البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نقد الاستهلاكيّة في الحياة الغربيّة؛ "رقمنة" الإنسان و"فقدان" الهويّة

الباحث :  حميد لشهب
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  23
السنة :  ربيع 2021م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 6 / 2021
عدد زيارات البحث :  1173
تحميل  ( 452.621 KB )
تتناول هذه المقالة قضيّة الاستهلاك كنمط حياة في المجتمعات الغربيّة الحديثة والآثار التي ترتّبت عليها في مجمل الميادين الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. ولأجل بيان مقصده سعى الباحث في مقدّمات دراسته إلى تعريف الاستهلاك، ثمّ فصّل البحث في موضوعات ومحاور رئيسة ترتبط بنقد الاستهلاكيّة في الحياة الغربيّة ، حيث شرع في تناول الهويّة الغربيّة في مقابل النزعة الاستهلاكيّة – الاستهلاك ومعنى الحياة – أثر الاستهلاك على هويّتنا العربيّة والإسلاميّة. وقد ختم الباحث دراسته برؤية نقديّة تركّزت على فقدان الهويّة في الغرب.

المحرِّر

فرضت الحضارة الغربيّة المهيمنة حاليًّا «نمط حياة» لم يسبق له نظير في تاريخ البشريّة، مؤسّس على إقحام البشر في رحى الاستهلاك؛ للإبقاء على عجلة الاقتصاد تدور، ولرفع عائداتها على حساب كرامة الإنسان، وهذا ما يؤدّي إلى استنفاذ الموارد الطبيعيّة، مع ما يرافق ذلك من انزلاقات في بناء هويّة مريضة للأفراد والمجتمعات، متردّدة، خائفة، ضائعة، غريبة عن ذاتها، غير قارّة، وبعبارة موجزة فاقدة لمعنى الحياة.
لدراسة أهمّيّة الاستهلاك لبناء الهويّة الشخصيّة لفرد ما أو لمجموعة معيّنة من الأفراد أو حتّى شعب أو أمّة، سيكون المرء في حاجة إلى مجلّدات قائمة بذاتها، عوض دراسة مركّزة كالتي نقترحها هنا. فشبكة العلاقات المتبادلة التي تحكم أثر الاستهلاك في تحديد الهويّة معقّدة للغاية ومتنوّعة، وطبقات معنى الاستهلاك والهويّة متعدّدة الأوجه، بالإضافة إلى ذلك، فإنّها ترتبط بوجهات نظر محدّدة حول الاستهلاك والهويّة بمختلف الافتراضات النظريّة التي تهتمّ بمثل هذه الدراسات، فالمفكّرون من ذوي التوجّه الماركسيّ مثلًا، وكذلك الليبراليّون يشتغلون على سياقات المعنى بطرق مختلفة تمامًا.

لا يمكننا ولا نريد في هذا البحث أن نقدّم نموذجًا نظريًّا واحدًا للعلاقة بين الاستهلاك والهويّة، ولا نريد أن نقوم بمقارنة اجتماعيّة نظريّة بين السياقات المختلفة الممكنة للمعنى. لا تستند مناقشاتنا هنا على مشروع علم إنسانيّ واحد واسع النطاق تناول صراحة أهمّيّة الاستهلاك بالنسبة للهويّة، ولا على تحليل مفصّل لأعمال كبارِ المنظّرين السوسيولوجيّين والسيكولوجيّين فيما يتعلّق بالموضوع؛ بل سنحاول عمومًا تركيب مختلف الدراسات الجديدة، منطلقين من قراءات موسّعة لعدد من المراجع وربطها ببعضها والمرور من ذلك إلى محاولة تركيب أهمّ استنتاجات هذه الدراسات، بغية الخروج بتصوّر شخصيّ، أي الوصول إلى اجتهاد علميّ جديد نقدّمه بتركيز في هذه الدراسة.
بالطبع، لا يمكن ولا ينبغي لتفكيرنا في الموضوع بهذه الطريقة أن يحلّ محلّ المعالجة المنهجيّة والنسقيّة والعلميّة للإشكاليّة العامّة التي تشغلنا؛ فبسبب القيود الكثيرة التي تفرضها هذه الدراسة، تظلّ تفسيراتنا حتمًا مجزّأة واستكشافيّة؛ لذلك لا نرى أنّ مساهمتنا تعدّ ملخّصًا قائمًا بذاته للوضع الحاليّ للبحث في الموضوع، بل هي نداء لتغيير المنظور، ممّا يؤدّي إلى حقيقةِ أنّ معنى الاستهلاك للهويّات الحديثة في علم النفس الاجتماعيّ وعلم الاجتماع لا يعتبر موضوعًا هامشيًّا، بل يتعلّق الأمر بمحاولة فهم إشكاليّة اجتماعيّة رئيسة[2]. وسننطلق من بديهيّة كون الاستهلاك[3] يمثّل في المجتمعات الحديثة عنصرًا بنيويًّا مركزيًّا، وبالتالي يمثّل أساسًا للحياة اليوميّة، وبهذا المعنى فإنّه يوفّر نقاطًا مرجعيّة مهمّة لبناء الهويّة. وفي ضوء التعدّديّة المتزايدة لأشكال الحياة وأنماطها وتضاعف الخيارات والمخاطر، وفي ظلّ الأهمّيّة المتزايدة للتغييرات السريعة في الحياة عمومًا والتعقيدات والتحدّيات في جميع مجالاتها، وفي سياق المطالبة المتزايدة بالمرونة والاستعداد للتغيير[4]، يتزايد بالنسبة للفرد تحدّي تطوير هويّة تضمن تماسكه الشخصيّ والاستمراريّة والأصالة. وهذا بالضبط ما يمكن تسميته بالتعامل النقديّ مع عالم الاستهلاك، وهذا هو الشرط الأساسيّ الذي يسمح بفهم الذات كموضوع قادر على التصرّف واتخاذ القرارات والتكيّف مع الظروف المعيشيّة المتغيّرة، فكلّما زاد الانتماء إلى أصل معيّن ومحدّد بوضوح وبشكل مثاليّ أو إلى طبقة اجتماعيّة/اقتصاديّة معيّنة، أو إلى دين وثقافة وحضارة ومعسكر سياسيّ ما، تفقد السمات الفرديّة أهمّيّتها، وهي سمات توجّه تطوّر الفرد، كلّما أصبح الوضع الاجتماعيّ للفرد أكثر أهميّة من خلال الاستهلاك.

يذهب روبرت ميسيك Robert Misik  إلى حدّ تعريف الإنسان الحاليّ بأنّه: «إنسان متسوّق homo shoppensis»[5]: «كلّ ما نفعله هو أنّنا نتسوّق»[6]، ووفقًا لذلك يتمّ تحديد هويّتنا بما نشتريه إلى حدٍّ كبير، أو إجبارنا على اتخاذ قرارات الاستهلاك كلّ يوم، ويمنحنا الفرصة في الوقت نفسه للتعبير عن هويّتنا ولتحديد مَنْ نودّ أن نكون من خلال مجال الاستهلاك. ويفهم Misik أيضًا مفهوم الاستهلاك بالمعنى الواسع للمصطلح، بحيث إنّه لا يقتصر على معنى اقتناء السلع الفرديّة، بل يمتدّ أيضًا إلى الممارسات المُشَكَّلة ثقافيًّا، والتي تتعلّق بتسلسل محدّد من عمليّات الشراء واستخدامات البضائع، مثل: عشاء رومانسيّ على ضوء الشموع[7].
وفقًا لمسيك، فإنّ مجال الاستهلاك حاضر في كلّ مكان، ويجب اتخاذ العديد من القرارات كلّ يوم فيما يتعلّق بما يجب شراؤه أو عدم شرائه، وعند تحديد عادات استهلاك معيّنة والمواقف المرتبطة بها تجاه الحياة، تتضح أهمّيّة الاستهلاك كعامل بنيويّ للحياة اليوميّة الحديثة، وبالتالي كفئة مرجعيّة مركزيّة لبناء الهويّة. وتعكس اعتبارات Misik الأطروحات الاجتماعيّة النظريّة لزيغمونت باومان Zygmunt Baumann، والتي بموجبها «أصبح سلوك المستهلك هو الشكل السائد للفعل الذي يسود جميع مجالات الحياة»[8].

إنّ هذا الحضور الدائم للاستهلاك لا يبرّر حقيقة كون العوامل المؤثّرة الأخرى في عمليّة بناء الهويّة قد تمّ إهمالها[9]. يجب أن لا تكون تنمية الهويّة مساوية للقرارات الحرّة التي غالبًا ما تكون غير منتظمة من قبل الأفراد دون مراعاة ترسيخهم الاجتماعيّ في المجتمع والفئات المحدِّدة لهويّتهم هذه. وبهذا الفهم المبسّط والمختصر للهويّة يظهر الاستهلاك بسرعة باعتباره المجال الرئيس للباحث، والذي من خلاله يعرّف الفرد نفسه، كما لو أنّه لا توجد حدود له[10]، وإذا كان صانعًا لسعادته في بيع خيارات الهويّة بالتقسيط، فيمكنه تجميع نفسه وتغييرها كما يحلو له، لكنّنا لا ننخرط في مثل وجهة النظر هذه؛ لأنّها لا تفكّر نظريًّا في معنى الهويّة بشكل كافٍ، وبالخصوص فيما يتعلّق بعمليّات تطوير الفرد في سياقات مؤطّرة من قبل البنيات الاجتماعيّة. إذا اهتمّ المرء بدراسة أهمّيّة الاستهلاك، فإنّ هذا لا يعني إعفاءه من الاهتمام بمجالات الحياة المختلفة، مثل العمل، والأسرة، والشبكات الاجتماعيّة المتاحة، وكذلك أنماط التفسير التي يتمّ التوسّط فيها اجتماعيًّا في مسار الحياة الشخصيّة.
لا نتعامل مع الاستهلاك في هذه الدراسة تعاملًا أخلاقًّيا بحثًا نشيطنه منذ البداية أو نبجّله عمومًا، بل نعتبره رأس يانوس[11] بوجه إيجابيٍّ وآخر سلبيٍّ، وهذا أمر مهمّ جدًّا عند دراسة علاقة الاستهلاك ببناء الهويّة؛ لأنّ وعي هذه الثنائيّة البنيويّة، أو هذا التجاذب الصريح، يساعد على فهم عميق لموضوع الدراسة، بل تعميق هذه الدراسة لكي لا تبقى سطحيّة، تدخل هي نفسها في إطار الدراسات الاستهلاكيّة. يفشل النمط الاجتماعيّ للتفسير الذي يمكن العثور عليه أحيانًا في تقارير عامّة لبعض وسائل الإعلام، والذي بفهم الاستهلاك بداهة على أنّه سِمَة أساسيّة حقيرة لـ «العالم المادّيّ» في التعرّف على المعنى المعقّد الذي يمكن أن يُنسب إلى الاستهلاك في الحياة اليوميّة الحديثة. وندعو في دراستنا هذه إلى اتّباع منهج أكثر انفتاحًا، يأخذ في الاعتبار الجوانب المزدوجة للاستهلاك في أهمّيّته لبناء هويّتنا، من خلال فحص دوره كركيزة داعمة دون إغفال الجوانب السلبيّة المرتبطة به كعامل معطّل وحجر عثرة في تطوير الهويّة. بصريح العبارة، لا بدّ أن نعي أنّه لم يَعُدْ من الممكن السباحة ضدّ التيّار، على الرغم من أنّنا نؤكّد على أنّه من الممكن عدم الغطس النهائيّ في بركة الاستهلاك، بل إبقاء الرأس دائمًا خارج الماء، ليتسنّى للمرء بناء هويّة نقديّة، كشرط للوقوف في وجه ما يُحاك ضدّ الإنسانيّة لنسفها من الداخل في مقوّماتها الأخلاقيّة والجماليّة، بفرض نموذج هويّة ينزلق أكثر وأكثر إلى تشييئ الإنسان وتطبيق مبدأ البيع والشراء عليه أيضًا.

أوّلًا: تعريف الاستهلاك
لا نريد هنا خوض غمار تعريف قاموسيّ ومصطلحيّ للاستهلاك، بقدر ما سنحاول وصف معناه، بالنظر إلى وجود عدد كبير من الإجراءات اليوميّة التي تعتبر أفعالًا استهلاكيّة، وليس فقط الاستخدام الظاهريّ للأشياء أو استهلاكها، ولكن الإجراءات التي تكون أقلّ وضوحًا موجّهة نحو هذا الاستخدام والاستهلاك تندرج تحت مفهوم الاستهلاك أيضًا. وكما أشرنا إلى ذلك، فإنّنا نختار هنا تعريفًا واسعًا للاستهلاك، بحيث إنّ: «جميع السلوكات التي تهدف إلى اكتساب واستخدام السلع والخدمات الاقتصاديّة»[12]، تعتبر استهلاكًا؛ لذلك يجب أن يُنظر إلى الاستهلاك على أنّه عمليّة ديناميكيّة، وقبل كلّ شيء، عمليّة متعدّدة المراحل تشمل الشراء الفعليّ، وكذا مرحلة اتخاذ القرار السابقة ومرحلة الاستخدام اللاحقة، بل مرحلة التعرّف على السلعة من خلال الدعاية لها أيضًا. يبدأ التحليل الشامل لسلوك المستهلك بالبحث في ظهور أو تحديد الاحتياجات، ويهتم أيضًا باختيار المعايير لقرار الشراء، ويهتمّ بعد ذلك أيضًا بالبحث عن المعلومات ذات الصلة بهذا القرار، وبعد شراء السلعة الاستهلاكيّة، يكون نوع الاستهلاك وطريقته، وتحديد مسار الاحتياجات المستقبليّة إذا لزم الأمر، أمرًا مهمًّا أيضًا[13].

يمثّل الشراء والاستهلاك أو الاستخدام نفسه جوهر عمليّة الاستهلاك، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ للسؤال عن كيفيّة استخدام هذا الاستهلاك أهمّيّة مركزيّة من وجهة نظر سوسيو- نفسيّة؛ لأنّ هذا السلوك يكشف كيف يتمّ دمج الناس في إطارهم الاجتماعيّ»، فالمنتجات ليست أكثر من موضوعات لأنظمة معيّنة من المعنى، والتي لم يعد من الممكن قراءة وظائفها من الأداة المساعدة وحدها»[14]؛ لذلك من الضروريّ الانتباه إلى التكوين الاجتماعيّ من ناحية، والتوجّه الاجتماعيّ للاستهلاك من ناحية أخرى: يتشكّل الاستهلاك اجتماعيًّا، بحيث يطوّر الأفراد أنماط استهلاك محدّدة في سياق تنشئتهم الاجتماعيّة التي تتشكل من خلال شروط البُنى والقيم الاجتماعيّة والثقافيّة. لا يستهلك الأفراد عادة بمعزل عن بعضهم البعض، بل يوجّهون أنفسهم نحو ردود أفعال الآخرين - سواء أكانوا افتراضيّين أم موجودين بالفعل - مما يجعل التوجه الاجتماعيّ للاستهلاك تجاه الآخرين مفهومًا. ويمكن للفرد نفسه استخدام المقارنة مع الآخرين للتحقّق من مواقفه وإنجازاته وأنماطه السلوكيّة ومراقبة ما إذا كان سلوك المستهلك الخاصّ به يتكيّف مع المعايير المطبَّقة في بيئته.
يتمّ التعبير عن التوجّه الاجتماعيّ للاستهلاك أيضًا في حقيقة أنّ الشخص يرسل ثلاثة أنواع من الإشارات تصاحب أنشطته الاستهلاكيّة: أوّلًا، يُظهر بعض احترام الذات (وظيفة التعبير)، ويمكن لهذا المساهمة في إنشاء هويّة الشخص أيضًا. ثانيًا، يشير إلى التذوق الواضح إلى حدٍّ ما، بالإضافة إلى القدرة على استخدام السلع الاستهلاكيّة بذوق وجمال (وظيفة الكفاءة). ثالثًا، يمكن للفرد إثبات الانتماء إلى مجموعة من خلال سلوكٍ استهلاكيٍّ معيّن، أي من خلال التكيّف مع معاييرها وقيمها أو مجرّد تمييز نفسه عن عمد عن مجموعة ما (وظيفة الموقع/ الانتماء).

يمكن إجراء هذا التوطين الذاتيّ[15] بشكل جيّد من خلال التعبير الرمزيّ للبضائع كوسيلة للتواصل - سواء أكانت مادّيّة أم غير مادّيّة-؛ لأنّها مهمّة من حيث المعاني الواضحة والمشتركة بشكل جماعيّ، وهي مرئيّة كذلك، أي قابلة للتواصل بشكل دائم [16]. ويُنظر في أبحاث الاستهلاك، إلى هذا الدمج الفعليّ المشترك اجتماعيًّا للسلع (العدوى الإيجابيّة) على أنّها إمكانيّة رمزيّة مهمّة ولا تمثّل نسبيًّا أيّ مشكل للفرد للمشاركة في مجموعة ما.

ثانيًا. أسس الهويّة في دورة الحياة
مع تنوع الخيارات وأساليب الحياة المتزايدة، أصبحت درجة عالية من المسؤوليّة الشخصيّة بمثابة قاعدة اجتماعيّة جديدة: تصبح الهويّة مهمّة تدبيريّة (Management)[17]. وغالبًا ما تفتقر النقاشات إلى مفهوم راسخ نظريًّا وواضحٍ للهويّة، كما أنها لا تنطلق من أمثلة تجريبيّة واضحة وملموسة من الممارسة الواقعيّة. فغالبًا ما تُستخدم الهويّة كمفهوم قابل للتمدّد على نطاق واسع وفي النهاية ليس مفهومًا ذا مغزىً كبير. ويشبه كاوفمان (Kaufmann 2005) هذا ببنية حلوى القطن[18]، التي تُبنى طبقًا لمبدأ طبقات دقيقة تحدث بدوران آلة تهييئها، ويتطابق هذا مع التفاف المعاني والتفسيرات الأكثر تنوّعًا لمسألة الهويّة.

استنادًا إلى فهم الهويّة القائم على صيرورة عمليّات معيّنة، أي الافتراض الأساس بأنّ الهويّة تخضع لعمليّة تطوير مستمرّة مرتبطة بحياة الشخص الخاصّة وباعتبار هذه العمليّة «اشتغالًا على الهويّة» في التعامل مع المحيط الاجتماعيّ والصراعات الأساسيّة والغموض والشكوك والتناقضات التي يجب إعادة إنشائها مرارًا وتكرارًا[19]، سنحاول تسليط الضوء على أهمّيّة الاستهلاك لبناء الهويّة الحديثة.

وفقًا لفهمنا الأساس استنادًا إلى (Keupp) و (Rosa)، يتمّ دائمًا دمج الهويّة في إطار تاريخ الحياة، كعلاقة محدّدة بين خطط تجارب الحياة السابقة والحاليّة والمستقبليّة[20]. ويحاول هذا الفهم أن يجيب على أسئلة من قبيل: مَنْ أنا؟ كيف أصبحت ما أنا عليه؟ وإلى أين أريد أن أذهب/ أتوجّه؟ تشير الهويّة إذن إلى أهمّيّة عمليّات صيرورة الحياة الشخصيّة والتجارب الأساسيّة التي نمتلكها خلال حياتنا. وتتأكّد أهمّيّة مثل هذه التجارب الرئيسة من خلال نتائج علم النفس العصبيّ أيضًا[21].
وفقًا لروزا (Rosa) الآنف الذكر، تستند هويّتنا على نظام قيم داخليّ وسيط ثقافيًّا، وهو نوع من «الخريطة الأخلاقيّة»[22] التي تشكّل أفق قيمة ضمنيّ. وعلى أساس هذه الخريطة، فإنّنا نفسّر ما هو مهمّ وغير مهمّ، ما هو صواب وما هو خطأ، ما هو مرغوب فيه أو غير مهمّ بالنسبة لنا. نقوم بتطوير هذا في سياق سيرتنا الذاتيّة على أساس الخبرات الرئيسة. وما يعتبر مهمًا بالنسبة لنا ونعتبره صحيحًا وجميلًا، يعتمد على البيئة الاجتماعيّة التي عشناها ونعيشها. ومن أجل فهم الهويّة، من المهمّ جدًّا أن نضع في اعتبارنا أنّنا لا نملك وعيًا واضحًا تمامًا لأفق قيمنا، وبالتالي فإنّ الهويّة لا تقتصر على مستوى الصورة الذاتيّة المفصّلة لغويًّا، بل إنّ المستوى المنعكس لاشعوريًا للسلوك الاجتماعيّ وللممارسات كشكل من أشكال «التفسير الذاتيّ المتجسّد» له أهمّيّة كبيرة لفهم بنى الهويّة.

نفهم الهويّة على أنّها بناء ديناميكيّ يجب إعادة تأسيسه مرارًا وتكرارًا في مسار الحياة، وهو يرتبط بمدى فهمنا لأنفسنا وللعالم من حولنا[23]. ولكي نتمكّن من إعادة بناء هذه الجهود، نميّز مع عالم النفس الاجتماعيّ هاينر كوب (Heiner Keupp) بين ثلاثة مستويات بناء للهويّة[24]: تحقيق التماسك (Kohنrenz) في فضاء اجتماعيّ مربك ومتنوّع بشكل متزايد، البحث عن الأصالة (Authentizitنt) كتعبير عن الاستقلال والمكانة الفرديّة في المجتمع، إشباع الحاجة إلى الاعتراف (Anerkennung) والاندماج (Integration) الاجتماعيّ.

يخلق شعور الفرد بالتماسك انطباعًا داخليًّا بالقوّة ومشاعر السيطرة والاستمراريّة، بالإضافة إلى علاقة ذات مغزى مع عمل الفرد في مجالات مختلفة من الحياة. و في محاولة للحصول على الاعتراف، تتمّ الإشارة إلى الرغبة في الاندماج الاجتماعيّ: يريد المرء أن يعرف مكانته في المجتمع وكذلك حقوقه، ينتظر الاحترام من الآخرين ويسعى إلى النجاح[25]. وبما أنّ المرء لا يريد أن يرى نفسه كعضو مجتمعيّ قابل للتبديل، فإنّ هناك أيضًا رغبة في عيش الذات بطريقة مختلفة عن الآخرين وتحقيق أصالة ذاتيّة. وفي هذا السياق يتمّ التأكيد على الاستقلاليّة والحرّيّة والإبداع، مما يؤدّي إلى إدراك المرء لنفسه على أنّه حقيقيّ وفريد في و (من) نوعه.
يجب فهم بناءات الهويّة كصيرورة للحياة الذاتيّة. وهناك باختصار ثلاثة مستويات لبناء الهويّة. يتم تطوير الهويّة في إطار الحياة اليوميّة، وبالضبط في كلّ من الفضاءات التجريبيّة/ المعيشيّة المحدّدة (مثل السياقات العائليّة والمهنيّة) وفي فضاءات مفصليّة محدّدة، والتي تتيح للفرد الفرصة للتعبير عن قيمه الخاصّة وعن نفسه. وعلى وجه الخصوص، يبرر الفهم الأساسيّ للهويّة، المستند إلى (Charles Taylor von Rosa)، ضرورة ملاءمة فضاءات التعبير هذه لتطوير هويّتنا.

ثالثًا: الاستهلاك من منظور الهويّة
على أساس مستويات الهويّة الموضحة أعلاه بإيجاز كبير، يمكن فحص معنى الاستهلاك بطريقة شاملة، بحيث يتمّ التركيز عليه في كلٍّ من دوره كدعامة للهويّة وكذا في جانبه المظلم، كتهديد لها. من منظور نقديّ، يمكن ملاحظة أنّ الاستهلاك غالبًا ما يتعارض مع الاندماج الاجتماعيّ والتنمية الشخصيّة[26]، وحتى وإن افترضنا بأنّه عكس ذلك، فهو يشجّع على التكيّف مع الوضع الراهن (Status Quo) دون المستوى المطلوب. يعيق الاستهلاك ويمنع المشاركة في الحياة العامّة، وكنتيجة للتوجّه الاستهلاكيّ، تنتقل المصالح الخاصّة إلى مقدّمة الوعي الذاتيّ على حساب الشعور بالمسؤوليّة تجاه الحياة العامّة. ويمكن أن يؤدّي الاستهلاك أيضًا إلى العزلة[27]، وبالتالي زيادة ضعف الأفراد، وذلك في ظلّ القبول السلبيّ لظروف معيّنة لا تكون صالحة لهم كأفراد ولا كمجموعات أفراد، ولا حتى كشعوب[28].

يمكن أيضًا تحديد أهمّيّة تكوين الهويّة من خلال الاستهلاك والتأكيد عليها بهذه الطريقة: توفّر العروض المقدَّمة للمستهلك التوجيه في الحياة اليوميّة، بحيث إنّ الاستهلاك يسير جنبًا إلى جنب مع الشعور بالأمن والأمان. وفيما يتعلّق بخيارات الاستهلاك، يتمّ إنشاء فضاءات عامّة جديدة مرتبطة بإمكانيّة تكوين تجربة/ معيش والتعبير عن الهويّة. والنتيجة هي تعزيز الحوار بين الأشخاص وتبادل الآراء؛ لذلك لا يمكن فهم أهمّيّة الاستهلاك في إنشاءات الهويّة الحديثة إلّا على أنّها توتّر، ويمكن توضيح هذا باستخدام المستويات الثلاثة السالفة الذكر لاتساق الهويّة (Kohنrenz)، والاعتراف (Anerkennung) والمصداقيّة/ أصالة (Authentizitنt).
إذا اختار المرء مثل هذا النموذج كنقطة انطلاق لمزيد من البحث والتحسينات النظرية، فإنه لربما يضمن وصف الأهمية المعقدة للاستهلاك لتطوير الهويّة بطريقة جيدة ولا يُنظر إلى دور الاستهلاك من جانب واحد. وغالبًا ما يكون هناك توتر بين التأثيرات المختلفة للاستهلاك، والتي يتم تشكيلها في سياقات مختلفة، وبالتالي يجب فهمها في شكلها الخاصّ، فعلى مستوى التماسك، يمكن تحديد أهمّيّة الاستهلاك في منطقة التوتّر بين التوجّه والتجزئة، فيما يخصّ التوجّه (Orientierung)، فإنّ مشاعر الأمن والأمان يتمّ نقلها من خلال الاستهلاك، وبعبارة أدق، يمكن توضيح ذلك بمثال الاكتتاب في شركات التأمين فيما يتعلّق بالحاجة إلى الأمن[29]. وبشكل عام، ثمّة ثقة في أنّه في المجتمع الحديث يمكن للمرء الحصول على عروض كافية متاحة في المستقبل كذلك لتلبية الحاجات الخاصّة، ومنها خصوصًا الأكل والملبس، مما يؤدّي إلى الشعور الأساسيّ بالأمن والأمان.
إضافة إلى ذلك، في عالم أصبح أكثر عرضًا للمنتوجات الاستهلاكيّة، تتولّى العلامات التجاريّة وظيفة رفيقة طريق الفرد، وهي علامات تتغيّر بتغيّر الفرد والوسط الاجتماعيّ والجغرافيّ وتقدّم منتجات مختلفة لمواقف الحياة المختلفة، وبهذا فإنّها تساهم في تغيير الفرد)طواعية أو قهرًا)، عن وعي أو دون وعي، وتدخل في هذا الإطار كلّ البضائع والمنتوجات والخدمات: منتوجات زينة، ملابس، أحذية، سيّارات... وفي هذا السياق فإنّ الاستهلاك يعزّز الإحساس بهويّة الاستمراريّة، في الوقت نفسه، تنقل العلامات التجاريّة الثقة والشعور الأساسيّ بأنّها ستكون متوفّرة للمرء في المستقبل، كما سبقت الإشارة[30][31].

يتمّ نقل التوجيه أيضًا من خلال الأنماط الاستهلاكيّة، سواء أكان فيما يتعلّق بالتقويم الذاتيّ أم بتصوّر وتقويم الآخرين والواقع الاجتماعيّ ككلّ، ويختلف أو يتغيّر نمط الاستهلاك هذا من بلد لآخر ومن قارّة لأخرى، وهو مرتبط بتوجّهات شعوريّة معيّنة، فالشعور بالسعادة مثلًا مرتبط في بلدان معيّنة بالتسوّق في محلّات تجاريّة كبرى، (وقد باتت كنائس وجوامع العصر الحديث كما يرى إيريك فروم)[32] ، وبقضاء الإجازة في مناطق معيّنة، بينما نجد أنّ هذا الشعور مرتبط في دول أخرى بالحصول على منتوجات معيّنة كالهواتف أو لباس معيّن لماركات تجاريّة بعينها.
بالطبع، على المرء أن يحذر من التبسيط والتعميمات القشوريّة القائمة على عادات المستهلك عندما يتعلق الأمر بوصف الهويّة الجماعيّة[33]. ولكن فيما يتعلّق بأهمّيّة الاستهلاك بالنسبة للهويّة الفرديّة، والتي لها الأسبقيّة هنا، يمكننا القول إنّ عادات الاستهلاك هي جزء أساس ومنظّم من الحياة اليوميّة للفرد، وتعدّ خيارات الاستهلاك ضروريّة أيضًا لإدراك تنظيم البرنامج الزمنيّ اليوميّ؛ وعلى سبيل المثال عندما يتمّ تنظيم أوقات الفراغ/ الترفيه، مثل البرامج التلفزيونيّة، وأوقات عمل محلّات السوبرماركت والمقاهي... فإنّ الشيء نفسه يمكن أن يُقال أيضًا فيما يخصّ الطقوس الشخصيّة، المرتبطة بالمشاعر الأساسيّة للتحكّم في حياة المرء وإمكانيّة التعبير عنها،  مثل الإجازات والحفلات و(المشتريات المحبطة)[34]  والمكافآت أو التفاعل بين الروتين اليوميّ والأمل في الفوز باليانصيب (إعطاء الحظّ فرصة) (من منظور ذاتيّ/ شخصيّ)، فإنّ للاستهلاك أيضًا وظيفة توجيه/توجيهيّة، كإطار مرجعيّ لأهداف الفرد الخاصّة، مثل شراء منزل أو ادّخار لسفر إلخ.

إذن، يمكن للاستهلاك، كعامل توجيه، أن يساهم بشكل حاسم في الشعور الأساسيّ بالتماسك الفرديّ (Kohنrenz). وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون له تأثير معاكس من خلال التسبّب في التجزئة[35]. ويتضّح هذا في النقاش حول العوالم الوهميّة المتعلّقة باستهلاك وسائل الإعلام، بالنسبة للشباب على وجه الخصوص، تعتبر العديد من الدراسات النقديّة الاجتماعيّة الاستهلاكَ كتهديد لهويّتهم، وفي الغالب بسبب وضع أنفسهم في واقع تخيليّ افتراضيّ[36]، على حساب المشاركة في الحياة العامّة «الحقيقيّة وغير الافتراضيّة»، وفي النهاية على حساب الشعور الأساسيّ بالسيطرة على الذات والتعبير عنها في التفاعلات الاجتماعيّة الفعليّة، ولا تعتبر هذه الهويّة المجزّأة مشكلًا بالنسبة للفرد فقط، ولكن بالنسبة للمجتمع ككلّ أيضًا، ويتّضح هذا في كثير من الأمثلة الواقعيّة، منها مثلًا أعمال العنف من قبل الشباب في الفضاءات العامّة والعموميّة (ميادين، ملاعب، مدارس، شوارع...) بمحاكاة ما يستهلكونه في عوالهم الرقميّة وبناء حقائق ذاتيّة وهميّة افتراضيّة، تضرّ بالأمن العامّ.

أمّا الوجه الثاني المتعلّق بتجزئة الهويّة من خلال الاستهلاك، نشير إلى ظهور اللامكان والعواقب المرتبطة بالأفراد جرّاء ذلك[37].  تمّ تقديم مفهوم اللامكان من قبل عالم الأنثروبولوجيا الفرنسيّ مارك أوجي (Marc Augé) (1994)، ويشير هذا المصطلح إلى أنّ هناك فضاءات آخذة في الظهور بشكل متزايد، ليست للناس علاقة شخصيّة بها، وهي بذلك قابلة للتبديل وموجّهة نحو تلبية احتياجات معزولة محدّدة، وكأمثلة على مثل هذه الفضاءات، يمكن ذكر محلّات التسّوق الضخمة وغياب فضاءات تسمح بتحديد الهويّة الشخصيّة على مدى فترة أطول للفرد، والاكتساب المتزامن لأهمّيّة فضاءات العبور التي تجعل تطوير إحساس متماسك بالهويّة من الصعوبة بمكان[38].
يمكن ربط انتقاد ميسيك (Misik) للاستهلاك بتحليلات أوجيه (Augé). ويصف أوجيه مراكز التسوّق، التي تمّ توسيعها لتشمل مطاعم فن الطهي، ونقاط التقاء الناس ودور السينما المتعدّدة، بأنّها سرطانيّة (Karzinom)، وتضخيم ضواحي المدن بأنّها أماكن عامّة، وهي بهذا ليست مدنًا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل خلفيّات وكواليس اجتماعيّة، حيث يمكن للمرء أن يكون نشطًا، ولكن فقط بطريقة سلبيّة خاصة[39].
يلمس المرء مؤشّرات على تجزئة الهويّة من خلال الاستهلاك، عندما يرجع إلى التحليلات الاجتماعيّة للحداثة العابرة (بومان Baumann) أو الأطروحة الأساسيّة للرفع من وتيرة السرعة (روزاRosa). إذا كان المرء كمستهلك يطارد[40] الموضة المتغيّرة بسرعة، فإنّه لا يخدم ذاته، بل يكون غير مستقرّ وتحت رحمة الاحتياجات والمطالب الخاصّة القابلة للتغيّر السريع: «إنّ السرعة تؤدّي في آخر المطاف إلى استنزاف الموارد ذات المغزى؛ لأنّها لا تفي بما تعد به (...) وفي معنى باومان، يعني الاستهلاك المشاركة في السباق، ولكن لا يعني ذلك أنّ المرء سيصل إلى مكان ما، وبالأخصّ إلى مكان أفضل (حالة ركود جنونيّة)»[41]. من منظور حياة الفرد الشخصيّة، فلا وجود بهذا المعنى لنموّ على أساس العمليّات المفكّر فيها، بل هناك سلسلة من أجزاء مختلفة من الخبرة يقوم بها المرء، لا ترقى إلى مستوى خبرة أو معيش قائم بذاته، قد يستفيد منه في بناء هويّته؛ التي تتأسّس من بين ما تتأسّس عليه على «دروس» خبرات وتجارب الحياة للفرد.
على مستوى الاعتراف كبنية للهويّة يؤدّي الاستهلاك من ناحية إلى الاندماج، ولكنّه يؤدّي أيضًا من ناحية أخرى إلى الحرمان، فنتيجة لتفضيلات الاستهلاك المشتركة، تنشأ فضاءات للتعبير عن أفكار الفرد ومشاعره، بالإضافة إلى فضاءات الخبرة المشتركة التي يتمّ فيها الاعتراف به. يحظى المرء بالاهتمام والاحترام من قبل الأشخاص ذوي التفكير المماثل، على سبيل المثال في المنتديات ومجموعات الإنترنت. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الأهمّيّة المتزايدة لمجموعات العلامات التجاريّة في العالم الحديث[42]. يتعلّق الأمر بمستخدِمين لعلامات تجاريّة معيّنة لديهم شعور واضح بذواتهم ويعتبرون أنفسهم وحدة جماعيّة، مرتبطين بالشعور الأخلاقيّ بالتضامن[43].
وقد ذكر لبيير بورديو مثلًا أن أوضح بالفعل في كتابه: «الاختلافات الدقيقة» (1987) كيف ترتبط عضويّة المجموعة بعادات استهلاك معيّنة، ويتمّ نقل هذه العادات من خلال الاعتراف المتبادل داخل هذه المجموعات، فبالإضافة إلى أنماط الاستهلاك غير الواعية، ثمّة أيضًا مجموعات مصالح مختارة بوعي كفضاءات خبرة تنقل الاعتراف، تعاش مثلًا في أندية مشجّعي كرة القدم الكبيرة ولقاء خبراء مادّة غذائيّة معيّنة (جبنة، مشروب معيّن، لحم شواء...)، أي ما يسمّى خبراء الذِّواقة[44].

بذكر بورديو، يتّضح أيضًا الجانب السلبيّ للاستهلاك من حيث بُعد الاعتراف: تفضيلات الاستهلاك لا تؤدّي إلى الاندماج فحسب، بل تؤدّي أيضًا إلى الإقصاء والوصم، وهذا ما ذهب إليه هيلمان (Hellmann) في تحاليله النَّسَقِيّة، آخذًا قواعد الإدماج والاستبعاد التي تشكّلها العلامات التجاريّة كمثال، ويتمّ استبعاد الذين ليس لديهم معرفة كلمة السر (الكود)[45] الخاصّ بالمجموعة الفرعيّة المرتبطة بأنماط معيّنة من الاستهلاك، كما يُستبعد أولئك الذين يفتقرون ببساطة إلى الموارد للمشاركة في أنشطة معيّنة، إنّ حقيقة رفض المجموعات المختلفة للاعتراف بها بسبب تفضيلات الاستهلاك المختلفة تعني أنّ فضاءات الخبرة والتعبير محدودة بالنسبة لهم، فيتمّ توجيه الأفراد إلى مجموعات اجتماعيّة محدّدة، سواء أكانت مجموعات نوادي الجولف أم مجموعات محبّي فرقة موسيقيّة ما في الأحياء الفقيرة للمدن الكبيرة. وتعمل تفضيلات الاستهلاك أيضًا كنمط تفسير لاستنتاج قيم شخص آخر.
إذا تمّ تفسير عادات الاستهلاك المحدّدة اجتماعيًّا كتعبير عن الاختيار الفرديّ والذوق الشخصيّ وتمّ دمجها مع تسلسل هرميّ قائم على خبرة الحياة الجيّدة والأقلّ جودة، فإنّ الاستهلاك يكون وسيلة لتطبيع عدم المساواة الاجتماعيّة وجعلها غير مرئيّة[46]. فما يبدو للوهلة الأولى بأنّه فعلُ اختيارٍ فرديٍّ يتجاوز الالتزامات الاجتماعيّة، مرتبط في الواقع ارتباطًا وثيقًا بوجود أسس الفرصة لتحقيق هذا الفعل، وهي فرصة تتمّ بوساطة اجتماعيّة، وبمستويات مختلفة من المشاركة في الشبكات الاجتماعيّة أيضًا، فبنيات الوقت المنقولة من خلال الشغل والموارد التعليميّة الإضافيّة، على سبيل المثال، تخلق ظروف بداية مختلفة تمامًا للعمل الفرديّ.
 يمكن أن يصبح الاستهلاك جزءًا من النضال من أجل الاعتراف والاحترام، خاصّة لأفراد الطبقات الأضعف اجتماعيًّا، مثلًا للحفاظ على الكرامة الذاتيّة ظاهريًّا، والظهور كأفراد قادرين على الفعل وعلى إطعام أنفسهم أو تقديم شيء لعائلاتهم والمحافظة عليها، من هذا المنطلق يؤدّي الاستهلاك إلى تخفيض قيمة الفرد، حيث تتّجه مجهودات الجهات الفاعلة نحو ترتيب خالص مع الوضع الحاليّ، مع الاستعداد لقبول مستوى منخفض والتعامل مع الظروف المعاكسة من أجل البقاء في أمن قدر الإمكان، والبقاء مغطى ومستورًا قدر الإمكان، ومن أجل التمكّن من تلبية احتياجات المستهلك بشكل خاصّ[47].

فيما يتعلّق بالتوتّر بين الارتباط والاغتراب/ الاستلاب على مستوى المصداقيّة/ الأصالة، يمكن بالفعل إجراء استنتاجات من الأمثلة المذكورة أعلاه. توضح أمثلة (Blocos Afros) والمجموعة الموسيقيّة (Olodum) كيف يمكن للاستهلاك أن يساهم في الشعور بالأصالة والتفرّد، وعلى هذا الأساس، ينمو الجهد الذاتيّ للتعبير عن هويّة الفرد، وينمو الانخراط والالتزام في المجتمع في الوقت نفسه، وتتاح هذه الإمكانات أيضًا في مجموعات أخرى، كالمنظّمات غير الحكوميّة الموجّهة للتجارة العادلة مثلًا.

بشكل عامّ، تخلق تفضيلات ومصالح الاستهلاك المشتركة فرصة للتواصل، وبالتالي تفتح إمكانيّة اكتشاف أشياء جديدة من خلال اقتراحات مهمّة من الآخرين، وبذلك يرى المرء نفسه كأصيل في سياق صيرورات حياته الشخصيّة ويلتزم بأهدافه وقيمه، ويوفر الاستهلاك أيضًا فرصًا للتغلّب على أزمات الهويّة المرتبطة بالشعور بنقص الأصالة، على سبيل المثال، باستخدام عروض صالونات الدردشة على الإنترنت، التي تهتمّ بالشؤون الاجتماعيّة، فيمكن بناء تواصل جديد مع أناس آخرين يهتمّون بالموضوع نفسه، أو من خلال المشاركة في المناقشات حول المشكلات في المنتديات، ويمكن تقديم اقتراحات تتجاوز البيئة الاجتماعيّة المكانيّة المحليّة والضيّقة.

يمكن أن يؤدّي الاستهلاك إلى اختفاء فضاءات التعبير والخبرة أيضًا، وقد يكون مرتبطًا بالاغتراب والاستلاب [48]، وفي هذا السياق تتمّ، على وجه الخصوص، مناقشة الاستهلاك المتكرّر الشعائريّ للمحتوى الذي تعمّمه وسائل الإعلام/ التواصل، أي ما يصطلح عليه بالدردشة الفارغة من أيّ معنى، تجترّ ما قيل إلى ما لا نهاية، ولهذا الاجترار وظيفة معيّنة؛ لأنّها تضمن تدجين المستهلكين وبناء نمطيّة في تفكيرهم وسلوكهم وعاداتهم اليوميّة. إلى جانب هذا النوع، هناك أيضًا الموقف السلبيّ بشكل عامّ، الذي يرتبط مثلًا بصورة الأشخاص الأقلّ وعيًا في التهام الوجبات الخفيفة الجاهزة، وعيش تجاربهم الحياتيّة بسطحيّة واضح. وفي هذا الإطار، تحدّث بونر (Bonner) وفايس (Weiss) (2008) عن تسطيح متزايد للواقع، عوض التفكير والتأمّل الأصيل لمشاكل هذا الواقع، وقد نجح التسوّق في إنتاج جيل بأكمله، أصبح مثل هذا التفكير نموذجًا له، بل المحافظة عليه في مرحلة تطوّر نفسيّ-اجتماعيّ صبيانيّ، كما ذهب إلى ذلك باربر (Barber) (2008) الذي تحدّث عن اتجاهات نحو الصبيانيّة (Infantilisierung) من خلال الاستهلاك: «يُربّى الأطفال أكثر فأكثر من خلال تدابير التسويق على عقليّة: أريد أن أملك، أريد هذا[49]، بحيث تصبح الرغبة في الاستهلاك المتكرّر للسلع مطلبًا وهدفًا فرديًّا مركزيًّا، وفي هذا الإطار، يعني مصطلح الاغتراب/الاستلاب التأكيد على أنّ أفعال الفرد يتمّ تحديدها بشكل متزايد من قبل الآخرين، من خلال «فلك (Orbit) استهلاكيّ» يهيّئ الموضوعات والعالم[50]. وعندما يتمّ تحديد الهويّة من خلال عروض الاستهلاك الجاهزة، فإنّ هذا يؤدّي في النهاية إلى الاعتباطيّة، ويعتبر هذا عكس الأصالة.

رابعًا: الاستهلاك ومعنى الحياة
على الرغم من جميع الأزمات، فإنّ الاستهلاك يبقى بنية أساسيّة، ذات مغزى في المجتمع الحديث. وعبّر فيليكس روش (Felix Rِsch) عن هذا بقوله: «المال هو مادّة التشحيم التي تحرّك المجتمع الاستهلاكيّ». والواقع أنّ كلّ شيء بدأ مع التنوير، ووفقًا للسوسيولوجيّ ماكس فيبر (Max Weber) فقد تمّ: «رفع الهالة السحريّة عن العالم (Entzauberung der Welt)»، بمعنى نجاح العلم في تفسير قوانين الطبيعة، ومن ثَمّ السلوك الإنسانيّ الفرديّ والجماعيّ. ولا شكّ في أنّ هذه اليقظة الفكريّة جلبت معها العديد من الأشياء الجيّدة، فبدون التنوير، لا الثورة الفرنسيّة ولا إعلان الاستقلال الأمريكيّ، ولا الأحداث التي شكّلت بداية الديمقراطيّة الحديثة، كان من الممكن تصوّرها، لكنّه في الوقت نفسه حرم الناس من العقائد المطلقة للإيمان. لقد كان الأمن والوعي الكامل بهويّة الفرد شيئًا من الماضي، ومع ذلك يتمّ حاليًّا السعي لتحقيقه باستمرار، على أسس جديدة، بمقتضيات الاستهلاك، الذي يُعتبر بحقّ آخر خطوات تطوّر العلم التيكنولوجيّ، بل أصبح سببًا ومُسبَّبًا في الوقت نفسه.
من بين الـ «ية و يا»[51] اليوم، لم يبقَ سوى الليبراليّة الاقتصاديّة التي غزت العالم، بما في ذلك روسيا والصين الشيوعيّة. وكما أوضح هانز مورجنثاو وهانا أرنت، انتقل الإنسان من «الإنسان العامل/ الصانع (homo faber)»، والمواطن المبدع الذي يقرّر مصيره بكثير من الحرّيّة، إلى «الحيوان العامل (animal laborans)»، حيوان مُتحكَّم فيه لا يعي حتى ما يقوم به. تقوم القوّة الدافعة لهذه الأيديولوجيّة الرأسماليّة على الاستهلاك، وفي الواقع، تختزل الرأسماليّة كلّ ميتافيزيقاها فيها، ولا يعني هذا شيئًا آخر سوى أن أسئلة الوجود مستنفَدَة في الوقت نفسه في الاستهلاك، بناءً على شعار: «أرني ما تشتريته وسأخبرك من أنت»[52]. ويستغل الاستهلاك الفردانيّة لتحديد الهويّة، فعند شراء سيارة فإنّ ثمّة عددًا لا يحصى من الإضافات الاختياريّة، أو التي يعتقد المرء أنّه يختارها بنفسه، في حين أنّها استراتيجيّة تسويق مدروسة ومجرّبة منذ سنوات. الشيء نفسه يصدق على منتجات استهلاكيّة أخرى، كحقائب لويس فيتون (Louis Vuitton) مثلًا، التي يمكن تطريزها باستخدام حرف واحد فقط خاصّ بالمشتري. يكشف سلوك الشراء عن الرغبة في الالتحاق بمجموعة ما، تكون محطّ تحليل ودراسة من قبل أقسام التسويق وتوجيهها بالإجراءات الإعلانيّة المناسبة للشركات[53].
يعتبر الاستهلاك إذن وسيلة لبناء الهويّة، ويترتّب على ذلك أنّ جودة أو فائدة هذه السلع الاستهلاكيّة تصبح غير ذات صلة بالشخص نفسه، والشيء الوحيد الذي يهمّ هو «جودة نافذة المتجر للأشياء»، كما أشار عالم الاجتماع جورج سيميل قبل 100 عام. يعني في النهاية لا يشتري المرء سوى القشرة التي يأمل في مساهمتها في تكوين هويّة له من خلال وضعها وعرضها في الأماكن العامّة[54].
يتمّ شراء هذه الهويّة المفترضة بسعر مرتفع معنويًّا في المقام الأوّل. وعلى المرء أن يستهلك باستمرار ليضمن لنفسه فردانيّته وليبقى جزءًا من مجموعة معيّنة؛ لأنّ (الموضات) تتغيّر. ووفقًا لهانا أرينت ومورجنثاو، فإنّنا نعيش في «مجتمع نفايات»، مجتمع مُهْمِل ينتج القمامة باستمرار، بل ويتعيّن عليه إنتاجها. في دونغيانغ (Dongyang) الصينيّة على سبيل المثال، يتمّ تصنيع أكثر من ثلث الجوارب المباعة في جميع أنحاء العالم. الأمر نفسه ينطبق على سوكسي Suxi ومدينة القمصان ومدينة الأزرار وعدد لا يحصى من المدن الأخرى المتخصّصة في السلع الاستهلاكيّة الأخرى، مثل الولّاعات وربطات العنق والمظلّات إلخ. وبعد استهلاك هذه البضائع في الدول الغربيّة، يتمّ إرجاعها مرّة أخرى كقمامة إلى البلدان المنتجة نفسها، ومن ذلك تصدير السيّارات المستعملة من أوروبا إلى إفريقيا، فهذا مثال واضح المعالم لثقافة القمامة، حيث إنّ هذه السيّارات بعد استعمالها لعشرات السنوات في الدول المصنِّعة ومنع استعمالها لحالتها التقنيّة والميكانيكيّة في أوروبا، تُصَدَّر إلى إفريقيا، التي تضمن المادة الخام لصناعة السيّارات في الغرب. الشيء نفسه يقال عن السفن التي تنقل السلع الاستهلاكيّة حول العالم ويتمّ التخلّص منها مباشرة على شواطئ البلدان النامية، في شيتاغونغ (بنغلاديش) أو آلانج (الهند) مثلا.

لهذه الأمثلة علاقة وطيدة ببناء الهويّة الفارغة من أيّ معنى، يكرّس الغربيّ الإمبرياليّ سلطته و«تفوّقه» بإنتاج القمامة وفرضها على العالم الثالث، بينما يبني هذا الأخير هويّته على تبعيّته للغرب، بل انبهاره به، ويلهث وراء نفاياته التكنولوجيّة: هويّة مُغتصِبة في مقابل هويّة مُغتَصَبة. وسنرجع إلى هذا بعد قليل.
لا يأخذ كثير من المستهلكين اليوم أيّ شيء كأمر مسلّم به، فيجب تصميم كلّ شيء وفقًا للرغبات والأفكار: الجسد، الذكاء، العمر، الحياة اليوميّة... بعبارة أخرى: إنّ الكمال هو الهدف. ويتمّ تعزيز هذه الإرادة الجديدة من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ مثل منصّة الصور الشخصيّة (Instagram). وقد أدّى ذلك إلى تفاقم الضغط إلى حدّ كبير. وأحد الأمثلة على أجندة الاستهلاك الجديدة هو اتجاه المكياج الشعبيّ «الكونتور»، والذي يدور حول جعل الأنف يبدو أضيق وعظام الوجنتين أعلى، وقد حقّق الإتقان الكبير في سوق مستحضرات التجميل أرقامًا قياسيّة في المبيعات. وغالبًا ما يكون الاستهلاك اليوم في اتجاه تحقيق الذات النهائيّ أو التحسين الذاتيّ[55]، فإذا كان هذا على رأس أولويّات المستهلك في جميع المجالات في المستقبل، فقد يؤدّي في النهاية إلى رغبة المستهلك العاديّ في شراء هويّة جديدة ومثاليّة. أصبحت العلامات التجاريّة الأنا (ICH) الذي ينشئ الهويّة؛ ربما حتى من هَوِيَّات تجاريّة مختلفة؛ حسب الاستهلاك ومزاج المستهلك؛ وبهذا سيعيد المستهلك «اختراع» نفسه[56].

من كان يتخيّل قبل أحد عشر عامًا كيف سيغيّر الهاتف الذكيّ عالمنا بشكل جذريّ؟ يبدو الآن كما لو أنّنا على وشك إجراء مزيد من التغييرات الجذريّة بفضل «الهواتف الذكيّة» الجديدة، ومن الممكن أن تحدث هذه التغييرات التخريبيّة بشكل أسرع وأكثر جذريّة، بالإضافة إلى ذلك، في عصر الطاولات (Tablets) الأسيويّة الصنع والإنترنت ومع إمكانيّات التسوّق «الأمازونيّ»[57]، يبدو أنّ ثمّة شيئًا جديدًا قد حدث: التسوّق كهدف في حدّ ذاته، بغضّ النظر عن سببه وما إذا كان المرء في حاجة إلى ما يقتنيه أم لا، وهنا بالضبط تحدث تلك الطفرة اللاواعية في بناء هويّة مستهلكٍ يتسوّق دون أن يكون في حاجة لأيّ سلعة، ويمكن أن نطلق على هذا النوع من الهويّة، «الهويّة الاستهلاكيّة» «العمياء، الصمّاء». فعمليّة الشراء في حدّ ذاتها لم تعد مهمّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عمليّة استهلاك السلعة، كما أنّ قرار الشراء لم يعد مرتبطًا بإرادة فرديّة واضحة، بل بنوع من « الهويّة المستدرَجة»، المدجّنة، الموجّهة بعناية إلى هدف غير مسمّى، غير محدّد، ولربما غير مرغوب فيه إطلاقًا. فتشكيل الهويّة لم يعد يقتصر على مثاليّات وأمثلة إنسانيّة، بل تدخلت في هذا التشكيل العلامات التجاريّة والتصميمات «الديزاين Design»؛ لذلك إذا كان الناس يتقبّلون هويّتهم الطبيعيّة والثقافيّة بشكل أقلّ، وإذا لم يعودوا راضين عن كونهم نحّاتين لأجسادهم البدنيّة[58]، ولكنّهم يريدون أن يصبحوا نحّاتين لهويّتهم الجديدة والمثاليّة، فسيتمّ تحديد ذلك للمنتجات والخدمات وإعطاء العلامات التجاريّة خيارات تصميم جديدة ورائعة.
يرافق هذا ارتقاء إشباع احتياجاتنا الوظيفيّة والعاطفيّة إلى مستوى جديد. لم يعد الأمر يتعلّق بشكل أساسي بالأمور الخارجيّة مثل نمط الحياة الفاخر المرئيّ والملموس في الشقة والسيارة والسفر ومستحضرات التجميل والملابس والطعام والمشروبات وما إلى ذلك، بل يتعلّق الأمر بهويّتنا، بكياننا، بالحياة اللانهائيّة والسعادة. أو كما وصفها يوفال نووا هراري[59] (Yuval Noah Harari): «سنسعى الآن لتحويل الناس إلى آلهة وإخراج الإنسان من الإنسان العاقل»[60]. تخدش معظم العلامات التجاريّة اليوم مشاعرنا وهويّتنا.
ثمّة كثير من الميادين الاستهلاكيّة، التي يمكن عن طريق التأمل فيها تلمس نوع من الانزلاق في فهم وعيش الهويّة الشخصيّة، ومن بين هذه الميادين يبرز ميدان التجميل بشكل خاصّ، و «محاربة الشيخوخة»، فعدم تقبّل الحتميّة الطبيعيّة المتمثّلة في كون نصيب جمال الناس غير متكافئ، بل تعتبر معايير الجمال مسألة ذوق وتنشئة اجتماعيّة؛ وكذا عدم تقبّل الشيخوخة كحدث طبيعيّ حتميّ في حياة أيّ كائن حيّ، وبالخصوص الإنسان، يدفعان إنسان «ثقافة الاستهلاك» إلى الاعتقاد بأنّ «العلم» والتكنولوجيا قادران على تحقيق بناء هويّة جديدة بتوفير مواد التجميل ومواد «محاربة» الشيخوخة. وعلى الرغم من أنّ العلم البيولوجيّ لا يقرّ ولا يعترف ولا يعرف أيّ عقار ضدّ الشيخوخة وضدّ «القبح»، إلّا أنّ ملايين الدولارات تصب في صناديق شركات بعينها تهتمّ أو توهم بأنّ عقاقيرها صالحة لـ «مكافحة» هذين الأمرين، ويروّج عدد هائل من البضائع خصّيصًا لهذا الغرض. وإذا كان الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان يتحدّث عن «الحقّ في الحياة»، فإنّ مستهلَك اليوم يأخذ هذا الحقّ حرفيًّا أكثر فأكثر، لينزلق حقّ إنسانيّ مشروع إلى الحقّ في استهلاك وهم «الحياة الأبديّة» على هذه الأرض. يتعلّق الأمر إذن ببناء هويّة «أبديّة»، لا تشيخ، لا تمرض، بل أكثر من هذا «جميلة» وخالية من العيوب، إنّه البحث عن هويّة دائمة مثاليّة لا توجد أصلًا، أي البحث عن وهم «أسطوريّ» بل «وثنيّ» تغنّت به كثير من الحضارات الإنسانيّة الغابرة. إنّه فقدان المعنى في الحياة، ونسف الإنسان من الداخل، وإبقائه في تبعيّة دائمة لسيّد يشتغل وراء الستار، ولا يهمّه لا مصير الإنسان كفرد، ولا الإنسانيّة كجماعة بشريّة. إنّ هذا «السيّد» يعمل جاهدًا لهدم ما تبقّى من القيم الإنسانيّة الصالحة، وتعويضها بقيمه الخاصّة واختياراته الوجوديّة التي لا تعترف بالوجود كوجود، بل بما هو موجود من الخيرات لبسط نفوذه عليها. والاستهلاك في هذا الإطار هو سلاح ذو حدّين في يد هذا «السيّد»، يوهم بأنّ إيجابيّاته أكثر من سلبيّاته، وبأنّه يخدم في المقام الأوّل «رفاهيّة» الإنسان؛ في حين أنّ الهدف المستتر هو خلق عالم فوضى استهلاكيّ، وإفراغ الإنسان من كلّ محتوياته الأخلاقيّة والروحيّة والنقديّة والمُقاوِمة، كما يُفرغ قرع/ يقطين في حفلات «الهالوين»[61]، وتشويه هويّته وجسده بفرض هويّة غير قارّة عل حال، وغير قابلة للبناء الصلب.

خامسًا: هويّتنا العربيّة الإسلاميّة في مهبّ فقدان معنى الحياة؟
لا يستقيم حال هذا البحث إلا بربطه بواقعنا الثقافيّ والحضاريّ العربيّ والإسلاميّ عامّة. لا نوجد في مأمن من بناء هويّة فاقدة للمعنى، بل لربما نوجد حاليًّا في قلب هذا «الفقدان» لأسباب لا حصر لها، ونذكر منها بالخصوص الأدوات التسلّطيّة التي أحكم الغرب بفضلها سيطرته علينا، وبالخصوص فرضه علينا لحكّام ظاهريًّا عرب ولربما مسلمون ظاهريًّا، ولكنّ داخلَهم غريب عن اللُحمة العربيّة والإسلاميّة، بل خطر عليها بكلّ المعايير، فـ «طبقاتنا الحاكمة» -إلّا من رحم ربّنا- هي امتداد للسيطرة الغربيّة علينا، بل تعتبر الخادمة الطيّعة له، ولكي لا نبقى في سياق شعارات نقديّة، مستهلَكة ومَلُوكة في أدبيّاتنا، فسنحاول في السطور القادمة تفكيك لوالب زجّ الغرب للعرب والمسلمين في طاحونة الاستهلاك، ونسفهم من مقوّماتهم الأصيلة والأصليّة، التي كانت دعامة أساس في بناء هويّتهم. فالاستهلاك ليس مجرّد قرار اعتباطيّ أو رغبة ذاتيّة حرّة -مُتوهَّمَة-، إنّه نظام ثقافيّ-أيديولوجيّ كامل المعالم[62]. يتحكّم لاعبون مختفون في كواليسَ خفيّةٍ، للرفع من وقع وإيقاع ضغط الإيحاء وكلّ التقنيات النفسيّة المعروفة للتحكّم في نفوس البشر وعقولهم، لا يهمّ من أيّ منطقة من العالم. هؤلاء «اللاعبون» هم خَدم بدورهم لكبار الشركات العابرة للقارات، وبالتالي فهي المتحكّمة في مصير العالم. إن الأمر يتعلّق بأبرتهايد جديد[63] وباستعمار واضح المعالم، ويعتبر العالم العربيّ والإسلاميّ هدفًا رئيسًا للأبرتهايد الاستهلاكيّ.

لعلّ المثال الذي ساقه الباحث البريطانيّ من أصول باكستانيّة، ضياء الدين سردار[64]، أفضل مدخل للنبش في كيفيّة تسرّب الاستهلاك الأبرتهايديّ، العنصريّ، الاستعماريّ إلى الدول المسلمة عمومًا والعربيّة خصوصًا: «يُمكن تشبيه البُعد التكنوقراطيّ للدراسات المستقبليّة والمُهيمَن عليه من قبل رجال الأعمال حيث يكون المستقبل مصدر قلق بالغ للشركات الكبيرة، ويكون المستقبل في حدّ ذاته عملًا لأولئك الذين يعقدون كثيرًا من الصفقات، فتأمّل عدد المستقبليّين الأمريكّيين الذين يعملون في التجارة بوصفهم رجال أعمال تقليديّين يتاجرون في سلعة تُسمّى [المستقبل] بما يُمكن أن نُطلق عليه اسم [محنة كولومبوس]. ويكمن وجه الشبه في سعى كولومبوس مدفوعًا بظهور أزمة في أوروبا إلى اكتشاف عوالم جديدة لاحتلالها واستعمارها واستغلالها، وكذلك يسعى جزء كبير من الدراسات المستقبليّة إلى البحث عن مجالات جديدة لا يمكن تصوّرها حتى الآن لغزوها»[65]. واختيار استعارة «محنة كولومبس» ذكيّ للغاية، في نظرنا؛ لأنّه يلخّص الهويّة الاستبداديّة والكولونياليّة للغرب برمّته. وفهم تكتيكاته وديناميّاته واستراتيجيّاته في هذا السبيل مهمّة للغاية لغير الغربيّ، الذي يحاول تفكيك الغرب قصد فهمه وفهم طرق اشتغاله، وذلك كخطوة أولى ضروريّة للغاية، ليس فقط للتعامل معه، بل لتقديم بديل أو بدائل لهويّات مؤسّسة بطرق أخرى أيضًا، بحيث تكون أكثر إنسانيّة وأكثر احترامًا للبشر.
أنتجت «محنة كولومبس» كذلك رواية «يوتوبيا» لتوماس مور، الصادرة عام 1516، أي بما يناهز ربع قرن على مغامرة كولومبوس. والرواية هي تعبير حقيقيّ/ واقعيّ عن أزمة الهويّة الأوروبيّة في حينها، التي لم تختر لبنائها أو إعادة بنائها في المستعمرات إلّا تنحية الآخر، أي الشعوب والثقافات والهويّات الأصليّة للمستعمرات الأوروبيّة: «وكان هذا العالم الجديد بمنزلة المدينة الفاضلة المُعَدَّة لعصر النهضة عند السِّيْر توماس والطوباويّين الذين تبعوا خُطاه، حيث يُقدّم لنا السِّيْر توماس المثال الأوّل لنهج كان ليُصبح سِمَة محوريّة للفكر الغربيّ، واستخدم واقع أرض يعيش في كنفها أناس يتبعون آراءً سائدة مختلفة وأنماطًا متفاوتة من المعرفة والحياة، وكانت هذه الأرض مكانًا لعرض أفكار أوروبيّة الأصل والاهتمامات، ولا تزال [متلازمة مور] تظهر في الدراسات المستقبليّة؛ حيث يستولي العديد من المستقبليّين المعاصرين على أفكار المجتمعات والثقافات الأخرى ومعلوماتها وخبراتها، ومن ثم يعرضونها في شكل رؤى للمستقبل العلمانيّ الغربيّ [...] ولفهم امتداد الاستعمار المرتقب وتعمُّقه حاليًّا في الدراسات المستقبليّة، من المهمّ فهم: كيف تُهيَّأ المساحات الفكريّة في ثقافة الغرب وتُضبَط وتُصَان؟ وكيف تتبع الدراسات المستقبلية نمطًا راسخًا من التطوّر الانضباطيّ الذي لا تخرج عنه، وهو نمط صُمِّم لكسب السمعة والشهرة، وصناعة حصريّة لنخبة العالم الأبيض لتتحكّم في فرض النظم ولتقرّر الجوانب المهمّة وغير المهمّة في مجال الدراسات المستقبليّة».
لا تتورّع هذه القوى العمياء، في سياسات فرض هيمنتها، على استغلال المؤسّسات الدوليّة -على الرغم من أنّ هذا أمر لا يدهش، ذلك أنّ ما يسمّى بمنظّمة الأمم المتّحدة مثلًا، ما هي في العمق إلّا منظّمة للتغطية والتستر على هيمنة القوى العظمى-. ذلك أنّ اليونسكو مثلًا، في تقريرها الأوّل لعام 1992م حول الدراسات المستقبليّة، لم تدرجع إلا اسم عالِمِ مستقبليّات واحد غير غربيّ، أي أنّها تساهم في وضع حدود عِرقيّة: « وعلى عكس تقرير المستقبل، صُمم التدقيق المستقبليّ لليونسكو بتصميم واضح بوصفه أداة مرجعيّة عالميّة، ولا يُلام أيّ شخص من دولة نامية يقرأ العدد الأوّل من التدقيق المستقبليّ لليونسكو إذا اعتقد بأنّ الدراسات المستقبليّة موضع اهتمام الولايات المتحدة فقط، وأنّها تحظى بدعم أوروبيّ ضئيل، ولا علاقة لهذه الأداة بالعالم الثالث، ولم يُشارك أيّ شخص من أيّ بقعة من بقاع العالم الثالث بكتابة عمل عن المستقبل يستحقّ الذكر في أيّ عمل مرجعيّ ببليوغرافيّ، وبدمج هذا التدقيق مع مجلّدات تقرير المستقبل السنويّة المهمّة التي تغطّي أكثر من عقدين من العمل في الدراسات المستقبليّة، تتضح لنا الصورة كاملة لنرى أنّ العالم يبدأ وينتهي بالولايات المتحدة الأمريكيّة، ولذلك يُصبح المستقبل بالفعل شأنًا غربيًّا ومجالًا غربيًّا، وتبقى الثقافات غير الغربيّة ببساطة خلفيّات ثقافيّة».

من بين ما يجب على إنسان العالم الثالث، بما فيه العربيّ والمسلم وعيه هو أنّ الدراسات المستقبليّة الحاليّة هي التي تطبع ثقافات العالم الغربيّ بطابع غربيّ واضح، بما يحمله تمجيد الغرب لذاته من دلالات منذ حركات الاستعمار الكلاسيكيّة. ومن بين الدراسات المعاصرة التي يذكرها ضياء الدين سردار في بحثه هي دراسة جوزيف ف.كواتس وجنيفر جارات[66]، والتي تتضمّن كخلاصة السؤال الآتي: «هل ستختلف أحوال هونغ كونغ في القرن المُقبل؟ وما هي فرص التسويق الشامل في الاتحاد السوفيتيّ خلال السنوات العشرين القادمة؟ وبهذا فقد عدنا من جديد إلى أرض كولومبوس التي تصيغ العلاقة الوحيدة بالثقافات غير الغربيّة بكونها تقتصر على أسواق الغرب[67]».
الجدير بالذكر هو أنّ الدراسات المستقبليّة هي مصباح الجيب للاستراتيجيّين الغربيّين، مهندسي «خطط تنمية شعوب العالم الثالث»، الذين لا يعملون باستراتيجيّاتهم من أجل إنماء هذا الأخير، بل على العكس من ذلك، يكون الهدف الأخير لهذه الاستراتيجيّات هو تكبيل أيدي العالم الثالث والإبقاء على حاله كما كان في أحسن الأحوال أو العبث به وخلق فوضى حقيقيّة لاستمرار سيطرة الغرب وهيمنته على خيرات الدول الفقيرة: «من هنا تتهيّأ الدراسات المستقبليّة لتُصبح أداة أكاديميّة وفكريّة أخرى لاستعمار المجتمعات غير الغربيّة مثلما استعمرت حركة الاستشراق تاريخ الثقافات غير الغربيّة، واستعمرت الأنثروبولوجيا ثقافات المجتمعات غير الغربيّة، واستعمرت التنمية حاضر العالم الثالث، والآن تتطوّر الدراسات المستقبليّة لتُصبح أداةً لاستعمار الحدود الأخيرة للمستقبل غير الغربيّ نفسه[68]».

بما أنّ العالمين العربيّ والإسلاميّ يدوران في فلك الغرب من خلال حكّامهما ومن خلال شعوبهما أيضًا، الدائرة بدورها حول فلك الاستهلاك الغربيّ، فإنّ الهويّة العربيّة والإسلاميّة توجد منذ قرون على حافة الإفلاس والانخراط الكلّيّ في استلابٍ لم يسبق له مثيل في المجتمعات الإنسانيّة؛ لأنّ هذف الغرب الحاليّ المعلَن هو القضاء على هويّة العرب والمسلمين على حدّ سواء، لما يمثّلونه من خطر مُتوهَّم للغرب لهم ولما يمثّلونه من سوق شاسعة الأطراف لترويج سلعهم وإغراق الأسواق العربيّة والمسلمة بنفايات الغرب، من سلع مستهلكة وقمامة فعليّة[69] ونفياث من كلّ الأنواع[70].  إذا أخذنا هذا الأمر كرمز لبناء الهويّة العربيّة والمسلمة بمحاكاة الغرب أو بضغط من جانبه، فلا نندهش إن تنبّأت الدراسات المستقبليّة بأنّ استقلالنا الحقيقيّ لن يلوح في أفق تاريخ الإنسانيّة حتّى بعد قرن من الزمن.
ليست معي كباحث عصى سحريّة يمكّنني استعمالُها لأرى أحوال أمّتي وقومي أفضل وأعقل، لكنّني أعتقد بأنّ الضمائر الحيّة عندنا متوفّرة، وبأنّ الإرادة الفرديّة والجماعيّة متوفّرة، وأنّ الجهاد الحقيقيّ هو الجهاد ضدّ أنفسنا ورفض هويّة ممسوخة يفرضها علينا الغرب يوميًّا وبطرق شتّى، وذلك لغرض وحيد :هو تدجيننا أكثر واستغلالنا أكثر ودفعنا إلى مستنقعات استهلاكه لنظلّ رقيقه. لي ثقّة أيضًا في ديناميكيّة الإنسان المقهور في العالم العربيّ والإسلاميّ، الذي عندما يسقم من حياة دون معنى، فإنّه لن يركن للسقم والاكتئاب، بل سيستفيق ولو بعد أجيال لإعلان مقاومة حقيقيّة ضدّ الأصفاد التي وُضعت في معصميه، ومنها بالخصوص الاستهلاك.
وعلى الرغم من أنّ الأفق ظهر مظلمًا، وتحقيق هذا الهدف صعب وبعيد المنال، إلّا أنّ الأمّة العربيّة والمسلمة حبلى بأبنائها الأبرار وبناتها البارّات من مفكّرين ومفكّرات علماء وعالمات  في مختلف التخصّصات، قد يكونون نموذجًا لكثير من شبابنا وأطفالنا للاستمرار في تهيئة الطريق لوعي ذواتنا وهويّتنا وبنائها على أسس صحيحة وأصيلة وتحريرها من جبروت الأيدي العابثة.

خاتمة
هدفت مساهمتنا إلى إظهار كيف يمكن توضيح المعنى المعقّد للاستهلاك لأسس الهويّة الحديثة من خلال نموذج الكشف عن مجريات الأمور. نقترح ألّا نفهم الاستهلاك في حدّ ذاته كعامل مؤثّر سلبيٍّ على نموّنا، بل اعتباره محاولة لفهم التوتّر بين الجوانب الداعمة للهويّة وبين الجوانب التي تهدّدها. فلمنظور العمليّة التي يمكن من خلالها تتبّع التفكير الفرديّ وعمليّات التنمية أهمّيّة خاصّة[71]. وبهذا تتميّز هذه الدراسة بفهم الهويّة الموجّهة حصريًّا نحو قرارات الاستهلاك الفرديّ التي لا تولي أهمّيّة كبيرة للعوامل البنيويّة اجتماعيًّا.
كانت الأفكار التي قدّمناها نموذجيّة، لم تتوخّ الكمال -ولن تستطيعه-؛ لأنّ موضوع الدراسة شاسع وعميق، والدراسات التي تهتمّ به حديثة جدًّا لم يتوفّر بعد ركام معرفيٍّ ومنهجيٍّ كاف لتعميقه أكثر والقيام باستنتاجات عامّة صالحة. ما نتمنّاه هو أنّ باحثين وباحثات عرب يوسّعون أفكارنا هذه لتشمل جوانب إضافيّة، لم نتطرّق لها هنا، أو لم نهتد لها. فدراسة الاستهلاك مهمّة للغاية؛ لأنّ له تأثيرًا مباشرًا على العديد من الجوانب وعلى مستويات عديدة في تطوير هويّتنا، وبالتالي فإنّه يستحقّ الاهتمام أكثر في المستقبل في إطار أبحاث الهويّة.
للهويّة علاقة وطيدة بالحياة بصفة عامّة، فإذا كانت هذه الهويّة متذبذبة، تابعة، مريضة، غير أصيلة، فإنّ فقدان معنى الحياة يكون النتيجة الحتميّة لهذا؛ وإذا فقد الفرد معنى لحياته، ولم يعد يعيش إلّا لتلبية حاجّياته العضويّة، في إطار ثقافة استهلاك مدجّجة بالأنواع المختلفة للأسلحة السيكولوجيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة لاستعمار دواخل هذا الفرد، فإنّه يفقد أيضًا كلّ المقوّمات الأخلاقيّة والفرامل الدينيّة التي تنظّم المجتمعات لتعيش في سلام. يقود الاستهلاك الهويّة إلى فقدان ركائزها الإنسانيّة، وبالتالي إلى بناء فهم تشيئيّ لمعنى الحياة والإنسان.

المصادر والمراجع
أحمد مجدي حجازي: المجتمع الاستهلاكيّ ومستقبل التنمية في مصر 2001.
إيريك فروم: الامتلاك أو الوجود، الأسس النفسيّة لمجتمع جديد، ترجمة: حميد لشهب، جداول للطباعة والنشر والترجمة، بيروت، لبنان، 2019.
راينر فونك: الأنا والنحن، التحليل النفسيّ لإنسان ما بعد الحداثة، ترجمة: حميد لشهب، جداول للطباعة والنشر والترجمة، بيروت، لبنان، 2016.
الطاهر العلويّ: ظاهرة الاستهلاك في المجتمعات النامية، دار موفم للنشر، الجزائر.
عبد الرحمن السيد فهمي: الاستهلاك في مجتمعات الخليج العربيّ، مركز دراسات الجزيرة العربيّة، الرياض 1999.
محمد سبيلا: الحداثة وما بعد الحداثة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، 2007.
محمد سبيلا: في تحولات المجتمع المغربي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب 2010.
محمد سبيلا: مدارات الحداثة، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، 2009.
يوسف زكار: الاستراتيجيّة التسويقيّة للأسواق التجاريّة الكبرى وأثرها على أنماط الاستهلاك لدى الفرد، نموذج مرجان بمدينة مراكش أطروحة غير منشورة 2015 ـ  2016.
Augé, Marc (1994): Orte und Nicht-Orte. Vorüberlegungen zu einer Ethnologie der Einsamkeit. Frankfurt/ M.: Fischer Verlag.
Barber, Benjamin R. (2008): Consumed! Wie der Markt Kinder verführt, Erwachsene infantilisiert und die Demokratie untergrنbt. München: C.H. Beck
Beck, Ulrich/Lau, Christoph (2004) (Hrsg.): Entgrenzung und Entscheidung. Was ist neu an der Theorie reflexiver Modernisierung? Frankfurt/M.: Suhrkamp
Bonner, Stefan/Weiss, Anne (2008): Generation Doof: Wie blِd sind wir eigentlich? Bergisch Gladbach: Bastei Lübbe.
Bourdieu, Pierre (): Die feinen Unterschiede. Frankfurt/M.: Suhrkamp
Haupt, H-G. Konsum und Handel. Europa im 19. und 20. Jahrhundert. Gِttingen: Vandenhoeck & Ruprecht. 1987
Hellmann, Kai-Uwe (2003): Soziologie der Marke. Frankfurt/M.: Suhrkamp
Honneth, Axel (1994): Der Kampf um Anerkennung. Zur moralischen Grammatik sozialer Konflikte. Frankfurt/M.: Suhrkamp
Illouz, Eva (2003): Der Konsum der Romantik. Liebe und die kulturellen Widersprüche des Kapitalismus. Frankfurt/M.: Campus
Jنckel, Michael (Hrsg.) (2007): Ambivalenzen des Konsums und der werblichen Kommunikation. Wiesbaden: VS Verlag
Keupp, Heiner/Ahbe, Thomas/Gmür, Wolfgang/Hِfer, Renate/Mitzscherlich, Beate/Kraus, Wolfgang
Kِnig, W. Kleine Geschichte der Konsumgesellschaft. Konsum als Lebensform der Moderne. Stuttgart: Franz Steiner, 2008.Straus, Florian (2002): Identitنtskonstruktionen. Das Patchwork der Identitنten in der Spنtmoderne. Reinbek: Rowohlt
Kühn, Thomas/Koschel, Kay-Volker/Barczewski, Jens (2008): Identitنt als Schlüssel zum Verstنndnis von Kunden und Marken. In: Planung & Analyse 36(3): 17-21
Kühn, Thomas/Souza, Jessé (Hrsg.) (2006): Das moderne Brasilien. Gesellschaft, Politik und Kultur in der Peripherie des Westens. Wiesbaden: VS Verlag
Misik, Robert (2007): Das Kultbuch. Glanz und Elend der Kommerzkultur. Berlin: Aufbau
Rosa, Hartmut (1998): Identitنt und kulturelle Praxis. Politische Philosophie nach Charles Taylor. Frankfurt/M.: Campus
Rosa, Hartmut/Lorenz, Stephan (2009): Schneller Kaufen! Zum Verhنltnis von Konsum und Beschleunigung. In: Berliner Debatte Initial 20(1): 10-18
Schaeber, Petra (2006): Von den Flechtfrisuren der Blocos Afros zu Dreadlocks im Hِrsaal - die Bedeutung kultureller Bewegungen für das moderne Brasilien. In: Kühn, Thomas/Souza, Jessé (2006): 320-339
Scheier, Christian/Held, Dirk (2007): Was Marken erfolgreich macht. Neuropsychologie in der Markenführung. Freiburg: Haufe
Souza, Jessé (2008): Die Naturalisierung der Ungleichheit. Ein neues Paradigma zum Verstنndnis peripherer Gesellschaften. Wiesbaden: VS Verlag

-------------------------------------
[1]*ـ  باحث وأكاديمي مغربي مقيم في النمسا.
[2]- ازدادت أهمّيّة أبحاث المستهلك في علم الاجتماع وعلم النفس منذ سنوات بطريقة ملحوظة.
[3]- نستخدم مفهوم الاستهلاك هنا بمعنى شامل وواسع، مثل «استخدام السلع النادرة للخدمات لغرض (...) تلبية احتياجات آخر مستهلك» (Hellmann, Kai-Uwe. Soziologie der Marke. Frankfurt/M.: Suhrkamp, 2003. S. 67). وهذا يشمل كلًّا من الاحتياجات الأساسيّة والاحتياجات الثانويّة التي تهدف إلى الإشباع بما يتجاوز الضروريّات العمليّة اليوميّة للحياة. ولا ينحصر معنى الاستهلاك هنا في المأكل والمشرب والملبس إلخ، بل يشمل كذلك الخدمات بكلّ أنواعها، والرياضة والثقافة وقضاء الوقت الثالث إلخ. سنرجع إلى هذا فيما بعد.
[4]- Beck, Ulrich/Lau, Christoph (Hrsg.): Entgrenzung und Entscheidung. Was ist neu an der Theorie reflexiver Modernisierung? Frankfurt/M.: Suhrkamp, 2004.
[5]- ويسميه إيريك فروم „الإنسان المستهلك Homo consumens».
[6]- Misik, Robert. Das Kultbuch. Glanz und Elend der Kommerzkultur. Berlin: Aufbau, 2008, S. 38.
[7]- Illouz 2003 zum Konsum der Romantik.
[8]- Rosa/Lorenz 2009.
[9]- علاوة على ذلك، وكما يؤكد Rosa / Lorenz، «من الممكن أيضًا الحصول على تعميمات متنافسة من خلال فهم الأدوار الأخرى».
[10]- راينر فونك. الإنسان اللامحدود. ترجمة حميد لشهب، جاهز للنشر.
[11]- الإله ذو الوجهين في الأساطير الرومانيّة القديمة.
[12]- Wiswede 2000: 24.
[13]- نفس المرجع السابق، نفس ص
[14]- نفس المرجع السابق، ص 25
[15]- المقصود التصنيف المكانيّ للفرد وإدراكه لمكان إقامته، أي وعيه بالفضاء حيث يوجد.
[16]- انظر في هذا الإطار: Stihler 1998a: 57; Wiswede 2000: 25, 48-49.
[17]- انظر في هذا الإطار، راينر فونك، الإنسان اللامحدود. ترجمة حميد لشهب.
[18]- لهذه الحلوى أسماء متعدّدة في العالم العربيّ، فهي عند المغاربة }حلوة الصوفة» وفي بلاد الشام ومصر يطلق عليها اسم «غزل البنات»، ويسميها التونسيون «لحية جدي» وهي «لحية الشايب» في الخليج و«شعر البنات» في الأردن والعراق. تصنع من الماء والسكر بتركيز عال وباستخدام محرّك طردٍ مركزيّ. تتجمّع خيوط السكر على أطراف الوعاء المستخدم لهذا الغرض، وتُجمع مشكّلة ما يشبه القطن في نعومته وبياضه.
[19]- انظر Keupp, Heiner/Ahbe, Thomas/Gmür, Wolfgang/Höfer, Renate/Mitzscherlich, Beate/Kraus, Wolfgang
Rosa, Hartmut/Lorenz, Stephan Schneller Kaufen! Zum Verhältnis von Konsum und Beschleunigung. In: Berliner Debatte Initial 20(1): (2009): 10- 18.
[20]- انظر Kühn, Thomas/Koschel, Kay-Volker/Barczewski, Jens (2008): Identität als Schlüssel zum Verständnis von Kunden und Marken. In: Planung & Analyse 36(3): 17- 21.
[21]- انظر مثلا Scheier, Christian/Held, Dirk. Was Marken erfolgreich macht. Neuropsychologie in der Markenführung. Freiburg: Haufe. (2007).
[22]- Rosa 1998.
[23]- انظر في هذا الإطار بالخصوص: كتابات إيريك فروم.
[24]- Keupp. 2002: 243f.
[25]- لفحص معمق للإعتراف المجتمعي انظر Honneth, Axel (1994):
 Der Kampf um Anerkennung. Zur moralischen Grammatik sozialer Konflikte. Frankfurt/M.: Suhrkamp.
[26]- انظر في هذا الإطار، راينر فونك، الأنا والنحن.
[27]- انظر إيريك فروم، الامتلاك أو الوجود.
[28]- كما يحدث حاليًّا في مجموع الدول العربيّة وغالبيّة البلدان المسلمة ودول العالم الثالث.
[29]- انظر في هذا الإطار راينر فونك، المرجعين السابقين
[30]- انظر Hellmann 2003 للحصول على مناقشة سوسيولوجيّة مفصّلة لمعنى العلامات التجاريّة.
[31]- ظهر هذا بوضوح عندما ظهرت جائحة كورونا مطلع عام 2020، وزعزعت هذا الأمن و«هرول» الناس إلى المحلّات التجاريّة لشراء ما يمكن شراؤه تحسّبًا للجوع والعطش. ويعطي هذا الانطباع بأنّ الناس لم يرهبهم الفيروس في حدّ ذاته، بقدر ما أرهبتهم فكرة الخصاص ونقص في المواد التي يستهلكونها يوميًّا.
[32]- انظر المراجع التي ذكرناها لإيريك فروم في هذا البحث.
[33]- كما حثّ على ذلك مثلًا رايخر وهوبكينس Reicher/Hopkins 2001.
[34]- بمعنيين: يلاحظ المتخصّص الذي يشتغل مع من يُصطلح عليهم حاليًا “مدمنوا الاستهلاك” في الدول الغربيّة بأنّ هناك استهلاكًأ محبطًأ، عندما يقتني المرء سلعة أو يختار خدمة ولا تكون في مستوى انتظاراته وتطلّعاته. ويتحدّث المرء عن استهلاك إحباط، عندما يحاول المرء تغطية إحباطه، ولربما كبته باللجوء إلى الاستهلاك غير الضروريّ وغير المعقلن، فيما يسمّى الاستهلاك التعويضيّ.
[35]- المقصود التجزئة النفسيّة، لكن ليس بمعنى الفصام، حتى وإن كانت هذه التجزئة تُصاحب في غالب الأحيان بنوع من الإحباط، الذي يسبّب الكآبة عندما يتكرّر بانتظام، وذلك بدرجات متفاوتة من شخص إلى آخر.
[36]- على سبيل المثال عند بونروفايس Bonner/ Weiss: «كلّ شخص يعرف الحياة الواقعيّة فقط من برنامج تلفزيون الواقع، ويختبر أكثر الأمسيّات إثارة أمام التلفزيون لديه مشكلة. أيّ شخص يقضي معظم وقت فراغه مع الكمبيوتر أو وحدة التحكّم في الألعاب ويعرف موظفي أرض العجائب على الإنترنت أفضل من أولئك الموجودين في شريط الزاوية لديه مشكلة
«Bonner, Stefan/Weiss, Anne: Generation Doof: Wie blöd sind wir eigentlich? Bergisch Gladbach: Bastei Lübbe، 2008،  ص 330.
[37]- انظر محمّد سبيلا.
[38]- على حدّ تعبير مارك أوجي Marc Augé: «عالم ينفي الولادة والموت إلى المستشفى، عالم يتزايد فيه عدد غرف العبور والمهن المؤقّتة (...) باستمرار (سلاسل الفنادق و قاعات الإقامة العابرة، وقرى الإجازات، ومخيمات اللاجئين، والأحياء الفقيرة المصمّمة للهدم أو الاضمحلال)، عالم تتطوّر فيه شبكة كثيفة من وسائل النقل، وهي أيضًا مساكن متنقّلة، حيث أولئك الذين لديهم دراية بمساحات طويلة من الموزعين الأوتوماتيكيّ وبطاقات الائتمان يمكنهم استخدام إيماءات الروابط لحركة المرور الصامتة، وهو عالم يستسلم بهذه الطريقة للفرد الوحيد والعبور والمؤقّت وعابر الزوال».
[39]- Misik 2007: 65.
[40]- يتبع/ يتهافت/ يهرول/ يجري وراء، وكلّها كلمات تصلح للاستعمال هنا.
[41]- Rosa/ Lorenz 2009: 16.
[42]- راجع راينر فونك، الإنسان اللامحود.
[43]- انظر راينر فونك، الأنا والنحن، مرجع سابق، وكذا Hellmann 2007; Muniz/ O’Guinn 2001.
[44]- راينر فونك، الأنا والنحن، مرجع مذكور سابقًا.
[45]- انظر محمد سبيلا، الأيديولوجيا. نحو نظرة متكاملة.
[46]- Souza, Jessé (2008): Die Naturalisierung der Ungleichheit. Ein neues Paradigma zum Verständnis peripherer Gesellschaften. Wiesbaden: VS Verlag.
[47]- Kühn, Thomas/Koschel, Kay-Volker/Barczewski, Jens (2008): Identität als Schlüssel zum Verständnis von Kunden und Marken. In: Planung & Analyse 36(3): 17- 21.
[48]- انظر مراجع إيريك فروم التي ذكرناها سابقًا في هذا البحث.
[49]- اشتغل إيريك فروم وراينر فونك كثيرًا على هذا الأمر، وأظهرا العواقب الوخيمة لمثل هذا التطوّر الاستهلاكيّ.
[50]- Misik 2007: 57.
[51]- المقصود العلوم الإنسانيّة أو تخصّصات منها تنتهي بـ: „ية أو يا“ كالسوسيولوجيا، السيكولوجيا، الأيديولوجيا والبنيويّة والوجوديّة إلخ.
[52]- أو: أنا أستهلك، إذن فأنا موجود.
[53]- انظر رابنر فونك، الأنا والنحن، مرجع سبق ذكره في هذه الدراسة.
[54]- ما يصطلح عليه: الاستهلاك الاستعراضيّ، الذي عرف تطوّرات سلبيّة خطيرة في المنطقة العربيّة عامّة، وبالخصوص في الإمارات البتروليّة. فقد تجاوز الأمر البذخ، ليصبح هدمًا لهويّة الإنسان العربيّ. ويلاحظ من يعيش في الدول الغربيّة النشاط السياحيّ للمترفين الخليجيّين، الذي يقضون الجزء الأكبر من إجازتهم في زيارة مساجد الاستهلاك، وخاصّة لجهة إقبالهم على محلّات الماركات للتبضّع -ولربما للتضبّع أيضًا-.
[55]- يشترك في هذا الأمر الرجال والنساء على قدم «المساواة»، ليس فقط في الغرب، بل في الدول العربيّة والإسلاميّة أيضًا، وبالخصوص فيما يسمى عبثًا وبهتانًا «عالم الفنّ»، حيث لم يعد المرء يميّز بين المظهر الخارجيّ لبعض «الرجال (الفنانة)»، وطريقة لباسهم وماكياجهم إلخ. فإذا كان الإسلام قد نهى على تبرّج النساء، فإنّ تبرّج الرجال غير مؤسّس على أيّ أساس شرعيّ، ولا يستند على نصّ دينيّ واضح، وبهذا أصبح بناء هويّة «الرجال» بمساعدة ثقافة الاستهلاك عنوانًا لفقدان الإنسان العربيّ والمسلم، وليس فقدان هويّته فقط.
[56]- مراجع إيريك فروم، المذكورة سابقًا.
[57]- إشارة إلى التسوّق عن طريق منصّة „أمازون“
[58]- إشارة إلى ما يسمّى عبثًا “بناء الأجسام”.
[59]- في كتابه «Homo Deus». قبله تحدث إيريك فروم عن ميول الإنسان لكي يصبح إلهًا.
[60]- الطرح نفسه قدّمه إيريك فروم في دراساته حول الاستهلاك والماركتين.
[61]- إشارة إلى حفلات الهالوين، التي تقام بداية شهر نوفمبر في مختلف البلدان الغربيّة، وبالخصوص في العالم الأنجلوساكسونيّ وبالأخص في أمريكا. أصل هذه الحفلات وثنيّ، وتخريبيّ، دفع بالكثير من المناطق والمدن في أوروبا بحذرها. و“بطل“ هذه الحفلات هو „اليقطين“ الأحمر بالخصوص، يفرغ، وينحت على شكل وجه مخيف، ويضاء بشمعة، ثمّ يُوضع أمام أبواب المنازل.
[62]- انظر في هذا الإطار محمد سبيلا، مدارات الحداثة، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر. بيروت، لبنان، 2009
[63]- انظر كتابنا الأبرتهايد
[64]- انظر: «استعمار المستقبل: البُعد «الآخر» للدراسات المستقبليّة» ضياء الدين سردار، ترجمة: يارا عبدالرحمن المحيميد.
مجال الدراسات المستقبليّة واستعمار المستقبل: البُعد الآخر - ضياء الدين سردار | مجلّة حكمة (hekmah.org)
[65]- نفس المرجع السابق
[66]- ما يعتقده المستقبليّون What Futurists Believe
[67]- المرجع السابق نفسه.
[68]- المرجع السابق نفسه.
[69]- قبل بضعة سنوات ضُبطت سفينة إيطاليّة ضخمة محمّلة بنفياث البلاستيك لتفرغها في شاطئ من شواطئ المغرب بموافقة السلطات (أو بالأحرى المتسلّطين) المغربيّة. وكان ردّ فعل الوزيرة التي كانت المسؤولة على حقيبة “البيئة” هو أنّ هذه النفياث تمثّل ربحًا للمغرب، لأنّها ستصبح مادّة خام من جديد وتصدّر إلى أوروبا، وكأنّ المغرب إلى حدّ الآن مؤهّل لمثل هذا التدوير، أو وكأنّ أوروبا غير قادرة على إنشاء مصانع لهذا الغرض
[70]- روّجت بعض وسائل الإعلام أخبارًا مفادها أنّ الغرب يصدر نفاياته الذريّة إلى بلدان عربيّة وإفريقيّة لدفنها في فيافي صحاريها.
[71]- Kühn / Koschel 2007، مرجع سابق.