الباحث : منال محمد خليف
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 27
السنة : ربيع - صيف 2022م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث : November / 12 / 2022
عدد زيارات البحث : 3465
يشكّل البحث في طبيعة القيمة أهمّ المحاور التي تدور حولها الأخلاق المعاصرة؛ نظراً لما وصل إليه الإنسان في عصر التقنية والعلم من فوضى في فهم القيم الأخلاقيّة ومرتكزاتها، وإلى الخلط الذي أدّت إليه فلسفات الأخلاق المختلفة من فهمٍ لسياق الوسائل والغايات، ومعرفة القيمة الأساسيّة التي تتوجّه إليها جميع القيم. وتأتي أهمّيّة هذا الموضوع في سياق أكثر من مُسوّغ، تبعاً لما آل إليه البحث في حقيقة القيمة والنظرة الثابتة والمطلقة من مشكلات انسكبت في عمق التفكير الغربيّ المعاصر. ولعلّ الحديث عن قضيّة القيم كمعطى فينومينولوجيّ يحيل أساساً إلى تأسيسات هوسرل النظريّة، وإلى ما ذهب إليه كانط في تنظيره القيم المتأرجحة عند النسبيّة والمطلقيّة. والهدف الذي نرومه من هذه الدراسة هو بحث المباني والمرتكزات التي قامت عليها القيم من خلال أبرز منظّريها وخصوصاً فلسفة القيمة التي ظهرت في تنظيرات ماكس شيلر وتفكيره الفينومينولوجيّ، ومحاولاته الدؤوبة في حلّ إشكاليّة القيم، وتخليص فلسفة القيمة من ثوبها الكانطيّ، وكذلك معرفة إلى أيّ مدى كان محقًّا في ذلك؟ وكيف يمكن للحدس العاطفيّ أن يكون حكماً على ماهيّة القيمة؟ وهل يمكن فصل القيم عن الإرادة والعقل، وما موضع الشخص ضمن فلسفة القيمة عند شيلر؟ وكيف يمكن أن نتحدّث عن الحبّ كقيمة؟
الكلمات المفتاحيّة:
فينومينولوجيا، القبليّ، شخص، فعل التفضيل، القيم، الحب، التعاطف- القصديّة- الإرادة والعقل.
تمهيد حول طبيعة التجربة الفينومينولوجيّة
عند الحديث عن التجربة الفينومينولوجيّة لا يتبادر إلى ذهننا سوى مقولة واحدة وهي الوعي وقصدية الفعل كما ظهرت عند إدموند هوسرل Edmund Husserl، وهذا الأخير يُنظر إليه بوصفه عرّاب المنهج الفينومينولوجيّ في الفلسفة المعاصرة، والمؤثّر الأساسيّ في فلسفة شيلر Max Scheler الذي استخدم هذا المنهج للبدء بحركةٍ إصلاحيّة هدفها تصحيح الثنائيّات التي خلّفتها العقلانيّة الغربيّة، كثنائيّة العقل والواقع، أو الذات والموضوع، والأنا والآخر...، ومحاولة التوفيق بينها، وكان اختلاف شيلر الأساسيّ عن هوسرل في توسيعه لنطاق الوصف الفينومينولوجيّ على مجالات مغايرة لتلك التي بحث بها هوسرل، وتطبيقه للمنهج الظاهراتيّ على مجال «العواطف». وما ذاك إلّا رغبةً منه في أن يعيد للعالم وللذات قيمتهما الميتافيزيقيّتان اللتان فُقِدتا جرّاء الردّ الفينومينولوجيّ التقليديّ. ناهيك عن رغبته في التصدّي للمثاليّة الصوريّة عند إمانويل كانط Immanuel Kant، فكان القطب الأساسيّ للاختلاف هو اتجاه القيم التي تُوِّجَت في هرم التسلسل القيميّ عند شيلر بـ «محبّة الله»؛ في حين غيَّب كانط هذه الغاية الأساسيّة بحجّة عدم قدرتنا على معرفة الله.
هذا ما جعل فلسفة القيم الشلريّة تدخل في مشادّةٍ جدليّة مع الفهم الكانطيّ للقيم على أنَّها قبليّة صوريّة ضروريّة وكليّة يفرضها القانون العقليّ، وذلك بحكم أنَّ العقل وحده القادر على إدراك ماهيّة القيم. وقد عابَ شيلر على كانط رؤيته للأخلاق المادّيّة على أنَّها يجب أن تكون بالضرورة أخلاقًا للغايات وليست أخلاقًا للوسائل، وأنَّ الأخلاق الصوريّة وحدها من ينظّم الدوافع الأنانيّة للطبيعة البشريّة كأساسٍ لكلّ تقويم أخلاقيّ، وهذا ما يتبيّن في قول كانط: إنَّ «المنفعة الأخلاقيّة تكون منفعة العقل العمليّ وحده خلوًّا من الحواس». وأنَّ الاخلاق المادّيّة تهتمّ بالمنفعة المحسوسة، هذا الأمر سيدفع شيلر إلى التركيز على ضرورة إحصاء الأحكام والافتراضات الكانطيّة التي يجب هدمها واستخدامها ضدّه بغية تأسيس أخلاق مادّيّة قبليّة ممكنة. ولقد كان هدفه الأساسيّ إظهار أنَّ أخلاقيّات القيم المادّيّة لا تؤدّي بأيّ حال من الأحوال إلى النتائج التي توصّل إليها كانط، ولكنّه وافق ما أقرّه كانط حول وجود القبليّ في الأخلاق، واختلف عنه في النظر إلى هذا القبليّ، الذي يتكوّن من ماهيّات وليس من قضايا، وأضاف القبليّ المادّيّ وفصل مضمونه عن الخبرة التجريبيّة، وأتبعه للخبرة الحدسيّة الوجدانيّة؛ لذلك يعيب شيلر على كانط مطابقته بين القبليّ والصوريّ، في حين يرى شيلر أنّ لا علاقة بينهما، ويقول في هذا الصدد: «أودُّ أن أوضح أنَّ الصوريّ والقبليّ لا يتطابقان على الإطلاق ضمن حدس القيمة». ولا يعني تعارضهما وجود تضاد بين الصوريّ والمادّيّ، فإذا كان القبليّ والبَعديّ متضادّان، فهذا لا يعني التضادّ بين الصوريّ والمادّيّ، كما أنَّ المادّيّ القبليّ هو جوهر كلّ القضايا؛ لذلك اعتبره شيلر أساس مذهبه في القيم، أي تأسيس الأخلاق على المادّيّة وليس على الصوريّة التي رفضها ودحضها، وركز على دور الخبرة القائمة على الحدس في إعطائنا معرفة بالخير والشرّ، ولم يكن هدف فلسفته الأخلاقيّة الأحكام التي تصدر على القيمة، وإنَّما فيما تعنيه هذه الأحكام أو مضمون القيمة للخير والشرّ. وبذلك شرّع في بناء نظريّة أخلاقيّة على أساس النظر إلى أنَّ القيم المادّيّة وترتيبها الهرميّ تشكّل عالمًا من المواد والمعطيات الأوّليّة التي تُكتشف لنا من خلال الحدس العاطفيّ، وأطلقَ على نسقه اسم «الحكم المطلق الأخلاقيّ والموضوعيّة» وفسّره على أنَّه محاولة جديدة للشخصانيّة personalism؛ نظرًا لأنَّ إحدى أطروحاتها البارزة هي إخضاع كلّ القيم للشخص، وقبل أن نتبيّن ماهيّة الشخص عند شيلر، ينبغي أن نلقي الضوء على ماهيّة القيم وطبيعتها في منظومته:
ماهية القيم عند شيلر:
تكمن الإشكاليّة الأساسيّة لمعرفة ماهيّة القيمة في تصنيفها؛ لذلك سعى شيلر إلى تقديم تصوّر حول ماهيّة القيمة ولم يبقِ على تصنيفها التقليديّ، ووضعها ضمن تراتب هرميّ من أدنى القيم إلى أكثرها علوًّا. وقد نظر إلى الأخلاق ضمن تجربتين: إحداهما «رمزيّة»، وهي التي تمثّل التجربة العاديّة اليوميّة، والأخرى تجربة وجدانيّة مباشرة، حيث ينبغي برأيه تقديم القيم بشكلٍ موضوعيّ ومنظّم وفقًا لمجموعتين أساسيّتين: إيجابيّة وسلبيّة، وهما مستقلّتان عن قدرتنا على الشعور بأضداد محدّدة للقيم؛ أي أنَّ «وجود قيمة موجبة هو في حدّ ذاته قيمة إيجابيّة، ووجود قيمة سلبيّة هو في حدّ ذاته قيمة سلبيّة، وعدم وجود قيمة موجبة هو في حد ذاته قيمة سلبيّة، وعدم وجود قيمة سلبيّة هو بحدّ ذاته قيمة موجبة». والأخلاق بالأساس تحضّ على وجود القيم الموجبة وتنهَى عن القيم السلبيّة، فما يجب أن يكون هو القيم الموجبة، وما لا يجب أن يكون هو القيم السلبيّة، ولا يمكن للقيمة بذاتها أن تكون موجبة وسلبيّة في الآن ذاته؛ فكلّ قيمة غير سلبيّة هي قيمة موجبة، وكلّ قيمة غير موجبة هي قيمة سلبيّة، ولا يعني ذلك أنَّها تخضع لمبدئيّ عدم التناقض والثالث المرفوع برأيه؛ لأنَّ المسألة هنا ليست مسألة علاقات بين القضايا من حيث أسسها، بل مسألة علاقات أساسيّة، وهذه العلاقات تحصل بين القيم بحدّ ذاتها، بغض النظر عن وجودها أو عدم وجودها.
معايير تراتبية القيم:
تمتلك القيم ترتيبًا قبليًّا في ماهيّة الطبيعة البشريّة، ولا تكون على المستوى ذاته من الأهمّيّة بالنسبة للفرد، بل ثمّة قيم تحوز على أهمّيّة أعلى من قيم أخرى، لذلك يصنّف شيلر القيم من الأدنى والأكثر ارتباطًا بالمادّة إلى أعلاها وأكثرها بعدًا عنها، ويضع معايير خاصّة في تمييز القيم الأعلى من القيم الأدنى:
أ. ديمومة القيمة وثباتها: جرت العادة بين الناس على المضيّ وراء الخيرات التي تدوم أكثر من حيث الزمن، ويتلافون الخيرات المؤقّتة الزائلة. لكن شيلر يرى أنَّ «القلق والخوف من التدمير المحتمل للخير المعنيّ هو الذي يدفع الأخلاقيّ إلى فراغٍ متزايد باستمرار، وبسبب خوفه من فقدان الخيرات الإيجابيّة لا يمكنه في النهاية أن يجد أيًّا منها». ولكن من المؤكّد أنَّ الثبات الموضوعيّ للخيرات في زمنٍ ما، لا يمكن أن يجعلها أكثر قيمة، ويبدو هذا واضحًا عندما ننظر إلى أنَّ الدوام ينسب للقيم الأعلى من حيث علاقتها بالقيم الأدنى، ولا علاقة للثبات بتعاقب الزمن أو التغيّر، فهو كما يقول: «وضع إيجابيّ خاصّ بالذات، وتدوم القيمة من خلال صفتها المتمثلة في امتلاك ظاهرة القدرة على الوجود عبر الزمن، بغض النظر عن طول فترة وجود حاملها». ويتّضح هذا الثبات للقيمة عندما نتحدّث عن الحبّ كقيمة أخلاقيّة ساميّة منزهة عن المنفعة والغرض، فهناك فرقٌ بين الحبّ الحقيقيّ الأبديّ والذي يمتاز بالديمومة والثبات، وبين الحبّ المؤقّت الزائل الذي ينتهي مع انتهاء مصلحة الفرد، ولا يمكن أن نسمّيه حبًّا بالأصل؛ لأنَّ الحبّ الحقيقيّ يدوم باستقلال عن أيّ شعورٍ محسوس.
ب. قابليّة القيمة للقسمة: يعتمد هذا المعيار على ماهيّة القيمة وحامل القيمة، فكلّما قلّت قابليّة قسمة القيمة كانت أعلى والعكس صحيح، وكلّما زادتْ نسبة من يشاركون فيها كانت أعظم وأعلى، «فالخيرات المادّيّة على سبيل المثال لا يمكن توزيعها إلّا عند تقسيمها، وتتوافق قيمتها مع امتدادها المادّيّ، كقولنا إنَّ قطعة القماش تساوي ضعف قيمة نصفها تقريبًا، ويتوافق علوّ القيمة في هذه الحالة مع امتداد حاملها. وذلك على عكس العمل الفنّيّ الذي لا يقبل التجزئة ولا يوجد له جزء». فمن الممكن التمتع بمنظر اللوحة من دون تقسيم، بعكس القيم الحسّيّة التي لا تبلغ درجة المتعة من دون تقسيمها، وكلّما اتّسع امتدادها كانت المتعة أكبر، في حين أنَّنا في القيم الروحيّة، ولا سيما الدينيّة، يكفينا أن نفهمها، ونشعر بقيمتها والاستمتاع الروحيّ بها، وتكمن ماهيّة هذه القيم برأي شيلر في كونها «تقبل المشاركة بلا حدود ومن دون أيّ تقسيم أو انتقاص، فلا شيء يوحّد الكائنات بشكلٍ مباشر وحميميّ أكثر من العبادة والسجود المشترك لـ «المقدّس»، والذي يستبعد بطبيعته وجود حامل «مادّيّ»، ما لم يكن حاملًا رمزيًّا. ويقصد شيلر بالرمز هنا ذلك الذي تتبعه جماعة من الجماعات، وقد يشترك أفرادها بالسجود والعبادة، ولكن من يتوجّهون له بالعبادة لا ينقسم أو يتجزّأ رغم اتّساع دائرة المشاركة.
ج- الملائم وغير الملائم: يتحدّث شيلر هنا عن ترتيب القيم من حيث إنَّه توجد قيمة هي بمثابة الأساس لقيمة أخرى، فقيمة «مفيد» تستند إلى قيمة «ملائم» والتي تعدّ بمثابة قيمة أعلى من قيمة «مفيد»، وتكون وسيلة لقيمة أعلى منها، ومن دون «الملائم»، لن يكون ثمّة «مفيد». والملائم كقيمة، «تستند» بالضرورة إلى قيمة حيويّة، فالشعور بقيمة الصحّة على سبيل المثال يتوقّف على شعور هذا الكائن بالملائم له. وبغضّ النظر عن كلّ القيم الروحيّة فإنَّ «قيمة الحياة» الحيويّة البحتة تحكم كلّ درجات قيم «الملائم» التي يشعر بها الكائن، وتعدّ بمثابة الأساس لها باستقلال عن كلّ التجارب المتعلّقة بالصحّة والمرض التي يعيشها الكائن الحيّ.
د- عمق القناعة: يصاحب هذا العمق الشعور بعلوِّ القيمة، ولكن العلوَّ لا يتكوّن من هذا العمق. ومع ذلك، تؤدّي «القيمة الأعلى» إلى «قناعة أعمق». و»القناعة» هنا ليس لها علاقة بالمتعة، بقدر ما تنتج عنها «المتعة». وهي تجربة إشباع لا تتحقّق إلّا إذا تحقّقت النيّة نحو قيمة من خلال ظهور هذه القيمة، ولا توجد «قناعة» من دون قبول القيم الموضوعيّة، ولا ترتبط بالضرورة بـ «الإرادة»، ويجب أن نميّز بين «درجة» القناعة و»عمقها»؛ فالشعور بملاءمة قيمة أعمق من الشعور بملاءمة قيمة أخرى إذا ثبت أنَّ الأولى مستقلّة عن الثانية، بينما تظلّ الأخيرة معتمدة على الأولى.
ز- النسبيّة والمطلقيّة: يجمع شيلر بين النسبيّة والمطلقيّة في حدود تراتبيّة القيم وبحسب اختلاف حاملها، وتوجد القيم المطلقة في الشعور «الخالص» (التفضيل والمحبّة)، أيّ باستقلال عن طبيعة الإحساس، وهذا الشعور له خصائصه وقوانينه الوظيفيّة، ومن القيم التي تنتمي إلى هذا الشعور القيمُ الأخلاقيّة. ويمكننا أنْ نفهم في الشعور الخالص الشعور بالقيم المحسوسة من دون تكوين وظيفة الشعور الحسّاس التي نتمتع من خلالها بالملائم، ولا علاقة لنسبيّة وجود أنواع من القيم بنسبيّة أخرى، أي الخاصّة بأنواع الخيرات التي تحمل مثل هذه القيم؛ لأنَّ أنواع الخيرات ترتبط بالتكوين النفسيّ الفيزيائيّ الواقعيّ الخاصّ بالكائن الحقيقيّ الذي يمتلك مثل هذه الخيرات. فالنسبيّة التي يعنيها شيلر هنا تتعلّق بالخيرات وتنوّعها، وليس بالقيمة بحدّ ذاتها، فقد يكون نوعًا من الفاكهة مفيدًا لأحد الأشخاص على سبيل المثال، ولكنّه يسبّب الضرر لآخر، ومن ثمّ يكون الشعور بمطلقية القيم ونسبيّتها معطى في العاطفة على نحوٍ مباشر. وعندما يتحدّث شيلر عن مطلقيّة القيم، فهو يشير إلى أنَّ مضمونها لا يمثّل علاقة ما من العلاقات، وأنَّها تنتسب جميعًا إلى مقولة الكيف، وثابتة ولا تقبل التغيّر، وليست القيم هي بحدّ ذاتها التي تتغيّر، بل معرفتنا بها وحكمنا عليها وإحساسنا بها، وقد يختلف إدراكنا لها لكنّها تظلّ ثابتة ومطلقة. ولكن حديثه هذا عن نسبيّة القيم وتبريره لها لم يكن مقنعًا في مقابل المذاهب النسبيّة التي ثار عليها، وعليه يطرح السؤال حول الكيفية التي يمكن من خلالها تبرير التغيّر ضمن أخلاق الثبات؟
لا شكَّ أنَّ شيلر برَّر ذلك بالإشارة إلى أنَّ القيم تكون ثابتة كلّما حققت درجة من السعادة والفرح، ويقابلهما التعاسة، وهي حالة متغيرة وعابرة، ويمكن تسميتها خيرات متغيرة، في حين أنَّ الخيرات الدائمة وحدها تمتاز بالثبات. وبرز التغيير لديه في حديثه عن درجات التجربة الأخلاقية، وتفاوت القيمة المتعلقة بالعواطف المحضة من مجتمع إلى آخر، فما يلائم مجتمع معين قد لا يلائم آخر، وقد يختلف من عصر إلى آخر. كما يظهر التغير لديه في حديثه عن أفعال التفضيّل فهناك من يفضّل القيم الجماليّة، وآخر يفضّل القيم القانونيّة أو الدّينيّة أو العقلية. وكذلك تتنوع أفعال التعاطف وأفعال الحب وتتفاوت حسب شدّتها واتساع دائرة الذوات وعالم القيم المنتسبة إليه، وبذلك ربط شيلر التغير بحامل القيمة وليس بالقيمة بحد ذاتها؛ لكون القيمة تتصف بالثبات، ولكنه لم يتمكن من تبرير الثبات، لكونها فكرة لا يمكن ابعادها عن دور العقل، في حين أنَّ شيلر بنى هذا الثبات على العاطفة، والتي تُعرف عموماً بعدم ثباتها، وتقلباتها وتغييرها، ولم يكتفي بذلك بل بنى فلسفة الفينومينولوجية كلّها على القصدية والحدس، وهذا ما أدى به إلى القول: إنَّ القبلي ليس من انتاج العقل؛ لأنَّ القانون الأخلاقي لا ينجم عن العقل بالمفهوم الكانطي، فالعقل عاجز عن إدراك القيم، والقبلي يشمل كلّ ما هو معطى للحدس باستقلال عن الذات، وهذا القبلي كامن في العواطف التي تضطلع بدورٍ أساسي في القيم الأخلاقية. وليس هناك عقل خالص، فهو لا يعني إلا تجريداً، وعقلاً متصوراً بلا وظيفة؛ لأنَّه لا يستخدم في حلّ أيّة مشكلة واقعية ولا يحقق هدفاً. والوظيفة الفعلية للعقل لا يمكن أن تُعقل دون ردها إلى الغايات والقيم الإنسانية.
دور الإرادة والواجب الأخلاقيّ في القيم الأخلاقيّة:
يمثّل الواجب الأخلاقيّ ما يجب أن يكون عليه السلوك من أجل تحقيق قيمة أخلاقيّة، وبناءً على هذا التعريف للواجب، ينبغي أن لا نخلط وفقًا لشيلر بين القيمة والواجب، ولا بدّ أن نميز بين الوجود الواجب (وهو مستوى مثاليّ) والفعل الواجب (وهو مستوى الأمر القطعيّ)، ويوجد مضمون للواجب المثاليّ الذي يرتبط بكلّ قصد ارتباط الشرط بالمشروط، حيث تمثّل القيمة أساس الواجب المثاليّ والذي يعتبر بدوره أساس الواجب المعياريّ. بذلك لم يؤسّس شيلر الأخلاق على فكرة الواجب الأخلاقيّ كما هو الحال عند كانط، الذي أكد أنَّ الواجب يولّد الشعور بالالتزام تجاه القيم، وهو الذي يجسّد السلوك المحقّق للغايات، وهو الدافع إلى تنفيذ مقتضيات الأخلاق، ويقول: إنَّنا جديرون بأنْ «لا نبحث عن مبدأ الإلزام في طبيعة الإنسان، ولا في الملابسات التي تكتنفه في هذه الدنيا، بل أنْ نبحث عنه بحثًا أوّليًّا في تصوّرات العقل الخالص ذاتها، وكلّ أمر آخر يؤسّس على مبادئ من محض التجربة...لا يمكن أبدًا أن يُقال عنه قانون أخلاقيّ». ولذلك استبعد كانط كلّ علاقة للواجب بالعاطفة أو الوجدان، ولا يكون الفعل خيراً برأيه إلّا «إذا انبثق عن إرادة الفعل الواجب، ولا يمكننا أن نؤكّد أنَّ فعلًا ما خير إلّا بالقدر الذي نعتقد به أنَّ إرادة فعل الواجب يمكن بذاتها أن تكفي لإنتاج الفعل من دون سند من أيّ ميل».
في حين ينفي شيلر دور الإرادة في تحقيق القيمة، على الرغم من أنَّنا نلحظ ضمن كتاباته الكثير من التناقض الذي يشوب هذا الأمر، إذ تمثّل الإرادة فعلًا عقليًّا نختار بموجبه بين مجموعة من الأشياء والأفعال ذات القيمة، في حين نجد لديه نفيًا لهذا الأمر مقرًّا بأنَّ المرء قد يخطئ في كثيرٍ من الأحيان عندما يساوي الاختيار أو الإرادة مع فعل التفضيل، يقول في هذا الصدد: «لا شك أنَّ الاختيار يجب أن يرتكز على إدراك القيمة الأعلى؛ لأنَّنا نختار هذا الهدف من بين أهداف أخرى تستند إلى قيمة أعلى، ولكن «التفضيل» يحدث في غياب كلّ نية، واختيار، وإرادة». وبناءً على ذلك قد أفضّلُ شيئًا على آخر، ولكن ذلك لا يعني أنَّني اخترته. والسؤال هنا كيف تمكّن شيلر من فصل الاختيار عن الإرادة؟، وكيف يمكننا النظر إلى القيم على أنَّها كيفيّات ندركها بالعاطفة وفق التفضيل الذي نولد مزوَّدين به؟ يجيبنا شيلر بأنَّ التفضيل يكون قبليًّا إذا حدث بين قيم مختلفة بحدّ ذاتها، بغض النظر عن «الخيرات»، ولا يُنظر إلى «علو القيمة» على أنَّه سابق على التفضيل، بل في أثناء التفضيل، ومن ثمّ، عندما نختار غاية تأسّست على قيمة أدنى، فلا بدّ أن يكون هناك خداع بالتفضيل، ذلك أنَّ أصناف القيم المرتبة ثابتة بحدّ ذاتها، في حين أنَّ «قواعد التفضيل»، هي التي تتغيّر عبر الزمن، وعندما يحدث فعل التفضيل ليس من الضروريّ النظر إلى مضاعفة القيم في المشاعر، أو أن تكون مثل هذه المضاعفة بمثابة «أساس» لفعل التفضيل. لذلك يدعونا شيلر إلى التمييز بين التفضيل الواعي والتفضيل الناجم عن النزوات؛ فقد يكون إدراك النشاط الخاصّ الذي نختبره متضمّنًا في تنفيذه، وهذا هو الحال في التفضيل الواعي والواضح والمصحوب بـ «التروّي»، للعديد من القيم المعطاة للشعور، ولكن قد يحدث الإدراك أيضًا «تلقائيًّا» تمامًا، بحيث لا نكون على دراية بأيّ «نشاط» على الإطلاق، وفي هذه الحالة تأتي القيمة الأعلى إلينا كما لو كانت تأتي «من تلقاء ذاتها»، كما هو الحال في التفضيل «الغريزيّ». وفي حين أنَّنا نعمل في الحالة الأولى على الوصول إلى هذه القيمة، فإنَّ هذه القيمة الأعلى «تجتذبنا» إليها في الحالة الأخيرة، وهذا هو الحال في تكريس الذات «بحماس» لقيمة أعلى، وفي كلتا الحالتين يكون فعل التفضيل هو ذاته.
وبحكم ماهيّة القيم يمكننا تفضيل قيمة على أخرى، ولكن لا يمكننا الجمع بين قيمتين متناقضتين؛ لذلك يشير شيلر إلى أنَّ مبادئ كانط لا تمثّل سوى حالة خاصّة من مبادئ التقويم الصوريّة، وأنَّه أخطأ في ربط هذه القيم بالإرادة؛ لأنَّ القانون الأخلاقيّ عند كانط برأيه يعني أحد أمرين: «من الضروريّ تجنّب التناقض في وضع الغايات أو من الضروريّ التمسّك بنتيجة الإرادة؛ أي أن يكون المرء صادقًا مع نفسه، ويرغب في الشيء ذاته في ظلّ الظروف ذاتها...إلخ»، ولكن كانط تجاهل برأيه أنَّ فكرة الخير لا يمكن الحصول عليها من هذه القوانين الصوريّة، وأنَّ هذه القوانين ليست في الأصل قوانين نابعة من الإرادة. ولابدّ من التمييز وفقًا له بين القيمة وتقويمها أو تقديرها، إذ يمكن للمرء أن «يقوّم الأشياء ذاتها إيجابًا وسلبًا، ولكن فقط بدافع قيم مختلفة مقصودة في الشيء ذاته، وفي حالة وجود مجموعة من القيم ذاتها بغرض التقويم، يمكن أن تختلف صيغ التقويمات فقط». وبذلك فإنَّ شيلر لا ينسب إلى الإرادة أيّ دور أخلاقيّ؛ لأنَّ الإرادة تمثّل في حدّ ذاتها ملكة عمياء عن القيم، ومن ثم فإنَّها لا تصبح أخلاقيّة إلّا حين تحاول أن تحقّق عيانًا سلبيًّا للقيم، ويكون هذا العيان بدوره سابقًا عليها، وبذلك يكون موقفه أقرب إلى سقراط، الذي أكدّ أنَّ الإرادة الأخلاقيّة تقوم على معرفة سابقة بالخير، ويمتاز عن سقراط في رفضه للنزعة العقليّة ومساندته للحدس الوجدانيّ في إدراك القيم، متجاهلًا أنَّ التفضيل بحدّ ذاته يتضمّن الإرادة وأنَّ الوعي بالقيمة يعني تدخّل القانون الإلزاميّ العقليّ الكامن وراء هذه الإرادة؛ ذلك أنَّ تفضيلنا بين القيم يتعلق دائماً بأمورٍ نبيلة تستلزم الوعيّ بها، كاختيارنا بين الخير والشر والذي يحتاج دائماً إلى تدخل الإرادة من حيث أنَّها معنية على حدّ تعبير كانط: «بقانون العقل كي تجعل شيئاً ما موضوعاً لها، ذلك أنَّها لا تعيَّن أبداً مباشرة من الشيء ومن تصوره، بل هي ملكة قادرة على أن تجعل من قاعدة للعقل دافعاً لفعل يصبح به موضوعاً ما حقيقياً». وعندما يختار الفرد بين الخير والشر لا يمكن أن يرجع إلى أحاسيسه أو عاطفته. ولا ينطبق فعل الإرادة على الاختيار بين اللذة والألم، وإنَّما فقط ضمن الأفعال التي تتضمن الاختيار بين الخير والشر وفق القانون الأخلاقي الإلزامي، أو كما يقول كانط: «دافع الإرادة البشرية لا يمكن أبداً أن يكون شيئاً آخر سوى القانون الأخلاقي». وهو قانونٌ ملزم لكلّ السلوك الإنساني بما في ذلك منطق القلب والذي ينبغي أنْ يخضع لمنطق العقل، لاسيما عندما يكون الحامل الأساسيّ للقيم ذاتًا واعية أو شخصًا، وهنا نسأل ماذا قصد شيلر بمفهوم الشخص كحامل للقيم، وهل يتضمّن جميع المحمولات التي يستحقّها هذا المفهوم؟
طبيعة الشخص الأخلاقيّ:
عندما يتحدّث شيلر عن مفهوم الشخص، فإنّه لا يعني به الأنا الديكارتيّ، ولا أنا هوسرل كقطبٍ مقابل للعالم الكبير، بل «فكرة الشخص» بوصفه مركزًا، ليس فقط للأفعال العقليّة، بل للأفعال الإراديّة والعاطفيّة أيضًا، فالشخص ليس الأنا ولا النفس، وليس كلّ البشر أشخاصًا بالمعنى الكامل للكلمة؛ لأنَّه ليس شيئًا نفسيًّا ولا علاقة له أيًّا كان بالمشكلة السيكولوجيّة، ولا الخلق والطبع، وليس جوهرًا ولا موضوعًا، بل هو وحدة الوجود المتعيّنة المكوّنة من أفعال، ولا يوجد إلّا من حيث إنَّه يقوم بأفعال، ويكون متواجدًا بكلّه في كلّ فعل من أفعاله، ويأخذ أشكالًا متنوّعة بحسب تنوّع الأفعال، ودون أن يسيطر أيّ فعل خاصّ عليه. وهنا يمكن القول: إنَّ شيلر لم يهدف إلى تحطيم جميع الركائز الكانطيّة، بل الأخلاق الصوريّة فحسب، حيث اتّفق مع كانط حول أنَّ «الشخص ليس شيئًا من الأشياء، ولكنّه اختلف عنه في أنَّه يجب أن لا نصنّفه على أنّه مجرّد شخص عقلانيّ، أو النظر إليه من خلال آدائه العقليّ»، بل بوصفه حاملًا أساسيًّا للقيم.
ومع احتفاظه بفكرة القبليّ الكانطيّة يتحدّث عن وجود ارتباط قبليّ بين القيم وحامليها، ولا يمكن للأشخاص إلّا أن يكونوا أخيارًا أم أشرارًا من الناحية الأخلاقيّة، في حين توصف الأشياء بالخير أو الشر من خلال الدلالة على الأشخاص فقط، بغض النظر عن مدى عدم وضوح هذه «الدلالة»، ولا يمكن أبدًا أن يكون الشخص «ملائمًا» أو «مفيدًا»، فهذه القيم في الأساس هي قيم أشياء وقيم أحداث. ويمكننا أن ننظر على العكس من ذلك إلى جميع القيم الجماليّة من حيث ماهيّتها على أنَّها قيم أشياء، لكونها مجرّد أشياء ظاهريّة تصويريّة. ولا يمكن النظر إلى حاملي القيم الأخلاقيّة على أنَّهم «أشياء»؛ لكونهم ينتمون من حيث ماهيّتهم إلى مجال الشخص (والفعل)، ولا يمكن أن يُقدّم لنا الشخص أو الأفعال على أنَّهم «أشياء»، ومجرّد أن نميل إلى موضعة الكائن البشريّ بأيّ شكل من الأشكال، يختفي حامل القيم الأخلاقيّة بالضرورة، وبما أنَّ القيم الأخلاقيّة ينتجها الأشخاص بحكم ماهيّتها، فإنَّ القيم مثل: «النبيل» و «المبتذل» تنتجها «كائنات حيّة» بشكلٍ عامٍّ بحكم ماهيّتها؛ أي أنَّ القيم المهمة بهذه السلسلة والتي تتغاضى عنها تمامًا ثنائيّة كانط هي «قيم الحياة» أو «القيم الحيويّة»، ومن ثمّ فهي تتعلّق بكلّ ما هو حيّ ولا تتعلّق بالأشياء. وكلّ ما هو حيّ لا يمكن موضعته وتشيّؤه، مع أنَّ أغلب التقويمات الراهنة للأشخاص هي النظر إليهم كوسائل وكأشياء أيًا كانت طبيعتهم، في حين أنَّنا نرى شيلر يحافظ على مفهوم الشخص ويقدّم تصنيفًا للقيم من حيث حامليها.
تصنيف القيم من حيث حامليها الأساسيّين:
2-1- قيم الشخص وقيم الأشياء: ترتبط قيم الشخص بذاته دون أيّ وساطة، وترتبط قيم الأشياء بالأشياء ذات القيمة، كما هو الحال في «الخيّرات» التي قد تكون مادّيّة أو حيويّة أو روحيّة. وعلى النقيض من هذه القيم، يوجد نوعان من القيم التي تخصّ الإنسان، كقيمة الشخص «نفسه»، وقيم الفضيلة، وبهذا المعنى تكون قيم الشخص بحكم ماهيّتها أعلى من قيم الأشياء.
2-2- قيم الذات وقيم الآخر: يمكن لهذه القيم أن تكون قيم أشخاص وقيم أشياء، بالإضافة إلى «قيم الأفعال» و»قيم الوظائف» و»قيم حالات المشاعر»، وتكون قيم الذات وقيم الآخر ذات علوٍّ متساوي، ولكن من المؤكّد أنَّ فعل إدراك قيمة الآخر له قيمة أعلى من فعل إدراك قيمة الذات. ولكنّنا لا ندرك بحسب شيلر الآخرين بالاستناد إلى وقائعهم النفسيّة المنعزلة، بل ندركهم في صميم الطابع الكلّيّ العامّ لمزاجهم النفسيّ وتعبيرهم الشخصيّ، فالوحدة التعبيريّة العامّة للنظرة هي التي تعرّفني أنّ هذا الشخص مسرور أو مكتئب، مستعدّ لمصادقتي أو غير مستعدّ، وكثيرًا ما نفهم معنى ما يريد الآخر أن يقوله، ولا ننظر إلى جسم الآخر وملامح شكله، بل نرى صورته العامّة أو بناءه الكلّيّ، ومن ثمّ فإنَّ الظواهر الحسِّيّة لا تَمْثُل أمامنا إلّا باعتبارها رموزًا تشير إلى ذلك البناء الكلّيّ، ودلالات تحيلنا إلى تلك الصورة العامّة.
2-3- قيم الأفعال، وقيم الوظائف، وقيم ردود الفعل: يمكن أن تكون قيم الأفعال مثل أعمال الإدراك، والحبّ، والكراهية، أمّا قيم الوظائف مثل السمع، والرؤية، والشعور، واستجابات وردود الفعل التي تتضمّن استجابات الأشخاص، مثل الشعور المشترك، والانتقام، وما إلى ذلك، والتي تتميّز بدورها عن الأفعال «العفويّة»، وتخضع جميعها لقيم الشخص، ولكنّها تتمتّع أيضًا بعلاقات قبليّة بين ما لديهم من قيم أعلى.
2-4- قيم المضمون الأخلاقيّ الأساسيّ، وقيم الأفعال، وقيم النجاح: يناقش شيلر هذه القيم ضمن فصلٍ خاصّ في كتابه «الأخلاق الصوريّة والأخلاق اللاصوريّة»، ويفصل قيم المضمون الأخلاقيّ الأساسيّ وقيم الأفعال التي تمثّل بدورها قيمًا أخلاقيّة عن «قيم النجاح»، وعن حاملي القيم فيما بينهم، مثل «النيّة»، و»الأداء»، وهي حامل لقيم ذات علوٍّ محدّد بصرف النظر عن محتوياتها الخاصّة.
2-5- قيم النيّة وقيم حالات الشعور: جميع قيم الخبرات المتعلّقة بالنيّة عند شيلر أعلى من تلك الخاصّة بحالات الخبرة المجرّدة، مثل حالات الشعور المحسوس أو الجسديّة، ويتوافق علوُّ قيم الخبرات هنا مع علوِّ القيم المختبرَة.
2-6- قيم شروط العلاقات وقيم أشكال العلاقات وقيم العلاقات: يرتبط الأشخاص بعلاقات فيما بينهم، وهم حاملين للقيم، وكذلك تحمل أشكال علاقاتهم قيمًا. كعلاقة الصداقة أو الزواج، وشكل علاقة الزواج، وقيمة شكل الزواج الذي هو مستقلّ تاريخيًّا عن خبرات محدّدة في هذه العلاقة وقيمها الخاصّة، مثل الزيجات «الجيّدة» أو «السيّئة»، والتي تكون ممكنة في جميع «الأشكال»، ويجب تمييزها بدقّة عن قيمة العلاقة بين الأشخاص ضمن هذا النموذج، ولكن هذه العلاقة ذاتها هي أيضًا حاملٌ محدّد للقيم التي لا تتوافق قيمتها مع قيم المصطلحات المعبّرة عن الأشخاص أو شكل العلاقة.
2-7- قيم الفرد وقيم الجماعة: لا يرتبط هذا التمييز بحاملي القيم المذكورين أعلاه أو التمييز بين «قيم الذات» و»قيم الآخر»، وإذا لجأ المرء إلى قيم الذات، فقد تكون هذه القيم قيمًا فرديّة أو قيمًا جماعيّة مناسبة لشخص ما بصفته «عضوًا» أو«ممثّلًا» في «رتبة اجتماعيّة» أو «مهنة» أو «طبقة»؛ أو ربما تكون قيمًا للفرد، وهذا ينطبق أيضًا على قيم الآخر. وتختلف هذه القيم عن قيم العلاقات وأشكالها وشروطها؛ إذ يوجد هنا اختلاف بين حاملي القيم يكمن في كلّ «مجتمع» ذي خبرة، ونعني به فقط كلًا يختبره جميع أعضائه. وحياة المجتمع هذه ليس وحدة مصطنعة موجودة فعليًا من مجرّد عناصر تعمل فيما بينها بشكل موضوعيّ وتتصوّر وحدتها كوحدة واحدة نسمّيها المجتمع، وبين قيم الفرد وقيم الجماعة بشكل عام ّتوجد علاقات ذات قيمة قبليّة. والشخص يمثّل حقيقة فرديّة، وهو في الوقت ذاته حقيقة فعليّة وجزء من جماعة، وتتأصّل جذوره في كلّيّة الحياة الجماعيّة، التي تتكوّن من الأشخاص المنعزلين المستقلّين في هيئة شخص جمعيّ مستقلّ روحيًّا ويلتفّون حول قيمة محدّدة، وثمّة نوعان من الأشخاص الجمعيّين الخالصين: الكنيسة (قيمة المقدّس) والأمّة أو مجال الثقافة، وهي شخص جمعيّ ثقافيّ وتقابله القيم الثقافيّة الروحيّة. ويقرّر شيلر أنَّ الشخص مندمجٌ بأكمله في كلّ فعل من أفعاله، وأنَّه يتغيّر بتغيّر أفعاله، دون أن يكون وجوده مستوعبًا بتمامه لأيّ فعل من هذه الأفعال، وهو بحكم ماهيّته ذو طابع روحانيّ، والأفعال التي تحدّد الروح ليست مجرّد «وظائف» تقوم بها الذات، بل هي قوى لا تندرج تحت مقولة «النفسانيّ» والسمة الأساسيّة المميّزة للروح الإنسانيّة هي الفاعليّة التصوّريّة، أي القدرة على فصل الوجود عن الماهيّة، ومن ثمّ تكون الروح في جوهرها «موضوعيّة» وإمكانيّة «تحدّد» تحت تأثير الوجود الفعليّ للأشياء ذاتها.
2-8- القيم بذاتها والقيم بالتبعيّة: تحتفظ القيم بذاتها بقيمتها باستقلالٍ عن جميع القيم الأخرى، في حين ترتبط القيم بالتبعيّة من حيث ماهيّتها ارتباطًا ظاهريًّا بالقيم الأخرى الضروريّة لوجودها، ولكن يجب أن نتذكر أنَّ كلّ الأشياء التي تمثّلها على أنَّها «وسائل» للإنتاج السببيّ للخيرات، وجميع رموز القيم المجرّدة، ليس لها قيمة وسيطة أو ظاهرة وليست حاملة قيم مستقلة، كالنقود الورقيّة على سبيل المثال؛ لذلك لا نسمّي قيمة «الوسائل» أو«الرمز» قيمة بالتبعيّة. ولا تزال القيم بالتبعيّة حقائق ذات قيمة ظاهرة، وأيّ أداة ذات قيمة، على سبيل المثال، تكون ذات قيمة بالتبعيّة حقيقة، وبالطبع هذه القيمة تعني دائمًا «إشارة» إلى قيمة الشيء الذي تنتجه هذه الأداة، ولكن هذه القيمة السابقة «تُعطى» بشكل ظاهريّ قبل قيمة المنتج. ويجب أن نميز بين القيمة التي «يمتلكها الشيء كوسيلة» وبين القيمة التي تتعلّق بالوسائل بقدر ما تُمنح بشكل بديهيّ «كوسيلة « ترتبط بحاملها بغض النظر عمّا إذا كانت مستخدمة كوسيلة أم لا، وبغض النظر عن درجة استخدامها. وجميع «القيم التقنيّة» تحديدًا هي بهذا المعنى، قيم حقيقيّة وبالتبعيّة، ومن بينها «المفيد» وهو ذو قيمة بالتبعيّة (حقيقيّة) تتعلّق بقيمة لـ «الملائم». ومن القيم العليا، ثمّة قيم بذاتها وقيم تقنية أيضًا، ولكلّ نوعٍ منها عالم خاصّ من القيم الفنّيّة. ويتكوّن النوع الأساسيّ الثاني من القيم بالتبعيّة من «القيم الرمزيّة»، وهذه ليست مثل «رموز القيم» النقيّة، التي لا تحمل القيم (ظاهريًّا). ومثال على القيمة الرمزية الحقيقية هو راية الفيلق التي يجتمع فيها شرف الفيلق وكرامته رمزيًّا؛ ولهذا السبب تمتلك الراية قيمة ظاهريّة لا علاقة لها بقيمتها القماشيّة وما إلى ذلك، وبهذا المعنى، فإنَّ جميع «الأشياء المقدّسة» هي قيم رمزية حقيقيّة أيضًا، وليست مجرّد رموز للقيم: تصبح وظيفتها الرمزية الخاصّة بالإشارة إلى شيء مقدّس هنا، حاملًا آخر لنوع خاصّ من القيمة، وهذا ما يرفعها فوق «رموز القيم» المجرّدة.
أصناف القيم وصفاتها والعلاقات القبليّة بينها:
نقدّم فيما يلي ترتيبًا للقيم من حيث صفاتها غير الصوريّة، والتي أطلق عليها شيلر اسم كيفيّات القيمة، محاولًا دحض صوريّة كانط ونفيه لعالم القيم المادّيّة من دائرة القيم، ويتناسب هذا الترتيب من قرب القيم من النسبيّة والمطلقيّة، والثبات والتغيّر:
القيم الحسِّية: تتراوح هذه القيم من ملائم إلى غير ملائم وتمثّل كيفيّة ذات قيمة محدّدة بدقّة، وقد ربط شيلر هذه القيم بالإحساس وما يتضمّنه من متعة وألم، وتكون هذه الكيفيّة «نسبيّة» فيما يتعلّق بالكائنات التي تتمتّع بالحساسيّة بشكلٍ عامّ، ولكنّها ليست نسبيّة بالنسبة إلى نوع بعينه، وعلى الرغم من أنَّ نوعًا ما من الأحداث قد يكون ملائمًا لإنسان وغير ملائم للآخر، فإنَّ الاختلاف بين قيم الملائم وغير الملائم على هذا النحو هو اختلاف مطلق، ويُعطى بوضوح قبل أيّ إدراك للأشياء.
القيم الحيويّة: تشمل «النبيل» و«المبتذل»، وتنتمي جميع القيم بالتبعيّة المقابلة (مثل الرمزيّة كالكنوز الفنية، والمؤسسات العلمية، والتشريعات الإيجابية، إلخ) إلى المجال الذي يُرمز إليه بـ «الرخاء» أو «الرفاهيّة»، وتخضع للنبيل ونقيضه، وحالات المشاعر في هذه الكيفيّة تشمل جميع أنماط مشاعر الحياة. وتنتمي ردود فعل عاطفيّة معينة أيضًا إلى هذه الكيفيّة كالشعور بالسعادة أو الحزن، أو إثارة ردود فعل مثل «الشجاعة»، «القلق»، والدوافع الانتقاميّة. وتشكّل القيم الحيويّة كيفيّة أصليّة تمامًا، ولا يمكن أن نختزلها في القيم الحسّيّة والقيم الروحيّة. وتكمن السمة الخاصّة لهذه الكيفيّة في حقيقة أنَّ «الحياة» تمثّل ماهيّة أصيلة وليست «تصوّرًا تجريبيًّا عامًّا» يحتوي على «خصائص مشتركة» بين جميع الكائنات الحيّة فقط. وعندما تُفهم هذه الحقيقة بشكلٍ خاطئ، يتمّ التغاضي عن تفرّد القيم الحيويّة. كما كان حال المذاهب الأخلاقيّة التقليديّة التي خلطت بين هذه القيم وبين غيرها من القيم.
القيم الروحيّة: يختلف عالم القيم الروحيّة عن عالم القيم الحيويّة كوحدة نموذجيّة أصليّة، وتكشف وحدتها عن ذاتها في الدليل الواضح على أنَّ القيم الحيويّة «يجب» التضحية بها من أجلها، وأنواع القيم الروحيّة هي: «الجميل» و»القبيح» وتظهر في القيم الجماليّة، وقيم «الصواب» و»الخطأ»، وتمثّلها القيم القانونيّة، وقيم «الإدراك المحض للحقيقة»، التي نسعى إلى تحقيقها في الفلسفة. وهي على عكس «العلم» الذي تكون قيمه تابعة لقيم إدراك الحقيقة. وما يسمى بالقيم الثقافيّة بشكل عامّ هي قيم تابعة للقيم الروحيّة وتنتمي إلى مجال قيمة الخير. وتظهر حالات الشعور المرتبطة بالقيم الروحيّة من دون وساطة كحالة الشعور بالفرح والحزن الروحيّ؛ أي أنَّها لا تظهر على «الأنا» كحالات لها، وتختلف حالات المشاعر الروحيّة عن التغيّرات التي تعتري حالات المشاعر الحيويّة، بحسب اختلاف قيم الكائنات نفسها ووفقًا لقوانينها الخاصّة.
قيم المقدّس وغير المقدّس: تختلف هذه القيم عن غيرها من القيم عند شيلر في كونها تشكّل وحدة من صفات القيمة التي لا تخضع لتعريف إضافيّ، ولا تظهر إلّا في الأمور المطلقة والمستقلّة عما اتخذته شعوب مختلفة كرموز للمقدّس عبر الأزمنة المختلفة، وتتراوح حالات الشعور بهذه القيم بين «النعيم» و«اليأس»، و«الإيمان» و«عدم الإيمان»، والفعل الذي ندرك من خلاله هذه القيم كما يقول شيلر هو: «فعل من نوعٍ معيّن من الحبّ؛ أي الفعل الموجّه من حيث الماهية نحو الأشخاص، وبالتالي فإنَّ القيمة الذاتيّة في مجال قيم المقدّس هي بالضرورة، قيمة الشخص». وتتضح قيمة المقدّس في الإله الدينيّ، الذي يمثّل بحدّ ذاته شخص الأشخاص، وهنا تظهر شخصيّة شيلر المقدّسة في حديثه عن الله، وإمكانيّة التدليل على وجوده، وكذلك معرفته، فالإله موجود، وهو شخص نتوجّه إليه بفعل المحبّة، ويماثل رأيه هنا ما ذهب إليه القدّيس توما الأكويني
Thomas Aquinas. في أنَّ «الله كائن شخصيّ له أفعال شخصيّة متعدّدة، ويسوع المسيح هو شخص مميّز واحد، وابن الآب الأزليّ... وله طبيعتان: ناسوت ولاهوت، ولا يعني الشخص «الماهيّة» أو «الطبيعة»، بل الواقع الفريد الفعليّ لكائن روحيّ، كيان غير مقسّم موجود بشكلٍ مستقلّ ولا يمكن استبداله بأيّ كائن آخر.
وقيمة المقدّس مستقلّة عن وجود الشخص، حيث يعيش معها متعةً روحيّة مختلفة عن حالاته الأخرى، وبما أنَّه يمثّلها، فيكون لبحثه عن تلك المقدّسة في مجال الدين وقعٌ معيّن في نفسه بما تمنحه من رضى وغبطة، ويكون موضوعها هو الإيمان كسيطرة على القيم. وفي مضمارِ قيم المقدّس تكون للقيم الروحيّة وظيفة أساسيّة، حيث قيم الإدراك المحض التي تظهر عند الفيلسوف المحبّ والباحث عن المطلق والمقدّس، ومهمّة الفلسفة وفق وفاء عبد الحليم محمود بالنسبة لشيلر أن «تجبر المتفلسف على أن يكون منبع فعله للتفلسف هو الحبّ الذي يبلغ الإنسان من خلاله أسمى مرحلة لليقين الروحيّ، فمنه يصنع لبنة التحضّر الأولى، وهو لبُّ الحقائق الروحيّة التي يُزال الستار عنها بحكم نبعه الصافي، فتتجلّى له على أنَّها مشاركة له في كيان الوجود الموجود لها الله اللامتناهي». ويمكننا أن نتوجّه إلى الله بالعبادة المتضمَّنة في الطوائف والأسرار المقدّسة، وكلّها تمثّل قيمًا بالتبعيّة، وجميع القيم المقدّسة للشخص تمثل «قيمًا رمزيّة» حقيقيّة، وليست مجرّد «رموزٍ للقيم»، ولكن شيلر لا يُظهر لنا كيف يمكن أن ترتبط هذه القيم الأساسيّة بأفكار الشخص والمجتمع، وهو يصرّ على امتناعة عن إظهار ذلك، ولا يبيّن كيف يمكن للمرء أن يحصل من هذه القيم على «أنماط نقيّة من الأشخاص»، مثل القدّيس والعبقريّ والبطل والروح الرائدة للحضارة والحيويّة، وكذلك الأنماط النقيّة للأشكال العمل الجماعيّ، مثل مجتمع الحب، المتمثّل بالكنيسة، وجماعة القانون، ومجتمع الثقافة.
الحبّ كقيمة أساسيّة في العلاقة مع الآخر:
الحبّ هو أساس كلّ القيم عند شيلر، وهو فعلٌ عاطفيّ وروحيّ يرتبط بالشخص الذي لا يمكن أبدًا التعامل معه كشيء، ونقيض الحبّ هو الكراهية، يقدِّم شيلر في كتابه «طبيعة التعاطف» وصفًا فينومينولوجيًّا للعواطف، باعتبار أنَّها الماهيّات النهائيّة للحبّ والكراهية، وعلى الرغم من أنَّه يدّعي استحالة تحديد ماهيّة الحبّ، إلّا أنَّه يقدّم بالفعل وصفًا كاملًا له ويميّزه عن التعاطف الذي يمثّل بحسب التعريف القاموسيّ ظاهرة نفسيّة تقوم على مشاركة الآخرين فيما يشعرون، وقد يكون جسديًّا كالمشاركة في الضحك والسعال، أو نفسيًّا مصحوبًا بالوعي، كاشتراك شخصين أو عدّة أشخاص في حالات نفسيّة متماثلة. ولكن التعاطف بحسب تعريفه هو: «وظيفة حيويّة مهمّة، تشعرني بالمساواة بين ذاتي وذوات الآخرين من حيث هم موجودات بشريّة أو كائنات حيّة، وهو ليس مجرّد مشاركة وجدانيّة في الألم والسرور فحسب...بل يحطّم الأنانيّة والشرور الأخلاقيّة للأنا، ويفتح القلب والعقل أيضًا» . ولا يمثل التعاطف انصهار الذوات في بوتقةٍ واحدة، بل لا بدّ من ترك مسافة معيّنة بين الذوات، ومن سماته أنَّه يحدث تحت مستوى معيّن من الوعي القصديّ، وحدوثه دائمًا ما يكون آليًّا وليس فيه اختيار أو ارتباط آليّ، ويحدث عندما تكون ثمّة بيئتان لوعي الإنسان موجودتان بطبيعتهما فيه وخاليتان من محتوى معيّن، وللوصول إلى تحديدٍ معيّن يجب على الإنسان أن يسمو بنفسه تاريخيًّا على الجسد وكلّ رغباته، بحيث يرقى بالوجود الجماعيّ، كشخصيّة البطل مثلًا.
وتحوز الأفعال الحقيقيّة والأصليّة للتعاطف على قيمة أخلاقيّة إيجابيّة. يصحُّ هذا على المشاعر المتغيّرة والأهداف عامّة ذات القيمة المحدّدة، ويصبح للتعاطف قيمة أخلاقيّة تبعًا لمستوى العاطفة والانفعال، وإذا كان موجّهًا على أساس مركز الوعي والاحترام الذاتيّين في شخصيّة الآخرين أو مجرّد التوجه إلى ظروفه، وتتنوّع القيمة الكلّيّة للتعاطف طبقًا لقيمة الموقف القيمي وطبيعته، والتي تعتبر توثيقًا لحزن الآخرين أو سعادتهم، ومن المفضّل التعاطف مع المشاعر الإنسانيّة المختلفة، ويحمل التعاطف هذه القيمة بشكلها الصحيح. في حين يختلف الحبّ عن التعاطف في كونه ليس فعلًا من أفعال التطلّع، وليـس بـذاتـه شـيئًا اجتماعيًّا، ويمكن أن يتوجّه إمّا إلى الذات بحدّ ذاتها أو إلى الأغيار، والحبّ الحقّ هو دائمـًا حـبّ لـشـخـص وليس حبًّا لقيمة من حيث هي قيمة، فلا يمكن لشخصٍ أن يحبّ الخير ذاته. ويتّجه الحبّ إلى شخص باعتباره حقيـقـة واقعة، ومن خلال قيمة الشخص. ويمكن القول: إنَّ الحبّ هو المبدأ الذي قامت عليه فلسفة شيلر وحياته الشخصيّة، وسيطرت عليهما، فالإنسان كائنٌ محبّ قبل أن يكون كائنًا عارفًا أو مريدًا، فالحبّ هو القبليّ الذي يتقدّم على المعرفة والإرادة، وهو فعلٌ أصليّ يمكّن الإنسان من الخروج من حدود نفسه وتجاوزها، والمشاركة في العالم. وإذا كانت المعرفة نوعًا معيّنًا من المشاركة، فإنَّ القبليّ الذي يؤسّس هذه المعرفة ويجعلها ممكنة، هو فعل المشاركة الذي نسمّيه الحبّ، وبه يصل الشخص إلى أعلى القيم المتمثّلة في حبّ الإله، ولا يمكن أن يتحقّق حبّ الإله من دون حبّ الآخر، والحبّ في فكر شيلر، لا يخضع للاختيار ولا يكون لشخص بعينه، بل إنَّه عالميّ وللجميع، ولا توجد شروط لكي تحبّ الآخر، فأنت تحبّ الآخر؛ لأنَّه الشيء الصحيح الذي ينبغي عليك فعله. وشيلر هنا لا يخرج عن تطبيق الحبّ بمفهومه الدينيّ باعتبار أنَّ أسمى القيم هي قيمة المقدّس التي يشترط تحقّقها حبّ الآخر، كما ورد في العهد الجديد: «أيّها الأحياء لنحبَّ بعضنا بعضًا؛ لأنَّ المحبّة هي من الله...ومن لا يحبّ لم يعرف الله لأنَّ الله محبّة»، «إن قال أحدٌ إنّي أحبُّ الله وأبغض أخاه فهو كاذبٌ، لأنَّ من لا يحبّ أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحبّ الله الذي لم يبصره». وما أجمل أن نقتدي بمن نحبّه، ومن هنا كانت دعوة شيلر هي الاقتداء بالمحبوب «الله» في حبّ البشر، ذلك الحبّ الذي يوحّد الجميع تحت دائرة القيم، ولا ننسى أنَّنا كائنات اجتماعيّة ولا يمكننا أن ننفصل عن المجتمع، وما نفعله للآخرين يؤثّر على الكلّ، وفكرة شيلر عن الحبّ هي إحدى الإجابات عن الوحدة، ورغم اختلافنا لا يزال ثمّة ما يوحّد بيننا وبين الآخر ألا وهو الحبّ، وبذلك تكون الوحدة فكرة جميلة لربطنا ببعضنا أو مبدًا للتناغم. وعلى الرغم من ظهور مشكلة في مجتمعنا بسبب الكراهية، إلّا أنَّ فكرة شيلر عن الحبّ، تمكّن من تكوين علاقة جيّدة مع الآخرين؛ لأنَّنا مدعوون لأنْ نحبّ بعضنا بعضًا، وذلك الحبّ يوحّد الجميع. وبذلك استطاع شيلر أن يرسّخ قواعد مذهب «البينذاتيّة» وتوضيح موقفه من العلاقة مع الآخر الذي لا يمثّل بأيّ شكل من الأشكال موضوعًا لنا أو شيئًا من الأشياء، ولكن نظريّته في القيم لم تقارب الواقع الحقيقيّ للقيم، ورغم تقديمه لجديد في عالم القيم لكن الأخلاق لا تُبنى على العاطفة بأيّ شكل من الأشكال.
خاتمة نقديّة
لا يسعنا في النهاية سوى الوقوف على تقويم نظريّة شيلر ومعرفة إلى أيّ مدًى كانت معارضة للصوريّة الكانطيّة حقًّا، وهل يمكن أن تكون القيم بالمعنى الذي قدّمه حول ماهيّتها وأصنافها ومعاييرها؟
أوّلًا: يتّفق شيلر برأينا مع كانط في نقده لنظريّات الأخلاق الطبيعيّة والنفعيّة التي حاولت استبعاد القيم الدينيّة والروحيّة من حساب القيم، ولكنّه وقع في فخّ الإقرار بالصوريّة، وهذا ما جعله محلّ نقدٍ شديد، إذ لا يمكن النظر إلى أحكام القيمة على قدم المساواة مع الأحكام الصوريّة، لكونها مجرّد أقوال تعبّر عن مشاعر المتكلّم، وعباراتها ليست سوى عبارات معياريّة، ولا تخضع لأيّ تفسير تجريبيّ، ولا تقبل التعريف بلغة الواقع، ولا تضيف رموزها شيئًا إلى المضمون الواقعيّ، ومن ثم فإنَّ عباراتها لا تقبل الصدق أو الكذب، وإن كانت كذلك فلا يمكن اعتبارها قبليّة. وليس في وسعنا أن نقول عن الألفاظ الأخلاقيّة: إنَّها تمثّل خواصًّا لا تجريبيّة؛ لأنَّ العبارات الأخلاقيّة عندئذ ستكون معبّرة عن قضايا لا تقبل التحقّق، وتكون بالتالي فارغة من المعنى. والأدنى للصواب القول: إنَّ ألفاظها معياريّة لا تخرج عن حدود الوصف، ولا مجال للحديث – وفقاً لهذه المعيارية- عن موضوعيّة القيم مادامت صادرة عن الذات التي تعلنها على شكل أوامر ونواهٍ.
ثانياً: تُظهر تراتبية القيم عند شيلر وصفاتها أهمية علو القيمة في تقديمه لقيمة المقدس؛ وبمعنى آخر القيم الدينية والروحية، ولكنه لم يبين أهمية الفطرة في الوصول إلى هذه القيم، وبأنَّها مكون من مكونات الإنسان؛ لأنَّها ترتبط بالكرامة الإنسانية، وتمنح الإنسان قدراً من الطمأنينة المتعلقة بفعل الخير الذي تقود إليه هذه القيم. كما أنَّ نظريته أغفلتْ الحديث عن العديد من المجتمعات التي عرفتْ منظومة من القيم ولازالتْ عليها من دون أن تدينَ إلى دين معين. وهناك مجتمعات ذات حضارت روحية ودينية عريقة، ومع ذلك احتلتْ القيم الإقتصادية مركز الصدارة لديها، وربطت قيمة الإنسان بما يملك من قيم نفعية لا بما يملك من قيم روحية ودينية. كما أنَّ القيمة تمثّل حاجة مجتمعية بالدرجة الأولى، وترتبط بدرجةِ الإشباع، أي بما تحققهُ من متعةٍ للفرد نفسه، وفي حال لم يتحققْ ذلك تفقد القيمة قيمتها، وإن كانت دينية، وهذا يظهر عند العديد من المتدينين الذين يصل بعضهم إلى مرحلة يظهرون فيها سلوكاً معاكساً لاعتقادهم، ويكون السلوك الديني ظاهرياً فحسب. ومن ثم فإنَّ ما يحقق مصلحة أو حاجة من حاجتنا وميولنا، ما يلبث أن يتحول إلى أعلى القيم لدينا بصرف النظر عن نوعه، وهذا يختلف باختلاف الأفراد.
بناءً على ذلك لا يمكن للإنسان أن يسير بأولويّات القيم وفقًا للترتيب الشيلريّ، أو التضحية بقيمه الأساسيّة التي نعتقد أنَّ أهمّها هو القيم الحسّيّة والحيويّة في سبيل قيمه الروحيّة أو قيمة المقدّس. ولا شكّ في أنّ القيم الروحيّة توجّهت نحو قيم المقدّس بشكلٍ كبير في العصور الوسطى، ولكن ذلك يعود بشكلٍ أساسيّ إلى سيطرة الدين في تلك الفترة لا غير، وإلى هيمنة العقل بالدرجة الأولى؛ لذلك لم يكن شيلر محقاً في نقده لكانط، وجعل القيم الروحية أو قيمة القيم خاضعة للحدس العاطفي؛ لأنَّ مثل هذه القيم ينبغي أن تخضع لحكم العقل المحض بالمعنى الكانطي، فالعقل هو وحده من يفهم مقاصد الشرع ويفسرهُ، وإلا فُهمَ على حرفيته وهذا سيؤدي إلى فساد الخير الذي يقصده. وليس هناك من دافعٍ لتحقيق قيمة القيم سوى الحب، وهذا امرٌ أقرّه كانط أيضاً بقوله: «قمْ بواجبك من دونِ أيّ دافع آخر سوى التقدير المباشر لقيمته، أي أحب الله...فوق كلّ شيء» ولاشك أنَّ شيلر أوضح أهمية الحب في حديثه عن الإيمان المسيحي، ولكن منطق القلب هذا لابدّ أن يخضع أيضاً للعقل، أو كما يقول كانط: «القبول بمبادئ دين ما هو أمرٌ يشير بشكلٍ جيد إلى معنى الإيمان، وهكذا علينا أن ننظر إلى الإيمان المسيحي، من جهة أولى بوصفه إيمان العقل، ومن جهة أخرى بوصفه إيمان الوحي، والأول يمكن أن يُنظر إليه بوصفه إيماناً يقبل به كلّ إمرئ قبولاً حراً...والثاني فيمكن أن يُنظر إليه بوصفه إيماناً مأموراً به».
ثالثاً- نلمسُ في حديث شيلر عن حامل القيم، أنَّ القيمة لا معنى لها من دون الإنسان الذي ينبغي أن يلتزم بها، وهذا عودة إلى ما يجب أن يكون عليه السلوك الأخلاقي، وهو أمرٌ انتقده شيلر بحدّ ذاته، ولكن لا معنى لمطلقية القيمة من دون حامل القيمة، ومن دون أن ندرك قوتها واستقلالها، ولذلك فإنَّ صفة علو القيمة التي تحدث عنها، هي التي تجعل الإنسان ينجذب إليها، ويسعى في سبيل الحصول عليها قدر المستطاع ليحقق سعادته، ومن دون هذا الحامل للقيم لا قيمة للقيمة ولا حاجة لها، فالقيمة ترتبط بتحققها على أرض الواقع، ومن دون ذلك لا يمكن الحديث عنها، والإنسان هو وحده صانع هذه القيم، ويختلف تقديره لها بحسب ما تحققه له من مكاسب. وبذلك فإنَّ شيلر لا يضيف شيئاً في حديثه عن حوامل القيم الأخرى، طالما أنَّه أرجعها إلى قيم الشخص بل كان يكفيه القول: إنَّ الإنسان وحده حامل القيم. ولكنه بشخصنته هذه هدم كلّ خطوة بينه وبين الميتافيزيقا؛ لأنَّ الشخص عنده يبقى مجرد مركز للأفعال القصدية، وينقسم وجوده بين الوجود في ذاته والظاهر. وبذلك لم تتمكن فلسفته من إدراك الوجود المتعين وهو الموجود الحقيقي، ولم تنتبه إلى أنَّ القيم في عالم الإنسان عموماً لا تكون إلا نسبية، ولا يمكن الحديث عن مطلقية القيم إلا في حضرة الله عز وجل، وليس لعالم البشر الفانِي الذي يبقى في حدود ما يجب أن يكون. ولا يمكن قبول تبرير شيلر لنسبية وموضوعية القيم على هذا النحو، فإما أن تكون القيم ذاتية خالصة أو موضوعية خالصة.
رابعاً: من خلال سياق شرح شيلر لطبيعة القيم نلحظ تركيزه على الماهيّة أكثر من الوجود المتعيَّن للقيمة، إضافةً إلى نظرته للشخص كمركز لأفعال التفضيل والقصديّة. ولعلّ من أهم المآخذ عليه هو حديثه عن مفهوم الشخص بوصفه حاملًا للقيم، وتجريده كفاعل من خاصّيّة الوعي والإرادة، على الرغم من العلاقة الوثيقة بين الوعي وإدراك القيمة، أو كما يقول هوسرل: «حيثما يشير الوعي نفسه بالذات إلى شيء يحصل الوعي»، ولا يمكن أن يكون التروِّي الذي تحدث عنه شيلر من دون ذكر العقل الذي يشكّل الأساس له، على الرغم من احتفاظه بمقولة كانط المتعلّقة بأنَّ أساس قيم الشخص هي التوجّه نحو ما يجب أن يكون، وإن لم يصرّح بذلك عند حديثه عن الشخص الأسمى على مستوى البشر، ومن ثمّ شخص الأشخاص «الله»، آخذًا بالفكرة اللَّاهوتيّة عن أنَّ الشخص من الممكن أن يكون إنسانًا أو إلهًا، وهنا يُطرح السؤال الذي طرحه العديد من اللَّاهوتيّين واللَّاأدريّين على حدّ سواء، ألا وهو هل يوجد إلهٌ شخصيّ؟ لا شكّ أنَّ الإجابة عن هذا السؤال تعتمدُ على ما نقصده من كلمة «شخصيّ»، وما نعنيه بلفظة «الله». فإذا كنّا نقصد بالأشخاص كما وصفهم شيلر وأنَّه بإمكاننا أن نعرفهم ونحبّهم، وأنَّ الله غير مادّيّ وهو لامتناهٍ، فلا يمكن الإجابة إذن عن السؤال عمّا إذا كان يوجد إله شخصيّ بالإيجاب، ما لم تكنْ صفات مثل الإدراك والحبّ واللَّامادّيّة واللَّاتناهي متوافقة مع بعضها، وكيف يمكن الحديث عن هذه الصفات من دون أن يكون العقل هو الأساس؟ وقد صنُّف حسب الفلسفات القديمة على أنَّه مركز للحبّ الذي جعله شيلر القيمة الأساسيّة التي توجّهنا نحو المقدّس.
ومن الواضح أنَّ الأمور التي نحاولُ أنْ نقولها عن الله ترتبط بمعنى ما بالأمور التي نقولها نحنُ البشر عن بعضنا، وإذا كنّا مهتمّين بمعرفة ما إذا كان الله شخصًا؛ فذلك لأنَّ العلاقات الشخصيّة ذات أهمّيّةٍ فريدة للبشر، وعندما نتحدّثُ عن معرفةِ الله ومحبّته، فإنَّنا نستخدم الكلمات التي غالبًا ما نشعرُ بأنَّها في موضعها عندما نستخدمها لنا ولأقراننا. وتكون العقول التي نعرفها على نحوٍ أفضل عقولًا بشريّة، وربما هي العقول الوحيدة التي لدينا معرفةٌ حقيقية عنها. في حين نرى شيلر يعتقد أنَّ معرفة الله أمرٌ ممكن، وذلك لإيمانه أنَّ الإنسان موجود روحي متدين، ويظهر ذلك عبر عباداته وصلواته، وهو الباحث عن الله، وصورة متناهيه حية له، وبناءً عليه يقدم دليلاً على وجوده، ويقول: إنَّ كل معرفة لـ لله هي في الوقت نفسه معرفه بالله، ولما كانت مثل هذه المعرفة موجودة فالله إذن موجود. ويمكننا حتى التدليل على وجوده، دون أن يوضح لنا كيف يمكن أن تفي العبادات كأدلة على معرفة الله، وهو سلوك عملي قلبي للإنسان، لذلك لا يمكن تأييد قدرة الإنسان على معرفة الله؛ لأنَّ معرفتنا به ستتضمّن دائمًا مقاييسنا نحن البشر، ولا يمكن الحديث عن حبّه بمصطلحاتنا كما قال كانط: «حب الله كونه ميلًا هو أمرٌ مستحيل؛ لأنَّ الله ليس موضوعاً للحواس، وهذا الحبّ عينه تجاه البشر ممكن دون شكّ، ولكن لا يمكن أن يُفرض فرضاً، إذ ليس في مقدور أيّ إنسان أن يحبّ أحدًا بمجرّد أمر... فأن نحبّ الله... يعني أن نعمل بحسب وصاياه بـسرور». ولا يمكننا تقديم دليل على وجوده طالما أنَّنا نحاكمه من زاوية قيمنا المادّيّة. ويمكننا أن نوافق كانط هنا، إنطلاقاً من أنَّ الأمور الإلهية يكفي فيها التسليم؛ باعتبارها ضرورية لسلوكنا الأخلاقي، وبذلك فإنَّ افتراض وجود الله كما أكد كانط يبقى افتراضاً «أخلاقياً ضرورياً ليس كشرط للواجب الأخلاقي؛ لأنَّ الواجب يرتكز على العقل العملي ذاته لا على شيء آخر بل بوصفه شرطاً من أجل تحقيق الأسمى» .
رابعاً: لا يمكن موافقة شيلر حول قبليّة الحبّ وكونه القيمة الأساسيّة الموجّهة للقيم الأخرى، ولو كان الأمر كذلك فلماذا تسود الكراهية حاليًا في البلدان ذاتها التي ولدت شيلر وخصومه؟ لا شك أنَّ مفهوم الحبّ ضروريّ في عصرٍ بات يزخر بالكراهية، التي نظر إليها شيلر على أنَّها قيمة سلبيّة مقابلة لقيمة الحبّ، وناقض ذاته في الحديث عن عدم اجتماع القيمتين المتناقضتين، في حين أنَّنا نرى أنَّ أغلب الحروب التي تُشنّ حاليًّا تتخذُ شعار الحبّ، والحفاظ على الرموز المقدّسة، صحيح أنَّ التعاطف ذات قيمة أساسيّة في ولوجنا إلى مستقبلٍ أكثر إنسانيّة واستدامة للحياة على الأرض كما يرى بعض المفكّرين، وكان لشيلر دور كبير في توضيح أنَّ التشابه من حيث الخبرة لا يمثّل شرطًا أساسيًّا للتعاطف بين البشر، وليس ضروريًّا للتعاطف مع الحيوانات الأخرى. ولكن الأخلاق لا يمكن تأسيسها على تجربة التعاطف وتجربة الحبّ بأيّ شكل من الأشكال.
لائحة المصادر والمراجع
إبراهيم، زكريا، دراسات في الفلسفة المعاصرة، دار مصر للطباعة، 2014.
الكتاب المقدّس، العهد الجديد، رسالة يوحنّا الرسول الأولى، الإصحاح الرابع.
بوشنسكي، إ.م، الفلسفة المعاصرة في أوروبا، تر: عزت قرني، عالم المعرفة، ع: 165، سبتمبر، 1992.
جميل صليبا، الجزء الأول: المعجم الفلسفيّ، دار الكتاب اللبنانيّ، عام 1982.
حسين، ظريف، مفهوم الروح عند ماكس شيلر، دار النهضة العربيّة، القاهرة، 1997.
خليفة، فريال حسن، الدين والسلام عند كانط، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2001.
دولوز، جيل، فلسفة كانط النقديّة، تر: أسامة الحاج، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1997.
قنصوة، صلاح، نظرية القيمة في الفكر المعاصر، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1987. ص141.
كانط، إمانويل، الدليل الوحيد الممكن إلثبات وجود الله، تر: منال محمد خليف، دار أبكالو للطباعة والنشر، بغداد، ط2، 2022.
كانط، إمانويل، نقد العقل العمليّ، تر: غانم هنا، مركز دراسات الوحدة العربيّة، المنظّمة العربيّة للترجمة، بيروت، ط1، 2008.
كانط، إيمانويل، أسس ميتافيزيقا الأخلاق، تر: نازلي إسماعيل حسين، موفم للنشر، الجزائر،1991.
كانط، إيمانويل، «الدين في حدود مجرد العقل»، تر: فتحي المسكيني، جداول للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2012.
محمود، وفاء عبد الحليم، القيم في فلسفة ماكس شيلر، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، الإسكندريّة، 2004.
مكاوي، عبد الغفار، تجارب فلسفيّة، مؤسّسة هنداوي، 2020.
هوسرل، إدموند، أفكار ممهدة لعلم الظاهريات الخالص وللفلسفة الظاهرياتية، تر: أبو يعرب المرزوقي، داول للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2011.
المصادر الأجنبيّة
Ching-yuen, CHEUNG, Person and Man in the Philosophical Anthropology of Max Scheler, Chinese University of Hong Kong 23rd August 2000.
Dillard, David, Sympathy and the Non-human: Max Scheler’s Phenomenology of Interrelation, Indo-Pacific Journal of Phenomenology, Volume 7, Edition 2 September 2007.
Kant, Fundamental Principles of the Metaphysic of Morals, Thomas Kingsmill Abbott (trans) in Great Books of the Western World (Kant 39) fifth printing, United States of America. 1994.
Kenny, Anthony, The unknown God: Agnostic Essays, continuum, London,2005.
Max Scheler, The Nature of Sympathy, Translated From The German by Peter Heath, B.A., London. 1970.
Scheler, Max, Formalism in Ethics and Non-formal Ethics of Values: A New Attempt Toward the Foundation of an Ethical Personalism, Northwestern University Press, 1973.
The Oxford Dictionary of Philosophy, Blackburn, Simon (Ed), Hutcheson, Oxford University Press, Oxford New York, 1994.
ثالثًا- المراجع المأخوذة عن الإنترنت:
“Unity in Love,” World Council of Churches, November 26, 2015, https://www.oikoumene.org/resources/documents/unity-in-love.
https://plato.stanford.edu/ Stanford Encyclopedia of Philosophy/b