البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حقيقة الاستعمار والهيمنة الاستعماريّة

الباحث :  عارف نريماني ـ محمد علي برغو
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  29
السنة :  شتاء 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 16 / 2023
عدد زيارات البحث :  6246
تحميل  ( 577.264 KB )
قام الاستعمار الغربي الذي بات طوال قرون متوالية بمثابة جزء لا يتجزّأ مِن التاريخ الغربي الحديث، بل تاريخ العالم بأسره، على هيمنة مدعومة بأسس فكريّة سلطويّة، اتّسمت بها طبيعته الانتهازيّة، بحيث تحوّلت إلى خطابه الأساسي الذي يطرح مِن قبل أسياده، وهذا الخطاب بطبيعة الحال كلّه تحريض على استعمار البلدان الضعيفة، والعمل على إبقائها بنية أساسيّة تعتمد عليها البلدان الاستعماريّة.
أرباب السلطة الاستعماريّة يطرحون نظريّات وآراء بهدف ترويج تضادّ في المفاهيم، وإيجاد قطبين أحدهما المستعمِر والآخر مَنْ يخضع له، إذ اكتسب استعمارهم هويّته على أساس هذا الفكر السلطوي، ومن ثمّ اعتبروا أنفسهم وبلدانهم أعلى درجةً مِن غيرهم، وهذا الأمر أسفر عن ترويج فكرة أنّ الغربيين مِن أتباع الدين المسيحي هم الناجون فقط. لكنّ هذا التوجّه الفكري شهد تحوّلًا في العصر الحديث بعد أنْ طرحت في رحابه مفاهيم جديدة منبثقة مِن ميتافيزيقا ذات طابع عصري. وعلى أساس هذه المفاهيم، فالاستعمار الذي في واقعه سلطة غربيّة سلبيّة على سائر المجتمعات والبلدان في العالم، أصبح ظاهرةً مقبولةً وقانونيّةً تتواكب مع المشروع التاريخي الشامل الذي يرومون تنفيذه في شتّى أرجاء العالم.

تطرّق الباحثان في المقالة إلى بيان هذا الجانب مِن الحركة الاستعماريّة الغربيّة وفق منهج بحث تحليلي نقدي، وأمّا النتائج التي تمّ التوصّل إليها، فقد دلّت على أنّ السلوكيّات والرؤى الاستعماريّة تتناسق مع ميتافيزيقا التاريخ الحاكم على المجتمعات البشريّة المعاصرة ومبادئه الفلسفيّة التي تطرح بصفتها فرضيّات ارتكازيّة عامّة.

كلمات مفتاحيّة: الاستعمار، العالم الغربي، العالم غير الغربي، التطوّر، التاريخ.

تمهيد
قيل: بدل أنْ تبقى ساكنًا في صالة مظلمة، انظر أمامك وستجد ممرًّا مظلمًا يدعوك فيه مصطلحٌ مشرقٌ إلى الأمام، وهذا المصطلح هو الاستعمار[3].
حينما نشرح ونحلّل مفهوم الاستعمار colonization وكلّ ما يرتبط به مِن أسس فكريّة، نستنتج أنّه عبارة عن بنية متناقضة إلى أقصى حدّ في عمق التاريخ الغربي المعاصر وتاريخ الفكر والسياسة في المجتمعات الغربيّة، وهو تناقض ما زال جاريًا على قدمٍ وساقٍ حتّى عصرنا الحاضر. وهذا الموضوع في الحقيقة يعكس الصورة الواقعيّة اليانوسيّة[4] للحضارة الغربيّة الحديثة، وهو ذو ارتباط وطيد بالطابع الديالكتيكي الذي يطغى عليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ بعض المفكّرين الغربيين انتقدوا هذه الحالة، وعلى رأسهم ثيودور أدورنو Theodor Wiesengrund Adorno وماكس هوركهايمر Max Horkheimer؛ لأنّ اليانوسيّة، إنْ حملت في أحد وجهيها مفاهيم مثل الحضارة والثقافة والحرّية والعقل والتطوّر والديمقراطيّة وغيرها، لكنْ في وجهها الآخر تحمل مفاهيم تتناقض معها، مثل الحرب واستعباد البشر وتجارة العبيد والاستعمار والإمبرياليّة. وكما قال المفكّر الغربي ستيوارت هول، فكلّ الانتصارات والإنجازات التي حقّقتها الحداثة لا تضرب بجذورها بالتطوّر والتنوير الفكري الحديث فحسب، بل مِن أهمّ أسبابها العنف واستغلال الشعوب وحرمانها مِن حقوقها المشروعة وفقرها. وعلى أساس هذا الرأي، أكّد على وجود تناقض شديد في ظاهرة العصرنة والحداثة، إذ تعدّ مِن جهة حالة بنّاءة، ومن جهة أخرى هدّامة مدمّرة، لذا يستطيع ضحاياها أنْ ينتفعوا منها أيضًا[5]. لكنْ واقع هذا النفع يمكن اعتباره قريبًا مِن الضرر الحاصل الذي تحدّث عنه كلّ مِن ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر[6].

الجدير بالذكر هنا أنّ أحد المواضيع، الذي يجب تسليط الضوء عليه بالنسبة إلى ظاهرة الاستعمار، هو ادّعاء أربابه أنّهم جاؤوا بحضارة حديثة للبشريّة، وثقافة راقية، وديمقراطيّة تضمن حقوق الشعوب، وما إلى ذلك مِن مفاهيم طرحوها في هذا المضمار، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنشاطات الاستعماريّة الغربيّة. وهذا الأمر في الحقيقة هو الذي دعا الكثير مِن المفكّرين الغربيين المعروفين إلى الحديث عن طبيعة الاستعمار السلطويّة وهيمنته على العالم، وتأكيدهم على ضرورة هذه الظاهرة في حياة بني آدم، إذ اعتبروا الحركات الاستعماريّة، كانت وما زالت، تحمل رسالة التحضّر والتثقيف في العالم، وأنّ حملة هذه الرسالة هم الغربيّون فحسب، لذا يجب اعتبار هذا الموضوع واحدًا مِن الأسس الفكريّة الثابتة للاستعمار الغربي، ومرآة تعكس وجهه الحقيقي، ناهيك عن أنّ وجه الطرف الآخر يتّضح على أساسه، حيث تتقوّم نشاطات المستعمرين على إيجاد اختلافات ذات طابع متناقض في وجهتين مختلفتين، وترويج اعتقاد أساسه هبوط مستوى الطرف المضطهد، الذي هو بطبيعة الحال ليس غربيًّا.

الدراسات والبحوث التي تدوّن اليوم بخصوص ما يسمّى بعهد ما بعد الاستعمار post colonialism، هدفها الارتكازي هو شرح وتحليل النتائج الثقافيّة والتاريخيّة للاستعمار الغربي، إذ يسعى مدوّنوها إلى بيان واقع المناهج الفكريّة المعتمدة لدى أبناء المجتمعات الغربيّة والأوروبيّة، والتي تتّسم بطابع تنويري، ثمّ تسليط الضوء على هذه المناهج في شتّى المجالات العلميّة والفكريّة، مثل التاريخ وعلم الاجتماع وعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) والآداب والفنّ والقصص والروايات والفلسفة، وما إلى ذلك مِن مجالات أخرى؛ وذلك بأسلوب التحليل النقدي، إذ لا شكّ في أنّ نقد هذه التوجّهات الفكريّة ليس اعتباطيًّا، وإنّما له أسس معتبرة، إذ حسب الدراسات والبحوث التي أجريت بخصوص عهد ما بعد الاستعمار وبشأن العالم الغربي والمجتمعات الأوروبيّة، استنتج العلماء والمفكّرون أنّ ما طرحوه مختلف عمّا هو مطروح مِن قبل الغربيين. كذلك، فإنّ هذه الأطروحة الفكريّة مِن حيث مرتكزاتها، ذات ارتباط وطيد مع السياسات الاستعماريّة الغربيّة ذات الطابع السلطوي، وعلى هذا الأساس يمكن القول إنّ الإنسان الغربي قد انتقد نفسه بنفسه، كما انتقد الحركة التاريخيّة لمعاصريه وأسلافه الذين تبنّوا نهجًا استعماريًّا.

سيروة العنف المفتوح
مِن المؤكّد أنّ الحركات الاستعماريّة تسعى إلى تحقيق أهدافها السياسيّة والاقتصاديّة عن طريق سلطتها كمرتكز أساسي، وهذا الأمر بطبيعة الحال يستوجب اللجوء إلى العنف والقهر وتسخير القوّة قدر المستطاع في التعامل مع الطرف المقابل، لكنّ هذه الحركات لم تقتصر على هذا الأمر فقط، وإنّما، تزامنًا معه، حاولت تحقيق هدفها عن طريق اتّباع أساليب فكريّة وثقافيّة كي تحوّل نفوذها إلى سلطة راسخة، وتحمّل الآخرين آراءها، وعادةً ما تروّج سلطتها وهيمنتها وسائر المفاهيم، التي تطرحها بأنماط متنوّعة، اعتمادًا على إيهام الشعوب بأنّ استحقاق مِن هو أكثر اقتدارًا في العالم للثروات، أينما كانت، يعدّ أمرًا طبيعيًّا يؤيّده العقل. لذا، سعى المستعمرون على ترسيخ فكرهم ونفوذهم على أساس هذه القاعدة التي روّجوها بأساليب شتّى.

بناءً على هذه الرؤية، فالمنهج الفكري والدلالي الذي يتّبعه المستعمرون الغربيّون بهدف إنتاج مختلف المفاهيم والمداليل ثمّ بلورتها وطرحها وتصويرها، قوامه وجود ارتباط بين المنهجين الدلالي واللغوي؛ لأنّ تمثيل المعنى أو طرحه في الواقع، عبارة عن حصيلة لاستثمار المنهج اللغوي مِن قبل أصحاب إحدى الثقافات أو استثمار كلّ منهج متعارف تستخدم في رحابه علائم ومداليل وصور خاصّة لإنتاج المعنى؛ ممّا يعني أنّ الاستخدام اللغوي أو استخدام العلائم والمداليل والصور، يمثّل أو يعرّف ما هو مقصود منها ضمن منهج معيّن. وأمّا مرادنا مِن التمثيل أو الطرح الذي نصفه بالمنهج في هذه المقالة، فهو منهج يتجاوز نطاق اللغة، وذو نطاق واسع، وفي الحين ذاته، يتمحور حول شتّى القضايا الاجتماعيّة التي هي على ارتباط وثيق مع السلطة والقدرة[7]. ومِن هذا المنطلق، فالهدف الذي نروم مِن ورائه تحليل كيفيّة تصوير حقيقة الاستعمار والمنهج الذي يجب الاعتماد عليه في هذا المضمار، هو إثبات قدرة التصوير الفكري والثقافي، وما يترتّب عليه مِن انعكاسات على خلق مفاهيم سياسيّة واستعماريّة، ثمّ إيجاد ارتباط بين صاحب السلطة الاستعماريّة والخاضع لهذه السلطة؛ أي بين المستعمِر والمستعمَر.

لذا، سنتطرّق في هذه المقالة إلى شرح وتحليل الموضوع وفق منهج الخطاب discourse الاستعماري، الذي ينبثق في واقعه مِن مجموعة مفاهيم ومداليل مصطنعة، ويؤكّد على ضرورة إقامة علاقات بين السلطة المقتدرة - المهيمنة - والأطراف الأخرى على أساس استعماري. وفي هذا السياق يمكن الاعتماد على نظريّة الخطاب المطروحة مِن قبل المفكّر الغربي ميشيل فوكو، الذي أكّد على أنّ الخطاب هو المضمار الذي يحدث في رحابه ارتباط وثيق بين القدرة والعلم[8].

الجدير بالذكر هنا أنّ ارتباط العلم والقدرة الاستعماريّة في المنهج التمثيلي أو التصويري المطروح في هذا الخطاب، يسفر بشكل قطعي عن إيجاد سلطة نافذة وقويّة للنظام الاستعماري لدرجة أنّ الخاضع لسلطة المستعمرين ينضوي تحت مظلّة هذا الخطاب، ويخضع لنفوذ مَنْ يطرحه واقتداره، ثمّ على ضوء ترسيخ هذا الخطاب السلطوي في باطنه وتأصيل مفهوم اقتدار المستعمر في نفسه، يصبح بشكل تلقائي ساحةً تفرض فيها القدرة الاستعماريّة، ومضمارًا يجول فيه المستعمرون.

استنادًا إلى ما ذكر، فالهدف في هذه المقالة هو دراسة وتحليل واقع الاستعمار الغربي كظاهرة تاريخيّة منبثقة مِن باطن الحضارة الغربيّة الحديثة، وبصفته مضمارًا يطرح في رحابه خطاب أساسه القدرة والسلطة النافذة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا الخطاب والمنهج، الذي يتمّ تصويره في رحابه، مرتبطان بالمبادئ الفكريّة الحاكمة على العصر الحديث وعلى فلسفة التاريخ الشائعة خلال هذه الحقبة مِن الزمن، بل متقوّمان مِن الأساس على ذلك. والخطاب المطروح في هذا السياق عبارة عن نظام أو منهج يشمل سلسلةً مِن المفاهيم التي يُعرّف على أساسها هذا العالم، وبوساطته تتمكّن المكوّنات الاجتماعيّة النافذة مِن تأسيس منظومة للمفاهيم التي تعتبرها حقيقيّةً عن طريق طرح علم خاصّ بالمبادئ والقيم الثابتة، يتمّ فرضه بالإجبار على الفئات الاجتماعيّة الخاضعة والمغلوبة على أمرها[9]. لذا، فالخطاب المطروح مِن قبل الاستعمار يحكي عن هذا المنهج الدلالي أو المفهومي، والذي نشأ وترعرع في رحابه، وأصبح استعمارًا حسب المصطلح المتعارف، وبات الخاضع لسلطته بمثابة طرف آخر للمستعمر؛ أي إنّ المستعمَر وفق هذا المنهج، هو الجانب المقابل للمستعمِر الذي يُعتبر صاحب القول الفصل والسلطة المطلقة جرّاء قدرته التي تمكّن بفضلها مِن طرح قضايا علميّة وقيم راسخة ومنظومة مِن أمور واقعيّة في حياة البشر، حيث يقوم أثر هذه السلطة والمنظومة الفكريّة والدلاليّة بعكس صورته وصورة طرفه المقابل، وفي هذا السياق اعتبر المفكّر الغربي ستيوارت هول هذا الخطاب بأنّه بمثابة منهج تصوير يعكس صورة العالم بصفته كيانًا مزدوجًا واضح المعالم، فحواه هو قاعدة أساسيّة هي (الغرب وغير الغرب)[10].

بناءً على ذلك، نشأت سلطة أو هيمنة hegemony خاصّة للاستعمار، إذ مِن خلال صياغة منهج دلالي، تمّ تصوير السلوكيّات والنشاطات التي تقوم بها الحركات والحكومات الاستعماريّة، بأنّه أمر طبيعي في حياة البشر ومقبول لديهم. لذا، في هذا السياق سوف نسلّط الضوء على ظاهرة تاريخيّة، اسمها «استعمار»، ليس مِن جهة مراحل نشأتها ورواجها زمانيًّا، وإنّما مِن جهة ارتباطها بالأسس والتيّارات الفكريّة التي استحوذت على مجتمعات العصر الحديث، ومِن جملتها المثنويّة dualism والتطوّر والتنمية والحركة التاريخيّة التكامليّة الخطّية - ذات المسار الموحّد - والنزعة الذاتيّة أو الذاتانيّة Subjectivism ومركزيّة الغرب، ولا سيّما أوروبا، وما إلى ذلك من أمور أخرى ذات ارتباط بهذا الموضوع. وعلى هذا الأساس، نعتقد أنّ الاستعمار ليس وليد عهد ما قبل النهضة والحداثة، أو تيّار انحرف عن مسار تيّار التنوير الفكري الحديث، بل هو بمثابة ظاهرة نشأ على أساسها النظام العالمي الجديد، الذي هو في الواقع نظام حداثة عالمي، مِن مقوّماته الأخرى توجّهات خاصّة، مثل الفكر الرأسمالي والنزعة الصناعيّة والدولة القوميّة[11]. والمسألة الأساسيّة التي تطرح للبحث والتحليل في هذا المضمار، هي بيان كيفيّة طرح واستعراض الحركات الاستعماريّة صورتها وصورة الطرف المقابل باعتبارهما جزأين مِن النظام السلطوي والهمينة الاستعماريّة، كذلك بيان طبيعة الارتباط بين المبادئ الفكريّة الحاكمة على البشر في العصر الحديث في رحاب الحركات الاستعماريّة؛ لأنّ هذه الحقائق تعدّ جزءًا لا يتجزّأ مِن تاريخ الحضارة الغربيّة الحديثة ومنهج طرحها واستعراضها. وفي هذا السياق، تتقوّم فرضيّة البحث على أنّ الاستعمار يعدّ واحدًا مِن أبعاد وجود الإنسان الغربي، وهذا الإنسان يستعرض صورته وصورة سائر البشر ضمن خطاب يطغى عليه طابع استعماري بمحوريّة أوروبا والنظريّات التي بسطت نفوذها بين المجتمعات البشريّة إبّان العصر الحديث.
القوى الاستعماريّة تعمل على تبرير أفعالها السلطويّة كافّة، وترسيخ هيمنتها، وتقوية نفوذها مِن خلال استنادها إلى المنظومة الفكريّة الغربيّة، واعتمادها على الفكر الاستعماري الذي تمّ ترويجه في العالم بمختلف الأساليب. وكما أشرنا آنفًا، فأرباب هذا الفكر يطرحون توجّهاتهم الاستعماريّة على أبناء سائر المجتمعات، ويصوّرون أنفسهم والطرف المقابل وفق خطاب خطّي - ذي اتّجاه واحد - أي على أساس رؤية أحاديّة وفق مآرب خاصّة، وبهذا الشكل يصوغون التاريخ ويصوّرونه بمحوريّة الغرب وأوروبا. فهذه القراءة الشاملة والمتفرّدة التي يراد منها تحقيق أغراض معيّنة، قوامها توجّهات فكرية غربيّة بحتة، ويراد منها بيان كيفيّة طرح ماهية المستعمِر والمستعمَر؛ أي الطرف المقابل الخاضع له[12].

الاستعمار يصوغ هوّيتي المستعمِر والمستعمَر
هدفنا في هذه المقالة هو إثبات أنّ الاستعمار الغربي ظاهرة كانت بدايتها في القرن السادس عشر بعد الاكتشافات التي تمّ التوصّل إليها في القرن الخامس عشر ثمّ اتّسع نطاقها بشكل كبير، وبيان أنّ أساسه معتقدات خاصّة، مثل اعتبار أنَّ الإنسان الغربي حمل رسالة الإنسانيّة للبشريّة بمحوريّة العالم الغربي والشعوب المسيحيّة، وما زال اليوم يحملها خلفه، ثمّ إثبات أنّ المستعمرين في خضمّ هذه التوجّهات الفكريّة عرفوا هويّتهم على أساس اعتبار البشريّة طرفين متضادّين مع بعضهما، والطرف الآخر بطبيعة الحال هو الشعوب غير الغربيّة، حيث اعتبر الغربيّون أنفسهم أعلى مقامًا وشأنًا مِن سواهم. ومِن هذا المنطلق، باتت الحركة الاستعماريّة بمثابة رسالة ميتافيزيقيّة، عنصرها الأساسي وحامل رايتها الإنسان الغربي، وهذه الرؤية في الحقيقة متقوّمة على التعريف الذي طرح لهويّة الذات الاستعماريّة وهويّة ما سواها، الذي اعتبر طرفًا آخر في هذا العالم. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ المعتقدات الميتافيزيقيّة لكلّ عصر، هي المرتكز التي تبلورت على أساسه الظروف التي أدّت إلى طرح هذا التعريف، وكانت عنصرًا فاعلًا في كيفيّة طرحه.

الجدير بالذكر هنا أنّ المعتقدات الميتافيزيقيّة الغربيّة التي ظهرت في بادئ نشأة الحركة الاستعماريّة، تقوّمت على مبادئ الفكر المسيحي الذي يُعتبر الإنسان المسيحي على أساسه هو الناجي، في مقابل الإنسان المعتقد بدين آخر غير مقبول أو كافر. وبالتالي، هو مَنْ يحمل رسالة النجاة للبشريّة ولكلّ مَنْ هو غير مسيحي، سواء اعتقد بدين آخر أو كان كافرًا. وفي المرحلة اللاحقة وفي العصر الحديث بالتحديد، تقوّمت هذه المعتقدات على مبادئ ميتافيزيقيّة وليدة للنهضة والحداثة، وبمحوريّة مسائل طرحت في الأوساط الدينيّة والفكريّة الغربيّة، مثل النزعة الذاتيّة والحرّية والتطوّر والتنمية، وهذه التوجّهات أساسها شخصيّة الإنسان الغربي المعاصر صاحب الفكر التنويري، إذ اعتبر محورًا للتاريخ، وشدّ الرحال إلى مختلف البقاع والشعوب التي تكبّلها قيود عالم الطبيعة، ويعمّها الجهل والظلام. فهذا الإنسان الغربي المسيحي، حسب ادّعائهم، حمل لها رسالة روح التاريخ ليقود هذه الشعوب والعالم بأسره إلى السعادة.

حينما نتصفّح التاريخ نلاحظ أنّ العصر الحديث شهد تسارع هذه المواجهة المكوّنة مِن طرفين، ورواجًا أكثر للتعريف الغربي المتقوّم على أساسها، والذي طُرح في رحابه تعريف للهويّة الذاتيّة - الهويّة الغربيّة الاستعماريّة - وهوّية الغير (الآخر). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا الأمر لا يقتصر على الاستعمار الحديث فقط، بل حتّى المستعمرون الأوائل، مثل الإسبان، انطلقوا إلى شتّى أرجاء العالم بنفس هذه الرؤية؛ أي على أساس وجود مواجهة وتضادّ بين جانبين. لذا، ما يواجهه العالم في هذا المضمار، هو ظاهرة استعماريّة تصاغ في ظلّها هويّة المستعمِر (الذات) والمستعمَر (الآخر)، ممّا يعني أنّ مفهوم الآخر أو الغير ضمن مدلوله العامّ والشامل، يحكي عن وجود ارتباط بين قطبين، أحدهما موضوع والآخر شخص؛ أي يشير إلى شيء يختلف عن الآخر، الذي يعدّ غير ذاتي[13]. فهذا التعريف هو قوام هويّة الإنسان الغربي المستعمر، إذ تصاغ في نطاق حركة ديالكتيكيّة يمكن للإنسان الغربي بوساطتها أنْ يخوض صراعًا شديدًا مع مختلف أنواع الانحراف والجهل في العالم، ومِن ثمّ يتمكّن مِن الظفر عليها، فيؤدّي مهمّته ويبلّغ الرسالة التي يحملها على عاتقه.

وقال أحد الباحثين الغربيين في هذا الصدد إنّ الطبيعة السلبيّة لغير الأوروبيين، هي التي تصوغ هويّة الأوروبيين في نهاية المطاف وتحافظ عليها[14]، فعندما يصبح الموضوع الذي تتمحور حوله الحركة الاستعماريّة بمثابة غير أو آخر، ففي هذه الحالة مِن الممكن أنْ تدغم هويّته مع هويّة المستعمِر بشكل تدريجي ومنتظم لتصبح الهوية واحدةً، وذات شأن أعلى، وإثر ذلك تضمحل الهويّة الأصليّة لهذا الغير[15]. لذا، ما نواجهه في هذا المجال، هو تهميش وجود الغير لتأصيل وجود الذات؛ أي أنّ ترسيخ الذات، معناه ضرورة تهميش الغير ومحو هويتّه. لذا، في كلتا الحالتين، تصاغ هويّة الطرف الآخر.

المستعمِر يصوغ هويّة المستعمَر مِن خلال نقض هويّته لأجل أن يرسّخ فيها ذاته الاستعماريّة ويصوغ معالمها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الفكر الأوروبي الحديث والذات الحديثة، كلاهما مرتبطان بما وصفه الباحث بول غيلروي «ارتباط الاغتيال والانقياد القومي»[16].
المواجهة الثنائيّة تقتضي بطبيعة الحال وجود طرفٍ وفي مقابله طرف آخر. لذا، فالغرب والتاريخ والإنسان المسيحي المتحضّر، الذي هو محوري في الحياة وناضج فكريًّا ومتطوّر، هي مفاهيم لا تكتسب معناها، ولا يمكن أنْ تضفي هويةً إلى مَنْ ينضوي تحتها، إلّا في مقابل الشرق وعالم الطبيعة والإنسان غير المسيحي أو الكافر، مثل المسلم والبوذي والبربري وكلّ إنسان غير متحضّر أو يعيش في مناطق نائيّة وغير ناضج فكريًّا وغير متطوّر؛ وهذه قاعدة أدبيّة وثقافيّة عامّة في الفكر الغربي، حيث يعرف الطرف الآخر - الغير - هويّته وشخصيّته الإنسانيّة والدينيّة على أساسها مِن خلال مقارنتها مع هويّة الإنسان الغربي. لذا، يعتبر هذا الغير بأنّه كائن مختلف وغريب وإنسان مِن الدرجة الثانية بالنسبة إلى الإنسان الأوروبي.

المستعمرون ضمن صياغتهم هويّة الغير، يتعاملون مع مَنْ يستعمرونه بمثابة إنسان غير ناضج، بينما يعتبرون أنفسهم أنموذجًا حقيقيًّا للذات الأصيلة المقبولة في هذا العالم، ويعتبرون الطرف الآخر الذي يخضعونه لاستعمارهم أنموذجًا للكائن المتوحّش، الذي لا يفقه شيئًا في الحياة المتطوّرة[17].

الجدير بالذكر هنا أنّ الطرف الآخر الذي يعتبر غيرًا بالنسبة إلى الإنسان الغربي المستعمِر، أصبح على مرّ السنين ذريعةً للنشاطات الغربيّة بأنواعها كافّة بمحوريّة ذاتيّة الإنسان الغربي، وهذه الغيريّة غالبًا ما تنشأ مِن رؤية وخطاب، أساسهما أنّ طرفًا آخر يصبح موضوعًا لها، وقلّما تنشأ مِن وجود اختلافات حقيقيّة[18]. وفي هذا السياق قال الباحث هومي بهابها إنّ الميزة الأساسيّة للخطاب الاستعماري، هي ارتكازه على ترسيخ إيديولوجيا الغيريّة - الطرف الآخر - وهذا الترسيخ يعدّ مؤشّرًا على وجود اختلافات ثقافيّة وتاريخيّة وقوميّة في هذا الخطاب، وهو عبارة عن أسلوب متقوّم على طرح تناقضات، ويدلّ بشكل ضمني على تثبيت النظم وعدم تغييره، وإلى جانب ذلك تثبيت اللانظم والفساد والانحرافات في المجتمع، فهذه أمور متعارفة في الخطاب الاستعماري[19].

صياغة بنية أساسيّة لتعريف الطرف الآخر الخاضع لسلطة الاستعمار وفق التعريف المطروح في الفكر الاستعماري، قوامه طرح هويّة منفصلة عن هويّة ذات المستعمِر بصفتها غيرًا وكيانًا متناقضًا مع هذه الذات الاستعماريّة، وهذه الصورة في التعريف تبلورت على هيئة أمر مطلق وذاتي للطرف الآخر، ممّا يعني أنّهما هويّتان مرتبطتان مع بعضهما ارتباطًا ديالكتيكيًّا شاملًا للحظتين أو زمانين، ولا بدّ هنا مِن أن يبلغ التضادّ أو الاختلاف درجة النهاية منذ اللحظة الأولى. الطرف الخاضع للاستعمار حسب الفكر الاستعماري ليس مجرّد غيرٍ - طرف آخر - خارجٍ عن نطاق الحضارة المعاصرة فحسب، بل إضافةً إلى ذلك هو بمثابة غيرٍ تمّ إنتاجه، فهو في هذه الحالة نفي مطلق، ويجسّد أبعد نقطة في الوجود البشري؛ لأنّ كلّ إنسان غير أوروبي دائمًا تصدر منه أفعال وردود أفعال وكلام وأفكار في سياق مختلف عن الأصل، الذي هو الإنسان الغربي الأوروبي، لذا يُعتبر مختلفًا عن هذا الأصل اختلافًا تامًّا. وأمّا في اللحظة الثانية بإمكان هذا الغير أنْ يصبح أساسًا لصياغة الهويّة أو الذات؛ وذلك لأنّ الهوية أو الذات الغيريّة، التي تتّصف بالشرّ والهمجيّة والتوحّش وانعدام القانون، لها القدرة على تحويل الهويّة أو الذات الأوروبيّة إلى ذات مثلى ومتحضّرة وراقية تتعالى على غيرها. وعلى هذا الأساس، فما كان في بادئ الأمر أجنبيًّا وغريبًا وبعيدًا ومتخلّفًا، يصبح مرتكزًا بنّاءً[20].

توظيف الكينونة الإنسانيّة كأساس للتمركز
مراحل صياغة الغير وإنتاج هويّته وسيادة الإنسان الغربي، جعلت هذا الإنسان عنصرًا مؤثّرًا على ذاته وذات غيره، حيث صاغ هويةً لنفسه ولغيره، لذا يمكن اعتبار الغير الذي هو طرف آخر غير الإنسان الغربي وخاضعًا لسلطة الاستعمار، بأنّه نقيض لا بدّ مِن وجوده في حياة الإنسان المعاصر، فعلى ضوء التضادّ الديالكتيكي الذي يحدث وضمن تأثّره بالغرب، عادةً ما تتقبّل شخصيّته المصوّرة التي يطرحها الغربيّون لهذا العالم، وإثر ذلك لا تقتصر جهود الإنسان الغربي على الاكتفاء بتحديد هويّته وهويّة الغير خلال هذه العمليّة وتعريف كلّ معالمهما، باعتبار أنّ الشخصية الغربيّة هي العليا، بل إضافةً إلى ذلك يبرّر سلوكيّاته الاستعماريّة مدّعيًا أنّه حامل رسالةً تاريخيّةً للبشرية، ثمّ إنّ الاعتقاد بأحقّية حامل هذه الرسالة التي يدّعي أنَّ هدفها تحسين أوضاع الطرف الآخر والرقيّ بحياته إلى مستوى أعلى، أسفر عن ظهور مفكّرين دافعوا عن الاستعمار الغربي، وعلى رأسهم كارل ماركس، لذا ترتبط النشاطات الاستعماريّة ارتباطًا وطيدًا بوجود طرف آخر منبوذ ومبغوض، يرى المستعمرون أنفسهم مكلّفين بتحسين أوضاعه وانتشاله مِن جهله وتخلّفه، وهذا الغير بطبيعة الحال، يجسّد كيان إنسان يحمل قيمًا تتعارض مع القيم الغربيّة والأوروبيّة. وهو في هذه الحالة، ليس ملامًا على توجّهه فقط، ولا يقتصر الأمر على نبذه وإبعاده وتهميشه بالكامل مِن الناحية النظريّة والفكريّة، بل يجب أيضًا حذفه بالكامل مِن الناحية العمليّة، وإخضاعه للحركة في المسار التاريخي العظيم، الذي سيتحقّق على مرّ الزمان، بحيث إمّا أنْ ينصهر في باطن القيم الغربيّة، وإمّا أنْ يحذف ويهمّش بالكامل، فكأنّما هذا هو واقع الرسالة التي يحملها الاستعمار.

الجدير بالذكر هنا أنّ الذين خضعوا لهيمنة الاستعمار فضلًا عن إبعادهم عن البلدان الأوروبيّة وحرمانهم مِن حقوقهم ومزاياهم الثابتة، كذلك أبعدوا وتمّ تهميشهم فكريًّا وأخلاقيًّا. وهذه الرؤية المتقوّمة على التمييز باعتبار أنّ الإنسان الغربي ذو درجة عليا ومَن سواه ذو درجة دنيا وعاجز عن إدارة شؤونه الخاصّة، تتيح للقوى الاستعماريّة أنّ تبسط سلطتها السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة وتبرّرها بذرائع شتّى؛ وفي هذا السياق، قال أحد الباحثين إنّ هذه القوى لم تتمكّن مِن بسط هيمنتها على العالم لولا ترويج فكرة دنوّ منزلة سائر الشعوب والثقافات المحلّية غير الغربيّة، التي أصبحت مضمارًا يصول ويجول فيه[21]، حيث تمكّنوا مِن ذلك في بادئ الأمر عن طريق إشاعة الخلافات الدينيّة، وبعد ذلك ترويج الخلافات الأكسيولوجيّة والفكريّة، وكذلك القوميّة، بين الشعوب، فالطرف الآخر وفق هذه الرؤية غير مؤثّر وضعيف، ومِن ثمّ لا يحقّ له أنْ يحكم نفسه، بل لا بدّ أنْ يبقى تابعًا لمَن يتسلّط عليه وعديم الإرادة، وضمن هذه المواجهة الثنائيّة دائمًا ما يفترض وجود حركة تجري في اتّجاه واحد؛ أي إنّها حركة تنطلق مِن جهة المستعمِر إلى المستعمَر، وبعبارة أخرى مِن جانب الفاعل والمكتشف نحو المكشوف، فهي حركة مِن جهة الذي يقيّم الأمور إلى مَنْ يتمّ تقييمه[22]، وكما قال الباحث ألبير مـمّي Albert Memmi، فالمستعمِر في خطابه عندما يعرّف المستعمَر بأنّه عاجز، يقصد أيضًا أنّ هذا العجز بحاجة إلى مَن يزيله. لذا، يتّضح لنا في هذا التعريف أنّ المستعمِر هو صاحب الهويّة والذات والمستعمَر مرآة لانعكاس هويّة المستعمر وذاته. وجود ازدواجيّات كهذه في كلّ مضمارٍ عادةً ما تنصبّ في بلورة المدلول الأقوى، الذي يراد منه الحفاظ على الأيديولوجيّات والثقافات المهيمنة وترسيخها[23]. وهذا الأمر هو الذي دعا كارل ماركس لأنْ يعتبر السكّان المحليين في المناطق النائية والبلدان غير الأوروبيّة بأنّهم ما زالوا في مرحلة الطفولة، ولا يستطيعون أنْ ينطقوا نيابةً عن أنفسهم، ثمّ على هذا الأساس ادّعى أنّ الأوروبيين هم الذين لهم صلاحية النطق بدلًا عنهم، فالمجتمعات الآسيويّة، برأي هذا المفكّر الغربي، تفتقر إلى العناصر الضروريّة والخلفيّات الأساسيّة التي تؤهّلها لأنْ تتحوّل إلى مجتمعات متحضّرة، وبالتالي، فهي بحاجة إلى العناصر الفاعلة الموجودة في النظام الرأسمالي الغربي كي تشهد تحوّلًا جذريًّا وتتطوّر لتواكب العصر الحديث، وهذا الأمر جعل الاستعمار الرأسمالي ضرورةً تاريخيّةً لهذه المجتمعات[24].

الإمبرياليّة الفكريّة هي إحدى المسائل المهمّة المرتبطة بالمواضيع التي ذكرناها، وقد تطرّق الباحث السيّد فريد العطاس إلى الحديث عنها مؤكّدًا أنّها صورة للاستعمار والإمبرياليّة الغربيين، ولها القابليّة على البقاء فاعلةً إلى أقصى حدّ حتّى عندما ينتهي الاستعمار السياسي، حيث تتبلور في قناع تبعيّة الجامعات والأوساط الأكاديميّة والفكريّة للعالم الغربي[25]، وفي هذا المضمار أشار إلى أنّها تمتاز بستّ خصائص تتناغم مع الإمبرياليّة الاقتصاديّة والإمبرياليّة السياسيّة، وهي كالآتي:

1) استغلال الآخرين.
2) الإشراف على شؤونهم.
3) تحويلهم إلى تابعين لا استقلال لهم.
4) اعتبار كلّ دور يقوم به علماء ومفكّرو المناطق الخاضعة للسلطة الاستعماريّة بأنّه ثانوي.
5) إيجاد تبريرات لتوجيه المدّ الحضاري الإمبريالي وخلق أدلّة تسوّغه وتقنع الآخرين به.
6) ترويج فكرة أنّ العلماء المحلّيين في المناطق الخاضعة للسلطة الاستعماريّة والمتخصّصين في مختلف المجالات، كفاءتهم أقلّ مِن الغربيين[26].

الإنسان الأوروبي المنتصر، والذي كأنّه حقّق هذا النصر بفضل مشروع تاريخي شامل، هو الذي يحمل رسالة التحضّر والعمران التاريخيّة. وعلى هذا الأساس، فالباحث والسياسي الفرنسي جان باتيست جوزيف فورييه Jean Baptiste Joseph Fourier أشار في نصوصه بخصوص نابليون بونابرت، الذي احتلّ مصر استجابةً لمشروع عامّ وشامل طرحه الآخرون، إلى أنّ هذا القائد العسكري أراد أنْ يصبح نموذجًا متعاليًا وقدوةً أوروبيّةً مفيدةً لسائر الشعوب في شرق الأرض، وتحسين الأوضاع المعيشيّة للسكّان المحلّيين، ومنحهم جميع الإنجازات الحسنة التي حدثت بفضل الحضارة المتطوّرة[27]. ومِن البديهي أنّ تصويرًا كهذا يمهّد الطريق لسيادة الاستعمار الغربي، إذ يمكن للمستعمرين على أساسه أنْ يحقّقوا أهدافهم بكلّ سهولة، بحيث يحوّلون هويّة الطرف الآخر الخاضع لسلطتهم إلى هوية غربيّة، ويهيمنون عليه أو يهمّشونه بالكامل، فهذا المسخ للهويّة المحلّية يتاح أكثر على ضوء التصوير المذكور.

الباحث الفرنسي الذي ينحدر مِن أصول بلغاريّة تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov أكّد أنّ سلوك كلّ مستعمر في البلاد التي يستعمرها، قوامه أمران أساسيّان، فهو إمّا أنْ يمحق هويّتها بالكامل ويجعلها منطبقة مع هويّته، وإمّا أنْ يهمّشها ويقلّل مِن شأنها ثمّ يجعلها خاضعةً لسلطته. والدوافع في كلتا الحالتين واحدة، وهي مركزيّة الذات والتفرّد - الرؤية الأحاديّة - حين طرح القيم الغربيّة في مقابل القيم العامّة، إذ يطرح الغربيّون قيمهم بصفتها ذات صبغة عالميّة، ومِن ثمّ يتمّ الترويج على أنّ العالم عبارة عن كيان واحد[28]. هذه التوجّهات السياسيّة كانت موجودةً منذ باكورة ظهور الاستعمار الغربي، ثمّ تواصلت في العهود اللاحقة، وطرحت بجدّية أكثر وعلى نطاق أوسع.

الوجه التبشيري للاستعمار
- مِن النزعة المسيحيّة إلى النزعة القوميّة ومركزيّة الغرب
الفيلسوف كارل بوبر Sir Karl Popper هو أحد أشهر المفكّرين الغربيين في القرن العشرين، وضمن لقاء أجرته معه مجلّة دير شبيغل Der Spiegel الألمانيّة ذكر أمورًا في غاية الأهمّية، بحيث يمكن اعتبارها خلاصةً ومغزى لكلّ فكر متقوّم على نزعة غربيّة أوروبيّة، وكلّ رؤية تطرح بمحوريّة الفكر الغربي المعاصر، فقد أشار إلى ظاهرة شموليّة حاكمة على فكر الإنسان الغربي المعاصر وسلوكيّاته، وفي هذا السياق اعتبر النظام الاجتماعي الليبرالي بأنّه أفضل نظام في العالم، بحيث لم تشهد الكرة الأرضيّة قبل ظهوره نظامًا أكثر عدلًا منه. اللافت للنظر أنّه في هذا اللقاء قال بصريح العبارة «يجب أنْ نؤجّج حربًا لأجل إقامة السلام»، وممّا قاله أيضًا: «لا ينبغي لنا الخشية مِن تأجيج حربٍ بهدف إقامة السلام، وهذا الأمر لا بدّ منه في الظروف الراهنة، وعلى الرغم مِن أنَّه مؤسف حقًّا، لكنْ إنْ أردنا إنقاذ العالم، فلا حيلة لنا سوى ذلك»[29]. هذا الكلام يدلّ على أنّ مسألة مركزيّة الغرب والإنسان الغربي واعتبارهما ظاهرةً شموليةً، تشابه إلى حدّ كبير المفهوم الذي كان يطرح تحت عنوان الحرب العادلة مِن قبل أتباع الفكر المسيحي، تلك الحرب التي اعتبرها المسيحيّون حقًّا مِن حقوقهم يدافعون على أساسه عن المبادئ الأخلاقيّة.

الجدير بالذكر هنا أنّ كارل بوبر برّر الحرب التي يجب أنْ يخوضها الغرب ضدّ الطرف المقابل بكونها مدعاةً للصلح والسلام في العالم، وفي هذا السياق صوّر الإنسان الغربي وكأنّه مبعوث مِن قبل إله السلام في الأرض، لذا تنمّ هذه الرؤية عن كون الغرب والسلوكيّات الغربيّة، التي مِن جملتها استعمار سائر الشعوب وترويج الإمبرياليّة في العالم، عنصرًا مطلوبًا، وأساسه هدف متعالٍ.

الباحث ألبير مـمّي ضمن كتابه «صورة المستعمِر وصورة المستعمَر» تطرّق إلى الحديث عن هذا الموضوع بأسلوب تهكّمي، وابتدأ قائلًا: «مِن الممتع أحيانًا في عصرنا الحاضر تصوير المستعمِر بأنّه رجل طويل القامة وبشرته ملتهبة مِن حرارة الشمس ومرتديًا حذاءً طويلًا، وهو واقف ومتّكئ على مجرفةٍ، لأنّه لا يتوانى عن العمل مطلقًا، ونظرته متّجهة نحو أفق بعيد متأمّلًا في البلدان البعيدة، حيث سخّر نفسه لصراع محتدم مع الطبيعة لأجل أقرانه البشر، وفي هذا المضمار راح يعالج المرضى ويثقّف الشعوب؛ وباختصار يعتبر إنسانًا نبيلًا ورائدًا في هذا العالم»[30]. نستشفّ مِن هذا الكلام أنّ ألبير مـمّي يشكّك في مصداقيّة رأي مَنْ يعتبر الاستعمار تبشيرًا للشعوب وسندًا للحقّ، ويصوّره بصورة الرائد وحامل راية الإعمار والمدافع عن الإنسانيّة والمضحّي والرمز الأمثل للتطوّر والتحرّر في العالم.

كلمة «استعمار» في اللغة العربيّة على وزن «استفعال»، ومشتقّة مِن كلمة «عَمَرَ»، التي تشتقّ منها كلمة «عمران» أيضًا، وعلى هذا الأساس تعني كلمة «استعمار» السعي للعمران[31]، والمستعمِر وفق هذا المعنى عبارة عن إنسان، نهجه العمران والتحضّر. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ أحد معاني كلمة «عمران» يتبلور في ثقافتنا الإسلاميّة بمدلول قريب مِن معنى التحضّر والحياة المدنيّة.
كلمة «استعمار» عبارة عن مصطلح مترجم للمصطلح الإنجليزي colonialism المتعارف في الأوساط الغربيّة، والمستعمَرة وفق هذا المدلول هي المكان الذي يتمّ استعماره، وفي اللغة الإنجليزيّة يطلق عليها colony، وهي مع مشتقّاتها مثل colonist مستوحاة مِن الكلمة اللاتينيّة colonia المشتقّة مِن كلمة colonus، التي تعني المزارع وربّ البيت. كلمة colonist مشتقّة مِن colere التي تعني الزراعة[32].

كلمة colony في اللغة الفرنسيّة مشتقّة مِن colonia، التي أصلها colonus، التي تعني المزارع، كذلك مِن كلمة colore التي تعني الزراعة والاستيطان، وكما قال الباحثان فيجاي ميشرا وبوب هوج، وحسبما ذكر في قاموس وبستر[33]، فإنّ كلمة colony مشتقّة مِن الجذر اللغوي الأساسي colo، الذي تتشعّب منه كلمات كثيرة، مثل كلمة culture، وعلى هذا الأساس طرحا السؤال الآتي: كيف يمكن أنْ تجمع كلّ هذه الكلمات في المعنى المعاصر، الذي تدلّ عليه كلمة colony؟ للإجابة عن هذا السؤال وضّحا الموضوع اعتمادًا على معطيات قاموس White and Riddle، واستنتجا أنّ هذا المفهوم مرتبط بالكلمة السنسكريتيّة kshi، التي تعني الاستيطان، وهذه الكلمة أيضًا تعدّ مصدرًا اشتقاقيًّا أساسيًّا لعدّة كلمات في اللغة اللاتينيّة، حيث تدلّ على الاستيطان والإقامة والتوقّف في مكان والسكن ببقعة معيّنة، ثمّ تتفرّع عنها مجموعة مِن المعاني المرتبطة بها وبمدلولها، مثل حراثة الأرض وزراعتها، كذلك معان مجازيّة، مثل عمل الفكر أو الروح وعبادة الآلهة[34].

نستنتج مِن جملة ما ذكر أنّ المعاني المستوحاة مِن كلّ هذه الجذور اللغويّة، موجودة في كلمة colony اللاتينيّة، وتشير بشكل ملحوظ إلى أنّ المفهوم الحديث للاستعمار والصورة التي يطرحها المستعمر لنفسه، تعتبران عنصرين أساسيين للتحضّر والعمران في العالم. والطابع العامّ والبارز وقوام هذه الصورة، هو وجود مواجهة بين طرفين، يعتبر المستعمر الغربي نفسه في رحابها بأنّه صاحب الشان الرفيع والأفضليّة على الطرف الآخر الذي يدّعي أنّه يجسّد حالة سلبيّة ودرجته متدنّية؛ ثمّ إنّ المستعمر الغربي بناءً على هذا التقسيم المطروح مِن قبل الأوساط الغربيّة، والذي تحوّل إلى ركيزة أساسيّة لهيمنة عالميّة وصبغة ذاتيّة لهويّة مِن يخضع للاستعمار، يتحوّل إلى عنصر فاعل على صعيد الإعمار، ويصوّر بصفته حامل رسالة عظيمة للبشريّة، بحيث تصبح قيمه بمثابة قيم مطلقة لا نقاش حولها، ومِن هذا المنطلق يمنح لنفسه الحقّ في فرضها على سائر الشعوب والأمم في شتّى أرجاء العالم. ولا شكّ في أنّ السعي لخلق هيمنةٍ كهذه، يعدّ جزءًا لا يتجزًّا مِن واقع الحركة الاستعماريّة الغربيّة، وفي هذا السياق قال الباحث إدوارد سعيد إنّ الإمبرياليّة والاستعمار ليسا مجرّد حركة بسيطة هدفها جني ثروات اقتصاديّة وتحقيق أرباح ماليّة، بل كلاهما مدعومان بشكل جادّ وفاعل مِن الناحية الإيديولوجيّة، ولربّما يضطرّ الإمبرياليّون والمستعمرون لأنْ يستغلّوا ما لديهم مِن معتقدات خاصّة لتلقين العالم بكون بعض البلدان والشعوب بحاجة إلى سلطة، ثمّ ترغب أبناءها بامتلاك علوم حرمتهم السلطات الحاكمة منها[35].

التبشير كصناعة استعماريّة
أوّل الإجراءات التي اتّخذها المستعمرون هو ترويج المسيحيّة في المناطق التي يستعمرونها عن طريق الحركات التبشيريّة، فالمستعمرون الإسبان والبرتغاليّون الأوائل، وحتّى البريطانيّون بعدهم، اعتبروا أنفسهم جنود النبيّ عيسى (عليه السلام)، ومبشّرين يهدون البشريّة في شتّى أرجاء العالم إلى النجاة والسعادة، وفي هذا الصدد قال الفيلسوف فريد راينهارد دالماير Fred Reinhard Dallmayr إنّ الاستعمار البريطاني والهولندي كان على غرار الاستعمار الإسباني قد تواكب مع حركات تبشيريّة، هدفها ترويج معتقدات دينيّة مسيحيّة إلى جانب نشاطات ثقافيّة وإيديولوجيّة، حيث انصبّت جهود المبشّرين الذين روّجوا الثقافة الغربيّة في شتّى بقاع العالم على نشر رسالة عالميّة لأصحاب البشرة البيضاء، وفي المرحلة اللاحقة استطاعوا أنْ يؤثّروا على واقع حياة جميع الشعوب غير الأوروبيّة التي نشطوا في بلدانها، وهذا التأثير تبلور في نواح عديدة دينيّة وسياسيّة واقتصاديّة، حيث غيّروا نمط حياة السكّان المحلّيين بذريعة هدايتهم إلى مبادئ تعود عليهم بالفائدة مستقبلًا[36].
تزامنًا مع الأسفار التي قام بها التجّار ورجال السياسة الغربيّون، شدّ المبشّرون المسيحيّون رحالهم إلى مختلف أرجاء المعمورة، بل بعض المبشّرين سبقوا الجميع في هذا المضمار، وخلال هذه الحقبة مِن الزمن وسّع أتباع بعض الفرق المسيحيّة نشاطاتهم التبشيريّة بهدف نشر معتقداتهم مِن أقصى غرب الأرض إلى أقصى شرقها، وعلى رأسهم أتباع الفرقة اليسوعيّة Jesuits والفرقة الكرمليّة Carmelites والفرقة الفرنسيسكانيّة Franciscans. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ إحدى السياسات الارتكازيّة التي انتهجها المستعمرون الغربيّون آنذاك هي نشر المسيحيّة، وإثر ذلك شاعت عقيدة التثليث التي روّج لها المبشّرون، فعلى سبيل المثال في سنة (1550م) والسنوات التي سبقتها، بادر الزعيم الروحي للفرقة اليسوعيّة إلى تعميد آلاف الأشخاص في الهند وأندونيسيا وحتّى اليابان[37].

الجدير بالذكر هنا أنّ السياسة المتقوّمة على أسس دينيّة مسيحيّة، وعلى التبشير بشكل عامّ، قد تجاوزت نطاق الحدود الجغرافيّة للبلدان الاستعماريّة، وتواكبت مع نشاطات عسكريّة أيضًا، إذ اتّخذ الغربيّون الحركة الدينيّة كذريعة لإنشاء مراكز سياسيّة مسيحيّة في المناطق النائية بكلّ مكان في العالم بغضّ النظر عمّا إنْ كانت المنطقة المقصودة خاضعة للهيمنة الاستعماريّة بشكل مباشر أو غير خاضعة لها، وحسب تعبير الباحث ألستر هانسي، فإنّ حدود الرسالة تجاوزت الحدود الجغرافيّة لكلّ مِن كندا والبرازيل وباراغواي، كما شملت الكثير مِن البلدان الأفريقيّة[38]، وكذا هو الحال في سائر بقاع العالم، ثمّ تواصلت هذه السياسة التوسّعية الاستعماريّة في السنوات اللاحقة، بحيث وصفها الباحث إيمي سيزير في عهد قريب مِن عهدنا قائلًا: «تمكّن المستعمرون مِن ترويض السود وتحويلهم إلى عيسويين».

نودّ التنويه هنا إلى أنّ السياسة الدينيّة تعدّ بعدًا أساسيًّا في السياسة الاستعماريّة، إذ بذلت البلدان الاستعماريّة قصارى جهودها لترويج معتقدات شعوبها، واعتبر أربابها أنفسهم جند الله وعيسى المسيح في الأرض ودعاةً للنجاة والسعادة وهداةً لسائر الشعوب والأمم الضالّة؛ لأنّ هدفهم هو إنقاذ أبنائها وإرشادهم إلى نهج الخلاص، فقد تمحورت نشاطاتهم حول ترغيب هؤلاء الضالّين برأيهم في أنْ يستبدلوا معتقداتهم الباطلة بمعتقدات مسيحيّة[39].
مِن البدهي أنّ التبشير للمسيحيّة لم يكن هو الهدف الوحيد الذي سعت البلدان الاستعماريّة إلى تحقيقه عبر اجتياحها سائر البلدان في العالم، بل هناك أهداف أخرى دعت إلى ذلك، مثل الهيمنة عليها فكريًّا وفي سائر المجالات، فهذا الأمر يعدّ جزءًا لا يتجزّأ مِن السياسات الاستعماريّة، ويمهّد الطريق للمستعمرين كي يسهّل لهم فعل ما يعجبهم، وتحقيق الأهداف التي يطمحون إلى تحقيقها. لذا، ليس مِن الحريّ بنا اعتبار الاستعمار الغربي مجرّد حركة عسكريّة أو هيمنة عسكريّة سياسيّة فقط، بل هو عبارة عن مجموعة مِن سياسات رسميّة، وأفعال غير رسميّة، ومضمار لتطبيق مبادئ إيديولوجيّة خاصّة مِن قبل بلد عظيم لأجل السيطرة على مستعمرة وإبقائها خاضعةً، واستثمار ما لديها مِن قابليّات وثروات[40].

على مرّ الزمان، فرضت رؤى جديدة في منظومة الفكر الاستعماري تتناغم مع التحوّلات التي شهدها الفكر الغربي، وفي هذا السياق أكّد الفيلسوف فريد راينهارد دالماير Fred Reinhard Dallmayr أنّ التثليث، الذي تمثّل في رجال العلم ورجال الدين والتجّار، الذين كان هدفهم جمع معلومات مِن شتّى أرجاء العالم وضمّ سائر الشعوب والأمم فكريًّا ومعنويًّا إلى المجتمع الغربي، وضمان تحقيق أكبر قدر ممكن مِن الأرباح الماليّة والمصالح المادّية، لكنّ هذا التثليث المسيحي الغربي تمّ تطويره وتوسيع نطاقه في المراحل اللاحقة ليشمل مفاهيم علمانيّة، ومن ثمّ تحوّل إلى تثليث يروّج له المبشّرون المسيحيّون وأصحاب رؤوس الأموال والمفكّرون[41]، وخلال هذه الحقبة شهد العالم ترويج القيم الغربيّة الحديثة باعتبارها صاحبة القول الفصل في المجالات كافّة، وهذه هي إحدى خصائص عهد التنوير الفكري والعهد الذي سبقه، وعلى أساس هذا التغيير تحوّل التطوّر والتنمية والنهج العقلي والحضارة والتاريخ إلى أروقة عظيمة يطرح في رحابها الفكر الغربي، وتروّج مختلف الأمور التي يروم الغربيّون إلى تحقيقها، إذ استند الاستعمار الأوروبي والفكر الحاكم إلى العالم الغربي المعاصر له لأجل إيجاد ازدواجيّة وتضادّ في رحاب الكثير مِن الأطروحات المحفوفة بالتضادّ، مثل العقل والجنون، المعرفة والجهل، التطوّر والتخلّف، مواكبة ركب التاريخ والتخلّف عنه عبر السير في اتّجاه معاكس له، الصحّة والمرض، هويّتي وهويّة الغير الذي هو طرف آخر. لكنْ في خضمّ هذه الأوضاع، باتت هويّة الإنسان الغربي والأوروبي بالتحديد عرضةً لخطر محدق، مصدره الطرف الآخر، بحيث يمكن تشبيهه بالإنسان الصحيح الذي يهدّده مرض يسري له مِن شخص مصاب به. ومن هذا المنطلق، فهذا الإنسان الغربي السالم والصحيح يحمل رسالةً هادفةً إلى الحفاظ على سلامته، وبإمكانه تحقيق ذلك عن طريق فرض قيمه الخاصّة، واعتبارها معيارًا أساسيًّا للصلاح والصحّة والسلامة.

الطرف الآخر الذي لا يحمل الخصال والميزات الغربيّة، ويجسّد هويةً تختلف عن الهوية الغربيّة، هو وفق رؤية أرباب الاستعمار الحديث، لا يمتلك خصائص وميزات ذاتيّة، وليست لديه الكفاءة اللازمة التي تفعّل في ذاته معطيات تيّار العصرنة والحداثة والتطوّر. لذا، إنْ أريد تمكينه مِن ذلك، فلا بدّ مِن إقحامه في دوّامة التطوّر وإخضاعه لحركة التاريخ، وهذا الأمر دون شكّ بحاجة إلى إشراف مباشر وهداية مِن قبل الإنسان الأوروبي الغربي المعاصر. الجدير بالذكر هنا أنّ الفيلسوف يوهان غوتفريد هردر Johann Gottfried Herder اعترض على هذه الرؤية التي طرحت إبّان انتعاش حركة التنوير الفكري في عصر النهضة والحداثة، حيث تهكّم بالمفكّرين الغربيين الذين تبنّوا نظريةًّ كهذه، واعتبرهم قد انجرفوا في تيّار الغرور الذي طغى على المجتمعات الغربيّة، ويصوّر أبناءها أنّهم أفضل مِن سائر الشعوب والأمم، وأكّد على أنّهم روّجوا لذلك تحت مسمّى التطوّر، وممّا قاله بهذا الخصوص: «سوف تؤسّس مستوطنات أوروبيّة في كلّ بقعة في العالم خلال المستقبل القريب، والبدويّون في شتّى أرجاء المعمورة بمجرّد أنْ يعجبوا بالماركات التجاريّة والصناعيّة ومختلف وسائل الزينة والتجمّل التي ننتجها، سوف يصبحون مستعدّين لتغيير معتقداتهم، ثمّ سرعان ما يقتبسون ثقافتنا، وإن شاء الله سوف يتحوّلون إلى أناس صالحين وأقوياء وسعداء مثلنا بالضبط!»[42].

النظريّة الغربيّة الشاملة التي طرحت في العصر الحديث، قوامها طرح مشروع تاريخي عظيم وشامل بمركزيّة الغرب والإنسان الغربي، وهذا هو التوجّه الذي وصف بأنّه استحواذ مطلق للتنوير الفكري على العالم، إذ على أساسه وضع الغربيّون للبشريّة جمعاء وللتاريخ بأسره برنامجًا عامًّا وشموليًّا بقيادة الشعوب الغربيّة المتطوّرة، التي تعرف حقيقته وتفاصيله ومقوّماته كافّة، بينما سائر الشعوب جاهلة به، وإثر هذا التوجّه روّجت فكرة إمكانيّة تحقيق السعادة العامّة لجميع بني آدم وفي شتّى أرجاء العالم عن طريق الاعتماد على التجربة التاريخيّة الغربيّة والقيم التي يعتقد بها الإنسان الأوروبي المعاصر. ومِن هذا المنطلق، بات الاستعمار بمثابة منهج وخارطة طريق يتحقّق في رحابها الهدف التاريخي المنشود، وهذا الهدف بطبيعة الحال منبثق مِن رؤية الإنسان الغربي وتوجّهاته الفكريّة، وأمّا السكّان المحلّيون في مختلف بقاع العالم - المقصود غير الغربيين طبعًا - فلا يعتبرون هدفًا للرقيّ والتطوّر بأنفسهم، بل هم مجرّد وسائل لتحقيق رسالة التحضّر التي حمل رايتها الإنسان الغربي المعاصر، والماضي في هذا المضمار يعدّ مرتكزًا لتحقيق الأهداف التاريخيّة وبلوغ ما تمّ بلوغه في الوقت الحاضر، فهو عبارة عن ممرّ يجتازه الناس لتحقيق الهدف الغربي العامّ والشامل.

الإنسان الغربي كمعيار ثابت
الاختلاف الكائن في الزمان والمكان بناءً على هذه الرؤية، يتمّ تجاهله بالكامل مِن قبل الإنسان المستعمر، رغم أنّ أسبابه قد تعود إلى عدم وجود انطباق بين القيم والمعايير المبدئيّة المتعارفة في المجتمعات البشريّة الغربيّة وغيرها، وإثر هذا التجاهل يصاغ كلّ شيء وفق مبادئ شاملة وقيم عامّة مطلقة في رحاب مجتمع مثالي، ومِن البدهي أنّ هذه المبادئ والقيم، وحتّى المجتمع، هي أمور مرتبطة في الواقع بالعالم الغربي والإنسان المتجدّد الذي أنجبه، حيث تُتّخذ كمعيار أساسي لتقييم الآخرين ثمّ تفرض عليهم. ومِن هذا المنطلق، يتحوّل الإنسان الغربي إلى معيار ثابت يقيّم على أساسه كلّ خير وشرّ في الحياة، ناهيك عن أنّ المفكّر الغربي المعاصر يعتبر نفسه متكاملًا وناضجًا فكريًّا مقارنةً مع أقرانه المفكّرين مِن أبناء سائر الشعوب والأمم، ونضوجه الفكري هذا يطرح وفق رؤى وتوجّهات إيمانوئيل كانط[43]، ويصوّر بأنّه نبراس يجب أنْ تهتدي به البشريّة للسير على النهج الصحيح، فهؤلاء المفكّرون الذين ولدوا في رحم المجتمع الغربي، يتّبعون في منظومتهم الفكريّة قواعد عقليّة ذاتيّة ومستقلّة، لكونهم يتمتّعون باستقلال عقلي تامّ ومطلق وقدرة عقليّة تبلغ الذروة بعد أنْ تمكّنوا مِن تحطيم قيود الأساطير والخرافات وتجاوزوا جدران التخلّف، لذا يمتلكون القابليّة على هداية سائر بني آدم إلى النور والحقّ، وإخراجهم مِن ظلمات الجهل المحدق بهم، والباطل الذي يستحوذ على زمام أمورهم؛ لأنّهم ما زالوا غير ناضجين عقليًّا وفكريًّا.

الرؤية الغربيّة تؤكّد على كون الإنسان المثقّف العاقل وصاحب الفكر النيّر بإمكانه حسب الرؤية الغربيّة أنْ يعتمد على عقله وعلمه، كما أنّ العلم المتقوّم على قواعد ومناهج منتظمة - أي العلم المنهجي - هو أنسب مصدر للتنظير وطرح الآراء وتقييم جميع الأمور في العالم. وعلى هذا الأساس، سوّغ الغربيّون لأنفسهم أنْ يفكّروا ويستدلّوا ويستنتجوا بدلًا عن سائر الناس - غير الغربيين طبعًا - لكونهم غير ناضجين عقليًّا وفكريًّا ومتخلّفين علميًّا؛ أي إنّهم لم يحرّروا عقولهم وعلومهم مِن القيود التي تكبّلها. لذا، لا يمكن أنْ يهتدوا إلى الطريق الصائب والنهج القويم إلّا مِن خلال الاعتماد على فكر الإنسان الغربي ونظريّاته، فهو وحده قادر على توجييهم إلى سبيل السعادة في الحياة.
الجدير بالذكر هنا أنّ السعادة التي تطرح مِن خلال هذه الرؤية، التي قوامها العقل البديل - أي حلول العقل الغربي محلّ العقل الآخر - لا يمكن نيلها إلّا عبر الانضواء تحت مظلّة الدين المسيحي، ممّا يعني أنّ مركزيّة المسيحيّة في النشاطات الاستعماريّة، وكونها محورًا أساسيًّا في التعامل مع الشعوب المستعمَرة حسب رؤية المستعمِرين، باقية على حالها في النشاطات الاستعماريّة، ولا يمكن التخلّي عنها مطلقًا.

العلم المنهجي في الحقيقة ينصبّ في خدمة الفكر الاستعماري في نهاية المطاف، بحيث يتحوّل إلى وسيلة طيّعة بيد أصحاب الإيديولوجيّات المهيمنة على العالم، وهذه الظاهرة التي شهدها العصر الحديث، انتقدت مِن قبل بعض المفكّرين الغربيين في القرن العشرين، مثل بول فييراباند Paul Feyerabend، الذي قال إنّ ما يتّسم به العلم المنهجي حسب المتعارف، هو عدم اقتصاره على كونه وسيلةً للبحوث والدراسات العلميّة البحتة، بل تحوّل إلى وسيلة ضغط سياسي مِن قبل فئة معيّنة[44]. وفي هذا السياق، أكّد أنّ العلم بحدّ ذاته يعدّ مِن أفضل الإنجازات التي توصّلت إليها البشريّة، وفي رحابه تحقّقت أعظم الاختراعات العقليّة، لكنّه بات في مواجهة إيديولوجيّات تسخّره لقتل الثقافات[45]. وقال أيضًا: «صحيح أنّ العلم الغربي بسط سيطرته على الكرة الأرضيّة مِن أقصاها إلى أقصاها، لكنّ العقل في رحابه ليس مستقلًا بذاته، وإنّما تمّ تسخيره في لعبة السلطة، وبات وسيلةً لتلبية حاجة المستعمرين إلى السلاح لأجل أنْ يتسنّى لهم استعمار الشعوب وفرض نهج حياة خاصّة عليها، لذا أنتج العلم الغربي أعتى وسائل القتل في العالم»[46].

هذا الواقع الذي شهده العالم في العصر الحديث هو الذي دعا بعض العلماء والمفكّرين إلى تحذير البشريّة مِن العلم الغربي الحديث، فالباحث الإيراني علي شريعتي على سبيل المثال، حذّر مِن النظريّات العلميّة والفكريّة الغربيّة، التي تطرح تحت مظلّة العلم والفكر، فهي برأيه تسعى إلى تلقين البشريّة بأنّ «الحضارة والثقافة مِن مختصّات العالم الغربي والأعراق البشريّة التي تقطن شمالي الكرة الأرضيّة، وأنّ الأعراق البشريّة التي تقطن الشرق لا ثقافة لها ولا حضارة، وإنّما مجرّد شعوب لم تنجز شيئًا سوى مسائل دينيّة عرفانيّة وصوفيّة»، والسبب في ذلك برأيه يعود إلى أنّ العالم الغربي يروم مِن وراء ترويج هذه الصورة «تبرير رقيّه وأفضليّته في شتّى المجالات الثقافيّة والاقتصاديّة والحضاريّة ثمّ تبرير تفوّقه العسكري والتقني على العالم الشرقي، وذلك تحت مسمّى العلم»[47].
الإنسان الحديث اعتمد على رؤية ميتافيزيقيّة، قوامها هيمنته ورغبته في التسلّط على العالم الذي يعيش فيه، وعلى هذا الأساس شدّ الرحال إلى شتّى أرجاء العالم لاستكشاف مناطق جديدة وبسط سلطته عليها، وكلّ شيء بالنسبة إليه - حسب الرؤية الغربيّة - قابل للمعرفة والاستكشاف؛ أي إنّه قادر على معرفة أسرار كلّ شيء وامتلاك علم به، وإثر ذلك يتاح له أنْ يخضعه لسلطته ويبسط نفوذه عليه، فالإنسان الذي يجتاح الحدود ويتجاوز كلّ قيد وقانون، طبيعيًّا كان أو إنسانيًّا، له الحقّ أنْ يصول ويجول في المناطق الواقعة خارج حدوده الجغرافيّة والسياسيّة الغربيّة ويفرض سيادته عليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الفيلسوفين رينيه ديكارت وبيكون ادّعيا أنّ الهدف مِن العلم والمعرفة، هو فرض سيطرة الإنسان على العالم الذي يعيش فيه، وتسخير الطبيعة وكلّ ما فيها لصالحه؛ وهذه الرؤية طرحت فيما بعد وفق صياغة حديثة مِن خلال ترويج فكرة أنّ الإنسان يمتلك قدرة عقليّة تمكّنه مِن إدارة شؤون العالم بأفضل نحوٍ ممكنٍ، لذا عندما اعتبر الإنسان الأوروبي نفسه مجهّزًا بالعقل الذي يعتبر مرشدًا للسعادة في الحياة، وادّعى أنّ أبناء سائر الشعوب والأمم ما زالوا غير بالغين ولم يبلغوا درجة الرشد والنضوج العقلي إثر عجزهم عن تسخير العقل، اعتبر نفسه قادرًا على أنْ يصبح قوّامًا عليهم، وأنْ يخضعهم لسلطته؛ وهذا ما حدث بالفعل.

لم يدم الأمر طويلًا بعد المدّ الفكري الغربي ذي الطابع الاستعماري حتّى أصبح ذلك الآخر - الغير - بمثابة كائن متخلّف عن ركب الحضارة وقابع تحت سلطة الطبيعة وفي منأى عن مسيرة التاريخ، فهو حسب الرؤية الغربيّة، مظهر مِن مظاهر عالم الطبيعة البدائي ومقهور له، لذا لا بدّ أنْ تتغيّر أوضاعه بالكامل مِن خلال إخضاعه لقدرة العقل، إذ يجب أنْ يتغلّب العقل على الجهل، وتتفوّق حركة التاريخ على عالم الطبيعة[48]. وعلى هذا الأساس بات موضوعًا يصوغ الإنسان الغربي هويّته ومعالمه الإنسانيّة كافّة كما يشاء؛ لأنّ الغرب المتطوّر اقتحم التاريخ، ثمّ تحوّل هذا التاريخ ميزةً له دون غيره، والإنسان الغربي في هذا المضمار هو حامل راية الحضارة والنبراس الذي يجب أنْ يستنير منه التاريخ كي تهتدي البشريّة بفكره، فهو وكلّ تجاربه التاريخيّة مصدر لتوجيه الحركة التاريخيّة للبشريّة قاطبةً، ويعتبر حلّال مشكلاتها وهاديها الأوحد. وخلاصة الكلام هي أنّ الممرّ الغربي هو المسار الوحيد الذي يجب أنْ يجتازه التاريخ، حيث تبدأ الحركة في العالم الغربي وتنتهي به.

دحض الغيريّة الإنسانيّة
بناءً على ما ذكر، فإنّ كلّ مجتمع يريد أنْ ينخرط في حركة التاريخ، لا بدّ وأنْ يمرّ في الطريق الذي خطّه الإنسان الغربي للبشريّة، إذ لا دور للآخر - الغير - في صناعة التاريخ بصفته مضمارًا لحرّية البشر وجهودهم الرامية إلى الخلاص مِن القيود المفروضة عليهم، وممّا قاله الباحث علي شريعتي بهذا الخصوص: «الإنسان غير الغربي دائمًا يعيش في هامش التاريخ الغربي، ولا يذكر اسمه إلّا ضمن هذا الهامش، وليس في نصّ التاريخ»[49].

إذًا، إنْ أراد الإنسان غير الغربي أنْ يلج في مضمار التاريخ ويبلغ مرحلة النضوج، فلا محيص له سوى أنْ يصهر هويّته في باطن التجربة التي خاضها نظيره الغربي، الذي تمكّن مِن بلوغ قمم التاريخ الشاهقة وحمل راية الريادة في الحركة التاريخيّة وفي مبادئ الحرّية والإنسانيّة، ومِن هذا المنطلق له الحقّ المطلق في أنْ يصبح قيومًا على الإنسان غير الغربي، ومرجعًا له.
حسبما ذكر، فالتاريخ بشكل عامّ، والتطوّر التاريخي الذي شهدته البلدان الغربيّة بالأخصّ، يعين الإنسان على بلوغ مرحلة مِن مراحل الكمال والسعادة، ويضفي إلى سلطة الإنسان الغربي صبغةً شرعيّةً بصفته أنموذجًا يقتدى به، لكونه استنار بنور العقل والفكر وأدرك الحقائق، لذا بات التاريخ وفق رؤيته التفرّديّة الغربيّة مختصًّا به بعد أنْ بلغ قمّته الشاهقة، فهو الوحيد القادر على هداية البشريّة إلى سعادتها المنشودة، ولا يعرف السبيل الموصل إلى هذه السعادة سواه. كما أنّ محاربة شتّى أشكال الجهل باتت ذريعةً لإضفاء شرعيّة إلى سلوكيّات الإنسان الغربي المعاصر الذي بلغ درجة النضوج، حيث يعتبر نفسه مرشدًا وهاديًا لسائر بني آدم، وبيده مفتاح الحلّ لكلّ مشكلاتهم ومعاناتهم؛ لأنّهم ما زالوا في عهد الطفولة وعدم النضوج العقلي والفكري. لذا، فالتاريخ وفق هذه الرؤية يشير إلى حدوث تطوّر في حياة بني آدم، حيث يتحرّك الإنسان في رحابه مِن مراحل ابتدائيّة توصف بأنّها مرحلة طفولة ليصل إلى مرحلة بلوغ وإدراك وتنوير فكري، ليصبح إنسانًا مهتديًا في غنى عن كلّ مرجع آخر سوى عقله. لذا، فالعقل بالنسبة إلى الإنسان المعاصر يعدّ محورًا ارتكازيًّا وصاحب مقام أساسي، ومِن ثمّ فهو الموضوع المهمّ والمحوري في هذا العالم، وفي هذا السياق يعدّ الإنسان الغربي أنموذجًا بارزًا وجليًّا للعقل، والعالم الغربي يعتبر موطنًا للتنوير الفكري والبلوغ العقلي وسداد الرأي.

من أقوال أحد الباحثين بهذا الخصوص: «البنية الميتافيزيقيّة التي جعلت قوامًا للفكر، صوّرت الإنسان وكأنّه صاحب الدور الأساسي لمعرفة العالم، ومنحته الحقّ في الهيمنة على الحياة الفكريّة في عصر الحداثة»[50].

كما أنّ العقل يعدّ مرتكزًا في وجود الإنسان وفق الرؤية الاستعماريّة الغربيّة، كذلك الغرب والإنسان الغربي يعتبران مركزين أساسين في هذا العالم، وهذه الرؤية التي تمنح الإنسان الغربي أولويّةً والمتواكبة مع اعتقاد بسيادته فكريًّا على سائر البشر في شتّى أرجاء العالم، أسفرت عن ظهور قواعد وتوجّهات خاصّة على صعيد جغرافيا العالم، والجغرافيا السياسيّة بالأخصّ، فعلى سبيل المثال طرحت على ضوئها مفاهيم جديدة لا سابق لها، مثل الشرق الأوسط، والشرق الأقصى، والشرق الأدنى، وكلّها تشير إلى محوريّة الإنسان الغربي ومركزيّة آرائه وأفكاره[51]. ومن هذا المنطلق، استحقّ هذا الإنسان القابع في مركز الأرض، الذي هو العالم الغربي، أنْ يصوغ صورة العالم كما يشاء، ويحبك نظامه ومنهجه وفق إرادته، وأنْ يروّج في خطابه العالمي لعقل واحد وقيم واحدة ولغة واحدة ونظام جديد وعالم جديد. في خضمّ هذه الأطروحة الغربيّة للتاريخ وحركته الخطّيّة التي تنتهي إلى العالم الغربي والعصر الحديث، تحوّل كلّ شيء غير غربي والآخر - الغير - إلى مجرّد مواضيع لا فائدة منها سوى أنْ توضع في المتاحف والمعارض الغربيّة، التي ترتادها الشعوب الغربيّة الحديثة للاستمتاع بمشاهدتها؛ لأنّها كما يبدو قد اختفت بالكامل وراء حركة التاريخ وسحقت بمرور الزمان، لكنّ الإنسان الغربي المستطلع والباحث عن الحقيقة، استطاع أنْ يكتشفها ويعرضها أمام مرأى العالم؛ لذا كلّ شيء غير غربي فهو مرتبط بالماضي، وهذا العصر هو عهد الإنسان الغربي الحديث.

بناءً على ذلك، بما أنّ الآخر - الغير - ليس سوى شخصيّة تمثّل الزمان الماضي، وبقيت جامدةً راكدةً في باطن تاريخ البشريّة، فلا بدّ في هذه الحالة مِن نسيان الماضي ومواكبة حركة التاريخ المعاصرة فقط، وكأنّ المواجهة التي اندلعت بين الإنسان الغربي والطرف الآخر الذي يعدّ غير غربي، عبارة عن مواجهة بين حركة تاريخيّة صائبة وحركة متّجهة عكس وجهة التاريخ، لذا يعتبر الطرف الآخر شخصيّةً تحكي عن إنسان ما قبل التاريخ، وتنمّ عن جمود وتحجّر وركود على حالة واحدة لا تغيير لها ولم تلج في الحركة التاريخيّة، بحيث تعدّ أنموذجًا حيًّا للجهل والتخلّف، وفي هذه الحالة تقف في مواجهة حركة ممتدّة في الزمان يجسّدها التاريخ الغربي الذي يتحرّك نحو التطوّر والسعادة. هذه الحالة تعني وجود مواجهة متزامنة بين حركة مضادّة لحركة التاريخ وحركة تاريخيّة تسير نحو الرقيّ والتطوّر الغربي، والتي على أساسها واستنادًا إلى مشروع تاريخي عظيم حاكم على البشريّة، يجب أنْ تكون الحركة الأولى - غير الغربيّة - خاضعةً لها ولهمينتها، وكأنّ الاستعمار قد نشأ وتحرّك على مرّ الزمان وفق هذا الهدف.
هذا هو السبب الأساسي في اعتبار سائر الشعوب والأمم مجرّد مواضيع تاريخيّة وأهداف استعماريّة مشروعة، لذا نحن هنا أمام اختلاف بين أمرين، مغزى أحدهما أنّ الإنسان الغربي بمثابة موضوع تاريخي فاعل وبنّاء لتاريخ العالم، بينما الإنسان غير الغربي بمثابة موضوع تاريخي بحت لا طائل منه في الحركة التاريخيّة على الإطلاق. بناءً على هذه الرؤية، إنْ اعتبرنا الإنسان بأنّه صانع للتاريخ، فلا بدّ مِن وجود رجال ونساء آخرين ليسوا سوى موضوع لهذا التاريخ؛ لكونهم راكدين لا حركة لهم ولا نشاط يذكر، كما قال الباحث الغربي فانون[52].

أحيانًا تطرح صورة الطرف الآخر مِن قبل الغربيين بأنّه ما زال قابعًا في العهود التاريخيّة التي شهدتها المجتمعات الغربيّة في العصور الغابرة، ويعيش في أوضاع متخلّفة، بحيث تحكمة الأنظمة الإقطاعيّة، وما زال إلى عصرنا الحاضر عاجزًا عن مواكبة حركة التاريخ بالكامل، وفي هذه الحالة أيضًا لا محيص له سوى السير على نهج الغرب والحركة في ركب التاريخ الغربي.

الداروينيّة كتأسيس للعنصريّة الغربيّة
مع مرور الزمان، ومنذ القرن التاسع عشر بالتحديد، تواكبت الرؤية الغربيّة التي قوامها تطوّر الإنسان الغربي في شتّى المجالات الثقافيّة والاجتماعيّة والفكريّة، وتفوّقه على سائر البشر الذين بقوا متخلّفين، مع رؤية أخرى قوامها تطوّر هذا الإنسان بيولوجيًّا أيضًا، حيث أشاع الغربيّون فكرة أنّهم أكثر تكاملًا وتطوّرًا مِن الناحية البيولوجيّة، في حين أنّ غيرهم ما زال في مراحل ابتدائيّة مِن التطوّر البيولوجي. لذا، اعتُبر الإنسان الغربي أنموذجًا يجسّد التطوّر مِن هذه الناحية، ويعكس كيانه وجود الإنسان الحقيقي. الجدير بالذكر بهذا الخصوص أنّ هذه الرؤية منبثقة مِن أفكار وتوجّهات عنصريّة طغت على المجتمعات الغربيّة في القرن التاسع عشر وبعد رواج الداروينيّة الاجتماعيّة social darwinism؛ لأنّ الميزة البارزة للفكر الذي شاع في ذلك القرن، هي تقييم عظمة كلّ شيء وقيمته وحقيقته بمعيار النجاح والتفوّق على ما سواه. ولا شكّ في أنّ الفكر الدارويني، هو الصورة الأوضح والأكمل لهذا التوجّه، حيث تؤكّد نظريّة تشارلز داروين على أنّ التطوّر البيولوجي يوحي بأنّ تفوّق الشيء دليل على كونه صاحب الحقّ في البقاء. فالأطروحة الأساسيّة في هذه النظريّة، هي الصراع مِن أجل البقاء struggle for existence، والتي تؤكّد على أنّ العنصر القويّ في مضمار هذا الصراع، يقضي على الضعيف ويواصل بقاءه في الحياة، فهو صراع يجسّد قانون تطوّر الكائنات الحيّة.

بعد رواج نظريّة داروين ومشروع الفكر الدارويني في المضمار الاجتماعي، وظهور الداروينيّة الاجتماعيّة التي تأثّرت بالفكر العنصري والانحياز التامّ للإنسان الغربي مِن خلال تقييم كلّ شيء على أساس شخصيّته، التي باتت معيارًا أساسيًّا وأنموذجًا للتوفيق والنجاح في الحياة، أصبح هذا الإنسان كائنًا متفوّقًا في الصراع مِن أجل البقاء، وبالتالي، استحقّ أنْ يهيمن على الآخرين أو يهمّشهم بالكامل؛ لأنّهم أنموذج للكائن الضعيف الذي أخفق في مضمار هذا الصراع نظرًا لميزاتهم البيولوجيّة المتدنيّة، التي لا تضاهي الميزات البيولوجيّة لذلك الإنسان الغربي الكامل المتطوّر.
المستعمرون الغربيّون طرحوا هذه الفكرة وما شاكلها مِن أفكار تنصبّ في خدمتهم لأجل استعمار الآخرين وتربيتهم وفق أسس ومبادئ غربيّة، وفي هذا السياق قال أحد الباحثين: «استنادًا إلى القواعد الثابتة في قانون الطبيعة والمطروحة وفق أصول الداروينيّة الاجتماعيّة، يُستهان بالشعوب البدويّة لأجل إخضاعها أو لأجل القضاء على الأعراق المتدنيّة قوميًّا، وهذه الاستهانة اتّسمت بشرعيّةٍ. هذا مِن جهة، ومِن جهة أخرى طرح مفهوم الإصلاح العرقي - تعديل النسل - تزامنًا مع النشاطات التي ادّعي أنّ الهدف منها تطوير الناس حضاريًّا في رحاب إيديولوجيا شاملة وحاكمة على كلّ الإيديولوجيّات في العالم، وهذه النشاطات باتت مصدر تشجيع وتحفيز للقوى الاستعماريّة وإضفاء شرعيّة لها عبر ادّعاء أنّها قادرة على حمل مسؤوليّة الإنسان الأبيض وتطوير الأعراق البشريّة المتدنيّة، التي تعدّ بدائيّةً ومستعدّةً للاتّصاف بكلّ شيء يعرض عليها لأجل أنْ تتّصف بصورة مثاليّة»[53].

النزعة العنصريّة، التي تعدّ نمطًا يتمّ على أساسه تصنيف الشعوب والأمم وحتّى الأفراد وفق أسس أنثروبولوجيّة واختلافات أنطولوجيّة، هي في الحقيقة تنصبّ في مصلحة الفكر الاستعماري، وبعد أنْ تواكبت مع ظاهرة الداروينيّة الاجتماعيّة، اعتبرت الاستعمار حاملًا راية الإنسان المتطوّر المتعالي، الذي تقع على كاهله مسؤوليّة تحسين الأوضاع المعيشيّة والفكريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وسائر أوضاع بني آدم في شتّى أرجاء العالم، كما اعتبرت الطبقة الضعيفة في المجتمع مقهورةً أمام مَنْ يستعمرها.

نتيجة البحث
تطرّقنا في هذه المقالة إلى إثبات أنّ النظريات التي تتقوّم عليها السلوكيّات الاستعماريّة، أصبحت في العصر الحديث بمثابة عقيدة أساسيّة ومحور ارتكازي للبشريّة. وهذه العقيدة التي اعتبرت أساسيّةً وثابتةً، كما أشرنا، قوامها ميتافيزيقيا سلطويّة مهيمنة منبثقة مِن الفكر الديني المسيحي وسائر الرؤى الميتافيزيقيّة، التي طرحت في الأوساط الفكريّة الغربيّة إبّان العصر الحديث وباتت حاكمةً على الفكر الغربي بأكمله، وعلى أساس الإيديولوجيا التي نشأت مِن هذه الحركة التاريخيّة، طرحت في أروقة الفكر الغربي فكرة وجود مواجهة بين طرفين في العالم ضمن حركة ديالكتيكيّة، بحيث يتمّ على أساسها إضفاء هويّة للذات الغربيّة والذات الأخرى التي تعتبر غيرًا بالنسبة إلى الغرب.
هناك تناسب بين الأسلوب الذي اتّبع في طرح هذا الديالكتيك وكيفيّة تعريف هويّة الطرفين، وبين النشاطات والسياسات الاستعماريّة والإمبرياليّة، ومِن المؤكّد أنّ طرح رؤية ديالكتيكيّة بهذا النحو، ولا سيّما الديالكتيك الذي يتبلور على أرض الواقع في العصر الحديث، يتناغم مع المبادئ الميتافيزيقيّة الحاكمة على هذا العصر، حيث باتت النزعة الذاتيّة على أساسه مرتكزًا أساسيًّا في الفكر الاستعماري الغربي، الذي يكتسب هويّته الحقيقيّة وتتحدّ معالمه الكلّية على ضوء المواجهة الثنائيّة الموجودة في باطنه، وعلى أساسه يصبح الإنسان الغربي الأوروبي أنموذجًا جليًّا للحرّية والاستقلال الذاتي والتنوير الفكري وموضوعًا للتاريخ، بحيث تنشأ هويّته وتتبلور في رحاب المواجهة المشار إليها.

كلّ شيء آخر - غير غربي - يعتبر غيرًا حسب الرؤية الاستعماريّة، ومن ثمّ ينضوي ضمن مجموعة أخرى مترابطة الأجزاء تعمّ كلّ ما هو ليس غربيًّا في مختلف المجالات الجغرافيّة والقوميّة والثقافيّة والسياسيّة، وعلى هذا الأساس نشأ أنموذج معرفي خاصّ ومنهج تعريف، قوامه الذات والذات الأخرى أو الغير، فالذات الأولى محورها العالم الغربي بشكل عامّ، والأوروبي بشكل خاصّ، وفي رحاب هذه المواجهة تبلور نمط مِن التبسيط للأمور، بحيث يتمّ في رحابه تصوير أشياء مختلفة وغير متناغمة مع بعضها على أنّها متشابهة ومتناغمة بالكامل.
الثنائيّة بين الذات والأخرى، والتي تبلورت ضمن مواجهة بين طرفين، تواكبت مع الهيمنة الاستعماريّة الغربيّة على العالم، وأسفرت عن اتّساع رقعة المواجهة المنبثقة مِن الرؤية الغربيّة المتقوّمة على فكرة أصالة الذات الغربيّة، فقد انتشرت في شتّى أرجاء العالم وجعلت الفكر الاستعماري مهيمنًا على كلّ شيء، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّها مواجهة هدفها إنتاج معنى في المنظومة الفكريّة الاستعماريّة الغربيّة.

وأمّا التاريخ، فهو في رحاب هذه الرؤية يتمحور حول موضوع أساسي، قوامه الإنسان الغربي الذي يعتبر محورًا ومعيارًا لجميع المبادئ والأصول في الحياة، لذلك بات مضمارًا لتوسيع نطاق هذا الموضوع كي يعرف سائر البشر كيف يطوّرون أنفسهم ويبتدؤون نشاطاتهم التكامليّة انطلاقًا مِن العالم الغربي، الذي بلغ الذروة في التطوّر وأصبح صانعًا للتاريخ، فالإنسان الغربي وفق هذه الرؤية، هو موضوع التاريخ وحامل رسالته. ومِن هذا المنطلق له القدرة على أنْ يلمّ شمل الآخرين - غير الغربيين - ويرشدهم إلى الحركة امتدادًا مع حركته التاريخيّة الصائبة؛ لكونهم سائرين خلافًا لمجرى التاريخ. لذا، يعتبر حامل رسالة السعادة والخلاص للبشريّة في أرجاء العالم كافّة. والحقيقة هي أنّ الاستعمار يهدف إلى إخضاع البشريّة لهيمنة هذا الإنسان مِن النواحي كافّة.
التاريخ الغربي وفق هذا التوجّه يجري في رحاب حركة خطّية - ذات اتّجاه واحد - حيث يعتبر معيارًا عامًّا للتطوّر، ولا اعتبار لكلّ زمان وتاريخ غيره. وقد اتّسع نطاق هذه الرؤية للتاريخ وطرحت بقوّة بعد انتشار الفكر الدارويني في العالم الغربي، ورواج المبادئ الداروينيّة الاجتماعيّة، واستحواذ النزعة العنصريّة بين الغربيين.
لا شكّ في أنّنا إنْ تطرّقنا إلى دراسة وتحليل حقيقة الاستعمار دون أنْ نأخذ ما ذكر بعين الاعتبار، فليس مِن الممكن أنْ نحقّق نجاحًا يذكر، ولا يتسنّى لنا بيان الحقائق وإثبات المطلوب؛ لأنّ الاستعمار الغربي على ضوء استناده إلى التوجّهات المشار إليها، وعلى أساس النظريّات والتعاريف التي طرحت في أروقة الفكر الغربي، تمكّن مِن بسط سلطته والهيمنة على سائر البلدان.
المبادئ السلطويّة التي تتقوّم عليها الهيمنة الاستعماريّة الغربيّة ذات ارتباط وثيق بالمبادئ الفكريّة الحاكمة على العصر الحديث، فهذه المبادئ تصوّر الطرف المقابل - الآخر أو الغير - بهيئة كيان خاضع للاستعمار ومنصهر في باطن الخطاب الاستعماري، الذي يتمحور حول الغرب بالتحديد، ويستند إلى نظريّة خطيّة حركة التاريخ ومساره الواحد، الذي قوامه أصالة التجربة التاريخيّة الغربيّة. ومن هنا ينشأ الاعتقاد بكون الحداثة تجري في مجرى واحد، وأنّها أصيلة وكلّ ما سواها باطل. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّ الطرف الآخر وفق حسابات تيّار النهضة والحداثة، لا بدّ وأنْ تعرّف هويّته مِن جميع النواحي السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في رحاب خطاب الحداثة الغربي، كما قال الباحث ستيوارت هول.

الجدير بالذكر هنا أنّ الحداثة والتطوّر المرتبط بها ليسا مجرّد حركة قوامها تفاعل باطني وقابليّة ذاتيّة، بل كلّ واحد منهما مرتبط بالآخر ارتباطًا وثيقًا. كما أنّ منهج التعريف الغربي للمفاهيم، والذي تواكب في حقبة مِن الزمن مع المدّ الاستعماري الذي اجتاح العالم مِن أقصاه إلى أقصاه، لا يمكن اعتباره مجرّد ظاهرة شهدتها العهود الماضية، وإنّما له تأثير بالغ وفاعل في شتّى المجالات السياسيّة والعلميّة، وعلى مختلف الأنماط الفكريّة والنظريّات المعاصرة، التي طرحت وما زالت تطرح في عهد ما بعد الاستعمار.


لائحة المصادر والمراجع
إبراهيم توفيق، مقالة باللغة الفارسيّة نشرت تحت عنوان: «جامعه دوران گذار و گفتمان پسا استعماري: تأملي در بحران علوم اجتماعي در ايران» في مجلّة «جامعه شناسي ايران» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، السنة الثانية عشرة، العددان 1 و 2، التسلسل 34، سنة الإصدار 2011م.
إدوارد سعيد، شرق شناسي (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة لطف علي خنجي، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «أمير كبير»، سنة الإصدار 2007م.
إدوارد سعيد، فرهنگ و امپرياليسم (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة أكبر أفسري، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «توس»، 2003م.
آزاده شاهميري، نظريه و نقد پسا استعماري (باللغة الفارسيّة)، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «علم»، 2010م.
ألبير ممّي، چهره استعمار گر - چهره استعمار زده (باللغة الفارسيّة)، ترجمته إلى الفارسيّة هما ناطق، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «خوارزمي»، 1970م.
أمير روشن، مقالة باللغة الفارسيّة نشرت تحت عنوان: «علي شريعتي و اليناسيون فرهنگی» في مجلّة «پژوهش علوم سياسي» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، الدورة الثالثة، العدد 4، سنة الإصدار 2007م.
أنطونيو نيغري ومايكل هارت، امپراتوري: تبار شناسي جهاني شدن (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة رضا نجف زاده، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «قصيده سرا»، 2005م.
إيمانوئيل كانط، مقالة نشرت باللغة الفارسيّة تحت عنوان: «روشن گري چیست؟ در پاسخ يك پرسش» في مجلّة «كلك» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، العدد 22، سنة الإصدار 1991م، ترجمها إلى الفارسيّة همايون فولاد بور.
بابك أحمدي، معماي مدرنيته (باللغة الفارسيّة)، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «مركز»، 1998م.
بول فييراباند، بر ضد روش: طرح نظريه آناشيستي معرفت (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة مهدي قوام صفري، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «فكر روز»، 2006م.
ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، ديالكتيك روشن گري: قطعات فلسفي (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة مراد فرهان بور وأميد مهركان، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «گام نو»، 2010م.
جورج فيلهلم فريدريك هيغل، عقل در تاريخ (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة حميد عنايت، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «شفيعي»، 2000م.
حسن عميد، فرهنگ عميد (قاموس فارسي - فارسي)، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «أمير كبير»، 1984م.
روبرت روزفيل بالمر، تاريخ جهان نو (باللغة الفارسيّة)، الجزء الأوّل، ترجمه إلى الفارسيّة أبو القاسم طاهري، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «أمير كبير»، 2004م.
ستيوارت هول، غرب و بقيه: گفتمان و قدرت (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة محمود متّحد، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «آگه»، 2007م.
ستيوارت هول، معنا، فرهنگ و زندگي اجتماعي (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة أحمد گل محمّدي، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «ني»، 2012م.
علي شريعتي، ویژگی هاي قرون جديد (باللغة الفارسيّة)، الجزء الحادي والثلاثون مِن سلسلة آثار الدكتور علي شريعتي، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، بلا مكان نشر، منشورات «آشنا»، 1982م.
فرزاد نوا بخش ومسعود درودي، مقالة باللغة الفارسيّة نشرت تحت عنوان: «گفتاري در مطالعات پسا استعماري و ضرورت گسترش آن در جوامع غر غربي» في مجلّة «مطالعات توسعه اجتماعي إيران» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، العدد الأوّل، السنة السابعة، سنة الإصدار 2014م.
فريد راينهارد دالماير، راه هاي بديل: فراسوي شرق شناسي و غرب شناسي (باللغة الفارسيّة)، ترجمته إلى الفارسيّة فاطمة صادقي ونرجس تاجيك، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، آبادان، منشورات «پرسش»، 2005م.
كارل بوبر، مقالة باللغة الفارسيّة نشرت تحت عنوان: «گفت و گوي بوبر با اشبیگل: 23 مارس 1992م»، في مجلّة «آدينه» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، العدد 72، سنة الإصدار 1992م، ترجمها إلى الفارسيّة عيسى بهلوان وصادق صادقي بور.
Abernethy, David B. (2000), The Dynamics of Global Dominance (European Overseas Empire, 1415 - 1980), New Haven and London: Yale University Press.
Alatas, Syed Farid (2008), “Intellectual and Structural Challenges to Academic Dependency”, in: International Sociological Association (e - bulletin), No. 9.
Al - Saidi, Afaf Ahmed Hasan (2014), “Post - colonialism Literature the Concept of Self and the Other in Coetzee’s Waiting for the Barbarians: An Analytical Approach”, Journal of Language Teaching and Research, vol. 5, no. 1.
Ashcroft, Bill; Gareth Griffiths and Helen Tiffin (2007), Post - Colonial Studies: The Key Concepts, London and New York: Routledge, Second edition.
Bhabha, Homi K (1983), “The Other Question … Homi K. Bhabha Reconsiders the Stereotype and Colonial Discourse”, Screen, vol. 24, no. 6.
Gilman, Daniel Coit; Harry Thurston Peck and Frank Moore Colby (1905), The New International Encyclopedia, vol. V, New York: dodd, Mead and Company.
Mc Clintock, Anne (1992), “The Angel of Progress: Pitfalls of the Term “Post - Colonialism”, in: Social Text, No. 31 - 32, Third World and Post - Colonial Issues.
Mishra, Vijay; Bob Hodge (2005), “What Was Postcolonialism?”, New Literary History, vol 36, no 3.
Moosavinia, S. R; N. Niazi and Ahmad Ghaforian (2011), “Edward Said’s Orientalism and the Study of the Self and the Other in Orwell’s Burmese Days”, Studies in Literature and Language, vol. 2, no. 1.
Selvadurai, Sivapalan, ed al (2011), “Shifting Discourses in Social Sciences: Nexus of Knowledge and Power”, in: International Conference on Social Science and Humanity IPEDR, vol. 5, Singapore: IACSIT Press.
Staszak, Jean - François (2008), “Other / otherness” in: International of Human Geography, Oxford: Elsevier Science.
Young, Robert (1990), White Mythologies (Writing History and the West), London: Routledge.
Young, Robert J. C. (1995), “Foucault on Race and Colonialism”, in: New Formation.

--------------------------------
[1]*-. طالب دكتوراه في قسم التاريخ - جامعة تبريز. (الكاتب المشرف على تدوين المقالة) .
[2]**. أستاذ مشارك في قسم التاريخ - جامعة تبريز.
المصدر: مجلّة «غرب شناسي بنيادي» الفصليّة الحائزة على درجة مجلّة علميّة بحثيّة، والتي يصدرها معهد بحوث العلوم الإنسانيّة والدراسات الثقافيّة في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، السنة الثامنة، العدد الأوّل، سنة الإصدار 2017م، الصفحات 105 - 126.
- ترجمة: د. أسعد الكعبي.
[3]. Mc Clintock, Anne (1992), The Angel of Progress: Pitfalls of the Term “Post - Colonialism”, in: Social Text, No. 31- 32, Third World and Post - Colonial Issues, p. 84.
[4]. يانوس أو جانوس (باللاتينية: Ianus) هو إله البوّابات والمداخل والانتقالات والطرق والممرّات والمخارج في الميثولوجيا الرومانيّة، هذا الإله له وجهين، وجه ينظر للمستقبل ووجه ينظر للماضي، أي إنّه ينظر إلى جهتين متعاكستين، وهو الإله التقليدي لشهر يناير، ويعتبر هذا الشهر هو الأصل الذي اشتقّ منه اسمه، فهو بادئ السنة الميلاديّة، وفي الحين ذاته نهايتها، ويعتبر حسب الميثولوجيا أنّه مثير وحاسم النزاعات والحروب والسلام. ومن هذا المنطلق يعتبر إلهًا للبدايات والنهايات، باعتبار أنّ أحد وجهيه رمز للابتداء، ووجهه الآخر رمز للانتهاء، حيث اجتمعت البداية مع النهاية في شيء واحد، ومن ثمّ تعدّ نقطة الانطلاق مرتبطةً بنقطة النهاية.
[5]. ستيوارت هول، غرب و بقيه: گفتمان و قدرت (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة محمود متّحد، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «آگه»، 2007م، ص30 - 31.
[6]. ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر، ديالكتيك روشن گري: قطعات فلسفي (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة مراد فرهان بور وأميد مهركان، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «گام نو»، 2010م، ص21.
[7]. ستيوارت هول، معنا، فرهنگ وزندگي اجتماعي (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة أحمد گل محمّدي، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «ني»، 2012م
رقم الصفحة التي اقتبس منها الموضوع لم يذكر في النصّ. (المترجم)
[8]. Young, Robert J. C. (1995), “Foucault on Race and Colonialism”, in: New Formation.
[9]. Ashcroft, Bill; Gareth Griffiths and Helen Tiffin (2007), Post - Colonial Studies: The Key Concepts, London and New York: Routledge, Second edition, p. 37.
[10]. ستيوارت هول، غرب و بقيه: گفتمان و قدرت (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة محمود متّحد، ص41.
[11]. إبراهيم توفيق، مقالة باللغة الفارسيّة نشرت تحت عنوان: «جامعه دوران گذار و گفتمان پسا استعماري: تأملي در بحران علوم اجتماعي در ايران» في مجلّة «جامعه شناسي ايران» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، السنة الثانية عشرة، العددان 1 و 2، التسلسل 34، سنة الإصدار 2011م، ص27-18.
[12]. الباحثة آن ماك كلنتوك Anne Mc Clintock طرحت مسألة في غاية الأهمّية، مغزاها أنّ مصطلح عهد ما بعد الاستعمار post colonialism يحمل بين دفّتيه رؤيةً خطّيّةً ذات اتّجاه واحد بالنسبة إلى الزمان والتاريخ، فعلى أساس هذا المعنى استنتجت أنّ التاريخ وفق مدلول هذا المصطلح عبارة عن مراحل تجري في طريق ممتدّ تاريخي، حيث انطلقت مِن مرحلة ما قبل الاستعمار ثمّ بلغت مرحلة الاستعمار وبعد ذلك مرحلة ما بعد الاستعمار، وحسب هذا التوجيه، فالثقافات البشريّة ليست مختلفة عن بعضها، ولا تمتاز كلّ واحدة منها بخصائص فريدة لا تشاركها فيها غيرها، بل عبارة عن مظاهر تحكي عن تبعيّة للغير وفقًا لارتباط حدث في الماضي، ويمكن أن يتمّ تحديده على أساس حركة التكامل الزماني الخطّي للمجتمعات الأوروبيّة، لذا سائر الثقافات غير الأوروبيّة ترتبط بها ارتباطًا كرونولوجيًّا - أي حسب التسلسل الميقاتي أو الزماني - ومن ثمّ يجب تقسيمها كثقافات اجتماعيّة سابقة للحقبة الاستعماريّة أو لاحقة لها بمحوريّة أوروبا.
للاطّلاع على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، راجع:
Mc Clintock, Anne (1992), The Angel of Progress: Pitfalls of the Term “Post - Colonialism”, in: Social Text, No. 31 - 32, Third World and Post - Colonial Issues.
[13]. آزاده شاهميري، نظريه و نقد پسا استعماري (باللغة الفارسيّة)، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «علم»، 2010م، ص110.
[14]. أنطونيو نيغري ومايكل هارت، امپراتوري: تبار شناسي جهاني شدن (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة رضا نجف زاده، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «قصيده سرا»، 2005م، ص136.
[15]. المصدر السابق، ص139.
[16]. المصدر السابق، ص140.
[17]. Moosavinia, S. R; N. Niazi and Ahmad Ghaforian (2011), “Edward Said’s Orientalism and the Study of the Self and the Other in Orwell’s Burmese Days”, Studies in Literature and Language, vol. 2, no. 1., p. 105.
[18]. Staszak, Jean - François (2008), “Other/ otherness” in: International of Human Geography, Oxford: Elsevier Science.
[19]. Bhabha, Homi K (1983), “The Other Question … Homi K. Bhabha Reconsiders the Stereotype and Colonial Discourse”, Screen, vol. 24, no. 6., p. 18.
[20]. أنطونيو نيغري ومايكل هارت، امپراتوري: تبار شناسي جهاني شدن (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة رضا نجف زاده، ص139.
[21]. بابك أحمدي، معماي مدرنيته (باللغة الفارسيّة)، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «مركز»، 1998م، ص287.
[22]. Ashcroft, Bill; Gareth Griffiths and Helen Tiffin (2007), Post - Colonial Studies: The Key Concepts, London and New York: Routledge, Second edition, p. 21.
[23]. ألبير ممّي، چهره استعمار گر - چهره استعمار زده (باللغة الفارسيّة)، ترجمته إلى الفارسيّة هما ناطق، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «خوارزمي»، 1970م، ص100.
للاطّلاع على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، راجع أيضًا:
Al - Saidi, Afaf Ahmed Hasan (2014), “Post - colonialism Literature the Concept of Self and the Other in Coetzee’s Waiting for theBarbarians: An Analytical Approach”, Journal of Language Teaching and Research, vol. 5, no. 1., p. 95.
[24]. ستيوارت هول، غرب و بقيه: گفتمان و قدرت (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة محمود متّحد، ص111.
[25]. للاطّلاع على آراء وتفاصيل أكثر حول مسألة إمبرياليّة الغرب وهيمنته على العلوم الاجتماعيّة والدراسات الجامعيّة، وللاطّلاع على نظريّات الباحث السيّد فريد العطاس في هذا المضمار، راجع:
- Selvadurai, Sivapalan, ed al (2011), “Shifting Discourses in Social Sciences: Nexus of Knowledge and Power”, in: International Conference on Social Science and Humanity IPEDR, vol. 5, Singapore: IACSIT Press.
- Alatas, Syed Farid (2008), “Intellectual and Structural Challenges to Academic Dependency”, in: International Sociological Association (e - bulletin), No. 9.
[26]. فرزاد نوا بخش ومسعود درودي، مقالة باللغة الفارسيّة نشرت تحت عنوان: «گفتاري در مطالعات پسا استعماري و ضرورت گسترش آن در جوامع غر غربي» في مجلّة «مطالعات توسعه اجتماعي إيران» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، العدد الأوّل، السنة السابعة، سنة الإصدار 2014م، ص66.
الباحث السيّد فريد العطاس تأثّر بوالده السيّد حسين العطاس في طرح مفهوم الإمبرياليّة الفكريّة، وفي هذا السياق اعتبرها نقطة بداية مهمّة لمعرفة واقع التبعيّة الأكاديميّة - الجامعيّة - والفكريّة للعالم الغربي على صعيد العلوم الاجتماعيّة، حيث أكّد أنّها مضمار تتبلور فيها التبعيّة الأكاديميّة، وتطرح العلوم الاجتماعيّة على أساسها بصفتها قواعد عالميّة، كما اعتبرها شبيهةً بالإمبرياليّة السياسيّة والإمبرياليّة الاقتصاديّة، بحيث يمكن مقارنتها بهما، ومغزاها هو تفوّق أمّة على أخرى في عالم الفكر.
مفهوم الإمبرياليّة الفكريّة غالبًا ما كان يطرح بخصوص الحقبة الاستعماريّة، إلّا أنّه اليوم يطرح بصورة أخرى في رحاب سلطة القوى الغربيّة وهيمنتها على التيّارات المعرفيّة والعلميّة الاجتماعيّة، ويدلّ أكثر شيء على سلطتهم التي بسطوها في الأوساط الأكاديميّة الجامعيّة.
للاطّلاع على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، راجع:
Alatas, Syed Farid (2008), “Intellectual and Structural Challenges to Academic Dependency”, in: International Sociological Association (e - bulletin), No. 9, p. 4.
[27]. إدوارد سعيد، شرق شناسي (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة لطف علي خنجي، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «أمير كبير»، سنة الإصدار 2007م، ص135.
[28]. فريد راينهارد دالماير، راه هاي بديل: فراسوي شرق شناسي و غرب شناسي (باللغة الفارسيّة)، ترجمته إلى الفارسيّة فاطمة صادقي ونرجس تاجيك، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، آبادان، منشورات «پرسش»، 2005م، ص279-280.
[29]. كارل بوبر، مقالة باللغة الفارسيّة نشرت تحت عنوان: «گفت و گوي بوبر با اشبیگل: 23 مارس 1992م»، في مجلّة «آدينه» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، العدد 72، سنة الإصدار 1992م، ترجمها إلى الفارسيّة عيسى بهلوان وصادق صادقي بور.
رقم الصفحة التي اقتبس منها الموضوع لم يذكر في النصّ. (المترجم)
[30]. ألبير ممّي، چهره استعمار گر - چهره استعمار زده (باللغة الفارسيّة)، ترجمته إلى الفارسيّة هما ناطق، ص17.
[31]. حسن عميد، فرهنگ عميد (قاموس فارسي - فارسي)، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «أمير كبير»، 1984م، ص173.
[32]. Gilman, Daniel Coit; Harry Thurston Peck and Frank Moore Colby (1905), The New International Encyclopedia, vol. V, New York: dodd, Mead and Company, p. 163.
[33]. webster 1905.
لم تذكر في النصّ تفاصيل هذا المصدر ولا رقم الصفحة التي اقتبس منها الموضوع، كذلك لم يذكر في قائمة المصادر. (المترجم)
[34]. Mishra, Vijay; Bob Hodge (2005), “What Was Postcolonialism?”, New Literary History, vol 36, no 3., p. 378.
[35]. إدوارد سعيد، فرهنگ و امپرياليسم (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة أكبر أفسري، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «توس»، 2003م، ص47.
[36]. فريد راينهارد دالماير، راه هاي بديل: فراسوي شرق شناسي و غرب شناسي (باللغة الفارسيّة)، ترجمته إلى الفارسيّة فاطمة صادقي ونرجس تاجيك، ص289.
[37]. روبرت روزفيل بالمر، تاريخ جهان نو (باللغة الفارسيّة)، الجزء الأوّل، ترجمه إلى الفارسيّة أبو القاسم طاهري، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «أمير كبير»، 2004م، ص173.
[38]. Abernethy, David B. (2000), The Dynamics of Global Dominance (European Overseas Empire, 1415 - 1980), New Haven and London: Yale University Press, p. 198.
[39]. Ibid. Abernethy, David B. (2000), The Dynamics of Global Dominance (European Overseas Empire.
[40]. Ibid, p. 22.
[41]. فريد راينهارد دالماير، راه هاي بديل: فراسوي شرق شناسي و غرب شناسي (باللغة الفارسيّة)، ترجمته إلى الفارسيّة فاطمة صادقي ونرجس تاجيك، ص282.
[42]. فريد راينهارد دالماير، راه هاي بديل: فراسوي شرق شناسي و غرب شناسي (باللغة الفارسيّة)، المصدر السابق، ص31.
[43]. الفيلسوف الغربي الشهير إيمانوئيل كانط ضمن مقالة دوّنها تحت عنوان «إجابة عن سؤال: ما هو التنوير؟» عرّف التثقيف الذي يصطلح عليه تنويرًا فكريًّا بأنّه بلوغ الإنسان ونضوجه عقليًّا وخروجه مِن مرحلة اعتبرها مرحلة طفولة في حياة البشر، ممّا يعني أنّه في وضع يجعله عاجزًا عن تسخير عقله والاعتماد عليه دون إرشاد الآخرين، لذا فهو بحاجة إلى مِن ينير طريقه كي يصبح بالغًا.
للاطّلاع على تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، راجع: إيمانوئيل كانط، مقالة نشرت باللغة الفارسيّة تحت عنوان: «روشن گري چیست؟ در پاسخ يك پرسش» في مجلة «كلك» التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، العدد 22، سنة الإصدار 1991م، ترجمها إلى الفارسيّة همايون فولاد بور، ص49.
[44]. بول فييراباند، بر ضد روش: طرح نظريه آناشيستي معرفت (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة مهدي قوام صفري، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «فكر روز»، 2006م، ص36.
[45]. بول فييراباند، بر ضد روش: طرح نظريه آناشيستي معرفت (باللغة الفارسيّة)، المصدر السابق، ص37.
[46]. المصدر السابق، ص36.
[47]. علي شريعتي، ویژگی هاي قرون جديد (باللغة الفارسيّة)، الجزء الحادي والثلاثون مِن سلسلة آثار الدكتور علي شريعتي، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، بلا مكان نشر، منشورات «آشنا»، 1982م، ص67.
الباحث الإيراني الشهير علي شريعتي تطرّق في دراساته وبحوثه إلى الحديث عن المذهب الآلي Mechanism، وفي هذا المضمار اعتبره الرحم الذي أنجب الإمبرياليّة العالميّة والاستعمار بكلّ أشكاله السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، وأسوأ ولادة له هو الاستعمار الثقافي ومحو ثقافات الشعوب، فهو نظام أسفر برأيه عن تهاجم بنوك جديدة على أسواق وشعوب جديدة في شتّى أرجاء العالم، فبعد أنْ اجتاح الاستعمار السياسي والعسكري حدود سائر البلدان السياسيّة والعسكريّة عمل على تحويلها إلى أسواق لاستهلاك البضائع التي تنتجها البلدان الاستعماريّة، وفي هذا السياق وضع برنامجًا يقوم على أساسه بتغيير هويّة الإنسان المحلّي إلى شخص متجدّد ومستهلك، وهذا الأمر بطبيعة الحال لا يتسنّى إلّا عن طريق إبعاده عن دينه الأصيل وثقافته المحلّيّة وأعرافه وتقاليده الموروثة مِن أجداده إلى جانب فصله عن تاريخ قومه وأخلاقهم وقيمهم وسائر مبادئهم الاجتماعيّة.
المصدر السابق، ص332 - 339.
كما أكّد هذا الباحث أنّ القانون الذي جاء به المستعمرون، هدفه مسخ شخصيّة الإنسان المحلّي، وهذا الأمر في الواقع يعتبر شرطًا أساسيًّا لتحويله إلى شخص مستهلك، وتكبيله بقيود الآلات والمكائن التي باتت تحكم العالم.
المصدر السابق، ص382.
بعد ذلك استنتج أنّ الاستعمار في حقيقته مرتبط ارتباطًا وثيقًا بظاهرة المسخ الثقافي - الانسلاخ عن الذات - Alienation حيث يشعر الإنسان الخاضع للسلطة الاستعماريّة بمعاناة وحاجة ماسّة إلى شيء آخر غير مجتمعه وثقافته، فهو يشعر بأنّه ينتمي إلى مجتمع غير مجتمعه وتاريخ غير تاريخه وثقافة غير ثقافته الأصيلة.
للاطّلاع على تفاصيل أكثر حول ظاهرة المسخ الثقافي برؤية الباحث علي شريعتي، راجع: المصدر السابق.
[48]. الفيلسوف الغربي الشهير جورج فيلهلم فريدريك هيغل وصف الاختلاف بين التاريخ والطبيعة في كتابه «العقل في التاريخ» كما يلي: التحوّلات التي يشهدها التاريخ تدلّ على تطوّر حياة الإنسان نحو الكمال، بينما التحوّلات التي يشهدها عالم الطبيعة رغم كثرتها وتنوّعها إلا أنّها عبارة عن حركة في حلقة مفرغة تتكرّر بشكل متواصل، إذ لا ينشأ شيء جديد فيه، لكون أجزائه الطبيعيّة تتّسم بحالة ثابتة ومميزة لا تتغيّر، وغاية ما في الأمر أنّ هذه الحالة أو الميزة تتّضح للعيان خلال ما يحدث فيه مِن تغيير.
جورج فيلهلم فريدريك هيغل، عقل در تاريخ (باللغة الفارسيّة)، ترجمه إلى الفارسيّة حميد عنايت، جمهوريّة إيران الإسلاميّة، طهران، منشورات «شفيعي»، 2000م، ص165.
وقال أيضًا إنّ التاريخ الذي يعتبر مضمارًا يتبلور فيه تطوّر حياة الإنسان، هو في الواقع ميدان للعمل ونطاق تنشأ فيه الروح، وليس خاضعًا لعالم الإمكان والصدفة.
المصدر السابق، ص167.
كذلك قال إنّ التاريخ عبارة عن رسم بياني لتصوير مراحل متوالية لتكامل الروح والإدراك وذلك المرتكز الأساسي الذي مضمونه إدراك مفهوم الحرّية.
المصدر السابق، ص171.
الروح وفق هذه الآراء لا تتبلور إلّا في نطاق التاريخ الغربي، بينما العالم الشرقي مجرّد أنموذج للجمود الطبيعي ومختلف الميّزات الثابتة لعالم الطبيعة.
[49]. علي شريعتي، ویژگی هاي قرون جديد (باللغة الفارسيّة)، الجزء الحادي والثلاثون مِن سلسلة آثار الدكتور علي شريعتي، ص68.
[50]. بابك أحمدي، معماي مدرنيته (باللغة الفارسيّة)، ص229.
[51]. يا ترى ألا يمكننا الخروج مِن نطاق الحدود الجغرافيّة التي وضعها الغرب؟ على سبيل المثال هل بإمكاننا اعتبار أوروبا مجرّد جزء صغير مِن آسيا كما قال المفكّر الغربي الشهير فريدريك نيتشه؟
[52]. Young, Robert (1990), White Mythologies (Writing History and the West), London: Routledge, p. 120.
[53]. آزاده شاهميري، نظريه و نقد پسا استعماري (باللغة الفارسيّة)، ص87.