البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هرمنيوطيقا الظاهراتيّة الوجوديّة

الباحث :  مسعود فياضي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  27
السنة :  ربيع - صيف 2022م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  November / 12 / 2022
عدد زيارات البحث :  878
تحميل  ( 460.666 KB )

الأنطولوجيا الأساسيّة لهايدغر هي المبنى الفلسفيّ للهرمنيوطيقا الفلسفيّة لغادامير. إن أسلوب هايدغر في الفلسفة الأساسيّة، وبالتالي أسلوب غادامير في الهرمنيوطيقا الفلسفيّة -على حدّ صريح قولهما- إنّما هو الظاهراتيّة الوجوديّة، ومن هذه الناحية فإنّ مفاهيم من قبيل: الحقيقة، والوجود، والفهم، والمعنى، والعالم، وما إلى ذلك، أعيد تعريفها في الهرمنيوطيقا الفلسفيّة من خلال الاتجاه الظاهراتيّ، ومن هنا فإنّ استعمال هذه المفردات في هذه الهرمنيوطيقا والفلسفة يختلف بشكل كامل عن استعمالاتها في سائر الهرمنيوطيّقات والفلسفات الأخرى التي لا تنتهج الأساليب الظاهراتيّة؛ بيد أنّ مكمن المشكلة هنا هو أنّ الظاهراتيّة الوجوديّة قد تعرّضت لانتقادات أساسيّة، وتسبّبت تلك الانتقادات بأزمات فعليّة سواء للأنطولوجيا الأساسيّة لهايدغر، أو الهرمنيوطيقا الفلسفيّة لغادامير؛ وذلك لأنّ الظاهراتيّة إنّما تمّ إيجادها من الأساس لكي تحلّ التطابق بين العين والذهن؛ ولكنّها أخفقت في ذلك من الناحية العمليّة، واكتفت بمحو صورة المسألة، ونتيجة لذلك لا يمكن أن تشكّل نقطة ارتكاز مناسبة للهرمنيوطيقا الفلسفيّة. الأمر الآخر أنّ الظاهراتيّة حيث تقوم في المنتهى على الفرد، وتقتصر دائرة تأثيرها على خصوص الظهورات التي تعرض للمفسّر، وبالتالي فإنّها تؤدّي إلى النسبيّة وحتى إلى المثاليّة.

*    *    *

الكلمات المفتاحية: هايدغر، غادامير، الظاهراتيّة، الهرمنيوطيقا الفلسفيّة، المنهج.

المقدّمة
الظاهراتيّة أسلوب عام في الهرمنيوطيقا الفلسفيّة، وقد قامت جميع أبحاثها على هذا الأساس؛ يقرِّر مارتن هايدغر ـ الذي شكَّلت أفكاره أساسًا ودعامة للهرمنيوطيقا الفلسفيّة ـ قال إنّ الظاهراتيّة إنّما هي مجرّد أسلوب له في معرفة الوجود في أنطولوجيّته الأساسيّة[2][3]. وقال في الرسالة التي كتبها بل نابورت سنة 1917م: «كلما قرأت المزيد حول الظاهراتيّة، أدركت صحّتها وجدوائيّتها بشكل أكبر»[4]. وكذلك في المقدّمة التي كتبها على كتاب ريتشاردسون بعنوان: (من طريق الظاهراتيّة إلى التفكير) سنة 1962م ـ أي في الأعوام الأخيرة من حياته ـ قال: «إنّ الظاهراتيّة هي أسلوب الفلسفة المثاليّ الوحيد للوصول إلى غاياتها»[5]. وقد صرّح في هذه المقدّمة بأنّه لا يزال وفيًّا لأصل الظاهراتيّة، بل هو أشدّ اتّباعًا لها من ذي قبل[6].

على أنّ غادامير ـ الذي تبدو البنية الراهنة للهرمنيوطيقا الفلسفيّة مدينة لأفكاره وتحقيقاته ـ سيذهب بدوره إلى التصريح بأنّ الظاهراتيّة تمثّل زاوية نظرته الكاملة إلى المسائل المعرفيّة[7]، بل وقد ذكر أنّ تحليلاته عن اللغة، كان المقصود فيها والذي وقع موضعًا للاهتمام هو المعنى الظاهراتيّ البحت[8]. في كتاب (الحقيقة والمنهج) نراه أيضًا -عندما يتعرّض إلى توصيف الحقيقة والمناهج وأساليب الوصول إليها- يقرّر الأمر تمامًا على أساس الأدبيّات والقواعد الظاهراتيّة، ويقول في هذا الصدد: «إنّ «الحقيقة» هي ذلك الشيء الكامن في النصّ، ويظهر إلى السطح في واقعة من وراء الحجاب والخفاء»[9]. وهذا بشكل عام هو ذات الشيء الذي يصل إلى أنظارنا من طريق الشيء؛ أي ما هو أعمُّ من الشيء الخارجيّ أو من الكلام[10]، وهو ما يسمّى في الظاهراتيّة بالظاهر. أما في مقالة «ما هي الحقيقة»، فإنّه يعلن صراحة عن أنّ الشعار الأصليّ للظاهراتيّة هو أنّ الوجود يخفي ذاته في الأشياء، ويجب أن يخرج إلى حيّز الظهور[11]. وعلى حدّ تعبير بالمر فإنّ الذهن لا يعثر على مفهوم في الظاهر، بل إّن الذي يصل إلى مرحلة الظهور هو التجلّي الوجوديّ والأنطولوجيّ لذات الشيء[12]. ونتيجة لذلك فإنّ الظاهراتيّة تعني السماح بظهور الأشياء في مقام ما هي عليه من الكينونة، دون أن نعمل على تحميل مقولاتنا ومتبنّياتنا عليها[13]، وهذا يعني اتجاه معكوس لتلك الجهة المعتادة؛ ولا توجد إشارة من قبلنا إلى الأشياء، بل إنّ الأشياء هي التي تُظهِرُ نفسها لنا[14].

وبطبيعة الحال فإنّ كلمة «الظاهرة» (Phenomen) أو الـ «فينومين» لها سابقة طويلة وجذور عميقة بين الفلاسفة الغربيّين؛ بيد أنّ المقصود منها في هذه المقالة هو الظاهراتيّة التي تجلّت في أعمالهم بدءًا من إدموند هوسيرل فصاعدًا بوصفها مدرسة ومذهبًا فلسفيًّا، ثمّ جرى توظيفها في الهرمنيوطيقا الفلسفيّة بوصفها أسلوبًا ومنهجًا أصليًّا. وبطبيعة الحال، فقد شهدت الظاهراتيّة الهوسيرليّة تغييرات جادّة مع هايدغر، بيد أنّ خطوطها العريضة لم تضمحل أبدًا. مع ذلك، فإنّ السؤال الرئيس هو التالي: هل تمتلك الظاهراتيّة بوصفها الركيزة الأصليّة للهرمنيوطيقا الفلسفيّة، صلاحيّة إظهار الوجود المطلق لمارتن هايدغر، والحقيقة الأكثر تفصيلًا لهانس غادامير؟ وهل يمتلك هذا الأسلوب القدرة على إنقاذ الهرمنيوطيقا الفلسفيّة من وهدة السقوط في أودية المثاليّة وانتشالها من بين براثن النسبيّة. سوف نثبت في هذه المقالة أنّ هذا المنهج والأسلوب لا يمتلك مثل هذه المقدرة؛ كما أذعن لذلك هانس غادامير في خصوص مارتن هايدغر وإدموند هوسيرل[15]؛ ولكنه بدوره لم يقدّم منهجًا وأسلوبًا جديدًا. وعلاوة على ذلك فإنّ الظاهراتيّة لم تتمكّن حتى من ضمان غايتها التأسيسيّة التي تشكّلت على أساسها أيضًا. تتكفّل هذه المقالة بإظهار هذه الحقيقة، ولإثبات هذا الأمر سوف نعمل في البداية على إيضاح وشرح أرضيّة تبلور الظاهراتيّة، ثمّ نعمل على بيان الظاهراتيّة لدى هوسيرل ومارتن هايدغر والخطوط العامّة لها بوضوح، لنضع اليد من بعد ذلك على الأسباب التي أدّت إلى إخفاق الظاهراتيّة في هذه المسائل.

1 ـ الأرضيّة الأصليّة لتبلور الظاهراتيّة
لكي نفهم الظاهراتيّة بشكل دقيق، علينا أن نعلم في الأساس ما هو السؤال الذي خطّط هوسيرل للإجابة عنه في ضوء الظاهراتيّة؟ وهل كانت هذه الحاجة بدورها مطروحة بالنسبة إلى مارتن هايدغر أيضًا؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من الالتفات إلى الفضاء الفكريّ لذلك العصر والأزمات التي كانت تواجه الفلسفة في حينها. بعد رينيه ديكارت، تبعًا للميتافيزيقا الأفلاطونيّة والأرسطيّة، تمّ التعريف بالإنسان بوصفه فاعلًا معرفيًّا، أي (الموضوع) وسائر الأشياء والموارد الأخرى بوصفها متعلِّقًا للمعرفة أي (الشيء). لقد كان يُنظر إلى الإنسان في هذه الرؤية بوصفه كائنًا يمتلك القدرة على إدراك ومعرفة سائر الكائنات، وأنّ الكائنات الأخرى يمكن أن تقع ضمن نطاق وشعاع علم الإنسان وأن يتمّ التعرّف عليها. وعلى هذا الأساس فإنّ المسألة الأهمّ في الأبستمولوجيا والمعرفة هي مطابقة المُدرَك (المعلوم للإنسان بالذات)، مع متعلّق المعرفة (المعلوم للإنسان بالعرض)، وهذه هي المسألة التي شغلت أذهان الكثير من الفلاسفة، وأدّت إلى ظهور العديد من النظريّات في هذا الشأن أيضًا. لقد كان المناخ الحاكم والمتأثّر بالميتافيزيقا قد عمل على مفاقمة هذه المسألة كثيرًا، بل أعدّ وأرسى قواعدها الأساسيّة أيضًا؛ وذلك لأنّ الميتافيزيقا كانت تقول إنّ الإنسان يستطيع أن يفهم موجوديّة الموجودات ـ بمعنى ماهيّتها ـ عن طريق المجهود العقليّ. إنّ هذا الفهم الذي هو فهم حصوليّ يتمّ بتوسّط المفاهيم، وليس فهمًا حضوريًّا بالنسبة إلى ذات الأشياء، إنّما يعبّر عن ذات التفكيك والفصل بين الفاعل المعرفيّ ومتعلّق المعرفة. يتمثّل الموجود في ذهن الإنسان في هذا التفكير متلفّحًا بثوب المفهوم، وبذلك يتمّ التعرّف عليه في إطار مقولة معيّنة؛ ولهذا السبب تمامًا كانت تمسّ الحاجة إلى المنطق أيضًا، ولهذه الغاية قام أرسطو بتنظيم مجموعة منظّمة من القضايا المترابطة ببعضها لغرض تنظيم الأفكار الحصوليّة؛ ليتمكّن من الحصول بشكل صحيح على مقولات أكثر حداثة من القضايا السابقة. وفي الحقيقة فإنّ علم المنطق يعمل على تبويب الموجودات في إطار المفاهيم المعروفة، وهذا الأمر هو الذي يؤدّي بالإنسان ـ بوصفه فاعلًا معرفّيًا ـ إلى التعرّف على الأشياء، ويحصل على علم ومعرفة صحيحة بها ويتعرّف عليها. إنّ الاتجاه العام لظاهراتيّة هوسيرل ـ والتي حظيت بالقبول من قبل مارتن هايدغر أيضًا ـ قد شكّلت بداية النهاية لهذا الفصل بين العين والذهن، لتجعل موضوع المسألة الأصليّة للتطابق بين العين والذهن أمرًا منتفيًا.

2 ـ ظاهراتيّة هوسيرل: واحديّة العين والذهن
لقد كان إدموند هوسيرل يهدف ـ من وراء طرحه لنظريّة «الظاهراتيّة» ـ إلى حلّ أزمة عرضت للفلسفة في الفضاء الفكريّ في أواخر القرن التاسع عشر للميلاد؛ ففي تلك الحقبة تعرّضت الفلسفة ـ بفعل هجوم ديفيد هيوم والوضعيّين من جهة، والمسائل غير المحلولة بين المثاليّين والواقعيّين فيما يتعلّق بإمكان أو عدم إمكان معرفة سائر الموجودات التي كان لها تحقّق في الخارج بشكل مستقلّ عن الفاعل المعرفيّ ولها وجود في نفسها، وكذلك المسألة المعرفيّة للمطابقة بين العين والذهن من جهة أخرى ـ إلى أزمة شديدة[16]. ومن هنا فقد كان إدموند هوسيرل يروم ترسيخ أسس الفلسفة على بناء محكم، وأن يضفي عليها اعتبارًا جديدًا. ومن هنا كانت غايته الرئيسة في هذه النظريّة هي العثور على دعامة للفلسفة تحظى بعنصر البداهة وتتمتّع ـ في الوقت نفسه ـ بصفة الثبات والدوام أيضًا؛ إذ كان يرى أنّ الفلسفة ما لم تقم على أسس البديهيّات، فإنّها لن تقوم على دعامة لا تقبل الخدش والإبطال[17]. وكذلك، ما لم يكن هناك ما فوق الزمان وما فوق المكان، فإنّها لن تكون آمنة من مختلف أمواج الأزمات.

وفي إطار العثور على هذه الركيزة، لجأ إلى الاستفادة من فكرة «الظاهرة» القديمة، ونفخ فيها روحًا جديدة؛ ليقيم النظام الفكريّ للفلسفة على أساسها. الظاهراتيّة ترجمة لـ «فينومينولوجيا» (Phenomenology)، ولكلمة الفينومينون (Phainomenon) التي تمّت ترجمتها إلى الظاهر أصل إغريقيّ، وقد أُخذت من الفعل «phainesthai» بمعنى «الظهور» أو «التجلّي» أو «الشيء الظاهر من تلقائه»؛ بيد أنّ هذا المعنى صار في تاريخ العلم محدودًا بأسلوب تُظهر فيه الكائنات أو الموجودات الفيزيقيّة نفسها للإنسان[18]، ولاحقة الـ«لوحيا» هنا تعني بدورها العلم أو المعرفة أيضًا. ويتمّ تعريف الظاهراتيّة من وجهة نظر إدموند هوسيرل بـ: «العلم التوصيفيّ لحقّ إدراكها وأفعالها»[19]، أو «توصيف الأشياء الظاهرة في تجربة الإنسان وتوصيف تجربة الإنسان لها»[20]. إنّه في هذه النظريّة يذهب إلى الاعتقاد بأنّ علينا في مسار الإدراك أن لا نركّز على المفاهيم، أو نصادق على انفصال الفاعل المعرفيّ (الموضوع) عن متعلَّق المعرفة (الشيء)، بل يجب أن نأذن للأشياء في مسار الإدراك بأن تحضر في أذهاننا بنفسها، كي لا تكون ثمّة واسطة بيننا وبينها. وفي الحقيقة فإنّ شعاره الرئيس في الظاهراتيّة هو «العودة إلى ذات الأشياء» كي يُبعد بذلك تدخّل  المفاهيم الوسيطة وكلّ عنصر أو فرضيّة ميتافيزيقيّة سابقة في مورد الأشياء؛ ليكون ثمّة تركيز جوهريّ في مسار المعرفة على شيء من الأشياء ليحضر بنفسه في تجربتنا[21]؛ وذلك لأنّ هذه المعطيات والأفهام لا تأتي من طريق العلم الحصوليّ؛ وإنّما هي من نوع العلم الحضوريّ، ومن هنا فإنّها قابلة للإدراك والتوضيح بمعزل عن الشكّ والشبهة. إنه يرى أن ما هو ذات الأشياء هو ذات ماهيّتها التي يمكن لها أن تحضر عندنا من دون توسّط ذات الأشياء، وتُظهر نفسها لنا.

وبطبيعة الحال فإنّ مصطلح «الفينومينون» أو (الظاهر) كان متداولًا قبل إدموند هوسيرل أيضًا، ولكنّه اكتسب عنده مفهومًا جديدًا؛ وذلك لأنّ مصطلح الفينومينون كان حتّى عصر إيمانوئيل يُستعمل غالبًا في مورد الظهور الذي يجب المرور به من أجل المعرفة والوصول إلى ذات حقيقة الأشياء. وأمّا عند إيمانوئيل كانط، فقد أُطلق مصطلح الفينومينون ـ الذي يقع في قبال الـ«نومين» ـ على الشيء الذي يتمّ إدراكه من منشأ التجربة[22]. إنّ النومن عنده هو الذات ونفس الأمر الكامن في الأشياء التي لا تكون في متناول البشر، وارتباطنا الوحيد بها يكون من طريق ظهورها الذي هو ذات الفينومينون. كان إيمانوئيل كانط يقول: نحن لا نستطيع أن ندرك الأشياء كما هي في الواقع، وإنّما ندركها كما تبدو وتظهر لنا. ومن هذه الناحية كان يذهب إلى الاعتقاد بأنّ ارتباطنا مع العالم ليس ارتباطًا مع عين العالم، وإنّما هو ارتباط مع ظهور العالم بالنسبة لنا، بيد أنّ النقطة المهمّة التي تميّز الفينومينون ـ أو الظاهر ـ المنشود لإيمانوئيل كانط، من الفينومينون ـ أو الظاهر ـ المنشود لإدموند هوسيرل، تكمن في عالميّته. كان إيمانوئيل كانط يرى أنّ هذا الظهور شامل لجميع الناس، وهو واحد بالنسبة إلى الجميع؛ وذلك لأنّ هذا الظهور هو من قبيل المفاهيم؛ وأمّا عند إدموند هوسيرل فإنّ الفينومينون مجرّد وعي وإدراك لـ«الأنا» المنفرد الذي تتمّ مشاهدته في تجربة مباشرة وبشكل حضوريّ لشخص معيّن. ومن هنا يذهب إدموند هوسيرل إلى الاعتقاد بأنّ الفينومينون أو الظاهرة ليست من نوع المفاهيم التي تحصل من طريق تعقّل الفرد بالنسبة إلى الظاهرات، أو التي يصل إليها الناس من طريق تجلّيات الروح الكلّيّة والمطلقة؛ بل إنّ هذا الظاهر إنّما يتمّ الحصول عليه من طريق المشاهدة وبشكل حضوريّ ومن قبل ذات «أنا» الأشخاص لأنفسهم.

ومن هذه الناحية فإنّ جميع الأشخاص الذين كانوا ـ قبل عصر هوسيرل ـ قد استخدموا مصطلح «الظاهر» كانوا يُجمِعون على أنّ «الفينومينون» أو «الظاهر» ليس هو الذات الواقعيّة للأشياء، وإنّما اختلافها كان يكمن في أنّه هل يمكن الوصول من طريقها إلى الذات الواقعيّة للأشياء، أو لا يوجد مثل هذا الإمكان من الأساس؛ ولكن مع التغيير الذي أحدثه إدموند هوسيرل في ماهيّة «الظاهر» وحوّله من جنس «المفهوم» إلى جنس «الحضور»، فقد تغيّرت منظومة البحث، وتمّ حلّ مشكلة تطابق الذهن والعين بزعمه من الأساس؛ وذلك لأنّه يرى في هذه الناحية أنّ ذات الأشياء هي التي تحضر عند الفاعل المعرفي وليس مفهومًا غيرها. فقد كان يعتقد بأننا من خلال هذه النظرية ـ أي بالقول إنّنا في مسار المعرفة نسمح لذات الأشياء بأن تحضر عندنا (في ذهن أو إدراك الفاعل المعرفيّ) ـ حيث لا تبقى هناك واسطة في البين؛ إذن تكون مسألة التطابق بين العين والذهن محلولة من الأساس؛ إذ لن يكون هناك ـ في مثل هذه الحالة ـ فصل وتفكيك بين الفاعل المعرفيّ وبين متعلّق المعرفة، ليكون ثمّة متّسع ومجال لبحث المطابقة؛ بل يوجد نوع من الاتحاد فيما بينها، وإنّ ذات متعلَّق المعرفة هو الذي يحضر عند المُدرِك، وليس واسطة باسم المفهوم. وسبب كلامه هذا هو اعتقاده بأنّ ذات الأشياء ماهيّاتها؛ وعليه حيث إنّ ذات هذه الماهيّة هي التي يتمّ شهودها في مسار المعرفة من قبل الفاعل المعرفيّ، لن تعود ثمّة واسطة في البين، ويكون الشهود دقيقًا وصحيحًا.

وبطبيعة الحال ـ كما نلاحظ هنا ـ فإنّ رؤية إدموند هوسيرل تجعل المعرفة متأصّلة بشكل كامل، وتنظر إلى الإنسان بوصفه محورًا أصليًّا. وإنّ امتداد هذا النهج في التفكير سوف يؤدّي في نهاية المطاف إلى محوريّة الإنسان بشكل تامّ، بل وسوف تنتهي ـ على حدّ تعبير هانس جورج غادامير ـ إلى نوع من المثاليّة[23]، وهو ما حدث مع إدموند هوسيرل أيضًا، وقد كان في المرحلة الأولى من أفكاره يذهب إلى الاعتقاد بأنّ الظاهر يحظى بلقاء الموجود الخارجيّ في نفسه[24]، ولكنّه ذهب بعد ذلك شيئًا فشيئًا إلى تخصيص الحقيقة بعالم يمثّل ظاهريّة جامعة، وبسبب خصّيصته الظاهراتيّة يكون متقوّمًا بوعي الإنسان وإدراكه بشكل كامل. نتيجة هذا الكلام هو أنّنا لا نمتلك معرفة بواقع وذات الأشياء قطعًا، وإنّما نحن محشورون ضمن تجلّيات الظاهر في وعينا وإدراكنا فقط. وفي سياق أفكاره يصل إلى هذه النقطة: وهي أنّنا حيث نتعاطى مع تجلّيات وظهورات لتلك الموجودات التي تحصل لنا، فإنّنا نغض الطرف فعلًا عن الواقعيّة الذاتيّة لهذه الموجودات[25]، ونواصل دراستها من طريق ظهوراتها للذهن وموطن الوعي والإدراك فقط، وفي الختام يمنح الأصالة إلى الظهور فقط، ويرى غير ذلك مجرّدًا وعاريًا عن الحقيقة.

وإثر هذا الفهم لمعرفة ماهيّة الظاهرات يذهب إدموند هوسيرل إلى الاعتقاد بأنّه إذا كانت الفلسفة تريد العثور على اعتبارها المفقود، وتقيم ركيزتها ودعامتها على أمر بديهيّ بيّن، فيجب عليها أن تجعل ركيزتها مستندة على «الوعي» (Consciousness) الإنسانيّ أو ذات الموضع والموطن الذي يمثّل وعاءً وظرفًا لمعارفه ومعلوماته، أي وعاء الظاهرات والذي يُسمّى بـ«الذهن» أيضًا. وهذا هو الأمر البديهيّ الذي يتمّ إدراكه ـ من قبل الجميع ـ بالعلم الحضوريّ، وبسبب هذه البداهة لا يمكن إنكاره[26].

3- ماهيّة الشيء تُدركُ في ظهوره
يُشير إدموند هوسيرل ـ في توضيح الأمر السابق القائم على صيرورة أنّ المسألة المعرفيّة والأبستمولوجيّة لتطابق العين والذهن سالبة بانتفاء الموضوع ـ إلى بيان مسألة الحيثيّة «الالتفاتيّة» للمعارف أو الظاهرات. إنّه يذهب إلى الاعتقاد بأنّ كلّ ما يظهر في موطن الوعي والإدراك ـ أو الذهن ـ حقيقة ذات إضافة؛ بمعنى أنّه يتعلّق على الدوام بأمر آخر؛ فهو «إدراك لشيء» وليس مجرّد إدراك بحت؛ وذلك لأنّ الإدراك إنّما يكون إدراكًا إذا كان متّجهًا إلى شيء، ولذلك فإنّ الوعي والإدراك يحتاج على الدوام إلى متعلَّق. ومن ناحية أخرى فإنّ هويّة المعلوم هي كذلك أيضًا؛ بمعنى أنّ المعلوم ومتعلّق المعرفة هو على الدوام «معلوم لمُدرِك»[27]، وهذا يعني أنّ الشيء ـ أو المعلوم ـ لا يكون له معنى لغير الذهن والوجدان، وإنّ ماهيّته (ذاته) على الدوام مدلولة لهذه الدلالة؛ ومن هنا فإنّ سؤال «ما هذا؟» الناظر إلى ماهيّة أو ذات الشيء، يعود إلى السؤال القائل: «ما الذي يعنيه هذا؟»، حيث يكون مخاطبه هو ذات الإدراك[28]؛ لأنّ ماهيّة الشيء أو المُدَرك ذاته، هو «معنى الشيء الذي يُدرك أو يُخلق بواسطة الذهن». كما أنّه يرى أنّنا نصل إلى شهود ماهيّة الأشياء عن طريق التجربة الحسّيّة، وشهود الماهيّة بدوره هو الذي يُحدّد معنى ذلك الشيء[29]؛ ومن هنا فإنّ شهود الماهيّة ـ في هذا الفهم ـ هو ذات مشاهدة المعنى والمفهوم المثاليّ الذي يُطلق على الأمر الواقع[30]؛ وعلى هذا الأساس فإنّ الذهن عندما يُظهر الماهيّة لنفسه، يتمّ خلق المعنى عمليًّا. وهو يذهب إلى الاعتقاد بأنّ هذه المعاني إنّما تظهر ويتمّ الحصول عليها بالعلم الحضوريّ ـ الذي يتحدّث عنه في ضوء عنوان التجربة ـ بواسطة الوعي والإدراك[31]، ومن هنا يكون الذهن موطنًا لصنع المعاني، والمكان الذي يظهر فيه الشيء الخارجيّ، وتبعًا لذلك يوجد ذلك المعنى[32].

يُعبّر إدموند هوسيرل عن هذه الحقيقة ذات الإضافة بحيثيّة «الالتفات» الإدراكيّ، ولا يرى ذلك مختصًّا بـ«الإدراك» الذي يعود إلى دائرة معرفة الإنسان؛ وإنّما يرى أنّ مجموع الظاهرات الذهنيّة بما في ذلك الإحساس والتخيّل والحبّ والتعلّق والبغض وما إلى ذلك، كلّها من هذه الشاكلة وتتعلّق على الدوام بشيء[33]. ويستنتج ـ من هذه الحيثيّة الالتفاتيّة للوعي والإدراك ـ أنّه ليس للذوات أيّ نوع من الوجود خارج نشاط الوعي والإدراك الناظر لها، وكذلك خارج الحالة التي يعمل الإدراك على مشاهدة الذوات في ضمنها[34]. ومن هذه الناحية يتّجه «عالم الخارج» عند هوسيرل؛ ليتحوّل بالتدريج إلى «ظاهرة جامعة». إنّه في هذه المرحلة الجديدة قد ذهب نحو الاتجاه الأنطولوجيّ والوجوديّ للظاهرات ومال إلى هذه الرؤية القائلة بأنّ العالم ليس له من ماهويّة أخرى غير تلك التي تتمثّل في دائرة العالم الذهنيّ[35]. ومن هذه الناحية وحيث إنّه لم يعد يميّز بين المعلوم والعلم، فإنّه يعتبر مسألة تطابق الذهن والعين في المعرفة محلولة، وذلك باعتبارها سالبة بانتفاء الموضوع؛ إذ إنّه بهذا البيان يذهب إلى الاعتقاد بأنّ الإدراك ومتعلّقه في الطبيعة ليسا وجودين مستقلّين ومنفصلين عن بعضهما حتى ننتقل إلى الحديث عن تطابقهما مع بعضهما أو عدم تطابقهما مع بعضهما. وعلى هذا الأساس فإنّ هذا التلازم الالتفاتيّ بينهما هو الذي يُعرّف بهما؛ ذلك لأنّ الإدراك إذا كان إدراكَ شيء، وإذا كان المُدرَك للإدراك، فلن يكون ثمّة بعد ذلك معنى للخروج من هذا التلازم في مسار الفهم؛ فخارج ذلك الشيء لن يوجد إدراك ولا مُدرَك[36]. ومن هنا تصبح أسس المعرفة عند إدموند هوسيرل «ماهيّات من صنع الذهنيّة الالتفاتيّة»[37]. ومن هذه الناحية فإنّ ظاهراتيّة هوسيرل ليست من قبيل أصالة الماهيّة، وليست من أصالة الوجود، بل هي من الأصالة الظهوريّة وهي ذات الأصالة المفهوميّة[38]. على الرغم من أنّ إدموند هوسيرل يعتبر المعنى هو ذات الماهيّة، ولكن بما إنّنا نرى تركيزه على المعنى بدلًا من الماهيّة؛ فإن ظاهراتيّته تسعى ـ بدلًا من التأمّل في العالم الثابت للماهيّة الأبديّة ـ إلى أن يكون تحليلًا حيويًّا وديناميًّا للذهن، إذ يضفي عليها معنى أشياء العالم[39].

بالإضافة إلى الوعي والإدراك يذهب هوسيرل إلى الاعتقاد بشيء اسمه «أنا»، حيث يكون «الوعي» متعلِّقًا به، ويعدّ من الناحية العمليّة جذر الإدراك أو ذات الذهن. إنّ هذا الـ«أنا» لم يعد فاعلَ الإدراك، بل ذات الوجود على تلك الصورة التي يجرّبها الذهن قبل أيّ نوع من التدخّل المفهوميّ[40].

ومن هنا فإنّ الاختلاف بين ظاهراتيّة هوسيرل المتأخر وبين ظاهراتيّة إيمانوئيل كانط  مثلًا، يشتدّ في نهاية المطاف؛ ذلك لأنّ كانط يذهب في الجملة إلى القبول بأنّ وجود الخارج، أو ما يتمّ التعبير عنه بالنومين، مستقلّ عن وجود الإنسان، وعلى الرغم من أنّه لم يتمكّن من حلّ مسألة تطابق الفهم أو الفينومين مع النومين بشكل جيّد، إلّا أنّه يحافظ على الشعرة اللامرئيّة بين الظاهر وغير الظاهر، وأمّا في ظاهراتيّة هوسيرل فعلى الرغم من أنّ هذا العالم لا يتمّ التخلّي عنه، ولكنّه لا يطلق عليه لفظ الحقيقة أيضًا، بل إنّ هذا اللفظ في هذه الرؤية لا يذهب من الظهور للإنسان أو ما يعبر عنه بالظاهر[41]، وهذا هو أساس وركن الظاهراتيّة.

4 ـ ظاهراتيّة هايدغر
لقد عمد مارتن هايدغر من جهة إلى اعتبار ظاهريّة هوسيرل بوصفها الأسلوب الوحيد الذي يمكن بواسطته التوصّل إلى إدراك الوجود، وقال إنّه قد أخذ ظاهراتيّة هوسيرل من «الرؤية بالأسلوب الظاهراتيّ» و«النظرة الظاهراتيّة»[42]؛ ومن ناحية أخرى عمد إلى نقد الأبحاث المطروحة من قبل ظاهراتيّة هوسيرل، وقال إنّ هذه الظاهراتيّة لم تتمكّن من ضمان المقتضيات الأصليّة لشعاراتها القائمة على «العودة إلى ذات الأشياء»؛ وذلك لأنّ الشعار الأصلّي للظاهراتيّة هو توفير هذه الإمكانيّة للأشياء كيما تتمكّن من إظهار نفسها للإنسان من دون أيّ واسطة، وذلك تمامًا بذلك الأسلوب ذاته الذي تُظهر فيه نفسها بواسطة نفسها[43]. بيد أنّ إدموند هوسيرل كان يظن أنّ ذات الأشياء هي ماهيّتها، وهي التي تظهرها الظاهراتيّة من دون أيّ واسطة، في حين يذهب مارتن هايدغر إلى الاعتقاد بأنّ ذات الأشياء هو وجودها وليس ماهيّتها. وعلى هذا الأساس فإنّ مارتن هايدغر قد أخذ هذا الشعار الأصليّ من ظاهراتيّة هوسيرل[44]؛ بيد أنّه عمد إلى تغيير هويّته من الهويّة الماهويّة إلى الهويّة الأنطولوجيّة والوجوديّة، وفي هذا الاتجاه يكون شعار «العودة إلى ذات الأشياء» بمعنى العودة إلى وجودها، وليس العودة إلى ماهيّتها.

إنّ النقطة المهمّة في هذا التمايز بين الرجلين، هي أنّ تغيير الهويّة الماهويّة للظاهراتيّة إلى هويّة وجوديّة، لم يؤدّ إلى حدوث تباين واختلاف تامّ بين الظاهراتيّة الوجوديّة لهايدغر، والظاهراتيّة الماهويّة لهوسيرل؛ بحيث لا تلتقيان حتى في الخطوط العامّة بينهما، بل على العكس من ذلك تمامًا؛ فإنّ جميع الخطوط العامّة لظاهراتيّة هوسيرل تجري وتنشط في ظاهراتيّة مارتن هايدغر أيضًا، غاية الأمر أنّ متعلَّقها قد أصبح هو وجود الأشياء وليس ماهيّتها. ومن هنا فإنّ التعرّف على المراد الحقيقيّ لهايدغر ـ من العناصر والأهداف الأصليّة لوجوديّته الأصيلة، من قبيل: الوجود، والوجوديّ، والحقيقة، والمعنى، والفهم، والظاهرة، والتجربة، والعالم وما إلى ذلك ـ لن يكون ممكنًا من دون الالتفات أساسًا إلى هذه الخطوط العامّة ومقتضياتها، بل قد تكون معرفة ناقصة وحتى خاطئة أيضًا.

كما أنّ ظهور وجود الأشياء ـ عند مارتن هايدغر ـ بالنسبة إلى الدازاين (الإنسان) لا يحدث بسهولة، وإظهار وجود الموجودات وتجريدها من الثياب الزائفة التي أنس بها الدازاين بطريقة اعتياديّة هو في حدّ ذاته أمر في غاية الصعوبة والتعقيد[45]، ثمّ إنّ الظاهراتيّة هي التي تتولّى مسؤوليّة القيام بذلك، وبالتالي فهي تقوم بهذه المهمّة من خلال المواجهة الوجوديّة[46] للدازاين مع وجود الموجودات، وبعد هذه المواجهة وظهور وجود الموجودات بالنسبة إلى الدازاين، لن يكون ثمّة وراء هذا الظهور وجود لشيء من الموجود الذي كانت للدازاين مواجهة وجوديّة معه ـ ونعني بذلك ذات المتعلّق المعرفيّ تسامحًا ـ حتى يكون بمقدوره أن يظهر للدازاين، ولكنّه لم يظهر[47]. وفي فهم مارتن هايدغر للظاهراتيّة كما هو الحال بالنسبة إلى إدموند هوسيرل، لا يعود هناك تدخل لواسطة من قبيل المفهوم ـ على ما كان متداولًا وشائعًا قبل عصر هايدغر، ولا سيّما في عصر التنوير وبعد رينيه ديكارت ـ في التعريف بالموجودات، بل إنّ معرفة الدازاين بالنسبة إلى الموجودات هو ذات ظهور وجودها الذي يحدث للدازاين من طريق ذواتها في التماسّ والاحتكاك مع الدازاين. ونتيجة هذا الفهم يبدو كما لو أنّ الظاهراتيّة ليست توصيف الظاهرات، وإنّما تجربتها بواسطتها، وأثناء المواجهة الوجوديّة للدازاين مع وجودها. إنّ هذا الظهور هو ظهور وجوديّ بالكامل وليس مفهوميًّا أبدًا، وإن كانت تُنتزع منه بعض المفاهيم في المرحلة اللاحقة، حيث تتبلور في حينها منظومة مفهوميّة يمكن توصيف الظاهر من خلالها. يطلق مارتن هايدغر على تجربة هذا الظهور عنوان «الفهم»، ويُطلق على توصيفها في إطار المفاهيم عنوان «التفسير»، بيد أنّ النقطة المحوريّة هنا، هي أنّ هذه المفاهيم ليست ماهويّة ـ كما كان مطروحًا في الميتافيزيقا ـ بمعنى أنّها ليست مفاهيم ثابتة وأزليّة وأبديّة بحال من الأحوال، بحيث لا صلة لها بالتجربة المباشرة للدازاين، من قبيل: الحيوان، والناطق، والحساس المتحرّك بالإرادة، والضاحك، والماشي وما إلى ذلك، بل إنّ هذه المفاهيم منتزعة من التجربة الحيّة للدازاين عن الأشياء وظهورها في الحال في عالم الدازاين. ولهذه الغاية فإنّ مارتن هايدغر ـ لكي يثبت أنّ هذه المفاهيم ليست من نوع المفاهيم الماهويّة والميتافيزيقيّة ـ يطلق عليها عنوان المفاهيم «الظاهراتيّة»[48]، كما يُسمّي الأبنية المفهوميّة المنبثقة عنها بـ «الأبنية الظاهراتيّة»[49][50]. يذهب مارتن هايدغر إلى الاعتقاد بأنّ الفلسفة إذا كانت تريد القيام بمعرفة الوجود، فيجب عليها أن تبدأ بتوصيف ظاهراتيّ لتجربتنا الواقعيّة[51].

وفي خصوص مواجهة مارتن هايدغر مع الهرمنيوطيقا، يجب أن نلتفت أيضًا إلى أنّ اهتمامه بالهرمنيوطيقا قبل استدارته الفكريّة يختلف عمّا بعدها؛ عند هايدغر السابق ـ أي المرحلة الزمنيّة التي كان فيها الدازاين هو المحور الأصليّ لمعرفة الوجود ـ كانت الهرمنيوطيقا تستعمل من أجل معرفة الأبعاد الوجوديّة للدازاين، كيما يتمّ التعرّف من خلالها على الوجود، وهذه الهرمنيوطيقا ظاهراتيّة بالكامل. ومن هنا فإنّه قد صرّح في كتابه (الوجود والزمان) بأنّ الهرمنيوطيقا هي ذات ظاهراتيّة الدازاين[52]. إنّ هذا الفهم للهرمنيوطيقا يختلف عن فهم الهرمنيوطيقيّين المتقدّمين على هايدغر، من أمثال: شلايرماخر ودلتاي، واستعمال لفظ «الهرمنيوطيقا» في كلا الموردين من المشترك اللفظيّ؛ وذلك لأنّ هرمنيوطيقا شلايرماخر وأتباعه هي الهرمنيوطيقا المنهجيّة، وهرمنيوطيقا الهرمنيوطيقيّين المتقدّمين على شلايرماخر هي الهرمنيوطيقا الأسلوبيّة[53]، ولا ربط لأيّ منهما بظاهراتيّة الدازاين بأيّ وجه من الوجوه. وأمّا مع هايدغر المتأخّر، فلم يعد يوجد توظيف لـ «الهرمنيوطيقا» في معرفة الوجود، وقد صرّح في حواره مع صديقه اليابانيّ أنّه في كتاباته الأخيرة لم يعد يستخدم مصطلح الهرمنيوطيقا[54]، ولم يعد يستعمل هذه الكلمة. الجدير بالذكر أنّ جميع المفاهيم الأصليّة للوجوديّة الجذريّة في فهم مارتن هايدغر، إنّما تكتسب معناها ومفهومها في مهد الظاهراتيّة، حيث يكون فهمه لمعنى الوجود والحقيقة والمعنى من هذا النوع.

1/ 4 ـ الحقيقة في ظاهراتيّة هايدغر
يلعب الدازاين دورًا مهمًا في معرفة الوجود ـ سواء أكان عند هايدغر المتقدّم أو عند هايدغر المتأخّر ـ وإن كان يفقد محوريته في معرفة الوجود عند هايدغر المتأخّر، ومع ذلك فإنّ أرضيّة الظهور، وبالتالي معرفة الوجود تبقى راسخة ومتجذّرة ـ كما كانت ـ في الصفة الوجوديّة للدازاين؛ وذلك لأنّ الظاهراتيّة إنّما تحدث للإنسان، وإنّ الإنسان هو الذي يفهم في نهاية المطاف، سواء بطريقته المجرّدة، أو عن طريق الأثر الفنّيّ، أو عن طريق الشيء، أو عن طريق اللغة. وفي الرؤية النهائيّة لهايدغر المتأخّر، عندما تصبح اللغة منزلًا للوجود ومظهرًا لتجلّيه، يجب أن يكون هناك إنسان ـ على كلّ حال ـ ليأخذ الوجود الكامن والمختبئ وراء اللغة، ويحوّل ذلك الوجود إلى كلمات صارخة، لينتقل ذلك الوجود المخفيّ إلى منصّة الظهور والحضور، ويصبح بالإمكان مشاهدته عيانًا. ولهذا السبب نجد أنّ الدازاين حتّى في هذه المرحلة يلعب دورًا مهمًّا أيضًا.

لقد كان مارتن هايدغر معارضًا جادًّا للفضاء الحاكم على عصر التنوير بشكل عام، وهو العصر الذي كان ناشئًا عن التعاليم الديكارتيّة، ولا سيّما الميتافيزيقية منها، وكان يذهب إلى الاعتقاد بأنّ الإنسان المتأصّل هو أساس الحقيقة في عصر التنوير المتأثّر بالميتافيزيقا؛ فالإنسان في هذا الفضاء الفكريّ يكوّن نسيج وحده، ويمكنه الجلوس بعيدًا عن الآخرين وينظر إلى جميع الأمور بوصفها شيئًا. إنّ الحقيقة في هذا الفضاء الفكريّ هي مطابقة إدراك الإنسان لذلك الشيء الموجود في نفس الأمر والواقع بغض النظر عن الإنسان، ومن هذه الناحية يذهب إلى الاعتقاد بأنّ كلّ حقيقة ـ في الفلسفة الحديثة التي ظهرت بعد ديكارت ـ ذات أصالة ذاتيّة، وتقوم لزومًا على أساس مذهب أصالة الإنسان؛ إذ إنّ الحقيقة في هذه الفلسفة تنسب على الدوام إلى المدرِك أو العالِم[55]؛ وذلك لأنّ تطابق إدراكه الذهنيّ مع الخارج هو ملاك الحقيقة. وفي المقابل يذهب مارتن هايدغر إلى الاعتقاد بأنّ هذا الأساس لا يرتبط بالإنسان، وإنّما بالوجود؛ ومن هنا ليس الإنسان هو منشأ الحقيقة، بل منشأ الحقيقة هو الوجود. إنّ هذا الفهم إنّما يمكن من خلال الظاهراتيّة وشعار «العودة إلى ذات الأشياء»؛ إنّ الإنسان في الظاهراتيّة لا يقوم إلّا بإعداد الأرضيّة لظهور وجود وكينونة الموجودات في الإنسان بالطريقة التي تريدها والتي تكون عليها. ولهذا السبب فإنّ أساس الحقيقة عنده سوف يكون مختلفًا تمامًا عن أساس الحقيقة عند فلاسفة عصر التنوير.

ومن هذه الناحية فإنّه على أساس المباني الظاهراتيّة، ومع محوريّة الوجود بدلًا من الإنسان، والالتفات إلى أنّ الإنسان وحده هو الذي تكون له الوجوديّة، فإنّ الحقيقة ليست سوى ظهور الوجود عند الدازاين[56]، وهذا بدوره إنّما يحصل له من طريق الشهود والمواجهة الوجوديّة[57]. إنّ كلّ شيء في هذه الرؤية لا يظهر للدازاين لن تكون له حقيقة، وإنّما تكون له حقيقة إذا ظهر للإنسان؛ إذ إنّ هذا الظهور ـ في الأساس ـ يعني الحقيقة. وقد صرّح مارتن هايدغر في كتابه (الوجود والزمان) قائلًا: حتّى القوانين التي اكتشفها نيوتن، لم تكن لها أيّ حقيقة قبل أن تنكشف له، وإنّما يمكن القول إنّ هذه القوانين تمثّل حقيقة في العالم في حالة واحدة فقط، وهو إذا انكشفت للدازاين. إنّ هذا الأمر يطرح نفسه في كلّ شيء؛ إذ ما لم يكن ثمّة وجود لأيّ دازاين، فلن يكون ثمّة وجود لأيّ حقيقة أيضًا[58]. وفي هذا الفهم حيث يكون الوجود هو سبب الظهور، لا يعود الإنسان هو منشأ الحقيقة، وإنّما هو مجرّد أرضيّة وحاضنة للظهور؛ ومن هنا فإنّ بحث تطابق الصورة الذهنيّة ـ في هذه الرؤية ـ مع الخارج، يكون في الأساس من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

2/ 4 ـ الوجود في ظاهراتيّة هايدغر
في الأنطولوجيا الأساسيّة لهايدغر، يكتسب حتى الوجود ـ بسبب اتخاذ الظاهراتيّة بوصفها زاوية للرؤية ومنهج أصليّ ـ معنى مختلفًا؛ فالوجود في هذه الرؤية ليس بمعنى الوقوع في عالم الخارج، بل إنّ الوجود هو الذي يحضر عند الدازاين في حياته اليوميّة، ويظهر له من وراء الخفاء؛ وما ذاك إلّا لأنّ الحاضنة العامّة للمعرفة هي الظاهراتيّة فقط. ومن هنا فإنّ الوجود عند هايدغر لا يذهب إلى أبعد من حدّ الظهور[59]. إنّ النتيجة القهرية المترتّبة على اعتقاده بالتأثير المباشر للدازاين في ظهور الأشياء له ـ في الحدّ الأدنى بمقدار أرضيّة الظهور عند هايدغر المتأخّر ـ كما يُصرّح في المسائل الأساسيّة للظاهراتيّة، هي أنّه يرى حتى بناء الوجود على الدازاين، والوجود إنّما يكون حيث يكون ثمّة فهم للوجود، بمعنى أن يمتلك شخص وجودًا (قيامًا ظهوريًّا)، ليظهر فيه الوجود. والسبب في هذا الأمر يعود إلى أنّ الظاهراتيّة بما هي ظاهراتيّة هي في الأساس من أصالة الظهور، ولا شأن لها أساسًا بالوجود غير الظاهر، سواء أكانت الظاهراتيّة هي ظاهريّة هوسيرل أو ظاهريّة هايدغر. وعلى هذا الأساس يكون للدازاين ـ في الأنطولوجيا الأساسيّة لهايدغر ـ تقدّم بارز بالنسبة إلى كلّ شيء. إنّ هذا التقدّم يظهر نفسه ـ في جميع أبحاث المسائل الأساسيّة للأنطولوجيا، وقبل كلّ شيء ـ في السؤال الجوهريّ عن معنى الوجود بشكل مطلق[60]. وقد صرّح بنفسه ـ في كتابه (ما هي الميتافيزقا؟) ـ قائلًا:
«لا شكّ في أنّنا لا نستطيع أن ندرك أبدًا جميع الموجودات كما يجب أن تكون في نفس الأمر مطلقًا؛ إلّا أنّ هذا الأمر بدوره قطعيّ بالمقدار نفسه، وهو أنّنا نجد أنفسنا مقحمين بين موجودات تظهر نفسها على شكل كلٍّ. والنتيجة هي أنّ ثمّة اختلافًا أساسيًّا يكمن في الحصول على كلّ الموجودات في نفس الأمر وبين العثور على أنفسنا بين كلّيّة الموجودات. فأوّلًا: إنّ هذا الأمر غير ممكن من الأساس. وثانيًا: إنّه يحضر في وجود (الدازاين) عندنا على الدوام»[61].

وهذا هو معنى أنّه لا يمكن اعتبار أنطولوجيّة هايدغر من باب القول بأصالة الوجود بالمعنى المذكور في الفلسفة الإسلاميّة، بل يجب اعتبارها من القول بأصالة الظهور؛ ولهذا السبب فإنّ الوجود المطروح بالنسبة إلى مارتن هايدغر، ليس هو ذات الوجود في الفلسفة الإسلاميّة الذي ملأ العالم وكانت الأصالة له، سواء أكان ثمّة وجود لإنسان أو لم يكن ثمّة وجود له؛ بل إنّ الوجود الذي يسعى إليه الظاهراتيّ؛ هو الكينونة ـ في ـ العالم، ولهذا السبب لا يكون أمرًا ما ورائيًّا، بل هو ذات ما يجب البحث عنه في الحياة اليوميّة للدازاين. يذهب مارتن هايدغر إلى الاعتقاد باستحالة الذهاب إلى أبعد من الكينونة ـ في ـ العالم بالنسبة إلى الدازاين، وإنّ الكينونة الواقعيّة هي قدر الدازاين.

3/ 4ـ المعنى في ظاهراتيّة هايدغر
بالنظر إلى الحاضنة العامّة لتفكير مارتن هايدغر التي هي ظاهراتيّة بالكامل، نجد أنّ فهمه لـ «المعنى» بدوره رهن بالدازاين أيضًا؛ وذلك لأنّ المعنى عند هايدغر مساحة، بحيث إنّ الدازاين عندما يفتح نفسه على الوجود، ويرمي بنفسه ـ على حدّ تعبيره ـ نحوه، فإنّه ينفتح عليه، لكي يظهِر الوجود له نفسه على هذه الشاكلة[62]. وفي الحقيقة فإنّ المعنى عند مارتن هايدغر حالة من الانقذاف ـ المنفتح للدازاين على وجود ـ الكينونة؛ إذ يصبح قابلًا للفهم بالنسبة إلى الدازاين بحسب ذلك الشيء «بما هو» شيء[63]. ويصرّح بقوله: عندما يتمّ اكتشاف الموجود داخل عالم مقرون بوجود الدازاين ـ أي يدخل ضمن دائرة الفهم ـ  نقول إنّ له معنى[64]؛ ولذلك عندما يقول: إنّ الموجودات ذات معنى؛ فإنّ المراد من ذلك أنّها في وجودها قد أصبحت في متناول الدازاين[65]، وقد ظهرت فيه بنحو من الأنحاء؛ ولذلك فإنّ المعنى وجود خاصّ بالدازاين، وليس خصيصة مرتبطة بسائر الموجودات[66]. بمعنى أنّ المعنى من وجهة نظره قائم بالدازاين بشكل كامل، ولا يمكن في الأساس طرح المعنى بشكل مستقلّ عنه أبدًا. إنه كما يبحث عن الوجود بشكل عمليّ وفي الصراع اليوميّ للدازاين، هكذا هو رأيه في مورد «الحقيقة» و«المعنى» أيضًا؛ إذ يرى أنّهما يظهران ويُخلقان في الموقعيّات العمليّة للحياة الجارية للدازاين[67]، ولا يوجد شيء في خارج هذا المسار العمليّ بحيث يكون له وجود من قبل وفي نفس الأمر؛ ولهذا السبب فإنّ «المعنى» ليس مفهومًا انتزاعيًّا وذهنيًّا، وإنّما يوجد في الاحتكاك الوجوديّ للدازاين مع الموجودات. وقد صرّح بأنّ هذا التفسير بشأن مفهوم «المعنى»[68] هو في الأصل، أنطولوجيّة وجوديّة[69]، بمعنى أنّه لو كنّا أوفياء لها، فيجب اعتبار جميع الموجودات ـ التي لا يكون نوع وجودها من وجود الدازاين ـ أمورًا بلا معنى، وأنّها بالضرورة فارغة من كلّ معنى بشكل كلّيّ. وبطبيعة الحال فإنّ إطلاق «عدم المعنى»[70] عليها، لا يدلّ على أننا نعمل على بيان شيء بشأن قيمتها، بل إن هذه الكلمة إنما تبيّن الخصلة الأنطولوجية لها[71] [بمعنى أن هذه الموجودات ـ باللحاظ الأنطولوجي الظاهراتيّ ـ مهملة وعديمة المعنى؛ إذ لا تنطوي على أيّ ظهور بالنسبة إلى الدازاين].

ولهذا السبب فإنّ مارتن هايدغر يرى المعنى وجودًا ـ بمعنى أنّه خصلة وجوديّة للدازاين ـ؛ وبالتالي يكون للوجوديّين جذور في الوجوديّة ـ بمعنى خصائص كلّ دازاين ـ حيث إنّه يقول إنّ هذا المعنى يصبح مقيّدًا ومتقوّمًا بالخصائص الفرديّة والزمنيّة والتاريخيّة لكلّ دازاين، والتي هي وجوديّاته. وقد عمد لاحقًا إلى تقسيم هذه القيود إلى ثلاثة أقسام، وهي: المحتويات السابقة، والمرئيّات السابقة، والمآخذ السابقة[72].

4/ 5 ـ العالم في ظاهراتيّة هايدغر
إنّ نظرة مارتن هايدغر إلى العالم هي على هذه الشاكلة أيضًا. وبالنسبة إلى مواجهة الدازاين مع موجودات العالم، فإنّ هايدغر يعمل على تقسيمها إلى موجودات في متناول اليد، وموجودات بعيدة عن متناول اليد، والموجودات التي تقع في متناول اليد هي تلك التي تقع ضمن دائرة حياة الدازاين، ويتمّ استعمالها من قِبَله؛ وأمّا الموجودات التي تقع خارج متناول اليد، فهي الموجودات التي لم تدخل في عالم الدازاين، ولا شأن للدازاين بها. وهو يذهب إلى الاعتقاد بأنّ الموجودات التي تكون في متناول اليد، هي وحدها التي يكون لها مفهوم ومعنى؛ لأنّ المفهوميّة إنّما تكون مطروحة في ضوء النسبة إلى الدازاين، فالدازاين هو الذي يخلق المفهوم والمعنى، وماهيّة المعنى ترتبط بشكل وثيق وكامل بمورد استفادة الدازاين منها؛ ومن هنا فإنّ نظريّة مارتن هايدغر في مورد المفهوم والمعنى تقول إنّ الأشياء إنّما تشتمل من المعنى أو الدلالة بمقدار ما تحصل عليه من هذا الارتباط بواسطة إحالاتها مع الدازاين. وعلى هذا الأساس يكون معنى المطرقة ـ بالإشارة إلى المثال المعروف الذي يذكره هايدغر نفسه ـ هو ذات نوع الفائدة التي يجنيها الدازاين من الضرب على المسمار، وليس للمطرقة معنى غير هذا المعنى، ومن هنا فإنّ المعنى يتمّ توليده ـ من وجهة نظر هايدغر ـ بواسطة الدازاين من خلال تعامله الوجوديّ مع الموجودات التي تقع في متناول يده[73]، وليس الأمر كما هو شائع في سائر النظريّات الأخرى التي تقول بوجود شيء باسم المعنى من قبل وأنّه يُضاف إلى الدازاين؛ كما أنّ المعنى بدوره ليس من صنع الوعي والإدراك الذهنيّ للدازاين، بل هو ناشئ من ظهور وجود الموجودات في الموقعيّة الهرمنيوطيقيّة للدازاين، وفي هذا المضمار يُخلق المعنى[74].

وفي هذه الرؤية لا يعود العالم هو الخارج، بل إنّ الخارج هو الذي يُعرف بالطبيعة، والعالم يقوم على الدازاين بشكل كامل، ويطلق على مجموع ظاهراته. إنّ «ذلك الموضع» (da) يمثّل دازاين هذا العالم، وإن مراد مارتن هايدغر من «العالم» في تسمية الدازاين بـ«الكينونة ـ في ـ العالم» هو هذا العالم أيضًا، وإن هذه الفواصل تأتي لغرض الدلالة على هذه النسبة مع العالم، ولهذا السبب في الأساس يسمي الإنسان بالدازاين ولا يُسميه بالإنسان؛ وذلك لأن الدازاين يشير إلى حيثية كينونة الإنسان في هذا العالم، وليس الكينونة في العالم الفيزيقي. وإذا كان مارتن هايدغر يعتبر الدازاين مقذوفًا[75]؛ فلأنه قد تمّ القذف به في هذا العالم. وفق هذا الفهم يكون «العالم» صفة وجوديّة، وإن الوجود هو الدازاين، ولهذا السبب أيضًا يكون الدازاين في حدّ ذاته كينونة ـ في ـ العالم.

6 ـ الظاهراتيّة في بوتقة النقد
يقول مارتن هايدغر في توضيح الظاهراتيّة: إنّ الدازاين في الظاهراتيّة يسمح للأشياء بأن تظهر نفسها فيه بنفسها. وفي ضوء هذه الرؤية ذهب هانس غادامير إلى الاعتقاد بأنّ طريق الوصول إلى الحقيقة لا يكمن في اتخاذ المنهج والأسلوب، وإنّما يجب أن نعرض أنفسنا على الحقيقة لكي تظهر فينا وتخرج من الخفاء؛ بيد أنّ ثمّة الكثير من الانتقادات الجادّة الواردة على الظاهراتيّة، وفيما يلي سوف نشير إلى هذه الانتقادات:

أوّلًاـ الظاهراتيّة والإخفاق في تحقيق الهدف
يذكر مارتن هايدغر في كتابه (ما هي الميتافيزيقا؟) أنّنا في الظاهراتيّة لا نصل إلى نفس الأمر وواقع الأشياء، وإنّما نصل إلى ظهورها فقط[76]، في حين أنّه هو وحتى هانس غادامير كانا فيما يتعلّق بانفتاح الدازاين ـ أو المفسّر على حدّ تعبير غادامير ـ على حقيقة وكينونة الأشياء، يذهبان إلى الاعتقاد بأنّ ذات حقائقها ـ أي ذات المعلوم الأصليّ لها ـ تصل إلى الظهور في الدازاين (المفسّر) على طريقة وجودها[77]. إنّ هذا الأمر هو الشعار الأصليّ للظاهراتيّة منذ عصر إدموند هوسيرل إلى هانس غادامير، والذي يتمّ بيانه بعبارة «العودة إلى ذات الأشياء».

يحكي هذان البيانان عن تهافت وتناقض في الظاهراتيّة؛ وذلك لأنّ الذي يظهر في الدازاين أو المفسّر ـ على حدّ تعبير هايدغر ـ ليس هو الوجود نفس الأمريّ للأشياء، بل تجلّياتها التي تسمّى بـ«الظهور». وعليه كيف تدّعي الظاهراتيّة أنّ ذات الأشياء تحضر عند الدازاين أو المفسّر بنفسها؟ لا سيّما وأنّ الظاهراتيّة لا تستطيع أن تسحب الادّعاء الثاني؛ وذلك لأنّ الفلسفة الوجوديّة لتأسيس الظاهراتيّة على يد إدموند هوسيرل ـ والتي حظيت بقبول مارتن هايدغر أيضًا ـ كانت منذ البداية عبارة عن الوصول إلى هذا الادّعاء ذاته؛ وذلك لأنّ سبب تأسيس الظاهراتيّة كان عبارة عن مسألتين رئيستين، وهما أوّلًا: الحلّ الجذريّ للمسألة المعرفيّة والأبستمولوجيّة العريقة والقديمة المتمثّلة في تطابق العين والذهن، وثانيًا: تدارك دعامة وثيقة للفلسفة، التي كانت في حينها عرضة لهجمات عاتية يشنّها الوجوديّون عليها، ويعدّونها من الأوهام. إنّ هوسيرل ـ من خلال طرحه لمسألة التفاتيّة الإدراك ـ قال إنّ الذي يحضر عند العالِم هو ذات الشيء، ولذلك لا يوجد فصل وتفكيك بين العالِم والمعلوم. وقد تمكّ من خلال بيانه لمفهوم الظاهراتيّة ـ بزعمه ـ من حلّ المسألة المذكورة من الأساس باعتبارها سالبة بانتفاء الموضوع. وقد سار هايدغر بدوره على هذا المسار نفسه في ضوء الاتجاه الوجوديّ دون الماهويّ، وقال به أيضًا، بيد أنّه وصل إلى هذه النقطة، وهي أنّ الذي يحضر عندنا ليس هو ذات الشيء وإنّما ظهوره، وبذلك تكون النتيجة عودة جميع المسائل السابقة، وتصبح الفلسفة الوجوديّة للظاهراتيّة مخدوشة من الأساس.

وبطبيعة الحال فإنّ الطريق الذي تمّ اقتراحه في الظاهراتيّة ـ ولا سيّما في ظاهراتيّة هايدغر ـ لحلّ هذه المشكلة، هي أنّه قد عرّف حتى «الوجود» و«وجود الأشياء في نفسها» على هذا الأساس، لتحقيق التطابق بين العين والذهن. يقول هايدغر: إنّ «وجود الأشياء في نفسها» هو ظهورها للدازاين (أو المفسّر)[78]. وحتى في تعريف «الوجود»، قال في كتابه (المسائل الأساسيّة في الظاهراتيّة):

«إنّ بناء الوجود يقوم على موجود باسم الدازاين (الإنسان). إنّ الوجود إنّما يكون إذا كان هناك فهم للوجود؛ بمعنى أن يكون هناك شخص يمتلك الوجوديّة (القيام الظهوريّ)، وعلى هذا الأساس يكون لهذا الموجود في الأنطولوجيا تقدّم بارز. إنّ هذا التقدّم يُظهر نفسه في جميع أبحاث المسائل الأساسيّة للأنطولوجيا، وفي السؤال الجوهريّ عن معنى الوجود بشكل مطلق على نحو أكثر. ... إنّ هذه النقطة تتضمّن هذا الأمر أيضًا وهو أنّ أساس الأنطولوجيا لا يمكن اعتباره وجوديًّا فقط، ويجب تأسيس إمكان بنائه على شيء موجود»[79].

وفي هذه الرؤية عندما يكون وجود الشيء وكينونته ذات ظهوره للدازاين، فإنّ هذا يعني أنّه «عين» هذا الظهور، يكون التطابق بين العين والذهن متحقّقًا بشكل كامل؛ وذلك لأنّ للظاهر اتّحاد وجوديّ مع الدازاين أو المفسّر؛ بيد أنّ واقع هذا الأمر هو أنّ هذا الحلّ لا يعدو أن يكون مجرّد تغيير للتسمية أو مجرّد محوٍ لصورة المسألة. والذي كان يمثّل مشكلة في التطابق بين العين والذهن، هو تطابق المعلوم؛ بمعنى الوجود نفس الأمريّ للأشياء مع علم العالِم؛ وهو الوجود الذي صرّح مارتن هايدغر بأنّه ليس في متناول أيدينا.

ثانيًا ـ الظاهراتيّة والمثاليّة
إنّ الدازاين في هايدغر المتقدّم هو المحور الأصليّ في المشروع العام للأنطولوجيا الأساسيّة، حيث يتمّ تعريف جميع أركان الأنطولوجيا الأساسيّة[80] ـ التي يقوم منهجها وأسلوبها الأصليّ على الظاهراتيّة ـ على أساس ذلك، من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنّ الوجود يقوم عليه. إنّ الحقيقة ليست سوى ظهور الحقيقة عنده[81]. إنّ المعنى حالة من الإسقاط / الانفتاحيّ للدازاين على الوجود، والذي بحسبه يكون الشيء بوصفه شيئًا قابلًا للفهم بالنسبة إلى الدازاين[82]، وفي الأساس عندما يتمّ اكتشاف الموجود داخل العالم مقرونًا بوجود الدازاين ـ بمعنى أن يدخل في دائرة الفهم ـ يصبح ذا معنى، وقبل ذلك لا يوجد له أيّ معنى[83]. وحتى قوانين نيوتن ما لم تصل إلى فهم الدازاين، تكون فاقدة للحقيقة والعينيّة[84]، وحتى العالم المعرّف للدازاين يكون من جهة قائمًا بنفسه؛ وذلك لأنّ مجموع الظاهراتيّات تكون متجلّية للدازاين من جهة أخرى، فالدازاين قد تمّ القذف به في هذا العالم، ولا مفرّ له من ذلك. والنتيجة هي أنّ الدازاين يقع تحت دائرة عالمه ومختصّاته الزمانيّة والتاريخيّة، وإنّ الذهنيّات السابقة والأفهام السابقة وآفاق الرؤية التي تعمل على توجيه ظهور الأشياء فيه تنبعث من هذا العالم؛ ومن هنا فإنّ الأشياء لا تتجلّى له كما هي، ولذلك لا يمكن للدازاين أن يتعرّف على صدى الوجود في أيّ موجود من دون تدخّل عالمه الذهنيّ[85]. وذات هذا المعنى يتواصل في غادامير أيضًا ولكن بنوع آخر؛ فهو بدوره يرى أنّ الإنسان تاريخيّ وزمنيّ، وأنّه هو الآخر ليس فوق التاريخ ولا فوق الزمن، فمختصّاته العصريّة من مقوّماته الذاتيّة.

والنتيجة هي أنّ الدازاين ليس له من نفسه وعالمه طريق إلى عالم الخارج، ويؤيّد هذا المعنى ما صرّح به هايدغر في كتاب (ما هي الميتافيزيقا؟)، بقوله: نحن لا نصل إلى نفس الأمر وواقع الأشياء، وإنّما نتعاطى مع ظهورها فقط[86]، وهذا الأمر ليس شيئًا سوى المثاليّة المتطوّرة؛ وهو الشيء الذي كان غادامير ملتفتًا إليه، فقد قال في مورد ظاهراتيّة هوسيرل صراحة بأنّ تأسيس هذه الظاهراتيّة على محور الإدراك / الذاتيّ[87] للإنسان يؤدّي إلى المثاليّة، وهو ما يجب اجتنابه والتخلّص منه[88]. ثم قال بعد ذلك: إنّ تأثير أسلوب الظاهراتيّة على هايدغر كان بحيث إنّ الإشكال العامّ لظاهراتيّة هوسيرل، وأهمّ ما فيه الوقوع في مأزق المثاليّة قد تواصل حتى مع هايدغر أيضًا، ووجوده وزمانه لم يتخلّص من ذلك أيضًا؛ وذلك لأنّ الوجود والزمان لم يتمكّن في نهاية المطاف من الخلاص من الروح العامّة للتأمّل الاستعلائيّ الذي يؤدّي إلى المثاليّة[89]؛ ومن هنا فإنّ هايدغر قد سعى بعد ذلك إلى تخليص نفسه من هذا النقص. يذهب هانس غادامير إلى الاعتقاد بأنّ مارتن هايدغر في كتابه (رسالة في باب الإنسانويّة) يثبت أنّه لا يزال ـ ولا سيّما في الوجود والزمان ـ عاجزًا عن الخلاص من الأنا الاستعلائيّة، وتقديم تحليل صحيح عن الحياة[90]. وقال في هذا الشأن:
«إذا أردنا الخلاص حقًّا من تهجّي الفكر المثاليّ، يتعيّن علينا بوضوح أن ندرك كيفيّة وجود الحياة[91] بحسب الإدراك/ الذاتيّ [الدالّ المركزيّ لظاهراتيّة هوسيرل]. عندما يعمل هايدغر على إعادة النظر في ذات الفهم الاستعلائيّ لـ«الوجود والزمان»، ينتج عن ذلك أنّ عليه مجدّدًا أن يصل إلى معطيات حول مشكلة الحياة[92]؛ وعلى هذا الأساس فإنّه في رسالته حول الإنسانويّة يتحدّث عن الشرخ العميق بين الإنسان والحيوان. من الواضح جدًّا أنّ ذات التأسيس الاستعلائيّ للأنطولوجيا الأساسيّة لهايدغر في تحليل الدازاين، لم تتمكّن حتى الآن من توفير تقرير إيجابيّ عن كيفيّة وجود الحياة»[93].

كما أنّ مارتن هايدغر بدوره قد عمد في مرحلته المتأخرة من أجل الخلاص من مشكلة المثاليّة إلى إدخال ثلاثة مفاهيم أخرى إلى الأنطولوجيّة الأساسيّة، وقام كذلك بنقل محوريّة هذه الأنطولوجيا من الدازاين إلى اللغة. وقد عمد هانس غادامير ـ بتأثير من هذا التغيير ـ إلى تنظيم هرمنيوطيقيّته وبحث قواعد الحصول على الحقيقة المنطوية ضمن الموجودات اللغويّة. إنّ العناصر الثلاثة التي أدخلها هايدغر، إنما كان من أجل كسر الحصار عن الدازاين في بناء عالمه، وأن يفتح له الطريق إلى خارج ذاته. لقد عمد مارتن هايدغر في تعيين هذه العناصر الثلاثة إلى مراعاة أصل الكينونة الوجوديّة ـ وذلك بمعنى الوجود الجاري في الحياة الفعليّة واليوميّة للدازاين، وليس الأمر الماورائيّ وغير الواضح ـ وعدم الميتافيزيقيّة، فمن وجهة نظره أنّ العناصر المذكورة التي تشارك الدازاين في بلورة وتشكيل الحقيقة، عبارة عن: الأرض، والسماء، والخالدون، ومراده من «الأرض» هو هذه الأرض، ومراده من «السماء» هي هذه السماء، ومراده من «الخالدين» هم الوسائط الذين يفاض الوجود على الناس من خلالهم. في هذه المرحلة يطلق مارتن هايدغر على الدازاينات تسمية «الأموات»، ويرى أنّهم يحصلون على الوجود من الخالدين؛ وذلك لاعتقاده بأنّ الدازاين هو الحيّ الميّت، وحيث إنّه ميّت، فهو يرتبط بشكل وثيق بالأرض والسماء؛ فالأرض مهد ولادته واستعداداته التي تصل إلى الفعليّة بواسطة المواهب السماويّة. إنّ نتيجة التعامل بين هذه العناصر الأربعة هي أنّ الدازاين يعني ذات الوجود ـ في ـ العالم[94]، يحصل على هذه الكينونة والوجود ـ في ـ العالم من خلال المشاركة في اللعبة المتقابلة لهذه الساحات الأربعة. وفي الحقيقة فإنّ الكينونة والوجود ـ في ـ العالم ـ بمعنى الكينونة في الأرض وتحت السماء وفي حضرة الخالدين[95].

في بادئ الأمر قد يبدو أنّ محذور المثاليّة يزول بهذه التغييرات عن ساحة الهرمنيوطيقا الفلسفيّة، ولكنّنا لو نظرنا بشكل أعمق، فسوف ندرك أنّ هذا الإشكال لا يزال باقيًا على حاله؛ وذلك لأنّ عالم الدازاين بهذا الإصلاح قد تأثّر بثلاثة عناصر أخرى غير ذات الدازاين، إلّا أنّ سائر أركان الظاهراتيّة قد بقيت كما كانت من قبل قائمة على الدازاين؛ لقد كان الوجود والحقيقة والمعنى والفهم وما إلى ذلك يقوم كلّه في الظاهراتيّة على الدازاين، ولم يكن لها معنى من دونه؛ ولهذا السبب ذكرنا أنّ ظاهراتية مارتن هايدغر وجوديّة وأنطولوجيّة على الرغم من أنّ اتجاهه وجوديّ وليس ماهويًّا، مع ذلك لا يكون بالمعنى الشائع في الفلسفة الإسلاميّة من القائلين بأصالة الوجود، بل هو من القائلين بأصالة الظهور؛ وذلك لأنّ الوجود في هذه الرؤية يحتوي على هوية ظاهراتيّة، ولا يمكن لذلك أن يكون في متناولنا لو كان مستقلًّا عن ذلك؛ كما صرّح مارتن هايدغر في كتابه (ما هي الميتافيزيقا؟)، حيث قال إنّ هذا الوجود إنّما هو مجرّد ظهور للوجود الواقعيّ ونفس الأشياء، وليس ذات الأشياء؛ وذلك لأنّ الدازاين لا طريق له أصلًا إلى ذلك الوجود الخارجي.ّ والمثاليّة هي الأخرى تعني أنّه لا يوجد لدينا طريق إلى عالم الخارج، وقد تمّ حشرنا في حدود مدركاتنا. إنّ هذه المشكلة تبقى قائمة حتى عند هانس غادامير أيضًا، فعلى الرغم من تأثره بهايدغر المتأخّر، إلّا أنّه في فهمه وإدراكه للوجود والحقيقة يفكّر على نحو ظاهراتيّ بشكل تامّ.

ثالثًا ـ الظاهراتيّة والنسبيّة
تحدث النسبية حيث يكون هناك تدخل من خصائص المدرِك في المدرَك وفي كيفيّة هذا التدخّل. إنّ النسبيّة تارة تكون بسيطة جدًّا وتارة أخرى معقّدة ومتطوّرة؛ بمعنى أنّ تشخيصها في بعض الموارد يكون في غاية اليُسر والسهولة؛ إذ تكون الارتباطات بسيطة وغير معقّدة، وفي بعض الموارد الأخرى نحتاج في تشخيصها إلى المزيد من التدقيق والتأمّل؛ إذ الارتباطات فيها أكثر تعقيدًا. وفي الظاهراتيّة نحن نواجه نسبيّة معقّدة؛ إذ إن الدازاين ـ على كلّ حال ـ هو الذي تحدث له الظاهرات، ويحصل الفهم بالنسبة له. والظاهرات ليست هي الأشياء الخارجية، بل ظهورها للدازاين أو المفسّر. والظهور بدوره هو في الأساس مقولة شخصيّة من قبيل الحضور، والحضور بدوره لا يمكن أن يكون عامًّا. ومن هذه الناحية يكون أسلوب ذات الظاهراتيّة هو الشهود والتجربة، وهي ـ بطبيعة الحال ـ فرديّة وشخصيّة بشكل كامل. لقد عمد هانس غادامير في كتابه (الحقيقة والمنهج) إلى توضيح حقيقة التجربة والشهود في الهرمنيوطيقا الفلسفيّة والظاهراتيّة بالتفصيل، وقال في ذلك إنّ هذه التجربة تخالف الفهم الشائع للتجربة في عصر التنوير تمامًا، فهي ليست عامّة أبدًا وغير قابلة للتكرار. وهو في هذا البيان يعتبر التجربة بمنزلة الواقعة الشخصيّة؛ ولذلك فإنّه يعتبرها شخصيّة بشكل كامل وقائمة بالفرد[96].

وفي هذه الحالة من الطبيعيّ أن تكون النسبيّة هي المصير المحتوم للظاهراتيّة؛ وذلك لأنّ الظهورات التي يتمّ الحصول عليها بأسلوب الشهود والتجربة الشخصيّة تستند بأجمعها إلى الفرد، وتبعًا لذلك إلى شرائطه وظروفه الخاصّة. وبطبيعة الحال فقد سعى هانس غادامير إلى التخلّص من محذور النسبيّة بطرق أخرى، ولكنّه من الناحية العمليّة لم يحقّق نجاحًا في هذا المسعى؛ وذلك لأنّ المعنى عندما يُعتبر ـ بسبب المباني الظاهراتيّة للهرمنيوطيقا الفلسفيّة ـ خصلة من الخصال الوجوديّة للمفسّر، وعندما يتغيّر المعنى بتغيّر الأفق الفكريّ لكلّ مفسّر؛ إذن يكون نسبيًّا لا محالة ولا يكون متعيّنًا. وسوف نحيل توضيح هذه المسألة إلى موضعها؛ لأنّ ذلك خارج نطاق هذه المقالة[97].

النتيجة
يُعدّ إدموند هوسيرل هو المؤسّس للظاهراتيّة الحديثة، وكان يسعى من وراء هذا التأسيس إلى حلّ المشكلة المعرفيّة والأبستمولوجيّة المتمثّلة في تطابق العين مع الذهن، وهو في الظاهراتيّة يستعين بالشهود والتجربة الشخصيّة والحيّة، ولكنّه كان يرى أنّ حقيقة الأشياء تكمن في ماهيّتها. وقد عمد مارتن هايدغر وتبعًا له هانس غادامير إلى أخذ الأصول العامّة للظاهراتيّة منه، ولكنّهما بدلًا من أن يعتبرا ذات الأشياء ماهيّتها، اعتبرا أنّ ذاتها هو وجودها. وقد صرّحا بأنّهما يعملان على تحليل مسائلهما ـ سواء في الفلسفة الأساسيّة أو في الهرمنيوطيقا الفلسفيّة ـ بشكل وأسلوب ظاهراتيّ بالكامل. وبسبب الأصول الظاهراتيّة المقبولة عندهما يكون هناك اتحاد بين الشخص الفاهِم وبين الظاهراتيّة التي تتجلَّى لهما من قبل الشيء، وبالتالي فإنّه يصل بذلك إلى المعرفة التامّة. ومن هذه الناحية يكون كلّ تركيزهما في الفلسفة الأساسيّة والهرمنيوطيقا على ظهور الأشياء بالنسبة إلى الشخص الفاهم؛ إذ يقولان باستحالة الوصول إلى الحقيقة الخارجيّة للأشياء، وإنّما الممكن من وجهة نظريهما هو الوصول إلى مجرّد ظاهراتها فقط. ومن هذه الناحية فقد صبّا كلّ اهتمامهما وتركيزهما على الظاهر، وعمدا في هذا المسار حتى إلى إعادة تعريف جميع المفاهيم الأصليّة في الفلسفة، وعلى هذا الأساس لا تعود الحقيقة من وجهة نظرهما هي ذات الشيء الخارجيّ، وإنّما الحقيقة تكمن في ظهور الشيء للفرد؛ إنّ العالم ليس هو العالم العينيّ الخارجيّ، بل هو عبارة عن ظهور مجموعة من الظاهرات بالنسبة إلى الفرد، أو أنّ المعنى ليس أمرًا مستقلًّا عن الفاهم، بل هو ذلك الشيء الذي يظهر للفاهم بوصفه شيئًا خارجيًّا. ونتيجة ذلك هي أنّ الظاهراتيّة بمثابة الدم المتدفّق في العروق المنتشرة في جميع أعضاء جسم الفلسفة الأساسيّة والهرمنيوطيقا الفلسفيّة. بيد أنّ الظاهراتيّة في حدّ ذاتها تعاني من مشاكل جوهريّة، والالتفات إلى هذه المشاكل يزعزع أركان الفلسفة الأساسيّة لمارتن هايدغر والهرمنيوطيقا الفلسفيّة لهانس غادامير. وهذه المشاكل عبارة عن:

1ـ كان يؤمّل من الظاهراتيّة أن تعمل على حلّ المشكلة الأبستمولوجيّة المتمثّلة في التطابق بين العين والذهن، وذلك من طريق السالبة بانتفاء الموضوع، بيد أنّ هذه المشكلة لم يتمّ حلها من الناحية العمليّة، وإنما تمّ الاكتفاء بمحو صورة المسألة فقط.
2ـ الظاهراتيّة تؤدّي إلى المثّالية.
3ـ تؤدّي الظاهراتيّة إلى النسبيّة؛ وذلك لأنّ الظاهراتيّة ـ على كل حال ـ قد تمّ تعريفها في ضوء ما هو الظاهر للدازاين أو الإنسان، ومن هذه الناحية يكون الدازاين مختلفًا على كلّ حال، ولا طريق له إلى الخارج بحسب الفرض أيضًا.

لائحة المصادر والمراجع
أحمدي، بابك، هايدگر و پرسش بنيادين (هايدغر والسؤال الجوهريّ)، نشر مركز، ط 3، طهران، 1384هـ ش.
اشميت، لارنس كي، درآمدي بر فهم هرمنوتيك (مدخل إلى فهم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: بهنام خداپناه، انتشارات ققنوت، ط 2، طهران، 1395هـ ش.
بروتي، جيمز ال، پرسش از خدا در تفكر مارتن هايدگر (السؤال عن الله في رؤية مارتن هايدغر)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمد رضا جوزي، انشارات ساقي، ط 1، طهران، 1379هـ.ش.
بالمر، ريتشارد، علم هرمنوتك (علم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمد سعيد حنائي كاشاني، انتشارات هرمس، ط 7، طهران، 1391هـ ش.
جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضيّة وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، نشر ققنوس، ط 1، طهران، 1385هـ ش.
دارتيغ، أندريه، پديدارشناسي چيست؟ (ما هي الظاهراتيّة؟)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمود نوالي، انتشارات سمت، ط 6، قم، 1391هـ ش.
ريخته گران، محمد رضا، پديدارشناسي و فلسفه هاي اگزيستانس (الظاهراتيّة والفلسفات الوجوديّة)، انتشارات بقعة، ط 1، طهران، 1380هـ ش.
عرب صالحي، محمد، فهم در دام تاريخي نگري، سازمان انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامي، ط 1، طهران، 1389هـ ش.
واعظي، أحمد، درآمدي بر هرمنوتيك (مدخل إلى الهرمنيوطيقا)، سازمان انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامي، ط 3، طهران، 1385هـ ش.
هايدغر، مارتن، مسائل اساسي پديدارشناسي (المسائل الأساسيّة للظاهراتيّة)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: پرويز ضياء شهابي، انتشارات مينوي خرد، ط 1، طهران، 1392هـ ش.
هايدغر، مارتن، متافيزيک چيست (ما هي الميتافيزيقا؟) ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: سياوش جمادي، انتشارات ققنوس، ط 3، طهران، 1385هـ ش.
هايدغر، مارتن، هستي وزمان (الكينونة والزمان)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: عبد الكريم رشيديان، نشر ني، ط 4، طهران، 1389هـ ش.

المصادر الأجنبيّة
Heidegger, Martin; On Time and Being; New York: HARPER TORCHBOOKS, 1972.
_____; Through Phenomenology to Thought; Springer Science + Business Media Dordrecht, 1961.
_____; BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, 1962.
_____; On the Way To Language; NEW YORK: HARPER & ROW, PUBLISHERS, 1971.
Schmidt, Lawrence; understanding hermeneutics, by Routledge, LONDON & NEW YORK, 2014.
Guignon, Charles B.; The Cambridge Companion to  HEIDEGGER; First published, CAMBRIDGE UNIVERSITY PRESS, 1993.
Gadamer, Hans-Georg; Truth and Method (a); continuum, LONDON & NEW YORK, 2006.
Gadamer, Hans-Georg; Truth and Method (b); Bloomsbury Academic, 2013.
Wachterhauser, Brice r.; What Is Truth; published in Hermeneutics and Truth, THE UNITED STATES OF AMERICA, Northwestern University press, 1994.

---------------------------------------
[1]*- أستاذ مساعد في حقل فهم الدين في مركز أبحاث الثقافة والفكر الإسلاميّ (پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامي).
ـ المصدر: فصلية قبسات خريف ١٣٩٨ش عدد ٩٣.
ـ تعريب حسن مطر.
[2]- Fundamental ontology.
[3]- See: Schmidt, Lawrence; 2010, understanding hermeneutics, by Routledge, LONDON & NEW YORK, pp. 56 – 58.
[4]- انظر: أحمدي، بابك، هايدگر و پرسش بنيادين (هايدغر والسؤال الجوهري)، ص163، نشر مركز، ط 3، طهران، 1384هـ ش. (مصدر فارسي).
[5]- See: Heidegger, Martin; 1961, Through Phenomenology to Thought; Springer Science + Business Media Dordrecht p. xiv.
[6]- See: Ibid.
[7]- See: Gadamer, Hans - Georg; (b), 2013, Truth And Method; Bloomsbury Academic, p. xxxiii.
[8]- See: Ibid.
[9]- See: Gadamer, Hans - Georg; (b), 2013, Truth And Method; Bloomsbury Academic, p. 48.
[10]- انظر: عرب صالحي، محمد، فهم در دام تاريخي نگري، ص222، سازمان انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامي، ط 1، طهران، 1389هـ ش. (مصدر فارسي).
[11]- See: Wachterhauser, Brice r.; 1994. What Is Truth; published in Hermeneutics And Truth, THE UNITED STATES OF AMERICA, Northwestern University press P. 36.
[12]- انظر: بالمر، ريتشارد، علم هرمنوتك (علم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص142، انتشارات هرمس، ط 7، طهران، 1391هـ ش.
[13]- انظر: المصدر أعلاه، ص143.
[14]- انظر: المصدر أعلاه.
[15]- See: Gadamer, Hans - Georg; (a). 2006, Truth and Method; continuum, LONDON & NEW YORK, p. 253.
[16]- انظر: ريخته گران، محمد رضا، پديدارشناسي و فلسفه هاي اگزيستانس (الظاهراتيّة والفلسفات الوجوديّة)، ص11 ـ 12، انتشارات بقعة، ط 1، طهران، 1380هـ ش. (مصدر فارسي).
[17]- انظر: المصدر أعلاه، ص9.
[18]- انظر: اشميت، لارنس كي، درآمدي بر فهم هرمنوتيك (مدخل إلى فهم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: بهنام خداپناه، ص 110، انتشارات ققنوت، ط 2، طهران، 1395هـ ش.
[19]- انظر: دارتيغ، أندريه، پديدارشناسي چيست؟ (ما هي الظاهراتيّة؟)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمود نوالي، ص23، انتشارات سمت، ط 6، قم، 1391هـ ش.
[20]- See: Guignon, Charles B.; 1993, The Cambridge Companion to HEIDEGGER; First published, CAMBRIDGE UNIVERSITY PRESS. p. 141.
[21]- Ibid. Guignon, Charles B.; 1993, The Cambridge Companion to HEIDEGGER.
[22]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضية وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص85، نشر ققنوس، ط 1، طهران، 1385هـ ش. (مصدر فارسيّ).
[23]- See: Gadamer, Hans - Georg; (a). 2006, Truth and Method; continuum, LONDON & NEW YORK, p. 245.
[24]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضيّة وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص86، 1385هـ ش. (مصدر فارسيّ).
[25]- انظر: المصدر أعلاه، جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي، ص92.
[26]- انظر: ريخته گران، محمد رضا، پديدارشناسي و فلسفه هاي اگزيستانس (الظاهراتيّة والفلسفات الوجوديّة)، ص12ـ13، 1380هـ.ش. (مصدر فارسي).
[27]- انظر: دارتيغ، أندريه، پديدارشناسي چيست؟ (ما هي الظاهراتيّة؟)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمود نوالي، ص21، 1391 هـ ش.
[28]- انظر: المصدر أعلاه.
[29]- انظر: المصدر أعلاه، ص20.
[30]- انظر: المصدر أعلاه.  دارتيغ، أندريه، پديدارشناسي چيست؟ (ما هي الظاهراتيّة؟).
[31]- انظر: المصدر أعلاه.
[32]- انظر: المصدر أعلاه، ص29.
[33]- انظر: ريخته گران، محمد رضا، پديدارشناسي و فلسفه هاي اگزيستانس (الظاهراتيّة والفلسفات الوجوديّة)، ص14، 1380هـ ش. (مصدر فارسيّ).
[34]- انظر: دارتيغ، أندريه، پديدارشناسي چيست؟ (ما هي الظاهراتيّة؟)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمود نوالي، ص21، 1391هـ ش.
[35]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضية وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص95، 1385 هـ ش. (مصدر فارسيّ).
[36]- انظر: دارتيغ، أندريه، پديدارشناسي چيست؟ (ما هي الظاهراتية؟)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمود نوالي، ص23، 1391هـ ش.
[37]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضيّة وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص233، 1385هـ ش. (مصدر فارسيّ).
[38]- انظر: دارتيغ، أندريه، پديدارشناسي چيست؟ (ما هي الظاهراتيّة؟)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمود نوالي، ص27، 1391هـ ش.
[39]- انظر: المصدر أعلاه، ص21.
[40]- انظر: المصدر أعلاه، ص30 ـ 31.
[41]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضية وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص200، 1385هـ ش. (مصدر فارسيّ).
[42]- See: Heidegger, Martin, 1972, On Time and Being; New York: HARPER TORCHBOOKS, p. 78
[43]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 58.
[44]- See: Ibid, p. 50.
[45]- See: Ibid, p. 59.
[46]- إنّ مفردة «المواجهة» مهمّة في فهم مراد مارتن هايدغر في فهمه ومعرفته لوجوديّة الفهم. ولكي نفهم مراد هايدغر من المواجهة الوجوديّة نشير إلى مثال ذكره هايدغر بنفسه، وهو أنّ الدازاين عندما يخاف من شيء بشدّة، فإنّ جميع قواه الأخرى سوف تتعطّل، وينحصر كلّ تركيزه على الشيء الذي أثار خوفه. وفي مثل هذه الحالة يكون وجود الدازاين في مواجهة مع مصدر الخوف، وعندها تزول بالنسبة إليه جميع الأردية الزائفة للمورد المخيف؛ فعندما يكون في غرفة مع أفعى سامّة ـ على سبيل المثال ـ فإنّ كلّ وجوده سوف ينحصر بتركيز الانتباه على تلك الأفعى القاتلة، وتغيب عن ناظره جميع الشؤون الفرعيّة الأخرى. وإن الظاهراتيّة تسعى إلى القيام بهذا الأمر في المواجهة مع كلّ مورد معرفيّ تبحث فيه.
[47]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 60.
[48]- Phenomenal.
[49]- Phenomenal structures.
[50]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 61.
[51]- انظر: اشميت، لارنس كي، درآمدي بر فهم هرمنوتيك (مدخل إلى فهم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: بهنام خداپناه، ص112، 1395هـ ش.
[52]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 62.
[53]- إن الهرمنيوطيقا حتى ما قبل شلايرماخر كان عبارة عن مجموعة من الأساليب التي يمكن الاستفادة منها في التفسير، إلا أن الهرمنيوطيقا عند شلايرماخر قد تطوّرت لتصبح نظرية تفسيرية؛ ومن هنا حيث أن لهذه الهرمنيوطيقا ماهيّة منهجية بل وحتى معرفية، فإنهم يطلقون عليها عنوان الهرمنيوطيقا المنهجية. ولهذا السبب كانت الهرمنيوطيقا حتى ما قبل شلايرماخر عبارة عن فن التفسير، ولكنها تحوّلت بعده إلى علم التفسير.
[54]- See: Heidegger, Martin, 1971, On The Way To Language; NEW YORK: HARPER & ROW, PUBLISHERS, p. 12.
[55]- انظر: بروتي، جيمز ال، پرسش از خدا در تفكر مارتن هايدگر (السؤال عن الله في رؤية مارتن هايدغر)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمّد رضا جوزي، ص67، انشارات ساقي، ط 1، طهران، 1379هـ ش.
[56]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضية وعصر الظاهراتية: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص355، 1385هـ ش. (مصدر فارسي).
[57]- سوف نبيّن لاحقًا أن هايدغر يسمّي الحقيقة بهذا المعنى بـ «عدم الخفاء».
[58]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 269.
[59]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضية وعصر الظاهراتية: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص200، 1385هـ ش. (مصدر فارسي).
[60]- انظر: هايدغر، مارتن، مسائل اساسي پديدارشناسي (المسائل الأساسية للظاهراتية)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: پرويز ضياء شهابي، ص36، انتشارات مينوي خرد، ط 1، طهران، 1392هـ ش.
[61]- انظر: المصدر أعلاه، هايدغر، مارتن، مسائل اساسي پديدارشناسي (المسائل الأساسية للظاهراتية)، ص170، 1385هـ ش.
[62]- انظر: المصدر أعلاه، ص151.
[63]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 193.
[64]- انظر: هايدغر، مارتن، مسائل اساسي پديدارشناسي (المسائل الأساسية للظاهراتية)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: پرويز ضياء شهابي، ص202، 1392هـ ش.
[65]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضيّة وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص202، 1385هـ ش. (مصدر فارسيّ).
[66]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 193.
[67]- انظر: اشميت، لارنس كي، درآمدي بر فهم هرمنوتيك (مدخل إلى فهم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: بهنام خداپناه، ص157، 1395هـ ش.
[68]- Meaning.
[69]- Ontologico – Existential.
[70]- Unmeaning.
[71]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 193.
[72]- See: Ibid.
[73]- وبطبيعة الحال فإنّ هذا الوجود ـ بعبارة أدقّ ـ هو الذي يصل إلى مرحلة الظهور في الدازاين، ومن هنا يتبلور المعنى، ولكن على كلّ حال لا يكون هناك وجود للمعنى قبل هذا الظهور في نفس الأمر.
[74]- انظر: اشميت، لارنس كي، درآمدي بر فهم هرمنوتيك (مدخل إلى فهم الهرمنيوطيقا)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: بهنام خداپناه، ص128، 1395هـ ش.
[75]- إنّ من بين المفردات التي يستعملها مارتن هايدغر للدلالة على الحالة العامّة والكلّيّة لوجود الدازاين، هي مفردة «Projection»، وقد تمّت ترجمتها إلى «القذف».
[76]- انظر: هايدغر، مارتن، متافيزيک چيست (ما هي الميتافيزيقا؟) ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: سياوش جمادي، ص170، انتشارات ققنوس، ط 3، طهران، 1385هـ ش.
[77]- See: Gadamer, Hans - Georg; (a). 2006, Truth and Method; continuum, LONDON & NEW YORK, p. 269.
[78]- انظر: هايدغر، مارتن، مسائل اساسي پديدارشناسي (المسائل الأساسيّة للظاهراتيّة)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: پرويز ضياء شهابي، ص150، 1392هـ ش.
[79]- انظر: المصدر أعلاه، ص36.
[80]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 50.
[81]- انظر: جمادي، سياوش، زمينه و زمان پديدارشناسي: جستاري در زندگي و انيشه هاي هوسرل و هايدگر (أرضيّة وعصر الظاهراتيّة: بحث في سيرة وأفكار هوسيرل وهايدغر)، ص 355، 1385 هـ ش. (مصدر فارسي).
[82]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 193.
[83]- انظر: هايدغر، مارتن، ص 202، 1389 هـ ش.
[84]- See: Heidegger, Martin, 1962, BEING AND TIME; Blackwell Publishers Ltd, p. 269.
[85]- انظر: واعظي، أحمد، درآمدي بر هرمنوتيك (مدخل إلى الهرمنيوطيقا)، ص198، سازمان انتشارات پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامي، ط 3، طهران، 1385هـ ش. (مصدر فارسي).
[86]- انظر: هايدغر، مارتن، متافيزيک چيست (ما هي الميتافيزيقا؟) ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: سياوش جمادي، ص170، 1385هـ ش.
[87]- Self – consciousness.
[88]- See: Gadamer, Hans - Georg; (a). 2006, Truth and Method; continuum, LONDON & NEW YORK, p. 253.
[89]- See: Ibid, Gadamer, Hans - Georg; (a). 2006,  p 245 – 248.
[90]- See: Ibid.
[91]- life.
[92]- Problem of “life”.
[93]- See: Gadamer, Hans - Georg; (a). 2006, Truth and Method; continuum, LONDON & NEW YORK, p. 253.
[94]- Being – in – the – world.
[95]- انظر: بروتي، جيمز ال، پرسش از خدا در تفكر مارتن هايدگر (السؤال عن الله في رؤية مارتن هايدغر)، ترجمه إلى اللغة الفارسيّة: محمد رضا جوزي، ص120، 1379هـ ش.
[96]- See: Gadamer, Hans - Georg; (a). 2006, Truth and Method; continuum, LONDON & NEW YORK, p. 341 - 355.
[97]- يوجد كتاب للمؤلف قيد الطبع بعنوان مباني و پيش فرض هاي نظريه فهم متن در دانش اصول فقه در قياس با آموزه هاي هرمنوتيك فلسفيّ (مباني وفرضيّات نظريّة فهم النصّ في علم أصول الفقه بالمقارنة مع مفاهيم الهرمنيوطيقا الفلسفيّة). وقد تتبّعنا في هذا الكتاب مواطن النسبيّة في آراء هانس غادامير بالتفصيل.