البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نظرة نقديّة لحقيقة بطش الإمبراطوريين نيرون ودوميتريان

الباحث :  رفاه البوشي الدباغ
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  32
السنة :  خريف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 25 / 2024
عدد زيارات البحث :  893
تحميل  ( 456.260 KB )
الملخص
تولّى نيرون الحكم، وأصبح يسمّى نيرون كلوديوس قيصر، وتقدّم للجيش والشعب على أنّه خليفة شرعي للإمبراطور الراحل، وتخلّص من كل من ظنّ أنه يعيق حكمه وسلطته أو يقف في طريق تحقسيق أهدافه حتى وإن كان من أقرب المقرّبين إليه كأمّه وآخرين. عُرف نيرون باهتماماه وولعه ببعض الفنون كالرقص والموسيقى، ولذا فقد انغرق في اللهو والبذخ الخرافي، وأهمل الحكم وإدارة السلطة إلى جانب سياسات فاشلة، وجهل موظّفيه، وقسوة جنوده، وجشع جامعي الضرائب، وسياسة ، والأزمات السياسيّة، ما أدّى إلى اضطراب سياسي كبير وواسع في أطراف امبراطوريته، وتدهور في الإدارة العامّة للولايات الرومانيّة، كما شهدت تدهورًا في علاقة روما مع الولايات العميلة الموالية لها في الشرق، فلم يهتم نيرون بأيّ شعب من شعوب إمبراطوريّته سوى الإغريق، لتكون النتيجة إفلاس الخزينة العامّة في البلاد، وحريق روما الشهير. لينتهي ظلمه واستبداهده بانتحاره.
ولم يدم الأمر طويلًا حتى سيطر دوميتيان على الحكم في روما باسترضاء الجيش وبعض عناصر القوّة آنذاك، و كانت فترة حكم دوميتيان استبداديّة سافرة. ونتيجة لسياسة دوميتيان الوحشيّة وأسلوبه المتسلّط، سارع أقرب مواليه للتخلّص منه.

يعالج هذا البحث جانبًا من الظلم والاستبداد عند شخصيات ذكرها التاريخ بقوّة وتحدّثوا عن بنيان الحضارة التي تفوق كل الحضارت على أيدي أجيال من هؤلاء الحكام، مع تركيز جنبتي التحليل والنقد.

الكلمات المفتاحية: نيرون، دوميتيان، حريق روما، الإغريق.

مقدّمة
مهما كان الجبروت يسكن روح وعقل الإنسان، لا بدّ من يقول له قف لا تفعل، فإنّ كان كلّ من حول الطاغي يقول له افعل لقد أصبت، فحتمًا قد أصاب. إنّ الطغاة يحتاجون من يدعمهم ويساعدهم على الطغيان، فهم لا يصنعون هباء، لا بدّ لهم من صانعين، تصنع البداية بتراخي وإهمال المحكومين في مراقبة حكّامهم وصدّهم عن الملهيات والمسكرات، عندها يتحوّل الحاكم إلى دكتاتور يرى كلّ ما يفعله صحيحًا ولا يهمّه سوى ما يريد. وهنا يظهر خطر المنافقين، الذين يهيئون لأسيادهم كلّ الأفعال ويتخذون كلّ القرارات ويسنّون التشريعات، فهم آفة المجتمعات التي توشك على الانهيار.
أضف إلى ذلك لا بدّ من القول إنّ الظروف الأسريّة والنشأة الأولى لأيّ شخص تلعب دورًا كبيرًا في تكوين شخصيّة وسلوك أيّ إنسان، فالأسر المبنيّة على التفاهم والمحبّة والأخلاق لا بدّ من أن تنشئ جيلًا مشبعًا بروح المحبّة والعدل والأخوة، والأسر القائمة على الشرّ والكره والعدوانيّة تكون نتيجتها جيلًا متفكّكًا، يحمل الكره والبغضاء.

وهذا ما ظهر جليًّا في روما التي رزحت تقريبًا حوالي ثمانين عامًا تحت نير الطغاة، من تيبريوس الجبار الغامض وكاليجولا الشرس وكلوديوس الضعيف وصولًا إلى نيرون المبذّر الغاشم ودوميتيان الجبان الغليظ القلب.

أوّلًا: الإمبراطور نيرون وحكمه لروما
نشأة نيرون وأثرها في تكوين شخصيّته
حياة نيرون جزء من المنظومة البشريّة التي كانت سائدة في روما، فقد أثّرت الظروف والأحوال المتلاطمة، التي تعاظمت فيها الأهواء قبل ميلاده وبعدها، على تكوين شخصيّته، فالروايات التي نمت إلى مسامعه أثّرت على حياته تأثيرًا سلبيًّا، وغدت محرّكًا ودافعًا خفيًّا للكثير من تصرّفاته، التي اتصفت بالمجون وارتكاب الجرائم[2].

نشأ نيرون في أسرة تتمتّع بمرتبة عالية من الجاه والامتياز بين طبقة النبلاء الرومان، وكانت الأسر الغنيّة في تلك الفترة تقتني، إضافة إلى قصورها في المدينة، قصورًا ريفيّة كأمكنة للاستجمام، ومن أجمل المناطق كانت أنتيوم، وهي تقع على شاطئ البحر، تبعد ثلاثين ميلًا إلى الجنوب من نهر التيبر. ولد نيرون بأحد هذه القصور، وكان والده ينتسب لعائلة غنيّة من النبلاء الرومان، لكنّه كان شرّيرًا فاسدًا أشدّ الفساد، ولم تكن زوجته -أغريبينا- والدة نيرون أقلّ منه شرّاً[3]. ومن هنا لنا أن نتوقّع نشأة وشخصيّة نيرون.
وقد قيل إنّه عندما جاء الرسول ليخبر والد نيرون بولادة طفله تفوّه مستغربًا بشيء من التجهّم وقال ما ينجبه هو وأغريبينا لا يمكن أن يجلب لروما إلّا الدمار والخراب[4].

وكانت أغريبينا أعلى مرتبة من زوجها، فهي شقيقة الإمبراطور كاليجولا، الذي اتسم بانصرافه إلى ملذّاته الخاصّة، وكان يكره الناس ويتلذّذ في تعذيبهم.

وقد اتهم كاليجولا أغريبينا بالتآمر عليه مع شقيقتها، فنفى شقيقتها، وأمر بسجن أغريبينا، ولم يطلق سراحها إلّا بعد اغتيال كاليجولا[5]. وتمّ بعدها تنصيب كلوديوس عمّ أغريبينا إمبراطورًا، وعاشت أغريبينا عنده في القصر. وكان في ذلك الوقت قد مات والد نيرون، وكان عمر نيرون ثلاث سنوات، أمّا كلوديوس فقد تزوّج ابنة أخيه علمًا أنّ القوانين الرومانيّة تمنع ذلك، لكنّه استطاع أن يقنع مجلس الشيوخ أن يحوّر القوانين لصالحه، فتزوّجها وتبنّى ابنها، وهذا ما أثار نقمة زوجة كلوديوس ميسالينا[6].
وفيما كانت أغريبينا تتخبّط في ألوان العذاب والألم وصروف الدهر، كان ابنها نيرون شابًا نشيطاً ذكيّاً، رغم أنّه كان فوضوي الطباع شاذّ العادات، فعندما نفيت أمّه لم يذهب معها بل بقي تحت رعاية خالته، وعاش معها فترة من الوقت مهملًا مغمورًا ومحتقرًا، ولم يهتم أحد بتثقيفه، فماذا نتوقّع من كلّ هذا التضارب في التأثير على شخصيّة غلام لم يكتمل نضجه، وليس لديه خبرة؟. وعندما عادت أمّه من المنفى، خرج نيرون من غمرته، وشرع يعيش مع أمّه في ترف، واختارت له أمّه خيرة الأساتذة لتعليمه[7]، منهم كرمون الرواقي الذي علّمه اللغة اليونانيّة، وسينيكا الذي علّمه الأدب والأخلاق، لكنّه لم يعلّمه الفلسفة بناء على طلب والدته؛ لأنّها كانت تزعم أنّ الفلسفة تجعل من نيرون غير صالح لتولّي عرش الإمبراطوريّة[8].

وفيما بعد أصبح نيرون محطّ إعجاب القوم، وكان خصمه في تلك الفترة بريتانيكوس، وهو ابن كلاوديوس وميسالينا، وكانت دائمًا أغريبينا تقلّل من شأنه، وفي ذات الوقت لكلوديوس ابنة تدعى أوكتافيا، وهي أصغر من نيرون، وأغريبينا تحبّها وقامت بخطبتها لابنها نيرون ليتمكّن من خلالها الوصول للحكم[9]، وفعلًا تزوّجها، وكان في السادسة عشرة من عمره، وهي كانت في الحادية عشرة، وبعد زواجه بسنة مرض كلوديوس، وشعر بالندم لتبنّيه نيرون وحرمان ابنه من الحكم، فخشيت أغريبينا من أن يتنازل عن الحكم لابنه، فدبّرت مؤامرة مع أحد أطبّاء كلوديوس ودسّت له السمّ[10].

وصول نيرون للحكم وصراعه مع والدته
بعد وفاة كلوديوس مسمومًا تولّى نيرون الحكم، وأصبح يسمّى نيرون كلوديوس قيصر، وتقدّم للجيش والشعب على أنّه خليفة شرعي للإمبراطور الراحل، وكان قد وعد الجيش بمكافأة ضخمة[11].

استطاعت أمّه بداية أن تسيطر على زمام الأمور لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما نهض الابن نيرون بأعباء الحكم الإمبراطوري، وحاول القيام ببعض الإصلاحات، لكنّه انغمس في ملذّاته الشخصيّة[12].
بدأت علاقة نيرون بأمّه تسوء، وخاصّة بعد أن اكتشفت أغريبينا أنّ هناك علاقة بين نيرون وإحدى فتيات القصر اسمها آكتي، إذ إنّ نيرون لم يكن يحبّ زوجته أوكتافيا ابنة كلوديوس، وحاولت إبعاده عنها ففشلت، وأرادت أن تنتقم منه بأن تعيد للعرش الوريث الحقيقي بريتانيكوس الابن الحقيقي ل كلوديوس، وعندما علم نيرون بذلك غضب كثيرًا، ودبّر مؤامرة قتل من خلالها بريتانيكوس ودسّ له السمّ.

وزاد الكره بين نيرون وأمّه، وكلّ واحد منهما سعى للانتقام من الآخر، وهنا لنا أن نحكم على شخصيّة نيرون، ودور أمّه في تكوين هذه الشخصيّة، التي بنيت على الحقد والكره.
وقد جنّت أمّ نيرون نتيجة تربيتها السيّئة، حيث قام نيرون بالتآمر مع أنيكيتوس، الذي كان مرافقًا شخصيًّا لنيرون منذ طفولته، وتميّز بكرهه لأمّ نيرون، وحاول الاثنان إغراقها في مركب لكنّهما فشلا، فذهب أنيكيتوس ومعه فرقة من الجنود، وهاجموا قصر أغريبينا وتمكّنوا من قتلها.

ليس هناك ثمّة جريمة في الدنيا أفظع من أن يقتل الابن أمّه، الشعور الأوّل الذي أحسّ به نيرون هو الارتياح التامّ، وهذا يدلّ على الوحشيّة والحقد، ثمّ ما لبث أن تملّكه شعور الرعب والخوف، وبقي فترة في مدينة نابولي لا يجرؤ على العودة إلى روما؛ خوفًا من ردّة فعل الشعب ولكن لفترة قليلة، وعاد بعدها إلى روما ليكمل بطشه، وطلّق زوجته أوكتافيا البريئة، وتزوّج من بوبايا السيّئة السمعة، والتي تآمرت على أوكتافيا واتهمتها بتهم باطلة، فأصدر نيرون الحكم عليها بالموت، وقتلت بطريقة وحشيّة، وبعدها ازداد انغماس نيرون في التهتّك والفجور، وازدادت جرائمه حتّى بوبايا لم تسلم منه، وقتلها وقتل عدد كبير من أقاربه وضبّاطه[13].

الأوضاع السياسيّة في عهد نيرون
شخصيّة تتمتّع بكلّ هذه الصفات من الاستبداد والطغيان، لنا أن نتوقّع مسبقاً الأوضاع بشكل عامّ في البلاد.
شهدت فترة حكم نيرون تدهورًا في الإدارة العامّة للولايات الرومانيّة، كما شهدت تدهورًا في علاقة روما مع الولايات العميلة الموالية لها في الشرق، فلم يهتم نيرون بأيّ شعب من شعوب إمبراطوريّته سوى الإغريق، الذي ولع بهم وتيّم بفنّهم، كما تاقت نفسه لزيارة الإسكندريّة، التي ازدهرت فيها الحياة الثقافيّة والفنيّة، فأراد زيارتها ليعرض فيها مواهبه في الغناء والموسيقا ـ كما أعلن أثناء رحلته إلى بلاد اليونان قرارًا بمنح الحريّة لجميع اليونانيين، أي أنّ نيرون قد أعطاهم الاستقلال المحلّي والإعفاء من ضريبة الرأس، والتي كانت ترمز للخضوع والمذلّة[14].

يصعب على المرء أن يصدّق أنّ الإنسان الذي قتل أمّه، شاب في الثانية والعشرين من عمره مغرم بالشعر والموسيقا والفنون الجميلة والتمثيل والألعاب الرياضيّة، وقد أدخل العديد من المباريات اليونانيّة إلى روما، وأنشأ ما يسمّى بالألعاب النيرونيّة على نمط الاحتفال الذي يقام كلّ أربع سنوات في أولمبيا، وكان أهمّ ما يرغب فيه هو أن يكون فنّانًا عظيمًا[15].
عندما تولّى نيرون الحكم، كان الناس يعتبرون أنّه لا يليق برجل روحاني ذي رتبة عالية أن يغنّي أو يمثّل، لكنّ نيرون آمن أنّ لديه مواهب عظيمة تؤهّله ليصبح مغنّيًا وشاعرًا، ورضخ بصبر عجيب لكلّ أنواع التدريب القاسي، وظهر في البدء في معارض ومسارح خاصّة أقامها في الحدائق والقصور، ثمّ ظهر على المسرح العام، وطبيعي أن يهلّل له الناس تهليلًا حارًّا، وإن كان معظمها تافهًا، ويبدو أنّ غرور نيرون المضحك واعتداده بنفسه كانا يملآنه بالرضا التام وهو يتسلّم الجوائز[16].
وقد حرص نيرون على أن يكون له، في المسارح التي عليها جماهير تسانده تصفّق وتهتف له، وكان يكّلف ناسًا معيّنين ليهتفوا ويصفقّوا له ويدفع لهم رواتب. ولم يقف الأمر بنيرون عند هذا الحدّ بل اعتقد أنّه متسابق لا يبارى، ودخل ساحات السباق وألعاب المبارزة بوصفه مبارزًا متحمّسًا، وكان طبيعيًّا أن يحصد كلّ الجوائز، فلا أحد يجرؤ أن يتقدّم عليه[17].
ونتيجة لانغماس نيرون في ملذّاته وإهماله للولايات، اندلعت عدّة حركات تمرّد في العديد من أرجاء الإمبراطوريّة، أخطرها الثورة التي قامت في إيطاليا عام 61م تحت قيادة بوديكا، وكان المحرّك لها هو جشع محصّلي الضرائب الرومانيين، وقتلوا العديد من الجنود الرومان، إلى أن قام القائد الروماني باوليوس بإخضاع الثوّار وهزيمتهم.

وفي الشرق اندلعت صراعات في مملكة أرمينيا انتهت بتتويج ملك باريثي لعرش روما، ثمّ تتويجه بعد موافقة نيرون، كما قامت في فلسطين ثورة شاملة على الرومان عام 66م.
إنّ سياسة نيرون الفاشلة، وجهل موظّفيه، وقسوة جنوده، وجشع جامعي الضرائب[18]، وسياسة اللهو والبذخ الخرافي، والأزمات السياسيّة، نتج عنه إفلاس الخزينة العامّة، لهذا عمد نيرون إلى خفض قيمة العملة الذهبيّة والفضيّة[19]، كما لجأ إلى عمليّات المصادرة من أجل تعويض هذا الإفلاس[20].
وهذا نتيجة طبيعيّة لسياسة نيرون الفاشلة، ولما كان نيرون عسكريًّا فاشلًا، فقد كان من الطبيعي أن يهمل كلّ أمور وشؤون إمبراطوريّته، وبالتالي تتراجع الأحوال السياسيّة والاقتصاديّة في عهده.

فكلّما كانت أحوال نيرون تزداد ظلمًا وجورًا على الشعب الروماني، كانت نفوس الناس تزداد حنقاً وغضبًا، لكنّه لم يكن ليظهر في صورة عمل انقلابي؛ خوفاً من بطشه وطغيانه. ولمّا كان هذا الشعب ضعيف الحيلة، فطبيعيّ أن تكون الثورة أو الانقلاب ممّن هم أكثر قدرة، ومقرّبون من الإمبراطور حتّى تتمكّن خطّتهم من النفاذ والوصول إلى أهدافها والإطاحة بنيرون. فقام انقلاب كبير في روما بقيادة رجل ينتمي إلى أشهر العائلات، ويتمتّع بصفات نبيلة، يدعى بيزو، وانضم إليه عدد كبير من ضبّاط الجيش وكبار رجالات البلاد، لكن تمّ كشف أمرهم، وقام نيرون بتنفيذ محاكمة دمويّة قتل فيها أكثر من خمسة آلاف قتيل، وكان من بينهم سينيك معلّم نيرون، الذي قطع شرايينه قبل أن تصل إليه جنود نيرون، وكذلك فعل بيزو[21]. وهكذا تمكّن من السيطرة على هذا الانقلاب.

حقيقة إحراق نيرون لروما
من أشهر الحوادث المرعبة التي جرت خلال حكم نيرون ما يعرف بـ(حريق روما) حيث نشبت نار هائلة في المدينة التهمت قسمًا كبيرًا منها، وأحدث هذا الحريق رعبًا وهلعاً بين النساء والأطفال، وهلك عدد كبير من الناس، وتنوّعت الأقاويل عن سبب هذا الحريق[22]، وقد اعتقد الناس آنذاك اعتقادًا راسخاً أنّ ذلك الحريق، الذي دمّر روما وشوّهها، لم يكن إلّا عملًا من أعمال نيرون، وثمرة من ثمرات طيشه وفجوره، ولا يستغرب عن شخص اتصف بتلك الصفات أن يقوم بهذا العمل المرعب. ويُجمع عدد من المؤرّخين من أمثال تاستسوس وتونيوس وديوكاسيوس على اتهام نيرون بأنّه هو من أشعل النار، وأعاد إشعالها لكي يستطيع بناء روما من جديد، وليس هناك أدلّة قاطعة على إثبات التهمة أو نفيها، لكنّ معظم الوقائع وتصرّفات نيرون تثبت تورّطه، فنيرون يزعم أنّه فنان، وكان يضايقه ما في القصور التي ورثها من عيوب، ولذلك صمّم على بناء قصر جديد لنفسه[23].

وعندما شبّت النيران في روما عام 64م، والتي استمرّت لمدّة ستّة أيام، كان نيرون حينها في أنتيوم، ولم يأت إلى روما إلّا بعد مضي عدّة أيام، وعندما وصل إلى روما والنار تضرم فيها، وأنين المحترقين وعويل الأمّهات يشقّ عنان السماء[24]، أعجب نيرون بالمنظر وذهب إلى إحدى المسارح وراح يرقص طربًا، ونظم قصيدة تعبّر عن طغيانه يقول فيها:

أنا نيرون الجبّار!
أقتل من أشاء، وأملك ما أريد.
وأقطع الأعناق وأسفك الدماء
ولا يجرؤ أحد على أن يرفع في وجهي سيفًا
والأرض التي أحبها لا تغيب عنها الشمس
والناس جميعًا يخضعون لمشيئتي
لأنّني سيف حادّ يقصم ظهورهم قصمًا
ونار هائلة تحرق أجسادهم حرقًا!
أنا نيرون الجبّار
أنا نيرون الجبّار
أنا نيرون الجبّار

كلمات هذه القصيدة تعبّر عن إنسان مستبدّ وحاقد، ونتيجة لهذا أصبح هدفًا لكره ومقت يتأجّجان في صدور أبناء الإمبراطوريّة الرومانيّة كلّها[25]. وبعدها قام نيرون بمشروعه الخرافي في استغلال الأرض الخالية في بناء عدد من القصور والحدائق الغنّاء المزيّنة بالبحيرات الصناعيّة، وبالفعل بنى نيرون قصره الكبير المسمّى بالبيت الذهبي، وأقام في حديقته الغنّاء تماثيله الكثيرة، التي كان من بينها تمثال عملاق بلغ طوله مئة وعشرين قدمًا، بالإضافة إلى «روائع» النحت الإغريقي، التي جلبها الإمبراطور من بلاد الإغريق[26].

اضطهاد نيرون للمسيحيّة
لم تأخذ السلطات الرومانيّة المحليّة أمر المسيحيين على محمل الجدّ في بادئ الأمر، إلّا أنّها أخذت تبدّل موقفها، ومع ذلك كانت ترى في المسيحيين فريقًا من اليهود المتذمّرين وحسب، ولكنّ تبدلًا جذريًّا حصل على الوضع عام 64م بعد الحريق الكبير الذي نشب في روما. وذكر المؤرّخ تاسيت: لقد كان من غير الممكن قطع دابر الإشاعات التي اتهمت الإمبراطور نيرون بإشعال الحريق، عندئذ عزم نيرون أن يجد كبش الفداء، وكان طبيعيًّا أن يكون المذنبون أجانب غرباء، أي المسيحيّون، الذين كانوا خارج العلاقات والمعتقدات التقليديّة. على أيّ حال لم يكن نيرون مناهضًا للمسيحيّة من حيث المبدأ، وإنّما اعتبرهم كبش فداء ملائم[27].

فوجّه لهم تهمة إحراق روما، وأخذ يتفنّن في اضطهادهم حتّى إنّه لم يدع وسيلة من وسائل القسوة والتعذيب إلّا وارتكبها، وقد قرّر اعتبار كلّ من يعتنق المسيحيّة جناية تستوجب الموت، وقد أصدر هذا المرسوم استنادًا إلى الجريمة التي ألصقها بهم، وهي حريق روما[28].

وزيادة في التنكيل برعيّته، وغلوًا في القسوة والظلم، أمر بقتل الكثير من أقطاب المسيحيّة في عصره، من بينهم بولس وبطرس الرسوليّان المسيحيانّ وغيرهما، وقد أثارت هذه الوحشيّة ردّ فعل معاكس، فتحوّل عدد كبير من الرومان للتعاطف مع المسيحيين. [29]

نهاية الإمبراطور نيرون
استمرارًا لانغماس نيرون في ملذّاته الشخصيّة، سافر إلى بلاد اليونان؛ ليمارس هوايته المفضّلة في المشاركة في الألعاب الأولمبيّة والغناء في ربوع مدنها، وترك أمور الحكم في روما إلى أحد رفاقه المكروهين ويدعى هيليوس، الذي عكف على نهب الثروات، وأرهب السكّان بشتّى الوسائل، فامتلأ الناس سخطًا، وبدأت بوادر ثورة شعر بها هيليوس، فأخبر مباشرة نيرون، الذي لم يكترث في البداية، ثمّ قرّر العودة إلى روما عائدًا بجيش من الراقصين والممثّلين وثمانمائة جائزة، وأخذت أحوال روما تزداد سوءًا، ووسط هذه الأحوال أرسل فيندكس Vindex أحد زعماء فرنسا إلى غالبا Galba أحد أبناء العائلات الرومانيّة الشهيرة في إسبانيا، وكان يكبر نيرون بأربعين سنة، وكان نيرون قد عيّنه قائدًا لإحدى المقاطعات المهمّة في إسبانيا، فظلّ له خادمًا ومطيعًا إلى أن قام برحلته الماجنة إلى بلاد اليونان وما تبعها من انحطاط كبير في البلاد، فأرسل له فيندكس يدعوه للثورة، في البداية رفض غالبا، لكن فيما بعد وافق الانضمام إليه، وعندما علم نيرون بالثورة، قابلها بداية بالاستهتار والاستهزاء، لكن بعد تقدّم الثورة، وخاصّة بعد أن أعلن فيندكس نفسه سيّدًا على بلاد الغال وانضمام غالبا إلى جانبه بكامل فرقه العسكريّة وإعلان اتجاهه نحو روما، عندها أيقن نيرون أنّ هلاكه آت لا محالة، فقرّر الفرار من قصره، وقد تخلّى عنه كلّ رفاقه وحاشيته، فحاول الهرب مع بعض خدمه الذين حاولوا إنقاذه، واصطحب معه السمّ الذي اعتاد على استخدامه لقتل كلّ من يريد، لكنّه لم يجرؤ على استخدامه لنفسه، فشخص كنيرون يعشق الحياة، لا يقوى على قتل نفسه بالسمّ أو بغيره، وأصيب نيرون بحالة من الهذيان، فأخذ الخدم يهدّؤون من روعه، وعندما شعر أنّ الخطر يحدق به، نصحوه أن يقتل نفسه، فشعر نيرون أن لا مفرّ له، وخاصّة بعد أن نادى المجلس التشريعي بغالبا إمبراطورًا على روما، وأصدر أولى قراراته باعتبار نيرون عدوًّا للإمبراطوريّة والحكم عليه بالإعدام، عندها طلب من أحد خدمه ويدعى فاون أن يعطيه خنجرًا ليقتل نفسه، وعندما لم يجرؤ نيرون على ذلك، وسمع صوت حوافر الخيول تقترب من مكانه، قام أحد الخدم والتقط الخنجر وطعن نيرون طعنة الموت القاضية، وما كادت تصل تفاصيل الساعات الأخيرة إلى مسامع العامّة حتّى ساد الابتهاج والسرور روما، وهلّلوا لمجيء الإمبراطور الجديد[30]. فكان انتحار نيرون نهاية لسلالة أغسطس، ونهاية لظلمه واستبداده[31].

ثانيًا: الإمبراطور دوميتيان وحكمه لروما
نشأته وشخصيّته
والده فسباسيان الذي انحدر من أصل ريفي عريق، وكان ميّالًا للبساطة، نزّاعاً للفكاهة. تمّ وصوله للحكم بعد نهاية الحرب الأهليّة، التي نتجت عن انتحار نيرون. بدأ عهده بالتعمير والتدعيم، وتمكّن من إعادة السلام والهدوء للإمبراطوريّة[32]، وبثّ في المجتمع الروماني روحًا جديدة، وخلفه ابنه تيتوس، الذي تميّز بأنّه كان إداريًّا حازمًا. اعتبره المؤرّخون نموذجاً لما يجب أن يكون عليه الحاكم. اهتمّ أيضاً بالمشاريع العمرانيّة، ولكنّ فترة حكمه كانت قصيرة لا تتعدّى العامين 79-80م.

ورغم الجهود التي بذلها فسباسيان وتيتوس في تنظيم الإمبراطوريّة على نحو جديد، جاء دوميتيان ابن فسباسيان ليقلب أوضاع الإمبراطوريّة رأسًا على عقب، جالبًا على نفسه السخط والكراهية لاستبداده[33].
تميّز دوميتيان في صغره بأنّه كان شابًا متواضعًا لطيفًا، ولكن فيما بعد أصبح محبًّا للسلطة والنفوذ، متعطّشًا للقوّة والجبروت، وكان أبوه وأخوه قد أدركا ذلك من قبل، فحاولا الحدّ من نهمه بتحديد سلطاته، وإبعاده عن المناصب العسكريّة بالذات؛ وذلك لما أظهره منذ الوهلة الأولى لتأسيس أبيه لحكم الأسرة، فقبل أن يصل أبوه من الشرق لتولّي عرش الإمبراطوريّة رسميًّا، بدأ باستخدام السلطة باندفاع الشباب وطموحه المجنون، وفي هذا الوقت حاول فسباسيان ومن بعده تيتوس كبح جماحه قدر الإمكان، فقد تمّ منحه سلطات مدنيّة لا تتعدّى القنصليّة[34]. وخلال فترة العزل وجّه دوميتيان كلّ طاقته وجهوده إلى ميدان الدراسة، وانكبّ على دراسة أعمال وسيرة تيبريوس، الذي كان يقارن نفسه به، كما شغل نفسه بالشعر والقراءة، وخاصّة في مجال الحضارة الإغريقيّة، حتّى خرج وهو يرى الحياة الرومانيّة من منظار إغريقي[35].

ربّما كان سبب التحوّل في شخصيّته من إنسان لطيف خجول إلى إنسان مستبدّ ووحشي، هو غيرته من أخيه، حيث كان يحاول دائمًا أن يدبّر المكائد له سرّاً لإسقاطه، وعندما مرض أخوه عجّل له منيّته، فهناك من يذكر أنّه أحاط جسم أخيه المريض بالثلج[36]

وصوله للحكم وعلاقته بمجلس الشيوخ
بعد وفاة تيتوس هرع دوميتيان مباشرة إلى ثكنات الحرس الإمبراطوري، وحصل من الجنود على موافقتهم في ترشيح نفسه كإمبراطور حتّى قبل أن يبدي مجلس الشيوخ رأيه في ذلك، وربّما كان هدفه في ذلك وضع مجلس الشيوخ أمام الأمر الواقع، وقطع خطّ الرجعة على المعترضين على فكرة الخلافة بالتوريث، وربّما أراد تقليد أبيه. إنّ فسباسيان اعتبر انتخاب قوّات الشرق له هو التاريخ الرسمي لتولّيه الإمبراطوريّة، وبالفعل لم يجد مجلس الشيوخ بدًّا من الموافقة على هذا الترشيح، والإنعام على دوميتيان بالسلطات اللازمة والألقاب التقليديّة عام 81م[37].
كانت فترة حكم دوميتيان استبداديّة سافرة، ولم يكن الجيش موالياً له قلبًا وقالبًا بالرغم ممّا أسبغه عليه دوميتيان من أعطيات[38]. لم يخف دوميتيان منذ الوهلة الأولى نواياه في التحكّم والتسلّط الأوتوقراطي، فحرص على أن يتولّى منصب القنصل في كلّ مرة، بل غيّر منصب الرقيب إلى الرقيب الأبدي منذ عام 85م، وكذلك حرص على أن ينادى عرفيًّا بلقب المولى والربّ Dominus et Deus، خاصّة من جانب موظّفيه وكتّاب عصره، وجعل القسم بعبقريّة الإمبراطور شرطًا في كلّ عقد أو وثيقة، كما أنّه قلّد خلفاء أغسطس في تأسيس كهنة لعبادة أبيه وأخيه على غرار الهيئة الأوغسطيّة، إذ أسّس الهيئة الفلافيّة.

وبالرغم من أنّه نظر إلى مجلس الشيوخ نظرة وقار واحترام، إلّا أنّه لم يترك له الفرصة في التلاعب أو الخروج عن الحجم الذي أراده له مستغلًا في ذلك سلطته كرقيب[39]. ففي عهده فقد مجلس الشيوخ سلطته، فبثّ روح الحقد والانتقام لدى أعضاء مجلس الشيوخ، هذا إلى أنّ غرور دوميتيان لم يقف عند حدّ، فالغرور هو صفة من صفات الوضيعين، ومن مظاهر غروره أنّه ملأ الكابيتول بتماثيله، ونادى بتأليه أبيه وأخيه وزوجته وأخته، كما نادى بتأليه نفسه[40].

ومعلوم أنّ مجلس الشيوخ الروماني يرفض تأليه الأباطرة، وهذا هو السبب في السخط والنفور اللذين لقيهما نيرون ودوميتيان لمحاولة كلّ واحد منهما الخروج على هذا التقليد[41].

اضطهاده للمسيحيّة
عند أواخر القرن الأوّل الميلادي، وعلى امتداد القرن الثاني، أخذت تتزايد أعداد معتنقي المسيحيّة في أوساط المجتمع الروماني العليا، فاضطهد دوميتيان أعدادًا كبيرة منهم بتوجيه تهم الكفر بآلهة روما، فعلى سبيل المثال أعدم قريبه كليمينت وغيره الكثير[42].
أبى اليهود والمسيحيّون أن يعبدوا دوميتيان ويتّخذوه إلهًا، وأقسم الفلاسفة الرواقيّون ليقاومن كلّ مستبد جبّار، ويكرمنّ قتلة المستبدّين.

وفي عام 89م طرد دوميتيان الفلاسفة من روما، ثمّ أخرجهم من إيطاليا كلّها عام 95م، وكان قرار طردهم يشمل معهم المنجّمين؛ لأنّهم تنبؤوا بموت الإمبراطور، فوقع الرعب في قلب رجل خال من الإيمان ومستعدّ لقبول الخرافات والأوهام.
وفي عام 93م أعدم دوميتيان بعض المسيحيين؛ لأنّهم أبوا أن يقرّبوا القرابين بين يدي تمثاله، وكان دوميتيان قد تأثّر بمرسوم نيرون الذي اعتبر فيه أنّ كلّ من يعتنق المسيحيّة جناية تستوجب الموت[43].
من جهة أخرى يذكر أنّ دوميتيان أنشأ معابد في روما لكلّ من إيزيس وسرابيس، ورغم أنّ هذه الآلهة، وخاصّة إيزيس، معروفة ومعبودة من قبل في روما وإيطاليا، إلّا أنّه أنشأ معابد خاصّة بها، وذلك بمثابة اعتراف رسمي بها[44].

نهاية دوميتيان
كان من الأخطاء التي وقع فيها دوميتيان أن قذف الرعب في قلوب آل بيته أنفسهم، من ذلك أنّه أمر عام 96م بإعدام إيفرديتس Epaphraidtus أمين سرّه؛ لأنّه أعان نيرون على الانتحار قبل ذلك بسبع وعشرين سنة، وشعر كلّ من في بيته بالخطر، فاعتزموا أن يتّقوا شرّه بقتله.

ونتيجة لسياسة دوميتيان الوحشيّة وأسلوبه المتسلّط، سارع أقرب مواليه للتخلّص منه، وانضمّت إليهم زوجته بعد أن اقتنعوا جميعهم أنّ خطره واحد على من يواليه وعلى من يعاديه، إذ كان يخشى الجميع ويتّهم الجميع، وقبل أن ينفّذوا مشروعهم بحثوا عن خلف له، فوقع اختيارهم على شيخ جليلي يدعى برنا[45].
وفي الليلة السابقة لليلة مقتله، قفز من فراشه مذعورًا، ولمّا حلّت الساعة المتّفق عليها، وجّه أحد الخدم الضربة الأولى، واشترك معه أربعة عشر غيره في الهجوم.

قاوم دوميتيان هذا الهجوم مقاومة المجنون، ثمّ خرّ صريعًا، وكان ذلك في السنة الخامسة والأربعين من عمره، والخامسة عشرة من حكمه عام 96م، وعندما علم مجلس الشيوخ بالنبأ، مزّقوا ما كان له في قاعة المجلس من صور، وحطّموا ما وضع له فيها من تماثيل، وأمروا أن يحطّم كلّ ما في الإمبراطوريّة بأجمعها من تماثيل له، ومن نقوش يذكر فيها اسمه[46].

ثالثًا: تعليق على حقيقة بطش الإمبراطورين نيرون ودوميتيان
خلاصة القول نجد أنّه مهما حاول المستبدّ أن يفرض هيمنته وسلطته لا بدّ لجبروته من الزوال، فلا ظلم يدوم.
من جهة أخرى لا يوجد إنسان يخلق مستبدًّا بالفطرة، لكنّ ظروف نشأته الأولى والمحيط الاجتماعي الذي عاش فيه، هو السبب الرئيس في تكوين شخصيّته.

فنشأة نيرون في جوّ من المؤامرات والطغيان والمكائد، وكذلك دوميتيان وغيرته العمياء من أخيه، هذه الظروف جعلت منهما شخصيّات مستبدّة تبطش كيفما اتجهت، وهذا لا يعني أنّهما مجرّدان من كلّ خير، فنيرون كان مرهف الحسّ بالجمال، ودوميتيان في بداية حكمه كان قديرًا في حكمه، صارمًا فيه، وقام من خلف مظاهر الفجور والتقتيل نظام إداري حفظ للولايات قسطًا كبيرًا من النظام ربّما لفترة من الزمن. لكن مهما كان للإنسان من أعمال نيّرة إيجابيّة، جميعها تمحى بمجرد قيامه بظلم أو بطش بالعباد وقتل للأبرياء، فلا يجتمع سلام وطغيان، خير وشرّ. ونرى أنّ الغباء صفة ملازمة دائمًا للطغاة حتّى حين يريدون إسداء الحسن، إذا أرادوا إسداءه.

فنيرون ودوميتيان قرّب إليهما المتملّقين الذين لا يراعون أيًّا من قيم الأخلاق، واستبعدوا كلّ من سعى للمجد والحريّة، تميّزوا بغرورهما وعدم قبول النصيحة واستقلالهما في الرأي، وهذه هي صفات الإنسان المستبدّ، الذي يتحكّم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه، ويحوّل المجتمع إلى جثّة هامدة.

الخاتمة
إنّ الاستبداد داء تبتلى به الشعوب في بعض مراحل التاريخ، وهو أسوأ أنواع السياسة، وأكثرها فتكًا بالإنسان، وينتج عنه مجتمع محكوم بالظلم والطغيان، ممّا يؤدّي إلى التراجع في مرافق الحياة ووجوهها كافّة، وإلى تعطيل الطاقات وهدرها، وإلى سيادة النفاق والرياء بين مختلف فئات الشعب.
ونجد أنّ معظم الطغاة يلاقون حتفهم على أيدي المقرّبين إليهم، الذين إذا عرفوا طبيعة الطغيان، لم يستطيعوا الاطمئنان إلى إرادة الطاغية بقدر ما حذروا قوّته.
فنيرون قام بالثورة ضدّه غالبا Galba، أحد أبناء العائلات الرومانيّة الشهيرة في إسبانيا، وكان خادمًا ومطيعًا لنيرون، عندها قرّر نيرون الفرار من قصره، فتخلّى عنه كلّ رفاقه وحاشيته.
ودوميتيان سارع للتخلّص منه أقرب مواليه، وانضمّت إليهم زوجته بعد أن اقتنعوا جميعهم أن خطره واحد على من يواليه وعلى من يعاديه.
وهنا يظهر خطر المنافقين الذين يهيئون لأسيادهم كلّ الأفعال، ويتخذون كلّ القرارات ويسنّون التشريعات، حتّى يجعلوا منهم طغاة مستبدّين، ثمّ يسعون للتخلّص منهم.
أضف إلى ذلك، كما ذكر سابقًا، أنّ الظروف الأسريّة والنشأة الأولى لأيّ شخص تلعب دورًا كبيرًا في تكوين شخصيّة وسلوك هؤلاء الطغاة.


لائحة المصادر والمراجع
- العربيّة
1- السعدني: محمود ابراهيم: حضارة الرومان منذ نشأتها وحتّى نهاية القرن الأول الميلادي، عين للدراسات والبحوث، القاهرة، ط1 1998م.
2- الشيخ: حسين: الإمبراطوريّة الرومانيّة من النشأة إلى الانهيار، دار المعرفة الجامعيّة، القاهرة، 2007م.
3- العبادي: مصطفى: الإمبراطوريّة الرومانية، دار المعرفة الجامعية، بيروت، 1999م.
4- عبد اللطيف أحمد علي: الناس والحياة في زمن الرومان، دار النهضة العربيّة، القاهرة، 1073م.
5- عصمت: محمد: الطاغية نيرون، دار مشارق، القاهرة، ط1، 2009م.
6- الناصري: سيّد أحمد علي: تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة السياسي والحضاري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998م.

- المعرّبة
1- أبوت، جاكوب: نيرون، دار الروائع، بيروت، 1970م.
2- إيمار، اندريه–أوبوايه: جانين، تاريخ الحضارات العام، روما وإمبراطوريّتها، ترجمة: فريد م. داغر – فؤاد أبو ريحان،عويدات للطباعة والنشر، بيروت، ط1 2006م.
3- ديورانت، ول: قصّة الحضارة، ترجمة: محمّد بدران، ج1، مج3، دار الجيل، بيروت، 1988م.
4- ررلى، دونالد: حضارة روما، ترجمة: جميل يواقيم الذهبي – فاروق فريد، دار نهضة مصر، القاهرة، 1979م.
5- سفينسيسكايا: إ.س. المسيحيّون الأوائل والإمبراطوريّة الرومانيّة، ترجمة: حسّان مخائيل إسحق، منشورات دار علاء الدين، دمشق، ط1، 2006م.
6- قنزف: مرستو، تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة الاجتماعي والاقتصادي، ج1، ترجمة: زكي علي، محمّد سليم سالم، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1957م
7- لابويسيه:إتين دي: مقال في العبوديّة المختارة، ترجمة: مصطفى صفوان، دار العلم للطباعة، بيروت، ط1، 2002م.
8- لورو، باتريك: الإمبراطوريّة الرومانيّة، ترجمة: جورج كتّوره، دار الكتاب الجديدة المتّحدة، بيروت ط1، 2008م.
9- ورث: أ. ب. تشارلز،الإمبراطوريّة الرومانيّة، ترجمة: رمزي عبده جرجس، القاهرة 2003م.
10- مونتسكيو: تأمّلات في تاريخ الرومان، ترجمة: عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،المغرب، ط1، 2001م.
11- نيرون الطاغية: مجموعة من المؤلّفين، تعريب: محّمد حبيب مصطفى، المكتبة الملوكيّة، القاهرة، 1930م.

- المراجع الأجنبيّة
1. Baldwin, B; Excecutions under Claudius; Seneca ‘S Ludus de morteclaudii phoenix vol 18, 1964.
2. Barbara, Levick; theGovernement of the Roman Empire, croomheln London, 1985.
3. Levi; Mario; Neroneeisuoi tempi, Milano.
4. Perkins, Jerard; Antiquity, Roma,1956.
5. Scramuzza, V.M the Emper Claudius Harvard.university press, 1940.
6. Syme, Ronald The Roman Rrvolution Oxford ciarendon, press, 1939.


-----------------------------------
[1]*ـ دكتوراه في التاريخ-جامعة دمشق.
[2]- محمّد عصمت: الطاغية نيرون، دار مشارق، القاهرة، ط1، 2009م، ص4.
[3]- جاكوب أبوت، نيرون، دار الروائع، بيروت، 1970م، ص7.
[4]- سيّد أحمد علي الناصري: تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة السياسي والحضاري، دار النهضة العربيّة، القاهرة، 1998م،ص 159 انظر أيضًا: إتين دي لابويسيه: مقال في العبوديّة المختارة، ترجمة مصطفى صفوان، دار العلم للطباعة، بيروت ط1، 2002م، ص160.
[5]- MARIO. Levi; Neroneeisuoi tempi, Milano 1949, P69.
[6]- B. Baldwin, Excecutions under Claudius; Seneca ‘S Ludus de morteclaudii phoenix vol, 18, 1964. p42.
[7]- جاكوب أبوت: نيرون، ص70.
[8]- ول ديورانت: قصّة الحضارة، ترجمة: محمّد بدران، ج1، مج 3، دار الجيل، بيروت، 1988م، ص125.
[9]- V. M. Scramuzza, the Emper Claudius Harvard.university press, 1940, p92.
[10]- جاكوب أبوت: نيرون، ص74.
[11]- حسين الشيخ: الإمبراطوريّة الرومانيّة من النشأة إلى الانهيار، دار المعرفة الجامعيّة، القاهرة، 2007م، ص59.
[12]- محمود ابراهيم السعدني: حضارة الرومان منذ نشأتها وحتّى نهاية القرن الأوّل الميلادي، عين للدراسات والبحوث، القاهرة، ط1 1998م، ص173.
[13]- جاكوب أبوت: نيرون، ص165-167.
[14]- عبد اللطيف أحمد علي: الناس والحياة في زمن الرومان، دار النهضة العربيّة، القاهرة، 1073 م، ص130.
[15]- ول ديورانت: قصة الحضارة ج1، مج 3، ص130.
[16]- جاكوب أبوت: نيرون، ص175.
[17]- محمّد عصمت: الطاغية نيرون، ص102-103.
[18]- دونالد ررلى: حضارة روما، ترجمة جميل يواقيم الذهبي – فاروق فريد، دار نهضة مصر، القاهرة، 1979م، ص265- 266.
[19]- باتريك لورو: الإمبراطوريّة الرومانيّة، ترجمة: جورج كتّوره، دار الكتاب الجديدة المتّحدة، بيروت ط1، 2008م، ص81.
[20]- Levick Barbara; the Governement of the Roman Empire, croomheln London,1985, p16.
[21]- محمّد عصمت: الطاغية نيرون، ص109-125.
[22]- نيرون الطاغية: مجموعة من المؤلّفين، نعريب محمّد حبيب مصطفى، المكتبة الملوكيّة، القاهرة، 1930م، ص4.
[23]- ول ديورانت: قصّة الحضارة، ج1، مج 3، ص135-136.
[24]- نيرون الطاغية: تعريب محمّد حبيب مصطفى، ص98.
[25]- جاكوب أبوت: نيرون، ص185-186.
[26]- Jerard Perkins, Antiquity, Roma, 1956, p209.
[27]- إ.س. سفينسيسكايا: المسيحيّون الأوائل والإمبراطوريّة الرومانيّة، ترجمة: حسان مخائيل إسحق، منشورات دار علاء الدين، دمشق، ط1، 2006م، 116- 117.
[28]- أندريه إيمار – جانين أوبوايه: تاريخ الحضارات العام، روما وإمبراطوريّتها، ترجمة: فريد م. داغر – فؤاد أبو ريحان، عويدات للطباعة والنشر، بيروت، ط1 2006م، ص421.
[29]- إ.س. سفينسيسكايا: المسيحيّون الأوائل والإمبراطوريّة الرومانيّة، ص118.
[30]- محمّد عصمت: الطاغية نيرون، 155-160 انظر أيضًا: ول ديورانت: قصّة الحضارة، ج1، مج3، ص141.
[31]- أ. ب. تشارلز ورث : الإمبراطوريّة الرومانيّة، ترجمة: رمزي عبده جرجس، القاهرة 2003م، ص13.
[32]- م. رستوقنزف: تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة الاجتماعي والاقتصادي، ج1، ترجمة: زكي علي، محمد سليم سالم، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1957م، ص130.
[33]- تشارلز ورث: الإمبراطوريّة الرومانيّة، ص14.
[34]- سيّد أحمد علي الناصري: تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة السياسي والحضاري، ص214.
[35]-Ronald Syme, The Roman Rrvolution Oxford ciarendon, press,1939, p509.
[36]- دونالد ررلى: حضارة روما، ص273 انظر أيضاً ول ديورانت: قصّة الحضارة، ج1 مج3، ص154.
[37]- سيد أحمد علي الناصري: تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة السياسي والحضاري، ص217.
[38]- رستوقنزف: تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة الاجتماعي والاقتصادي، ج1، 175.
[39]- سيّد أحمد علي الناصري: تاريخ الإمبراطوريّة الرومانيّة السياسي والحضاري، ص218.
[40]- ول ديورانت: قصّة الحضارة، ج1 مج3، ص157.
[41]- تشارلز ورث: الإمبراطوريّة الرومانيّة، ص22.
[42]- إ.س. سفينسيسكايا: المسيحيّون الأوائل والإمبراطوريّة الرومانيّة، ص154.
[43]- أندريه إيمار – جانين أوبوايه: تاريخ الحضارات العام، روما وإمبراطوريّتها، ص421.
[44]- مصطفى العبادي: الإمبراطوريّة الرومانيّة، دار المعرفة الجامعيّة، بيروت، 1999م، ص136.
[45]- مونتسكيو:: تأمّلات في تاريخ الرومان، ترجمة: عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 2001م، ص142.
[46]- ول ديورانت: قصّة الحضارة، ج1، مج3، ص158.