البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

دراسة نقديّة في فلسفة القانون عند أوستن

الباحث :  أ.د. رابح بن غريب
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  34
السنة :  ربيع 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 26 / 2024
عدد زيارات البحث :  606
تحميل  ( 403.875 KB )
الملخص
مسألة العلاقة بين الأخلاق والقانون، هي علاقة شغلت الفكر الإنساني ككل، والفكر القانوني بشكل أكبر، حيث نكاد نقول إنه لا يمكن أن نجد نظرية في الفقه القانوني تخلو من جدل فكري حول القانون والأخلاق، فهي إشكالية تفرض نفسها بقوة على رجال القانون.
عرف الفكر المعاصر وجود مذاهب متناقضة بأفكارها وآثارها، فالطبيعيون ينادون بسموّ القانون الطبيعي والقانون الوضعي، وعلى العكس نجد الوضعيين يؤكّدون على الفصل بين القانون والقيم استنادًا إلى مبدأ نسبية القيم.

إلّا أن الواقع يؤكّد وجود ارتباط وثيق بين القانون والأخلاق، وأن القانون الوضعي لا يعد قيمة في حد ذاته، ولا يعد مقبولًا إلّا قياسًا بمدى توافقه مع مجموعة القيم الأساسية، وخصوصًا قيمة العدالة. فنجد النظام القانوني الوضعي الحديث يحتوي على العديد من النظم القانونية التي لا تفسَّر على أساس مبادئ العدالة والأخلاق، والأمن والاستقرار، من هذه النظم: الالتزام بمبدأ ردّ الإثراء بلا سبب، دفع غير المستحق، نظرية الوضع الظاهر، التقادم، نظرية الغبن وغيرها، كما أن النظام القانوني بقدر ما يكون مؤكِّدًا للقيم الأساسية التي يحملها، فإنه يكون فعّالًا بل نتجاوز في القول إذا قررنا أن القيم بالنسبة للقانون، وخصوصًا قيمة العدل، بمثابة الروح بالنسبة للجسد.

ترتبط فكرة الوضعية القانونية في بريطانيا بأسماء جيرمي بنتام (1748 -1832) وجون أوستن (1790 - 1859م)، وقد جرت العادة على تسمية الأخير حتى وقت قريب بـ «مؤسس فلسفة القانون الإنجليزي»، وقد نادى بفصل القانون عن أي قيمة خلقية، وعادى الكنيسة والقانون الطبيعي.

نتحدث في هذا البحث عن النظرية التحليلية القانونية لأوستن، ونقدها بل ونقضها.

الكلمات المفتاحية: أوستن، قانون، أخلاق، وضعية

المقدّمة
إن أول من استخدم كلمة الوضعية هو الفرنسي كونت الذي يعتبر مؤسّس المدرسة الوضعية، وهي تعني: أن المعرفة الوافية لا تتحقّق إلّا باستخدام الأسلوب العلمي في البحث عن الحقيقة من خلال الملاحظة وإخضاع النظريات للتجربة، وهكذا نبذت الوضعية فكرة المعرفة الفلسفية أو المسائل الميتافيزيقية الواقعة فيما وراء مملكة الملاحظة[2]. والوضعية لا تمثّل بمنهجها تاريخيًا إلّا ارتدادًا متطرّفًا عن المبادئ الكنسية التي كانت حاكمة في القرون الوسطى، لذلك فهي تمثّل ردّ فعل قوي نتيجة للممارسات السلبية للكنيسة في تلك العصور.

يلزمنا التنبيه في هذا الصدد إلى أنه يجب ألّا نفهم من هذا أن هذا المذهب هو وليد تلك اللحظة بالذات، وهو بالتالي معزول عن تاريخ تطور التفكير في القانون، وإنما هو وليد مخاض طويل وممتدّ في الفكر الفلسفي، حيث يمكن إرجاع أصوله الفلسفية إلى الفكر اليوناني، وتحديدًا مع الحركة السفسطائية ودفاع بعض روّادها عن فكرة القانون الوضعي في مقابل القانون الطبيعي.

وعليه، تشكّل الوضعية القانونية تتويجًا لمسار طويل من النقاش العميق حول ماهية القانون ومصادره.
ولكن في الواقع، إن التفريق بين القواعد القانونية والأخلاقية لم يحدَّد بصورة علمية واضحة إلا في العصور الحديثة، وبصورة خاصة في القرن الثامن عشر. أما في العصور السابقة فقد كان التداخل بين هذه القواعد كبيرًا إلى حدّ يصعب معه التفريق بينهما، بالرغم من أن الرومان قد عرفوا نوعًا من هذا التفريق. حيث إن أحد كبار فقهائهم بول (Paul) كان يقول: «إن ما يسمح به القانون لا يكون دومًا موافقًا للأخلاق»[3]، وهو يعني بذلك أن هنالك فارقًا بين القانون من جهة والأخلاق من جهة ثانية، ليعود الخلط بينهما في القرون الوسطى[4] عند الفقهاء الكنسيين الذين كانوا يتشدّدون في إقامة قواعد قانونية طبقًا للأصول الدينية والأخلاقية، ولم يبرز الفصل بين القانون والأخلاق بشكل واضح إلّا في العصور الحديثة، وبالتحديد في القرن التاسع عشر ميلادي على يد كل من(Thomasius) وكانط (Kant)[5].

في العصور القديمة، كان الدين هو المسيطر بين أغلب الشعوب، وكان ما يأمر به الدين يعتبر في الوقت ذاته موافقًا للأخلاق وواجب الاتّباع من الوجهة القانونية.

ولكن بوادر وملامح الوضعية كقانون بدأت تظهر على يد جيرمي بنتام صاحب المدرسة النفعية الذي يرى: أن السلوك البشري يُقاس بمقدار اللذة والألم، وسعادة الإنسان تزداد بازدياد الألم، وسعادة كل إنسان مساوية لقيمة سعادة إنسان آخر؛ لذا رفض ارتباط القانون بأي مبدأ آخر، بحيث احتقر القانون الطبيعي ورفض ارتباط القانون بالدين والأخلاق[6].
وعلى هذا المبنى النفعي المستقل عن الدين والأخلاق والقيم والقانون الطبيعي شيّد القانون الوضعي بناءه، وكانت جلّ مشاكل العصر المعقّدة تنبع من تموّجات هذا المبنى والبناء.
وعلى هذا المبنى الذي أرسى القانون الوضعي مبادئه ظهرت الكثير من الثغرات والعيوب التي جعلت منه قانونًا خادمًا لمصالح القوى النافذة أكثر من كونه خادمًا للعدالة[7].

وكون أن التشريع الوضعي هو بيد الحاكم والسلطة، فقد دفع ذلك بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن طبيعة القانون الوضعي تقود نحو الاستبداد والدكتاتورية؛ إذ إنّ «الوضعية القانونية برفضها الاعتراف بنظام أخلاقي يضبط الشرعية القانونية أفسح المجال أمام الدكتاتورية الاستبدادية لكي توجّه القوانين والذين ينفّذونها لاقتراف أبشع المظالم تحت ستار السلطة القانونية»[8].

وبما أنّ القانون الوضعي قد فصل نفسه عن الأخلاق والدين وقيم القانون الطبيعي، فإنّه يجد صعوبة كبيرة في إقناع المحكومين بضرورة الالتزام الطوعي والإرادي بالقانون؛ لذلك فإنه يعتمد على الإكراه المادي ممثّلًا بالإكراه البدني بشتى الأشكال، ومن المؤكّد أن القوة المادية وحدها لا تستطيع حفظ النظام الاجتماعي وذلك لطبيعتها الغريبة، فهي تستبدل بالعلاقات الاجتماعية علاقات آلية، والحقيقة أن المغالاة في استعمالها معناه أن النظام الاجتماعي قد تصدّع[9].

ومن هنا نرى أن القانون الوضعي لم يستطع حل المشاكل وإحلال الأمن، بل على العكس من ذلك ازدادت الجرائم والانتهاكات وخاصة في المجتمعات الغربية التي تعتبر متطورة من الناحية القانونية.

المبحث الأول: الوضعية القانونية وأزمة العلاقة بين القانون والأخلاق عند أوستن
كان للروح العلمية التي سيطرت على القرن التاسع عشر تأثير شاسع على مختلف الحقول الفكرية بما فيها تلك التي تنتمي إلى مجال العلوم الإنسانية، حيث استطاعت هذه النزعة العلمية أن تنفذ بسلاسة إلى عدة فروع من مجال العلوم الاجتماعية وتؤثر فيها، وهو الأمر الذي يتضح بشكل بارز مع وضعية «أوجست كونت (1857 -1798) August Comte» ومحاولته تأسيس علم الاجتماع على أسس علمية، لتشتدّ صلابة هذا الحلم العلمي ويضحى أكبر مما سبق، وينتقل إلى فروع علمية أخرى.

ويعدّ القانون من بين هذه الفروع التي سعى رجالها نحو التأسيس لنظريات قانونية تقوم على مرتكزات علمية، محاولةً أن تجعل من نفسها علمًا ذا منهج وموضوع مستقّلين، ويشكّل المذهب الوضعي أو الوضعية القانونية النموذج الذي يعترف لنفسه بهذا التوجّه العلمي في القانون. وقد مثّلت هذه الحركة ردّ فعل ضد طرق التفكير الميتافيزيقية التي ميّزت العصور السابقة، والتي سيطرت عليها فكرة القانون الطبيعي.

عرف هذا المذهب انتشارًا واسعًا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولا زال تأثيره مستمرًّا حتى اليوم وبشكل بارز في العالم الأنجلوسكسوني، إذ يمكننا القول إن الوضعية القانونية تشكّل نموذجًا جديدًا للتفكير في موضوع القانون إلى جانب نظريات أخرى أهمها نظرية القانون الطبيعي.

ويشير لفظ «وضعية» Positivism إلى معان كثيرة منها:
1. إن القوانين عبارة عن أوامر صادرة من السلطة العامة.
2. عند تحليل المفاهيم القانونية يجب أن يكون بعيدًا عن التقويم الاجتماعي والتاريخي لها.
3. إن استنتاج القوانين يتم منطقيًّا من قواعد محدّدة سلفًا دون اللجوء إلى الأهداف الاجتماعية أو السياسية أو الأخلاق.
4. إن الأحكام الأخلاقية لا يمكن أن تنشأ أو يمكن الدفاع عنها بالجدل العقلاني.
5. الفصل التام بين القانون كما هو كائن بالفعل، والقانون كما ينبغي أن يكون[10].

والمعنى الأخير هو المرتبط حاليًا بمفهوم المدرسة الوضعية، ويشير إلى أنه لإيضاح المفاهيم القانونية وعرضها المنظم، يجب الإصرار على فصل مسألة القانون كما هو كائن فعلًا عن مسألة ما يجب أن يكون عليه القانون. يضاف إلى ذلك، أن الوضعية القانونية تعبّر عن الفترة التي أعقبت انتقال المجتمعات الأوربية إلى النظام الرأسمالي، فالوضعية في هدفها تعمل على تقديس النظام القانوني القائم دون الاهتمام بالاعتبارات غير القانونية.

المطلب الأول: الفصل بين القانون والأخلاق عند أوستن:
ترتبط فكرة الوضعية القانونية في بريطانيا بأسماء جيرمي بنتام (1748 -1832) وجون أوستن (1790 - 1859م)، وقد جرت العادة على تسمية الأخير حتى وقت قريب بـ «مؤسس فلسفة القانون الإنجليزي».

وقد لَاقت الوضعية القانونية انتشارًا واسعًا، وذاع صيتها في مختلف الأوساط الفكرية وخصوصًا في المجال الأكاديمي المهتم بالفقه القانوني، حيث أضحت تشكّل نموذجًا معرفيًّا جديدًا للتفكير في القانون وما يتعلّق به من قضايا شائكة من قَبيل طبيعة الأحكام القضائية وما تثيره من نقاش في فضاءات المحاكم وداخل النظريات القانونية.

وكامتداد لهذه الشُّهرة الكبيرة، وكاستمرارية في التطوير والتنقيح للعمود الفقري لهذه النظرية، تُشكّل الصيغة التي وضعها رائد الفقه البريطاني الشهير «جون أوستين (1970 -1859)»
John Austin أبرز نموذج للوضعية القانونية في القرن العشرين وأوضح مثال لها. ونظرية القانون الوضعي للفيلسوف أوستن نجد لها تسميات مختلفة، فتارة يُطلق عليها اسم المذهب الوضعي التحليلي Analytical Jurisprudence، وتارةً أخرى النظرية الآمرة أو نظرية الأمرCommand Theory، والذي تشكل أعماله في هذا الصدد المصدر الرئيسي للفقه الوضعي في القانون.
اهتم جون أوستين، وهو أحد جهابذة الفقه القانوني ببناء نظرية عامة للقانونGeneral Jurisprudence بروح علمية، حيث عرض مذهبه التحليلي في سلسلة محاضرات، ومعها نشأت نظريته لأول مرة في سنة 1832م Lectures on Jurisprudence ثم نُقّحت وأعيد طبعها عدة مرات.

يرى أوستن ضرورة وضع نظرية عامة للقانون General Jurisprudence يعنى فيها لا بدراسة مضمون التشريعات المختلفة، بل بدراسة المبادئ والمفاهيم والتصانيف المشتركة بين النظم القانونية الوضعية المختلفة والتي لا غنى عنها في كل نظام قانوني، دراسة يتجنّب فيها كل تقويم للنظم أو للقواعد القانونية وكل تطبيق لمعايير مسبقة، ويرى أن النظم القانونية التي تتخذ أساسًا لهذه الدراسة يجب أن تكون نُظمًا متقدّمة اكتمل تطوّرها حتى يمكن أن تستنبط منها أسس صحيحة. ترتكز أساسًا على دراسة القانون كما هو؛ أي القانون الموجود لا كما ينبغي أن يكون، وتحاول منح تفسير علمي للقانون ولما يتعلّق به من أفكار ومفاهيم وكل ما يشكّـل الهيكل التفصيلي للنظام القانوني، وهكذا «تطور علم قانون أوستن وفق قواعد تحليل المفاهيم القانونية»[11]. نظرية تدخل ضمن نطاق البدايات الأولى لانبثاق نمط التفكير الوضعي في القانون.

وهو لذلك يستبعد من دراسته كل التصوّرات أو الافتراضات القانونية التي لجأ إليها أسلافه كفكرة العقد الاجتماعي أو القانون الطبيعي وكل الأفكار الفلسفية التي ازدحم بها عصره، ويقصر بحثه على الواقع القانوني الأكيد ويتناول بالتحليل العناصر التي يتكوّن منها من مبادئ أساسية ومفاهيم رئيسة وتعاريف وتصانيف... ويُعمِل فيها أساليب المنطق يستخرج منها مفاهيم قانونية أخرى، ويخرج من ذلك كله بتعريف القانون بأنه أمر يصدره الحاكم بصفته رئيسًا سياسيًا إلى أشخاص خاضعين لسلطته ويتعيّن عليهم إطاعته[12].
وأساس تسمية هذه النظرية بالتحليلية على إيلائها أهمية قصوى للتحليل التصوري للمفاهيم المركزية في القانون (الجزاء، الجريمة، الالتزام ...إلخ)؛ وذلك لأن إدراكنا للظاهر مرتبط بوَعينا الحادّ بالكلمات أو المفاهيم التي ندرك بها هذه الظواهر[13]. وهناك من يعترض على تسمية نظريته هذه «بالفقه التحليلي»، ويرون أنها اختراع الحقوقيين البريطانيين في القرن التاسع عشر[14]. فيما يرتبط بالاسم الثاني بطبيعة تعريفها لماهية القانون.

لقد وضع كانط جدارًا فاصلًا بين الأخلاق والقانون عمومًا، كما ابتكر فكرة: الأخلاق العملية، وهي الأخلاق كما هي كائنة في الواقع العملي والأخلاق العليا والتصورية، وهي ما يجب أن تكون عليه؛ ولأن القانون علم تجريبي في الأساس، فإن توافقه مع الأخلاق يكون على أساس التطابق مع ما هو كائن فعلًا، ولا يمكن أن يتطابق مع ما يجب أن يكون.
ويبدو أن أوستن، راقت له تلك الفكرة فنقلتها إلى مجال علم القانون، مع إضفاء بعض التعديلات عليها، فالقانون الوضعي القائم يعبّر عما هو كائن، أما القانون المثالي والمتطابق مع الأخلاق وفقًا للتصوّر الذي يتبنّاه كل شخص، هو ما يجب أن يكون. وأصرّ أوستن على وجوب الفصل بين القانون كما هو كائن، والقانون كما يجب أن يكون والذي يمثّل المضمون الأخلاقي؛ لذا كان احترام القانون الوضعي أحد أهم غاياته.

فالقانون الوضعي هو تعبير عمّا هو قائم، وأيًّا كان انتقادنا له فلا يقلل ذلك من قيمته كقانون، ولا يبرّر الخروج عليه طلبًا لما يجب أن يكون.
والملاحظة المهمّة أن تلك النظرية تبلورت في الفترة التي قامت فيها الثورة الفرنسية رفضًا للأوضاع التي سادت فرنسا، بما في ذلك القوانين التي اعتبرها الثوّار ظالمة وغير عادلة، ورغبة في تحقيق ما يجب أن يكون، ومن ثم فإن المذهب النفعي كان يهدف إلى تحصين المملكة البريطانية من تأثير الثورة الفرنسية المزلزلة في ذلك الوقت، فسعت بكل جهدها إلى تبرير ما هو كائن.
ويبدأ بالفلاسفة النفعيين، فيعرض نظريتهم بتناول بعض ما يعتبرونه من المسلمات، فأولًا يجب التفرقة بين وجود القانون، وتقييمنا لهذا القانون، فالسؤال حول وجود القانون يختلف عن السؤال عن كونه مناسبًا أو غير مناسب، فالقانون القائم، هو قانون، بغض النظر عن مدى حبّنا له أو استهجاننا لأحكامه، إن تلك الفكرة التي يطرحها أوستن، بسيطة من وجهة نظره، لدرجة أنها لا تحتاج إلى سرد الشواهد الواقعية على صحّتها.

ويشير جون أوستن على ما قاله سير وليام بلاكستون Sir William Blackstone إلى أن: «أرفع التشريعات إلزامًا هو التشريع الإلهي، ومن ثم لا تكون التشريعات الإنسانية قانونًا إلّا إذا وافقت التشريع الإلهي»[15]، ثم يعلّق عليه بقوله أنه فيما لو كان معنى ذلك أن كل التشريعات الإنسانية يجب أن تتطابق مع التشريع الإلهي، فإنه يوافق على ذلك المعنى بلا تردد، ويوافق أيضًا على ما يذهب إليه بلاكستون لو كان المقصود أن التشريع الإلهي يلزِم المشرّعين من البشر، وأن مخالفتهم له تعني أن عقوبة إلهية تنتظرهم في الآخرة، غير أنّ ما لا يقبله أوستن هو تفسير تلك العبارة بأنها تعني أن أي تشريع من صنع الإنسان يتعارض مع التشريع الإلهي فإنه يفقد شرعيته وإلزاميّته، ولا يعتبر قانونًا؛ لأن هذا الرأي الأخير يعني الفوضى وغياب القانون.
والقانون، في نظر أوستن، هو القانون الوضعي القائم، وعلم القانون «هو ذلك العلم الذي يهتمّ بمعرفة القواعد القانونية الصادرة عن الدولة»، أما العلم الذي يسعى إلى التعرف عما يجب أن يكون، فهو علم الأخلاق السياسية.

ويرى أوستن أن أغلب التشريعات الخبيثة التي تتعارض مع القوانين الإلهية، تبقى، رغم خبثها، ملزمة بواسطة المحاكم.
يقول بعض الفقهاء: «ولعلّ هذا ما دفع أحد الفقهاء الإنجليزيين (أوستن) إلى ضم كِلا المفهومين (الأخلاق والقانون) تحت ظل نظرية واحدة أطلق عليها «النظرية المعيارية»، معتبرًا إيّاها مجموعة من الأفكار والقيم التي يحملها الناس في مجتمع معين، نابعة من التراكم الذي خلّفته التفاعلات الاجتماعية، حيث إن قيام بنيان هذه النظرية يمكن من خلاله ضبط وتوجيه نطاق غير محدود للسلوك البشري»[16].

وهكذا، فالأطروحة التي تتناول الفصل بين القانون والأخلاق، لا تعني أبدًا أن محتوى القواعد القانونية لا يتطابق مطلقًا مع ما هو أخلاقي[17]، بل تعني فقط أنّ لكلٍّ مجاله، ومعناه، ومغزاه، إذ من الأهمية البالغة ألّا نخلط بين هذين المجالين، دون أن يعني ذلك إنكار وجود بوادر الاتصال والتعاون بينهما، «فالنظرية الخالصة للقانون إن كانت تفصل بين فكرة القاعدة القانونية والأخلاقية، فهذا الفصل ليس معناه جعل القانون مخالفًا للأخلاق (immoral)، وإنما يعني فقط جعله بمعزل عنها» (ammoral) [18].

المطلب الثاني: نقد فقهاء الوضعية الحديثة لمذهب أوستن:
وقد تعرّضت نظرية أوستن هذه إلى نقد شديد، ومن أهم من وجّه إليها انتقادات وجيهة العميد هاربرت هارت H.Hart[19] أبرز فقهاء الوضعية القانونية في القرن العشرين، يقول هارتHart أنه عندما أصر بنتام وأوستن على التمييز بين القانون كما هو وكما ينبغي أن يكون، كانا يضعان في اعتبارهما قوانين معينة كانت معانيها واضحة، وبذلك لا تكون محل نزاع، وأن تلك القوانين وإن كانت غير مقبولة من الناحية الأخلاقية، فإنها تظل قوانين.

ويرى هارت أن هناك تعقيدًا رئيسيًا اختلط على النقّاد كثيرًا، فيجب أن نذكر أن النفعيين وحّدوا، مع إصرارهم على فصل القانون عن الأخلاق، مبدأين آخرين على نفس الدرجة من الأهمية: أحدهما تمثّل في الحقيقة المهمّة والقائلة بأن الدراسة التحليلية البحتة للمبادئ القانونية، وهي دراسة لمعنى المفردات المتميزة للقانون حيوية لفهمنا لطبيعة القانون[20]، والمبدأ الثاني هو نظرية الأمر Impérative القائلة بأن القانون في الأساس هو أمر.
هذه المبادئ الثلاثة تشكّل التراث النفعي في فلسفة التشريع، ومع ذلك فهي وفقًا لرأي هارت مبادئ منفصلة ومتميزة، ومن الممكن الموافقة على فصل القانون عن الأخلاق وتقويم الدراسات التحليلية لمعنى المفاهيم القانونية، ولكن من الخطأ النظر إلى القانون باعتباره أمرًا، ووفقًا لذلك يرى هارت أن أحد مصادر الخلط في مبدأ فصل القانون عن الأخلاق تمثّل في الاعتقاد بأن زيف واحدٍ من تلك المبادئ الثلاثة في التراث النفعي يثبت أن الآخرين زائفان أيضًا.

وفي نقد فكرة الأمر عند جون أوستن يؤيّد العميد هارت نقّاد أوستن من الفقه الأمريكي مثل جرايGray (1839 - 1915)[21] القائل أن أوستن كان مخطئًا حينما عامل قانون الدولة كما لو كان أمرًا للحاكم[22]، في حين وجد هارت أن بعض النقّاد الآخرين كانوا يظنّون أن عدم كفاءة نظرية الأمر كافية لإيضاح زيف فصل القانون عن الأخلاق.
ويضيف هارت، إن النفعيين كانوا ينظرون للأمر على أنه تعبير عن إرادة أحد الأشخاص، مصحوبة بعقوبة لمن يعصي ذلك الأمر، والأوامر تكون قوانين إذا تحقّق لها شرطان: الأول: يجب أن تكون عامّة، ثانيًا: يجب أن تصدر كما يزعم كل من بنتام وأوستن من شخص أو مجموعة أشخاص يتلقّون الطاعة المعتادة من معظم المجتمع، ولكنهم لا يقدمون الطاعة للآخرين، وهؤلاء الأشخاص هم سادة هذا المجتمع.

ويصف هارت هذا الوصف للقانون بأنه: «وصف قديم وبالٍ»، فالموقف الذي يصفه الثالوث: الأمر، العقوبة، الحاكم يشبه حامل بندقية يقول لضحيّته: «أعطني نقودك أو حياتك»، والفرق الوحيد هو أنه في حالة النظام القانوني يقول حامل البندقية ذلك لعدد كبير من الأفراد اعتادوا الابتزاز ويستسلمون له بشكل معتاد، ومن المؤكّد أن القانون ليس حامل البندقية، وأن النظام القانوني لا يتطابق مع القسر[23].

ثم يبدأ العميد هارت في نقد فكرة الأمر عند أوستن: فيقول إنه من الخطأ أن ننظر إلى الهيئة التشريعية ذات العضوية المتغيرة كمجموعة أشخاص تجب طاعتهم بشكل معتاد، فهذه الفكرة البسيطة تلائم ملكًا عاش فترة طويلة من الزمن تكفي لنمو عادات، وأن كل ما يفعله المشرّعون لا يعدّ قانونًا إلا إذا كان يتطابق مع قواعد أساسية مقبولة تحدد إجراءات صنع القانون[24].
وهذه القواعد الأساسية هي التي تحدّد ما يجب أن تفعله السلطة التشريعية، وهذه بطبيعة الأمر ليست أوامر واجبة الطاعة بشكل معتاد، كما لا يمكن أن توصف كعادات[25]، ويرى هارت أن تلك القواعد موجودة في قاع النظام القانوني، ولم يتطرّق إليها النفعيون رغم أنها تمثّل مفتاح علم فلسفة التشريع، وليس فكرة الأمر التي قال بها أوستن.

من جهة أخرى، فقد أوكل أوستن في حالة الديمقراطية الأمر على الناخبين باعتبارهم «الحاكم» أو جزءًا منه كما في إنجلترا، وكان يعتقد كذلك أن الناخبين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين ينتخبون الهيئات التشريعية للولايات والهيئات التشريعية الفيدرالية هم «الحاكم» وأن ما يصدره وكلاؤهم في الهيئة التشريعية قانونًا، ومن هنا تنتهي آراء أوستن إلى طاعة «الجميع للجميع» أي أنّهم يطيعون أنفسهم.

ويضيف هارت، أن هذا الأمر غير صحيح عندما نعلم بأن عادة مثل خلع القبعة عند دخول الكنيسة إذا مثّلت بطاعة معتادة بواسطة الجماهير لأشخاص معينين، فإنها تصبح قانونًا وفقًا لرأي أوستن.

مرة ثالثة، إن الصورة التي ترسمها نظرية الأمر للحياة في ظل القانون هي علاقة بسيطة بالمأمورين، علاقة الأعلى بالأدنى، علاقة القمة بالقاع، وعلاقة رأسية بين المأمورين والآمرين أو صانعي القانون، وفي هذه الصورة لا يوجد مكان اتفاقي يمنح الفرق بين أنواع القواعد القانونية التي تختلف اختلافًا جذريًا في الواقع.

فبعض القوانين تفرض على الأفراد العمل أو الامتناع عن العمل سواء أرغبوا في ذلك أو لم يرغبوا، ويشمل القانون الجنائي قواعد من هذا النوع، وهذه القواعد إما أن تطاع أو لا تطاع، ولكن هناك قواعد قانونية أخرى تقدم للمجتمع تسهيلات واضحة للأفراد لخلق بنيات قانونية داخل الإطار القسري للقانون، وتلك القواعد تمكّن الأفراد من عمل عقود، ووصايا، وائتمانات، وهذه القواعد على عكس القانون الجنائي ليست مصمّمة لتعيق رغبات الناس، ولكن على العكس توفر لهم تسهيلات لتحقيق الرغبات. ويؤمن هارت أن تلك القواعد التي تمنح الحقوق منفصلة عن الأوامر[26]، ولكن هذا ليس معناه أن تكون قواعد أخلاقية أو تتحتم أن تتوافق معها، والحقوق –كما يقول - توجد في قواعد الاحتفالات الدينية، والألعاب، وفي مجالات كثيرة أخرى تنظّمها قواعد أخرى غير ملائمة لفكرة العدل أو ما يجب أن يكون عليه القانون، كما لا يشترط أن تكون القواعد جيدة من الناحية الأخلاقية، وتبين لنا حقوق السيد على العبد هذا الأمر[27].

لكن، كيف ينظر هارت في وضعيته لهذه العلاقة؟ وما دام هارت فقيهًا ينتمي للوضعية القانونية وأبرز ممثليها في القرن العشرين، ونحن نعلم موقف الوضعية القانونية بشكل عام من الأخلاق، فما موقفه تحديدًا من حضور الأخلاق في القانون؟

يدخل هارت ضمن الوضعيين الذي لا ينادون بأطروحة الفصل التامّ بين القانون (القانون كما هو) والأخلاق (القانون كما ينبغي أن يكون)، ولا يعتبرون الاتصال بينهما ضروريًا ولا بد منه، فلا هو بمرفوض ولا هو بضروري. يسلّم بأن مسار تطور القانون تأثّر في واقع الأمر وبشكل عميق بالأخلاق والمثل الاجتماعية التقليدية لفئات مجتمعية معينة، وكذلك بمختلف أشكال النقد الأخلاقي المستنير التي ترمي إلى توجيه القانون نحو مرامٍ أخلاقية، غير أنه يأخذ هذه المسلّمة على أنها حقيقة غير قانونية، وإنّما كمبرّر لقضية أخرى، وتتجلّى في ضرورة أن يتضمن النظام القانون نوعًا من التوافق مع الأخلاق، أي أن يجعل من تحقيق العدالة هدفه الموّجه، وأن يساهم هذا التوافق في إرساء فكرة الالتزام الأخلاقي بطاعة القانون بين مختلف أفراد المجتمع[28].

إن ما يرفضه هارت في مسألة العلاقة بين القانون والأخلاق هو تلك القناعة المترسّخة عند المتشبّثين بنظريات القانون الطبيعي المدافعة عن فكرة فحواها أن الطبيعة تتضمن مبادئ معينة للسلوك البشري تنتظر من العقل البشري اكتشافها، وهو ما يفرض على القانون الوضعي ضرورة معها، أي مع قوانين الطبيعة وأن يكون تابعًا لها، وهو ما يعتبره سوء تقدير في استيعاب المقصود من المفهوم العام للطبيعة، ويرى أن في هذا الكلام إصرارًا على التفاهات السطحية وتجاهلًا للحقائق العميقة. إن المشكل العويص هنا والذي يجب أن تنبّه له هذه النظريات هو ضرورة الفصل بين ما يحدث في الواقع وبين ما يجب أن يحدث، وهو ما تتغاضى عنه وتقلل من قيمته النظرية الغائية للطبيعة، الشيء الذي ينعكس سلبًا على وجهة نظرها لهذه المسألة، ويجعلها تعتبر الأخلاق مرجعية أساسية في صياغة القانون، لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه لتعتمد القيم الأخلاقية كمعيار للبتّ في الصلاحية القانونية، وهو الأمر الذي يرفضه هارت رفضًا قطعيًّا، على اعتبار القانون قانونًا ولا يمكن الاستناد إلى الأخلاق التي تعدّ الذاتية والنسبية من سماتها البارزة، إذ لا يوجد اتفاق عام حول مقياس أخلاقي مشترك بين مختلف أفراد المجتمع يمكن اعتماده للحكم في صلاحية القواعد القانونية الوضعية التي تأتي كنتاج للتوافق. وهكذا يأتي رفض هارت للعلاقة بين الأخلاق والقانون في الحالة التي يتم فيها تقويم القوانين والحكم على صلاحيتها بالاستناد إلى الأخلاق والتي هي أخلاق ذاتية من وجهة نظره، وذات طبيعة نسبية.
عمل هربرت هارت إذًا على التأسيس لنظرية قانونية تجعل من الوضعانية القانونية مرجعية لها، تبني على أسسها وتدافع عن تصورها للقانون.

افتتح هارت مسار اشتغاله بمحاولة تجاوز الهفوات التي سقطت فيها الوضعية القانونية مع المؤسسين الأوائل وتقويض بعض قضاياها، وهو ما يتضح من خلال النقاش العميق الذي فتحه هارت مع من أحد جهابذة الفقه القانوني ومؤسسي المذهب الوضعي وهو جون أوستين. لينتقل بعدها نحو صياغة نظرية جديدة أكثر قوة تبني على ما سبق وتستفيد منه، وتؤسّس لتصوّر قانوني يتجاوب مع الواقع المجتمعي الحالي ولرهاناته. جعل من القواعد القانونية الركيزة الأساسية للهيكل الفكري لنظريته، معتبرًا بذلك أنّ القانون عبارة عن نظام من القواعد، والتي تتوزع حسب وجهة نظره على صنفين: قواعد أوّلية تنكبّ على تحديد الواجبات وبيان الالتزامات التي يجب الانصياع لها، وهي قواعد سادت في المجتمعات البدائية تحديدًا، وقواعد ثانوية تمنح الصلاحية والسلطة للتعديل والتغيير في القواعد الثانوية وتحديدها للكيفية التي يتمّ بها هذا العمل وحدّدتها في قواعد ثلاث: قاعدة التغيير، قاعدة إصدار الأحكام وقاعدة التعرف، وتعّد هذه الأخيرة القاعدة الأساسية للقواعد الثانوية؛ إذ تشكّل معيار تحديد صلاحية القوانين، رافضًا بذلك أي تدخّل للأخلاق في الحكم على القوانين وتوييم صلاحيتها، بحجة أن الأخلاق نسبية والتقويم يكون على أساس ذات،ي وبالتالي لا يمكن إخضاع القواعد القانونية لتقويم من هذا الشكل.

شكّـل هذا التصور الأرضية (الخصبة فكريًا، الملأى بالتعقيد) التي سينطلق منها الفيلسوف الأمريكي، وأحد أبرز فلاسفة القانون المعاصرين، رونالد دوركين[29] في التأسيس لنظريته القانونية التي تدافع عن المبادئ الأخلاقية، وتعتبرها إلى جانب القواعد عنصرًا ضروريًا في صياغة القوانين، وحلًّا ناجعًا يلزم الأخذ به لحظة البتّ في القضايا التي تعرض على المحاكم، وخصوصًا تلك التي تكون جديدة، رافضًا بذلك بعض الأسس التي تعتبرها الوضعية بشكل عام وفي الصيغة التي وضعها هارت ركائزها المتينة، كاشفًا على تهافتها وضعفها في مواجهة بعض القضايا الصعبة، محاولًا الانتقال من نظريــة القـواعــد (وضعية هارت) إلى نظريــة تقوم على المبـادئ الأخلاقية.

المبحث الثاني: نقد أوستن والمدرسة الوضعية عند فقهاء القانون المحدثين: الإقرار بارتباط القانون بالأخلاق:
لقد تكوّنت أخيرًا مدرسة سُمّيت المدرسة النفسية (L'école psychologique) بزعامة الفقيه الفرنسي جورج ريبير وجوسران وروبييه، وهي ترى أنه ليست هناك حدود فاصلة بين القانون والأخلاق، وأن القاعدة تبدأ خلقية ثم تتدرّج في القوة حتى تصير قانونية، وأن القانون -كما يقول جوسران - ليس إلا الأخلاق الاجتماعية خلعت عليها الدولة حمايتها، وأن احترام الإنسان للقانون -كما يقول ريبير - لا يتأتّى إلا لكونه قائمًا على أساس من الأخلاق[30]. وتابعهم أغلب فلاسفة القانون المحدثين بالمناداة بقانون ذي مضمون أخلاقي.

المطلب الأول: القانون الأخلاقي في فلسفة القانون الحديثة
بالرغم من الفوارق التي تميّز القانون عن الأخلاق، فالصلة لا تزال قوية جدًا ومتينة بين القانون من جهة والأخلاق من جهة ثانية، وهي ستظل أبدًا قوية متينة، فالقاعدة الأخلاقية، كما يقول ريبير (Ripert)[31] تحاول دائمًا أن تصبح قاعدة قانونية، والقواعد القانونية، كما يقول جوسران (Josserand)[32] مستمدّة في أغلبها من الأخلاق، لدرجة أن القانون ليس سوى الأخلاق حين ترتدي صبغة إلزامية.

ذلك أن من الخطأ القول إنّ مصدر القواعد القانونية هو التشريع الذي تصدره الدولة وحده، ولقد فنّد رأي المدرسة الألمانية التي كانت تقول بذلك، كما هجر رأي الفقيه الإنجليزي أوستن الذي أعلن في النصف الأول من القرن الثامن عشر أن القانون هو فقط ما تمليه السلطة العامة من أمر أو نهي، وأن العرف لا يعتبر مصدر القواعد القانونية إلا إذا أجازه السلطان، مع أن العرف كان قديمًا هو المصدر الأساسي للقانون، كما كان وما يزال حتى الآن مصدر القواعد الخلقية، فكلا النوعين من القواعد القانونية والخلقية مشترك في هذا المصدر.

ولقد تولّت المدرسة التاريخية بزعامة الفقيه الألماني سافييني الدفاع عن هذا الرأي بقوة خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر، كما قرر عالم الاجتماع الشهير إميل دوركايم (1858 - 1917م) (Durkheim Emile) أنه ليس هناك فرق أساسي بين العرف الخلقي وبين القانون، ومازال العرف الذي ينشئ القواعد الخلقية ينشئ حتى اليوم القواعد القانونية لا سيما في إنجلترا.

ولو تأمّلنا مليًّا في أصل القواعد الخلقية والقواعد القانونية، لوجدنا أن كلا النوعين من القواعد هو في الأصل قواعد سير وسلوك اصطلح عليها المجتمع، وارتضاها ضميره، فسارت عليها الجماعة الإنسانية، ولما تكونت الدولة تدخّلت في هذه القواعد، فوضعت لبعضٍ منها جزاءً على مخالفتها، ولم تضع مثله لبعضها الآخر فسمّي النوع الأول قواعد قانونية والنوع الثاني قواعد خلقية.
فالفكر الغربي الحديث، المؤيد والمعارض لربط القانون بالأخلاق ينظر إلى القانون الطبيعي باعتباره تجسيدًا قانونيًّا للمبادئ الأخلاقية المستندة إلى الطبيعة الإنسانية، بينما القانون الوضعي قد يتطابق مع الأخلاق في بعض أحكامه ويخالفها في أحكام أخرى[33]. ومعنى ذلك أن عودة الأخلاق إلى مجال القانون في العقل الأوربي لا تكون إلا عن طريق إعادة الصلة بين القانون الطبيعي والقانون الوضعي.

وابتدأت تلك العودة للقانون الوضعي بمحاولة علاج الأخطاء التي وقع فيها أنصار القانون الطبيعي التقليدي، الذين جعلوا الطبيعة البيولوجية مصدر القانون الطبيعي، مستبدلين بها الطبيعة الإنسانية والاجتماعية، كذلك عادوا للنظرية الإغريقية، لتجنّب الارتداد إلى النظام الكهنوتي للعصور الوسطى[34].
وكذلك طرح أنصار القانون الطبيعي في العصر الحديث نظرية الفكر التقليدي الذي يجعل من العقل مصدرًا وحيدًا للأخلاق، والتحول إلى الوضعية القانونية للبحث عن مصدر أعلى وواقعي للعدالة والتي أمست تابعًا للقانون لا مصدرًا له[35].

ويبدو أن المشكلة الأساسية، أمام أنصار القانون الطبيعي في العصر الحديث، كانت في نظرية كانط التي جعلت الأخلاق معطًى قبليًّا ومطلقًّا، ووسمت الأخلاق بسمة شخصية مطلقة ومثالية مفرطة، ونتج عن ذلك واقعية أكثر إفراطًا[36] تمثّلت في الفصل بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، فنشأ عن ذلك خوف دفين كامن في العقل الأوروبي مما «يجب أن يكون»، ومن ثم استئناس بما هو كائن وقبول به باعتباره أفضل ما في الإمكان، ويبدو أن الأستاذ جورج كاليتوفسكي أدرك تلك العقدة وحاول أن يضع حلًّا لها منتقدًا قطعية «ما هو كائن» مع ما «يجب أن يكون»، باعتبار أن من الضروري أن «يستمدّ ما يجب أن يكون معناه وجوهره مما هو كائن»[37].
وتعالت أصوات كبار القانونيين أمثال ميشيل فيلي[38] لطرح مفهوم العدالة في مواجهة النموذج الوضعي الكاسح، وكذلك يذهب الأستاذ جورج دل فيتشيو إلى أن القانون والأخلاق يتعاملان مع الإنسان باعتباره جسدًا ماديًا وروحًا دون أن يميّز بين ما يخصّ الروح وما يخصّ الجسد[39].

وأصبح كثيرون هم مَن يرون أن الأخلاق تنطوي على مخزون من القيم العليا، بينما القانون لا يتضمّن سوى قواعد اتفاقية ونسبية، وهو ما يضمن نوعًا من الأسبقية للقيم الأخلاقية على القانون والذي لا يمكنه أن ينتقد الأخلاق، على خلاف الأخلاق التي يمكن أن تنطوي على انتقادات للقواعد القانونية[40].
وشهد نهاية القرن العشرين عودة إلى الأخلاقية والقانون الطبيعي ذي المضمون الأخلاقي، وإن من طرق شتى ووسائل متعددة، كما اتّسم بتحوّل الوضعية القانونية على مذهب مثالي بسعيها المستمر للشكلية والبنائية المفرطة، بينما أضحى القانون الطبيعي من وجهة نظر مناصريه على الأقل، أكثر واقعية، وأقرب إلى طبيعة الإنسان والطبيعة المجتمعية.

ويؤكّد دراز قيمة الأخلاق بقوله: «إن المتعة والألم اللذين نحسّ بهما بعد أن نفعل خيرًا أو شرًا، هما مع ذلك ردّ فعل لضميرنا على ذاته، أكثر من أن يكونا رد فعل للقانون علينا، فهما تعبيران طبيعيان عن هذا اللقاء، بين شعورين متلاقيين، في ذوقنا الخاص، أو متضادين، أي أننا تبعًا لتوافق شعورنا بالواقع أو تضاربه مع شعورنا بالمثل الأعلى، إما أن نتمتع بحالة من السلام والدعة، ناشئة عن هذا التوازن الداخلي، أي عن اتفاقنا مع ذواتنا، لا سيما ونحن على وعي بهذه القوة التي مُنحت لنا كيما ندمج أفكارنا في الأحداث، وإما أن نتألم لهذا التناقض، وذلك الضعف في قوانا –تألمنا من تمزّق في كياننا»[41].

المطلب الثاني: الأخلاق أساس شرعية القانون:
أول ما يبرز لنا في فلسفة أوستين القانونية أنه استبعد البحث التقويمي للقانون، وجعل جلّ اهتمامه منصبًّا على تحليل المفاهيم القانوني كما هي متحقّقة في الواقع، ومن هنا سمي مذهبه بفلسفة القانون التحليلي، ولكن بالنظر إلى القضايا التي طرحها، يمكننا أن نضيء وفق الرؤية القرآنية – الإسلامية على بعض الثغرات التي يجد الباحث المنطلق من الأسس الدينية للبحث القانونية أنها تعارض رؤيته:

أولًا: الفصل الحادّ بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون
ينطلق أوستين انطلاقًا كانطيًا في تحليله للمفاهيم القانونية، حيث يشيّد تبعًا لكانط جدارًا حادًّا بين الأخلاق في صيغة «ما ينبغي أن تكون» والأخلاق العملية في صيغة «ما هو كائن»، ويلقي هذا الفصل بظلاله على فلسفته القانونية، فجعل البحث القانوني الفلسفي منصبًا على ما هو قائم وكائن بالفعل، وهنا لنا أن نسأل:

- إلى أي مدى يكون الفصل واقعيًا من جهة البحث في فلسفة القانون؟
- وإلى أي مدى يتوافق هذا الفصل المدعى مع الرؤية القرآنية للتشريع والتقنين؟
إن وجود صيغة للقانون أو للأخلاق تحمل عنوان «ما ينبغي أن يكون» بحيث تباين ما هو كائن، يستبطن سؤالًا مشروعًا وهو منشأ القوانين الكائنة، فهل هي كائنة بسبب انطلاقها مما كان ينبغي أن تكون عليه؟ أم هي كائنة لأمور ذاتية كإرادة الحاكم التي قد تكون اعتباطية في بعض الأحيان أو غير مدروسة بما فيه الكفاية؟ في النهاية إن الذي وضع أي قانون انطلق من منظومة يرى أنّها لا بد أن تتحقق في الخارج فصاغ على وفقها القوانين، فلا يخلو أي قانون من القوانين المتحقّقة من النظر إلى المناشئ التي تمثّل بوجه من الوجوه «ما ينبغي أن يكون»، فعلى العكس، إن القانون مهما كان هو تمثّل عيني لما ينبغي أن يكون وفق فهم واضع القانون، وبالتالي تحليل القانون الفعلي لا يخلو من ربطه بما ينبغي أن يكون.

مثلًا، لو كان القانون الحاكم هو عقوبة الإعدام على فعل من الأفعال، يكون هذا عبارة عن تمثّل قانوني لما يراه الحاكم عقوبة ينبغي أن تكون إعدامًا بالنسبة لفعل من الأفعال، فيكون تحليل هذه العقوبة ممتدًا كذلك إلى تحليل مناشئها وفق المنظومة القيمية عند الحاكم، بحيث قد يقال إنه بناء على منظومة أخرى لا يكون القانون كذلك، فمثلًا للزنا في الشريعة الإسلامية عقوبة شديدة وفي شرائع وضعية أخرى ليس الأمر كذلك، فوفق التفريق بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن، لا بد من دراسة مجرد التمثّل الواقعي للقانون، وأما وفق ما قدّمناه فإن عقوبة الزنا تحمل في طياتها رؤية حول ملاك المفسدة الذي يكتنف هذا الفعل في المجتمع، وبالتالي الذي لا يجعل عقوبة له ينظر إليه من منظار قيمي مختلف، فالقانون هو تمثّل لمنظومة قيمية بالضرورة، ولا يمكن رفع اليد عنها أثناء التحليل، وإلا سيكون تحليلنا سوسيولوجيًا أو انتروبولوجيًا فقط، ولن نخوض بحثًا فلسفيًا في القانون.
وبعبارة أخرى، إن دعوة أوستين للنظر إلى القوانين كما هي، وتحليلها كما هي، ليست سوى دعوة لجعل فلسفة القانون قسمًا من دراسة اجتماعية، والحال أن فلسفة القانون تنظر إلى مناشئ القانون ومنطلقاته.

ثم إنا إذا رجعنا إلى آيات القرآن الكريم، في تشريعاته المختلفة، نجد أن الكتاب العزيز قد مزج عند طرحه للتشريعات على اختلاف أصنافها بين الأخلاق ونفس التشريع، من خلال ذكر الغاية القصوى للتشريع والتقنين، وهي تحقق الإنسان بحقيقة التوحيد والعبودية لله تعالى، على المستوى الفردي والاجتماعي، وبعبارة أخرى «إن القانون في كل أمة يعتبر جزءًا من ضميرها ومرآة لآمالها، وضمانًا لعقيدتها ومصالحها، ومستقرًّا لتقاليدها ومثلها العليا وأفكارها في الحياة، وما تتطلع إليه وتريده في المستقبل، والقانون الذي يكتب له البقاء وترضى عليه الأمة هو الذي تتحقق فيه هذه المعاني ونحوها»[42].

وبالتالي فإن ما ادّعاه أوستين من الفصل بين القانون والأخلاق وأن كلًّا من المجالين له ميدانه الخاص، وإن كان مقبولًا من الناحية التحليلية النظرية، بمعنى أن الأخلاق تعود إلى ميدان الحكمة العملية وأن القانون يرجع إلى مقولة تنظيم المجتمع والسلوك، ولكن الذي يظهر من فلسفة أوستين القانونية ليس مجرد هذا التفريق، بل يتعدّاه ليقول إن القانون إن كان مباينًا للأخلاق فإنه لا يفقد شرعيته ما دام محافظًا على سلطة الحاكم والمحاكم وبالتالي تجب طاعته، وهذا بالتحديد ما لا يمكن القبول به بناء على الرؤية القانونية والتشريعية الإسلامية، فالقوانين الإسلامية مقيّدة بالعدل وعدم التعدي بل وحتى عدم إدخال الضرر على الآخرين، وننقل ههنا القضية المعروفة بقضية سمرة بن جندب تأكيدًا على هذا الأمر: «إِنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ كَانَ لَهُ عَذْقٌ‏ فِي حَائِطٍ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وكَانَ مَنْزِلُ الْأَنْصَارِيِّ بِبَابِ الْبُسْتَانِ وكَانَ يَمُرُّ بِهِ إلى نَخْلَتِهِ ولَا يَسْتَأْذِنُ، فَكَلَّمَهُ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ إِذَا جَاءَ، فَأَبَى سَمُرَةُ، فَلَمَّا تَأَبَّى جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ إلى رَسُولِ اللَّهِ ص فَشَكَا إِلَيْهِ وخَبَّرَهُ الْخَبَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وخَبَّرَهُ بِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ ومَا شَكَا، وقَالَ: إِنْ أَرَدْتَ الدُّخُولَ فَاسْتَأْذِنْ، فَأَبَى فَلَمَّا أَبَى سَاوَمَهُ حَتَّى بَلَغَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَ، فَقَالَ: لَكَ بِهَا عَذْقٌ يُمَدُّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِلْأَنْصَارِيِ:‏ اذْهَبْ فَاقْلَعْهَا وارْمِ بِهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ»[43].

يجادل الوضعيون بأن شرعية القانون الوضعي تستند على عنصرين: العنصر الأول يتمثل في فكرة النظام والتي تقتضي نوعًا من التناسبية بين الإجراءات التي تتبنّاها السلطة والمراكز الواقعية التي يتم تنظيمها من خلال تلك الإجراءات. أما العنصر الثاني، وهو ما يعتبره الوضعيون أساسًا أخلاقيًا للقانون، أو بمعنى آخر أساسًا يبرّر أي خروج للقانون الوضعي عن حدود القيم الأخلاقية، وذلك هو الرضى الضمني للمجتمع بالإجراءات التي تتخذها السلطة، فالديمقراطية الحديثة هي الشكل الأكثر أخلاقية لإدارة المجتمع من الناحية السياسية، وهي تفترض أن السلطة تعبّر عن اختيار حقيقي للمجتمع، ومن ثم فإن التشريعات التي تصدر عن السلطة لا تعبر فقط عن إرادة تلك السلطة، بل عن الرضا الضمني للمجتمع بتلك الإجراءات باعتبار أنّ المشرّع لا يعدو أن يكون هيئة مكوّنة من ممثّلين عن المجتمع جرى اختيارهم بانتخابات حرة[44].
يقول محسوب: «ونحن لا نختلف في ذلك مع الوضعيين في أن رضى المجتمع بالقانون هو أساس شرعيته، غير أن ذلك الرضى لا يمكن افتراضه إذا كان التصادم مستمرًّا وسافرًا بين القانون ومجموعة القيم الأخلاقية التي يقبلها المجتمع والذي اختار ممثليه لسن القوانين لا لخرق الأخلاق التي يؤمن بها، إذ يجب أن تستند شرعية القانون إلى مدى توافقه مع مجموعة القيم التي التقت عليها الجماعة الإنسانية، والتي تنطوي على قدر من الثبات والديمومة، وبعبارة مختصرة، فإن «القانون لا يمكن أن يكون حياديًا إزاء الأخلاق» التي يفترض فيها ثباتًا وديمومة لا تتوافران في القواعد القانونية»[45].

فعلى سبيل المثال، تمثل القوانين التي تصدرها حكومات تابعة لسلطات أجنبية محتلة أو مهيمنة بغرض الحد من نشاطات المقاومين للاحتلال نوعًا من التصادم الصارخ بين الوضعية القانونية بكل مقولاتها، والشرعية القانونية التي لا تجد أساسًا لها سوى الرضى الاجتماعي الحقيقي، فعلى سبيل المثال فإن قانونًا يعاقب من يقاوم السلطات المدعومة من الاحتلال لا يمكن الزعم بوجود رضى ضمني من المجتمع به، بل على العكس فإن الضمير الاجتماعي يتعارض تمامًا مع إطاعة مثل هذا القانون[46]، والأمر ذاته بالنسبة إلى التشريعات التي تصدر عن سلطات وطنية تنتهك حقوق الأفراد بشكل سافر، بما لا يمكن الزعم معه بوجود مثل هذا الرضى الضمني للمجتمع، إذ إن استكمال الإجراءات الشكلية لإصدار التشريع (الظالم) لا يكفي للقول بشرعيته.

خاتمة:
يشكّل المذهب الوضعي التحليلي الذي وضعه رائد الفقه البريطاني الشهير «جون أوستين» أبرز نموذج للوضعية القانونية في القرن العشرين وأوضح مثال لها.
يرى أوستن ضرورة وضع نظرية عامة للقانون يعنى فيها بدراسة المبادئ والمفاهيم والتصانيف المشتركة بين النظم القانونية الوضعية المختلفة. ترتكز أساسًا على دراسة القانون كما هو؛ أي القانون الموجود لا كما ينبغي أن يكون، لذا أصر أوستن على وجوب الفصل بين القانون كما هو كائن، وبين القانون كما يجب أن يكون والذي يمثّل المضمون الأخلاقي.
انتقد بعض فقهاء الوضعية الحديثة أوستن في فصله بين القانون والأخلاق، من أشهرهم هارت، رغم أن ذلك الفصل هو الذي قامت عليه المدرسة الوضعية وكلاهما من أتباعها.
إن الفصل بين القانون والأخلاق فصل نظري، فجميع القوانين جاءت مشبّعة بقواعد خلقية على اختلاف في درجاته.

قائمة المصادر والمراجع
المراجع بالعربية:
إمام عبد الفتاح إمام (2001)، السياسة والأخلاق، دراسة في فلسفة الحكم، دون ذكر الطبعة، المجلس الأعلى للثقافة
إمانويل كانط، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق، ترجمة: نازلي إسماعيل حسين ومحمد فتحي الشنيطي، تقديم: عمر مهيبل (1991)، الجزائر: موفم للنشر.
حسن الساعاتي (1960)، علم الاجتماع القانوني، القاهرة: دار المعرفة.
حسن كيرة (1974)، المدخل إلى القانون، الإسكندرية: منشأة المعارف، ط5.
دياس (1986)، فلسفة القانون: المذاهب الاقتصادية والواقعية والقانون الطبيعي، ترجمة: هنري رياض، بيروت: دار الجيل، ط1.
دينيس لويد، ترجمة سليم الصويص، مراجعة سليم بسيسو (1981)، فكرة القانون، الكويت: عالم المعرفة، العدد 47.
رونالد دوركين، ترجمة وتقديم منير الكشو، مراجعة: طاهر اللبّاسي (2015) أخذ الحقوق على محمل الجد، المركز الوطني للترجمة، تونس: دار سيناترا.
سليمان مرقس (1999)، فلسفة القانون، بيروت: مكتبة صادر ناشرون.
السيد العربي حسن (2000)، القانون والأخلاق والقيم: في المجتمعات العلمانية، القاهرة: دار النهضة العربية، ط1.
عبد الرحمن بدوي (1997)، الأخلاق عند كانط، الكويت: وكالة المطبوعات.
محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، بيروت: دار الرسالة، ط10، 1998.
محمد محسوب، (2009)، الخصام بين القانون والأخلاق، القاهرة: دار النهضة العربية، ط2.
ميشيل تروبير، ترجمة جورج سعد، (2004)، فلسفة القانون، منشورات بريس، أونفيرسيتير دوفرانس، ط.1.
يوسف كرم (د ت)، تاريخ الفلسفة الحديثة، القاهرة: دار المعارف، ط5.

المراجع بالأجنبية (الفرنسية والإنجليزية)
BARREAU (Hervé) (1996), la loi morale fondement du droit, in: Ethique, «Lègal et le morale», Edition ESKA.
BEYS Koras E(2004), Le problème du droit et des valeurs morales, L'aventure humaine, entre le bien et le mal, Thèse de doctorat (Faculté des lettres d'Athéne), L'Harmattan, Paris.
Fathi Hourani (1985), Reason and Tradition in Islamic Ethics, Cambridge, UK: Cambridge University Press, p. 153.
G. Ripert (1949), La régle morale dans les obligations civiles, L.G.D.J, quatrième.
GEORGETA -BIANCA SPIRCHEZ (No 1/2016), The relation between ethics and law, Fiat Iustutia.
H.L.A Hart (1958), Positivism and Separation of law and morals, 71 Harvard Univ, Press 1958, rep In R.M. D work -in –Ed - (1986), The philosophy of law, Oxford Univ. Press 1986.
Harbert Hart (1994), The Concept Of Law, Oxford University Press, 2 nded.
J.C.Gray (1963), the Nature and sources of law, 2nd. Ed, Boston.
John Austin (1995), The Province of Jurisprudence Detemined, Edited by WILFRID E. RUMBLE, Cambridge universitypress, New York.
John Stuart Mill (1962), Utilitarianism On Liberty Essay on Bentham, together with selected writings of JEREMY BENTHAM and JOHN AUSTIN, Fontana Press, London.
Louis Josserand (1939), Cours de droit civil positif français, Théorie générale des obligations, Les principaux contrats du droit civil, 3e édition,paris, T1, P03
Michel Villey (2001), Philosophie du droit, Paris, Dalloz.
Paul Roubier (1951), Théorie générale du droit, Paris, 2e edition.
Sir William Blackstone (1876), Commentaries on the Laws of England, London: John Murray.
Steve Sheppard, Law, Ethics, and justice, the university of Arkansas, USA, Encyclopedia Of Life Support Systems (EOLSS).
VECCHIO (Georges Del) (1953), Philosophie du droit, Traduction de J. Alexis d'Aynac, Dalloz, Paris.

-------------------------------------
[1]* - كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ جامعة جيجل، أستاذ في الشريعة والقانون.
[2] - دينيس لويد، ترجمة سليم الصويص، مراجعة سليم بسيسو (1981)، فكرة القانون، الكويت: عالم المعرفة، العدد 47، ص129.
[3] - عبارة الفقيه الروماني بول (Paul) مذكورة في كتاب
Paul Roubier (1951), Théorie générale du droit, Paris, 2e édition, P41.
[4] - للمزيد ينظر: إمام عبد الفتاح إمام (2001)، السياسة والأخلاق، دراسة في فلسفة الحكم، دون ذكر الطبعة، المجلس الأعلى للثقافة، ص 10.
[5] - انظر في نظرية كانط:
إمانويل كانط، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق، ترجمة: نازلي إسماعيل حسين ومحمد فتحي الشنيطي، تقديم: عمر مهيبل (1991)، الجزائر: موفم للنشر، ص33.
وعبد الرحمن بدوي (1997)، الأخلاق عند كانط، الكويت: وكالة المطبوعات، ص58.
يوسف كرم (د ت)، تاريخ الفلسفة الحديثة، القاهرة: دار المعارف، ط5، ص250.
[6] - انظر: دينيس لويد، مرجع سابق، ص 123.
[7] - حسن كيرة (1974)، المدخل إلى القانون، الإسكندرية: منشأة المعارف، ط5، ص132.
[8] - دينيس لويد، مرجع سابق، ص: 136.
[9] - حسن الساعاتي (1960)، علم الاجتماع القانوني، القاهرة: دار المعرفة، ص 56.
[10] - السيد العربي حسن (2000)، القانون والأخلاق والقيم: في المجتمعات العلمانية، القاهرة: دار النهضة العربية، ط1، ص67.
[11] - دينيس لويد، مرجع سابق، ص 101
[12] - راجع في فلسفة أوستن:
سليمان مرقس (1999)، فلسفة القانون، بيروت: مكتبة صادر ناشرون، ص226، 227.
John Austin (1995), The Province of Jurisprudence Detemined, Edited by WILFRID E. RUMBLE, Cambridge universitypress, New York, p 9.

John Stuart Mill (1962), Utilitarianism On Liberty Essay on Bentham, together with selected writings of JEREMY BENTHAM and JOHN AUSTIN, Fontana Press, London, p 322 - 345.
[13] -Harbert Hart (1994), The Concept of Law, Oxford University Press, 2nd ed, p 3.
[14] - John Austin (1995), The Province of Jurisprudence Detemined, Edited by WILFRID E. RUMBLE, Cambridge Universitypress, New York, p 9.
[15] -Sir William Blackstone (1876), Commentaries on the Laws of England, London: John Murray.
[16] - Steve Sheppard, Law, Ethics, and justice, the university of Arkansas, USA, Encyclopedia Of Life Support Systems (EOLSS), P 4.
[17] - GEORGETA -BIANCA SPIRCHEZ (No 1/2016), The relation between ethics and law, Fiat Iustutia, P 189.
[18] - إمام عبد الفتاح إمام، مرجع سابق، ص 77.
[19] - محام إنجليزي، وعمل بالتدريس في جامعة أكسفورد، ويعد من أهم فلاسفة القانون المحدثين، وله مؤلفات عدة منها: مفهوم القانون.، والقانون والحرية والأخلاق.
[20] - H.L.A Hart (1958), Positivism and Separation of law and morals, 71 Harvard Univ, Press 1958, rep In R.M. D work -in –Ed - (1986), The philosophy of law, Oxford Univ. Press 1986, p 128
[21] -J.C.Gray (1963), The Nature and sources of law, 2nd. Ed, Boston, P.301
وراجع نظريته في دياس (1986)، فلسفة القانون: المذاهب الاقتصادية والواقعية والقانون الطبيعي، ترجمة: هنري رياض، بيروت: دار الجيل، ط1، ص150، 151.
[22] - ورغم أطروحة جراي عن الأخلاق كمصدر للقانون، إلا أنه لا يزال يؤمن بمبادئ الوضعية الصارمة والمتمثلة في أن دراسة القانون يجب أن تكون بعيدة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، أو بمعنى آخر، ضرورة فصل القانون كما هو كائن عن القانون كما يجب. انظر دياس، المرجع السابق، ص139و ص151.
وقد طور اتجاه التفكير القانوني للتأكيد على الجانب التجريبي للقانون: «فالقانون، ليس مثالًا بل شيء موجود بالفعل وهو ليس ذلك الذي يتفق مع الدين، أو الطبيعة، أو الأخلاق، وهو ليس ما يجب أن يكون، بل هو القانون». J.C.Gray, op.cit, ,P.301
[23] - Harbert Hart, The Concept of Law, op.cit, p 85
[24] -Ipid, 109 -110.
[25] -Ipid, p 185.
[26] -Ipid, p 85.
[27] - Harbert Hart, The Concept of Law. p17.
وراجع أيضا: السيد العربي حسن، مرجع سابق، ص108 - 110. ودينيس لويد، مرجع سابق، ص136 - 137.
[28] - Harbert Hart, The Concept of Law, op.cit, p 85, p 185.
[29] - رونالد دوركين، ترجمة وتقديم منير الكشو، مراجعة: طاهر اللبّاسي (2015) أخذ الحقوق على محمل الجد، المركز الوطني للترجمة، تونس: دار سيناترا، ص 68. وانظر: ميشيل تروبير، ترجمة جورج سعد، (2004)، فلسفة القانون، منشورات بريس، أونفيرسيتير دوفرانس، ط1، ص 75
[30] -G. Ripert (1949), La régle morale dans les obligations civiles, L.G.D.J, quatrième.
Louis Josserand (1939), Cours de droit civil positif français, Théorie générale des obligations, Les principaux contrats du droit civil, 3e édition,paris, T1, P03.
[31] - G. Ripert, op.cit, p55.
[32] - Louis Josserand, op.cit, p03.
[33] -VECCHIO (Georges Del) (1953), Philosophie du droit, Traduction de J. Alexis d’Aynac, Dalloz, Paris, P272.
[34] -BARREAU (Hervé) (1996), la loi morale fondement du droit, in: Ethique, «Lègal et le morale», Edition ESKA, P16.
[35] - IBID, P16
[36] - BARREAU (Hervé) (1996), la loi morale fondement du droit, P16
[37] - محمد محسوب، (2009)، الخصام بين القانون والأخلاق، القاهرة: دار النهضة العربية، ط2، ص294.
[38]Michel Villey (2001), Philosophie du droit, Paris, Dalloz, p55. 18.
[39] - VECCHIO, op.cit, P 276.
[40] - كان (بيتر)، المسؤولية في القانون والأخلاق، ص12 نقلًا عن محمد محسوب، مرجع سابق، ص297.
[41] - محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، بيروت: دار الرسالة، ط10، 1998، ص245 -249 بتصرف.
[42]عبد الكريم زيدان، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت - لبنان، 2005، صفحة 12.
[43]رواه الشيخ الكليني، الكافي، كتاب المعيشة، باب الضرار، رق: 113205، ج5ص292، 293. والرواية صحيحة السند، وسائل الشيعة إلى تحصيل مبادئ الشريعة، ج25ص328. وروي عن البعض تواتره. ورواه أبو داود بسند ضعيف، انظر: شعيب الأرناؤوط، تخريج سنن أبي داود، رقم: 3636، قال الشوكاني رحمه الله: «وأخرج أبو داود من حديث جعفر بن محمد بن علي عن أبيه الباقر عن سمرة بن جندب [وذكر الحديث بلفظ قريب] ثم قال: وفي سماع الباقر من سمرة بن جندب نظر، فقد نقل من مولده ووفاة سمرة ما يتعذر معه سماعه». محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (1993م، 1413هـ)، نيل الأوطار، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، مصر: دار الحديث، ط1، ج5ص382. وله روايات من طرق أخرى صحيحة.
[44] - BEYS Koras E(2004), Le problème du droit et des valeurs morales, L’aventure humaine, entre le bien et le mal, Thèse de doctorat (Faculté des lettres d’Athéne), L’Harmattan, Paris., P.119
[45] - محسوب، مرجع سابق، ص320.
[46] - انظر مثالًا واضحًا للتشريعات التي تصدر لمواجهة أعمال المقاومة ضد الاحتلال أورده
BEYS (Koras E), op.cit, P119 - 120