الباحث : حسين عزيزي ـ سيد محمد مهدي غمامي
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 34
السنة : ربيع 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث : June / 26 / 2024
عدد زيارات البحث : 331
ملخص
تُعدّ الوضعية القانونية إحدى المدارس القانونية التي تؤمن بإمكانية بل ضرورة وجود نظرية قانونية وصفية أو مفاهيمية محايدة أخلاقيًا، وبحسب هذه المدرسة فإنّ القوانين الوضعية هي تلك التي تقرّها الحكومات، والتي تختلف عن المبادئ الأخلاقية لمدرسة القانون الطبيعي، والتي تُعتبر دائميةً، بل وذات جذور إلهية كما ترى بعض النظريات. ومن ناحية ثانية، غالبًا ما تُقدّم الوضعية القانونية في العصر الحاضر نفسها من خلال آراء هانز كيلسن وهربرت هارت، فهي قد تأثّرت بشدّة بهذين المفكّرين، بحيث يستحيل الحديث عن الوضعية دون الحديث عن تفسيرهما النظري.
عمومًا، يحاول كيلسن -من خلال النظرية القانونية البحتة - تقديم منهج وضعي خالص وصارم، بينما يتمتّع هربرت هارت بذوق معتدل ويتّبع منهجًا نفعيًا بين الوضعيين القانونيين، ولكِلا النظريتين جذور في مباني ومبادئ الوضعية طبعًا، لكن هذه المبادئ -التي تُعدّ منفردة ومختصّة في مجال القانون، وبلحاظها مع الاستنتاجات التي قدّمها كيلسن وهارت، فضلًا عن وقوع في التناقضات المتعدّدة - تتعارض مع وظائف القانون في المجتمع الإنساني الاجتماعي أكثر مما كانت عليه في الماضي، وتواجه نتائج غير مرغوب فيها فيما لو تمّ تنفيذها.
الكلمات المفتاحية:
الوضعية، القانون، قاعدة التعرّف، هانس كيلسن، هربرت هارت، القاعدة الأساسية.
مقدمة
يقوم المذهب الوضعي أو الوضعية القانونية على ادّعاء مفاده أنّ وجود نظرية محايدة أخلاقيًا أو توصيفية أو مفاهيمية حول القانون هو أمر ممكن وقيّم؛ ومن ثمّ يطرحون -بهذا البيان - نظريتهم في مقابلةٍ واضحة لمدرسة القانون الطبيعي. وفي الواقع، على خلاف تأكيد القانون الطبيعي على أنّ المصدر الأساسي للقانون هو القواعد والقيم العليا والعالمية الموجودة في طبيعة الإنسان وفطرته والتي ينبغي الاعتراف بها وتطبيقها، يُعدّ اعتماد الوضعية وتأكيدها على القوانين الموضوعة أو الحقوق الموجودة أمرًا محقّقًا وحاصلًا؛ إذ وفقًا للطبيعيين، يُعتبر الامتثال للقانون الطبيعي -في أي نظام قانوني - شرطًا ضروريًا لـ «صلاحية القانون» وذلك بالنظر إلى القيم الأخلاقية وتأثيرها على القانون، فإنّ صلاحية القانون لا تقتصر على وضع الواضع له فقط[2] .
ثمّ إنّ عصارة ادّعاءات الوضعيين القانونيين تتلخّص في «ماهية القانون»؛ ولذلك تقوم فكرة هؤلاء على أنّه لا ينبغي للمرء -من أجل فهم ماهية القانون - أن يرجع إلى محتوى القانون والمبادئ الموجودة مسبقًا، بل يُكتفى فقط بتحليل القانون بناءً على خصائصه الصورية والشكلية؛ أي يجب التنبّه إلى الآليّات التي تكون خارج القانون؛ كي نفهم كيف يتشكّل القانون؟ ومَن هو واضعه؟ وهنا، يمكن أن تُعزى المقاربات الحديثة الأولى للوضعية في القانون إلى جيريمي بنثام[3] بفكرة «إهمال وعدم اعتبار»[4] القانون الطبيعي وجون أوستن[5] بفكرة «عدم أهمية فضيلة القانون»[6]، فقد ذَكَرَ جون أوستن -الذي ينتمي إلى الجماعة الراديكالية من الوضعية القانونية - أنّ القانون ما هو إلا: «أوامر شخص أو هيئة حاكمة في مجتمع سياسي مستقل» و«الرعايا ملزمون باتّباع جميع وصايا الحاكم؛ فالقانون يعني أمر الحاكم، أي أمر من جرت العادة على طاعته»[7] .
يجب أن يكون معلومًا لدينا أنّ الوضعية تشتمل على مجموعة واسعة من المفكرين والآراء والنظريات؛ ولهذا لا يمكن تناول كل هذه الآراء ونقدها في مقالة واحدة. وفي هذا السياق، تُصرّ الوضعية القانونية -بحسب رأيها - على ارتباط «الاستدلال القانوني» بالواقع الخارجي، وبالتالي، لتحديد ما هو القانون، يجب على المرء ملاحظة ما تمّ إعلانه كقانون من قبل السلطات والمسؤولين»فقط». والمسؤولون المذكورون هم أولئك الذين حصلوا في نظر الشعب على السلطة اللازمة بشكلٍ شرعي للإدلاء بمثل هذا الإعلان،كما من الممكن أيضًا الرجوع إلى حقائق تاريخية من النوع المذكور، بمعنى الاطلاع على ما أعلنه أصحاب السلطة الشرعيون قانونًا في الماضي[8]، فالرأي الأول لا يرى أي شيء آخر ضروريًا للاعتراف بـ «القانون»، ووفقًا لهذا الرأي، على الرغم من أنّ المعتقدات الأخلاقية المشتركة في المجتمع قد أثّرت على الأرجح على العملية التشريعية، إلا أنّه لا توجد علاقة ضرورية بين الحقائق القانونية والأخلاقية. وكذلك، لا تلعب الاعتبارات الأخلاقية المجردة أيّ دور في تحديد «ماهية» القانون.
واستنادًا إلى هذه المدرسة القانونية، لا يمكن الاحتكام إلى الأخلاق والقواعد العامة الطبيعية والفطرية، ولا يبقى إلا وضع الواضع الذي قد يؤول في بعض مقاربات الوضعية إلى منافع مادية للأخلاق والدين على شكل عادات عرفية، توفر اعتبار الإلزامات القانونية. يسعى المؤلِّفان في هذه المقالة إلى شرح مبادئ هذه المدرسة، ووجهات نظر هانز كيلسن وهربرت هارت وآرائهما باعتبارهما اثنين من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الوضعية القانونية[9]، واللذين استخدَمت نظرياتُهما مجموعةً واسعة من مباني هذه المدرسة القانونية ومبادئها في حلّ المسائل[10]. وبالطبع فقد لاقت نظريّاتهما رواجًا لدى بعض القانونيين الغربيين وقطاعًا كبيرًا من أساتذة القانون الذين عملوا على نقد آرائهما ومبانيهما من أجل فهمٍ أفضلٍ لعيوب هذه المدرسة وقصورها في فهم صلاحية القانون ووضعه وتفسير القواعد القانونية.
المبادئ والمتطلَّبات العامة للوضعية
يعود الجذر اللغوي للوضعية (البوزيتيفيزم) إلى كلمة «Positum» التي تشير إلى القانون من حيث وضعه وتشريعه[11]. وهي مصطلح فلسفي صاغه واستخدمه الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي أوغست كونت[12] في القرن التاسع عشر، فقد كان كونت يعتقد أنّ الجبر التاريخي سيأخذ البشرية إلى حيث زوال الرأي الديني والفلسفي، وإلى حيث يكون الشكل الوحيد المتبقي من الفكر هو ذاك المنتمي إلى الفكر القطعي والتجريبي العلمي، وفي هذا العصر التاريخي الجديد، ستختفي المؤسسات الاجتماعية المرتبطة بالدين والفلسفة، أو بمعنى آخر سيكون من اللازم اعتبارها عديمة القيمة في عملية صنع القرار الاجتماعي والسياسي[13] .
في العادة لا تكون وجهات النظر الوضعية حول القانون إلا بمثابة نتيجةٍ لمدارس أصالة التجربة والوضعية الفلسفية والمنطقية؛ ولهذا يُشكّل الرأي القائل بأنّ صلاحية أيّ قانون يمكن تقويمها بناءً على مصدر يمكن إثباته بشكل موضوعي جوهرَ الوضعية القانونية[14]. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يدّعي الوضعيون القانونيون أنّه لا توجد علاقة ضرورية بين القانون والأخلاق، وأنّ تحليل المفاهيم القانونية له قيمة في حدّ ذاته وهو منفصل عن الأبحاث الاجتماعية والتاريخية والمراجعات النقدية.[15]
ومن جانبٍ آخر، تُعدّ التجريبية -وتحديدًا تجريبية ديفيد هيوم - أحد العوامل التي أدّت إلى الحركة الوضعية في الغرب[16]، كما أنّ تيار التجريبية في العالم الجديد كان رائده بيكون. كما تقوم هذه الفلسفة على أصلٍ مفاده أنّ ما هو قابل للمعرفة هو ذلك الشيء الذي يأتي من التجربة، ونتيجة لذلك، ستكون بعض الأصول العقلانية والفرضيات العقلية في هذه الدراسة خارجة عن دائرة الوضعية المعنائية؛ وذلك لأنّ الوضعيين يعتقدون أنّه لا معنى لكل ما لا يمكن أن يوجد في التجربة الحسية ولا يكون في الخارج، أي أنّه بلا معنى ولا يمكن التعاطي معه به بشكل هادف[17] . من هنا، فإنّ أهمية هيوم وتأثيره على الوضعيين من حيث موقفه التجريبي أمر لا يمكن إنكاره، فهو يرى أيضًا -في مجال الإلهيات - أنّه لا معنى لكل ما لا يمكن العثور عليه في التجربة؛ ويعتقد الوضعيون هنا أيضًا أنّ الأحكام الدينية لا معنى لها طبعًا؛ لأنّها تحدثت عن أمور غير تجريبية. كم أنّهم ذهبوا في القرن العشرين إلى أبعد من ذلك، حيث قالوا إنّه عندما تقول (P) ليست قضية، فهذا يعني أنّ الجملة الحاكية عن (P) لا معنى لها، تمامًا كما في مثال القضية (هذه المغارة تضحك)، فهي قضية لا معنى لها، وهكذا أيضًا القضايا الميتافيزيقية. فوفقًا للنظرة الوضعية، لا مكان لما بعد الطبيعة في هندسة المعرفة العلمية، فهم يدّعون أنّ أحكام ما بعد الطبيعة لا معنى لها؛ إذ لا يمكن التحقّق من صحّة أو زيف مثل هذه القضايا بالتجربة. بمعنى آخر، يعتبر هؤلاء أنّ العلم خالٍ ومستغنٍ عن أي تفكير غير تجريبي (الدين، الميتافيزيقا، الأخلاق، الفلسفة..) وفي هذا الصدد، يوضح ميشيل تروبر أثر هذا المنهج على القانون كما يلي: ترى الوضعية القانونية أنّ الدراسات القانونية تقوم على طروحات أصيلة وصلبة كالعلوم التجريبية، وبناءً على هذا الحماس الكبير هي تريد أن تجعل القانون علميًا كالعلوم الطبيعية[18].
كما يُعدّ الاعتراض على الفلسفة الشائعة في تلك القرون من السمات الرئيسة الأخرى للوضعية؛ حيث إنّها كانت ملوّثة بالخيال والتصوّرات البعيدة عن الواقع والمنحرفة، كما يرى كونت. ويرجع انحرافها عن الواقع إلى أنّها كانت تستخلص النتائج الأخلاقية من أفكارها وتصوّراتها الخاصة، وكذلك كانت مرتبطة بالأخلاق التي كان يراها كونت ظاهرة غير معتبرة وقائمة على الخيال. ولذلك -بحسب كونت - كانت كل من ظاهرتي الفلسفة والأخلاق -ومن ثم ظاهرة الدين - مضللة وغير قابلة للاعتماد، وقد تمّ طرح الوضعية بقصد تنحية هاتين المقولتين عن ساحة المجتمع والعلم[19] . كما يزعم الوضعيون أنّ أنصار القانون الطبيعي جعلوا سلطة القانون تابعة لسلطة الأخلاق؛ وذلك لأنّهم اعتبروا القاعدة قانونية ذات خصّيصة أخلاقية، ونسبوا أو أَوكلوا لزوم إطاعة القاعدة القانونية إلى أخلاقيتها. وبالتالي، فإنّ «سلطة القانون» هي حشو زائد على «سلطة الأخلاق»[20]، لكن طبعًا، هم لا ينكرون أنّه قد يكون هناك الكثير من التطابق بين الأخلاق الاجتماعية والقانون؛ بحيث يتمّ إقرار العديد من الاقتضاءات الأخلاقية الأهم كقانون.
وباختصار، يمكن تلخيص أساس الفكر الوضعي في الجملة التالية: «هناك فرق بين ما هو القانون وما ينبغي أن يكون عليه القانون»[21] . ويفسّر الوضعيون هذا الاعتقاد المحوري بإحالة شرعية القانون إلى مصدره الاجتماعي (المجلس التشريعي مثلًا)، ومن خلال الفصل بين القانون والأخلاق أيضًا. من هنا، ووفقًا لتفسير راز للوضعية القانونية، لا يُعدّ النجاح في الاختبار الأخلاقي شرطًا لصحة القاعدة القانونية أبدًا. فمعيار شرعية القانون أو القاعدة القانونية هو صدورها وإقرارها من قبل مرجعية اجتماعية صالحة ومعتبرة[22] .
فعلى الرغم من اختلاف وجهات نظر الوضعيين وآرائهم واتساع نطاق الوضعية القانونية، إلا أنّهم جميعًا يشتركون في شيء واحد، وهو التمييز بشكلٍ واضح -في دراساتهم وتحليلاتهم - بين «الأمور الواقعة أو الموجودة» و«الأمور التي ينبغي أن تكون»[23].
أمّا مضمون فرضية هذا الفصل فيقوم فقط على أنّه لا يمكن اعتبار الأخلاق سمة ضرورية للقاعدة القانونية، ومن الواضح أنّ مثل هذا الحكم لا يعني منع أو إنكار التطابق العملي لبعض القواعد القانونية مع القواعد الأخلاقية[24]، علمًا أنّه قد وقعت مسألةُ فصل الصلاحية الرسمية عن الجدارة الأخلاقية مع هزيمة ألمانيا وانهيار الحكومة النازية منذ عام 1945 فصاعدًا موقعَ الملاحظة لدى جميع الأطراف. ومن المعروف أنّ أهم المرافعات الدفاعية التي كانت تتمّ في محاكمات نورمبرغ، ضدّ الاتهام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، كان أنّ «المتهمين كانوا يؤدّون تكاليفهم بتنفيذ أوامرنا النافذة عليهم ووفقًا للقوانين المعمول بها»[25] .
من هنا، فإنّ الخصائص الرئيسية للمقاربات الوضعية القانونية في فهم القانون والتشريع هي:
1. أهمية الأحكام الشكلية والمادية للقانون بغض النظر عن حيثياتها وجدارتها (الشكلية).
2. اعتماد صلاحية القانون على وضع الواضع البشري.
3. التحرّر من الطبيعة والفطرة والأخلاق والدين.
الانتقادات العامة للوضعية
يمكن إيراد الاعتراضات المذكورة أدناه على المنهج الوضعي القانوني للقانون:
1. تحتكم الوضعية القانونية -وبغض النظر عن كل الحقائق والقيم - إلى وضع الواضع -أي المشرّع -، والذي قد ينتهك بشكل متهوّر مصالح الإنسان المادية والمعنوية. وعلى هذا، يجب اتّباع حتى ذلك القانون الذي يضعه الديكتاتور، مهما كان قاسيًا. وبالطبع فإنّ الوضعيين يقولون بتهوّرٍ أيضًا أنّه لا قيمة عندهم إلا للأحكام الواردة في القانون النافذ. وعادةً ما تقترن بداية الوضعية بكتاب «تحديد حدود فلسفة القانون»[26](1832). وهنا، يعترف أوستن في هذا الكتاب بـ: «أنّ وجود القانون شيء، وجدارته أو عدم جدارته شيء آخر، سواء أصبح (القاعدة) أو شيئًا آخر، وسواء أكانت (القاعدة) موضع تساؤل أم لا، وسواء أكان الفعل مبتنيًا على معيار معيّن أم لا»[27] .على هذا، فأوستين -في الواقع - يحلّل القانون كما هو، وليس ما يجب أن يكون عليه القانون، وبهذا المعنى يكون منافسًا لنظريات الحقوق الفطرية والطبيعية.
2. إنّ استنباط القانون من الحقائق المادية الموجودة واعتباره منحصرًا بـ «ما هو موجود» يحوّل القانون إلى مجرد معرفة تابعة تفتقر إلى أي أفكار ومُثُل، ويحذف العدالة من مشهد المجتمع إلى الأبد. كما يجب أن لا نغفل عن أنّ محاولة التوفيق بين الحقائق الثابتة والمستقرّة والحقائق العينية غير المستقرّة لم تؤد إلى أيّ شيء؛ لأنّ هذه الحقائق علاقتها الدقيقة غير معروفة[28] .وهنا، قد يُعترض بأنّ الوضعية لا تهتمّ بالمثالية والعدالة، بحيث تجد نفسها مضّطرة إلى اتّباع المثل الأعلى، وإذا جاز التعبير، فإنّ مثل هذا النقد الموجّه هو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع. لكن، لو صحّ هذا الكلام، فهو يُشكّل اعتراضًا آخر على أساس الوضعية[29].
3. إذا اعتبرنا الإنسان كائنًا له الحق في التعالي والتفوّق والنمو -وهي النظرة الدينية للإنسان باعتباره خليفة الله - فإنّ الإجابة على سؤال ما إذا كان هذا الإنسان يمتلك الإمكانيات المادية والمعنوية اللازمة للنمو سوف تظهر أهميته. ومن هذا المنظور فإنّ القانون هو أداة لإيصال الإنسان إلى مكانته ومنزلته الحقيقية، في حين أنّ الوضعية القانونية تفتقر إلى مثل هذه القدرة؛ لأنّها لا تعي حاجيات الإنسان المادية والروحية. لا شكّ في أنّه لا يمكن -بسبب تجريبية الوضعية - عدّ الماورائيات والأمور المعنوية أمورًا قابلة للمعرفة أصلًا بالنسبة لهم. وبطبيعة الحال، ينبغي القول إنّ مثل هذا النقد للوضعية هو خارج السياق تمامًا ويمكن طرحه في النهج الديني أكثر من النهج القانوني.
4. لا يقتصر تأثير الأخلاق على إعداد القواعد القانونية فحسب، بل يمتد إلى تنفيذها وتفسيرها؛ ولذلك لا ينبغي عدّ الأخلاق من مباني إيجاد القانون، فالقانون الأخلاقي هو العامل الأساسي في إيجاد القانون، وهو قوة فاعلة توجّهه وتهديه، ولها القدرة على إزالة قواعده أيضًا[30]. نعم، تسعى الأخلاق إلى تحسين الفرد، لكن نتيجتها المباشرة هي توفير النظام العام؛ إذ إنّه في المجتمع الذي يكون أفراده متدينين وصادقين، تكون عملية تحقيق النظام أسهل؛ ولهذا فإنّ العديد من القواعد الأخلاقية لها هدف اجتماعي أيضًا؛ فمثلًا، لقد قُرّر تكليف المستأمَن في ردّ الأمانة، والغاصب في جبران أضرار المالك لأجل الحفاظ على السلام والصلح في المجتمع، فكيف يمكن الادّعاء بأنّ المصلحة العامة وحق المتضرر لم تكن ملحوظة في مثل هذه الأمور؟ ولذلك لا يمكن فصل العالم الداخلي عن العالم الخارجي وعدم اعتبار سعادة المجتمع هدفًا للأخلاق . ومن الواضح علميًا وتنفيذيًا أنّ قيمة القانون تكمن في تنفيذه وتطبيقه؛ حيث إنّه إذا لم يتمّ تطبيق القانون أو تمّ تحييد تأثيره الحاسم من خلال اللجوء المستمر إلى حِيَل القانون، فلن يكون له التأثير والنتيجة المرجوّة، وسيتمّ اعتبار مثل هذا القانون في حكم غير القانوني. ومن المعلوم أيضًا أنّ وجود الضمانات التنفيذية لا تُعدّ كافية وحدها للالتزام بالقانون والعمل به، بل إنّ القوة أو السلطة الأخلاقية والالتزام الفردي والجماعي في اتّباع القانون هي التي تجعل القانون فعّالًا على مستوى الفرد والمجتمع، سواء أكان ذلك في حالات المراقبة أو عدمها، وكذلك في مختلف الأحوال والمواقف الأخرى.
5. إذا تمّ قبول أنّ إرادة أو مشيئة الحكومة هي المصدر المباشر للقانون، وأنّ للقاعدة توصيفها القانوني، الذي تدعم الحكومة تنفيذها، فإّن معيار قيمتها سيكون مرةً أخرى هو الأخلاق. فالناس يقيّمون القاعدة المتضمنة في وجدانهم، ويتّخذون الموقف المناسب منها؛ ولذلك يقول الأستاذ الفرنسي الشهير ريبر، والذي يعتبر أنّ القانون من إرادة الحكومة: «إنّ مهارة الحكّام تكمن في استخدام السلطة الأخلاقية لمصلحتهم؛ لأنّ القانون الذي يتوافق مع المُثل الأخلاقية سيطبّقه الشعب بسهولة، واحترام مثل هذا القانون يرتكز على تنفيذ الواجب طوعًا واختيارًا، وعلى العكس من ذلك فإنّ القانون الذي يصطدم مع المثل الأخلاقية لا يُنفّذ إلّا بشكل ناقص»[31]. نعم، تُمثّل سلطة الأخلاق والقيم الأخلاقية عاملًا رئيسيًا في التنفيذ الصارم للقوانين واللوائح أو المقرّرات، ونشر الحقوق واتساعها، وإجراء النظام والعدالة . ولذلك، إذا لم يعمل القانون على تحسين أخلاق الناس، فلا يمكن إرساء النظام من خلال الشرطة وحدها. فهدف القانون هو إقامة العدل، والعدالة لها بُعد أخلاقي قبل كل شيء.
6. كما يقول الشهيد مطهري: «لقد قسّم الحكماء الحكمة إلى حكمة عملية وحكمة نظرية. فالحكمة النظرية هي إدراك الوجود كما هو، والحكمة العملية هي إدراك سياسة الحياة كما ينبغي أن تكون. وتُمثّل هذه»الضرورات» النتيجة المنطقية لتلك «الوجودات»».[32]
7. تعتبر انتقادات رونالد دوركين[33] للوضعية القانونية انتقادات جادة لخطاب القانون الليبرالي. فهو لا يأخذ في الاعتبار ادعاء الوضعيين القانونيين بأنّه لا ينبغي أخذ مضمون القانون في الاعتبار عند فحص صلاحية القانون. بل يُعدّ مضمون القواعد القانونية مؤثرًا في صحتها القانونية. كما أنّ الفصل بين القانون وصلاحيته القانونية -من جهة - عن الأخلاق والقيم الأخلاقية -من جهة ثانية - غير مقبول في رأيه[34] .
8. من عيوب هذا المنهج أنّه لا يستجيب لمسائل مثل غاية الخلق، وهداية الإنسان، والقيم الأخلاقية، ولا يؤمن بالدين، ويسعى فقط إلى وصف المجتمع. ومن ناحية أخرى، فهو لا يملك فهمًا صحيحًا للإنسان ويعتبره مخلوقًا أحادي البعد يتكون من لحم وجلد وعظام. في حين أنّه لا بدّ قبل بناء أي ثقافة وحضارة ومدرسة من معرفة الإنسان؛ لأن الحضارة إذا لم تقم على معرفة الإنسان فإنّها -مهما بلغت من العظمة - من الممكن أن تمسخ الإنسان وتشوهه أو تفرز نسخًا مفسدة ومرعبة، مثل الأنظمة البوليسية والحكومات المستبدّة باسم الدين.
9. تلتزم الوضعية الصمت تجاه الأسئلة الأساسية المثارة ضدّ النظام القانوني؛ أي إنّها تأخذ موقف «اللاأدرية»[35] فيما إذا كانت الأسئلة مرتبطة بأسس قانونية، ويصرّح بأنّه «لا يدري» مشددًا على الطبيعة العلمانية. وإذا سألنا الوضعي لماذا يجب أن يكون لدينا قانون ونظام قانوني؟ ولماذا يجب أن نتبع النظام القانوني؟ وما هو الدور الذي يلعبه القانون في الحكم؟ فإنّه لا يقدّم أي إجابة على هذه الأسئلة، رغم كونها أسئلة أساسية في أي نظام قانوني.
التحليل النقدي لمفهوم القانون من وجهة نظر كيلسن
دراسة لنظرية كيلسن القانونية
يُعتبر القانوني النمساوي هانز كيلسن[36] (1881 -1973) أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في الوضعية المعاصرة؛ إذ لم يقدم أحد في القرن العشرين تحليلًا واضحًا للعملية القانونية أو يحقق بحثًا مستنيرًا حول معنى القانون وبنيته وصلاحيته كهانز كيلسن[37]، وتُعرف نظريته التي طرحها تحت عنوان «النظرية القانونية البحتة»[38][39] باسم إنجيل الوضعيين[40]. فقد كان هدف كيلسن هو توفير نظام قانوني مكتفٍ ذاتيًا ومستقل، وهو يعتقد أنّ نطاق القانون يجب أن يتمّ تخليصه من أي مسألة غير قانونية، وبهذا المعنى فهو يعارض بشدة القانون الطبيعي. ووفقًا له، ينبغي تصميم النظام القانوني بطريقة تجعله مستقلًا عن أي نوع من المسائل التي تكون خارج نطاقه. حيث يُعدّ القانون قيمة بنفسه، وليس أداةً لقيم أخرى. كما يؤكد أنّه ومن أجل فهم القانون ينبغي اعتباره نظامًا من «ما ينبغي» أو القواعد والمعايير[41] [42] . وتمامًا مثل أوستن، ولكن على عكس هارت، يُعدّ كيلسن «اختزاليًا»؛ بمعنى أنّه يحاول تقديم جميع القواعد القانونية كتعابير مختلفة لنوع واحد من الفرضيات (يمكن اعتبار أوستن اختزاليًا بمعنى آخر أيضًا؛ إذ يمكن القول إنّه يحاول اختزال الظواهر المعيارية إلى فرضيات تجريبية، ولكن مما لا شكّ فيه أنّ كيلسن ليس اختزاليًا بهذا المعنى). وفقا لأوستن، ينبغي فهم جميع القواعد القانونية على شكل أمر الحاكم. ينبغي -من وجهة نظر كيلسن - فهم هذه المعايير على أنّها إعطاء السلطة للمسؤول وصاحب المقام الرسمي لفرض العقوبة (في حالة عدم الامتثال للمعايير المحددة)[43].
يحاول كيلسن دراسة القانون بطريقة متخصصة وتقديم نظرية لا تتعلق بنظام قانوني محدد، بحيث يمكن استخدامها في كل زمان ومكان. وهو يرى أنّ الوضعيين الذين سبقوه حاولوا جميعًا ربط القانون بأمور مثل علم الأحياء وعلم النفس وعلم الاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالي كان القانونيون مضطرين إلى دراسة العلوم الأخرى للظفر بالمعنى الحقيقي للقانون، بينما في هذه الحالة، لن يبقى من القانون في نفسه شيءٌ[44] .
وفي هذا السياق أيضًا تُعدّ «القاعدة الأساسية»[45][46] الركيزة الجوهرية لتحليل هانز كيلسن للقانون. حيث إنّ جميع القواعد والأحكام القانونية هي معايير أو قواعد في النهاية، بمعنى أنّها مقترحات أو فرضيات تحدد الإجراءات التي يجب على المواطنين القيام بها أو لا ينبغي عليهم القيام بها. وبالاستناد إلى التمييز بين «ما يكون» و«ما ينبغي» ــ والذي يُنسب عادة إلى ديفيد هيوم ــ فإنّ المقترحات المعيارية القانونية المحددة لا يمكن أن تبتني إلا على معايير وقواعد أكثر أساسيةً أو عامّية. فإذا كان البناء على أن يتمّ توجيه وتبرير المعايير الخاصة من خلال المعايير العامة أو الأكثر أساسية، ففي هذه الحالة، ينبغي، حَذَرَ الوقوع في تسلسل سلسلة التبرير المعيارية، التوقّف في محلٍّ ما. فلا بدّ إذًا من وجود قاعدة أو معيار مفترض الصحة وليس مستمدًا من قاعدة أو معيار آخر. يعتبر كيلسن النظام القانوني بمثابة نظامٍ من القواعد، ويُطلق على القاعدة الرئيسة لهذا النظام اسم «القاعدة الأساسية»[47] . وتكمن الأهمية الرئيسة لهذه القاعدة في أنّ الأنظمة القانونية، مثل جميع الأنظمة المعيارية (بما في ذلك الأخلاق والدين)، تستند إلى قاعدة أصلية لا تعتمد بحكم تعريفها على سبب أو أساس آخر، وبما أنّ صلاحية القاعدة الأصلية وصحّتها لا يمكن اعتبارها مستندة إلى قاعدة أخرى، لزم افتراض صحّتها. فالقاعدة الأصلية موجودة، ولكن فقط في «الوجدان القانوني»[48]؛ ولذلك فإنّ صحة هذه القاعدة هي مجرد فرضية[49] مفهومية صورية تمامًا.
لا ينسجم كيلسن مع الوضعيين الذين سبقوه، ولكنّه يعتبر النظام القانوني مجموعة من القواعد التي يتم التعبير عنها بـ «الضرورات»، لكن هذه الضرورات خالية تمامًا من الأخلاق ولا تقترب أبدًا من مناهج القانون الطبيعي - المطابقة لمعيارٍ أعلى وميتافيزيقي -. وتظهر هذه المعايير مع ظهور القواعد؛ بمعنى أنّه عندما تُجرد القوانين من كل العناصر «الأخلاقية» و«الواقعيات الاجتماعية»، تبقى مجموعة من القواعد التي تشبه بنيتها بنية الهرم، وتترابط بطريقة عقلانية. وتعتبر هذه القواعد «ضرورات قانونية»، بحيث تكون منفصلةً عن «الضرورات الأخلاقية»، فليس للقواعد القانونية -بما هي قواعد - روابط منطقية، بل هي الضرورات التي تعتبر المعايير القانونية مظاهر لها[50].
لقد كانت نظرية القانون البحتة -والتي يمكن تسميتها أيضًا «تنقية المعرفة القانونية من العناصر غير القانونية» - في الأصل ثورةً على تلك المقولات الأخلاقية والأيديولوجية لمعرفة القانون، حيث أكّدت على الفصل بين الأخلاق والقانون، وقامت بعملية التنظير والاستدلال على بعض الأعمال التي عمل بعض الفقهاء على اتّباعها لفترة طويلة.
يعتقد كيلسن أنّ الحكومة هي، قبل كل شيء، نظام يقوم على الالتزام والطاعة، وهذا النظام القانوني هو الذي يقوم بعملية تنظيم هذا الالتزام والطاعة لأتباع القانون. لذا فإنّ الحكومة كمنظمة سياسية هي النظام القانوني. إلا أنّنا في مقام نقد مقولة كليسن، يمكن لنا أن نقول إنّ هذا التطابق والوحدة بين الحكومة والنظام القانوني، هو بمثابة تطابق ووحدة العناصر الماهوية والشكلية والهيكلية التي تُعدّ مختلفةً عن بعضها بعضًا بكل تأكيد. وبعبارة أخرى، لقد اختزل كيلسن العنصر الأساسي للدولة والنظام القانوني في الالتزام والطاعة، ومن وجهة النظر هذه، فهو يعتبرهما مترادفين، إلا أنّ هذا الأمر ليس صحيحًا[51].
أمّا فيما يتعلق بالعلاقة بين القانون والحكومة، فقد اختار كيلسن نهج «الوحدة». وفي هذا النهج الذي يدعمه كيلسن ويفضّله لا يكون القانون والحكومة مفهومين منفصلين عن بعضهما بعضًا، بل هما عين بعضهما. ففي نظره، لا يقوم النظام القانوني على العقد بل على مبدأ الالتزام والإجبار[52]، كما يعتقد أنّ السياسية تنحصر بالحكومة فقط. كل هذا يرجع في الحقيقة إلى الفكرة التالية، وهي أنّه وفقًا للفلاسفة الألمان والنمساويين تقع الحكومة بمنزلة القوة من الفيزياء، النفس من علم النفس؛ مما يعني أنّ الحكومة هي محور كل نظريات الفلاسفة الألمان[53]. نعم، يفضي مبدأ وحدة القانون والحكومة إلى شرعية الحكومة من جهة وإلى دولة القانون من جهة أخرى. لكن أيضًا في مقام نقد هذا المبدأ لدى كيلسن، يمكن القول: إنّه لا شكّ في أنّ الحكومة يمكن أن تكون مصدرًا للعديد من القواعد القانونية، إلا أنّها ليست المصدر الوحيد؛ إذ توجد معايير أخرى، كالمعايير المتعلقة بالأخلاقيات المهنية، تكون خارج هذا المجال. وفي الوقت نفسه، لا تُعدّ إرادة الحكومة هي الأساس في كثير من القواعد القانونية، إذ يمكن طرح قواعد أخرى للمعايير القانونية، مثل القواعد الدينية والمعايير الأخلاقية وما إلى ذلك.
الانتقادات على نهج كيلسن في القانون
على هذا الأساس، فإنّ الانتقادات الموجّهة إلى كيلسن هي كالتالي:
1. الانتقاد الأول في النظرية هو في عنصر «البحتية» نفسه؛ فهل من الممكن حقًّا إخراج العناصر الاجتماعية والسياسية القانون؟ بل يمكن القول إنّ مفهوم «الكفاءة» الذي يوليه كيلسن الكثير من الاهتمام في تحليله لا يمكن قياسه إلا من خلال الاعتبارات الاجتماعية التي يعتبرها هو خارج مجال القانون[54].
2. لقد تسببت النزعة المتطرفة المتمثّلة في مذهب «كفاية اعتبار الحكومة»، أي النظر إلى القانون على أنّه نتيجة لإرادة الحكومة فقط، في فصل القانون عن الأخلاق والقيم السامية، بما في ذلك «العدالة»، واختزال غرض القانون في خلق نظام اجتماعي يتماشى مع المصالح المادية؛ مع أنّه من الواضح خطأ هذا القول المتطرف؛ حيث إنّه بالوجدان لا يوجد شخص يمكن أن يعتبر القانون، الذي يُعدّ كونه ظالمًا ومجحفًا بنحوٍ مسلم - شرعيًا وملزمًا بناءً لمجرد اعتبار الحكومة وإرادتها له[55].
3. تجعل هذه النزعة المتطرفة -أي مذهب «كفاية اعتبار الحكومة» في تفسير ماهية القانون، وقطع أي علاقة بين القانون والحقائق والقيم - القانونَ سيالًا وقابلًا للانعطافات، ويعطيه طابع «النسبية»، بحيث يزيل إمكانية أي تقويم ووصف للقاعدة القانونية من حيث حسنها وسوئها؛ ولهذا السبب توفر الأساس لإساءة استخدام الدول والأنظمة الاستبدادية له من ناحية أخرى؛ نتيجة أنّه لا يوجد معيار سابق لصحة القرارات والقوانين التي تصدرها تلك الدول؛ وكما ذكرنا سابقًا، بحسب بعض المؤلفين، فقد تسبِّب هذه النظرة المبالغ فيها في ظهور دول وحكومات إجرامية مثل الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا[56].
4. كما ذكرنا، يعزو كيلسن صلاحية كل قاعدة قانونية واعتبارها إلى القاعدة القانونية العليا، لكنّه لا يحدّد لنا من أي مصدر يستمدّ منه الدستور -الذي يقع في أعلى هذا الهرم - صلاحيته. كما أنّه لم يتمكن من الإجابة على سؤال: لماذا تكون القاعدة القانونية العليا ملزمةً للإنسان؟ وعلى أي أساس تقوم؟ فلم يُجِب على ذلك، ورفض البحث عن أصول القوانين[57].
5. تُعدّ كفاءة وفعالية النظام القانوني بأكمله -وفقًا لكيلسن - شرطًا ضروريًا لصلاحية كل قاعدة من القواعد الموجودة داخل هذا النظام؛ وبعبارة أخرى، فهو يعتقد أنّه إذا كان النظام بأكمله فعّالًا وتمّت مراعاة قوانين النظام القانوني بشكل عام، فمن الممكن أن ننسب الصلاحية إلى كل قاعدة من قواعده، وإلا فلا [58]؛ لذا يكمن جوهر كل نظام قانوني في أنّ يتمّ الالتزام بجميع قوانينه، بيد أنّه لا يمكن الإذعان بهذه الفكرة مباشرةً وهي تستحق التأمل جدًا؛ إذ كيف نعلم إذا تمّ اتّباع القواعد بالفعل أم لا؟ وكيف يمكننا معرفة هل القانون -كما قال كيلسن - فعّال بشكل عام أم لا؟ ومن الجدير بالذكر أنّنا لا يمكن أن نتمسّك بالتجربة كجوابٍ على هذه الأسئلة؛ لأنّ نظرية القانون البحتة تستبعد مثل هذه التحقيقات الاجتماعية وتتجنّبها.
6. هناك حدود وقيود لـلـ «بحتية» في نظرية كيلسن البحتة. إذ لم تكن نظريته خالية تمامًا من الأمور التجريبية. على سبيل المثال، وفقًا لكيلسن، يعتمد وجود أي نظام قانوني (والتغيير من قاعدة أساسية إلى قاعدة أخرى في أي ثورة) إلى حدٍّ ما على كفاءة هذا النظام وفعّاليته . وفي الواقع، فقد اتخذت بالحسبان الأمر التجريبي كالمعيار للنظام القانوني.
7. يُعلن كيلسن -في رسم هرمه - عن وجود مبدأ وقاعدة أساسية قبلية، في حين أنّه يتمّ تغيير الحكومة في الثورات، والنظام القانوني الجديد الذي تأتي به لا يقوم على أي مبادئ مسبقة بل ينبغي له أن يُستمدّ من الظواهر الاجتماعية. كما أنّه لا يوجد أيّ مبدأ أو قاعدة عليا تعلو القيم الإنسانية السامية كالحرية والأمن، بحيث تكتسب هذه القيم مصداقيتها من المبادئ العليا[59].
8. لقد جعل تركيزُ كيلسن المفرط على الانتظام والجزم من قوانينه المقترحة نظامًا بلا روح وخاليًا من القيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية العليا. إنّه يريد أن يعرف جوهر القانون بغض النظر عن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غافلًا عن أنّ هذه العوامل هي أساس قواعد القانون ولا يمكن فصلها عن طبيعته وماهيته. إن الحرمان من القانون والقيم والواجبات الإنسانية والاجتماعية يزيل القوة المعدّلة لإرادة الحكومة -أي التي تعمل على تعديل إرادتها - ويضع أفراد المجتمع أمام مؤسسة متمرّدة يجب احترام ظلمها وتعسّفها في جميع الأحوال[60].
9. يقوم النظام القانوني عند كيلسن على القهر والإجبار، فوراء القواعد القانونية، يكمن عنصر القهر والإجبار [61]، كما لا تعتمد إجبارية القواعد القانونية وماهيتها القانونية على أي مصدر وأصل فوق بشري، كالله، أو الطبيعة، أو الشخص الحاكم، أو الأمة. وفي الواقع، يُفرض القهر والإجبار -في النظام القانوني لكيلسن - على الإنسان من الخارج، ويشعر الإنسان بهذه القوة الخارجية والإجبارية بوضوح، فيلتزم بالقوانين خوفًا منها. ومن الواضح أنّه في مثل هذه الأنظمة التي لا مكان فيها للقداسة أو الاعتقاد الداخلي في اتباع القوانين، سيكون النظام القانوني هشًّا للغاية، بحيث إنّه عندما يرى الناس أنفسهم متحرّرين من سيطرة الحكومة، لا يعودون يرون الحاجة إلى اتّباع القوانين والأعراف، بل سيدوسونها تحت أقدامهم.
دراسة نقدية لمفهوم القانون من وجهة نظر هارت
دراسة نظرية هارت القانونية
«من الواضح أنّ التيار السائد للوضعية القانونية الإنجليزية قد اتّبع أفكار
(H.L.A Hart 92 -1907)[62]» [63]. يُعرف هارت غالبًا بأنّه الشخص الذي رسم إطار النظرية القانونية الحديثة من خلال تطبيق تقنيات الفلسفة التحليلية، وخاصة الفلسفة اللغوية، في الدراسات القانونية، وتعتمد منهجيته في فلسفة القانون على «التحليل المفاهيمي»[64]. وقد حاول هارت -من خلال اتّباع النهج الجديد الموجّه نحو اللغة - دراسةَ استخدام ظاهر الكلمات المستعملة في القانون من أجل الوصول إلى الفهم الذي يملكه الناس والمجتمع لتلك الكلمة، وفهم الواقع القانوني بشكل أفضل.
لقد جاءت الجوانب المهمة في نظرية هارت من الانتقادات التي وجهها إلى أهم مفكّر قبله، أي جون أوستن، وتمّ التعبير عنها بالصيغة نفسها، فقد أسّس -في كتابه مفهوم القانون -[65] نظريته في معارضة نظرية الأوامر لأوستن، وبرّر النقاط الرئيسية في نظريته -كما فولر - بالاعتماد على تطوير وتعزيز النقاط التي بقيت ناقصة في نظرية أوستن، ففي حين جعل أوستن جميع القوانين مرهونة بأوامر الحاكم، أصرّ هارت على تنوع القوانين، حيث إنّ صلاحية القانون -من وجهة نظر الأخير - بحيث تكون بمثابة الأوامر لا توفّر جميع الأجزاء المطلوبة من النظام القانوني، وهو يعتبر هذه نظرية غير مكتملة، ويرى أنّ حقيقة أي نظام قانوني لا يظهر من خلالها. فهو يعتبر القانون نوعًا خاصًا من نظام الحكم الاجتماعي؛ وفي الواقع، فهو يدرس القانون بمفهوم «القواعد»[66] وليس «الأوامر»[67]. وتتضمن وجهة نظره للقانون «دمج القواعد الأولية[68] والثانوية»[69] أيضًا. فالقواعد الأولية هي المسؤولة بشكل مباشر عن تحديد التكليفات، أما القواعد الثانوية فهي تتعلق بمرحلة التنفيذ وتعارض القواعد الأولية[70] . ووفقًا له، تشتمل الأنظمة القانونية على كل من القواعد التي تخاطب المواطنين بشكل مباشر (القواعد الأولية) والقواعد التي تُنبأ المسؤولين بكيفية تحديد القواعد الأولى وتعديلها وتنفيذها (القواعد الثانوية). والغرض من القواعد الأساسية هو تنظيم سلوك الأشخاص في المواقف المختلفة[71]، ولا يمكن لهذه القواعد الإلزامية أن تلبّي جميع احتياجات النظام القانوني؛ لأنّ النظام القانوني المتكوّن من القواعد الأساسية وحدها أو المبنيّ على نموذج أوستن يواجه ثلاث مشاكل: عدم قطعية القواعد؛ وركود المجتمع؛ والنظام القانوني غير الفعّال. وهو يذكر أنّ القانون لا يتكوّن من أوامر الحاكم وضمان التنفيذ الناتج عن انتهاكها فقط، بل القانون هي «نظام» أو «جهاز» له مكوّنات مختلفة وبوظائف متفاوتة.
ومن ناحية ثانية، يستخدم هارت مفهوم القاعدة واستند عليه للتمييز بين «الإجبار»[72] و«الالتزام»[73]، ويبيّن أنّ النظريات القانونية المبنيّة على ضمان الأداء لا تفرّق بين الإلزام والإجبار على القيام بالعمل. ففي رأيه، عندما يُكره الشخص على القيام بشيء ما، فهو ببساطة مجرّد شخص مجبور على القيام بذلك، لكنّه لا يملك التزامًا بذلك[74] . والحقيقة أنّها بعيدة كل البعد عن المراقبة، خاصةً في كل الأنظمة الاستبدادية، فإنّها قد تدمّر نتائج عملها وتنكرها بنحوٍ تام.
خلافًا للقواعد الأولية، لا تتبع القواعد الثانوية معايير السلوك المحددة والثابتة؛ لأنّه ليس لهذه القواعد محتوى خاص بها. فهي عبارة عن قواعد حول القواعد -إذا جاز لنا التعبير - وهي تؤكّد على بعض الأمور كالمشرعين والمحاكم[75] . علمًا أنّ القواعد الثانوية الأكثر أساسية، هي تلك التي تسمّى بـ «قواعد التعرّف».[76] وتعود صلاحية جميع القواعد الأساسية إلى قاعدة التعرف هذه. وتُعتبر هذه القاعدة أهم مصدر للصلاحية القانونية، والتي تتجذّر منها في النهاية صلاحية القوانين أو اللوائح والمقررات أو الوثائق القانونية، وشرعية المحاكم القانونية ومحاكمات هذه المحاكم، وكذلك جميع أعمال المقرّرات القضائية. ولهذا، يقول هارت إنّ هذه القاعدة الأساسية يمكن لها الظهور بأي شكلٍ من الأشكال، فقد تكون مكتوبة أو غير مكتوبة، وشفهية أو كتابية[77].
وهنا لا بدّ أن نشير إلى أنّ قاعدة التعرّف تتضمّن أيضًا المعايير التي يمكن استخدامها لتحديد القواعد التي تعتبر جزءًا من النظام القانوني وأيها لا تعتبر جزءًا منه. حيث تمثّل هذه القاعدة الخطوة الأخيرة في سلسلة التفكير القواعدي. فهي تلعب -في نظام هارت - الدور نفسه الذي تلعبه القاعدة الأساسية في نظرية كيلسن القانونية. وفي هذا السياق يمكن القول إنّ «قاعدة التعرّف» هي معيار يسمح لمنفّذي القانون بالتمييز بين القواعد القانونية والقواعد الأخرى. وبناءً على ذلك، يمكن للقواعد الأخلاقية أن تدخل عالم القانون لا من خلال الاعتماد على القيمة الأخلاقية، بل ببساطة من خلال الامتثال للشرط المنصوص عليه في قاعدة التعرّف. وبهذا، تكتسب قاعدة التعرّف صلاحيتها من القبول الداخلي للقضاة وغيرهم من المسؤولين، وتكتسب القواعد القانونية الأخرى صلاحيتها من قاعدة التعرّف[78] .
كما ذكرنا سابقًا، تختلف وضعية هارت كثيرًا عن صورة أوستن القمعية للقانون. حيث يرى هارت أنّ القانون ظاهرة اجتماعية لا يمكن فهمها إلا من خلال شرح الوظائف الاجتماعية الحقيقية. ووفقًا له، يحتاج المجتمع إلى مجموعة من القواعد الأساسية للبقاء. ويسمي هذه القواعد الأساسية «الحد الأدنى لمحتوى القانون الطبيعي»، وقواعد مثل «الضعف الإنساني»،[79] و«المساواة التقريبية»،[80] و«الإثار المحدود»،[81] و«الموارد المحدودة»،[82] و«الفهم المحدود وقوة الإرادة»[83] [84]. كما يدعي بأنّ القانون لا يتحقق على الإطلاق دون مراعاة الحد الأدنى لمحتوى القانون الطبيعي؛ وذلك لأنّ النظام القانوني هو نظام منظّم ينظّم سلوك الإنسان، ولا بدّ أن تكون له مثل هذا الملاكات[85]. على سبيل المثال، من هذه الحقائق أنّ الامكانات والموارد الموجودة ليست متوفرة بكثرة ويجب إيجادها في الطبيعة أو صنعها بالعمل وبذل الجهد. كما تجعل هذه الحقائق -وحدها - الحد الأدنى من أشكال مؤسسات الملكية وأنواع معينة من القواعد التي تستلزم احترام الملكية ضروريةً. وهنا ينبغي ملاحظة أبسط أشكال الملكية في القواعد التي جُعل -بشكل عام - دخول الملك أو استخدامه أو أخذ الأشياء المادية أو استهلاكها دون إذن المالك أمرًا «ممنوعًا». وكذلك يبرّر «ضعف الإنسان» مقابل الاعتداءات الجسمية والجسدية ضرورة وضع قواعد حول منع العنف والقتل.
ووفقًا له، فإنّه من المشروع للحكومة أن تبني سلطتها على نهج الحد الأدنى لمحتوى القانون الطبيعي، ويرى أنّ هذه المفاهيم ستكون بمثابة القيود القانونية للحكومة، بحيث إنّه إذا لم تلتزم بها الحكومة فإنّها ستصير مفتقرةً إلى الشرعية؛ وفي الواقع فإنّه يقدّم هذه المفاهيم على أنّها المبادئ الأساسية للحكومات، ويعتبر معارضتها حركةً ضدّ الطبيعة البشرية. وعلى الرغم من تأييده لماهية الحدّ الأدنى لمحتوى القانون الطبيعي، إلا أنّه -كأحد الوضعيين - لا يعتقد بأيّ شكل من الأشكال أنّ هناك بالضرورة علاقة مفاهيمية أو تعريفية بين المادة القانونية والمسألة الأخلاقية، رغم أنّه لا ينكر تأثير الأخلاق في بعض الحالات على القانون، بيد أنّ هذه المجالات لم يتمّ توضيحها بشكلٍ دقيق[86] .
يُعتبر منهج هارت المعتدل واضحًا تمامًا في بحث محتوى الحد الأدنى لمحتوى القانون الطبيعي. ويرى في هذا التوجه أنّه رغم عدم جواز إدخال مفاهيم القانون الطبيعي في القانون وإقامة ملازمة بينها، إلا أنّه يعترف بأنّ بعض هذه المفاهيم - التي يشير إليها بـ «جوهر القانون الطبيعي» - هي لازمة وضرورية لكل نظام قانوني، ولا يمكن للقانون أنّ يتجاهلها ويضع قواعد ضدّها. ومن ناحية أخرى، فهو ينأى بنفسه بوضوح -في هذا النهج - عن «بحتيّة» كيلسن ويدخل بعض مفاهيم القانون الطبيعي في مجال القانون. ولهذا، أدّى نهج هارت إلى إحياء الفلسفة الوضعية، التي تراجعت بعد محاكمات نورمبرغ.
أمّا فيما يتعلق بالقانون والأخلاق، فيمكن للمرء أن يبحث عن نهج هارت المعتدل أيضًا. حيث يلتزم هارت -بصفته وضعيًا - بالتمييز بين القانون والأخلاق باعتبارها الفرضية المركزية للوضعية القانونية، لكنّه -من ناحية ثانية - لا ينكر وجود تداخل كبير بين القانون والأخلاق. ولهذا، فهو يميز بين «الأخلاق الحقيقية»[87] و«الأخلاق النقدية»[88] في المجتمع. كما يكمن الفرق بين «الأخلاق المشهورة» و«الأخلاق النقدية» في الفرق بين ما يعتقد به الناس في المجتمع يكونه صحيحًا أخلاقيًا وما يكون صحيحًا في الواقع، بمعنى أنّ الأولى هي المعتقدات الأخلاقية المستقلّة عن الفكر الذي يؤمن به المجتمع في مقطع زماني ما، والثانية تتكون من مجموعة المعتقدات الأخلاقية التي يلتزم بها المجتمع بعد فحص الأخلاق الحقيقية وأشياء أخرى أيضًا، كأنّ يتمّ فحص تحقق انسجام التصورات مع الحقائق وصحتها، فإنّ هذا الأمر يوصل إلى ذلك. كما يعتقد أنّ القانون يجب أن يتبع معايير «الأخلاق النقدية» [89]؛ ولذلك يتحدث هارت عن هذا الاختلاف في «القانون والحرية والأخلاق»[90].
يرى هارت، أنّه يحقّ للمجتمع أن يمنع أفراده من إلحاق الضرر ببعضهم أو بأنفسهم، مثل إيذاء الآخرين، ولكن ليس من حقه إجبارهم على اتّباع المعايير الأخلاقية الجماعية. والمثال الخاص الذي يدور في ذهنه هنا هو حظر بيع وتعاطي المخدرات، والذي يتمّ تبريره على أساس أسباب أبوية. وقد عارض -باسم الحرية - ميل أي تدخل حكومي في مثل هذه الأمور، لكن هارت وضع حدًا جديدًا لـ «مبدأ عدم الضرر»، والذي كان في الواقع تفسيرًا أكثر دقة لهذه العبارة. وكانت حجته هي أنّ المجال الدقيق للقانون هو الحد من الضرر الملموس - للنفس أو للآخرين -، أما من وجهة نظر ميل فإنّ هذا المجال يؤذي الآخرين. إنّ الشيء الذي يؤكده هارت في وجهة نظر ميل هو فكرة دفاع ميل عن اختيار الفرد لأسلوب الحياة بنفسه، أمّا ما يرفضه فهو إصرار ميل على هذا الأساس التالي، وهو أنّ هذا الحق ليس له حدود ذاتية متأصّلة. فمن وجهة نظره، أخطأ ديفلين في افتراضه أنّ أي مجتمع سيكون له الحق تلقائيًا في الدفاع عن نفسه إذا تعرضت أخلاقه للتهديد، بغض النظر عن مدى عيوب أو خطأ تلك الأخلاق[91].
ومن خلال قبول مبدأ جون ستيوارت ميل «عدم الضرر» وتوسعته، فقد قدّم تفسيرًا مفصَّلًا للعلاقة بين الأخلاق والقانون، واعتبر أنّه من الجائز إدراج القواعد الأخلاقية في القانون من خلال النظر في المبدأ المذكور. في الواقع، على عكس كيلسن، الذي آمن بتنقية القانون من جميع العناصر غير القانونية وعدم تدخّلها في القانون، وأخذ في الاعتبار فقط إرادة الحكومة في سنّ القانون، فقد قَبِلَ هارت أنّ الحكومة تستطيع تبديل القواعد الأخلاقية -من خلال الأخذ في الاعتبار أصل عدم التدخل -إلى قواعد قانونية؛ أو -لا أقلّ - فرض عقوبات على انتهاك القواعد الأخلاقية للمجتمع.
لقد أنتجت نظرية هارت الوضعية تقدّمًا مهمًّا في التفكير الوضعي في موردين مرتبطين: الأول؛ وضع حدًا للاستنتاجات التعسفية لأوستن وآخرين حول المدرسة الوضعية، بمعنى أنّ وجهة نظر هارت الوضعية لا تعتمد على الادعاء المثير للجدل بأنّ وجود القانون وقوته المعيارية يعتمد على إرادة الحاكم المطلق؛ الثاني، قدّم هارت تفسيرًا جديدًا لـ «الواجب» القانوني. بنظرة فاحصة إلى «الواجب» يتضح أنّه ليس أخلاقيًا، ولا تحذيريًا، ولا نفعيًا، إنّ «الواجب» في الواقع مبني على عادات اجتماعية تحترم القانون، و«الواجب» مثل قواعد لعبة ما، فطالما أنّها قوانين، فإنّ لها قوة قواعدية للأشخاص الذين يرغبون في اللعب. فهم يلعبون لأنّ هناك قواعد للعبة[92].
الانتقادات على نهج هارت للقانون
وهكذا، فإنّ الانتقادات الموجهة إلى هارت هي كما يلي:
1. من أبرز الانتقادات التي يمكن أن توجَّه إلى هارت هي عدم الاعتراف بالمنافع المعنوية والنفسية للمجتمع، والتي يحددها الدين أو الأخلاق، ولا يمكن تصور تحقيق المجتمع والعلاقات الاجتماعية والإنسانية من دونها. في الواقع، يُعدّ هارت -كجيريمي بينثام - من النفعيين[93] الذين يقبلون الأخلاق والدين على مستوى المنافع المادية العادية. فبحسب هارت، فإنّ المجال الدقيق للقانون هو حدود الضرر الملموس – للنفس أو للآخرين -. وفي الحقيقة، لا يعترف هارت -كغيره الكثير من القانونيين والفلاسفة الغربيين - بشيء اسمه «المبدأ الأخلاقي»، أي أنّ المبادئ الأخلاقية في رأيه ليست أكثر من أوهام.
2. وفي هذا السياق، فإنّ أحد الاختلافات الرئيسة بين هارت وكيلسن أنّ الأخير رفض مثلّث «الطبيعة والأخلاق والدين»، فيما اتخذ هارت نهجًا أكثر اعتدالًا تجاه هذه الأمور. يرفضُ هارت الدين، لكنّه يتّخذ موقفًا أكثر اعتدالًا بشأن الأخلاق، ويقبل الأخلاق القائمة على المصلحة والمنفعة، وفق نظر بنثام؛ ولذلكفإنّ هارت كما ذكرنا -كغيره من القانونيين والفلاسفة الغربيين - لا يعترف بشيء اسمه «المبدأ الأخلاقي»، وهي ليست أكثر من وهم في نظره. إنّ ما ينبغي اعتباره ملاكًا في مجال الأخلاق العامة للمجتمع هو مدى فائدة ذلك السلوك ونفعه للمجتمع، وبعبارة أصحّ، يُعدّ «عدم ضرر ذلك السلوك على المجتمع والفرد» ملاكَ قبول وعدم قبول السلوكيات في المجتمع، والأخلاق -بما هي أخلاق - ليست أساسًا للإلزامات. وهو يرى أيضًا، أنّ ما يعطي قيمة للافتراضات الطبيعية هو قيمتها المادية، بمعنى أنّه إذا كانت لها قيمة محسوسة وملموسة، فإنّنا نقبلها.
3. من الانتقادات المهمة الأخرى لهارت أنّه على الرغم من أنّه يعيد اعتبار النظام القانوني إلى «قاعدة التعرّف «، إلا أنّ نفس الانتقادات التي وُجهت لكيلسن في هذا الصدد تنطبق عليه أيضًا، كما أنّه ليس من الواضح إلى أي شيء يعود صلاحية هذه القاعدة وصحتها. وبحسب هارت، تنشأ صلاحية جميع القواعد الأولية من القواعد الثانوية، والتي تُعدّ قواعد حول القواعد، كما أنّ صلاحية جميع القواعد الثانوية ترجع أيضًا إلى قاعدة التعرّف، وبذلك تبرر صلاحية القوانين وصحّتها، ولكن ليس من الواضح من أين تنشأ صلاحية هذه القاعدة الموجودة نفسها، وعلى أي أساس تعتبر قوانين المشرع الجديد صحيحة ومعتبرة؟
4. من الانتقادات الخطيرة الأخرى الموجهة له، هي أنّه على الرغم من محاولته منع دكتاتورية القوانين والمشرعين بمفهوم «الحد الأدنى لمحتوى القانون الطبيعي»، إلا أنّ ذلك لن يتحقق أبدًا. فمن الواضح أنّه ليس من المنطقي السعي إلى الاهتمام بمحتوى القوانين بعدد صغير جدًا من معايير القانون الطبيعي، ولا وجه لذلك البتة. وعلى الرغم من أنّه نأى بنفسه إلى حدّ ما عن جفاف وركود النظام القانوني لدى كيلسن، وذلك من خلال إدخال هذه المفاهيم إلى القانون الوضعي، إلا أنّه بقي بعيدًا عن الهدف المثالي، بحيث يمكن أن يؤدي نظامه القانوني بسهولة إلى دكتاتورية القوانين والمشرعين.
المقارنة بين نظرية كيلسن وهارت
هناك أوجه شبه عديدة بين نظرية كيلسن ونظرية هارت، بيد أنّ نظرية الأخير تعتمد على أساس نظري مختلف تمامًا، فهي بدلًا من أن تكون مزيجًا من الأحداث الاجتماعية والتحليل التفسيري وفلسفة اللغة التقليدية -كنظرية هارت - نجد أنّها تنشأ من الكانطية الجديدة. يسعى كيلسن إلى تطبيق شيء شبيه بـ «الاستدلال الاستعلائي» لكانط[94] في القانون. وأفضل تعبير عن نظريته هو اعتبارها محاولة لتحديد عواقب هذه الحقيقة، وهي أنّ الناس في بعض الأحيان يعتبرون تصرفات الآخرين وأقوالهم (السلطات القانونية) بمثابة معايير صالحة ومعتبرة؛ ولهذا يمكن اعتبار نظرية كيلسن مبنية على منطق التفكير القواعدي أو المعياري. كما تنشأ الاستنتاجات القواعدية من فرضية قواعدية أكثر عمومية وأساسية. يمكن تقديم هذه المقدمة الأساسية في شكل فرضية عامة أو في قالب تحديد نوع من السلطة. وفي هذا الصدد، أشار العديد من المفسرين إلى أوجه التشابه بين قاعدة كيلسن الأساسية و«قاعدة التعرّف «لهارت: فقد لعب كلاهما دور القاعدة الأساسية في النظام القانوني. ومع ذلك، ربما تكون أوجه التشابه مبالغًا فيها؛ لأنّ هذين المفهومين يقعان في بناءات نظرية مختلفة تمامًا (في تحليل الكانطية الجديدة)؛ ولهذا إذا اعتبر المواطنون النظام القانوني نظامًا قواعديًا (النظام الذي يحدد واجبات ملزمة لهم)، فيجب عليهم أن يأخذوا قاعدة كيلسن الأساسية كأصل مسلّم. وبالمقارنة، تُعدّ قاعدة التعرّف لهارت قاعدة مستنبطة من تصرفات سلطات النظام القانوني في تفسير قوانين ذلك النظام وتطبيقه[95]. كما أنّ هناك بعض أوجه التشابه بين «قاعدة التعرّف» لهارت و«القاعدة الأساسية» لكيلسن؛ إذ تؤكد كِلا القاعدتين على التفسير الوضعي من وجهة نظر النظام القانوني؛ ولهذا تُمثّل هذه القاعدة -كالقاعدة الأساسية - المحور الذي يمنح النزاهة للنظام، ووهي القاعدة التي يجب أن تعود إليها جميع القواعد الأخرى. وفي المقابل توجد اختلافات مهمة بين هاتين القاعدتين. فقاعدة هارت الأساسية هي قاعدة ثانوية، فهي ليست كقاعدة أو طرح كيلسن؛ ولذلك فإنّ القاعدة الأساسية هي بمثابة واقعٍ اجتماعي، وليست قاعدة افتراضية مسلَّمة في جميع الأنشطة القانونية. من هنا، تُعتبر هذه القاعدة، -كحقيقة اجتماعية وقاعدة قانونية - جزءًا من النظام القانوني، في حين أنّ القاعدة الأساسية التي اعتبرها كيلسن واقعة خارج النظام. ومن جهة أخرى، تُعدّ أسباب صحة هذه القاعدة واعتبارها والتي جعلتها قاعدة غير قابلة للخدش، متفاوتة.
خلاصة
تُعدّ المدرسة الوضعية (القانون الوضعي) من أبرز المدارس القانونية في العصر الحاضر. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار تأثير المقاربات الوضعية على القوانين الحالية في العالم ودورها التخريبي في منع تقدم القانون وتطوره. وفي الواقع، وعلى الرغم من الخدمات التي أظهرتها هذه المدرسة دون قصد في إظهار عيوب المنهج التجريبي للمجتمع، إلا أنّه إرجاع خصائص هذه المدرسة إلى عدم اكتمالها، وعدم صلاحيتها، وجزميتها، وإمكانية إساءة استخدام أفكار هذا المنهج من قبل الأنظمة الاستبدادية والخالية من الأخلاق.
يعتبر الوضعيون الراديكاليون مثل كيلسن -الذين تصوروا القانون كالرياضيات - أنّ القواعد القانونية مجرد فرضيات متأصّلة في إرادة الحكومة فقط ولا تتحدث عن أي واقع أو مثال أعلى. ومن أجل إثبات وجهة نظره وإنكار القانون الطبيعي يؤكّد «كيلسن» على الفصل بين مجال «ما هو واجب» عن «ما هو موجود»، وعدم إمكان استنتاج القانون من الحقائق، ويعتبر ذلك مستحيلًا من الناحية العلمية.
وفي المقابل، على الرغم من أنّ الوضعية المعتدلة -والتي تعرّف نفسها مع هارت - تشترك مع الوضعيين المتطرّفين في إنكار الحقائق الثابتة كأساس للقانون، إلا أنّها تأخذ الحقائق الاجتماعية الملموسة والمتغيّرة بعين الاعتبار، وتعتبر القانون بمثابة التطورات التاريخية للأمم أو الضمير العام للمجتمع. كما أنّهم يدركون أنّ عملية الانفصال عن قواعد القانون الثابتة تؤدّي إلى الوقوع في ورطة الاستبداد؛ ولذلك يطرحون فكرة ضرورة الالتزام بـ «الحد الأدنى لمحتوى القانون الطبيعي». لكنّهم مع ذلك، لا يقدّمون شرحًا تفصيليًا لهذه الفكرة، ولا يؤمنون بصحة أي قاعدة محددة وغير ملموسة موجودة مسبقًا. كما تنظر هذه الفئة إلى صحة الأخلاق والمعتقدات واعتبارها من خلال المنفعة التي قد تُمنح للمجتمع في أي وقت وبأي ميزان مختلف (النسبية)، ويبرّرونها بمدى توافقها مع الشرط المنصوص عليه في قاعدة التعرّف.
قائمة المصادر والمراجع
الكتب
ابدالي، مهرزاد (1388)، فلسفه حقوق ونظريه هاى حقوقى، طهران: مجد.
بيكس، برايان (1389)، فرهنگ نظريه حقوقى، ترجمة محمد راسخ، طهران: نشر نى.
تبيت، مارك (1384)، فلسفه حقوق، ترجمة حسن رضايي خاوري، مشهد: مؤسسه فرهنگى قدس.
تنهايي، حسين أبو الحسن (1387)، درآمدى بر نظرى هاى جامعه شناسى، طهران: نشر خردمند.
خسروشاهي، قدرت الله (1391)، نظريه ها ونظام هاى حقوقى، طهران: جنگل.
ريدي، ديويداى (1392)، فلسفه حقوق، ترجمة حسن خسروي، طهران: مجد.
كاتوزيان، ناصر (1377)، فلسفه حقوق، ج1، طهران: شركت سهامى انتشار.
كيلسن، هانس (1387)، نظره حقوقى ناب، ترجمة سعيد نعمت اللهي، طهران: نشر پژوهشكده حوزه ودانشگاه.
مالوري، فيليب (1383)، انديشه هاى حقوقى، ترجمة مرتضى كلانتريان، طهران: نشر آگه.
مركز مالميري، أحمد (1385)، حاكميت قانون، طهران: مركز پژوهشهاى مجلس شوراى اسلامى.
موحد، محمد علي (1381)، در هواى حق وعدالت، از حقوق طبيعى تا حقوق بشر، طهران: نشر كارنامه.
وكس، ريموند (1390)، فلسفه حقوق، ترجمة باقر انصاري ومسلم آقايي طوق، الطبعة الثانية، طهران: جنگل.
فيجه، محمد رضا (1390)، مبناى نظرى وساختار دولت حقوقى، طهران: انتشارات جنگل.
هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1389)، آزادى، اخلاق، قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثانية، طهران: طرح نو.
________ (1392)، مفهوم قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثالثة، طهران: نشر نى.
المقالات
ا. شينر، راجر (1383)، «حقوق واخلاق»، ترجمة عبد الحكيم سليمي، معرفت، العدد 82.
راغبي، محمد علي (1381)، «رابطه حقوق واخلاق»، پژوهشهاى مديريت راهبردى، السنة العاشرة، العدد 27.
صادقي، محسن (1385)، «جستارى نقادانه در انديشه هاى هانس كلسن»، مجلة معهد حقوق وعلوم سياسى، العدد 74.
صنمي، علي أصغر (1381)، «فلسفه هاى بوزيتيويسم، باورها وارزشها «، حوزه، السنة 19.
علوينجاد، سيد حيدر (1377)، «بايد وهست در نگاه قرآن»، پژوهشهاى قرآنى، العدد 13 و14.
كيوانفر، شهرام (1388)، «اخلاقى بودن وظيفه اطاعت از قانون»، مجلة فصلية «حقوق»، الدورة 39، العدد 3.
منتهايي، عباس (1381)، «حقوق واخلاق»، كانون، العدد 32.
ويجه، محمد رضا (1392)، «تحليلى بر دولت ونظم حقوقى»، مطالعات حقوقى، العدد 8.
هارت، هربرت (1384)، «مسائل فلسفه حقوق»، ترجمة بهروز جندقي، فقه وحقوق، العدد 7.
الأجنبية
Austin, John (1832). The Province of Jurisprudence Determined, London: John Murray.
Bix Brian H., (2005), “Legal Positivism”, Mrtin P. Golding and William A.Edmondsin, Philosophy of Law and Legal Theory, Oxford: Blackwel
Campbell, Tom (2004), Prescriptive Legal Positivism: Law, Rights and Democracy, Psychology Press.
Chockenhoff, Eberhard (2003), Natural Law & Human Dignity: Universal Ethics in an Historical World, CUA Press
Hart H.L.A, (1983), Essays on Jurisprudence and Philosophy, Oxford: Clarendon Press.
Horwitz, Paul (2011), The Agnostic Age: Law, Religion, and the Constitution, Oxford University Press.
La Torre, Massimo (2007), Constitutionalism and Legal Reasoning: A New Paradigm for the Concept of Law, Springer Science & Business Media.
Raz J. (1979), The Authority of Law, Oxford: Clarendon Press.
Tebbit, Mark (2005), Philosophy of Law: An Introduction, New York: Psychology Press.
Troper, Michel; Hamon, Francis (1997), Droit Constitutionnel, 25th edn, Paris: LGDJ.
--------------------------------
[1][*] - أستاذ مساعد في كلية الدراسات الإسلامية والقانون، جامعة الإمام الصادق (ع) طهران (المؤلف المسؤول).
Email: ghamamy @isu.ac.ir
[**]طالب دكتوراه في كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة العلامة الطباطبائي، طهران. Email: hosein.azizi313@yahoo.com
ترجمة: حسين جهجاه.
[2] - Chockenhoff, Eberhard (2003), Natural Law & Human Dignity: Universal Ethics in an Historical World, CUA Press. Pp11.
[3] - Jeremy Bentham
[4] - nonsense upon stilts.
[5] - John Austin
[6] - Unimportant of merit of law.
[7] - Austin, John (1832). The Province of Jurisprudence Determined, London: John Murray..pp 251
[8] - La Torre, Massimo (2007), Constitutionalism and Legal Reasoning: A New Paradigm for the Concept of Law, Springer Science & Business Media. Pp 13 - 14
[9] - Tebbit, Mark (2005), Philosophy of Law: An Introduction, New York: Psychology Press. Pp 36 - 43
[10] - La Torre, Massimo (2007), Constitutionalism and Legal Reasoning: A New Paradigm for the Concept of Law, Springer Science & Business Media. Pp 13
[11] - وكس، ريموند (1390)، فلسفه حقوق، ترجمة باقر انصاري ومسلم آقايي طوق، الطبعة الثانية، طهران: جنگل. صفحه 28.
[12] - August cont
[13] - Horwitz, Paul (2011), The Agnostic Age: Law, Religion, and the Constitution, Oxford University Press. Pp 237 - 240
[14] - وكس، ريموند (1390)، فلسفه حقوق، ترجمة باقر انصاري ومسلم آقايي طوق، الطبعة الثانية، طهران: جنگل. صفحه 28.
[15] - المصدر نفسه 28 - 29.
[16] - صنمي، علي أصغر (1381)، «فلسفه هاى بوزيتيويسم، باورها وارزشها «، حوزه، السنة 19. صفحه 90.
[17] - المصدر نفسه، 92.
[18] - Troper, Michel; Hamon, Francis (1997), Droit Constitutionnel, 25th edn, Paris:
LGDJ. Pp 36.
[19] - تنهايي، حسين أبو الحسن (1387)، درآمدى بر نظرى هاى جامعه شناسى، طهران: نشر خردمند. صفحه 92.
[20] - كيوانفر، شهرام (1388)، «اخلاقى بودن وظيفه اطاعت از قانون»، مجلة فصلية «حقوق»، الدورة 39، العدد 3. صفحه 325.
[21] - Hart H.L.A, (1983), Essays on Jurisprudence and Philosophy, Oxford: Clarendon Press.pp 2
[22] - Raz J. (1979), The Authority of Law, Oxford: Clarendon Press. Pp . 37 - 52.
[23] - وكس، ريموند (1390)، فلسفه حقوق، ترجمة باقر انصاري ومسلم آقايي طوق، الطبعة الثانية، طهران: جنگل. صفحه 29.
[24] - Bix Brian H., (2005), “Legal Positivism”, Mrtin P. Golding and William. Pp 31
[25] - تبيت، مارك (1384)، فلسفه حقوق، ترجمة حسن رضايي خاوري، مشهد: مؤسسه فرهنگى قدس، صفحه 69 - 70.
[26] - The Province of Jurisprudence Determined.
[27] - Austin, John (1832). The Province of Jurisprudence Determined, London: John Murray..pp 157
[28] - خسروشاهي، قدرت الله (1391)، نظريه ها ونظام هاى حقوقى، طهران: جنگل.، 44.
[29] - Campbell, Tom (2004), Prescriptive Legal Positivism: Law, Rights and Democracy, Psychology Press. Pp 114
[30] - كاتوزيان، ناصر (1377)، فلسفه حقوق، ج1، طهران: شركت سهامى انتشار. صفحه 391.
[31] - منتهايي، عباس (1381)، «حقوق واخلاق»، كانون، العدد 32. صفحه 48.
[32] - علوينجاد، سيد حيدر (1377)، «بايد وهست در نگاه قرآن»، پژوهشهاى قرآنى، العدد 13 و14، 122.
[33] - Ronald Myles Dworkin, FBA.
[34] - نقلًا عن موقع تبصره بتاريخ 28/1/1391.
[35] - Agnosticism.
[36] - Hans Kelsen.
[37] - خسروشاهي، قدرت الله (1391)، نظريه ها ونظام هاى حقوقى، طهران: جنگل. صفحه 188.
[38] - Pure theory of law.
[39] - ويُطلق علهيا النظرية الخالصة أو المحضة أيضًا. (المترجم).
[40] - بيكس، برايان (1389)، فرهنگ نظريه حقوقى، ترجمة محمد راسخ، طهران: نشر نى، صفحه 293.
[41] - Norms.
[42] - كيلسن، هانس (1387)، نظره حقوقى ناب، ترجمة سعيد نعمت اللهي، طهران: نشر پژوهشكده حوزه ودانشگاه، صفحه 90 -91
[43] - بيكس، برايان (1389)، فرهنگ نظريه حقوقى، ترجمة محمد راسخ، طهران: نشر نى، صفحه 294.
[44] - كيلسن، هانس (1387)، نظره حقوقى ناب، ترجمة سعيد نعمت اللهي، طهران: نشر پژوهشكده حوزه ودانشگاه، صفحه 90
[45] - يُطلق عليها القاعدة الأساسية أيضًا. (المترجم).
[46] - Grundnorm.
[47] - المصدر نفسه 25 - 30.
[48] - Juristic Consciousness.
[49] - Hypothesis.
[50] - تبيت، مارك (1384)، فلسفه حقوق، ترجمة حسن رضايي خاوري، مشهد: مؤسسه فرهنگى قدس، صفحه73.
[51] - فيجه، محمد رضا (1390)، مبناى نظرى وساختار دولت حقوقى، طهران: انتشارات جنگل.صفحه 162.
[52] - كيلسن، هانس (1387)، نظره حقوقى ناب، ترجمة سعيد نعمت اللهي، طهران: نشر پژوهشكده حوزه ودانشگاه، صفحه 41.
[53] - فيجه، محمد رضا (1390)، مبناى نظرى وساختار دولت حقوقى، طهران: انتشارات جنگل.صفحه 162 - 163.
[54] - ابدالي، مهرزاد (1388)، فلسفه حقوق ونظريه هاى حقوقى، طهران: مجد، صفحه 204.
[55] - خسروشاهي، قدرت الله (1391)، نظريه ها ونظام هاى حقوقى، طهران: جنگل. صفحه 42 -43.
[56] - المصدر نفسه، صفحه 43.
[57] - صادقي، محسن (1385)، «جستارى نقادانه در انديشه هاى هانس كلسن»، مجلة معهد حقوق وعلوم سياسى، العدد 74. صفحه 261.
[58] - فيجه، محمد رضا (1390)، مبناى نظرى وساختار دولت حقوقى، طهران: انتشارات جنگل.صفحه 152.
[59] - صادقي، محسن (1385)، «جستارى نقادانه در انديشه هاى هانس كلسن»، مجلة معهد حقوق وعلوم سياسى، العدد 74. صفحه 261.
[60] - المصدر نفسه. ص252 -253.
[61] - وكس، ريموند (1390)، فلسفه حقوق، ترجمة باقر انصاري ومسلم آقايي طوق، الطبعة الثانية، طهران: جنگل. صفحه43.
[62] - Herbert Lionel Adolphus Hart.
[63] - بيكس، برايان (1389)، فرهنگ نظريه حقوقى، ترجمة محمد راسخ، طهران: نشر نى، صفحه56.
[64] - Conceptual analysis.
[65] - The concept of law.
[66] - Rules.
[67] - Orders.
[68] - Primary rules.
[69] - Secondary rules.
[70] - هارت، هربرت (1384)، «مسائل فلسفه حقوق»، ترجمة بهروز جندقي، فقه وحقوق، العدد 7. 161.
[71] - موحد، محمد علي (1381)، در هواى حق وعدالت، از حقوق طبيعى تا حقوق بشر، طهران: نشر كارنامه. صفحه 259.
[72] .Being obliged.
[73] - Having an obligation.
[74] - هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1389)، آزادى، اخلاق، قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثانية، طهران: طرح نو. صفحه 59 - 61
[75] - هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1392)، مفهوم قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثالثة، طهران: نشر نى. 159.
[76] - Rules of recognition.
[77] - هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1389)، آزادى، اخلاق، قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثانية، طهران: طرح نو. صفحه 159.
[78] - كيوانفر، شهرام (1388)، «اخلاقى بودن وظيفه اطاعت از قانون»، مجلة فصلية «حقوق»، الدورة 39، العدد 3. صفحه 330 -331.
[79] - Human vulnerability.
[80] - Approximate equality.
[81] - Limited altruism.
[82] - Limited resources.
[83] - Limited understanding and strength of will.
[84] - هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1392)، مفهوم قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثالثة، طهران: نشر نى.
297 - 300.
[85] - ا. شينر، راجر (1383)، «حقوق واخلاق»، ترجمة عبد الحكيم سليمي، معرفت، العدد 82. صفحه 93.
[86] - هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1392)، مفهوم قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثالثة، طهران: نشر نى. 310.
[87] - Real morality.
[88] - Critical morality.
[89] - هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1389)، آزادى، اخلاق، قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثانية، طهران: طرح نو. صفحه 50.
[90] - Law, Liberty and Morality.
[91] - هارت، هربرت ليونل أدولفوس (1389)، آزادى، اخلاق، قانون، ترجمة محمد راسخ، الطبعة الثانية، طهران: طرح نو. 60 - 65.
[92] - ريدي، ديويداى (1392)، فلسفه حقوق، ترجمة حسن خسروي، طهران: مجد. صفحه 35.
[93] - Utilitarian.
[94] - Imanuell kant.
[95] - بيكس، برايان (1389)، فرهنگ نظريه حقوقى، ترجمة محمد راسخ، طهران: نشر نى، صفحه 405.