الباحث : علا عبد الله خطيب محمد
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 29
السنة : شتاء 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث : April / 16 / 2023
عدد زيارات البحث : 3882
وقعت الديمقراطيّة الغربيّة في مأزق التناقض عندما تعلّق الأمر بحقّ الدول المستعمَرَة، فأعرض الأوروبي المتحضّر عن قيم الديمقراطيّة التي أرساها عصر التنوير حين تعلّق الأمر بالشعوب الأخرى، وقام بتقديم تبريرات إيديولوجيّة للحركات الاستعماريّة التي كان يناصرها، آخذًا إلى عنصريّة العصور الوسطى القائمة على الأفضليّة الدينيّة، عنصريّة أخرى تتعلّق بالعرق واللون، حيث وضعوا الجنس الأبيض في المرتبة الأعلى، وجعلوه صاحب الأفضليّة والأكثر رقيًّا.
وقد آمنت النظريّات الغربيّة العنصريّة بتفوّق الشعوب الأوروبيّة على ما دونها مِن الشعوب، وأنَّ العرق الأبيض هو الأكثر تطوّرًا ورقيًّا، ممّا جعل الغرب يعطي لنفسه الحقّ في التحكّم بمصائر الشعوب والأمم الأخرى، ونهب مقدّراتها لتعمير ونهضة بلدانهم، مبرّرًا جرائمه بأنَّه إنَّما جاء لتمدين هذه الأمم والشعوب البربريّة. إذ ذهب منظّر الديمقراطيّة الأكبر في الغرب الحديث جون ستيوارت مل إلى أنَّ الديمقراطيّة لا تناسب الشعوب غير المتحضّرة؛ فأجاز الاستبداد في حقّها، وهو يقصد هنا شعوب الشرق، ورأى أنَّها شعوب فاقدة الأهليّة، ولا بدّ مِن فرض الوصاية عليها.
كلمات مفتاحيّة: الديمقراطيّة ـ البهتان ـ الاستبداد ـ الحملات الصليبيّة ـ الاستعلاء الغربي ـ الطموحات الاستعماريّة.
تمهيد
الديمقراطيّة كلمة أعجميّة تمّ تعريبها مِن الكلمة Democracy، وهي كلمة أصلها يوناني ومؤلّفة مِن كلمتين: «ديموس Δήμος أو Demos» وتعني الشعب، والثانية «كراتوسcratas أو Κρατία أو kratia» وتعني السلطة أو الحكم، ومؤدّاها أنَّ الشعب يتولّى حكم نفسه، وأنَّه مصدر السلطات. ولمّا تعذّر على الشعب أنْ يمارس الحكم مِن خلال «الديمقراطيّة المباشرة» في الدول الكبيرة المترامية الأطراف، المأهولة بالسكّان، والمتشعّبة الأعمال، فإنَّ سلطته تتجلّى في انتخاب ممثّلين له بالاقتراع العام السرّي، وفي فترات زمنيّة محدّدة، ليتولّوا مزاولة الحكم خلال مدّة معيّنة وفقًا لأحكام الدستور، على أنْ يراقبهم بعد اختيارهم، وهو ما عُرف بـ«الديمقراطيّة النيابيّة»، وهي تهدف في الأوّل والأخير إلى حماية الفرد مِن استبداد السلطة الحاكمة. ويعكس مفهوم الديمقراطيّة مجموعة مِن المبادئ الأساسيّة، التي تركّز على الإيمان بحريّة الفرد وسيادة الشعب، وأيضًا المساواة القانونيّة والمشاركة السياسيّة والتداول السلمي للسلطة. فغاية الديمقراطيّة هي ترسيخ مبادئ الحريّة والمساواة، ومحاربة الاستبداد المطلق، والعمل مِن أجل رفاهية الشعوب، وهو الأمر الذي حرص عليه منظّرو الديمقراطيّة في الغرب الحديث والمعاصر مِن أمثال: جون لوك، وسبينوزا، ومونتسكيو، وجان جاك روسّو، وجون ستيوارت مل، وأليكسس دي توكفيل، وجون ديوي، وجون رولز، ويورغن هابرماس، وغيرهم.
ولهذا رأى منظّرو الديمقراطيّة الغربيّة أنَّ نظام الاستبداد مشروع كنمط مِن أنماط الحكم في حكم الهمج والبرابرة، كما برّر «جان بودان» الاستبداد مستخدمًا حججًا مِن القانون الروماني، الذي ينشأ لحقّ المنتصر في السيطرة على المهزوم، بما في ذلك حقّه في الاستعباد ومصادرة ممتلكاته. في حين آمن «مونتسكيو» بأنَّ الاستبداد أمر طبيعي بالنسبة للشرق، لكنّه خطر على الغرب! وهذه الفكرة هي نفسها القسمة الأرسطيّة القديمة للعالم إلى شرق وغرب، حيث رأى أنَّ للشرق نظمًا استبداديّة تليق به، وللغرب أنظمة أخرى مخالفة لأنظمة الشرق. وقد وصل الأمر بجون ستيوارت مل إلى الدعوة إلى إعلان الحرب واستعباد دول العبيد مِن خلال حملة صليبيّة عامّة لأوروبا المتحضّرة على الشرق مِن أجل تحضير دُوله غير المتمدّنة، متناسين أنَّ الحرّية لا تُمنح أو تُمنع بحسب ظروف الشخص وأحواله؛ فـ«الحريّة ماهية الروح» كما زعم هيغل، وتعلُّم الديمقراطيّة هو ممارستها لا منعها؛ فهي تجربة إنسانيّة تصحّح أخطاءها بنفسها، فأفضل علاج للديمقراطيّة هو المزيد مِن الديمقراطيّة، وأنَّ منع الديمقراطيّة عن الناس حتّى يتهيّؤوا لها مجرّد مغالطة ينشرها المستبدّون في كلّ زمان ومكان، وأنَّ منعها هو الحجّة الأكثر تماشيًا مع مصالح الأمم المستعمِرة، إذ يطلب فلاسفة الغرب مِن الشعوب الشرقيّة ضرورة الطاعة والخضوع للحكّام المستبدّين القادمين مِن قِبل المستعمر في تناقض واضح مع مبادئ الديمقراطيّة التي تتطلّب الحريّة والمساواة. فقد ذهب برتراند رسل إلى القول باستحالة الديمقراطيّة في المجتمعات الأميّة، وهي الدعاوى والمزاعم التي تعكس الاستعلاء الغربي وتناقضاته الفكريّة مِن أجل مصالحه الإمبرياليّة، وهو الأمر الذي سنتعرّض له بالتفصيل خلال هذه الدراسة في المباحث الآتية:
أوّلًا– تناقض الديمقراطيّة في التراث الغربي القديم
مارس اليونانيّون القدماء نوعًا مِن الديمقراطيّة يختلف عن الديمقراطيّة النيابيّة المعروفة اليوم، وتمّ تمييزها عن نظيرتها الراهنة بأنَّها «ديمقراطيّة مباشرة»؛ أي إنَّها تطبيق صريح ومباشر لعبارة «أنْ يحكم الشعب نفسه بنفسه» بوصفه صاحب السيادة؛ لذلك يجب أنْ يمارس الشعب نفسه جميع سلطات الدولة، سواء أكانت هذه السلطات تشريعيّة أو تنفيذيّة أو قضائيّة، وذلك على أساس أنَّ السيادة لا تقبل أنْ ينيبها الشعب أو يفوّضها إلى مندوبين [2].
لذلك كانت الديمقراطيّة المباشرة تجربة في غاية البساطة مِن حيث التطبيق؛ فمدينة أثينا[3] تجتمع بشعبها كلّه، لا هيئة منتخبة ولا طائفة أو طبقة، في جمعيّة شعبيّة ecclesia تضمّ كلّ مِن تتوافر فيهم الشروط، وهي أنْ يكون مواطنًا أثينيًّا مِن أبوين أثينيّين، حرًّا، ذكرًا، يبلغ العشرين مِن عمره. وهي شروط فصَّلها أرسطو في كتابه «السياسة» عندما كتب فصلًا قائمًا بذاته عن المواطنة والدستور. وتتولّى هذه الجمعيّة الشعبيّة أو الوطنيّة سلطة البرلمانات الحديثة، لا سيّما السلطة التشريعيّة، ومراقبة أعمال الحكومة. أمّا رجال الدولة أنفسهم وغيرهم ممّن يشغلون الوظائف العامّة، كالموظّفين العموميين والقضاة، وقادة الجيش والضباط....إلخ، فيُختارون بالانتخاب، حيث يتمّ انتخاب ضعف العدد المطلوب، ثمّ تُجرى القرعة بينهم لاختيار العدد المطلوب[4]؛ أي إنَّ في هذا النوع مِن الديمقراطيّة يتولّى الشعب كلّه شؤون الحكم بشكل جماعي؛ فيصدر القوانين وينفّذها، ويفصل في الخصومات، ويوقع الجزاءات على مخالفيها[5]، وهذا لا يكون إلّا للمدن ضئيلة العدد صغيرة المساحة، ولذلك اتّفق «بركليس» و«كليون» على أنَّ الديمقراطيّة غير ملائمة للإمبراطوريّات.
ويبدو هذا الشكل مِن أنظمة الحكم متناقضًا مع مفاهيم ومبادئ الديمقراطيّة بمفهومها الراهن، بدءًا مِن المفهوم حتّى التفاصيل الدقيقة للمضمون. فإذا كانت الديمقراطيّة تعني -حتّى لغويًّا- حكم الشعب، فإنَّ اليونانيين لم يقفوا على المدلول الحقيقي لمصطلح الشعب، واحتاج الأمر إلى قرون طويلة لكي يتّضح هذا المعنى ويستقرّ! وإذا كان جناحا الديمقراطيّة هما الحريّة والمساواة، فإنَّ الديمقراطيّة الأثينيّة قد أخطأت فهمهما معًا[6].
أمّا عن مفهوم الشعب، فلم يكن محدّدًا تحديدًا وافيًا في أثينا، فلم يكن يمثّل الشعب أكثر مِن سُبع السكّان تقريبًا، وهذا واضح مِن الفئات التي استُبعدت منه: الأجانب، والأرقاء، والنساء. ومِن هنا اقتصرت الحقوق السياسيّة على المواطن الأثيني الذكر الحرّ، وبذلك يكون مَنْ يمارسون حقوقهم السياسيّة في حكم المدينة، هم أقليّة ضئيلة مِن السكّان، وهذا يجعل الديمقراطيّة الأثينية أقرب مِن النظام الأرستقراطي أكثر منها للنظام الديمقراطي.
كما أنَّ الديمقراطيّة الأثينية القديمة فرّطت في أهمّ مبادئها، وهي الحريّة، فقد كانت الحريّة في الفعل والقول أعزّ نداءات أثينا في عهد بركليس، ليست الحريّة السياسيّة فحسب، بل الحريّة الشخصيّة أيضًا[7]، لكنَّها مع ذلك لم تشمل «الحريّة الدينيّة» أو «حريّة العقيدة»، إذ كان على المواطن أنْ يدين بدين الدولة مجبرًا، ويقوم بشعائر آلهتها، ويمتثل لعاداتها وتقاليدها، فإنْ خرج على دين الدولة، اتُهم بالكفر وقُدّم للمحاكمة التي مِن الممكن أنْ تقضي بإعدامه، كما حصل مع أناكسجوراس وسقراط. كذلك كان مبدأ (النفي السياسي) مِن أهمّ المبادئ غير الديمقراطيّة التي اتُخذت لحماية الديمقراطيّة الأثينية، حيث يقضي هذا المبدأ بإبعاد كلّ مَنْ يرى فيه الشعب أنَّه خطر على الديمقراطيّة، وهو ما اشتهر بنظام «الأوستراكيسموس»؛ وهو قانون أثيني مشتقّ مِن «أوستراكون Ostracism»، وهي قطعة مِن الفخار كان يُكتب عليها اسم مَنْ يراد القضاء عليه. وكان الأثينيّون إذا قرّروا تنفيذ هذا القانون على أحد، أبعدوه عشر سنين دون أنْ يحرموه مِن حقوقه، وقد حكم بهذا القانون على «كيمون»، حيث جرى استفتاء على قطع الفخار، قضي عليه بالنفي لمدّة عشر سنوات، وذلك في عام 461ق.م[8].
ولا شكّ أنَّ عدم توافر الحريّة الدينيّة في الديمقراطيّة الأثينيّة، التي يتفاخر بها الغربيّون اليوم بوصفها أوّل مشاعل الديمقراطيّة على وجه هذه البسيطة، يحمل بأنَّها لم تكن ديمقراطيّة كاملة. كما أنَّ قانون النفي السياسي الذي اتُخذ لحماية الديمقراطيّة هو قانون غير ديمقراطي؛ لأنَّ حماية الديمقراطيّة لا تكون بإسكات المعارضين أو نفيهم، وإنَّما بالحوار المستمرّ معهم، والرهان على كسب الأغلبيّة دون عنف أو إرهاب مِن قبل الأغلبيّة على الأقليّة، وليس العكس. فحماية الديمقراطيّة بأساليب غير ديمقراطيّة يمثّل تناقضًا فجًا[9].
وقد وجَّه فلاسفة اليونان في العصر الذهبي انتقادات حادّة للديمقراطيّة، إذ رأى كلّ مِن سقراط وأفلاطون وأرسطو -وهم على حقّ في ذلك- أنَّ الديمقراطيّة تساوي بين غير المتساوين، وتدفع إلى الحكم بمن لا يعرفون معناه[10]، في حين أنَّ المساواة يجب أنْ تسود بين المتساوين بالضرورة فقط. فالديمقراطيّة -في نظرهم- هي حكومة الذين لا يعرفون شيئًا؛ إذ إنَّ العامّة والدهماء الذين قد يتولّون الحكم، مشغولون فقط بأمر معاشهم اليومي، ولا يعرفون مكامن المشكلات السياسيّة وكيفيّة حلولها، فكيف يسايرون آلاف المشكلات التي تنشأ وتتغيّر في الواقع السياسي المعيش؟
لذلك كان يرى فلاسفة اليونان الكبار(سقراط وأفلاطون وأرسطو) أنَّ الديمقراطيّة تأتي إلى الوجود بعد أنْ يقهر الفقراء والدهماء مناوئيهم، ذابحين البعض ونافين البعض، بينما يعطون حصّة متساوية مِن الحرّية والسلطة إلى الباقين؛ أي يتمّ الاستئثار بالسلطة مِن قِبل الأغلبيّة الفقيرة الذين يحكمون لمصلحتهم الخاصّة بما يضرّ بالأثرياء، ممّا يؤدّي إلى استمرار الصراع بين الأغنياء والفقراء، هذا فضلًا عن أنَّ النظام الديمقراطي -في تصوّرهم- يضمّ في أكثريّته العامّة والدهماء والأميين وغير الأكفاء، وهؤلاء إمَّا أغبياء جدًا وإمّا أشرار جدًا أو كلاهما معًا، فهي إذًا تعطي مميّزات لعديمي الكفاءة والمؤهلات[11]. لذلك هاجم أفلاطون وأرسطو النظام الديمقراطي بشدّة بوصفه نظامًا فاسدًا أو أقرب إلى الفساد، وجعلاه يمثّل المكانة قبل الأخيرة في أشكال الحكومات الفاسدة، بل جعلا الطغيان -وهو أشدّ أشكال الحكم سوءًا وفسادًا- نتيجة مباشرة للديمقراطيّة[12]. ورغم ما يحمله نقد أفلاطون وأرسطو مِن وجاهة عقليّة، إذ كيف يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ كيف يستوي صوت المثقّف العليم بدهاليز السياسة وخباياها بصوت الأمّي العامّي المنشغل دومًا بتدبير أمر معاشه اليومي، المنقطع الصلة تمامًا بمصالح العامّة وخبايا السياسة وأمورها؟ إلّا أنَّ نقدهما للديمقراطيّة كان منطلقًا مِن تمسّكهما بالنظرة الأرستقراطيّة، فكان منطقيًا أنْ يرفضا فكرة المساواة بين الناس، وأنْ ينكرا الحريّة لكلّ الناس، بل ويعتبرا ذلك نوعًا مِن الفوضى والظلم الذي يحيق بالأرستقراطيّة[13].
وفي نهاية هذا المحور يبقى النقد الأكثر أهمّية، الذي يمكننا توجيهه للديمقراطيّة الأثينيّة، والذي يكشف عن مدى تناقضها، هو أنَّها لم تختلف في مجال السياسة الخارجيّة عن سائر النظم غير الديمقراطيّة في ممارسة أساليب التعدّي والاستغلال ضدّ الدول الأخرى، إذ اشتهر الحزب الديمقراطي في أثينا بنزعة إمبراطوريّة وميل إلى فرض سياسة أثينا على الدول المجاورة، تمثّل ذلك في السياسة التسلطيّة التي مارستها ضدّ المدن المتحالفة معها في حلف «ديلوس»، حتّى حوّلته إلى إمبراطوريّة أثينيّة استبداديّة. ورغم أنّ أثينا فرضت على حلفائها تطبيق النظام الديمقراطي، فقد كان نظامًا مفروضًا استخدمته أثينا مِن أجل بسط سيطرتها عن طريق اصطناع جانب الأحزاب الديمقراطيّة، ومقاومة أحزاب الأقليّة بشتّى الأساليب، وشعرت المدن المتحالفة معها أنَّها فقدت استقلالها، وأنَّ الديمقراطيّة ستار للاستغلال، وأنَّهم قد تحوّلوا فعلًا إلى دافعي جزية أو مقدّمي سفن وجنود لدعم قوّة أثينا وبناء مجدها. وإذا كان الانضمام إلى حلف «ديلوس» اختيارًا أصلًا، فإنَّ مجرّد التفكير في معارضة سياسة أثينا أو الانسحاب مِن الحلف، يُعدّ خيانة يُجازى مرتكبها بانتقام عسكري، ساحق أحيانًا[14].
هكذا كانت الديمقراطيّة الأثينيّة في بدء التاريخ، ذات نزعة إمبرياليّة مزرية قاسية، رغم أنَّ الديمقراطيّة في أصلها، دعوة إلى العدالة والحريّة والمساواة، ومِن ثمّ يبرز جدل التناقض الحاد، حيث أنَّ الديمقراطيّة الحقّة لا تتماشى مع نزعة التوسّع والعدوان، ولا مع استعباد الشعوب واستغلالها واحتلالها.
ثانيًا– جدل التناقض بين مبادئ الديمقراطيّة والطموحات الاستعماريّة للغرب الحديث
وإذا ما انتقلنا مِن العصور القديمة إلى عصر النهضة والعصور الحديثة، وجدنا أنَّ الديمقراطيّة التي نشأت في العصر الحديث كنتيجة حتميّة لما عُرف بنظريّة العقد الاجتماعي، تلك النظريّة التي طوّرها ثلاثة فلاسفة هم: البريطانيّان «توماس هوبز» و«جون لوك»، والفرنسي «جان جاك روسّو»، نجد أنَّها صيغت بشكل ومحتوى عنصري؛ لأنَّ العقد الاجتماعي كان اتفاقًا بين الرجال البيض، وأنَّ مضمون العقد يتمحور بصورة رئيسة حول كيفيّة تهميش وإقصاء الآخرين غير البيض وكيفيّة استغلالهم؛ لأنَّهم غير مؤهّلين للمشاركة في هذا التعاقد. وهي قمّة العنصريّة العرقيّة[15].
وهو الأمر الذي نجده واضحًا ـ منذ البداية ـ عند المصلح الكبير مارتن لوثر Martin Luther (1483ـ 1546) الذي رفض الديمقراطيّة، ورأى أنَّها ليست إلّا «حكم الرعاع» الذين لا يعرفون الاعتدال ولا يعرفون شيئًا، فكلّ فرد مِن الرعاع يثير مِن الألم أكثر ما يثيره خمسة مِن الطغاة، ولهذا كان الأفضل أنْ نعاني مِن الألم مِن الطاغية أو مِن الحاكم المستبدّ بصفة عامّة عن أنْ نعانيه مِن عدد لا حصر له مِن الطغاة الرعاع[16]؛ أي إنَّه في هذا العصر لم يكن هناك تمييز واضح بين الديمقراطيّة وحكم الرعاع، الذي يُنظر إليه على أنّه سلب لكلّ حكومة منظّمة، وكان ذلك الرأي تحت سيادة القول بأنَّ الملكيّة هي الصورة المثاليّة للحكم.
كما كان فرنسيس بيكّون Francis Bacon (1561-1626) مناصرًا للملكيّة، حيث رأى أنَّ الملكيّة قد تتّفق تمامًا مع الحريّة، ولكنْ هي تلك الحريّة المنحازة فقط لهذا الغربي الأوروبي الذي له كامل الحقّ في شنّ الحرب على الأمم الأخرى واحتلالها لتحقيق رفاهيته، حيث يتمّ جلب صنوف الراحة والترف مِن الأماكن البعيدة في العالم إلى أسواق لندن. فقد كان مذهب بيكّون إمبرياليًا جريئًا، يرى أنّ توسيع حدود الإمبراطوريّة واجب على كلّ مواطن، فأفضل المجتمعات عند بيكّون هي الإمبراطوريّات العظيمة، وليست المدن الصغيرة كما زعم أفلاطون مِن قبل. ولمّا كانت الإمبرياليّة واجبًا وطنيًّا عند بيكّون، فقد تَطَلّبَ تحقيق هذا الواجب البيكّوني سلوكًا عدوانيًا أكثر مِن السلوك العادل، وأنْ تصبح الجسارة نفسها فضيلة الرفاهية بغضّ النظر عن عدالة الحرب[17]. هكذا تبدو نزعة الأنانيّة التي تحكم تصوّر بيكّون السياسي، فالحلّ إمبريالي، ممّا يجعل أيّ معنى للحرب العادلة ينهار أمام هذا الحلّ الإمبريالي للمشكلة.
أمّا جان بودين Jean Bodin (1530-1596)، ذلك المفكّر السياسي الكبير الذي احتلّ مكانة رفيعة في العلوم السياسيّة بفضل كتابيه الشهيرين: «منهج في الفهم الميسر للتاريخ»، و«ستّة كتب عن الدولة»، ورغم أنَّ اهتمامه الرئيس قد انصبّ بالدرجة الأولى على التفسير أو التعليل العقلي للتاريخ، لا على الحوادث وتعاقبها التاريخي، إلّا أنَّه قد رأى أنَّ النظام الأمثل في الحكم يتمثّل في «الموناركيّة»؛ أي حكومة الفرد الواحد، وأنَّ الدولة الديمقراطيّة قد يكون لها حكومة «موناركيّة»، وهذا يتّضح في إنجلترا، فهي دولة ديمقراطيّة، ولكنْ لها حكومة «موناركيّة» تتمثّل في الملك أو الملكة[18]، إلّا أنّه سار على نهج الأفكار في أوروبا الذين أباحوا الاستبداد والاستعباد للبلاد الشرقيّة، حتّى إنّه برّر الاستبداد والاستعباد لتلك البلاد مستخدمًا حججًا مِن القانون الروماني الذي ينشأ لحقّ المنتصر في حرب عادلة في السيطرة على المهزوم، بما في ذلك حقّه في الاستعباد ومصادرة ممتلكاته، أو بموافقة المهزوم على استعباده مقابل الإبقاء على حياته. وكذلك ما كان سائدًا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث أنَّ الأرستقراطيّة الفرنسيّة بدأت بالتوحيد بين الاستبداد ونظم الحكم الشرقيّة، وفي النصف الثاني مِن القرن الثامن عشر جعل «مونتسكيو» الاستبداد أحد الأشكال الأساسيّة للحكم، ودان الرقّ والاستعباد بكلّ أشكاله بصورة حاسمة، ولكنّه كان يؤمن بأنَّ الاستبداد أمر طبيعي بالنسبة للشرق، لكنّه غريب وخطر على الغرب! وهذه الفكرة نفسها هي الفكرة الأرسطيّة القديمة، حيث قسّم أرسطو العالم إلى شرق وغرب، وأنَّ للشرق أنظمة خاصّة لا تصلح إلّا له، وهي بطبيعتها استبداديّة، يعامل فيها الحاكم رعاياه كالحيوانات أو كالعبيد.. وللغرب أنظمة خاصّة تجعل تطبيق الاستبداد يهدّد شرعيّة الحكم الملكي[19].
ولا تختلف الصورة كثيرًا عند الناشط السياسي الهولندي والقانوني الكبير هوغو جروتيوس Hugo Grotius (1583-1645)، صاحب الكتاب الشهير «قانون الحرب والسلام» «1625»، والذي رأى فيه أنَّ أصل القانون المدني هو ذلك الإلزام الذي ينشأ مِن القبول والرضا. لذلك رفض الملكيّة الوراثيّة، والذي يتحوّل فيها الشعب إلى محكوم مِن ملك إلى آخر دون إرادة منه أو اختيار. كما رأى أنَّ الحرب العادلة هي التي تُشنّ دفاعًا عن النفس والملكيّة، وتلك الحروب التي تُشنّ لكي تلاحق الأضرار وتوقع العقوبات المستحقّة. ولكنّه وقع في تناقض حادّ مع آرائه وأفكاره عندما اقتبس حجّة أرسطو -مؤمنًا بها- في قضيّة أنَّ الطبيعة تقرّ الحرب ضدّ الأشخاص البرابرة بحقّ، مرتئيًا أنَّ «حرب الحضارة» التي يقوم بها الرجل الأبيض لتمدين الشعوب البربريّة، هي حرب عادلة إلى أقصى حدّ[20].
وإذا ما وقفنا مع أشهر المدافعين عن الديمقراطيّة في القرن التاسع عشر، وهو الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل John Stuart Mill (1806-1873)، الذي آمن بالديمقراطيّة إيمانًا كبيرًا، ممّا دفعه إلى أنْ ينظِّر لها تنظيرًا كاملًا مِن خلال مجموعة مِن المؤلّفات، منها: كتاب «الحكومات البرلمانيّة» الذي تناول مِن خلاله كلّ ما يتعلّق بالهيئات النيابيّة ووظائفها، وحقّ الانتخاب وطرقه، وحدود السلطات سواء كانت قضائيّة أو تنفيذيّة أو تشريعيّة، مؤكّدًا على ضرورة الفصل بينها. وكذلك كتابه «الليبراليّة الحديثة» الذي تناول مِن خلاله عددًا مِن الأفكار التي تتعلّق بالحكم النيابي، منها حريّة الفكر والمناقشة، وتدعيم حريّة الأفراد في اختيار ممثّليهم. كذلك كتابه «عن الحريّة» الذي دافع فيه عن الحريّة الشخصيّة وضرورة استقلال الشخصيّة الفرديّة وضرورة تدعيمها وتعليمها لتصبح مؤهّلة وقادرة على الاختيار الصحيح للممثّلين البرلمانيين. كذلك يمكننا وضع كتابه «استعباد النساء» ضمن هذه السلسلة التي دافع فيها عن الديمقراطيّة وعن مبادئها الأساسيّة في الحريّة والمساواة، حيث أكّد على حرّية المرأة ومساواتها للرجل في ممارسة الحقوق السياسيّة، وقد تسبّب هذا الكتاب في تغيير بعض القوانين التي كانت تحطّ مِن قدر المرأة ودورها في المجتمع الإنجليزي.
وبالرغم مِن الاستفاضة في التأكيد على الحريّة والمساواة بين جميع فئات الشعب، التي أكّد عليها «مل» منتصرًا للديمقراطيّة ومبادئها، إلّا أنَّه كان أكبر ممثّل للصورة المُثلى لجدل التناقض بين الديمقراطيّة والطموحات الاستعماريّة في العصر الحديث، إذ أباح احتلال الأمم والشعوب الأقلّ تقدمًا بحجّة أنَّها غير قادرة على أنْ تحكم نفسها بنفسها، وأنَّ هذه الأمم ليس أمامها سوى الطاعة والخضوع للحكّام المستبدّين. ولا أبلغ هنا مِن أنْ نعرض نصّ كلام «جون ستيوارت مل»، وهو يستثني الشعوب الشرقيّة مِن حقوق الحريّة والمساواة المتمثّلة في ممارسة الديمقراطيّة، فيقول: «لا يشمل بحثنا الأمم المتأخّرة في مضمار الحضارة، حيث يكون المجتمع برمّته في منزلة القاصر؛ لأنَّ الصعاب والعقبات التي تعترض هذه الأمم في أوّل سبيل التقدّم، هي مِن الجسامة بحيث لا تدع مجالًا للخيار بين التدابير المؤدّية إلي تذليلها... لهذا كان الاستبداد وسيلة مشروعة لحكم الأمم الهمجيّة، مادام الإصلاح هو الغاية المقصودة... والأصل أنَّ الحرّية لا يجوز منحها للأمّة قبل أنْ تصبح على استعداد لإصلاح شؤونها بالمناقشة المبنيّة على أساس الحرّية والتساوي، ومادامت الأمّة لم تبلغ هذه الدرجة، فليس لها غير الإذعان والطاعة»[21].
بل ويتحوّل «مل» داعية الديمقراطيّة الأكبر إلى مفكّر إيديولوجي بامتياز مراعيًا سياسة بلاده الاستعماريّة، فيقول: «قد يحين الوقت عندما تسيطر القوّة البربريّة والهمجيّة التي ساعدناها في الوجود بدعمنا المعنوي إلى أنْ تقوم حملة صليبيّة عامّة للسيطرة على الأذى الذي تقوم به»[22]، ويستطرد قائلًا: «لا يهمّ أنْ تطول الحرب مِن أجل تقليل الغطرسة وترويض السلوك العدواني لدول العبيد... فالحرب شيء بشع، لكنّه ليس أبشع الأشياء الفاسدة والمنحطّة، فليس أبشع مِن الحطّ مِن شأن الإنسان»[23].
وهكذا يرى «مل» أنَّ احتلال الأمم المتأخّرة وسيلة مشروعة، فالحريّة لا مكان لها في أمم لا تستبين حرّية المناقشة، أو الأمم القاصرة عن إدراك معنى الحريّة، وكانت تلك هي حجّة الاستعمار في حكم المستعمرات بما ادّعاه «رسالة الرجل الأبيض في نشر الحضارة»، فما مِن مستبدّ في التاريخ إلّا وبرّر أسلوبه في الاستبداد بعدم صلاحية رعاياه للمشاركة في الحكم. إنَّها بالفعل «ثمّة حلقة استبداديّة خبيثة تبدأ بإنكار القدرة على المشاركة في الرأي، وتنتهي بعجز حقيقي عن المشاركة»[24].
وهنا تثار الانتقادات ضدّ توجّه «مل» في منع الحريّة عن الناس حتّى يتهيؤوا لها، وتكون لديهم القدرة على تحسين أوضاعهم بالمناقشات الحرّة على قدم المساواة. فهذا رأي يبدو بالغ الخطأ والخطورة معًا؛ وذلك لأسباب عدّة، منها: أوّلًا- أنَّ الحرية توجد مع الإنسان منذ ولادته، فلا يجوز سلبها منه دون أنْ يكون هذا اعتداء على وجوده. ثانيًا- الحريّة ليست مِن الأمور التي يمكن منحها أو منعها عن الشخص بحسب أحواله. ثالثًا- إنَّ الزعم بأنَّ مهمّة الرجل الأبيض هي تمدين الشعوب البربريّة، ما هو إلّا زعم إيديولوجي يسوّغ للمستعمر تبرير استعماره للأمم الأخرى بعيدًا عن الأسباب الحقيقيّة، التي تتمثّل في نهب الثروات والخيرات.
وإذا ما وقفنا مع أعظم فلاسفة الغرب على الإطلاق، وهو الألماني إيمانويل كانط Immanuel Kant (1724-1804)، الذي قدَّم مِن خلال نظريّته الأخلاقيّة مستوى رفيعًا للغاية للنظر الأخلاقي الذي يبحث في الفضيلة وشروطها الإنسانيّة، مطالبًا باحترام الكرامة الإنسانيّة وحقّ الأشخاص في أنْ يعاملوا بوصفهم غايات في ذاتها لا بوصفهم مجرّد وسائل. وتحدّثنا فلسفة كانط السياسيّة عن احترامه الجمّ للحريّة الإنسانيّة بوصفها الحقّ الفطري الوحيد، في حين تبقى كلّ الحقوق الأخرى مكتسبة[25]. وانطلاقًا مِن الفلسفة الأخلاقيّة والسياسيّة الكانطيّة، تستوعب الحكومة المدنيَّة القائمة على أساس التصوّرات القبليّة للعقل العملي -أي الحريّة والمساواة والاستقلال- الأناس والرعايا والمواطنين الذين يتمتّع كلّ فرد منهم بـ: الحريّة في إطار القانون كإنسان، والمساواة أمام القانون كرعية، والتقنين كمواطن»[26]. وكانط مع إيمانه بالديمقراطيّة كنظام أمثل للحكم، وعمله على تزويدها ببُعد أخلاقي يتمثّل في تأكيد الحرية والفصل بين السلطات، يفضّل النظام الجمهوري بوصفه شكلًا عقلانيًّا للدولة، إذ هو الباقي وحده مهما تعاقب الأشخاص، ولا يتوقّف على شخص بعينه، بل يظلّ الغاية مِن كلّ قانون عام [27]. ومع إيمانه بحقّ الشعوب في حكم داخلي عادل، يؤكّد في كتابه «مشروع للسلام الدائم» أنَّه لا يجوز تملّك دولة لدولة أخرى، صغيرة كانت أم كبيرة، سواء عن طريقة الميراث أو التبادل أو الشراء أو الهبة[28]، ولا يجوز لأيّ دولة أنْ تتدخّل بالقوّة في نظام دولة أخرى أو في طريقة الحكم فيها[29].
وهنا يبرز التناقض الحادّ لدى كانط الذي عمد إلى تصنيف البشر بحسب المعايير العرقيّة وفق سلّم سيكولوجي وفيزيائي يحتلّ فيه أصحاب البشرة البيضاء المكانة العليا في مراتب التفوّق والذكاء، مشيرًا إلى أنّهم أكثر الأنواع البشريّة ذكاءً وفاعليّة ومقدرة على بناء الحضارات، ثمّ يأتي أصحاب اللون الأصفر في الدرجة الثانية، ويأتي أصحاب البشرة السوداء في الدرجة الثّالثة، وفي الأسفل الهنود الحمر الذين صنّفهم على أنّهم أسوأ الأجناس وأقلّهم تطوّرًا وذكاءً[30]. فقد كان كانط عنصريًّا بامتياز، إذ اعتبر العرق الأبيض يمتلك جميع المواهب الفطريّة، في حين يمتلك الهنود السكينة، فيبدون كالحكماء، لكنّهم يميلون للانفعال والغضب. والصينيّون أمّة جامدة لا يعلمون عن الحاضر أكثر ممّا تعلّموه في الماضي. والأفارقة شعوب حيويّة، لكنّهم ثرثارون، يمكن تعليمهم، لكنْ فقط كخدم! أمّا الهنود الحمر برأيه، فإنّهم قوم غير قابلين للتعلّم، كسالى لا يمتلكون المشاعر ولا الخيال[31]. وهو الأمر الذي جعل كانط يستنتج أنَّ زنوج أفريقيا لا يثيرون فى النفس الإنسانيّة أيًا مِن المشاعر الراقية، وهذا يجعل التخلّص منهم أمرًا لا تهتزّ له المشاعر الإنسانيّة، ومِن ثَمَّ لا يمكن تجريم ما يفعله المستعمر الأوروبي في «أفريقيا». وهكذا يبدو التناقض الصارخ بين مبادئ كانط في كتابه «مشروع للسلام الدائم»، وبين موقفه مِن الشعوب الأخرى، فقد كانت تلك الكلمات للفيلسوف الشهير لمحة عابرة مِن النماذج التي سار على نهجها الاستعمار الأوروبي، متبنّيًا آراء تلك الفلسفة الإدراكيّة لدى فلاسفة أوروبا، ومن ثمَّ يتمّ تسويغ القول بأنّ استعمار الرجل الأبيض المتحضّر لهذه الشعوب، كان مِن أجل «التمدين»، وليس مِن أجل «نهب الثروات والخيرات»! يا لها مِن حجج زائفة توخّاها الغرب الاستعماري عبر رموزه الفكريّة والفلسفيّة والتنويريّة لتبرير الاستعمار البغيض!.
وإذا انتقلنا إلى الفيلسوف الألماني الكبير فريدريك هيغل Friedrich Hegel (1770-1831)، الذي رأى أنَّ الدولة الحديثة لابدّ أنْ تقوم على أساس القانون الذي يمثّل العقلانيّة، كما تقوم على الحريّة كمبدأ وعمل؛ وذلك لأنَّها تتشكّل على أساس الإرادة ضمن فلسفة الحقّ، والتي تشكّل الحرّية ماهيتها الأساسيّة، ومن ثمّ يكون خلاصة فلسفة هيغل السياسيّة أنَّ العقل هو معيار الدولة في نشوئها وممارستها، وأنَّ القانون هو الإطار الذي ينشأ مِن منظومة الحقوق عبر جدليّة طبيعيّة خاضعة لفلسفة تطوّر الفكر أو الروح[32]. ولكنَّ مبادئ العدالة والمساواة والحريّة عند هيغل لا يمكن أنْ تكون إلّا للأوروبي الأبيض حامل الحضارة والتمدّن لكلّ الشعوب الأخرى، التي لا يمكن أنْ تتساوى معه؛ فالعالم الشرقي لم يعرف أنَّ الإنسان بما هو إنسان حرّ، وإنّما عرف فحسب أنّ شخصًا واحدًا هو الحاكم حرّ[33]. فهو ينظر إلى سكّان أميركا الأصليين على أنّهم أدنى الشعوب، كما ذهب كانط إلى ذلك مِن قبل، وأنَّ عليهم أنْ ينتظروا الأوروبيين حتّى يمنحوهم قليلًا مِن الكرامة الشخصيّة[34]. كما نعت هيغل الرجل الأفريقي بالرجل «الطبيعي بدرجة أولى»، ومِن المعروف أنَّ الدنوّ مِن الحالة الطبيعيّة عند هيغل يرادف الدونيّة[35]. وقد ساد هذا الخطاب الاستعلائي فلسفة هيغل ونظرته إلى الأمم الأخرى، فالأميركيّون الأصليّون أقلّ الأمم تحضّرًا، يليهم في الدونيّة الأفارقة وكثير مِن الشعوب الآسيويّة، فكلّ هؤلاء يحتاجون إلى تمدين الرجل الأبيض الذي يأخذ بأيديهم إلى التطوّر والرقي الحضاري، وهو الأمر الذي صرَّح به هيغل في عبارة تفيض بالاستعلاء العنصري الغربي؛ حيث يرى أنَّ الانجليز هم سادة البلاد الشرقيّة «لأنَّ القدر المحتوم للإمبراطوريّات الآسيويّة أنْ تخضع للأوروبيين، وسوف تضطر الصين، في يوم مِن الأيام، أنْ تستسلم لهذا المصير»[36]، رغم أنَّ كلّ الحركات الاستعماريّة ما خلّفت وراءها سوى الدمار والاستبداد.
في حين نظر المفكّر الفرنسي ألكسيس توكفيل Alexis De Tocqueville (1805-1859) أحد أهمّ المنظّرين والمحلّلين لمشكلة الديمقراطيّة، فقد كان أوّل كاتب في العصور الحديثة يأخذ على عاتقه القيام ببحث شامل للطريقة التي يتشكّل بها المبدأ الديمقراطي، وكذلك المساواة، والوظائف، مِن حيث أنَّها علّة أولى يتأثّر بها كلّ جانب مِن جوانب الحياة داخل المجتمع[37]. وقد برزت أفكار دي توكفيل مِن خلال كتابه الشهير «الديمقراطيّة في أميركا» الذي نشره عام 1835 قاصدًا مِن ورائه أنْ يبيّن للناس كيف يكونوا متساوين وأحرارًا مِن خلال النظام الديمقراطي الذي اعتبره البديل الجدير بالاحترام[38]. فقد كان يهدف إلى ازدياد حكم الشعب مع الحدّ مِن ميوله الفاسدة في الوقت نفسه، وقد كان مقتنعًا بأنَّ الديمقراطيّة بمعنى المساواة الاجتماعيّة آتية لا محالة؛ لأنَّها مشيئة إلهيّة مقدّسة وعناية ربانيّة، وأنَّها النظام العادل في هذا العصر. فالديمقراطيّة عند توكفيل حتميّة، وجميع الأحداث تجري لصالحها، فهي إرادة العناية الإلهيّة، والمؤيّدون والمعارضون معًا يعملون على الإسراع بتحقيقها وتثبيت دعائمها[39].
ومِن هنا يرى توكفيل أنَّ لا أحد يستطيع الوقوف في وجهها أو إعاقتها؛ لأنَّ ذلك يعني إعاقة المشيئة الإلهيّة، ولذلك كان همّه أنْ ينقل التجربة الديمقراطيّة الأميركيّة إلى فرنسا. فقد كان توكفيل يعتقد أنَّ الإنسان حرّ، يملك القدرة على تحقيق المساواة الاجتماعيّة بصورة تؤدّي إلى مجتمع يحتفظ فيه بحرّيته، وأنَّ غرض علم السياسة الجديد الذي كان يريد أنْ ينشئه، هو الوقوف على ما في وضع المجتمع الديمقراطي وفي المساواة الاجتماعيّة مِن قوى كامنة يمكن أنْ تؤدّي إلى الحريّة، وذلك لكي تُستغل هذه القوى الكامنة في توجيه المجتمع الديمقراطي نحو الحريّة، وفي دفع مخاطر العبوديّة والاستبداد عنه. فغرض الكتاب إذًا هو الإجابة عن سؤال: كيف يتمكّن الناس في عصر ديمقراطي أنْ يحقّقوا المساواة والحريّة معًا؟[40]. كما يؤكّد توكفيل على وجود أنواع مِن الديمقراطيّة، وعلى كلّ شعب أنْ يختار منها النوع الذي يتّفق مع تاريخه وتقاليده، ففي النظام الديمقراطي مِن الممكن أنْ يحافظ الفرد على حرّيته، وهو أمر يتوقّف على عمل الإنسان المستمرّ للمحافظة عليها مِن طغيان الاستبداد وتدخّل الدولة للحدّ مِن حرّية الأفراد في الحقل الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي[41]، مؤكّدًا في النهاية على أنَّ الديمقراطيّة هي النظام الذي اكتسح أمامه بقيّة الأنظمة السياسيّة، كالنظام الارستقراطي، والملكيّة المطلقة، والإقطاع....إلخ[42].
ومع كلّ هذا الثناء والتقريظ على النظام الديمقراطي مِن أليكسس دي توكفيل، نرى أنّه قد وقع في التناقض عندما رأى أنّه على أميركا أنْ تتخلّى عن الديمقراطيّة في اللحظة التي تشتبك فيها بسياسة أوروبا وحروبها[43]. فبدت الديمقراطيّة لديه ترف لا يمكن الاحتفاظ بها إلّا في عالم آمن تمامًا. وهكذا تُستخدم الديمقراطيّة -حسب دي توكفيل- للحفاظ على حريّة الغربي ومصلحته ومنفعته، ويجب أنْ يتخلّى عنها تمامًا عندما يتعامل مع مواطني دول العالم الثالث وأممه، التي يجب استعمارها والتعامل مع مواطنيها معاملة السيّد للعبد؛ لأنَّ الحريّة لا تناسب هؤلاء البرابرة، وهو الأمر ذاته الذي نجده عند أشهر منظّري وفلاسفة الديمقراطيّة في الغرب الحديث والمعاصر، مِن أمثال جون ديوي أو جون رولز.
ومِن ثَمَّ بدت الديمقراطيّة الغربيّة متناقضة مع منطلقاتها، وأكبر مظاهر هذا التناقض التناحري انسجام الديمقراطيّة الليبراليّة مع الإمبرياليّة والاحتلال والعدوان والإبادة الجماعيّة والاستغلال الرأسمالي. ألم تكن بريطانيا وفرنسا وهولندا ديمقراطيّات ليبراليّة حين كانت مسيطرة على أكثر مِن نصف شعوب العالم وأراضيها؟ وألم تخض الولايات المتّحدة الأميركيّة حروبها المدمّرة في جنوبي شرق آسيا وأميركا اللاتينيّة وأفغانستان والعراق في ظلّ سيادة الديمقراطيّة الليبراليّة فيها؟ وألا تنخر المراكز الديمقراطيّة الليبراليّة اليوم البطالة والعنصريّة والاستغلال والجريمة المنظّمة وتخريب البيئة؟ أي إنَّه بدلًا مِن أنْ تضمن الديمقراطيّة الحريّة والمساواة للشعوب كافّة، ارتضاها الغربي لنفسه وضنّ بها على غيره في استعلاء منبوذ يقوم على تصنيف الأمم والشعوب الأخرى على أساس هرمي، يتربّع الغرب الأوروبي والأميركي على رأسها، وانطلاقًا مِن اعتقاد عنصري يعتقد فيه الغرب أنّه أرقى الشعوب، وأنَّ مِن حقّه أنْ يتسيّد عليها جميعًا.
ثالثًا- مدى ملاءمة الديمقراطيّة للشعوب الشرقيّة وتهافت المزاعم الغربيّة
الديمقراطيّة ليست اختراعًا غربيًّا خالصًا كما يريد أنْ يروّج الغربيّون لهذا الزعم الكاذب، فالديمقراطيّة تجربة إنسانيّة عامّة جاءت بعد كفاح الإنسان وصراعه مِن أجل إثبات آدميّته وكرامته وقيمته. فهي مرحلة مِن مراحل بحث العقل البشري عن كلّ نظام حكم مناسب يحافظ على إنسانيّة الإنسان وحرّيته، فلا هي «غربيّة» ولا هي «شرقيّة»، وإنّما هي تجربة الإنسان بما هو إنسان، فالإنسان في كلّ مكان وزمان يكافح ويناضل حتّى يصل للنظام الأمثل الذي يتخيّله، ويرسم خطوطه العامّة أوّلًا في مخيلته المثاليّة. ولذلك، يمكن القول بأنَّ الديمقراطيّة هي تجربة الإنسان بما هو إنسان بغضّ النظر عن جنسه أو دينه أو عاداته وتقاليده[44].
بل يمكن القول بمزيد مِن الطمأنينة إنَّ الديمقراطيّة في البلاد الغربيّة بدت ناقصة مشوّهة، سواء في نسختها القديمة -كما سبق أنْ بيّنا عند قدماء اليونان- أو في صورتها الحديثة، فقد كان عدد الذين لهم حقّ الانتخاب في إنجلترا في القرن الثامن عشر لا يتجاوز 4,0% ؛ وذلك لأنَّ حقّ الانتخاب لم يكن عامًّا، فقد كان في المقاطعات مقصورًا على مَنْ يملك أو يحوز حيازة دائمة أرضًا تدرّ عليه دخلًا سنويًّا لا يقلّ عن أربعين شلنًا. أمّا في المدن، فكان حقّ الانتخاب يتنوّع تبعًا للعرف والامتيازات الممنوحة لكلّ مدينة، وفي جميع الحالات كان مقصورًا على المواطنين «النشطين» أو أرباب العائلات، وكانت الملكيّة ودفع الضرائب هما المقياس لنشاط المواطنين، وقل الشيء نفسه في فرنسا[45]، والشيء ذاته في الولايات المتّحدة الأميركيّة صاحبة أوّل تجربة حكم ديمقراطيّة حديثة؛ حيث تمّ استثناء النساء والأطفال وأكثر المواطنين السود والأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) مِن التصويت[46]، ممّا جعل هذا النظام أقرب إلى حكم الأقليّة «الأوليجارشيّة» منه إلى النظام الديمقراطي. صحيح أنَّ كثيرًا مِن هذه المآزق قد تمّ تداركها اليوم في الديمقراطيّات الراهنة نتيجة التعلّم مِن أخطاء الماضي، وهذا ما يثبت وجهة نظرنا أنَّ الديمقراطيّة نظام إنساني يصحّح أخطاءه بنفسه مع الممارسة الفعليّة، وليس نظامًا تمّ إنتاجه إنتاجًا كاملًا في دولة محدّدة أو قارّة بعينها.
كما يمكن القول بأنَّ الديمقراطيّة ليس لها شكل واحد محدّد ينبغي أنْ يطبّق بحرفيّته ليحقّق أهداف الديمقراطيّة المنشودة، ويشهد على ذلك واقع الديمقراطيّة في البلاد الغربيّة؛ فإنجلترا ملكيّة وراثيّة تأخذ بالنظام البرلماني، والولايات المتّحدة جمهوريّة رئاسيّة تأخذ بالنظام الرئاسي، وفرنسا تجمع بين النظامين، وهناك تداخل بين السلطات الثلاث في إنكلترا، وفصل حاسم بين هذه السلطات في فرنسا، ولا يجوز للرئيس الأميركي حلّ البرلمان، مع أنَّ هذا الحقّ مكفول في فرنسا وإنكلترا، ويشترط أنْ يكون الوزراء جميعًا أعضاء في البرلمان في إنكلترا، مع أنَّ ذلك غير جائز لا في فرنسا ولا في الولايات المتّحدة.. وهكذا فإنَّ المهمّ هو أسس الديمقراطيّة: الحريّة والمساواة، وحقّ الشعب في أنْ يحكم نفسه بنفسه، وأنْ يعزل الحاكم إذا انحرف[47].
وهنا يجب أنْ نعرض للصور الثلاث للنظام الديمقراطي الأكثر شيوعًا في العالم، وننتقي منها النظام الذي يلائمنا أو نرفضها كليّة إذا لم تلائم ظروفنا وواقعنا، فإذا كانت الديمقراطيّة تعني في الأساس العودة بالسلطة العامّة كلّها إلى الشعب بوصفه صاحب السيادة، ومِن ثمّ كانت هناك «الديمقراطيّة المباشرة»، وهي أقدم صور الديمقراطيّة، وتعني أنْ يشترك جميع أفراد الشعب في شؤون الحكم دون وساطة النوّاب، وهو النظام الذي استخدمته المدن اليونانيّة قديمًا، كما تستخدمه الآن بعض المقاطعات السويسريّة المحدودة المساحة والضئيلة العدد من السكّان، واستحال تعميمه حديثًا نظرًا للزيادة السكانيّة الهائلة في أعداد الشعوب، وقد دافع عن هذا النظام حديثًا جان جاك روسو ومونتسكيو؛ بوصفه ينطوي على ميزة كبرى، وهي أنّه يحقّق مبدأ سيادة الشعب المطلقة تحقيقًا مثاليًّا، إلّا أنّه مِن العسير تطبيقه في الدول الكبرى الشاسعة المساحة والمكتظة بالسكّان.
أمّا الصورة الثانية، فهي «الديمقراطيّة النيابيّة»، وهي الأكثر شيوعًا، وتقوم على أساس أنَّ الشعب ينتخب نوّابًا يمارسون السلطة باسمه ونيابةً عنه، وذلك مِن خلال مدّة معيّنة يحدّدها الدستور، يصبح فيها البرلمان صاحب السلطة القانونيّة، ولا يجوز للشعب التدخّل في أعماله، وليس للناخبين الحقّ في عزل النوّاب أو تقييدهم بأوامر أو تعليمات، فهم ليسوا وسطاء أو وكلاء عن ناخبيهم أو عن الشعب، وإنّما هم ممثّلون شرعيّون، انتقلت إليهم سلطة الأمّة أثناء فترة النيابة. وهكذا، يتعيّن عليهم أنْ يمارسوا أعمالهم بحريّة وبما تمليه عليه ضمائرهم، وما يعتقدون أنّه يمثّل الصالح العام[48]. ولا شكّ في القول الذي يرى أنَّ في هذه الصورة تحوّلت السيادة الفعليّة مِن الشعب إلى البرلمان الذي يصبح سيّد قراره، وهنا لا يملك الشعب سوى الخضوع طوعًا أو كرهًا لما يقرّه البرلمان ويرتضيه، سواء أكان في صالح الشعب أم ضدّ مصلحته.
في حين تأتي الصورة الثالثة للديمقراطيّة، وهي التي تسمّى « الديمقراطيّة شبه المباشرة»، وتعدو نظامًا وسطًا بين الديمقراطيّة المباشرة والديمقراطيّة النيابيّة، ويؤمن هذا النظام بحقّ الشعب في التدخّل بصورة مباشرة في الشؤون العامّة، والتشريع في ظروف معيّنة، في الوقت نفسه الذي ينتخب فيه الشعب برلمانًا ينوب عنه. ومعنى ذلك بعبارة أخرى أنَّ النظام شبه المباشر يخوّل للشعب أو هيئة الناخبين حقّ المراقبة الكاملة للبرلمان أو المجلس النيابي، فله حقّ الاعتراض على القوانين التي يقرّها البرلمان، وله حقّ اقتراح القوانين التي يرغب فيها، بل إنَّ سلطة الشعب تمتدّ الى مراقبة النوّاب والبرلمان كوحدة، فمِن حقّ الشعب إقالة النوّاب قبل انتهاء مدّة إنابتهم، وله أيضًا أنْ يقترع على حقّ البرلمان كلّه قبل انتهاء المدّة المقرّرة لبقاء البرلمان، وهناك بعض الدساتير التي تجيز للشعب حقّ عزل رئيس الدولة. وهكذا يصبح الشعب في النظام الديمقراطي شبه المباشر سلطة رابعة إلى جانب السلطات الثلاث التشريعيّة، والتنفيذيّة، والقضائيّة[49]، ولا شكّ أنَّ هذه الصورة -مِن وجهة نظرنا- الأقرب للديمقراطيّة الحقّة.
خلاصة القول، إنَّ الديمقراطيّة وأدواتها قد تكون وسيلة مِن وسائل التقدّم الحضاري في بعض الأمم، وقد لا تكون الوسيلة المثلى للتقدّم في أمم أخرى، دون أدنى تمييز عنصري، ولكنْ حسب التكوين الديموغرافي للسكّان. فقد تضمن الديمقراطيّة الرخاء للمواطنين في دولة ما، وقد لا تضمن هذا في دول أخرى. وقد يرى البعض أنَّ النظام الديمقراطي هو نهاية المطاف بالنسبة لأشكال النظم السياسيّة، في حين يرى البعض الآخر أنّه نظام مثالي لا يمكن تحقيقه واقعيًّا، حيث تعكس دراسات «سيكولوجيا الجماهير» أنَّ السياسة ترتبط بعمليّات نفسيّة غير واعية، وبالعادات، والغرائز، والإيحاء، والمحاكاة.
وثمّة رأي مهمّ يرى أنَّ في الديمقراطيّة حينما تشارك الجماهير في الحكم، يظهر التأثير السيكولوجي للحشد أو الجماهير، وتبدو العوامل غير الرشيدة أو غير العقلانيّة فعّالة بصورة واضح، وأنَّ الإنسان في الحشد يفقد هويّته، وتذوب شخصيّته وسط الجموع، وبالتالي، فإنَّ سلوكه يجيء استجابة طبيعيّة للإيحاء وللتقليد، وليس للمنطق العقلي السليم الذي يستطيع أنْ يزن الأمور ويقدّرها التقدير الصحيح. ولذلك، ينتهي هذا الرأي إلى أنَّ الديمقراطيّة لا تلائم ظروف الحياة الحديثة المعقّدة، تلك الظروف التي تتطلّب مزيدًا مِن السلطة الرشيدة القادرة على مواجهة المشكلات بسرعة وبحسم، ولهذا فإنَّ عصر الديمقراطيّة قد انتهى، وهي إنْ كانت صالحة في عصور تاريخيّة سالفة، إلّا أنّها اليوم أصبحت غير صالحة[50].
فالديمقراطيّة إذًا ليست الوسيلة الوحيدة لضمان تحقيق العدالة والحرّية والمساواة، وإذا استطاع أيّ نظام حاكم -بغضّ النظر عن طبيعته- أنْ يطوّر مِن نفسه، ويتلافى عيوبه الظاهرة، ويتمكّن مِن أنْ يوفّر لمواطنيه بيئة يأمن فيها الإنسان على نفسه وأسرته، وتُحترم فيها كرامته الإنسانيّة، وتتوفّر له فيها متطلّبات العيش الكريم، فإنَّ الديمقراطيّة - في هذه الحالة - قد تكون ترفًا لا حاجة إليه، وعبئًا لا داعي له، بل تضمن الأنظمة الحاكمة -بتوافر ما سبق- ولاء مواطنيها المطلق، ولها أنْ تبقى في الحكم إلى الأبد، ولن يثور عليها أحد، ولو كان هناك بعض الفساد وبعض الديكتاتوريّة![51].
فيمكن -إذًا- لكلّ شعب أنْ يطوّر مِن تجاربه الخاصّة ويصحّح أخطاء الماضي حتّى يصل للنظام الذي يلائمه. وقد كان فولتير يؤثر الملكيّة على الديمقراطيّة؛ لأنّنا في الملكيّة لا نحتاج إلّا أنْ نُعلّم رجلًا واحدًا، أمَّا في الديمقراطيّة، فينبغي أنْ نعلّم الملايين الذين يختطفهم الموت قبل أنْ نتمكّن مِن تعليم عشرة في المائة منهم. ولذلك، يرى بعض الكُتّاب الغربيين أنَّ الديمقراطيّة تحمل مطرقة هائلة مِن الإرغام الجاهل الذي يمحو التفاوت المعرفي بين البشر، ويسحق العقل الذي يشذّ، ويثبّط عزيمة الامتياز الخارج على التقاليد[52]، فهي حكومة الذين لا يعرفون.
رابعًا– مآزق الديمقراطيّة الغربيّة مِن منظور نقدي.
إذا رأى الغرب أنَّ النظام الديمقراطي هو النظام الأمثل لتحقيق الخير والرفاه للأمم كافّة، وأنّه نهاية المطاف بالنسبة لأشكال النظم السياسيّة، فإنَّ هذه الرؤية تشوبها مآزق كثيرة؛ حيث يتعدّد نقّاد الديمقراطيّة، ويمكن تصنيفهم في ثلاث فئات: فهناك مَنْ يعارضون الديمقراطيّة أساسًا- مثل أفلاطون- ويرون بأنّها أمر ممكن، لكنّه غير مرغوب فيه غريزيًّا. وفئة ثانية، مثل روبرت مايكلز، ترى أنَّ الديمقراطيّة أمر مستحيل غريزي. أمّا الفئة الثالثة، فهي التي تتعاطف مع الديمقراطيّة، لكنْ تجد فيها الكثير مِن أوجه القصور التي يميل دعاة الديمقراطيّة إلى إغفالها أو إخفائها. ويمكن اعتبار أفراد الفئتين الأولى والثانية نقّادًا مناوئين، أمّا أفراد الفئة الثالثة، فهم نقّاد متعاطفون[53].
ويرى الكثير مِن النقّاد أنَّ الدول الديمقراطيّة الحديثة لا تخلو مِن الاتجاهات الأوليغاركيّة، فقد ذهب «روبرت ميشيلز» إلى أنَّ تنظيم الأحزاب السياسيّة يخضع لما أسماه «بالقانون الحديدي للأوليغاركيّة»، إذ ليس لدى الأفراد العاديين أيّ قدرة على اتخاذ قرارات سياسيّة، ولهذا ففي الأحزاب السياسيّة يتولّى القادة اتخاذ القرارات وإعطاء الأوامر والتعليمات والتوجيهات، وتخضع الجماهير لهذه السيطرة. ومن ناحية أخرى ذهب الماركسيّون إلى أنَّ الديمقراطيّة في الاقتصاد الرأسمالي، هي في الواقع ديكتاتوريّة الرأسماليين على البروليتاريا؛ أي أفراد الطبقة العاملة، ومنطق الديمقراطيّة عند الماركسيين يعارض منطق الرأسماليّة تمامًا[54].
كما يأتي موقف الغرب الأوروبي متناقضًا حينما يتعلّق الأمر بعدم تطبيق الديمقراطيّة على البلاد المستعمرة بوصفها شعوبًا في منزلة «القاصر» الذي لم يبلغ سنّ الرشد بعد، ولأنّه ارتأى أنَّ الصعاب والعقبات التي تعترض هذه الأمم في أوّل سبيل التقدّم كثيرة، بحيث لا تدع مجالًا للخيار بين التدابير المؤدّية إلى تذليلها. لهذا، قرّر الغرب في تناقض تامّ مع مبادئ الديمقراطيّة في الحريّة والمساواة، أنّ الاستبداد وسيلة مشروعة لحكم الأمم الهمجيّة، وأنَّ الحريّة لا يجوز منحها للأمم قبل أنْ تصبح على استعداد لإصلاح شؤونها بالمناقشة المبنيّة على أساس الحريّة والتساوي، وما دامت هذه الأمم المستعمرة لم تبلغ هذه الدرجة، فليس لها غير الطاعة للحكّام المستبدّين، الذين هم في الحقيقة عملاء مخلصون للاستعمار والمستعمرين.
وهكذا يتخلّى الغرب عن مبادئه التي تمليها الديمقراطيّة مِن أجل مصالحه الاستعماريّة البغيضة، فيرى فلاسفته ومفكّروه أنَّ تقييد حريّة هذه البلاد أمرًا واجبًا بحجّة أنّها أمم غير مؤهّلة للحريّة والديمقراطيّة، وهو أمر بالغ الخطورة، ويمكن توجيه أوجه النقد إليه، ومنها:
ليست الحريّة ممّا يُمنح للإنسان أو يُمنع عنه حسب ظروفه وأحواله؛ وذلك لأنَّ الحريّة- كما ذهب جان جاك روسّو- جزء مِن ماهية الإنسان لا يستطيع أنْ يتنازل عنه، وإنْ هو فقدها، فقد معها إنسانيّته. وقد هاجم كانط تقييد الحريّات، وانتقد فكرة الطاعة التي تتردّد على ألسنة الكثيرين مِن المسؤولين عن شؤون الدولة، فينبغي أنْ يكون الإنسان حرًّا في كلّ وقت وحين، أو كما ذهب هيغل إلى أنَّ الحريّة هي ماهية الإنسان، وأنَّ الحريّة هي الحقيقة الوحيدة للروح[55]، فالحرية حقّ فطري مكفول لكلّ إنسان بما هو إنسان أو بمقتضى إنسانيّته.
إنَّ إرجاء تطبيق الديمقراطيّة في البلاد المستعمرة حتّى تتهيّأ لها، هو زعم استعماري خالص ينشد مصلحة المستعمر فقط، ويتناقض مع مبادئ الديمقراطيّة؛ إذ إنَّ الإنسان- بالفعل- قد يسيء استخدام حرّيته عن جهل، لكنْ هذا لا يجيز منع الحريّة عنه، إنّما يحتاج إلى مزيد مِن الحريّة لكي يصحّح مِن خلالها أخطاءه. ولهذا، قيل إنَّ الديمقراطيّة هي ممارسة بالدرجة الأولى، ولذلك يبقى إرجاء الديمقراطيّة عن بعض الأمم حتّى تتهيّأ لها، مغالطة منطقيّة حاول المستعمرون والمستبدّون تبرير استعمارهم واستبدادهم بأنْ يقولوا إنَّ الناس يحتاجون إلى فترة انتقال قبل ممارسة الديمقراطيّة، يتعلمون فيها أصول الديمقراطيّة وقواعدها قبل ممارساتها، وهي مفارقة غريبة تشبه القول بأنَّ عليك التوقّف عن الكلام حتّى تتعلّم قواعد اللغة.
إنَّ المستعمر لن يجد حجّة لاحتلال الشعوب المتخلّفة أقوى مِن هذه الحجّة التي ترى أنَّ الشعوب غير قادرة على أنْ تحكم نفسها بنفسها، وهي «قاصرة» لا تعرف مصلحتها الخاصّة، وسوف نقوم نحن بهذا الدور! وهي نغمة سادت الدول الاستعماريّة في القرن التاسع عشر حتّى النصف الأول مِن القرن العشرين[56].
إنَّ الزعم الغربي بأنَّ هذه الشعوب غير المهيّأة للديمقراطيّة يجب عليها أنْ تخضع للحكّام المستبدّين، وهو الأمر الذي يعيد إلى الذاكر-كما يقول إمام عبدالفتاح إمام- خرافة «المستبدّ العادل»، فهم -أي الحكّام المستبدّون المستنيرون- سوف يتمكّنون مِن الانتقال التدريجي نحو التمهيد للوضع الديمقراطي. وهذا زعم واهٍ يدعو فيه هؤلاء الغربيّون الشعوب المستعمرة للطاعة والخضوع لحكّامهم الموالين للاستعمار، وهو أمر مردود عليه، حتّى لو سلّمنا جدلًا بأنَّ هؤلاء الحكّام المستبدّين سيحقّقون أعمالًا جليلة لصالح الناس، فما قيمة كلّ هذه الأعمال إذا أضاع الإنسان نفسه؟.
خاتمة ونتائج
وهكذا توصّلت هذه الدراسة إلى مجموعة مهمّة مِن النتائج، نذكر منها ما يلي:
أوّلًا- إنَّ جدل التناقض بين الديمقراطيّة والطموحات الاستعماريّة في العصر الحديث، قد بدا واضحًا عند كثير مِن المفكّرين والفلاسفة الغربيين في العصر الحديث، الذين رأوا أنَّ الديمقراطيّة هي النظام الأمثل للحكم الرشيد، وأنَّها النظام الذي اكتسح أمامه كلّ الأنظمة التي عرفتها البشريّة، لكنّها لم ترتض بها للشعوب المتأخّرة التي رأت أنّها ما زالت في بدء نموّها الحضاري، في استعلاء عنصري بغيض وتناقض واضح باد مع مبادئ الإنسانيّة التي لطالما تشدّق بها الغرب.
ثانيًا- رأى المفكّرون والفلاسفة الغربيّون أنَّ الشعوب البدائيّة المستعمرة غير قادرة على أنْ تحكم نفسها حكمًا ذاتيًّا مستقلًا، بل تفتقر إلى مَنْ يحميها مِن نفسها ويردّ عنها عواقب تصرّفاتها. ومِن هنا اعتبروا الاستعمار وسيلة مشروعة لحكم الهمج والشعوب البدائيّة في سلّم الحضارة، وحاولوا أنْ يقنعوا أهل هذه الشعوب أنّ غاية الاستعمار وهدفه، إصلاح شؤونهم وتحقيق مصالحهم، ومِن ثمّ حرموهم الحرّية والمساواة رغم ادّعائهم أنّهما مِن الحقوق الفطريّة التي لا يجوز لأحد أنْ يمنعهما أو يمنحهما لأحد، فكان تبرير هؤلاء الغربيين واهٍ متهافت، وهو -في حقيقة الأمر- جور على حريّة الأفراد والشعوب، وعدوان على استقلال الأمم.
ثالثًا- أوجب مفكّرو الغرب وفلاسفته على الشعوب التي لم تنل حظًا وافرًا مِن الحضارة أنْ تقبل حكم الطغاة، الذين هم في واقع الأمر عملاء للمستعمر، وأنْ تستجيب لاستبدادهم راضية مختارة بحجّة أنَّ مصلحتها في التقدّم الحضاري توجب عليها أنْ تعيش تحت وصاية وصي يرعاها. وبهذه الحجّة فرض الاستعمار نفسه على الشعوب التي وصمها بالتأخّر ليمتصّ رحيقها ويغتصب خيراتها، فقد كانت فكرة الوصاية على القاصر قوام الاستعمار، وإنْ أبى جمهرة المستعمرين الاعتراف بذلك، رغم أنَّ الديمقراطيّة الحقّة لا تتماشى مع نزعة التوسّع والعدوان ولا مع استعباد الشعوب واستغلالها واحتلالها.
رابعًا- إنَّ الديمقراطيّة هي مجرّد حلقة في سلم التطوّر السياسي، وليست النظام الأمثل النهائي الذي انتهى عنده تاريخ النظم السياسيّة كما ادّعى بعض فلاسفة الغرب ومفكّريه، فهي نظام له مميّزاته، كما له عيوبه، وبإمكان أيّ أمّة أنْ تطوّر مِن أنظمتها السياسيّة الخاصّة ما يتلاءم مع طبيعتها الديموغرافيّة بما يحقّق الحريّة والمساواة، وليس شرطًا أنْ تكون هي الديمقراطيّة التي انتهى إليها الغرب، ورأى فيها النظام الأمثل.
لائحة المصادر والمراجع
أحمد عبدالحليم عطيّة، إقصائيّة هيغل - نقد النظرة العنصريّة تجاه الآخر، مجلّة الاستغراب، العدد 14، السنة الرابعة - شتاء 2019م/ 1440هـ.
إمام عبد الفتاح إمام، الطاغية- دراسة فلسفيّة لصور مِن الاستبداد السياسي، القاهرة، دار نهضة مصر، 2006.
إمام عبد الفتاح إمام، الأخلاق والسياسة – دراسة في فلسفة الحكم، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 2010.
إمام عبد الفتاح إمام ، مقدّمة الترجمة العربيّة لكتاب هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ ، ج2، ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام، بيروت، دار التنوير، د.ت.
إيمانويل كانط، مشروع للسلام الدائم، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 2000.
أ. هـ. م جونز، الديمقراطيّة الأثينيّة، ترجمة: عبد المحسن الخشّاب، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1976.
جون ستيوارت مل، عن الحريّة، تعريب طه السباعي، القاهرة، مطبعة الشعب، 1922.
حسن العاصي، لي الأعناق في صراع الأعراق..عنصريّة الفلسفة، مقال منشور على موقع الحوار المتمدّن بتاريخ 27/ 4/ 2019، على الرابط الإلكتروني الآتي: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=635465
حمزة السروي، الديمقراطيّة الأثينيّة وأثرها في الديمقراطيّة الحديثة، القاهرة، دار الكتبي للنشر والتوزيع والمطبوعات، 2015.
دنكان فورستر، مارتن لوثر وجون كالفن، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن ثيوكيديدس حتّى سبينوزا، ج1، تحرير : ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة: محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016.
ريتشارد كوكس، هوجو جروتيوس، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن ثيوكيديدس حتّى سبينوزا، ج1، تحرير: ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة: محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016.
روبرت دال، الديمقراطيّة ونقّادها، ترجمة: نمير عبّاس مظفّر، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات، الطبعة العربيّة الثانية، 2005.
عادل مصطفى، صوت الأعماق - قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس، القاهرة، مؤسّسة هنداوي، 2020.
عبد الرحمن بدوي، إيمانويل كانط: فلسفة القانون والسياسة، الكويت، وكالة المطبوعات، 1979.
عبد الوهاب الكيّالي، الموسوعة السياسيّة، ج2، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، د.ت.
عصمت سيف الدولة، النظام النيابي ومشكلة الديمقراطيّة، دار الموقف العربي، 1991.
علي عبود المحمّداوي، الفلسفة السياسيّة، بيروت، دار الروافد الثقافيّة – ناشرون، 2015.
مارفن زيتربوم، ألكسيس دو توكفيل، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن جون لوك حتّى هيدجر، ج2، تحرير: ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة: محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016.
محسن مهدي، تصدير كتاب ألكسيس دي توكفيل، الديمقراطيّة في أمريكا، ترجمة أمين مرسي قنديل، القاهرة، عالم الكتب،د.ت.
محمّد علي محمّد ،علي عبد المعطي محمّد، السياسة بين النظريّة والتطبيق، الإسكندريّة، دار المعرفة الجامعيّة، 1997.
محمود حيدر، الدولة فلسفتها وتاريخها مِن الإغريق إلى ما بعد الحداثة، المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجيّة، العتبة العباسيّة المقدّسة، 2018.
مصطفى النشّار، تطوّر الفكر السياسي مِن صولون إلى ابن خلدون، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 1999.
هوارد وايت، فرنسيس بيكّون، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن ثيوكيديدس حتّى سبينوزا، ج1، تحرير: ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة: محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016.
ول ديورانت، مباهج الفلسفة، ك2، ترجمة أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016.
روبرت دال، الديمقراطيّة ونقّادها، ترجمة نمير عبّاس مظفّر، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات، الطبعة العربيّة الثانية،2005.
J. S. Mill, The Contest in America, Little, Brown and Company, Boston, 1862.
-----------------------------------------
[1]*- أكاديمية وباحثة في الفلسفة السياسيّة ـ جمهوريّة مصر العربيّة.
[2]- عبدالوهاب الكيالي، الموسوعة السياسيّة، ج2، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، د.ت، ص756.
[3]- عرفت أثينا معظم نظم الحكم، ملكيّة وأرستقراطيّة وديمقراطيّة، كما عرفت أضداد هذه النظم مِن أوليجاركيّة وديماجوجيّة وطغيان.
[4]- إمام عبدالفتاح إمام، الطاغية - دراسة فلسفيّة لصور مِن الاستبداد السياسي، القاهرة، دار نهضة مصر، 2006، ص 248.
[5]- عصمت سيف الدولة، النظام النيابي ومشكلة الديمقراطيّة، دار الموقف العربي، 1991، ص29.
[6]- إمام عبد الفتاح إمام، الطاغية، ص249.
[7]- أ.هـ. م جونز، الديمقراطيّة الأثينيّة، ترجمة: عبد المحسن الخشّاب، القاهرة ، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب،1976، ص72.
[8]- حمزة السروي، الديمقراطيّة الأثينيّة وأثرها في الديمقراطيّة الحديثة، القاهرة، دار الكتبي للنشر والتوزيع والمطبوعات، 2015، ص 55.
[9]-حمزة السروي، الديمقراطيّة الأثينيّة وأثرها في الديمقراطيّة الحديثة، المرجع السابق.
[10]- مصطفى النشار، تطوّر الفكر السياسي مِن صولون إلى ابن خلدون، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 1999، ص82.
[11]- محمود حيدر، الدولة فلسفتها وتاريخها مِن الإغريق إلى ما بعد الحداثة، المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجيّة، العتبة العباسيّة المقدّسة، 2018، ص64.
[12]- حمزة السروي، الديمقراطيّة الأثينيّة، ص74.
[13]- حمزة السروي، الديمقراطيّة الأثينيّة، ص75.
[14]- المرجع السابق، ص77.
[15]- حسن العاصي، لي الأعناق في صراع الأعراق.. عنصريّة الفلسفة، مقال منشور على موقع الحوار المتمدّن بتاريخ 27/ 4/ 2019، وتمّ الدخول عليه بتاريخ 29/ 12/ 2022، على الرابط الإلكتروني الآتي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=635465
[16]- دنكان فورستر، مارتن لوثر وجون كالفن، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن ثيوكيديدس حتّى سبينوزا، ج1، تحرير : ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة: محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016، ص492-493.
[17]- هوارد وايت، فرنسيس بيكّون، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن ثيوكيديدس حتّى سبينوزا، ج1، تحرير: ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة : محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016، ص546-547.
[18]- محمّد علي محمّد ،علي عبدالمعطي محمّد، السياسة بين النظريّة والتطبيق، الإسكندريّة، دار المعرفة الجامعيّة، 1997، ص122-123.
[19]- أنظر: إمام عبد الفتاح إمام، الطاغية، ص83.
[20]- ريتشارد كوكس، هوغو جروتيوس، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن ثيوكيديدس حتّى سبينوزا، ج1، تحرير: ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة: محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016، ص576.
[21]- جون ستيوارت مل، عن الحريّة، تعريب: طه السباعي، القاهرة، مطبعة الشعب، 1922، ص35.
[22]- J.S. Mill, The Contest in America, Little, Brown and Company, Boston, 1862, p.30.
[23]- Ibid, p.31.
[24]- عادل مصطفى، صوت الأعماق- قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس، القاهرة، مؤسّسة هنداوي،2020، ص32.
[25]- عبد الرحمن بدوي، إيمانويل كانط: فلسفة القانون والسياسة، الكويت، وكالة المطبوعات، 1979، ص33.
[26]- علي عبود المحمّداوي، الفلسفة السياسيّة، بيروت، دار الروافد الثقافيّة – ناشرون، 2015، ص144.
[27]- عبد الرحمن بدوي، إيمانويل كانط: فلسفة القانون والسياسة، ص124.
[28]- إيمانويل كانط، مشروع للسلام الدائم، القاهرة، لهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000، ص24.
[29]- المصدر السابق، ص27.
[30]- حسن العاصي، لي الأعناق في صراع الأعراق..عنصرية الفلسفة، مرجع سبق ذكره.
[31]- المرجع نفسه.
[32]- أنظر، علي عبود المحمّداوي، الفلسفة السياسيّة، ص153.
[33]- إمام عبد الفتاح إمام، مقدّمة الترجمة العربيّة لكتاب هيغل، محاضرات في فلسفة التاريخ، ج2، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، بيروت، دار التنوير، د.ت، ص51.
[34]- أحمد عبد الحليم عطيّة، إقصائيّة هيغل- نقد النظرة العنصريّة تجاه الآخر، مجلّة الاستغراب، العدد 14، السنة الرابعة- شتاء2019م/ 1440هـ، ص195.
[35]- المرجع السابق، ص 195.
[36]- إمام عبد الفتاح إمام، مقدّمة الترجمة العربيّة لكتاب هيغل، محاضرات في فلسفة التاريخ ، ج2، ص31.
[37]- مارفن زيتربوم، ألكسيس دو توكفيل، فصل في كتاب: تاريخ الفلسفة السياسيّة مِن جون لوك حتّى هايدغر، ج2، تحرير : ليو شتراوس، جوزيف كروبسي، ترجمة : محمود سيّد أحمد، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016، ص411.
[38]- المرجع السابق، ص414.
[39]- إمام عبد الفتاح إمام، الأخلاق والسياسة – دراسة في فلسفة الحكم، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 2010، ص27.
[40]- محسن مهدي، تصدير كتاب ألكسيس دي توكفيل ، الديمقراطيّة في أميركا، ترجمة أمين مرسي قنديل، القاهرة، عالم الكتب، د.ت، ص6.
[41]- محسن مهدي، تصدير كتاب ألكسيس دي توكفيل ، الديمقراطيّة في أميركا، المرجع السابق، ص 10.
[42]- أليكسس دي توكفيل، الديمقراطيّة في أميركا ، ج2، ص699.
[43]- ول ديورانت، مباهج الفلسفة، ك2، ترجمة: أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ط2، 2016، ص139.
[44]- إمام عبد الفتاح إمام، الأخلاق والسياسة، ص25.
[45]- المرجع السابق، ص386-387.
[46]- روبرت دال، الديمقراطيّة ونقّادها، ترجمة: نمير عباس مظفّر، بيروت، المؤسّسة العربيّة للدراسات، الطبعة العربيّة الثانية، 2005، ص13.
[47]- إمام عبد الفتاح إمام، الأخلاق والسياسة ، ص404.
[48]- محمّد علي محمّد، علي عبد المعطي محمّد، السياسة بين النظريّة والتطبيق، ص342-343.
[49]- محمّد علي محمّد، علي عبد المعطي محمّد، السياسة بين النظريّة والتطبيق، ص343.
[50]- م.ن، ص342-343.
[51]- عبد الرحمن اليافعي، ما حاجة العرب للديمقراطيّة؟ مرجع سبق ذكره.
[52]- ول ديورانت، مباهج الفلسفة، ج2، ص142.
[53]- روبرت دال، الديمقراطيّة ونقادها، ص13.
[54]- محمّد علي محمّد، علي عبدالمعطي محمّد، السياسة بين النظريّة والتطبيق، ص345-346.
[55]- أنظر: إمام عبد الفتاح إمام، الطاغية، ص278.
[56]- أنظر: المرجع السابق، ص286.