البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء دور ريادي في الإحياء الحضاري الإسلامي

الباحث :  هاشم الميلاني
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  29
السنة :  شتاء 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 16 / 2023
عدد زيارات البحث :  567
تحميل  ( 579.617 KB )
تتعدّد وجوه المشروع الإصلاحي للشيخ كاشف الغطاء (1294-1373هـ.ق) وتتنوّع؛ إذ كان رحمه الله فقيهًا وأديبًا ومتكلّمًا وحكيمًا وسياسيًّا محنّكًا، وبنى وفق هذه الخلفيّة حركته العلميّة والفكريّة في معالجة ومواجهة التحدّيات التي تواجه المجتمع والعالم الإسلامي. ولهذا، فقد اتّبع المنهج العملي الوظيفي، إذ يشير إلى فوائد الالتزام بالدين ليثبت أهميّته وضرورته، ويؤكّد على ضرورة إحياء العوامل التي توجب نهوض الأمّة والوصول إلى رشدها. وفي هذا السياق، يرى الشيخ كاشف الغطاء أنّ جهود المصلحين نحو اتّحاد العالم الإسلامي قد أثمرت و«قد بدت بشائر الخير، وظهرت طلائع النجاح، ودبّت وتسرّبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة».
ومِن الواضح أنّ (قده) كان مستشرفًا ومواكبًا لما يجري في العالم، لهذا صوّب باتجاه مفاسد الغرب والفكر والثقافة الغربيين. لذا، فهو يعتقد بأنّ الغرب هو السبب في إفساد الأمّة، وأنَّ الغرب لا يريد نفع الأمّة الإسلاميّة، بل «إنّما جاؤوا بها ليفسدوا أخلاق ويسلبوا أموالكم، ويوقعوا العداوة والبغضاء بين الناس».
ولهذا، فإن ما حلّ بالعالم الإسلامي مِن حركة تغريبيّة تقتفي الغرب جملة وتفصيلًا، يُعدّ مِن أهمّ أسباب التخلّف، وهذا ما يسمّيه بنفوذ روح الغرب، إذ يقول: «نفذت الروح الغربيّة في جسد الشرق وجسم العالم الإسلامي، فانتزعت منه كلّ عاطفة شريفة، وإحساس روحي وشرف معنوي...».
وكانت له مواقف سياسيّة متعدّدة تنبئ عن عمق نظره، ومعرفته بالواقع العالمي والإقليمي، حيث كان يعتبر أنّه غارق في السياسة بمعنى الوعظ والإرشاد والنهي عن الفساد، والنصيحة للحاكمين بل لعامّة العباد، والتحذير مِن الوقوع في حبائل الاستعمار والاستعباد، ووضع القيود والأغلال على البلاد وأبناء البلاد، وأراني مسؤولًا عنها أمام الله والوجدان...
وللشيخ كاشف الغطاء مواقف صريحة تجاه الغرب، تنبئ عن عمق بصيرته ووقوفه على خدع الغرب ومكره، وكان يرى أنّ المدنيّة الغربيّة أكبر ضربة على الدين، مِن دون فرق بين الإسلام والنصرانيّة.

كلمات مفتاحية: كاشف الغطاء، التغريب، الغرب، الاستعمار، الإصلاحي.

قبس مِن سيرته (قده)
ولد الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (قدّس سرّه) في مدينة النجف الأشرف عام 1294هـ.ق، وينتمي إلى أُسرة علميّة عريقة، حيث أنّ جدّه الأعلى هو الشيخ جعفر كاشف الغطاء (قدّس سرّه)، كما أنّ والده الشيخ علي كاشف الغطاء ،كان مِن علماء النجف الأشرف المبرّزين.
التحق الشيخ كاشف الغطاء بالحوزة العلميّة، وكان عمره عشر سنين، وتتلمذ على يد كبار أساتذة الحوزة آنذاك، وتبحّر في مختلف العلوم الإسلاميّة، وكان له باع في الشعر والأدب أيضًا، وبعد أنْ أخذ قسطًا وافيًا مِن تلك العلوم، أصبح مِن أساتذتها المبرّزين، وبدأ بحركته الإصلاحيّة الإحيائيّة، وصار رمزًا مِن رموز الطائفة الشيعيّة، ولم يقتصر صيته على النجف أو العراق، بل ذاع صيته في العالم الإسلامي، وسافر إلى أهمّ العواصم الإسلاميّة.

رغم أنّ شخصيّة الشيخ كاشف الغطاء متعدّدة الوجوه، إذ كان رحمه الله فقيهًا وأديبًا ومتكلّمًا وحكيمًا وسياسيًّا محنّكًا، غير أنّ ما يهمّنا هنا، الإشارة الإجماليّة إلى دوره الإصلاحي والإحيائي في المجتمع الإسلامي، وقراءة مواقفه وبيان أبرز معالمها في هذا المضمار. وعليه، سنتطرّق فيما يلي إلى هذه المواقف ضمن النقاط الآتية:

1. الموقف الديني:
لم يكن الشيخ كاشف الغطاء كسائر المصلحين المنتمين إلى التيّار الإسلامي، كيف وهو ابن الحوزة العلميّة ومِن كبار فقهائها ومِن أبرز علمائها؟ فمِن الطبيعي أنْ يكون الدين منطلقه في العمل الإصلاحي، حاله حال سائر المصلحين مِن أسلافه.

كان رحمه الله يشير إلى مجد الإسلام إبّان ازدهار حضارته في القرون الأولى، ويشبهه بالطائر القدسي الذي «أنشب مخالبه في أعماق البسيطة، وأثبت رجليه على تخوم الأرض، واحتكّ بظهره أعنّة السماء مِن هذا المحيط، واستقبل بوجهه الكعبة المقدّسة مِن ناحية الجنوب، حتّى أطلع رأسه مِن وراء خطّ الاستواء، ومدّ ذنبه على أقصى المعمورة مِن الشمال، ونشر أحد جناحيه على المشرق، حتّى وضع قوادمه على جدار الصين، وظلّل بالثاني طرف المغرب إلى منتهى المحيط، فقال للشمس: أينما أشرقت ففي ظلالي، وللسحاب أينما وَدَقْتِ ففي بيت مالي. بلغ هذا الطائر المبارك الميمون مِن الفخامة والعظمة في أقلّ مِن قرن ونصف ما لم تبلغه أكبر دول العالم في عدّة قرون[2]...».
ثمّ يتأسّف الشيخ كاشف الغطاء على ما حلّ بالإسلام والمسلمين اليوم، ويقول: «نعم لا أُحاول أنْ أمثّل لك وأنعى إليك رزيّة الإسلام في أهله، وبليّته مِن قومه، ونعيه على أسلافه، ومصيبته مِن أبنائه... لا أحاول أنْ أُجسّم لك كيف تركه أهلوه فتركهم، ونبذوه فانتبذهم، وأهلكوه فأهلكهم.لا أُمثّل لك كيف حاربوه في القول والعمل، وجانبوه في الظاهر والباطن، فتزيّوا بغير أزيائه، وتخلّقوا بغير أخلاقه، وعملوا على هدم أساسه وإخماد نبراسه‌[3]».

إنّ الصورة التي يرسمها الشيخ كاشف الغطاء عن الوضع العام آنذاك تجاه الدين صورة مزريّة ومبكية تمامًا، إنّها لوحة تصوّر الإسلام بأنّه: مُسحت أطرافه، وبُترت ذنائبه، حُصّت أجنحته، كُنعت‌ يداه ورجلاه، دُمغت هامته حتّى تداخلت في عنقه، فاختنق صوته، وأخفتت دعوته، وأصبح كجؤجؤ في وسط العراء، تكتنفه الذئاب والوحوش والقشاعم والنسور. كلّ يوم تنهش قطعة مِن لحمه وتكسر عظمًا مِن عظمه[4]...

ثمّ تسيل دموع الشيخ كاشف الغطاء على ما حلّ بالإسلام والمسلمين، ويقول: «أنّي لأُحرّر فيما هنا والحسرات تتكسّر في صدري، والدمع قبل القلم يجري، والعبرات أمام العبارات تنهلّ، ويا حبّذا لو سمحت لي العناية بموقف تراق قطرة دم حياتي في سبيل حياته[5]».
وبعد هذه الزفرة والشقشقة التي هدرت ثمّ قرّت، يعرّج الشيخ كاشف الغطاء على أهميّة الدين في حفظ نظام العالم، وأنّه متوافق مع الفطريّات والوجدانيّات والبديهيّات، ويقول: «إنّ الدين... أعظم وأكبر ناموسٍ في حفظ نظام العالم، وأنفذ وازع ورادع للنفوس عن حرصها وجشعها إلى حبّ التغلّب والتفوّق واستيفاء الحظوظ مِن الشهوات الحيوانيّة والقوى الغضبيّة والطمّ والرمّ والاستكثار مِن الحطام الجمّ،ويستحيل بدون الدين قمع هذه الشرور وقلع هذه البذور مِن نفوس البشر عامّة وخاصّة، إلّا برهبة الدين وتسليط سيطرته عليها[6]...».

إنّ المنهج الذي يتّبعه الشيخ كاشف الغطاء هنا، إنّما هو المنهج العملي الوظيفي، حيث يشير إلى فوائد الالتزام بالدين ليثبت أهميّته وضرورته. ومِن هذا المنطلق -أي الدور الوظيفي والعملي للدين في حياة الإنسان- يشرح الشيخ المصائب والبلايا التي تحلّ بالإنسان في حياته الدنيويّة، بحيث تدعه أسير الكربات والأزمات النفسيّة والاجتماعيّة وغيرها، ثمّ يتساءل ويقول: «قل لي فإلى أيّ عماد يستند، وعلى أيّ سند يعتمد؟ بأيّ ركن يعتصم هذا المسكين البائس، وإلى أيّ ملاذ يلوذ، ومِن أيّ مساعد يؤمّل النجاة أو إراحته مِن سوء هذه الحياة[7]؟».
نعم إنّه الدين، فالدين هو القوّة الأزليّة التي يرجع إليها الإنسان لتستقيم حياته وتعتدل، إذ «لولا سلوة الدين وحسن عزائه وطيب النفس بحسن الثقة به، وأنّ عاقبة الصبر الجميل جميلة، وإنّ الاستسلام له داعية كلّ فضيلة، لكان جديرًا بالإنسان وحريًّا به، بل وحتمًا عليه، أنْ ينتحر مِن ساعته، ويقضي حياته مِن أوائل عمره[8]».

فالدين هو الذي يوجب الاطمئنان والسكينة لهذا الإنسان الحائر، وهو الراحة الكبرى، والنعمة العظمى، وأعظم لوازم الإنسانيّة، وأهمّ ما يجب للطباع البشريّة. إنّ الأديان سياج العمران، وحصن الحياة، ومعقل الأمم، ولا تطيب الحياة إلّا بها، ومَن قبض على الدين، فقد قبض على راحة الأبد، وسعادة النشأتين، ولو قبض الإنسان السماوات بيمينه والأرض بشماله لما أغناه ذلك عن الدين شيئًا: «فإلى الدين إلى الدين أيّها الملوك والسلاطين والبؤساء والمساكين[9]».
والتمسّك بالدين يوجب السعادة والفوز، فنحن «إذا اتّفقنا وأصلحنا أنفسنا وأخذنا بأحكام ديننا، عادت السعادة إلينا، وزال كابوس الاستعباد عنّا[10]».

ثمّ إنّ الشيخ كاشف الغطاء لم يكتف بذكر الدور الوظيفي للدين، بل يقوم بالتنظير العقلي المبسّط لإثبات الأسس والأصول الدينيّة، فهو يرى مِن جانب تدفّق الشبهات على الدين شرقًا وغربًا، ويرى مِن جانب آخر صعوبة ما كتبه علماؤنا الأبرار مِن متكلّمين وحكماء على فاهمة عامّة الناس؛ لأنّ ما كتبوه رغم قوّته واستحكامه غير أنّه «لا ينتفع به إلّا الأوحدي مِن الناس بعد التعب والكدّ وطول المراس[11]» وعليه يدعو «أطبّاء المعارف وزعماء الفلسفة لحفظ مبادئ الدين في نفوس الأمّة والتفاني في سبيل الدعوة مِن أقرب طرقها وأسهل سبلها. حبّذا لو عمدوا إلى ما سجّلته كبار الحكماء مِن الأدلّة والبراهين على أصول الشريعة الإسلاميّة، فيكسونها حُلّة مِن البيان تقرّبها إلى الأذهان، وتخرج بها عن التعقيدات الصناعيّة والاصطلاحات الفلسفيّة، وتنعزل بها عن المجادلات الكلاميّة، وتترسّل في الإقناع لها ترسّلًا يكشف عنها القناع، وتلذّ به الأسماع، وتهشّ له الطباع، بأُسلوب بيان يخرق الحجب الكثيفة، ويهزّ العواطف الشريفة، تتكهرب بسيّال سلاسته أسلاك الأذهان، وتتقبّله القلوب قبل الآذان، كي تنفسح هناك شبهات المشكّكين، وترسخ في النفوس أسس العقائد وأصول الدين[12]».
ثمّ إنّ الشيخ كاشف الغطاء يقوم هو بعبء هذه المهمّة، ويشمّر عن ساعديه ليثبت أصول الدين الخمسة ببيان سلس سهل قابل للفهم، وبعيد عن التعقيد الفلسفي والكلامي، وذلك في ثلاثيّته: (الدين والإسلام[13]).

وبعد الإثبات النظري المبسّط للدين الإسلامي، يعرّج الشيخ كاشف الغطاء على الشريعة الإسلاميّة ليجعلها الوسط بين الشريعة اليهوديّة والمسيحيّة والمهيمنة عليهما لما طرأ عليهما مِن الدسّ والتحريف، ويقول: «إنّ مِن العناية اللازمة والحكمة الواجبة بعد ذينك الشريعتين، أنْ يضع الحكيم شريعة وسطًا، وطريقًا جَدَدًا جامعًا لطرفي العدل والفضل، آخذًا بأعنّة السعادتين، وإصلاح النشأتين، وتقويم أود الحياتين... وهذه الشريعة التي لها هذه الخاصّة والميزة عن غيرها، هي التي تصلح أنْ تكون القانون الأبدي لصالح عامّة البشر في عامّة الأزمان جيلًا بعد جيل وقبيلًا بعد قبيل[14]».
ويقول أيضًا: «إنّ أحكامه التشريعيّة مِن عبادات ومعاملات وجزائيّات وأحكام -أعني سياسة المدن وتدبير النفس والمنزل- هي شرائع مطابقة لروح العدل وجوهر العقل ونواميس الفضيلة، فلا يمكن أنْ يؤتى بأحسن منها بل ولا بمثلها، وأنّه لو سارت الممالك الإسلاميّة عليها، بل وسائر الممالك لساروا في صراط مستقيم لا يرون فيه عوجًا ولا أمْتَا، وهي موافقة لروح كلّ عصر، ولسعادة كلّ أمّة مِن الأمم[15]».

وعليه، فإنّ الشريعة الإسلاميّة جمعت السعادتين: سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وأخذت بالعدل وزادت عليه بالعفو والإحسان[16].
كما أنّ أهداف الشريعة الإسلاميّة انتشال الإنسانيّة مِن أوضار الطبيعة، وأقذار المادّة وخسّة الحيوانيّة، والعروج بها إلى مصاف الروحانيّين والمثل العليا، ولم يدع وسيلة للهناء والسعادة والعزّ والكرامة إلّا عيّنها وبيّنها في هذه الحياة أو في الحياة الأخرى، وجعل لمَنْ آمن به وبرسله وباليوم الآخر مقامًا رفيعًا وكريمًا في الدارين[17].

وبعد هذا يختم كلامه قائلًا: «فحقًّا أقول إمّا أنْ تكون الشريعة الإسلاميّة هي الشريعة الإلهيّة والدين الأبدي، وإمّا أنْ لا يكون للعالم صانع ولا يكون مدبّر[18]».
كما يعتقد أنّ الغرب قد أخذ واقتبس مِن الإسلام محاسن الأعمال، ويقول: «إنّ مِن أمامكم مِن الأمم الراقية أوج الحضارة والعمران، تقتدي بل ترتقي بحسنات مذهبكم السامي ودينكم الإسلامي[19]».

ومِن الجدير بالذكر أنّ الشيخ كاشف الغطاء قد دخل مساجلات كثيرة مع المسيحيّين بغية إثبات أحقيّة الدين الإسلامي والدفاع عن مبادئه ومبانيه أمام الشبهات، التي كانت تثار آنذاك ضدّ الإسلام، وقد أشار إليها بقوله: «تألّبت زعانفة مِن الأمّة المسيحيّة وتغالت وتطرّقت في الطعن على شرف الإسلام حتّى تجاوزت الحدّ وخرجت عن الآداب، وخدشت العواطف ومسّت شرف صاحب الرسالة[20]».
ومع هذا، لم ينطلق الشيخ كاشف الغطاء مِن منطلق الجدل والخصومة، بل اتّخذ منهج الجدال الأحسن، وحلف بأنّه ما قصد الشقاق والغلبة والعصبيّة والحمية الجاهليّة، فقال: «الله يعلم أنّي ما كتبتها للردّ والإيراد، ولا لإلقاح الفتنة والفساد، جمعتها للجمع لا للتفريق، وألّفتها لتأليف الفرق لا لاختلاف الفريق[21]». وقد التزم رحمه الله بهذا المنهج المعتدل في جميع مساجلاته مع المسيحيّة، سواء في إثبات تفوّق الإسلام أو في مقام إثبات ما ورد مِن الدسّ والتحريف في العهدين، أو في مقام ردّ الشبهات المثارة والدفاع عن الإسلام والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وشريعته الغرّاء.

2. الموقف الاجتماعي:
يتبلور موقف الشيخ كاشف الغطاء الاجتماعي في تركيزه على ثلاث نقاط أساسيّة: الأولى أسباب نهوض الأمّة، الثانية أسباب التخلّف، الثالثة الدفاع عن الإسلام والمذهب.

أ. أسباب النهوض:
لقد أشار الشيخ كاشف الغطاء في مناسبات مختلفة إلى عدّة عوامل توجب نهوض الأمّة والوصول إلى رشدها السابق، ويمكن حصر هذه العوامل ضمن النقاط الآتية:

أوّلًا- الأخذ بالميثاق الوطني العربي:
وذلك أنَّ الشيخ كاشف الغطاء (رحمه الله) رسم ميثاقًا وطنيًّا في سبعة بنود، واستوحاها مِن الدين، وقال إنّها المواثيق التي أخذ الله على الأنبياء أنْ يبلّغوها عباده، وأخذ على عباده العمل بها، وهذه المواثيق هي:
أوّل ميثاق أخذه الله على العباد أنّهم مخلوقون، ولهم خالق مدبّر حكيم.
يلزم على العباد أنْ يعرفوا بأنّ الله هو المبدأ والمعاد، والغرض مِن الخلقة الوصول إلى مقام الخلافة الإلهيّة.
إنّ بلوغ الغاية والوصول إلى الهدف لا يحصل إلّا بالسير على مناهج مخصوصة وتعاليم معيّنة.
لا بدّ مِن وجود سفراء بين الله وبين عباده لإيصال التعاليم إليهم.
أخذ الله على عباده ميثاق التعاون والتضامن لينال الفرد سعادته في ظلّ سعادة سائر الأفراد والمجتمع، ولذا قالوا: (الإنساني مدني بالطبع).

هذا التعاون لا ينتج ولا يفلح إلّا بالتوازن مع خدمة الوطن والدين واللغة وسائر بني لغته وبني جنسه.
هذا التعاون لا بدّ أنْ يعتمد على دعائم الفضيلة، وأمهاتها أربع: 1- الإخلاص 2- الصدق 3- الاستقامة والاعتدال 4- الثبات والاستدامة[22].

ثانيًا- العلم والسلطة:
يرى الشيخ كاشف الغطاء أنّ أيّ دين أو مجتمع لا يمكنه أنْ ينهض ويطير في سماء العزّ والشرف إلّا بمساعدة جناحين:

- الجناح الأوّل: تواصل العلم والعمل.
- الجناح الثاني: السيف والقلم.

ثمّ يقول: «ما سادت أمّة، ولا سعدت دعوة، ولا حلّقت في سماء العلوّ والرفعة ملّة، ولا اتّسعت في البسطة على البسيطة سلطة، ولا طار صوت ملك وانتشر في العالم صيت مملكة، إلّا بإسعاد هذين الجناحين، وعلى قدر الحظ ووفور النصيب منهما، يكون الحظ مِن القوّة والنفوذ في السطوة والسعة في الملك والسلطان[23]».
ثمّ يشرح هذه الأسس والمباني، ويشير إلى لزوم دمج العلم والعمل معًا، إذ العمل مِن دون علم كالبناء مِن غير أساس وسرعان ما ينهدم على صاحبه، أمّا العلم مِن دون عمل، فهو كالأساس مِن دون بناء، ليس له أيّ ثمرة ونتيجة.
أمّا السيف والقلم، فهما آلة الملك وأدوات القوّة، وهذان الركنان إذا اجتمعا في شخص واحد فبها ونعمت، وإلّا يلزم أنْ يقوم كلّ واحد منهما بوظيفته[24].

3. الشرف:
يتساءل الشيخ كاشف الغطاء عن الشرف الذي يكدح اللبيب في السعي إليه، ويرى أنّه ليس المال، ولا الجاه والجمال، ولا الآباء والعشائر، ولا سعة العلوم والمعارف والمهن والصنائع، بل الشرف عند الشيخ هو: «حفظ الاستقلال، وتنشيط الأفكار، وتنمية غرس المعارف، والذب والمحاماة عن نواميس الدين وأصول السعادة. الشريف مَنْ يخدم أمّته خدمة تخلّد ذكره، وتوجب عليهم في شريعة التكافي شكره[25]...».
ثمّ إنّ الذي يدعو إلى تحصيل هذا الشرف، والعوامل التي تسهّل اقتناءه، إنّما هي: تحكيم العقائد الحقّة المشذّبة مِن كلّ خرافة، وتمكين الدين الصحيح مِن النفوس، ورسوخ الإيمان بمبدئها ومعادها، وأنّ لها صانعًا حكيمًا، وأنّ وراء هذا اليوم يومًا عظيمًا، إمّا سعادة لازمة، وإمّا شقوة دائمة. فهذه الأمور أكبر سائق للنفوس نحو الشرف.
ثمّ يقول الشيخ رحمه الله: «وما جرّ الويل على الإسلام سوى انمحاء تلك الصبغة مِن نفوس أهليه وانطماسها مِن عقول ذويه[26]».

4. اتّحاد المسلمين:
يعتقد الشيخ كاشف الغطاء (قدّس سرّه) بأنّ ضرورة الوحدة ونبذ الخلاف بين المسلمين، بات شعار الجميع، وليس ذلك إلّا بفضل المصلحين الذين نهضوا لإصلاح حال الأمّة الإسلاميّة: «صرخ المصلحون فسمع المسلمون كلّهم عظيم صرخاتهم بأنّ داء المسلمين تفرّقهم وتضارب بعضهم ببعض، ودواؤهم الذي لا يصلح آخرهم إلّا به كما لا يصلح إلّا عليه أوّلهم، ألا وهو الاتّفاق والوحدة، ومؤازرة بعضهم لبعض ونبذ التشاحن، وطرح بواعث البغضاء والإحَن والأحقاد تحت أقدامهم[27]».
وقد اشتهرت عنه كلمته الشهيرة: «إنّ الإسلام بني على دعامتين: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة[28]».
وعليه، فإنّ «علاج أدواء البشريّة وأمراضها، أنْ ينضوي الجميع تحت راية واحدة وجامعة فذّة، ألا وهي جامعة الانتساب إلى الله، وراية أنّ لا إله إلّا الله، التي تجمع الهندي والتركي والعربي والرومي والفارسي، وتجعلهم إخوانًا، وعلى الخير أعوانًا[29]».
كما أنّ الشيخ كاشف الغطاء يرى أنّ جهود المصلحين نحو اتّحاد العالم الإسلامي قد أثمرت و«قد بدت بشائر الخير، وظهرت طلائع النجاح، ودبّت وتسرّبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة، وصار يتقارب بعضهم مِن بعض، ويتعرّف فريق لفريق[30]» ثمّ يستشهد لذلك بالمؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس الشريف، وضمّ ثلّة مِن علماء المسلمين، حيث تداولوا مختلف شؤون العالم الإسلامي، وتبادلوا الإخاء والثقة.

ولكنْ رغم هذا، فإنّه يشتكي مِن أنّ الأكثريّة قد اكتفوا بالقول دون العمل، وداروا حول الظواهر دون الجواهر، وحول القشور دون اللبّ، يزعمون أنّ الاتّحاد يحصل بمجرّد الكلام ولقلقة اللسان، وعليه يهيب الشيخ كاشف الغطاء بهم، ويقول:
«ولو أنّ هذه الشعوب والممالك أخلصت لله نيّتها، وأحكمت وحدتها ووحّدت كلمتها، وسحقت الأطماع تحت بروق المطامع، وأنّ الاتّحاد قوّة والاجتماع ثروة. لو أنّها صنعت ذلك عن جدّ وحقيقة، لجعل الله منها قوّة هائلة تخضع لها جميع دول الدنيا كما خضعت للإسلام مِن قبل[31]».

وقال أيضًا: «وتلك الوحدة المنشودة التي تتكوّن بها الأمم، وتستدرّ بها السعادة والنعم، ليست هي لفظًا وقولًا وخداعًا ومكرًا، ولا تثمر تلك الثمرات، ولا تترتّب تلك الغايات إلّا على الأعمال الجدّيّة[32]...».
وعليه، فإنّ «الإسلام في أشدّ حاجة اليوم إلى ما كان محتاجًا إليه بالأمس مِن اتّحاد الكلمة وجمع شتات عناصر الأمّة، والتحزّب والتآلف بجامعة كلمة التوحيد المقدّسة، والتعاون والتعاضد بقوّة العلم وسطوة العمل، ومدافع الهمم ومناور العزائم[33]».
كما أنّه «يستحيل لو بقي المسلمون على هذه الحال، أنْ تقوم لهم قائمة، أو تجتمع لهم كلمة، أو تثبت لهم في المجتمع البشري دعامة، ولو ملأوا الصحف والطوامير، وشحنوا أرجاء الأرض وآفاق السماء بألفاظ الاتّحاد والوحدة وكلّ ما يُشتق منها ويرادفها... كلّ ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدّي[34]».

ومعالم العمل الجدّي هذا عند الشيخ تتبلور في عدّة نقاط رئيسة:
التمسّك بالعقل والحكمة والرويّة.
أنْ يجد كلّ مسلم مصلحة أخيه مصلحة نفسه، فيسعى لها.
نزع الغل والحقد مِن القلوب والنظر إلى الآخر نظرة حبّ وإخاء.
أنْ يجد المسلم بأنّ عزّ أخيه المسلم عزّ نفسه، وقوّته قوّته.
التناصف والتعادل ونبذ الأحقاد وجحد الحقوق.
اقتلاع رذيلة الحرص والجشع والغلبة والحسد.
التأسّي بالسلف الصالح مِن الآباء والأجداد، حيث نالوا العظمة والرفعة بالاتّحاد[35].

أسباب التخلّف:
أوّلًا- ضعف الدين: إذ يقول الشيخ كاشف الغطاء: «فلو سألتني ما السبب الوحيد في ضعف المسلمين؟ لقلت: الغاية هي ضعف الدين[36]».
وسبب ضعف الدين عند الشيخ، إنّما هو حبّ الدنيا والانغماس في زخارفها، زائدًا الشبهات والضلالات المعاصرة الوافدة مِن الغرب[37].
ثانيًا- عدم قيام رجال الدين لأداء وظائفهم، وفي ذلك يقول الشيخ رحمه الله: «وجدت مِن أقوى الأسباب والعوامل في سريان الداء وانتشار عدوى هذا الهواء الأصفر على عقائد المسلمين، ومروقهم مِن مشرق هذا الدين إلى منازع الغربيين، عدم قيام الزعماء في الدعوة على تلك الطريقة الوثيقة -أعني طريقة الإقناع والإيضاح والتسهيل والإفصاح- ... امتهن الإسلام ... بإهمال زعمائه سبيل الدعوة والإرشاد، وصيحة النصيحة في العباد، وإشراب النفوس البشريّة ما في هذا الدين مِن صوالح السعادتين[38]...».
ثالثًا- التفرّق والاختلاف: يرى الشيخ أنّ مِن أهمّ أسباب تخلّف العالم الإسلامي وتسلّط الأعداء عليه، إنّما هو «تفرّق كلمة المسلمين وتباغضهم وتعاديهم، وسعي كلّ طائفة منهم لتكفير الآخرين، فإذا اعتقدوا كفرهم لا محالة، يسعون في هلاكهم وإبادتهم[39]».

كما أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد شخّص الداء العضال والمرض القتّال الذي حلّ بالأمّة، ألا وهو التفرقة، لذا حاول بثّ روح الاخاء والاتّحاد بين المسلمين[40].

ثمّ إنّه يسبر أغوار التاريخ ويذكر ما حلّ بالمسلمين جرّاء اختلافهم، ويقول: «إنّ اختلاف كلمة المسلمين في القرن السادس والسابع للهجرة، سبب حدوث الحروب الصليبيّة وغلبة المغول والتتار على الممالك الإسلاميّة. وفي القرن الثالث عشر والرابع عشر للهجرة أدّى إلى اختلاف كلمة المسلمين أيضًا وابتلائهم بالاستعمار الأوروبي، فاستولى الإنكليز على مصر والمحميّات التسع وإمارات الخليج والعراق والحجاز، واستولت فرنسا على الجزائر وتونس ومراكش ولبنان وسوريا. واختلاف كلمة الدول العربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية هو الذي أدّى إلى فاجعة فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل[41]».
رابعًا- الفسق والفجور، حيث يشتكي الشيخ كاشف الغطاء ما حلّ بالبلاد الإسلاميّة مِن مظاهر الفسق والفجور تقليدًا للغرب، إذ إنّ الناس يتهافتون على مجالس اللعب والرقص وشرب الخمور كتهافت الفراش على النار[42]، والأنكى مِن هذا أنّهم يحسبون الوصول إلى الرقيّ والتقدّم والحضارة بمساجلة الغرب ومتابعته في هذه الموبقات، والحال أنّها مِن «أقوى أسباب التقهقر والانحطاط، بل ولا شيء أشدّ منها تأثيرًا في زهوق روح النواميس الحيويّة، وتلاشي العناصر الأدبيّة والماديّة[43]».

ثمّ يهيب بالمسلمين قائلًا: «فالله الله يا عباد الله ....نافسوا أنفسكم عن تلك الدنايا والخلاعات، وانتبهوا مِن هذه الرقدة والسبات، وانتشلوا أنفسكم مِن حضيض هذه الوهدة، يا أرباب العزائم والنجدة[44]».
ويقول أيضًا: «الله الله أيّها الناس، احذروا زبارج هذه المدنيّة الخلّابة اللمّاعة البرّاقة، فإنّها تذهب بكلّ نخوة وشرف، وما اخترعها القوم إلّا لهلاك هذه الأمّة، القوم أخذوا تعاليم الإسلام ففازوا وتقدّموا، وتركناها فتأخّرنا[45]».
كما أنّه يعتقد بأنّ الغرب هو السبب في إفساد الأمّة مِن خلال السينما والخمر والميسر وسائر أدوات المنكر؛ لأنّ الغرب لا يريد نفع الأمّة الإسلاميّة، بل «إنّما جاؤوا بها ليفسدوا أخلاقكم، ويستلبوا أموالكم، ويوقعوا بينكم العداوة والبغضاء[46]».
خامسًا- الكسل والجمود، حيث يشير رحمه الله إلى أنّ الكسل والجمود والبطالة والخمول مِن أعظم ما أصاب الأمّة الإسلاميّة[47].

سادسًا- التغريب، حيث يرى الشيخ كاشف الغطاء أنّ ما حلّ بالعالم الإسلامي مِن حركة تغريبيّة تقتفي الغرب جملة وتفصيلًا، يُعدّ مِن أهم أسباب التخلّف، وهذا ما يسمّيه بنفوذ روح الغرب، إذ يقول: «نفذت الروح الغربيّة في جسد الشرق وجسم العالم الإسلامي، فانتزعت منه كلّ عاطفة شريفة، وإحساس روحي وشرف معنوي، ومجد باذخ، واستقلال ذاتي... تسمع بالمسلم الشرقي... فإذا وقع بصرك عليه، وجدته غربيًّا مِن قرنه إلى قدمه، غربي الأهواء، غربي الأزياء، غربي الأميال، غربي الشكل، غربي اللباس، غربي الظاهر كلّه، غربيًّا في كلّ شيء[48]».

ثمّ يلقي اللائمة على رجال الدين الذين لم يتصدّوا لهذا الغزو العارم، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[49].
كما أنّ الشيخ يتعجّب بل يتأسّف حينما يرى أنّ الغرب في نهوضه الحضاري تمسّك بتعاليم الإسلام واقتبس منه، في حيت أنّ المسلمين اليوم تركوا دينهم وتمسّكوا بسيئات الغرب: «أليس مِن الأسف والحيف، أسفًا والله يُميت الغيور ويشقّ الصدور قبل القبور، أنّ مِن أمامكم مِن الأمم الراقية أوج الحضارة والعمران تقتدي بل ترتقي بحسنات مذهبكم السامي ودينكم الإسلامي، وتقتدون أنتم بسيئات مذهبهم الأسوأ مذهب الكفر والضلالة والشرك والجهالة[50]».
وبهذا الصدد يشير عدّة مرات إلى أحد دعاة التغريب والإلحاد في العالم الإسلامي آنذاك، ألا وهو شبلي شميل، إذ سخر بالإسلام والشريعة والصانع بحيث «جرح القلوب، وخدش العواطف، وأهاج لوعة ملايين مِن البشر[51]».

ج. الدفاع عن الإسلام والمذهب:
إنّ العالم المصلح لم يكتف بالتنظير وتزويق الكلام، بل ينزل بنفسه إلى المجتمع ليعالج أزماته بمواقفه وكلامه وأعماله، وإذا رأى ثلمة يقوم بردمها، وبهذا الصدد قد انبرى الشيخ كاشف الغطاء للدفاع عن الإسلام والمذهب أمام خصومهما، فشمّر عن ساعديه تارة، وأجاب عن شبهات المبشّرين والمسيحيّين الذين راموا الحطّ مِن قدسيّة الإسلام وتعاليمه والنيل مِن مقام نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)[52] تارة ثانية، وتارة أُخرى قام بردّ شبهات التيّارات المنحرفة الإسلاميّة التي نالت المذهب بالسبّ والشتائم، واتّهمت الشيعة بأنواع التهم الفارغة، فكتب في الردّ عليهم، لاسيّما الفرقة الوهابيّة السلفيّة[53]، هذا مضافًا إلى ردوده الكثيرة على التيّار الإلحادي الذي ساد عصره تحت غطاء الداروينيّة ومذهب النشوء والارتقاء[54].

3. الموقف السياسي:
لم يقدّم لنا الشيخ كاشف الغطاء منظومة سياسيّة متكاملة، كما لم يكن له مشروع سياسي يتبنّاه وينظّر له، كما أنّه لم ينظر إلى الشأن السياسي بنظر الأصالة، بل الشأن السياسي عنده بمثابة آلة ووسيلة للوصول إلى نتائج محدّدة. ولذا، كانت له مواقف سياسيّة متعدّدة تنبئ عن عمق نظره ومعرفته بالواقع العالمي والإقليمي وما تحتاج إليه الأمّة الإسلاميّة. وما نداؤه بلزوم الاتّحاد ونبذ الخلاف -وقد مرّ- إلّا موقف سياسي بامتياز.

ويمكننا تلخيص مواقف الشيخ كاشف الغطاء السياسيّة ضمن النقاط الآتية:

أوّلًا- الموقف مِن السياسة بشكل عام:
إنّ السياسة عند الشيخ كاشف الغطاء لم تكن كهدفٍ أساسي وموضوع مستقلّ، بل إنّها وسيلة للوصول إلى غاية، إنّها آلة، لذا نراه يقول: «أنا لا أويّد السياسة ولا أُعارضها، لا أؤيّد ولا أفنّد، ولا أمدح ولا أذمّ، ولا زلت أقول: إنّ السياسة جمرة نار أحسّها ولا ألمسها، أراها بعيني ولا أمدّ لها يدي، ...إنّ الانشغال بالسياسة لا ينفع الأمّة إلّا إذا كان منبعثًا ومتشبعًا بروح الإخلاص ... السياسة مع المطامع داء، ومع الإخلاص نعم الدواء[55]».

وعندما سُئل الشيخ كاشف الغطاء عن تدخّله في السياسة، أجاب: «أمّا التدخّل في السياسة، فإنْ كان المعنى بها هو الوعظ والإرشاد والنهي عن الفساد، والنصيحة للحاكمين بل لعامّة العباد، والتحذير مِن الوقوع في حبائل الاستعمار والاستعباد، ووضع القيود والأغلال على البلاد وأبناء البلاد، إنْ كانت السياسة هذه الأمور فأنا... غارق فيها إلى هامتي، وهي مِن واجباتي، وأراني مسؤولًا عنها أمام الله والوجدان... فسياستنا هي سياسة النبيّ والأئمّة سلام الله عليه وعليهم الخالية عن كلّ هوى وهوس وطمع ودنس... وإذا كان المعنى بالسياسة هو إحداث الفتن والثورات والاضطرابات للتوصّل إلى الحكم، والجلوس على الكراسي الناعمة لمعاملة الناس بالخشونة والغطرسة والكبرياء، واستغلال النفوذ للمنافع الذاتيّة والأطماع الدنيّة، والسمسرة للأجانب على البلاد وتسلّطهم على الأمّة ولو بإراقة الدماء، إنْ كانت السياسة هذه وما إليه، فإنّي أعوذ بالله السميع العليم مِن الشيطان الغويّ الرجيم[56]».

ومِن هذا المنطلق الثاني الذي يستغلّ العمل السياسي لمصالحه الخاصّة ومنافعه الماديّة، قال الشيخ كاشف الغطاء: « قاتل الله السياسة، ما دخلت في شيء إلّا أفسدته»[57].
وعليه، فإنّ كاشف الغطاء قد تصدّى للعمل السياسي مِن هذا المنطلق؛ أي منطلق الإصلاح والنصح وتبصير الناس بما يحدق بهم مِن مخاطر، لذا ذهب إلى لزوم ابتناء العمل الإصلاحي الاجتماعي على ثلاث دعائم:

1. وسائل الدعوة والإرشاد بالخطب والمقالات والمؤلّفات والنشرات، وهي طريقة إسلاميّة استعملها الإسلام في بداية انتشار الإسلام.
2. وسائل المقاومة السلميّة والسلبيّة، المظاهرات والإضرابات والمقاطعة الاقتصاديّة، وعدم التعاون مع الظالمين.
3. الحرب والثورة والقتال، والإسلام يتدرّج في هذه الأساليب أوّلًا مِن خلال الموعظة الحسنة، ثانيًا المقاطعة السلميّة، وثالثًا الثورة المسلّحة، لأنّ الله لا يرضى بالظلم أبدًا، فالإسلام يستعمل القوّة أمام مَنْ وقف حجر عثرة في سبيل الدعوة إلى الحقّ[58].

ثانيًا- محاسبة الحاكمين ونصيحة الملوك:
لم يألُ الشيخ كاشف الغطاء جهدًا في نصيحة ساسة العراق وباقي الدول الإسلاميّة، فقد عنّف الحكومة العراقيّة على تفشّي الفساد والارتشاء، وسوء أعمال المسؤولين بجميع طبقاتهم مِن رأس الوزارة إلى أدنى إدارة، ممّا يؤدّي لا محالة إلى تذمّر الشعب الشديد وحدوث انقلابات وانتفاضات[59].

كما أنّه يدعو الشعب للقيام بمحاسبة الحاكمين، ويجعله مِن حقوقهم الأساسيّة والسياسيّة، ويقول: «نعم ومِن الحقوق السياسيّة للرجال والنساء، وعليهم جميعًا أنْ يقفوا موقف المحاسب والمراقب مِن الحاكمين، وموقف الناقم الثائر والمحارب الواتر مِن المستعمرين[60]».

كما أنّه عنّف رئيس وزراء باكستان محمّد علي لعقده معاهدات عسكريّة مع أمريكا، حيث ذكر له أنّ باكستان تشكّلت باسم الإسلام، ولا بدّ أنْ تراعي شؤون الإسلام مِن قبيل عدم التوادد مع مَنْ يحاد الله ورسوله، وقال فيما كتب له: «ولا إشكال في أنّ دولة أميركا قد حادت الله ورسوله، وحادت عن جادة العدل والإنصاف بالظلم والاعتساف على خصوص العرب وعموم المسلمين، وغصبت منهم فلسطين وأعطتها لليهود... ولا يناسب مِن مثل دولتكم المسلمة أنْ ترتبط بدولة أميركا بمعاهدات، وخصوصًا معاهدات عسكريّة، فإنّ هؤلاء القوم رؤوس الاستعمار الواجب للبوار والدمار[61]».
كما أنّه لا يفوته أنْ يشير إلى صفات الزعيم الجيّد والمحبوب، حيث يمتاز بخدمة أمّته، والإخلاص لوطنه وقومه، والدفاع عن كلمة الحقّ، والثبات على المبادئ، والسهر لمصلحة البلاد[62].

ثمّ إنّه يدعو الساسة لمراجعة عهد الإمام عليّ (عليه السلام) لمالك الأشتر حينما ولّاه مصر ويقول: «فليرجع إليه مَنْ أراد معرفة سياسة المدن، ودقائق الرقيّ والتمدّن، وأسباب العمران والشرف، والأخذ بموازين العدل والنصف بين طبقات جميع الناس... ومعاملة الأشراف والسفل والمعاهدين مِن أهل الكتاب وسائر الملل، إلى غير ذلك مِن النفوذ الإداري والروح التجاري والعمل الزراعي والعمل الصناعي... وتدبير الأهل والمنزل... فراجع ذلك العهد تجد جميع معاهد المحاسن في عهده، وسائر تفاصيل العدل والحقوق في جملته[63]».

ثالثًا- الأحزاب والنقابات:
إنّ الشيخ كاشف الغطاء كان يرى لزوم تشكيل نقابات والعمل المنتظم في طريق إصلاح البلاد، لذا نراه يقول: «الإصلاح لا يتسنّى إلّا بتشكيل نقابات، وهي تحتاج إلى هيئة عاملة مشرفة تتصدّى للتنظيم، وتجعل لكلّ صنف هيئة تنتخبها لتدبير شؤون ذلك الصنف، وتسعى لإصلاحه وجلب مصالحه ودفع الأخطار عنه، وإصلاح ذات بينهم، وحسم ما يقع مِن الخصومات بين أفرادهم، والسير بهم إلى المساعي النافعة والأعمال المثمرة[64]».
أمّا الأحزاب، فهو لم يؤيّدها ولم ينفها، بل يدعو لها بالتوفيق والنجاح لتقوم بدورها الإصلاحي بشكل جاد؛ وذلك لأنّ الأحزاب عند الشيخ كاشف الغطاء «لم يظهر منها الفائدة المتوخّاة، ولم تصل إلى درجة مِن القوّة تجلب الشعوب إليها حتّى تقوم بأعمال جذريّة في الإصلاح... لم تجد منها الأعمال المجدية[65]».

رابعًا- لزوم العدل:
قال الشيخ رحمه الله في ذلك: العدل روح المدنيّة وحياة الإنسانيّة، ونفوذ قوى المملكة وترياق سمومها المهلكة، العدل مطلع شموس الرحمة، ومنبع عيون الحكمة، والسلطنة والسلطة، والمنفعة والغبطة، والعلوّ والرفعة، والحصون والمَنعة، والمساجد والقلعة، والبيت والحَرَم، والكعبة والأُمم، والجيش والسريّة، والقسمة بالسويّة، والرعاية للرعيّة، والعسكر والجنود، والرايات والبنود، والطبل والعَلم، والحُكم والحِكم، والمال والجباية، والخراج والجراية، والقائد والزعيم، والحاكم والحكيم.
العدل ظلّ الله في أرضه، والحاكم في بسطه وقبضه، إليه يأوي الضعفاء، وبه يلوذ الفقراء، وفيه ينتصف المظلوم، وبه يرزق المحروم، ومنه تشرق شمس المعارف والعلوم.
العدل خِصب البلاد، وأمن العباد، ومعطي الواحد مِن الرعيّة قوى الآحاد وقوّة الأجناد.
العدل هو الشوكة والقوّة، والبهاء والسطوة، والرأفة والمروّة، والصدق والفتوّة، والمفازة والحظوة.
العدل مدافع وسيوف، ومدارع وحتوف، وجيش وصفوف، والثابت كلّ واحد به ثبات الأُلوف.
العدل هو الزرع والنماء، والريّ والرواء، وسيح الأرض وسحّ السماء.
العدل نظام شتات الأُمّة، ومنبع الفضائل الجمّة، وسحاب سماء الرحمة،وجماع تفارُقِ الكلمة، وطِلاع تسامق العَظَمة.
العدل نواميس الحياة، ومقاييس البركات.
العدل هو الحِرز في المهالك، والحَرَس للقوافل في الفيافي والمسالك، والعسعس إذا عسعس الليل بالظلام الحالك.
العدل سُلّم السلامة، ومعراج كل ّكرامة، والظُّلم ظُلُمات يوم القيامة.

العدل منبع البركة، والظلم موضع الهَلَكة.
العدل هو الرقيّ للسعادة والرقى، والظلم هو الشقي، وبه العاهة والشقاء.
العدل به قَوَتْ الدول الضعيفة، واستفحلت الأُمم المخنّثة السخيفة، وعُرفت الممالك الخاملة غير المعروفة، وتألّفت الشعوب المتفرّقة، وأمِنَت وأخافت وكانت هي الخائفة الفَرِقة، ونَبَهَت بعد الخمول، وطَلَعَت بعد الأُفول، وترقّت بعد الضعَة، وأخذت غبّ الضيّق بالسعة، وعادت بالثروة والرفاهية منفرجة، بعد أنْ كانت حرجة، وعزّت بعد الذلّة، ولبست مِن العلوم والصنائع أبهى حُلّة، وأنست بالتمدّن وكانت وحشيّة، ورَسَت قواعدها على العلم والتعلّم، وكانت أُممًا حشويّة.

والظلم -أبعَدَ الله داره وأحمد ناره- به ذلّ الإسلام بعد العزّة، وخفت صوته بعد الصيت وعظيم الهزّة[66].
كما أنّه قدّس سرّه قد جعل عدل الحكومة أحد دعائم سعادة الأمم، فواجب الحكومة أنْ تقيم في المجتمع موازين العدل والقسط، وأنْ تخلص في خدمة رعاياها، لتنقاد الرعايا وتخضع لقوانين الدولة العادلة، وتنعقد بينهما عرى الصفاء والمجد حتّى يكونوا يدًا واحدة وقلبًا واحدًا، وبهذه الحالة ترقى البلاد وتسعد العباد[67].

خامسًا- العلاقات الدوليّة والتحالفات السياسيّة:
يضع الشيخ كاشف الغطاء قانونًا مستنبطًا مِن القرآن الكريم، يكشف المنهجيّة السليمة في ربط العلاقات الدوليّة والتحالفات السياسيّة، وهذا القانون يستنبطه مِن قوله تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[68].

فهذا هو «الميزان العدل الذي وضعه لنا في معاملتنا مع الدول الخارجيّة والأمم الأجنبيّة... وعلى هذا الميزان العدل والمعيار القويم، فكلّ مَنْ قاتلنا في الدين ولكوننا مسلمين أو أخرجنا مِن ديارنا أو ظاهر المخرجين، فهو عدوّنا ولا يجوز أنْ نتولّاه أو نتولّى مَنْ يتولّاه، سواء كان مسلمًا أو كافرًا[69]».
ومِن هذه القاعدة ينتقد الشيخ كاشف الغطاء مَنْ يذهب إلى لزوم عقد تحالف إسلامي بمشاركة تركيا، إذ إنّ تركيا صديقة إسرائيل، وهي أوّل دولة اعترفت بها وما زالت تؤيّدها. وعليه، فإنّ «حكومة تركيا الآن عدوّة العرب والإسلام وصديقة اليهود... وقد باعت تركيا شرف استقلالها بالدولار، وصارت آلة لأمريكا تصرفها كيف تشاء، وبإشارة منها أصبحت أكثر مساعد لإسرائيل لقيطة أميركا وبنتها المدلّلة[70]».

سادسًا- قضيّة فلسطين:
اتّخذ الشيخ كاشف الغطاء مواقف صارمة ومشرّفة تجاه قضيّة فلسطين، وقد أفتى بوجوب الجهاد لأجل فلسطين، وقال: «فيا أيّها العرب، ويا أيّها المسلمون، بل يا أيّها البشريّة، ويا أيّها الناس، أصبح الجهاد في سبيل فلسطين واجبًا على كلّ إنسان لا على العرب والمسلمين فقط، نعم هو واجب على كلّ إنسان لا بحكم الشرائع والأديان فقط، بل بحكم الحسّ والجدان ووحي الضمير وصحّة التفكير[71]».

ثمّ إنّه لم يكتف بهذا، بل جعل مَنْ يلتحق بالجهاد لأجل فلسطين، سيكون كالمجاهدين مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في بدر[72].
وكان يرى ببصيرته أنّ القضيّة ليست قضيّة فلسطين كموقع جغرافي فحسب، بل إنّ أطماع إسرائيل تتعدّى الحدود الجغرافيّة لتشمل أكثر البلاد الإسلاميّة، لذا نراه يقول: «أتحسبون أنّ اليهود إذا غلبوا على فلسطين لا سمح الله، يتركون العراق والحجاز وغيرها مِن الأقطار العربيّة[73]؟» وقال أيضًا: «إنّ اليهود الصهاينة سوف يغزوكم مرّة أخرى ويستلبوا أراضيكم، فاغزوهم واسترجعوا أراضيكم قبل أن يغزوكم[74]»، كما أنّ إسرائيل كالنار الملتهبة تستمرّ في حرق ما يجاورها أو تخمد ويُقضى عليها، وكالوباء والميكروب الذي يظلّ منتشرًا أو يُقتل ويفنى[75].

ثمّ يضع رحمه الله مخطّطًا لإنقاذ فلسطين يتلخّص في النقاط الآتية:
1. الابتعاد عن الكلام الفارغ والتصعيد الإعلامي، وعدم الوقوع في فخّ دعايات دول الاستعمار ودسائسهم التي تصوّر العرب بمظهر المعتدي والمنتقم، والحال أنّ العرب يطالبون بحقّهم.
2. إنّ تشكيل دولة إسرائيل كان بمساعدة دول الاستعمار، وللتخلّص منها لا بدّ أنْ نتخلّص مِن الاستعمار ونصل إلى الاستقلال، وتشكيل حكومات نزيهة.
3. لزوم اتّحاد دول العرب بعضها مع بعض لمساندة فلسطين[76].
ومِن الطريف الحوار الذي جرى بين الشيخ كاشف الغطاء والسفير الأمريكي، حيث جرى بينهما حديث حول فلسطين وتشريد الفلسطينيّين مِن أراضيهم، فقال السفير الأميركي نصرة لليهود: «هذه أمّة ضعيفة ظلمها هتلر وشرّدها مِن أوطانها، فأصبحت بلا وطن ولا مأوى، ونحن عادتنا الشفقة والرحمة، ننصر المظلوم ونعطف على الضعيف»، فقاطعه الشيخ، وقال له بتأثّر وغضب: «تعسًا وبؤسًا لهذه الرحمة، تنصرون المظلوم بما هو أفظع ظلمًا وأشدّ هضمًا، ترحمونهم بأنْ تظلمونا، وتسكنونهم في بيوتنا وتشرّدونا، هلّا أسكنتموهم في بلاد أميركا وأراضيها الواسعة[77]».

ثمّ يندّد بالغرب ودوله العظمى، ويحمّلهم مسؤوليّة تشكيل دولة إسرائيل والدفاع عنها ضدّ المسلمين، ويقول لهم: «ألستم أنتم الذين لا تزالون تمدّونهم بالمال والسلاح وتدفعونهم إلى هذه الجرائم دفعًا، وإلّا فاليهود أقصر باعًا وأضعف قلبًا مِن أنْ يجرأوا على العرب هذه الجرأة[78]».

4. الموقف مِن الغرب:
للشيخ كاشف الغطاء قدّس سرّه مواقف مشرّفة تجاه الغرب، تنبئ عن عمق بصيرته ووقوفه على خدع الغرب ومكره، وكان يرى أنّ المدنيّة الغربيّة أكبر ضربة على الدين[79] مِن دون فرق بين الإسلام والنصرانيّة، إذ «الغرب لو امتلك الشرق... ما كان ليخصّ الديانة الإسلاميّة بعسفه، ويبسط للنصرانيّة جناح لطفه وبساط عطفه، بل ينظر إلى مطلق الدين بعين سخط واحدة، ويستقبلهما معًا بسطوة جامدة وأخذة قاسية[80]».
كان رحمه الله يقول بملء فيه وبحرقة قلب: لا أُحاول أنْ أُلفتك وأدلّك على ما تتهدّده به مكائد الأغيار مِن نصب حبائل الغوائل له، والدأب في السعي على محقه ومحوه، وتكدير صفوه وتعكير غيره، وكدّهم وكدحهم سرًّا وجهرًا، ليلًا ونهارًا، في كلّ الدقائق والثواني والآنات والأزمنة حتّى أصبح الشرق والإسلام على الأخصّ، هو الشغل الشاغل، والهمّ الطائل الذي لا تتصرّف أفكار أغياره إلّا إليه، ولا تتجوّل إلّا فيه، ولا تعتني وتهمّ إلّا به، ولا تمهّد السبل وتُلَبِّد الأمل وتوطّد المساعي إلّا إلى الظفر به والإتيان عليه وقلع جراثيمه مِن رقعة الأرض.

تجهد بكلّ الأسباب والعوامل، وتنصب كلّ الأشراك والحبائل؛ لصـيـد هـذا الطائر القدسي، وإزهاق روحه، وإطفاء جمرات الغيظ بقطرة دم حياته.
لم تدع سبيل حيلةٍ لذلك إلّا سلكته، ولا ملاك خدعةٍ إلّا امتلكته، ولا قـوى مكرٍ إلّا استعملتها، ولا ربوة غدرٍ إلّا افترعتها، ولا مظنّة باب عدوان إلّا قرعتها، ولا سيطرة سلطة إلّا ضربتها.
فأقلام تجري، ودعاة تسري، ورسل تبشّر، وكتب تُكتب، ورسائل تُنشر، وأموال تستميل، وأحوال تحيل ولا تستحيل، إلى كثير مِن أمثال ذلك مِن إعمال القوى الروحيّة والكتائب الدينيّة والجيوش الملّيّة.

نعم، وتعضدها مدافع في البرّ، وأساطيل في البحر، وطيّارات فـي الجـوّ، ومدمّرات في كلّ دوٍّ، إلى وفير مِن أمثالها في إعمال القوى القهريّة والسلطة الملكيّة.
وسياسات ومؤتمرات، واتّفاقات واجتماعات، وحلّ وعقود، ونقض وعهود، وبرقشة وخداع، ولين وزماع، وتساهل وامتناع، وأثواب تحبّب وابتشاش على أجسام حقد واغتشاش، وظاهر نصح ووفاق عـلـى بـاطـن خـدع ونفاق، وإجهار ودٍّ وولاء يُسِرُّ حَسْوًا في ارتغاء، إلى ما لا أُحصيه مِن استعمال القوى السياسيّة، وتلوّنات حرباء المصانعة، وتوليد الغـلبـة مِن أُمّ بـراقش الغـدر والمداهنة، وهل روح السياسة إلّا ذلك؟!
كلّ هذه الجلبة والوجبة، والسباق والحلبة، والعجيج والضجيج، والتـفادح والتكادح، دوائر تستدير على نقطة، ومدارات تسير في الحركة على مركزٍ واحد وخطّة، ألا وهو -لا سمح الله- مَحْق الإسلام، وإزهـاق هـذا الدين، وامتلاك الشرق، واستعباد الشرقيّين[81].

ويخاطبهم تارة أخرى، ويقول: «واهًا منكم يا بني سكسون، أقسم حقًّا لو جمع كلّ ظلم مِن طواغيت البشر وجبابرتهم مِن ملايين السنين، لما ساوى ظلمكم للعرب والإسلام سنة واحدة، ومنذ سبعمائة سنة أي مِن عهد الحروب الصليبيّة إلى اليوم أنتم دائبون في الكيد للإسلام، تبغون له الغوائل، وتنصبون له الحبائل، تقذفونه بالقنا والقنابل[82]».
ويضيف قائلًا في وصفهم بأنّ الرحمة لا توجد عند الغرب[83]، ولهم أحابيل وأشراك لاصطياد الطيور الضعيفة[84] أنّهم يريدون لنا الجهل والتأخّر في شتّى النواحي، في التسلّح والعمران والزراعة والصناعة، لنبقى خاضعين لهم وراضين بنهب الثروات[85]. إنّ لهم مواعيد خلّابة وأقاويل كاذبة[86]. إنّهم يسيئون إلى كلّ مَنْ يساعدهم ويحسن إليهم، ولا يكتفون بمقابلة الإحسان بالإساءة، بل يقضون على حياته[87]. وإنّ الدول الغربيّة شرّ على العالم كلّه[88].
وأخيرًا، فإنّ «هذا الثالوث المشؤوم: أميركا، إنكلترا، فرنسا قد سفكوا مِن دماء البشر ما لم تسفكه السباع الضواري في الغابات والصحارى، وقد تمرّ السنة ولا نسمع أنّ السباع والذئاب افترست إنسانًا، وهؤلاء كلّ يوم يفترسون ألوفًا مِن البشر[89]».

كما أنّه عند مساجلاته مع الريحاني حول الغرب، وأنّ للغرب حسنات لا بدّ أنْ يشكر عليها، فيردّ عليه الشيخ كاشف الغطاء بأنّ السيئات التي ارتكبها الغرب مِن الحروب والفساد ونهب الثروات وإشاعة الشهوات، تفوق تلك الحسنات المزعومة[90].

الاستعمار:
«قد عرف اليوم حتّى الأبكم والأصمّ مِن المسلمين أنّ لكلّ قطر مِن الأقطار الإسلاميّة حوتًا مِن حيتان الغرب، وأفعى مِن أفاعي الاستعمار، فاغرًا فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه[91]».
نعم هذه البليّة التي يشير إليها الشيخ كاشف الغطاء، قد عمّت معظم البلاد الإسلاميّة، وسبّبت الدمار والخراب، وذلك أنّ «أصل بليّتنا -معاشر المسلمين- هو الاستعمار، وكلّ رزية وبليّة، فالاستعمار أصلها وفرعها، ومنبعها ومطلعها[92]».

ثمّ إنّ الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله يشبّه الاستعمار باللصّ يدخل الدار ويسرق ما فيها، وصاحب الدار إذا أراد أنْ يصيح أو يدافع عن ماله وعرضه، خشي على حياته، ثمّ يقول اللصّ له: إنّي آخذ هذه الأموال منك لأُعمّر بها دارك وأصونها مِن الخراب، وإذا ثار أهل الدار وأرادوا إخراج اللصوص، قابلوهم بالحديد والنار، فهذا هو الحال في تونس ومراكش والجزائر وغيرها مِن الدول الإسلاميّة المستعمرة[93].
ويشير الشيخ كاشف الغطاء إلى نقطة أساسيّة، وهي أنّ الاستعمار لم يترك الدول الإسلاميّة حتّى بعد استقلالها الظاهري، بل إنّه عاد بلون آخر، وفي ذلك يقول: «نعم أعطيتمونا الاستقلال، ولكنْ الاستقلال الكاذب المزيّف[94]».

وذلك أنّ جميع الوزارات والبرلمانات تخضع لتوصيات المستعمر؛ لأنّهم جميعًا مِن صنايعهم «إنّ المستعمر حديثه وقديمه... هو الملك المطلق والفاعل المختار، وبالأخصّ في النواحي الاقتصاديّة، والشؤون الماديّة والماليّة، كلّها تعود إليه وتدخل في خزانته مباشرة أو غاية. الذهب الأحمر والأبيض والأسود وكلّ ما هنا، يرجع إلى ما هنالك، وكلّ المؤسسّات ذات الشأن هي له ولمصالحه[95]».

فالاستعمار هو الاستعمار، وما وصل إليه العالم الإسلامي مِن الاستقلال إنّما هو «الاستقلال المزيّف في استعمار مغلّف، ويبذلون الصيغ والعناوين، استعمار فانتداب فحماية، الحقيقة واحدة لا تتغيّر والعبارات شتّى. حتّى نزلت إلى ميدان الاستعمار الدنيا الجديدة، فجاءت بلون مِن استعمار جديد: الدفاع المشترك، المساعدات العسكريّة، النقطة الرابعة، المساعدات الفنيّة، الحلف العسكري، وكلّها خداع وصراع، واختلاسات وأطماع، خداع مغلّف وطمع مزيّف[96]».
وأخيرًا، فإنّ الاستعمار هو السبب الرئيس في تخلّف العالم الإسلامي، وقد حاول إفساد إيمان الناس وأخلاقهم وعقيدتهم ليحكم سيطرته عليهم، إذ إنّه يعلم أنّ الدين ما دام حاكمًا والنفوس ما دامت ملتزمة بتعاليمه لما تمكّن مِن إحكام سيطرته[97]»فكان مِن أحد مكايد المستعمرين إذاعة الملاهي وإباحة الخمور ومعدّات الفسق الفجور في بلادنا[98]»، وللأسف فقد «سرت هذه الروح الخبيثة: روح الفساد، فساد الأخلاق، والاستهتار والخلاعة، وموت الشعور والوجدان، وضياع المقاييس وهتك النواميس، إلى جميع الطبقات: الحاكمين والمحكومين، والرعاة والرعيّة[99]».
والمستعمر هذا «ما فتح بلاد المسلمين بمدافعه وطياراته وعدته وعتاده، وإنّما فتحها بسموم التفرقة وبذور البغضاء والشحناء التي بثّها بينهم»[100]

الماديّة:
وعلى غرار تصدّي الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله للاستعمار الاستيطاني، لقد تطرّق إلى الاستعمار الثقافي وما تبثّه أندية الفكر والمعرفة الغربيّة في العالم الإسلامي مِن نزعات ماديّة وداروينيّة، لذا خصّص قسطًا مِن همّه المعرفي للقيام بالإجابة على شبهات الماديّين منكري الخالق.
فقد ردّ على أصحاب المذهب الحسّي الذين يحصرون المعرفة بالحواس الظاهريّة، بأنّهم مهما بلغوا مِن الجدّ والجهد، فإنّهم لا يتمكّنون مِن الوصول إلى معرفة النفس والعقل مِن خلال الحواس الظاهريّة. وبناء على منطقهم، لا بدّ مِن إنكار النفس والعقل «فلو قصرنا الأشياء الراهنة على مدركات تلك الحواس، لكنّا قذفنا بالعلوم والحقائق في هوّة حالق، وخسرت صفقة العلم وأهله، وخاب كلّ إنسان مِن جدوى عقله[101]».
كما أنّه يردّ على السفسطائيّين الذين ينكرون كلّ شيء ويجعلون الموجود والمعدوم سواسية، بلزوم ضربهم وإيلامهم إذ «هي الضربة القاضية على سفسطته التي لا تفرّق بين الموجود والمعدوم[102]».
وفي مقام ردّه على المذهب المادّي الذي يجعل المادّة مبدأ العالم ومصدره، يقول كيف يتسنّى للمادّة المظلمة العمياء الصماء التي لا إدراك لها، أنْ توجد هذا الكون مع ما فيه مِن كمال وإتقان، وبعد أنْ وقفوا على هشاشة المدّعى، ذهب بعضهم إلى صدور العالم بالصدفة والاتّفاق، وعندما ظهر ضعف هذه النظريّة، ذهب قوم آخر إلى نظريّة الانتخاب الطبيعي أو بقاء الأصلح، فيتساءل الشيخ كاشف الغطاء مَنْ هو الذي ينتخب؟ هل المادّة العمياء هي التي تنتخب أم أنّه القوّة الروحيّة المجرّدة التي نذهب إليها أي خالق الكون[103].
وفي مقام ردّه على نظريّة دارون، فإنّه يتمسّك تارة بأقوال دارون نفسه في الاعتراف بقوّة مجرّدة لا ماديّة[104]، وتارة أخرى يتمسّك بأقوال بعض علماء التشريح والجيولوجيا والطبيعة لردّ نظريّة دارون[105]، ويتمسّك تارة ثالثة بأقوال فلاسفة الغرب وعلمائه في إثبات الصانع[106].


الخاتمة:
لقد قدّم الشيخ كاشف الغطاء قدّس سرّه منظومة معرفيّة متكاملة لإصلاح الشأن الاجتماعي والثقافي والسياسي مِن خلال مواقفه المميّزة التي تنبئ عن بعد نظر وبصيرة بالواقع المعاصر والحوادث الجارية الإقليميّة والدوليّة.
إنّه في عمله الإصلاحي ينطلق مِن الدين ليجعله الأساس في سعادة الدارين وإصلاح المعاش والمعاد، ومِن الدين ينظر إلى باقي الأمور وينطلق لمعالجة المشاكل والأزمات، كما يقوم بشرح وبيان أسباب النهوض والتخلّف، ليكون النهوض في التمسّك السليم بالدين، والتخلّف في الابتعاد عنه، ولا يفوته أنْ يقف أمام هجمات أعداء الداخل مِن القشريين كالوهابيّة، والمتغربنين اللاهثين خلف الغرب، وكذلك أعداء الخارج مِن التبشيريّين الذين يطعنون في الإسلام ونبيّه وشريعته، وكذلك الغرب وحركته الاستعماريّة القديمة والجديدة بجميع تلوّناتها. فقد سار الإمام محمّد الحسين كاشف الغطاء في عمله الإصلاحي مِن الدين وفي الدين وإلى الدين. فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيًّا.

لائحة المصادر والمراجع
قضيّة فلسطين الكبرى، محمّد الحسين كاشف الغطاء، مطبعة النعمان النجف عام 1969.
محاورة الإمام المصلح كاشف الغطاء الشيخ محمّد الحسين مع السفيرين البريطاني والأميركي في بغداد، المطبعة الحيدريّة النجف عام 1954.
المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون، محمّد الحسين كاشف الغطاء، دار الوعي الإسلامي بيروت عام 1980م الطبعة الخامسة.
الميثاق العربي الوطني، محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، المطبعة الحيدريّة النجف عام 1358هـ.
في السياسة والحكم، محمّد الحسين كاشف الغطاء، دار التوجيه الإسلامي.
المراجعات الريحانيّة، محمّد الحسين كاشف الغطاء، موسوعة الإمام كاشف الغطاء، ط الأولى عام 2018، المعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.
أصل الشيعة وأصولها، محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، ط الأولى عام 2018، المعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.
الدين والإسلام، محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، ط الأولى 2018، المعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.
نصيحة لعموم المسلمين مِن إمام المسلمين الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء. المطبعة الحيدريّة بالنجف عام 1952م.

-----------------------------
[1][*]- باحث في الفكر الإسلامي وأستاذ في الحوزة العلمية- النجف الأشرف.
[2]- الدين والإسلام 1: 10.
[3]- الدين والإسلام، 1: 5.
[4]- م.ن 1: 10-11.
[5]- م.ن 1: 11.
[6]- م.ن 1: 88.
[7]- الدين والإسلام 1: 92.
[8]- م.ن 1: 91.
[9]- م.ن: 1: 94.
[10]- قضيّة فلسطين: 87.
[11]- الدين والإسلام: 26.
[12]- الدين والإسلام 1: 27-28.
[13]- م.ن 1: 37.
[14]- م.ن 2: 87.
[15]- المراجعات الريحانيّة: 69.
[16]- قضيّة فلسطين: 53.
[17]- المثل العليا في الإسلام: 48.
[18]- الدين والإسلام 2: 89.
[19]- م.ن 1: 283.
[20]- م.ن 1: 31.
[21]- م.ن 1: 38.
[22]- ميثاق الوطني العربي: 44-51.
[23]- الدين والإسلام 1: 9.
[24]- م.ن 1: 12-13.
[25]- م.ن 1: 14-15.
[26]- م.ن 1: 23.
[27]- أصل الشيعة وأصولها: 18.
[28]- قضية فلسطين: 161.
[29]- قضية فلسطين: 123.
[30]- أصل الشيعة: 19.
[31]- المثل العليا في الإسلام: 102.
[32]- قضيّة فلسطين: 97.
[33]- في السياسة والحكم: 32.
[34]- أصل الشيعة: 20.
[35]- م.ن: 20-24.
[36]- الدين والإسلام 1: 23.
[37]- م.ن 1: 23، 133.
[38]- م.ن 1: 29؛ المثل العليا: 85.
[39]- أصل الشيعة وًاصولها: 9.
[40]- قضيّة فلسطين: 74.
[41]- المثل العليا في الإسلام: 86.
[42]- الدين والإسلام 1: 283.
[43]- م.ن 1: 284.
[44]- م.ن 1: 284.
[45]- قضيّة فلسطين (أربع خطب): 131.
[46]- قضيّة فلسطين: 81.
[47]- ميثاق الوطن العربي: 78.
[48]- الدين والإسلام 1: 7.
[49]- م.ن 1: 24، 29.
[50]- م.ن 1: 283.
[51]- م.ن 1: 120، المراجعات الريحانيّة: 44.
[52]- راجع: الدين والإسلام 2: 350، والتوضيح في بيان ما هو الإنجيل ومن هو المسيح ضمن الآثار الكلاميّة 11: 189.
[53]- راجع: نقض فتاوى الوهابيّة، ضمن الآثار الكلاميّة للشيخ كاشف الغطاء 11: 47.
[54]- راجع: ردّ الملاحدة والطبيعيّة، ضمن الآثار الكلاميّة للشيخ 11: 83.
[55]- قضيّة فلسطين: 58.
[56]- المثل العليا في الإسلام: 98-99.
[57]- نصيحة لعموم المسلمين ص 4.
[58]- المثل العليا في الاسلام: 62-64.
[59]- م.ن: 29-30.
[60]- محاورة الإمام المصلح: 76.
[61]- المثل العليا في الإسلام: 112.
[62]- قضيّة فلسطين: 57.
[63]- الدين والإسلام 1: 225.
[64]- قضيّة فلسطين: 51.
[65]- المثل العليا في الإسلام: 98.
[66]- الدين والإسلام 1: 201-203.
[67]- قضيّة فلسطين: 100-101.
[68]- سورة الممتحنة، الآيتان 8-9.
[69]- المثل العليا في الإسلام: 66.
[70]- المثل العليا في الإسلام: 32.
[71]- قضيّة فلسطين: 14.
[72]- م.ن: 15.
[73]- م.ن: 20.
[74]- م.ن: 184.
[75]- المثل العليا في الإسلام: 87.
[76]- المثل العليا في الإسلام: 87-88.
[77]- محاورة: 17.
[78]- المثل العليا في الإسلام: 18.
[79]- المراجعات الريحانيّة، 37 ضمن مجموعة المؤلفات ج7.
[80]- الدين والإسلام 2: 373.
[81]- الدين والإسلام 1: 3-5.
[82]- المثل العليا في الإسلام: 74.
[83]- محاورة: 14.
[84]- المثل العليا في الإسلام: 21.
[85]- م.ن: 25.
[86]- م.ن: 33.
[87]- م.ن: 75.
[88]- م.ن: 52.
[89]- م.ن: 97.
[90]- المراجعات الريحانيّة: 39.
[91]- أصل الشيعة وأصولها: 25، قضيّة فلسطين: 86.
[92]- قضيّة فلسطين: 164.
[93]- محاورة: 14.
[94]- محاورة: 12.
[95]- المثل العليا في الإسلام: 40.
[96]- المثل العليا في الإسلام: 26-27.
[97]- م.ن: 84-85.
[98]- قضيّة فلسطين: 107.
[99]- المثل العليا في الإسلام: 57.
[100]- ميثاق الوطن العربي: 77.
[101]- الدين والإسلام 1: 68.
[102]- م.ن 1: 112-113.
[103]- الدين والإسلام 1: 101-108.
[104]- م.ن 1: 145.
[105]- م.ن 1: 75.
[106]- م.ن 1: 146-153.