك يتولّى بعضهم أمر بعض ويدبّره؛ ولذلك كان يأمر بعضهم بعضًا بالمعروف وينهى بعضهم بعضًا عن المنكر، فلولاية بعض المجتمع على بعض ولاية سارية في جميع الأبعاض دخل في تصدّيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينهم أنفسهم»[62].

ويقول السيّد محمّد باقر الصدر: «يتحدّث عن الولاية وأنّ كلّ مؤمن وليّ الآخرين، ويريد بالولاية تولّي أموره بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه، والنصّ ظاهر في سريان الولاية بين كلّ المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية»[63].
والنتيجة، أنّ أطروحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل ضمن مفهوم الولاية بالتضمّنات التي شرحناها سابقًا، فمن يمارسها ضمن الحدود المأذون له فيها، تكون سلطته على الآخرين مشروعة، وليست تعدّيًا على حرّيّتهم الفرديّة، ولا افتراءً على خصوصيّاتهم وخياراتهم الحياتيّة الشخصيّة...؛ لأنّهم لا يملكون من إرادة التصرّف في ذواتهم وشؤونهم وخصوصيّاتهم وخياراتهم إلّا في حدود الإرادة المولويّة الإلهيّة.

المحور الرابع: الحرّيّة الطبيعيّة-الفلسفيّة والاجتماعيّة-الحقوقيّة
هذا يحيلنا إلى إثارة مسألة الحرّيّة الإنسانيّة، ويمكن تقسيمها[64] إلى: التكوينيّة أو الطبيعيّة، وتعني قدرة الإنسان بأصل الخلقة على الفعل أو الترك، ولا تتقيّد هذه الحرّيّة إلّا بالسنن الطبيعيّة والقوانين الوجوديّة، والبحث عنها فلسفيّ.

والحرّيّة الاعتباريّة-الاجتماعيّة، وهي عبارة عمّا يكفله مذهب اجتماعيّ ما، من حقوق للأفراد، تمكّنهم من القيام بالأفعال التي من شأنها تلبية حاجاتهم وتحقيق رغباتهم في ضوء منظومته العقديّة والقيميّة.

والحرّيّة الاجتماعيّة في الإسلام، لا تعني نفي مطلق سيطرة الغير أو تحرّر الإنسان من كلّ قيد، بحيث يشبع نزعة الحرّيّة الطبيعيّة – التي يلعب تأصّلها في الذات البشريّة دورًا نشطًا في دفعه ليعشق الانعتاق من كلّ القيود، ويرفض أيّ قسر أو  إكراه- على حساب حاجاته ورغباته وأشواقه الأخرى، بل كفلها للأفراد وفق رؤيته الكونيّة، التي تشخّص أنّ رأس هرم حاجات الإنسان والهدف الوجوديّ له هو العبادة والعبوديّة، أي الانسياق مع الشعور الدينيّ الفطريّ بالخضوع لإرادة المتعالي في أوامره ونواهيه، والانجذاب نحو المطلق.
فيوجد تناسب طرديّ وعكسيّ بين الاتصال بالمطلق والخضوع لإرادة المتعالين وبين التحرّر والانعتاق، وبين القطيعة معه وبين اللاتحرّر، فالاتصال بالمطلق المتعالي يحرِّر الإنسان من كلِّ سلطة لغير الله تعالى، فلا يكون «من حقّ أيّ قوّة في الكون أن تتصرّف في مصيره، وتتحكّم في وجوده وحياته...»[65]، فينعتق من سيطرة الأرباب والآلهة المصطنعة التي تمثّلت في التاريخ بصورة مختلفة، الأصنام[66]، الكواكب والنجوم[67]، الأحبار والرهبان، الأنبياء[68]، السلاطين والزعماء[69]، وخصوصًا أمّ الأصنام صنم النفس، بتأليه الذات (اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)[70]، وتقديس الأنا.

وهذا ما يمكن فهمه من بعض النصوص الدينيّة، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قال: «من ترك الشهوات كان حرًا»[71].

وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ صاحب الدِّين... رفض الشهوات فصار حرًّا»[72].
والنتيجة، أنّ الحرّيّة الاجتماعيّة لا تعني إرادة الإنسان في التصرّف في ضوء قناعاته الذاتيّة، ورغباته الخاصّة، وأهوائه الشخصيّة، وما ينتخبه من خيارات حياتيّة، على مستوى العقيدة، والأخلاق، والمشاعر، والسلوك... بل توظيف إرادته وحرّيّته الطبيعيّة بما يتطابق مع الإرادة التشريعيّة الإلهيّة. وفي هذا السياق، يأتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدعم الفرد ومساندته في أن يتصرّف في ضوء إرادة المتعالي، وتأمين البيئة الحاضنة له للارتباط بالمطلق، والتحرّر من القيود والأغلال المصطنعة كلّها. (... أْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ)[73].

المحور الخامس: المحرّكات العاطفيّة للأمر بالمعروف في بناء المجتمع الصالح
يقوم الأمر بالمعروف في جوهر مقاصديّته –كما أشرنا- على تنشيط التفكير الإيجابيّ، وتثوير الفكر الإصلاحيّ، واستنهاض الروح الثوريّة، وتنمية النقد البنّاء، وتنشيط الواجب الأخلاقيّ، وتفعيل مجموعة من العواطف الإنسانيّة (التضامن، التناصر، التعاضد، التبارّ، التوادّ، والتراحم...)، والتي تُعلي جوانيّة الإنسان الإحساس بمحوريّة الأنا الاجتماعيّة، بل الأنا الكونيّة في الرؤية الخلاصيّة، مضادًا حيويًّا لكلّ ما هو رهبانيّة، قعود، عزلة، تقوقع، تقاعس، تكاسل، لامبالاة، إهمال، ونرجسيّة...
فثمّة سفينة مشتركة يركبها أفراد المجتمع البشريّ كافّة، تعترض إبحارهم اضطرابات مناخيّة، وأمواج متراكمة، وظلمات ورعد وبرق... تهدّد حياتهم، فلو دار قطب رحى كلّ منهم حول محوره الخاصّ، غاضًّا الطَرْف عن الغير، فسيغرق ومن معه. أمّا لو عاش كلّ عضو همّ المجموع، وساهم قدر سعته في عمليّة الإنقاذ، فثمّة فرصة كبيرة لتحقيق الهدف والنجاة[74].

ويمكن أن نستوحي هذا المعنى مما رُوي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، عن النعمان بن بشير، أنّه قال: سمعت عن النبيّ، قال: «مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهمّوا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا؛ هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم؛ نجوا جميعًا»[75].

هذا، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): «... فإنّهم (أي الناس) صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق»[76].

ومقتضى عقد الأخوّة الإيمانيّة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)[77]، ومبدأ النظائريّة الخَلقيّة التي تؤكّد الوحدة العضويّة للنوع الإنسانيّ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ)[78]، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويعضد ذلك، تركيز النصوص الدينيّة على طبيعة هذه الوحدة العضويّة للمجتمع الإيمانيّ:
عن الإمام الصادق(عليه السلام): «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئًا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتصالًا بروح اللَّه من اتصال شعاع الشمس بها»[79].

وعنه(عليه السلام): «المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمّى»[80].

يشرح بعض الأطبّاء هذا الحديث بأنّه إذا أصيب أيّ عضو من أعضاء جسم الإنسان بمرض أو جرح... فإنّه يصدر شكوى عصبيّة حسّيّة على هيئة استغاثة إلى الدماغ، فيصدر الدماغ أمرًا لباقي الأعضاء المتحكّمة في عمليّات الجسد بإسعاف العضو المصاب وإغاثته، فيدعو بعضها بعضًا.. فمراكز الإحساس تدعو مراكز اليقظة والتحكّم في المخّ،‏ وهذه تدعو بدورها الغدّة النخاميّة لإفراز الهرمونات، التي تدعو باقي الغدد الصمّاء لإفراز هرموناتها، التي تدعو وتحفّز جميع أعضاء الجسم لنجدة العضو المشتكي‏. ومعنى التداعي هنا أن يتوجّه كلّ جزء في الجسد بأعلى قدر من طاقته لنجدة المشتكي وإسعافه‏... وهي صورة من صور التعاون الجماعيّ، لا يمكن أن توصف بكلمة أبلغ من التداعي‏[81]‏.‏

ومن باب التقريب، كما أنّه حال انتشار وباء معدٍ مثل كوفيد 19، يحقّ للأفراد أن يتدخّل بعضهم في زجر الآخرين عن الإضرار بالأمن الصحّيّ للمجتمع، بحيث لا يحقّ لحامل الفيروس -تحت شعار الحرّيّة- التجوّل والتنقّل كما يشاء. وكما لا يحقّ لشخص أن يقوم بحرق إطارات السيّارات على الشارع العام ملوِّثًا البيئة ومتعدّيًا على الأمن الصحّيّ للناس. كذلك حال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو عمليّة تداعي أبناء المجتمع الإيمانيّ أو الإنسانيّ لوقاية المجتمع وحمايته ومعالجته من كلّ الأمراض العقائديّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة... فيحقّ لأفراد المجتمع أن يتدخّل بعضهم في شؤون من تعارض خياراته الحياتيّة الأمن الأخلاقيّ وتلوث البيئة الروحيّة لبناء المجتمع الصالح.

المسؤوليّة الاجتماعيّة والاختيار الفرديّ
فثمّة خيط دقيق جدًّا، يفصل بين الحرّيّة الشخصيّة والخصوصيّة وبين الفوضى والعبثيّة، يكمن في إرادة الانتماء، خصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الخيارات الفرديّة لا تعبِّر عن حالة خاصّة بصاحب الاختيار، بل تمتدّ تأثيرات اختياره إلى الآخرين الذين يحتكّون به ويتفاعلون معه وينفعلون عنه، فالأفراد الذين يتشاركون وحدة الحياة ليسوا عناصر فاعلة، بل سلبيّة منفعلة أيضًا، فلسان حال كلّ فرد: ما اخترته هو الأفضل، وكأنّه في مكان ما دعوة الغير إلى خيارات الذات بطريقة سلبيّة صامتة، لأنّ من يختار شيئًا لنفسه بالذات، كأنّه يفترضه خيارًا للآخرين بالواسطة.

وقد تنبّه الفيلسوف الوجوديّ الفرنسيّ جان بول سارتر، إلى هذه النقطة الحيويّة في الفهم الفلسفيّ للخيارات الفرديّة الحرّة وعلاقتها بالمسؤوليّة الاجتماعيّة الإنسانيّة العامّة، حيث يقول: «عندما نقول إنّ الإنسان مسؤول عن نفسه، لا نعني أنّ الإنسان مسؤول عن وجوده الفرديّ فحسب، بل هو بالحقيقة مسؤول عن جميع الناس وكلّ البشر... عندما نقول إنّ الإنسان يختار نفسه بنفسه، نعني بالتالي أنّ الإنسان الذي يختار نفسه إنّما يختار تبعًا لذلك جميع البشر.

وفي الواقع، إن كلّ عمل نقوم به يخلق الرجل الذي نريده، ويخلق بنفس الوقت الرجل الذي نرغب في أن نكونه، فإذا اختار الإنسان أن يكون شيئًا معيّنًا، فهو بذلك يؤكّد قيمة اختياره، لأنّه لا نستطيع أبدًا أن نختار الشر. إنّ ما نختاره لا يكون إلّا الخير، ولا خير في نظرنا إذا لم يكن خيرًا للجميع»[82].

ضابط احتمال التأثير وخلق بيئة غير آمنة للمعصية
وفي هذا السياق، نرجّح أنّ ضابط احتمال التأثير الذي شرطه الفقهاء في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يحتاج إلى قراءة مختلفة، إذ نستظهر من الأدلّة أنّه ليس المطلوب في الأمر أو النهي خصوص عمليّة التأثير المباشر في هذا الفرد الخاصّ أو ذاك ليترك هذا السلوك الجزئيّ أو ذلك، بل ثمّة هدف يرتبط بالاجتماع العام، وهو خلق بيئة غير آمنة للعصيان، أي إشعار المُقبِل على المعصية بالقلق النفسي والتوتر وعدم الراحة، بحيث لا تسيطر على المناخ العام حالة من الاطمئنان والانسيابيّة في ارتكاب المعصية، على الأفراد كلّهم تسجيل اعتراضهم وإبداء انزعاجهم وإظهار استيائهم حتّى مع عدم احتمال التأثير في هذا الفرد أو ذاك، لا أن يعيشوا «عقليّة المشاهد»، تحت شعار اللاتأثير بذريعة عدم اكتراث العاصي ولا مبالاته، بل أن يكون لسان حال ومقال كلٍّ (قال إني لعملكم من القالين)[83].

يعلّق السيّد علي السيستانيّ على مذهب المشهور بقوله: «ولكن لا يُترك الاحتياط بإبداء الانزعاج والتذمّر وإظهار الكراهة والاستياء والتنفّر، فعلًا أو قولًا، لتركه المعروف أو ارتكابه المنكر، ولو مع عدم احتمال تأثيره فيه والارتداع به»[84].

وتتأكّد هذه القضيّة تجاه الأفراد الذين اختاروا الانتماء إلى الحركة الإيمانيّة بإرادتهم الحرّة؛ إذ حينها يصبح الاختيار في مشيئة الفعل أو الترك محكومًا بسقف المنظومة العقائديّة والقيميّة والتشريعيّة التي ينتمي إليها المُريد، وإلّا لزم من وجودها عدمها، وانقلبت الحرّيّة إلى فوضى وعبثيّة، وهذا لا يعني أن لا يكون الآخر الواقع خارج هويّة الأمّة ليس موضوعًا للأمر والنهي، بل هو كذلك بلحاظ آخر، وهو ضرورة التفاعل الإيجابيّ مع خيار إرادة الانتماء إلى الأمّة الإسلاميّة كونها (خير أمّة) و (خير البريّة)[85].

وبهذا الفهم، يفيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّ كلّ فرد في المجتمع الإيمانيّ خصوصًا والإنسانيّ عمومًا ليس –فقط- مسؤولًا عن خلاصيّة ذاته، وليس معنيًّا –فقط- بتربية نفسه لإيصالها إلى سعادتها وكمالها الطبيعيّ اللائق بحالها، بتغليب محوريّة النزعة الفرديّة الليبراليّة التي تقود إلى محوريّة الأنا، بل مسؤول عن خلاص الآخرين، وتكميل نفوسهم، بمساندتهم ودعمهم على تحقيق الأهداف الوجوديّة التي هي مقتضى كمال طبيعتهم[86].

فالإسلام لم يُرد لأبناء المجتمع الإنسانيّ الواحد أن يعيشوا في جزر منعزلة[87]، بحيث لا يشارك أحدهم الآخر أهدافه الوجوديّة من الناحية العمليّة، ولا يعنيه ما يؤول إليه أمره في معاده، بل أقام بناءه على أساس التشارك والتفاعل والإحساس بالمسؤوليّة والتكافل والتعاضد والتعاون...، هذه الروحيّة المقاصديّة المجتمعيّة واضحة في التشريعات الإسلاميّة، خصوصًا العبادات وما يشمّ منه رائحة العبادة، كصلاة الجماعة، والاجتماع الأكبر في الحج، والمشاركة في تشييع الجنائز... فجميعها تهدف إلى أن يكون المؤمن، بل الإنسان مطلقًا عنصرًا إيجابيًّا مساهمًا في بناء المجتمع الإنسانيّ الصالح والعادل في حركة التمهيد والانتظار الإيجابيّ لظهور ولي العصر الإمام محمّد بن الحسن المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

بناء النموذج الحضاريّ العالميّ
هذا، وإذا نظرنا إلى مفهوم «الأمّة» بالمنطق القرآنيّ الموصوفة بأنّها «خير أمّة»، مع تقييد هذه الخيريّة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون لمدلول الآية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[88] مقصودان[89]:

الأوّل: يتعلّق بذات الأمّة وهويّتها، أي لزوم أن تعدّ الأمّة ذاتها وتبني هويّتها في مختلف الميادين الفكريّة والأخلاقيّة والحقوقيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والماليّة... لتصبح نموذجًا حضاريًّا عالميًّا، أي (خَيْرَ أُمَّةٍ ) و (خَيْرَ البَرِيَّة ).

والثاني: يتعلّق بالآخر (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، فإذا نجحت الأمّة في عمليّة البناء الداخليّ لهويّتها الحضاريّة على ضوء معطيات الوحي الدينيّ، وتكوين المجتمع المستقيم العادل الصالح القويّ المتمكّن من القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي بهذه الخيريّة الذاتيّة تحقّق الشرط الموضوعيّ للنموذج الحضاريّ الإنسانيّ الذي يمكن أن يحاكيه الآخرون في تحقيق سعادتهم، وتُقدِّم رسالتها الإلهيّة إلى الآخرين على ضوء جاذبيّة النموذج السلوكيّ الذي يحبِّب الإيمان إلى الناس ويزيّنه في قلوبهم فيكرهوا نماذج الكفر والفسوق والعصيان.

وعلى ضوء هذا الفهم أيضًا، أجاب المفسّرون عن الإشكاليّة التي طرحها بعضهم حول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)[90]، من أنّها تفيد أنّ الإنسان المهتدي عليه بنفسه وليس له أن يتدخّل في شؤون الآخرين، وهي تدلّ على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال الطبرسيّ: «إنّ هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛ لأنّ الله تعالى خاطب بها المؤمنين فقال: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) يعني: عليكم أهل دينكم، كما قال:  (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)»[91][92].

فمفردة «أنفسكم» الواردة في الآية لا يقصد بها الأفراد على نحو انحلاليّ، بل يُراد بها عموم المؤمنين على نحو المجموع؛ لأنّ المجتمع الإيمانيّ هو بمنزلة النفس الواحدة، فيكون المعنى يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضلّ بصرفكم عن القيام بمسؤوليّة هداية أنفسكم بأمر بعضكم بعضًا بالمعروف ونهي بعضكم بعضًا عن المنكر كي يتحقّق مجتمع الهداية[93].

المحور السادس: دور النهي عن المنكر في السنن الاجتماعيّة والتاريخيّة
هذا مضافًا إلى عنصر آخر يشكّل خطورة فائقة، وهي دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القوانين التاريخيّة والسنن الاجتماعيّة على ضوء الرؤية القرآنيّة، خصوصًا في بعده المجتمعيّ والحكومتيّ، حيث تؤكّد على الربط العلّي الأكيد بين أمرين:

الأول: المجتمع الصالح، المستغفر، المستقيم، القائم بالقسط، الحاكم بالعدل، المُقيم للكتب الإلهيّة...، من جهة، وبين المدد الغيبيّ وتفجّر الأرض بثرواتها وخيراتها وتفتّح السماء ببركاتها.
والثاني: بين مجتمع الظلم، الفساد، الترف، السوء، الفسق، الإجرام.... وبين الهلاك والعذاب والأخذ...

ومن مصاديق الأوّل، على لسان النبيّ نوح(عليه السلام): (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)[94].

يعلّق العلّامة الطباطبائّي على الآية: «... لمغفرة الذنوب أثر بالغ في رفع المصائب والنقمات العامّة وانفتاح أبواب النعم من السماء والأرض أي أنّ ثمّة ارتباطًا خاصًّا بين صلاح المجتمع الإنسانيّ وفساده؛ وبين الأوضاع العامّة الكونيّة المربوطة بالحياة الإنسانيّة وطيب عيشه ونكده»[95]. ويقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)[96] (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا)[97] (وَلَو أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)[98].

يعلّق السيد محمد باقر الصدر على هذه الآيات الثلاث بقوله: «هذه الآيات الثلاث تتحدث عن علاقة معيّنة هي العلاقة بين الاستقامة وتطبيق أحكام الله سبحانه وتعالى، وبين وفرة الخيرات وكثرة الإنتاج»[99].  ومن مصاديق الثانية: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)[100] (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ)[101] (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[102] (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)[103] (مَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا)[104]. ومن مؤشّرات قياس المجتمع الصالح هو القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى: (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)[105]، فلم يشهد لهم بالصلاح إلّا بضميمة هذه الوظيفة وإضافتها.

وقد ربط الله تعالى نجاة المجتمع ورفع العذاب والهلاك عنه بالنهي عن المنكر والسوء والفساد، (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ* فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)[106] (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[107]. وقد طرد الله تعالى عن باب رحمته الجماعات التي لم يتحمّل أفرادها حسّ مسؤوليّة بعضهم في التناهي عن المنكر[108]، (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ*كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)[109].

وثمّة أحاديث وروايات كثيرة تفيد هذا المعنى، منها:
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء»[110].

وعن أمير المؤمنين في بعض خطبه: «إنّما هلك من كان قبلكم، حيث عملوا بالمعاصي ولم ينههم الربانيّون والأحبار عن ذلك، وإنّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيّون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر»[111].

الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه
تبقى نقطة أخيرة في هذا المحور، تتعلّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الرضا، فثمّة آيات وروايات كثيرة تفيد أنّ الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم؛ ولذا عاقب الله سبحانه وتعالى أممًا سابقة بسبب الرضا، بنسبة الذنب القائم به الفرد إلى الجماعة الراضية بفعله، وقد صنّف بعض المحدّثين في موسوعاتهم الروائيّة بابًا خاصًّا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت عنوان: «باب وجوب إنكار المنكر بالقلب على كلّ حال، وتحريم الرضا به ووجوب الرضا بالمعروف».

من هذه الروايات: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه، وعلى كل داخل في باطل إثمان : إثم العمل به، وإثم الرضا به»[112].  وعنه(عليه السلام): «أيها الناس! إنّما يجمع الناس الرضا والسخط، وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا»[113].
وعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا(عليه السلام): «... ومن رضى شيئًا كان كمن أتاه، ولو أنّ رجلًا قُتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزّ وجلّ شريك القاتل ...»[114].

المحور السادس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الشمول والتقييد
ذهب المشهور إلى كونها كفائيّة، واحتجّ السيّد المرتضى[115] بأنّ الهدف هو وقوع الحسن وارتفاع القبيح، ولم يتعلّق بإيقاعه من مُباشِر بعينه، فإذا تحقّق الهدف بأيّ شخص كان، يكون توجّه الأمر بهما إلى الآخر عبثًا، وهو قبيح عقلًا وشرعًا.

واختار الشيخ الطوسيّ العينيّة مستدلًّا بعموم الآيات والأخبار[116].  ومال الشيخ الجواهريّ، إلى التفصيل، بين الإنكار القلبيّ فهو عينيّ، أمّا غيره فكفائيّ[117].  وقد دعم كلٌّ منهما وجهة نظره بقوله تعالى: (لْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[118]. فبعد الاتفاق على الوجوب في الجملة بمقتضى مفردة: «ولْتَكُن»، فالظاهر أنّ اللام للأمر وليست للإضافة، والأمر ظاهر في الوجوب، ثمّة قراءتان:

الأولى: أنّ «من»  في (منكم) بيانيّة، ومعناها «لزوم كون المجتمع بهذا الاجتماع الصالح أمّة يدعون إلى الخير، فيكون الخطاب إلى عامّة المكلّفين»[119].

والثانية: أنّ كلمة «من» تبعيضيّة، مفادها تعلّق الوجوب ببعض الأمّة، مع سكوت الآية عن بيان هويّة من هو هذا البعض.

واعتبر العلّامة الطباطبائّي أنّ البحث في كونها تبعيضيّة أو بيانيّة لا يرجع إلى ثمرة محصّلة؛ لأنه بعد حصول الهدف من الأمر والنهي بالبعض، فإن كان الخطاب في الآية للبعض فهو ذاك، وإن كان للكلّ كان أيضًا باعتبار البعض[120].

وأيّد السيّد عبد الأعلى السبزواريّ والسيّد صادق الروحانيّ وجهة النظر هذه، بناء على تحليلهما للواجب الكفائيّ بالمعنى الأصوليّ[121].
وسواء أكانت عينيّة أم كفائيّة، الذي يهمّنا في المسألة، أنّ ولاية الأمر بالمعروف غير مختصّة ببعض أفراد المجتمع الإيمانيّ أو بصنف خاصّ من الناس دون غيرهم، «بل يجب –كما يقول السيّد علي السيستانيّ- عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء وغيرهم، والعدول والفسّاق، والسلطان والرعية، والأغنياء والفقراء، ولا يسقط وجوبه ما دام كون الشخص تاركًا للمعروف وفاعلًا للمنكر ...»[122].

وعليه، لا يحقّ للإنسان –ولو كان فاسقًا- أن يتخلّى عن القيام بواجبه الأخلاقيّ ويعطّل الروح الثوريّة في عمليّة الإصلاح والتغيير، ويجمّد حسّ المسؤولية الاجتماعيّة تحت شعار أنّه غير عادل أو غير ورع[123]، «لأنّ الواجب على فاعل الحرام المُشاهِد فعلَه من غيره، أمران: تركه، وإنكاره، ولا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر، كيف ولو شرط ذلك لاقتضى عدم وجوب ذلك إلّا على المعصوم، فينسدّ باب الحسبة بالكلّيّة»[124]. بل هذه الروحيّة قد تدفعه إلى تغيير ذاته، لأنّ التطبّع قنطرة الطبع. نعم، لا شكّ في أنّه لو لم تكن العدالة شرط وجوب إلّا أنّها شرط كمال وشرط تأثير، فلو كان القائم بهما متحلّيًا بالتقوى والورع والعدالة، بحيث يأمر بما يأتمر به، وينتهي عمّا ينهى عنه[125]، لكانت قوّة تأثير أمره ونهيه أشدّ في نفوس الآخرين، فيتفاعلون إيجابًا معه ثقة بصدقه، لأنّه يقدّم بالنموذج السلوكيّ ما يمكن للآخرين محاكاته. عن الإمام الصادق(عليه السلام): « إنَّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، وتارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، ورفيق فيما ينهى»[126].

وإلّا سيكون حاله كما قال أبو عثمان البحريّ:
وغير تقيٍّ يأمرُ الناسَ بالتٌّقى       طبيبٌ يداوي الناس وهو عليلُ

ونِعَم ما قال أبو الأسود الدؤليّ شعرًا:
أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُ                        هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ                      كَيْمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ

وَأَرَاكَ تُصْلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا                   أَبَدًا وَأَنْتَ مِنَ الرَّشَادِ عَقِيمُ

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ                     عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا                   فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ يُقْبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَى                   بالعِلْمِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ

ويتأكّد الأمر أنّ هذه الضمانة الأخلاقيّة الذاتيّة لممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنشّط مجموعة من القيم الأخلاقّية التي تحافظ على صفاء هذه الفريضة في الممارسة والتطبيق، فتمنع القائم بها من التعدّي على الآخرين وحفظ حدود الله فيهم، امتثالًا لقوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[127]. كما أنّه حينها سيمارس الأمر والنهي برفق فيحقّق الأهداف المطلوبة[128]، فـ»من كان رفيقًا في أمره، نال ما يريد من الناس» –كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) [129]، ويقول تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [130]. وهذا يعني أنّه ثمّة تباينًا ذاتيًّا بين الحزم والقوّة والتمكّن المطلوبة في الأمر والنهي وبين الفظاظة والغلظة والقسوة.

كما أنّه، سيتمتّع بالثبات الانفعاليّ والحلم والصبر، فيكون قادرًا على تحمّل الضغوطات وما يواجهة من صعوبات وتحدّيات[131]، فلا ينهزم، وييأس، وينسحب من الفضاء العام. ولعلّ هذا ما يشير إليه لقمان الحكيم في قوله: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[132] حيث عقّب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأمره بالصبر على ما يصيبه.

حرمة التجسّس والتلصّص على خصوصيّات الناس
كما أنّه، سيحرّم على نفسه التجسّس على الناس والتلصّص على خصوصيّاتهم وتتبّع عثراتهم تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[133]، فالإسلام كفل للمتستّر بالمعصية الستر وعدم الفضيحة فـ «الله ستير يحب الستر»[134]، فالمنكر الذي هو مورد النهي في الإسلام هو ما يمارسه الإنسان في الفضاء المفتوح، لا بين جدران منازله.

قال الجرجانيّ في شروط الأمر بالمعروف: «...(وثانيهما عدم التجسّس والتفتيش) عن أحوال الناس (للكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فقوله تعالى: (ولا تجسَسوا)[135] وقوله (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)[136] فإنّه يدلّ على حرمة السعي في إظهار الفاحشة، ولا شكّ أنّ التجسّس سعي في إظهارها (وأمّا السنة، فقوله(عليه السلام): «من تتبّع عورة أخيه تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته فضحه على رؤوس الأشهاد الأوّلين والآخرين». وقوله(عليه السلام): «من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليسترها» (بستر الله...) وعلم من سيرته(عليه السلام) أنّه كان لا يتجسّس عن المنكرات، بل يسترها، ويكره إظهارها، جعلنا الله ممن اتبع الهدى واقتدى برسول الله...»[137].

المحور السابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الفردانيّة والحكومتيّة
وعطفًا على ما تقدّم، تبقى نقطة أخيرة، وهي أنّنا نميل إلى ما تبنّاه بعض الفقهاء والمتكلّمين من انقسام هذه الفريضة إلى قسمين:
انفراديّ: موجّه إلى آحاد الأفراد، مما لا يحتاج إلى جهاز حكوميّ خاصّ وسلطة تنفيذيّة قادرة متمكّنة، كما في آية (بعضهم أولياء بعض).

واجتماعيّ-حكومتيّ: موجّه إلى السلطة المتمكّنة التي بيدها إدارة شؤون المجتمع وتدبير أموره النظاميّة لتطبيق القوانين التي تحفظ المصالح العامّة، ولا يجوز لآحاد المسلمين بما هم أفراد التصدّي له إلّا بإذن السلطة الحاكمة. ويمكن استظهاره من قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ)[138]، بقرينة كون التمكين في الفهم العرفيّ يفيد معاني: القدرة، السلطة، الاستقرار، الثبات، القوّة، العظمة، الشدّة. وفي المنطق القرآنيّ يفيد التمكين في الأرض معنى السلطة القادرة على إنفاذ أوامرها ونواهيها على أفراد المجتمع، كما في قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ)[139]، وقوله: (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍۢ مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ)[140]، (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ)[141]، بغضّ النظر عن الفرق بين مكنّاه أو مكنّا له...، ويمكن دعم وجهة النظر هذه ببعض الروايات، منها:

عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «... أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام، مع ردّ المظالم، ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها»[142].

وعن أبي جعفر(عليه السلام): قال : « إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر»[143].
هذا الفهم لطبيعة هذه الفريضة نلمسه بوضوح في نصوص بعض قدماء المتكلّمين والفقهاء، نكتفي منها بنصّ القاضي عبد الجبار المعتزليّ (ت 415ه): «إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضربين: أحدهما: ما لا يقوم به إلّا الأئمّة.

والثاني: ما يقوم به كافّة الناس.
أمّا ما لا يقوم به إلّا الأئمّة، فذلك كإقامة الحدود، وحفظ بيضة الإسلام، وسدّ الثغور، وتنفيذ الجيوش، وتولية القضاة والأمراء، وما أشبه ذلك.
وأمّا ما يقوم به غيرهم من أفناء الناس، فهو كشرب الخمر، والسرقة، والزنا، وما أشبه ذلك. ولكن إذا كان هناك إمام مفترض الطاعة فالرجوع إليه أولى»[144].
ومن أراد التفصيل، فقد بحثه بنحو وافٍ بعض العلماء المعاصرين كالشيخ جعفر السبحانيّ[145]، والسيد صادق الروحانيّ[146]، والشيخ المنتظري[147]، والشيخ محمّد مهدي شمس الدين[148]، وغيرهم، بغض النظر عن الاختلافات في تفاصيل الرؤية الاجتهاديّة حسب المباني الفقهيّة بالنظر إلى ولاية الفقيه وفقه الدولة.
والبحث عن هذا الجانب المتعلّق بفقه الدولة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالغ الأهمّيّة، يحتاج إلى دراسة مستقلّة، لعلّنا نوفق لنشرها في فرصة أخرى.

لائحة المصادر والمراجع
ابن الأثير، المبارك بن محمّد الجزريّ، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان، قم، ط4، 1364هـ.ش، ج5.
ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدّمة ابن خلدون (وهي مقدّمة الكتاب المسمّى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر)، منشورات محمّد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1993م.
ابن شعبة الحرّاني، الحسن، تحف العقول عن آل الرسول، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، قم، 1404هـ، ص237.
ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السّلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلاميّ، قم، 1404هـ، ج6. الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1987م، ج6.
ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التراث العربيّ- مؤسّسة التاريخ العربيّ، بيروت، اعتنى بتصحيح أمين محمد عبد الوهاب ومحمّد الصادق العبيدي، ط2، 1418هـ-1997م، ج15.
الأحسائيّ، محمّد بن أبي جمهور، كشف البراهين في شرح رسالة زاد المسافرين، تحقيق الشيخ وجيه بن محمد المسبح، مؤسّسة أم القرى للتحقيق والنشر، بيروت، ط1، 1422هـ.
الإيجيّ، عبد الرحمن، والجرجانيّ، عليّ بن محمّد، شرح المواقف، ويليه حاشيتا السيالكوتي والجلبيّ، عني بتصحيحه السيد محمّد بدر الدين النعمانيّ الحلبيّ، منشورات الشريف الرضيّ، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1325هـ-1907، ج8.
بحوث في الملل والنحل، الدار الإسلاميّة، بيروت، ط2، 1411هـ-1991م، ج3.
البخاريّ، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاريّ، دار الفكر، 1401هـ-1981م، ج3، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه.
التفتازانيّ، مسعود بن عمر، شرح المقاصد، تحقيق وتعليق عبد الرحمن عميرة، منشورات الشريف الرضي، ط1، 1409هـ-1989م، ج5.
التوحيديّ التبريزيّ، محمّد عليّ، مصباح الفقاهة، تقرير أبحاث السيّد أبو القاسم الخوئيّ، مكتبة الداوريّ، قم، 1377هـ.ش، ج3.
الجرجانيّ، عليّ بن محمّد، التعريفات، وضع حواشيه وفهارسه محمّد باسل عيون السود، منشورات محمّد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 2000م، باب الألف/277.
الحلّيّ، الحسن بن يوسف، مناهج اليقين في أصول الدين، تحقيق يعقوب الجعفريّ المراغيّ، دار الأسوة للطباعة والنشر، منظّمة الأوقاف والشؤون الخيريّة مركز الدراسات والتحقيقات الإسلاميّة، ط1، 1415هـ.
حنفي، حسن، من العقيدة إلى الثورة – التاريخ المتعيّن (الإيمان والعمل والإمامة)، المركز الثقافيّ العربيّ، دار التنوير، بيروت، ط1، 1988م، ج5، الفصل:12/5.
الخمينيّ، روح الله، جنود العقل والجهل، تعريب أحمد الفهري، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت، ط1، 1422هـ-2001م.
الخمينيّ، روح الله، مناهج الوصول إلى علم الأصول، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ، ط1، مطبعة مؤسّسة العروج، 1414هـ، ج2.
الروحانيّ، محمّد صادق، فقه الصادق، مؤسّسة دار الكتاب، قم، 1412، ط3، ج19.
سارتر، جان بول، الوجوديّة مذهب إنسانيّ، قدّم له الدكتور كمال الحاج، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت-لبنان، 1983م.
السبحانيّ، جعفر، مفاهيم القرآن، معالم الحكومة الإسلاميّة، بقلم جعفر الهادي، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1405هـ-1984م، ج2.
السبزواريّ، السيّد عبد الأعلى، مواهب الرحمن في تفسير القرآن، مؤسّسة المنار، ط3، 1418هـ، ج6.
سلّطنا الضوء على هذه النقطة بالتفصيل في كتابنا: المباني الفكريّة لوسائل التواصل الاجتماعيّ، المبحث الرابع: الديموقراطيّة الرقميّة والفردانيّة، مركز المعارف للدراسات الثقافيّة، بيروت، ط1، 2021م.
السيستانيّ، علي، منهاج الصالحين، دار المؤرخ العربيّ، بيروت، ط14، 1429هـ-2008م، ج1، مسألة:1272.
السيوريّ، المقداد بن عبد الله، الباب الحادي عشر مع شرحيه النافع يوم الحشر لمقداد بن عبد الله السيوريّ، ومفتاح الباب لأبي الفتح بن مخدوم الحسينيّ، حققه وقدم عليه الدكتور مهدي محقق، مؤسّسة جاب وانتشارات، مشهد-إيران، 1376هـ.
الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح الشيخ محمّد عبده، دار المعرفة للطباعة النشر، بيروت، خطبة 374، ج4،.
شمس الدين، محمّد مهدي، الاجتهاد والتجديد في الفقه الإسلاميّ، المؤسّسة الدوليّة، بيروت، ط1، 1419هـ-1999م.
الشيرازيّ، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، قم، ط1، 1425هـ، ج1.
الصافي الكلبايكانيّ، لطف الله، بيان الأصول، ج1، الأمر6: مقصد:1، فصل:1، الجهة الثانية: اعتبار العلو والاستعلاء.
الصدر، محمّد باقر، اقتصادنا، دار التعارف، بيروت، 1411هـ-1991م. وشمس الدين، محمّد مهدي، في الاجتماع السياسيّ الإسلاميّ، دار الثقافة للطباعة والنشر، إيران، ط1، 1414هـ-1994م.
الصدر، محمّد باقر، الإسلام يقود الحياة، خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1410هـ-1990م.
الصدر، محمّد باقر، المدرسة القرآنيّة، تقديم زكي الميلاد، دار الكتاب المصريّ-القاهرة، دار الكتاب اللبنانيّ-بيروت، 2011م.
الصدر، محمّد باقر، مقدمات في التفسير الموضوعيّ للقرآن، دار التوجيه الإسلاميّ، بيروت.
الصدر، محمّد، ما وراء الفقه، مطبعة الآداب، النجف، 1993م، ج2، قسم2.
الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه، عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تصحيح وتعليق وتقديم: حسين الأعلميّ، بيروت، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، 1404 - 1984م، ج2.
الطباطبائيّ القمّيّ، السيد تقي، مباني منهاج الصالحين، إشراف عباس الحاجيانيّ، دار السرور، بيروت، 1418هـ-1997م، ج7.
الطباطبائيّ، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، قم، ج6.
الطوسيّ، محمّد بن الحسن، الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، دار الأضواء، بيروت، ط2، 1406هـ-1986م.
الطوسيّ، محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العامليّ، ج5. ومجمع البيان، ج5.
الطوسيّ، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1364ش، ط3، ج6.
عبد الجبار بن أحمد الهمدانيّ، المعروف بالقاضي عبد الجبار المعتزليّ، شرح الأصول الخمسة، تعليق أحمد بن الحسين بن هاشم، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، ط1، 1422هـ-2001م. والجرجانيّ، التعريفات.
الغزاليّ، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1426هـ-2005م. والفيض الكاشانيّ، محسن، المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، صحّحه وعلّق عليه علي أكبر الغفاريّ، مكتبة الصدوق، طهران، 1340هـ.ش، ج4. والنراقيّ، محمّد مهدي، جامع السعادات، دار المرتضى، بيروت، ط1، 1431هـ-2010م.
الفيروز آبادي، محمّد بن يعقوب، قاموس المحيط والقابوس الوسيط في اللغة، دار العلم للجميع، بيروت، ج4.
الفيوميّ، أحمد بن محمّد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1398هـ، ج1.
القرآن الكريم.
الكوفيّ، حسين بن سعيد، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ، قم، ط1، 1991م،. وصحيح البخاريّ، ج7.
كوك، مايكل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلاميّ، ترجم النصّ وراجعه على المصادر وقدّم له الدكتور رضوان السيّد، عبد الرحمن السالميّ، عمار الجلاصيّ، الشبكة العربّية للأبحاث والنشر، ط2، 2013م،
محمّد بن يعقوب الكلينيّ، الكافي، ج2، ح 16.
المرتضى، علي بن الحسين، الذخيرة في علم الكلام، تحقيق السيد أحمد الحسينيّ، مؤسّسة النشر التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، 1411هـ.
المصطفويّ، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، ط1، 1417هـ، ج13.
مطهّري، مرتضى، الأئمّة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دار الإرشاد، بيروت، ط1، 1432هـ-2011م.
مطهّري، مرتضى، المجتمع والتاريخ، دار المرتضى، بيروت، 1413هـ-1993م.
المفيد، محمّد بن محمّد، الأمالي، تعليق حسن استادولي، شركة الأعلمي ّللمطبوعات، بيروت، ط1، 1431هـ - 2010م، مج6، ح14.
المكّيّ، حسن محمّد، الإلهيّات على ضوء الكتاب والسنة العقل (محاضرات الشيخ جعفر السبحانيّ)، ج1. الدار الإسلاميّة، بيروت، ط1، 1410هـ-1990م.
المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، الدار الإسلاميّة، بيروت، ط2، 1409هـ-1988م، ج2.
الهاشميّ، محمود، بحوث في علم الأصول، مباحث الدليل اللفظيّ، تقريرات السيّد محمّد باقر الصدر، ط2، مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، 1417هـ -1997م، ج3.

-------------------------------
[1]- باحث في الفكر الإسلاميّ – لبنان.
[2]- النفثة: -كالنفخة- ما يمازج النَفَس من الريق عند النفخ. والبحر اللجّيّ: العميق الذي لا يُدرَك قعره.
[3]- الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح الشيخ محمّد عبده، دار المعرفة للطباعة النشر، بيروت، خطبة 374، ج4، ص89.
[4]- انظر: الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1426ه-2005م، ص782. والفيض الكاشانيّ، محسن، المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، صحّحه وعلق عليه علي أكبر الغفاريّ، مكتبة الصدوق، طهران، 1340ه.ش، ج4، ص96-117؛ والنراقيّ، محمد مهدي، جامع السعادات، دار المرتضى، بيروت، ط1، 1431ه-2010م، ص 420-430.
[5]- انظر مثلًا الآيات: آل عمران:113، المائدة: 63، 78.
[6]- إشارة إلى حادثة اغتصاب وقعت في محطة قطار فرعيّة في شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركيّة، ونشرت في تقريرين: تقرير صحيفة نيويورك تايمز، 23-9-1988، ص33. وتقرير صحيفة شيكاغو تريبيون، 25-9-1988.
[7]- كوك، مايكل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلاميّ، ترجم النصّ وراجعه على المصادر وقدّم له الدكتور رضوان السيّد، عبد الرحمن السالميّ، عمار الجلاصي، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، ط2، 2013م، ص25-26.
[8]- يتضمن الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان-حسبما اعتمدته الجمعيّة العامّة في باريس 10 كانون الأول 1948 بموجب القرار 217 ألف- عبارات عدّة تفيد هذا المعنى: في الديباجة «... غاية ما يرنو إليه عامة البشريّ انبثاق عالم يتمتّع فيه الفرد بحرّيّة القول والعقيدة ويتحرّر من الفزع»، وتنصّ المادة 3: « لكلّ فرد الحق في الحياة والحرّيّة وفي الأمان على شخصه». والمادة 18: «لكلّ شخص حقّ في حرّيّة الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحقّ حرّيّته في تغيير دينه أو معتقده، وحرّيّته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة». والمادة 19: «لكلّ شخص حقّ التمتّع بحرّيّة الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقّ حرّيّته في اعتناق الآراء دون مضايقة...». والمادة 30: « ليس في هذا الإعلان أيّ نصّ يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أيّ دولة أو جماعة، أو أيّ فرد، أيَّ حقٍّ في القيام بأيّ نشاط أو بأيِّ فعل يهدف إلى هدم أيِّ من الحقوق والحرّيّات المنصوص عليها فيه».
[9]- سلّطنا الضوء على هذه النقطة بالتفصيل في كتابنا: المباني الفكريّة لوسائل التواصل الاجتماعيّ، المبحث الرابع: الديموقراطية الرقميّة والفردانيّة، مركز المعارف للدراسات الثقافية، بيروت، ط1، 2021م، ص59-77.
[10]- انظر: الجرجاني، علي بن محمّد، التعريفات، وضع حواشيه وفهارسه محمّد باسل عيون السود، منشورات محمّد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 2000م، باب الألف/277، ص40.
[11]- عبد الجبار بن أحمد الهمداني، المعروف بالقاضي عبد الجبار المعتزليّ، شرح الأصول الخمسة، تعليق أحمد بن الحسين بن هاشم، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، ط1، 1422ه-2001م، ص88. والجرجانيّ، التعريفات، ص40.
[12]- التعريفات، باب النون/1967، ص243.
[13]- السيوريّ، المقداد بن عبد الله، الباب الحادي عشر مع شرحيه النافع يوم الحشر لمقداد بن عبد الله السيوريّ، ومفتاح الباب لأبي الفتح بن مخدوم الحسينيّ، حقّقه وقدّم عليه الدكتور مهدي محقّق، مؤسّسة جاب وانتشارات، مشهد-إيران، 1376ه، ص57 وكذلك في مفتاح الباب، ص216 .
[14]- انظر: الحلّيّ، الحسن بن يوسف، مناهج اليقين في أصول الدين، تحقيق يعقوب الجعفريّ المراغيّ، دار الأسوة للطباعة والنشر، منظّمة الأوقاف والشؤون الخيريّة مركز الدراسات والتحقيقات الإسلاميّة، ط1، 1415ه، ص541-544.
[15]- الأحسائيّ، محمّد بن أبي جمهور، كشف البراهين في شرح رسالة زاد المسافرين، تحقيق الشيخ وجيه بن محمد المسبح، مؤسّسة أمّ القرى للتحقيق والنشر، بيروت، ط1، 1422ه، ص477.
[16]- الهاشميّ، محمود، بحوث في علم الأصول، مباحث الدليل اللفظيّ، تقريرات السيّد محمّد باقر الصدر، ط2، مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، 1417ه-1997م، ج3، ص11-14.
[17]- الخمينيّ، روح الله، مناهج الوصول إلى علم الأصول، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ، ط1، مطبعة مؤسسة العروج، 1414ه، ج2، ص103.
[18]- «العلوّ أمر اعتباريّ له منشأ عقلائيّ يختلف بحسب الزمان والمكان، والميزان هو نفوذ الكلمة والسلطة والقدرة على المأمور». مناهج الوصول، ج1، ص239-240
[19]- بحوث في علم الأصول، مصدر سابق، ج2، ص15.
[20]- مناهج الوصول، مصدر سابق، ج1، ص239-240.
[21]- الصافي الكلبايكانيّ، لطف الله، بيان الأصول، ج1، الأمر6: مقصد:1، فصل:1، الجهة الثانية: اعتبار العلوّ والاستعلاء.
[22]- التعريفات، باب الميم/1761، ص218.
[23]- الطوسيّ، محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العامليّ، ج5، ص257. ومجمع البيان، ج5، ص87. والسبزواريّ، السيّد عبد الأعلى، مواهب الرحمن في تفسير القرآن، مؤسّسة المنار، ط3، 1418ه، ج6، ص194.
[24]- لقمان: 13...
[25]- العنكبوت:45.
[26]- انظر: الطباطبائيّ القمّيّ، السيّد تقي، مباني منهاج الصالحين، إشراف عباس الحاجيانيّ، دار السرور، بيروت، 1418هـ-1997م، ج7،  ص156.
[27]- جامع السعادات، ج2، ص428. والسيستاني، منهاج الصالحين، ج1، ص418.
[28]- مطهّري، مرتضى، الأئمّة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دار الإرشاد، بيروت، ط1، 1432هـ-2011م، ص369-370.
[29]- بحوث في الملل والنحل، الدار الإسلاميّة، بيروت، ط2، 1411هـ-1991م، ج3، ص410. ورفض بعض الفقهاء هذا التداخل. انظر: ما وراء الفقه، مصدر سابق، ص222.
[30]- السبحانيّ، جعفر، مفاهيم القرآن، معالم الحكومة الإسلاميّة، بقلم جعفر الهادي، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1405ه-1984م، ج2، ص331-332.
[31]- دراسات في ولاية الفقيه، ج2، ص232
[32]- آل عمران:104.
[33]- يراجع: الصدر، محمّد باقر، اقتصادنا، دار التعارف، بيروت، 1411ه-1991م، ص291 وما بعد. وشمس الدين، محمّد مهدي، في الاجتماع السياسيّ الإسلاميّ، دار الثقافة للطباعة والنشر، إيران، ط1، 1414هـ-1994م، ص25.
[34]- الأنعام، الآية102.
[35]- الملك، الآية1.
[36]- الشورى، الآية9.
[37]- الطباطبائيّ، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، قم، ج6، ص12.
[38]- بحوث في علم الأصول، مصدر سابق، ج4، ص29.
[39]- الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص177.
[40]-  المكي، حسن محمد، الإلهيات على ضوء الكتاب والسنة العقل (محاضرات الشيخ جعفر السبحاني)، ج1، ص425. الدار الإسلامية، بيروت، ط1، 1410ه-1990م.
[41]-  النمل:88.
[42]- الملك:14.
[43]-  الشيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، قم، ط1، 1425ه، ج1، ص513-514.
[44]-  آل عمران:97.
[45]-  الإلهيات، مصدر سابق، ج2، ص248.
[46]- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطبة المتقين، 193.
[47]-  الحج:90.
[48]-  النور:21.
[49]-  البقرة:168-169.
[50]-  (فالمدبرات أمرًا) النازعات:5، (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) السجدة:11. (... أَنِّىٓ أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ وَأُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ َ) آل عمران:49.
[51]- التوحيديّ التبريزيّ، محمّد علي، مصباح الفقاهة، تقرير أبحاث السيد أبو القاسم الخوئيّ، مكتبة الداوري، قم، 1377ه.ش، ج3، ص285.
[52]- الأحزاب:6.
[53]- المائدة:55.
[54]- مباني منهاج الصالحين، مصدر سابق، ج7، ص138.
[55]- يونس:59
[56]- التوبة:71.
[57]- ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السّلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلاميّ، قم، 1404ه، ج6، ص141. الجوهريّ، إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1987م، ج6، ص2528. الفيروز آباديّ، محمّد بن يعقوب، قاموس المحيط والقابوس الوسيط في اللغة، دار العلم للجميع، بيروت، ج4، ص401. الفيوميّ، أحمد بن محمّد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1398ه، ج1، ص672. ابن منظور، لسان العرب، دار إحياء التراث العربيّ- مؤسّسة التاريخ العربيّ، بيروت،  اعتنى بتصحيح أمين محمّد عبد الوهاب ومحمّد الصادق العبيديّ، ط2، 1418ه-1997م، ج15، ص401.
[58]- المصطفويّ، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، ط1، 1417هـ، ج13، ص205.
[59]- تبنّى الفخر الرازي في مفاتيح الغيب أنّ الولاية في الآية بمعنى: القرب. وقال الطبريّ: «إنّ صفتهم أنّ بعضهم أنصار بعض وأعوانهم». ومثله: الخازن في لباب التأويل في معاني التنزيل، والسمرقنديّ في بحر العلوم، والطوسيّ في التبيان الجامع لعلوم القرآن، والطبرسيّ في مجمع البيان، والبغويّ في معالم التنزيل، والطبرانيّ في التفسير الكبير. وكذلك الآلوسيّ في روح المعاني والصابونيّ في صفوة التفاسير مع إضافتهما: «التعاضد». وقال ابن كثير: «أي يتناصرون ويتعاضدون، كما جاء في الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه..». وأضاف إليها النسفيّ في مدارك التتنزيل وحقائق التأويل: «التراحم». وقال الواحديّ في الوجيز: «الرحمة والمحبّة». ورشيد رضا في المنار: «النصرة والأخوّة والمودّة»، والماتريديّ في تأويلات أهل السنة: «التأليف بين القلوب والأخوة»، والقرطبيّ في الجامع لأحكام القرآن: «أي قلوبهم متّحدة في التوادّ والتحابّ والتعاطف». وكذلك الشوكانيّ في فتح القدير.
[60]- ابن الأثير، المبارك بن محمّد الجزريّ، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحيّ، مؤسّسة إسماعيليان، قم، ط4، 1364ه.ش، ج5، ص227.
[61]- المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، الدار الإسلاميّة، بيروت، ط2، 1409ه-1988م، ج2، ص232.
[62]- الميزان في تفسير القرآن، ج9، ص352.
[63]- الصدر، محمّد باقر، الإسلام يقود الحياة، خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1410ه-1990م، ص153.
[64]- انظر: الصدر، محمّد باقر، اقتصادنا، دار التعارف، بيروت، 1411ه-1991م، ص274.
[65]- الصدر، محمّد باقر، المدرسة القرآنيّة، تقديم زكي الميلاد، دار الكتاب المصريّ-القاهرة، دار الكتاب اللبنانيّ-بيروت، 2011م، ص 108-109.
[66]- الشعراء:71.
[67]- الأنعام:75-79.
[68]- التوبة:31.
[69]- النازعات:24.
[70]- الفرقان:43.
[71]- تحف العقول، ص89.
[72]- المفيد، محمّد بن محمّد، الأمالي، تعليق حسن استادولي، شركة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت، ط1، 1431هـ - 2010م، مج6، ح14، ص52.
[73]- الأعراف:157.
[74]- انظر: السبحانيّ، مفاهيم القرآن، ج2، ص319.
[75]- البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاريّ، دار الفكر، 1401ه-1981م، ج3، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه، ص139.
[76]- نهج البلاغة، ص427.
[77]- الحجرات: 10.
[78]- النساء: 1.
[79]- الكافي، ج2، ص166.
[80]- الكوفي، حسين بن سعيد، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ، قم، ط1، 1991م، ص39. وانظر: صحيح البخاريّ، ج7، ص78.
[81]- انظر: عبده، محمّد يوسف، فوائد الحمّى وعلاجها معجزة نبويّة، المؤتمر العالميّ السابع للإعجاز العلميّ في القرآن والسنة، ص4-5.
[82]- سارتر، جان بول، الوجودية مذهب إنساني، قدم له الدكتور كمال الحاج، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت-لبنان، 1983م، ص46-48.
[83]- الشعراء:168.
[84]- منهاج الصالحين، ج1، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الفصل الثاني: في شرائطهما. وأنظر: https://www.sistani.org/arabic/qa/0296/
[85]- البينة:7.
[86]- مواهب الرحمن، ج6، ص192.
[87]- انظر: المنتظري، مصدر سابق، ج2، ص214.
[88]- آل عمران: 110.
[89]- الروحاني، فقه الصادق، ج19، ص278.
[90]- المائدة:105
[91]-  مجمع البيان، ج3، ص392.
[92]-  النساء:29.
[93]-  الميزان في تفسير القرآن، ج6، ص164.
[94]-  نوح:10-12.
[95]-  الميزان في تفسير الميزان، ج20، ص102
[96]-  الأعراف: 96.
[97]-  الجن: 16.
[98]-  المائدة:66.
[99]-  الصدر، محمّد باقر، مقدّمات في التفسير الموضوعيّ للقرآن، دار التوجيه الإسلاميّ، بيروت، ص57.
[100]-  الكهف: 59.
[101]-  الحج:45.
[102]-  الإسراء:16.
[103]-  النساء:160.
[104]-  نوح:25.
[105]-  آل عمران:114.
[106]-  الأعراف:164-165.
[107]-  هود: 116-117.
[108]-  مطهّري، مرتضى، المجتمع والتاريخ، ص204، دار المرتضى، بيروت، 1413ه-1993م.
[109]-  المائدة:78.
[110]-  الطوسيّ، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1364ش، ط3، ج6، ص181.
[111]-  الكافي، ج5، ص57.
[112]-  نهج البلاغة، الحكمة:154.
[113]-  نهج البلاغة، الخطبة:201.
[114]- الصدوق، محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تصحيح وتعليق وتقديم: حسين الأعلميّ، بيروت، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، 1404 - 1984م، ج2، ص274.
[115]- والمرتضى، عليّ بن الحسين، الذخيرة في علم الكلام، تحقيق السيّد أحمد الحسينيّ، مؤسّسة النشر التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، 1411ه، ص560.
[116]- والطوسيّ، محمّد بن الحسن، الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، دار الأضواء، بيروت، ط2، 1406ه-1986م، ص237.
[117]- جواهر الكلام، ج21، ص362.
[118]- آل عمران:104.
[119]- الروحانيّ، محمّد صادق، فقه الصادق، مؤسّسة دار الكتاب، قم، 1412، ط3، ج19، ص275.
[120]-  الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص412.
[121]- مواهب الرحمن، مصدر سابق، ص195. وفقه الصادق، ج19، ص311.
[122]- السيستانيّ، علي، منهاج الصالحين، دار المؤرّخ العربيّ، بيروت، ط14، 1429ه-2008م، ج1، مسألة:1272.
[123]-  التفتازانيّ، مسعود بن عمر، شرح المقاصد، تحقيق وتعليق عبد الرحمن عميرة، منشورات الشريف الرضيّ، ط1، 1409ه-1989م، ج5، ص174.
[124]-  جامع السعادات، ج2، ص426.
[125]-  جواهر الكلام، ج21، ص382.
[126]-  الصدوق، الخصال، ص109.
[127]-  البقرة:229.
[128]-  انظر: الخمينيّ، روح الله، جنود العقل والجهل، تعريب أحمد الفهريّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت، ط1، 1422هـ-2001م ص313-320. والنراقيّ، جامع السعادات، ص230.
[129]-  الكافي، ج2، ص77، ح 16.
[130]-  آل عمران:159.
[131]-  جامع السعادات، ج2، ص430.
[132]-  لقمان:17.
[133]-  https://www.sistani.org/arabic/qa/0296/
[134]-  الكافي، ج5، ص555.
[135]-  الحجرات:12.
[136]-  النور:19.
[137]-  الإيجيّ، عبد الرحمن، والجرجانيّ، علي بن محمّد، شرح المواقف، ويليه حاشيتا السيالكوتيّ والجلبيّ، عني بتصحيحه السيّد محمّد بدر الدين النعمانيّ الحلبيّ، منشورات الشريف الرضي، مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1325ه-1907، ج8، ص375.
[138]-  الحج:41.
[139]-  يوسف:56.
[140]-  الأنعام:6.
[141]-  الكهف:84.
[142]- ابن شعبة الحراني، الحسن، تحف العقول عن آل الرسول، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، 1404ه، ص237.
[143]-  الكافي، ج5، ص56.
[144]-  شرح الأصول الخمسة، ص94. وأنظر: ابن خلدون، عبد الرحمن، مقدمة ابن خلدون (وهي مقدمة الكتاب المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر)، منشورات محمّد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1993م، ص176-177.
[145]- مفاهيم القرآن، ج2، ص324.
[146]- فقه الصادق، ج19، ص312.
[147]-  دراسات في ولاية الفقيه، ج2، ص213.
[148]-  شمس الدين، محمد مهدي، الاجتهاد والتجديد في الفقه الإسلامي، المؤسسة الدولية، بيروت، ط1، 1419ه-1999م، ص100.