الباحث : محمّد لغنهاوزن
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 33
السنة : شتاء 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث : May / 16 / 2024
عدد زيارات البحث : 467
الملخص
تهدفُ هذه المقالة إلى استكشاف العلاقات بين الأشكال المختلفة من الواقعيّة الأخلاقيّة وبعض الآراء حول الأخلاق الدينيّة، وعلى وجه الخصوص الأخلاق الدينية في التراث الإسلامي. تجدرُ الإشارة إلى أنّ كلّ ما ورد في هذه المقالة ينطبقُ أيضًا على الآراء الأخلاقيّة في التعاليم الدينية الأخرى. أوّلًا، تُقدِّم هذه المقالة عرضًا تاريخيًّا موجَزًا لتصاعد الواقعية الأخلاقيّة في القرن العشرين، وتُميِّزُ ثانيًا بين الأنواع الرئيسة من الواقعية الأخلاقية، بينما تحتجُّ ثالثًا على أنّه لكلّ نوعٍ رئيسٍ من هذه الواقعية ـ سواءً الواقعية الأخلاقية الشديدة أم الواقعية الأخلاقية الطفيفة ـ يُمكن صياغة وجهات النظر الدينية التي تتطابقُ مع كلٍّ من التوجُّه نحو تبنّي الواقعية أو رفضها. ولكن في كلتا الحالتين، ينبغي على عالِم الأخلاق أنْ يدفع ثمن تبنّيه أو رفضه. في الختام، يحتجّ الكاتب على أنّ الموقف الذي تبنّاه أبرزُ الفلاسفة المسلمين ـ والذي يرجع إلى ابن سينا مرورًا بالملّا صدرا ـ يلتقي في نقاطٍ مهمة مع الموقف غير الواقعي.
الكلمات المفتاحيّة: الأخلاق الدينيّة - الواقعيّة الأخلاقيّة - مور - المعرفة الأخلاقيّة.
جورج إدوارد مور وأصول الواقعيّة الأخلاقيّة المعاصِرة
قد يحتجّ أحدهم على أنّ الواقعية الأخلاقية نشأت على يد أفلاطون، فالخير هو جزءٌ من ثالوثٍ يضمُّ الجمال والحقيقة في قطْبيه الآخرَين، ويُشكّلُ العالَم السامي للمُثُل الأفلاطونية. ولكن في القرن العشرين، وقف جورج إدوارد مور (1873-1958) وراءَ استحداث الواقعية الأخلاقية المعاصِرة. في العام 1903، نُشِر كتابُه (الأصول الأخلاقية)، ومع هذا الكتاب ظهرت الأخلاق الفوقية لأوّل مرة كفرعٍ متميّزٍ في علم الأخلاق حيث تُبحَث معاني المصطلحات الأخلاقية وتُحلَّل المفاهيم والافتراضات الأخلاقية.
يُعَدُّ جورج إدوارد مور أحد المؤسّسين للفلسفة التحليلية، وكتابه (الأصول الأخلاقية) هو من ضمن المؤلَّفات التي أسهمت في تعريف هذا النمط والمنهاج الفلسفي. ادّعى مور أنّه كان بصدد إجراء تحليلٍ مفهومي، أي: إرجاع الافتراضات إلى المفاهيم التي تتكوّن منها وتحويل المفاهيم إلى أفكارٍ أبسط حتّى يصل الفردُ إلى مفاهيم أوليةٍ غير قابلةٍ للتعريف كالخير. قام برتراند راسل[2] في جامعة كامبريدج بدعم مطالبه لاتّباع الصلابة المنطقية، ولاحقًا نال مور دعمَ لودفيغ فيتغنشتاين كذلك. بالرغم من أنّ المؤرّخين يعدّون هؤلاء العلماء الثلاثة مؤسّسي الفلسفة التحليلية، فإنّ كلَّ واحدٍ منهم كان لديه رأيه الخاص فيما يتعلّق بكيفية إجراء التحليلات.
في كتاب (الأصول الأخلاقية)، سعى مور لدحض جميع النظريات الأخلاقية الرئيسة التي عاصرها كالمثالية والتطوّرية والنفعية. بالرغم من أنّه قد دافع عن نوعٍ من النفعية المثالية، فإنّ هذا النوع كان بعيدًا عن أشكال النفعية التي تبنّاها المنظِّرون الأخلاقيون السابقون، فقد اتّخذ مور موقفًا ثائرًا. فيما يتعلّقُ بالأخلاق العملية، لم يدافع مور عن الأخلاق الدينية، ولا عن النشاط السياسي الإصلاحي الذي كان يُناصره بينثام[3] والفيلسوفان من آل ميل[4]، ولا عن الصلابة الأخلاقية المنسوبة إلى أخلاقيات الواجب لدى كانط. في الواقع، ناصَرَ مور مذهب الجمالية، والتمتُّع بالصحبة الصالحة والصداقات العميقة، وتقدير الفن والجمال الطبيعي، والنظر إلى الحياة على النحو الذي كان ينظرُ إليها المؤلِّفون والفنّانون في العصر الفكتوري من أمثال أوسكار وايلد[5] ووالتر بايتر[6]. بعد طباعة كتاب (الأصول الأخلاقية)، أصبح مور الفيلسوفَ الحكيمَ في عيون نخبة طلّاب جامعة كامبريدج الذين شكّلوا معه جماعةً سريّةً تُدعى (الرُسُل)، وفي عيون المفكّرين الذين أصبحوا يُعرفون بمجموعة بلومسبري[7].
في الأخلاق النظرية، بدا مور متمرّدًا كذلك. دخل آخرون في الجدال حول التعريف المناسِب لـ(الخير) ولكن صرّح مور بأنّ الخير هو غير قابلٍ للتعريف واتّهم أيَّ شخصٍ يعارضه بأنّه يرتكب خطأً سمّاه (المغالطة الطبيعية). عدّ مور أنّه إذا فكّرنا بكلّ الأشياء الخيِّرة سوف نجدُ بأنّها لا تشتركُ جميعًا بخاصيّةٍ طبيعيةٍ واحدة، ولا يُمكن تحديد الخير بالفائدة أو إرادة فعل الواجب أو أيّ شيءٍ آخر. كما أشار برنارد ويليامز[8] وآخرون، فإنّ (المغالطة الطبيعية) ليست مغالطةً في الواقع؛ لأنّها تنطبقُ على ما يعدّه مور آراءً خاطئةً وليس استنتاجاتٍ مختلّة. علاوةً على ذلك، قام مور بتطبيق مصطلح (المغالطة الطبيعية) على نظريات الأمر الإلهي، وأيضًا على النظريات التي تُعرِّف الخير في ضوء الخصائص الطبيعية. من ثَمَّ، فإنّ علماء الأخلاق المتديّنين سيكونون بصدد ارتكاب الخطأ إذا قاموا بتفسير الهجوم على المذهب الطبيعي في نظرية مور الأخلاقية كدليلٍ على الخضوع للإيمان الديني.
يُقدّم مور مصطلح (المغالطة الطبيعية) كما يأتي: «قد يصحُّ أنّ كلَّ الأشياء الخيّرة هي شيءٌ آخر كذلك، كما يصحُّ أنّ كلّ الأشياء الصفراء تُنتجُ نوعًا معيّنًا من الذبذبة في الضوء. يُفيدُ الواقع أنّ علم الأخلاق يهدفُ لاستكشاف الخصائص الأخرى التي تنتمي إلى جميع الأشياء الخيّرة. ولكن ظَنّ عددٌ كبيرٌ من الفلاسفة أنّهم حينما أطلقوا الأسماء على تلك الخصائص الأخرى كانوا بصدد تعريف الخير فعلًا؛ أي إنّ تلك الخصائص ليست شيئًا (آخر) ببساطة بل هي الخير نفسه بشكل مُطلق وتام. أنا أطرحُ تسمية هذا الرأي (مغالطةً طبيعية) وسوف أسعى للتخلّص منه».
في تكملة لهذا النقاش، نجدُ أنّ مور قام بالتأكيد على ثلاثة ادّعاءات:
1. لا يُمكن استنتاج الافتراضات الأخلاقية بشكلٍ صحيح من الافتراضات غير الأخلاقية.
2. المصطلحات الأخلاقية (ومن ضمنها الخير على وجه الخصوص) ليست قابلةً للتعريف في ضوء المصطلحات غير الأخلاقية.
3. الخصائص الأخلاقية تختلفُ في نوعها عن أيّ خصائص غير أخلاقيةٍ أو أيّ تركيب لهذه الخصائص.
الادّعاء الأول منطقي، والثاني لفظي، والثالث ميتافيزيقي، وهذه الادّعاءات الثلاثة بتمامها هي مثيرةٌ للجدل ولا يُمكن ترسيخها عبر اتّهام من لا يقبل بها بارتكاب المغالطات. افْترِضْ أنّ أحدهم يتبنّى مذهب السعادة ويعتقد بأنّ الخير هو ما يقودُ إلى الهناء الأقصى. لقد ساد هذا الموقف في الأفلاطونية اليهودية والمسيحية والإسلامية. لا تردُ أيُّ مصطلحاتٍ أخلاقية في عبارة (يقودُ إلى الهناء الأقصى)، ومن ثمَّ وفقًا للادّعاء الثاني لا يُمكن الاستفادة منها لتعريف (الخير). ولكن لا يعتقد الأفلاطونيون أنّ خاصية الإيصال إلى الهناء الأقصى هي خاصيةٌ غير أخلاقية. أما مور، فإنّه يرى أنّ خاصية الخيريّة تختلف في ماهيتها عن خاصيّة الإيصال إلى الهناء؛ وذلك لأنّه يعدّ هذه الخاصية الأخيرة غيرَ أخلاقية. قد يحتجّ المدافع عن مور بأنّ تعريف الخير في ضوء الهناء الأقصى لا يُمكن أنْ يكون صحيحًا، فحتّى لو أفادت نظرية مذهب السعادة أنّ الخير هو ما يقود إلى الهناء إلا أنّ هذا ليس معنى كلمة (الخير) في اللغة الإنكليزية. بالرغم من ذلك، لا يهتمّ مور بالتعاريف اللفظية ويُصرّح أنّه حينما يدّعي عدم قابلية تعريف (الخير) فإنّه لا يقصد أنّ هذه الكلمة لا تمتلك معنى لفظيًا في قاموس اللغة. من ثمَّ، هناك معيارٌ يُمكن من خلاله رفض انطباق التعريف القاموسي المتمثّل بـ(الإيصال إلى الهناء) على (الخير)، ولكنّ هذا المعيار لا يتّصلُ بمقصد مور حينما يدّعي بأنّ (الخير) هو غير قابلٍ للتعريف.
اعترضتْ هيلاري بوتنام[9] على مور معتبرةً أنّ بديهياتنا اللفظية لا تَكشِفُ شيئًا عمّا ننسبه إلى الموضوع حينما نُطبّق المحمول عليه. تُشيرُ بوتنام إلى أنّ الحصول على المفهوم يعني القدرة على استعمال الكلمات بأساليب محدّدة. من ثمَّ، فإنّ إدراك مفهوم الخير يوازي معرفة الاستعمال المناسب للكلمات التي تُعبِّر عن هذا المفهوم، وقد يحظى الفرد بهذه الكفاءة من دون معرفته بأنّ الاستعمال المناسب لمصطلح (الخير) يتمثّل بانطباقه على ما يُوصل إلى الهناء. من ثمَّ، لا يُمكن الحُكم على كوْن (الخير) قابلًا للتعريف أم لا من خلال الاعتماد على البديهيات اللغوية أو البصيرة المفهومية بل من خلال الإستناد إلى وهو أمرٌ يُوضِّح قُدرَتَنا على استعمال العلامات المهمّة. يُشيرُ مَن يتبنّى مذهب السعادة إلى أنّ تصريحنا بأنّ الشيء هو خيرٌ يعني التصريح بأنّه يقود إلى الهناء، ولو عن غير قصد. قد يكون هذا الرأي خاطئًا ولكنّ إظهار خطئه يقتضي المزيد من التأمُّل حول ما نقصده من الكلمات التي نستعملها.
يُعرَف احتجاج مور ضدّ المغالطة الطبيعية بـ(جدلية السؤال المفتوح)، وقد تمّت صياغته بطرقٍ كثيرة إلا أنّ صياغات مور في الأغلب ليست على درجة الوضوح المطلوبة. فيما يلي نوردُ مقتطفًا من كتاب (الأصول الأخلاقية) حيث يتمّ تحديد الجدلية وتقديم نموذجٍ عنها:
«أظنُّ أنّه يتّضحُ أولًا أنّه ليس كلّ خيرٍ أمرًا طبيعيًّا (اعتياديًّا)، بل على العكس فإنّ الغريب كثيرًا ما يكونُ أفضل من الطبيعي. من الواضح أنّ الامتياز الفريد -والوحشية الفريدة- ليسا طبيعيين بل هما غريبان. ولكن مع ذلك يُمكن القول بأنّ الشيء الطبيعي هو خير، وأنا بنفسي غير مستعدٍ لمناقشة أنّ الصحة هي أمرٌ حسن. ولكن ما أؤكِّد عليه هو أنّه لا ينبغي عدّ هذا الأمر واضحًا بل يُعدّ سؤالًا مفتوحًا، فإنّ التصريح بوضوحه يعني الإشارة إلى المغالطة الطبيعية».
بما أنّ كوْن x أمرًا حسنًا يبقى سؤالًا مفتوحًا -حيث يُمكن استبدال x بأيِّ تحليلٍ مُقتَرح لمفهوم الخير كالصحة أو الحالة الطبيعية كما ورد في الفقرة السابقة- يَعدُّ مور أنّ ما يترتّب على ذلك هو عدم إمكانية تحديد أنّ x هو أمرٌ حسن. يتّضحُ من خلال ذِكر مور للصحة والحالة الطبيعية كأمثلة أنّ لديه هدفًا أفلاطونيًا. كان أفلاطون وأرسطو قد عدّا أنّ الامتياز يتحقّق حينما تعمل المدارك البشرية بشكلٍ سليم، أي لدى الاعتدال في شهية الإنسان وطموحاته وذكائه، وهو ما ينطبق بالتتالي على فضائل العفة والشجاعة والحكمة. وعليه، فإنّ من يتّبع فلسفة أرسطو يعدّ الطبيعة كامنةً في تفادي الإفراط أو التفريط المدمِّرَيْن. أمّا مور، فإنّه يُفسِّر الأمر الطبيعي بالاعتيادي أو الشائع. من ثَمَّ، وفقًا لمتّبعي فلسفة أرسطو، فإنّ الصحة ليست أمرًا حسنًا لكوْنها الحالة الشائعة لدى البشر أو الحالة البدنية الاعتيادية للجسد؛ بل إنّ الصحة أمرٌ حسن لأنّها الحالة التي تعمل فيها أعضاء الجسد بشكلٍ سليم ومتناغم.
بسبب شعبية ما يُسمّى بالتيار الجديد لعلم دلالات الألفاظ الذي قامت بوتنام بتأييده، فإنّ الفلاسفة ينصحون بالاحتياط فيما يتعلّق بالخلط بين المسائل الميتافيزيقية واللغوية. إحدى الأمثلة على ذلك هي كلمة (الماء). حينما يستفسرُ الفرد عن معنى (الماء) باللغة الإنكليزية فإنّه يكونُ قد طرح سؤالًا لغويًا. ولكن قد يقترح المرء استخدام كلمة (الماء) بطريقةٍ تختلفُ نوعًا ما عن الاستعمال العادي-مثلًا: الدعوة لضمّ الثلج والبخار في تعريف (الماء)- وكلّ هذا يندرجُ أيضًا في ضمن علم دلالات الألفاظ. كذلك، توجد أسئلةٌ إبستمولوجيةٌ حول كيفية معرفتنا بأنّ شيئًا ما هو (ماء). في النهاية، تنشأ قضايا ميتافيزيقية تتعلّق بالماهية الحقيقية للماء. على سبيل المثال، قد نعد بأنّ الماء هو الحالة السائلة من H2O، ولكنّ كلمة (الماء) لا تعني (سائل الـ H2O )؛ لأنّه بمقدور الفرد أنْ يعرف معنى (الماء) من دون معرفة تركيبته الجُزيئية. من الناحية الإبستمولوجية، قد يعلم المرء أنّ السائل في الكوب هو ماء من دون علمه بأنّ الماء هو سائل H2O. لا يعني أيٌّ ممّا سبق أنّ الماء بجوهره ليس سائل ال H2O. قد يُصرّ عالم الكيمياء أنّه لا يوجد عالَم ممكنٌ حيث يكون الماء في كوب، ولكنّه ليس H2O؛ لأنّ الماء يتمتّع بتركيبٍ جُزيئي بغضّ النظر عن معنى الكلمة التي تصفه، أو الطرق التي نُدركه من خلالها.
في ضوء هذا التمييز بين علم دلالات الألفاظ والميتافيزيقيا، يبدو أنّ أدلة مور الواردة ضدّ الطبيعية الأخلاقية في كتابه (أصول الأخلاق) هي مُشوَّشة. يحتجُّ مور بأنّ (الخير) لا يعني x حيث يكون هذا الأخير نوعًا من الاختزال المزعوم للخير داخل خاصيّةٍ طبيعية أو خارقة للطبيعة. بناءً على التمييز بين معاني الكلمات، يستنتجُ مور أنّ تحديد الخصائص هو ارتكابٌ للخطأ. ولكن لا يُمكننا أنْ نستنتج بأنّ الماء ليس سائل الـH2O فقط؛ لأنّ الماء لا يعني (سائل الـH2O). من ثمَّ، لا يُمكننا أنْ نتوصّل إلى نظرية المتعة التي تُفيد بأنّ الخير هو ما يُثير المتعة، ولا إلى الادّعاء اللاهوتي بأنّ الخير هو ما يكون قريبًا من الله، والسبب ببساطة هو أنّ الخير لا يحملُ أيَّ معنىً من هذا القبيل. إذا أمكن لجدلية السؤال المفتوح أن تُثبت شيئًا ما فإنّ ذلك هو فقط الادّعاءات بأنّ هيئة (y=x) ليست تحليليةً لدى السؤال المفتوح عن كوْن x هو y أم لا.
قام مور بالاحتجاج على معاني المفاهيم الأخلاقية، وأراد من ذلك الدفاع عن نظريةٍ ميتافيزيقيةٍ حول طبيعة الخير تُمثِّلُ شكلًا صارمًا من الواقعية الأخلاقية. ولأنّه لا يُمكن تقسيم مفهوم الخير إلى مفاهيم أبسط، ومن ثمَّ يكون هذا المفهوم غير قابلٍ للتعريف، استنتج مور أنّ خاصية الخير هي بسيطةٌ ميتافيزيقيًا ولا يُمكن إدراكها إلا من خلال الحدس المباشر.
بغضّ النظر عن العيوب الكامنة في أدلة مور، كانت آراؤه مؤثّرةً بشكلٍ هائل. اقتنع كثيرون بأنّ جدلية السؤال المفتوح قد أظهرتْ بأنّ تطبيق الخصائص الأخلاقية على الخصائص الطبيعية (أو الخارقة للطبيعة) هو أمرٌ خاطئ. ولكن بالرغم من ذلك، لم تتمثّل النتيجة بتبنّي الناس للواقعية الأخلاقية غير الطبيعية التي أيّدها مور. مع أنّ فلاسفة من أمثال بريتشارد[10]، روس[11]، وكاريت[12] قاموا بالدفاع عن الواقعية لدى مور، فإنّ كثيرين قد استنتجوا بأنّ دليل السؤال المفتوح قد أظهر بأنّه لا ينبغي اعتبار المصطلحات الأخلاقية مُحدِّدة لأيّ خصائص على الإطلاق. على خلاف نوايا مور، فقد أدّت أدلّته إلى أن يقومَ العديد من الأفراد بتبنّي شكلٍّ معيّن من مذهب نفي الإدراكية أو المذهب التعبيري. على سبيل المثال، قام العلماء الوضعيون المنطقيون من أمثال آير[13] وكارناب[14] الذين لم يهتمّوا بالمبادئ الميتافيزيقية التي أيّدها مور وتلامذته بتبنّي مذهب نفي الإدراكية.
مع تراجُع الفلسفة الوضعية المنطقية وإنعاش الميتافيزيقيا على يد ويلارد ف.أ.كواين[15] وويلفريد سيلارز[16] بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت تظهرُ أشكالٌ أخرى من الواقعية الأخلاقية. استمرّت الأخلاق الأفلاطونية -التي كان أبرز مدافعيها غيرترود أنسكومب[17]، بيتر غيتش[18] وفيليبا فوت[19]- بالذبّ عن عناصر المذهب الطبيعي الذي هاجمه مور فضلًا عن الدفاع عن هيئات المذهب التعبيري التي أعقبتْ الأشكال الأوليّة من مذهب نفي الإدراكية الذي تبنّاه العلماء الوضعيون. كان غيتش وأنسكومب كاثوليكيَّيْن بينما كانت فوت مُلحدة، ولكنّهم استطاعوا معًا بناء أُسس أخلاقيات الفضيلة في القرن العشرين وما فتئ هذا المشروع يحظى بالمؤيِّدين في أوساط المفكّرين المتديّنين والملحدين.
يتمُّ أحيانًا تقسيمُ الأشكال الجُدد من الواقعية الأخلاقية التي ظهرتْ على الساحة إلى فرعين: البريطانية والأمريكية. تأثّرتْ الواقعيةُ الأخلاقية البريطانية بفيتغنشتاين[20] وانطلق الدعمُ البريطانيُّ لهذه الواقعية من طرق استخدام اللغة الأخلاقية. اتّجه الواقعيون البريطانيون نحو التخصيص الأخلاقي وإنكار كوْن الخصائص الأخلاقية طارئةً على الخصائص المادية. أمّا النموذج الأمريكي من الواقعية الأخلاقية، فقد تأثّر بالواقعية المتعلّقة بالوحدات النظرية في فلسفة العلم الطبيعي. وفقًا لهذا الرأي، فإنّ الخصائص الأخلاقية تطرأ على الخصائص الطبيعية. تمثّل أسلوب الاستدلال المفضّل هنا باستنتاج أفضل التفاسير، وقد قام ريتشارد بويد[21] وديفيد برينك[22] بتأييد القياس بين الواقعية العلمية والواقعية الأخلاقية.
في القرن الواحد والعشرين، ظهر شكلان إضافيان من الواقعيّة الأخلاقيّة. مثّل أوّلُ شكلٍ مجرّد إعادة التعبير والدفاع عن الواقعية التي ناصرها مور التي أصبح اسمها (الواقعية الأخلاقية الشديدة). أمّا الشكل الثاني من الواقعية، فإنّه قد سار في الاتّجاه المقابل ويُمكن تسميته بـ(الواقعية الطفيفة). وفقًا لهذا الرأي، فإنّ إحدى النظريات المتقلِّصة عن الحقيقة تسمحُ لنا بالتصريح بوجود حقائق أخلاقية كطريقةٍ أخرى للإعلان عن الجمل الأخلاقية. تؤخَذُ عبارة (صحيح أنّ السرقة خطأ)، بمعنى (السرقة هي خطأ)، لا أقل أو أكثر. على هذا الأساس، يحتجّ سيمون بلاكبورن[23] على أنّه: بما أنّ مناصري مذهب نفي الإدراكية هم مستعدّون لتأييد العبارات الأخلاقية، ينبغي عليهم أنْ يتخلّوا عن الادّعاء بعدم وجود الحقائق الأخلاقية، وقد منح رأيَه لقب (شبه الواقعية). قام مارك تيمونز[24] بتطوير نظرياتٍ أخلاقيةٍ طفيفةٍ أخرى والدفاع عنها، بينما قام ماثيو كرايمر[25] بمناصرة الواقعية الأخلاقية الطفيفة بجلاء. يمتلكُ مناصرو هذا النوع من الواقعية استعدادًا للتصريح بوجود حقائق وخصائص أخلاقية، ولكنّهم يعدّون هذا الإذعان لا يقتضي إلتزاماتٍ ميتافيزيقية، أو أنّه يستدعي إلتزاماتٍ ضئيلةً للغاية حيث لا يُوازي الاعترافُ بالحقائق الأخلاقية سوى الاستعداد للتأكيد على الادّعاءات الأخلاقية. كذلك، فإنّهم يعترفون بوجود خصائص أخلاقية، ولكنّ تفسيرهم لدعوى وجود خاصية الخير هو أنّ هذه الدعوى هي مجرّد طريقةٍ أخرى للتصريح بأنّ بعض الأمور هي خير.
يكفي هذا الاستعراضُ التاريخي الموجَز لأدلة الواقعية الأخلاقية منذ زمن مور للإشارة إلى الكم الهائل من المؤلّفات الموجودة حول الواقعية الأخلاقيّة في يومنا الحالي. يُقدِّمُ المؤلّفون تعريفاتٍ مختلفةً عن الواقعية الأخلاقيّة، وبعضها دقيقٌ للغاية بينما بعضها الآخر غير مُتقَن. عُرّفتْ الواقعية الأخلاقية بأنّها مبدأٌ ميتافيزقيٌ ولغويٌ وإبستمولوجي، ويمكن العثور على الأدلة لصالح أو ضدّ النماذج المتنوّعة من الواقعية الأخلاقية وعرضها بدرجةٍ عاليةٍ من الحنكة. لا أهدف في هذه المقالة إلى تقييم هذه الأدلة إلّا بالقدر الذي تنعكسُ فيه على الأخلاق الدينية، ولكن أولًا ينبغي أنْ نتناول دائرة المواقف التي تبنّاها المفكّرون الدينيون تجاه الأخلاق.
الإسلام والأخلاق
قدّم علماءُ أخلاق الدين طائفةً واسعةً من الآراء حول العلاقة بين الأخلاق والدين، وكلّ الآراء تقريبًا التي تبنّاها علماء الدين المسلمون لها نظيرٌ في الكتابات المسيحية. كذلك، وعلى الأغلب، فإنّ الآراء التي تُشبه وجهات نظر المؤلفين المسيحيين قد تمّ الدفاع عنها من قبل مؤلّفين مسلمين أو يُمكن الذبّ عنها من قبلهم. سوف أقومُ بتناول بعض الآراء التي يُمكن -أو قد تمّ فعلًا- التطرُّق إليها من منظورٍ إسلامي. بالرغم من التداخُل الكبير في الآراء الأخلاقية للتعاليم الدينية المختلفة، فإنّه توجد بعض المناقشات التي برزت بشكلٍ أوضح في أوساط المسلمين كالعلاقة بين الأخلاق والقانون الديني، وهذه المناقشة قد تُوفّر مدخلًا مناسبًا لتناول الأخلاق الإسلامية والواقعية الأخلاقية.
إحدى أهم النقاشات وأكثرها إثارةً للجدل بين العلماء المسلمين هي العلاقة بين الأخلاق والقانون الديني. تُرجِمتْ الكلمة اليونانية Ethikos إلى الأخلاق باللغة العربية، وكانت الترجمة جيدةً؛ لأنّ الكلمتين تنبعان من جذرٍ يعني الشخصية. أمّا في التعاليم الغربية، سُرعان ما توسّعت مادة الأخلاق إلى ما هو خارجٌ عن تعاليم الفلاسفة اليونانيين حول الفضائل، فأصبحت الأخلاق تتضمّن النقاشات حول الواجبات والحقوق والمبادئ والمعايير. تمّ النقاش في التعاليم الإسلامية أيضًا حول هذه القضايا، إلا أنّها لم تعدّ بنحوٍ عام جزءًا من الأخلاق فالحقوق والواجبات تردُ في الشريعة بينما تتناولُ الأخلاق موضوعَ الفضائل. عُدّت الشريعة التي تأمر بحقوق وواجباتٍ معيّنة قانونًا دينيًّا بنحوٍ عام، ولم يكن هناك رأيٌ يُفيدُ وجودَ قانونٍ أخلاقيٍ مُوازٍ للقانون الديني، ولكنّه مُختلفٌ عنه. اعتقد المسلمون بأنّ كمية الأخلاق التي يتوصّل إليها العقل من دون إرشادٍ دينيٍ هي قليلةٌ جدًا، وقاموا بالتركيز على مسألة وجود الحُسن والقبح العقلي بالرغم من احتجاج بعضهم على إمكانية استمداد الواجبات من المعرفة العقلية للخير والشر. كذلك، اختلف العلماء المسلمون بشكلٍ كبير حول المقدار الدقيق من المعرفة الأخلاقية التي يُمكن التوصُّل إليها بشكلٍ مستقلٍ عن الوحي.
بالرغم من أنّ علم الإلهيات لدى الأشاعرة معروفٌ بتبنّيه لمبدأ الإرادة الإلهية حيث يعتمدُ الصواب والخطأ بشكلٍ تام على أوامر الله، بينما علم الإلهيات لدى الشيعة -كالمعتزلة- يَسمحُ للعقل بتمييز الخير في بعض الحالات على الأقل ويُفيد بأنّ إحسان الله يتعارض مع إمكانية أمره بما يُعرف شرّه بشكلٍ مستقلٍ عن الوحي، إلا أنّه توجد مجموعةٌ واسعةٌ من المواقف المختلفة التي تتوسّط طرفيّ هذين النموذجين.
قد يتّخذُ الفرد موقف المعتزلة الذي يُفيدُ أنّه يستحيل على الله أن يأمر بما يعرف العقل أنّه ظُلم، ولكنّه في الوقت نفسه قد يدّعي بأنّ ما يعلم العقل أنّه ظُلم يقتصرُ على البديهيات. من ثمَّ قد يأمر الله بالسرقة ولكن ليس السرقة الجائرة. لا يُمكن أنْ يأمر الله بالظلم؛ لأنّه يستحيل على الله أنْ يأمر به، ويصدقُ بشكلٍ بديهي أنّ الظلم هو شر. قد يُعدّ هذا الرأي نوعًا خاصًا من الشكوكية الأخلاقية حيث لا توجد معرفةٌ أخلاقيةٌ غير بديهيةٍ مستقلة عن الوحي.
من ناحيةٍ أخرى، قد يتمُّ الدفاع عن الموقف الأشعري من خلال الاحتجاج بأنّ المعرفة الأخلاقية التي يتوصّل إليها العقل حول الحقائق البديهية ليست معرفةً أخلاقيةً على الإطلاق، بل هي مجرد معرفة منطقية. أيّ محتوى يتضمّن مصطلحاتٍ أخلاقية خارج ما هو موجودٌ في المنطق والقواعد اللغوية ينبغي أنْ يكون من قِبل المشرِّع الإلهي. قد يصل الفرد إلى درجة نفي الأخلاق كليًا والادّعاء بأنّ الأوامر الجوهرية الوحيدة هي تلك التي يُصدرها القانون الأخلاقي. أمّا إحدى الأشكال الأكثر اعتدالًا من العقيدة الأشعرية، فإنّها قد تُبقي على الرأي الذي يُفيدُ بأنّ العقل غير قادرٍ على تمييز الحقائق الأخلاقية الجوهرية، ولكنّها تُنكر كوْن الأوامر الإلهية غير عادلة. وفقًا لهذا الرأي، الخير والحق هو ما يأمر به الله ولكن ليس لأنّ الله هو الذي أمر به، بل لأنّ الله يعلمُ ما هو خيرٌ وحقٌّ، بينما لا يستطيع العقل البشري الوصول إلى هذه المعرفة بنحوٍ مستقلٍ عن الوحي.
قد يُعدّ الرأي الذي أبرزناه آنفًا ضمن أنماط الاستنباط الأخلاقي من الكتاب المقدّس التي تَعدّ المصدرَ الرئيس لمعرفة الصواب والخطأ هو الوحي. يفترضُ مذهب إنكار هذا الرأي إمكانيةَ حيازة المعرفة الأخلاقية من مصادر أخرى مستقلّة عن القرآن والسنّة (بالنسبة إلى الشيعة تُضاف إلى سُنّة النبي سُنّةُ الأئمة المعصومين) أو مندمجة معها. كما ذكرنا سابقًا، فإنّ المعتزلة والشيعة قد لجأوا إلى العقل. من بين المصادر الأخرى للمعرفة الأخلاقية التي ناقشها المسلمون نذكرُ: الوجدان، والعُرف، وحُكم العقلاء.
بالنسبة لأفلاطون، قد تعدّ معرفة هيئة الخير أقصى معرفة أخلاقية، ولا تتيسّر إلّا لمن تُظهِرُ مداركه الروحية التناغم التراتُبيّ المناسب. في التعاليم الأفلاطونية، تمّ الاحتجاج بأنّ أولئك الذين يحيَون بنحوٍ مستقيمٍ يمتلكون المعرفة الأخلاقية التي لا تتوفّر للآخرين. فقط من خلال تطبيق الفضائل يُمكن للإنسان أن يعرف الهدف الذي تصبو إليه الحياة المستقيمة.
تبرزُ الاتّجاهات الأفلاطونية والأرسطية والأفلاطونية الجديدة في تراث الفلسفة الإسلامية، وينطبق هذا الأمر بنحوٍ خاصٍّ على الإبستمولوجيا الأخلاقية للفلاسفة المسلمين. سعى الفارابي بشكلٍ جليّ للتوفيق بين العناصر الأفلاطونيّة والأرسطيّة في الفكر الأخلاقي والسياسي، وقد انعكستْ النظرة الأفلاطونية (والسقراطية) التي تُفيدُ بأنّ الفضيلة بحدّ ذاتها هي نوعٌ من المعرفة في قيام الفارابي بالمقابلة بين المدينة الفاضلة والمدينة الجاهلة.
يُمكن تقديم كلّ الآراء حول المجال السابق كأشكالٍ شكوكيةٍ تقريبًا، وهذا يعتمدُ على مقدار المعرفة الأخلاقية التي يُمكن استخراجها من المصادر الأخرى غير الكتاب والسُنّة. من ثَمَّ، يُمكن للفرد أنْ يتّخذ موقفًا عقلانيًا للغاية حيث يكون العقل وحده كافيًا لمعرفة الحقائق الأخلاقية الجوهرية، مثلًا: من الخطأ أذيّة الأفراد مُرهفي الحسّ للتسلية، وضرورة الاحتراز عن الأفعال التي تضرّ بالصحة من دون سببٍ وجيه، ووجوب عدم تقبُّل الموظّفين الحكوميين للرشاوي. قد يدّعي أحدهم على نحوٍ مثيرٍ للجدل بأنّ العقل يحكمُ بنحوٍ مستقلٍّ عن الكتاب والسُنّة على النواهي التي تعدّ دينيةً بالتحديد، ومن الأمثلة على ذلك حرمة شرب الكحول. ولكن مهما كانت الدعاوى الداعمة للعقل متطرّفةً أو مثيرةً للجدل، يستطيعُ الفرد أنْ يعتقد بأنّ ميدان قيام العقل بإصدار الأحكام الأخلاقية هو محدودٌ للغاية، وأنّ العقل لا يستطيع تمييز الصواب من الخطأ في معظم القضايا من دون مساعدة الوحي الإلهي.
يُمكننا أن نُشكِّل نموذجًا يتناول المواقف المتّخَذَة على النحو الآتي:
1. المعرفة الأخلاقية المستندة إلى الكتاب والسُنّة:
أ) المعرفة الأخلاقية المستندة إلى الكتاب والسُنّة من دون العودة إلى مصادر أخرى.
ب) المعرفة الأخلاقية المستندة إلى الكتاب والسُنّة مع العودة إلى مصادر وشروطٍ أخرى للمعرفة.
2. المعرفة الأخلاقية المستقلّة عن الكتاب والسُنّة: العقل، العُرف، آراء العرفاء، آراء الصالحين، الوجدان.
فيما يأتي، سوف نتناول الاعتراضات الثلاثة التي يُمكن توجيهها إلى هذا الجدول.
أوّلًا، توجد اختلافاتٌ مهمّةٌ حول كيفية تقسيم المعرفة الأخلاقية المستندة إلى الكتاب والسنّة إلى الفرعين (أ) و(ب). من الواضح أنّه لا توجد معرفةٌ مُستندةٌ إلى الكتاب والسنّة من دون العودة إلى مصادر أخرى، فلا يُمكن فهمهما من دون معرفة قواعد اللغة العربية وبلاغتها، وحتّى إنّ أبسط الاستنتاجات تعتمد على العقل. إذًا، فلنَعدّ الفرع الأول متألفًا من المعرفة المستمَدّة من العلم بالمعاني اللفظية للكتاب والسُنّة فضلًا عن جميع مُستلزمات هذا العلم التي يُمكن توسعتها؛ لكي تتضمّن مجالاتٍ كالمعرفة التاريخيّة اللازمة لتقييم صحّة الأحاديث. قد يُعدّ الخلاف الأصولي الإخباري متمحورًا حول مسألة إمكانية الاستفادة في عملية استنباط الأحكام من الكتاب والسُنّة من المبادئ الزائدة عن المطلوب لفهم المعنى اللفظي، ولكنّ هذا ليس دقيقًا لأنّه يستحيلُ تحديد دلالات مجموعة العبارات التي ينبغي ضمُّها إلى معناها اللفظي. علاوةً على ذلك، لأنّ الفرع الثاني ليس فارغًا، ينبغي السؤال عن المصادر الأخرى غير الدينية التي ينبغي الرجوع إليها من أجل استخراج الأحكام الأخلاقية من الكتاب والسُنّة. حينما نفهم القرآن بنحوٍ صحيح ونُحدِّد الأحاديث الموثوقة، ما هي المعرفة الزائدة التي نحتاجُ إليها لكي نتوصّل إلى استنتاجاتٍ أخلاقية؟ هل يُمكن اتّباع هذه المبادئ العقلانية في حالات الشكّ؟ وهل يُمكن تصنيف هذه الحالات بحدّ ذاتها؟ بأيِّ طرقٍ تستطيعُ معالمُ النصّ، والسمات التاريخية، والأبعاد الأخرى المتعلّقة بسياق العبارة أن تُسهم في فهم هذه العبارة؟ ناقش علماءُ الأصول بعض هذه القضايا، وقد ادّعى بعضهم أنّه يتحتّم على من يريد مزاولة الاجتهاد أنْ يفهم أغراض الأحكام الإسلامية المتعدّدة، وهذا الأمر غير متاحٍ إلا لمن يعيشُ حياةً مفعمةً بالتقوى. لا تعدّ التقوى مصدرًا للمعرفة الأخلاقية ولكنّها شرطٌ لجزءٍ من المعرفة الأخلاقية، أي الفهم الصحيح للقانون الأخلاقي الذي تُقدّمه الشريعة. وَقَعَ أيضًا جدالٌ كبير بين العلماء والمفكّرين المسلمين حول المدى الذي يتّصلُ فيه العلم بالقضايا المستجدّة والتكنولوجيا والأوضاع السياسية بعملية استنباط الحكم.
أحد أكثر الآراء تأثيرًا في هذا الميدان يعود إلى الشهيد باقر الصدر، فقد انتهج الموقف المعاصر الذي تبنّاه أغلب علماء الشيعة والذي يُفيدُ إمكانية الاعتماد على الإدراك العقلي للتوصُّل إلى المبادئ التي يُمكن من خلالها استخراج الأحكام الدينية، وقد قام الصدر أيضًا بدراسة الاعتراضات على المواقف الأكثر تطرُّفًا. في سياق بحثه، قام بوصف أنواعٍ عدة من المعرفة العقلية: أ) المعرفة العقلية المبتنية على الحس والاختبار؛ ب) المعرفة العقلية المبتنية على البديهيات؛ وج) المعرفة العقلية المبتنية على التأمُّل النظري.
ثانيًا، قد تختلف المواقف حول محتوى الفرع الثالث، أي المعرفة الأخلاقية المستقلّة عن الكتاب والسُنّة ومقتضياتهما. على سبيل المثال، قد يدّعي بعضُ العرفاء أنّه بإمكان الفرد حيازةَ المعرفة الأخلاقية بشكلٍ مستقل عنهما وذلك عبر الإلهام العرفاني. قد يُحتَجّ أيضًا بأنّ العقل يعلم أنّه لا ينبغي للفرد أن يؤذي نفسه حينما يُمكن تفادي ذلك بسهولة، ولكنّ الأفعال المؤذية تُعرف من خلال الاختبار وتطوُّر العلوم الطبية فقط (مثلًا: الضرر الذي يُسبّبه التدخين). من ثمَّ، هناك معرفةٌ أخلاقية يُمكن التوصُّل إليها فقط من خلال العقل والتجربة والعلم بشكلٍ مستقل عن الكتاب والسُنّة. إزاء هذا الفرع، قام الفلاسفة المسلمون بتطوير آراءٍ أخلاقيةٍ مستندةٍ إلى تحليلاتهم للفضائل والاستدلال العملي.
ثالثًا، يبقى السؤال عن مقدار المعرفة الأخلاقية التي يُمكن التوصُّل إليها في الفروع الثلاثة. قد يرى أحدهم أنّه بالرغم من إمكانية التوصُّل إلى المعرفة الأخلاقية عبر العقل وحده فإنّ هذه المعرفة محدودةٌ للغاية. انتقد هيغل الصورية الفارغة في أخلاقيات كانط، وكذلك يُمكن للعلماء المسلمين أن ينتقدوا المحاولات الرامية إلى استخراج الأحكام الأخلاقية من العقل وحده لأنّها لا تُنتج أكثر من صوريةٍ فارغة. من هنا، قد يدّعي الفرد ضرورة اعتماد المعرفة الأخلاقية الجوهرية على الكتاب والسُنّة، أو قد يلجأ إلى المصادر الأخرى للمعرفة الأخلاقية كالوجدان، والحدس الأخلاقي الشخصي أو المنسوب إلى المتّقين والصالحين، أو المصادر والشروط الأخرى التي تمّ اقتراحها للوصول إلى المعرفة الأخلاقية.
باعتقادي، فإنّ الواجبات الدينية هي واجباتٌ أخلاقية، ويُمكن دعم هذا الرأي من خلال الاستدلال الآتي:
1. يقعُ على عواتقنا واجبٌ أخلاقيٌ متمثِّلٌ بإطاعة الله.
2. لكي نُطيع الله، ينبغي أنْ نتّبع الأحكام الدينية.
3. إذا كان علينا واجبٌ أخلاقي يقتضي فعل x، ولكي نقوم بـx ينبغي أنْ نأتي بـy، إذًا يقع على عاتقنا واجبٌ أخلاقيٌ متمثّل بالقيام بـy.
4. من ثمَّ، علينا واجبٌ أخلاقي يستدعي امتثال الأحكام الدينية.
وقع خلافٌ حول المقدّمة الأولى حيث عدّ بعضهم أنّه لا يقع علينا واجبٌ أخلاقي بإطاعة الله، بل يقتضي العقل المحتاط طاعته. يُمكن صياغة هذا الرأي في إحدى أشكال العدمية الأخلاقية الدينية حيث نضطرّ لامتثال الأحكام الدينية انطلاقًا من الاحتياط وحده، وحيث تكون الأحكام الإلهية قوانين مفتقدة إلى العلل وبالكاد تتصّل بمفهوم الأخلاق اليوناني. أعتقد أنّه يُمكن تقديمُ احتجاجٍ لاهوتيٍ صائب يُخالف هذا الرأي، ولكنّني لن أُقدم على ذلك هنا فالغاية هي مجرد الإقرار بإمكانية وجود العدمية الأخلاقية الدينية.
إذا كانت هذه العدمية باطلةً، وإذا لم تُعرَّف الأخلاق على نحوٍ يستثني الواجبات التي يمتثّلها الإنسان لله، وإذا كانت التعاليم الدينية حول وجود الله وصفاته حقيقية، يُمكن الدفاع بنحوٍ جيد عن الفرع الأول، وذلك على قاعدة الإحسان الإلهي.
قمنا إلى حدّ الآن بعرض مجموعة آراء في أوساط العلماء المسلمين حول مصادر المعرفة الأخلاقية، ولكن يبقى السؤال عن دلالات المواقف لدى لمناصري الميتافيزيقيا الأخلاقيّة الواقعيّة.
الأخلاق والميتافيزيقيا الإسلاميّة
من الواضح أنّ الميتافيزيقيا لدى بعض المعتزلة الأوائل كانت شكلًا شديدًا من الواقعية الأخلاقية؛ فقد عدّ جزءٌ من هؤلاء المتكلّمين الأوائل أنّ الخير والشر هما خصائص غير مادية للأفعال، كما أنّ إحدى الفواكه قد تكون تفاحةً أو ذات لونٍ أحمر. ولكن تكمنُ المشكلة في أنّ نسبة الشر إلى الفعل -كتجاوز حدود الأراضي الشخصيّة- تعتمدُ على الظروف؛ فإذا دخل أحدُهم إلى أرض غيره لكي يُنقذ طفلًا يتعرّض للغرق فإنّ هذا فعلٌ مُسوَّغ، ولكن إذا دخل آخر إلى هذه الأراضي لكي يتجسّس على جاره فإنّ هذا الفعل ليس جائزًا. من ثمَّ فإنّ الفعل ليس خيرًا أو شرًا بجوهره، فقد تكونُ حالةٌ ما شرًا أو خيرًا اعتمادًا على الظروف. التفت المعتزلة في البصرة إلى هذا الأمر، فقاموا بتطوير نظريةٍ متطوّرة للوجوه (الأبعاد)، وقد قامت هذه النظرية بإنقاذ الواقعية التي تبنّاها المعتزلة، ولكن فقط من خلال جعلها نسبيّة.
نجدُ في كتابات مور مسارًا مُشابهًا ينطلقُ من بيانٍ مُطلق للخصائص الأخلاقية ويصل إلى عدّ هذه الخصائص نسبية، ولكنّ هناك اختلافًا مهمًّا؛ فالعنصر النسبي للخير الذي اعترف به مور يتضمّن التثمين الواعي للشيء الذي يُعدّ خيرًا. على سبيل المثال، العمل الفني ليس خيرًا في جوهره ولكنّ الشيء الكليّ الذي يتضمّن تثمين هذا العمل الفنيّ قد يكون خيرًا. بدأ مور مع الفكرة التي تُفيدُ أنّه لا يُمكن اختزال الخير الكامن في الشيء في أيِّ تركيبٍ لخصائصه الطبيعية (أو كوْن الله قد أمر به)، بل ذلك الخير يطرأ على الخصائص الطبيعية للشيء. وبتعبيرٍ آخر، إذا امتلك x وy الخصائص الطبيعية نفسَها، فلا يُمكن لهما أن يختلفا في خصائصهما الأخلاقية. هيمنتْ هذه الفكرة على كتاب (الأصول الأخلاقية)، ولكن حينما نُشر كتاب (الأخلاق) في العام 1912، كان مور قد توصّل إلى أن ينسبَ القيمة الجوهرية إلى الكليّات التي تضمُّ الحالات الواعية فقط.
إنّ التشديد على النظر إلى الخير بأسلوبٍ أكثر دقّةً (يشتملُ على معرفة الكيفية التي يتلقّى من خلالها البشر أو الكائنات الواعية الأخرى ما يُعدّ خيرًا) يُشكِّلُ صعوباتٍ لنموذج المعرفة الأخلاقية الذي قام بتحريك الواقعية بادئ الأمر. وفقًا لهذا النموذج، فإنّ الأفعال والصفات الشخصية وأنماط الحياة والأشياء الأخرى التي تخضعُ للحُكم الأخلاقي -سواء كانت تفاصيلَ أم أنواعًا-لديها خصائص أخلاقية. توصّل البشر إلى إدراك هذه الخصائص عبر نوعٍ من الحدس الذي يُمكن تفسيره إمّا كحدسٍ عقلائي -يُقال عادةً بانطباقه على المبادئ العامة- وإمّا كحسٍّ أخلاقي يتعلّق بأفعالٍ أو أحداثٍ خاصة. ولكن إذا لم تكن الخصائص الأخلاقية متّصلةً بالأشياء بشكلٍ مباشرٍ بل بالأشياء المتعلّقة بالكائنات الواعية فحسب، يُصبح نموذج المعرفة الحدسية مُثقلًا بالأعباء إلى حدٍّ بعيد. لا يُفيدُ الحدس العقلاني كثيرًا خارج ميدان الاندراج والاستنباط المفهومي، ويتعثّر في مجال العلاقات إذا لم يكن مدعومًا بالبُنى الموجودة في المنطق والرياضيات المعاصِرَيْن. حتّى مع هذا الدعم، يضطرب الحدس العقلاني حينما يتطرّق إلى علاقة الأشياء بالفاعلين الواعين؛ لأنّنا نفتقدُ إلى الدليل على قدرة مداركنا العقلية على الإدراك الحدسي لهذه العلاقات المعقّدة. هذا لا يعني أنّه لا يُمكن معرفة هذه العلاقات بل المقصود هو أنّ هذه المعرفة لا يُمكن تسميتها بالحدسية. يبدو أنّ الحسَّ الأخلاقي لديه فرصةٌ أفضل في التعرُّف على هذه التعقيدات إذا كان الشعور والتعاطُف المطلوبَان متطوِّرَيْن بنحوٍ مناسب، ولكن من أجل التمييز بين المشاعر التي تقودنا إلى تبنّي المعتقدات الأخلاقية الصحيحة من الخادعة ينبغي تدعيمها باعتباراتٍ تمتدّ إلى ما هو أبعد بكثيرٍ من الحدسيات المباشرة.
تكمنُ إحدى دوافع تبنّي أيِّ شكلٍ من أشكال الواقعية الأخلاقية في الفكرة التي تُفيد أنّ الدفاع عن الدعاوى الأخلاقية في مقابل اتّهامها بالشكوكية، النسبية، الذاتية، أو الاعتباطية لا يُمكن أن يتمّ إلا عبر تأسُّسٍ متين في الواقع. قد يندفع بعض المتديّنين للقبول بالواقعية الأخلاقية لهذا السبب أيضًا، ولكن ينبغي أنْ نحذر كثيرًا من المبالغة في التعميمات. كما أشرنا سابقًا، يعتقدُ بعضُ علماء الأخلاق الدينيِّين بنوعٍ من الشكوكية الأخلاقية ويرون أنّه ليس بمقدور العقل أو الشعور أو أيِّ قدرةٍ بشرية إدراكية أخرى أنْ تميِّز الصواب من الخطأ، ومن هنا تأتي الحاجة إلى الوحي.
فيما يتعلّق بالنسبية، تعتمدُ الأمور على تحديد أيّ الأحكام الأخلاقية تتّصل بأيّ العوامل. يعتقدُ بعض المتديِّنين أنّ الحقوق والمسؤوليات تتّصل بالجنس، أو الانتساب إلى دائرة العلماء، أو اتّصال النسب بالنبي، أو الإيمان. يرفض كثيرٌ من المتديِّنين (ولكن ليس جميعهم) أن تكون النسبية متعلقةً بالزمان أو المكان إذ إنّ حكم الله يُلزمنا في يومنا الحالي كما ألزم الناس في زمن النبي. تبنّى الشهيد الإيراني مرتضى مطهري موقفًا معتدلًا فيما يتعلّق بهذه القضية فاعتقد بوجود بعض الثوابت والعناصر الأخلاقية التي تتفاعل مع طوارئ الزمان والمكان. فضلًا عن ذلك، فإنّ الذاتية والاعتباطية مثيران للجدل ولا يُجمِعُ عليهما علماء الدين.
تبدو بعض القوانين الدينية مفتقدةً للعلل كتفاصيل الأفعال العبادية بالرغم من أنّ علماء الدين غالبًا ما يدّعون أنّ الحكمة الإلهيّة تكمنُ خلف ما يبدو لنا أنّه حكم مفتقدٌ للعلة.
مسألة الذاتية هي أكثر إثارةً للجدل، فأحيانًا توصَفُ نظرياتُ الأمر الإلهي في مجال الأخلاق على أنّها ذاتية. على سبيل المثال، يحتجُّ جورج حوراني على أنّ نظريات الأمر الإلهي لدى الأشاعرة هي ذاتية لأنّ «قيمة الفعل تُعرَّف عبر علاقتها بمواقف محدّدة أو بآراء عاقلٍ يتولّى منصب القضاء أو الرقابة، مثل الرغبة أو عدم الرغبة، الأمر والنهي، الموافقة أو الرفض». يُكمل حوراني شرْحَه قائلًا: «العامل المحدِّد هو عقلُ (الإله)، ومن ثمَّ تُصنَّف نظرية الأخلاق بشكلٍ صحيحٍ على أنّها (ذاتية). هذا استخدامٌ غريب لمصطلح (الذاتية) الذي يُستعمل عادةً في نظريات الحكم الأخلاقي حيث تقومُ هذه الأحكام بوصْف المواقف (أو الأوامر) الأخلاقية أو التعبير عنها. يرفض حوراني الوصف الأكثر شيوعًا (الإرادة الأخلاقية)؛ لأنّ «هذه التسمية لا تُظهر بشكلٍ جيدٍ علاقتها بالأنواع الأخرى من النظريات». ليس الهدف هو الاختلاف حول التسميات بل فهم العلاقة بين النظريات الأخلاقية والميتافيزيقية. قابَل حوراني بين (الموضوعيّة العقلانيّة) في المذهب المعتزلي و(الذاتية الإلهيّة) في المذهب الأشعري، وعدّ أنّ دحض الأخير يُعَدُّ تأييدًا كافيًا للأول الذي يُشير -وفقًا لعبد الجبّار- إلى وجود السمات الأخلاقية.
قام حوراني بشكلٍ صريح بالمقارنة بين الموضوعية في المذهب المعتزلي ومذهب الحدسية البريطاني وأضاف إليها إشاراتٍ إلى كتاب مور (الأخلاق). عدَّ حوراني أنّ كُلًّا من علماء المعتزلة وعلماء مذهب الحدسية البريطانيين قد توصّلا جوهريًا إلى الاستنتاجات نفسها؛ لأنّهما كانا يردّان على الأشكال المختلفة من الذاتية. سعى المعتزلة وراء قاعدةٍ موضوعية للأخلاق تُعارضُ الذاتية اللاهوتية، وقد سعى علماء مذهب الحدسية البريطانيون إلى الأمر نفسه في مقابل تيارات الذاتية المتواجدة في الفكر المسيحي ونظريات العَقْد الاجتماعي. يَعدُّ حوراني أنّ النزاع نفسه قد وقع في الفلسفة اليونانية:
«من هنا، فإنّ انتشار نظريات الذاتية بين السفسطائيين هو الذي أدّى بشكلٍ جزئيٍ إلى تحفيز جهود سقراط وأفلاطون للعثور على علم أخلاقٍ موضوعيّ يعتمدُ على تعاريف المصطلحات الأخلاقية، ونظرية عالم المثُل، ونظريةٍ موازية للمعرفة. مع حلول زمن أرسطو كان هذا التحدّي قد انقضى، ويُلاحَظ الفتور في مؤلفاته حول أكثر القضايا جوهريةً في الأخلاق».
توجد نقاطٌ عدّة جديرةٌ بالملاحظة في هذا الاقتباس. أوّلًا، يُقدّم حوراني صورةً ثنائيةً لتاريخ الأخلاق حيث يعدّه صراعًا بين مناصري الذاتية والموضوعية. ثانيًا، تمتلكُ الموضوعية مكوّناتٍ ميتافيزيقيّةً وإبستمولوجيّةً وهي الواقعيّة الأخلاقيّة ومذهب الحدسيّة تباعًا. الأمر الثالث والأهم هو رأيه بأنّ أرسطو يعود بأدراجه نحو الذاتية فيما يتعلّق بـ(أكثر القضايا جوهرية). استبقى أرسطو على لجوئه إلى الحدسيات العقلية في أخلاقه، وقد عدّه ديفيد روس مناصرًا للحدسية. ولكنّ أرسطو لم يعتقد بأنّ ما يُحدَس هو ضمن المثل الأفلاطونية أو السمات الأخلاقية غير الطبيعية. من ثمَّ، يبدو أنّ ما يعدّه حوراني (فتورًا) في أكثر القضايا جوهريةً في الأخلاق هو رفض أرسطو للواقعية الأخلاقية التي تعثر على السمات الأخلاقية في الأشياء كما يُعثر على الأمور الطارئة في المادة.
يبدو أنّ الصراع المعتزلي الأشعري قد أدّى بالعلماء إلى الافتراض بأنّه إذا رفض أحدهم الإرادة الإلهية في الأخلاق وتجنَّب كلًّا من الشكوكية ومذهب نفي الإدراكية، فإنّ الخيار الوحيد الذي يستحقّ التأمُّل هو الحدسية الواقعية. يبدو أنّ هذا الذي قاد البروفيسور راينهارت إلى عدّ الصوفيين ورثة المعتزلة، حيث كتب ما يأتي:
«بمعنى ما...فإنّ ورثة المعتزلة هم الصوفيون الذين يشتركون في أصول الدعوى والتقوى ـ ليس مع القشيريين أو أتباع محمد الغزالي بل مع أحمد الغزالي وابن عربي والقنوي والسهروردي المقتول، وذلك من خلال نظريتهم المعرفية حول الوحي الخاص المتشعبة بشكلٍ غامض، وحركات القلب والدوافع المتصارعة والشغف والمخاوف والأحزان. لا يتمثّل الأمر فقط في أنّ أبرز شخصيات التاريخ المعتزلي كانت زاهدة، بل إنّ إحدى أهداف الزهد هو الإصغاء إلى التلقينات الداخلية».
هذه ملاحظةٌ عميقة، يرى المعتزلة والصوفيون (والإشراقيون) أنّه باستطاعتنا من خلال الزهد أنْ نكتسب المعارف الباطنية التي تسمحُ لنا بتثمين الحقائق الأخلاقية المختلفة. ولكن إذا قبلنا بعلم الوجود الخاص بالمعتزلة، فهذا يعني أنّه: كما أنّ الله قد خلق للأشياء في العالَم ألوانًا وأصواتًا يُمكن إدراكها من خلال الحواس، فإنّه قد خلق لها سماتٍ أخلاقيةً يستطيعُ الزاهد أنْ يُدركها. لا يتّضحُ بالنسبة لي أنّ الصوفيين سوف يقبلون بهذا الأمر. فيما يتعلّق بعلم الإلهيات، قد ينحاز كثيرٌ من الصوفيين إلى الأشاعرة ويقبلون بنوعٍ معيّن من الإرادة الإلهية. يقومُ الزهد بتوفير الإدراك الأخلاقي للصوفي الأشعري؛ لأنّ الصوفي يتّحد مع الألوهية ويحب ما يحبّه الله ويكره ما يكرهه، والسبب وراء ذلك الإدراك ليس الخصائص الأخلاقية للأمور المحبوبة أو المبغوضة بل الموقف الإلهي تجاهها الذي يتّخذه الصوفيُّ الزاهد.
قد يقوم الزهد بتسهيل الوصول إلى المعرفة أو الإلهامات الباطنية الأخلاقية بطريقةٍ أخرى، وقد ناقشها ابن سينا في آخر كتاب (الإشارات) مقدّمًا بديلًا ثالثًا في النزاع حول المعرفة الأخلاقية، وهذا البديل ليس شكلًا من مذهب الحدسية الواقعية أو مذهب الإرادة الأخلاقية. يُفيد هذا الرأي المشّائي لابن سينا أنّنا نتبيّن الخير من خلال عدّه ممتعًا، والمتعة ليست إحساسًا بل هي الرضا بإنجاز الخير مع تثمين كونه خيرًا. الخير ليس خاصيةً غير طبيعيةٍ بل يتّصل بغاياتٍ وكمالاتٍ ذلك وهو أمرٌ يُحكم على موضوعه بأنّه خير. من خلال الزهد، يستطيعُ المرء تفادي الأخطاء في الحُكم على ما هو خير التي تنشأ بسبب إهمال الكمالات الفكرية والاهتمام المفرط بالمتع المادية. وفقًا لابن سينا، فإنّ المعرفة الباطنية التي تُكتَسب عبر الزهد لا تُمكِّن الزاهد من إدراك الخير غير الطبيعي الكامن في الأشياء المتعدّدة؛ وذلك لأنّ الأشياء هي خيرٌ فقط بالنسبة لمن يستطيع استخدامها لكي يصبح أكمل أو يتخلّص من العيوب.
يستطيع التفسير الآنف مُساعدَتنا في حلّ معضلةٍ وردتْ في نص (الإشارات) تتناولُ مسألة الحصول على بعض الأمور الممتعة ولكن كرهها بعد ذلك.
«قد يُكتَسَب الشيء الممتع ولكن يغدو موضع كراهية بعد ذلك، كما أنّ بعض المرضى يكرهون الحلويات ولا يشتهون الأشياء التي كانوا يرغبونها في السابق. هذا ليس نقضًا لما سبق ذكره فهذه الأشياء ليستْ خيرًا في هذه الحالة؛ لأنّ الحواس ليست مُدركة لها بالنظر إلى خيرها».
تُخمِّنُ المترجِمة عِناتي أنّ جُملة «هذه الأشياء ليست خيرًا في هذه الحالة» قد أتت كـ«نتيجةٍ لغفلة ابن سينا أو أحدٍ من كتّابه»، وقد توصّلت الأستاذة إلى هذا الاستنتاج لأنّه من الواضح أنّ ابن سينا لم يكن من مناصري الذاتية ولم يرَ أنّ الشيء يكون خيرًا فقط حينما تُدرك الحواسُّ خيرَه. تُفسِّر عناتي المثال على أنّه بيانٌ لحصول الكراهية تجاه شيءٍ خيِّر بسبب المرض، ولكن يبدو أنّ ما يقصده ابن سينا هو أنّ الحلويات ليست جيّدة للمريض، ومن ثمَّ لن يستطيع التمتُّع بها؛ لأنّه ليس بمقدور الحواس حينئذ إدراك الحلويات عن الطريق التي تُدرَك المتعة من خلاله، أي أنْ تكون خيرًا. المعرفة الباطنية التي يظهر الخير من خلالها ممتعًا ليست تلك العملية التي يتمُّ من خلالها معرفة الخاصية غير الطبيعية للشيء، بل معرفة أنّ الشيء يستجلبُ كمال الإنسان، وهذا يختلف تحت الظروف المتنوّعة.
الاستنتاجات
في خلاصة القول، يُمكن تطوير علم الأخلاق الديني بطرقٍ عدّة مختلفة، وإحدى هذه الطرق هي نظرية الأمر الإلهي الصادر عن الإرادة في الأخلاق. بالرغم من وجود أسبابٍ فلسفيةٍ ولاهوتيةٍ تدعونا لرفض هذه النظرية -وتتمثّل على التتالي في أنّ طاعة الله لن تكون أخلاقيةً وأنّ الأوامر الإلهية سوف تفشل في إظهار الحكمة الإلهيّة- إلا أنّ هدف هذا البحث ليس تقديم هذه الأدلة أو تفحصّها بل الهدف هو تناول العلاقة بين المواقف التي يُمكن تبنّيها في الأخلاق الدينية فيما يتعلّق بالواقعية الأخلاقية.
وقد سبق وأنْ تمّ الترويج للواقعية في هيئاتٍ تضمُّ المعالم الآتية:
ــ رفض النسبيّة المعياريّة
ــ رفض الذاتيّة
ــ رفض مذهب نفي الإدراكيّة
ــ رفض العدميّة
ــ رفض الشكوكيّة الأخلاقيّة
ــ القبول بأنّه يُمكن معرفة بعض الحقائق الأخلاقيّة على الأقل، وذلك عبر الحدسيات العقلانيّة أو الحس الأخلاقي والضمير أو عبر كليهما معًا.
ــ القبول بأنّ الحقائق والخصائص الأخلاقية توجد بشكلٍ مستقل عن العقل والفكر أو إرادة الفاعلين الأخلاقيين.
تستقلُّ آخر هذه النقاط عن غيرها، أي يُمكن إدخال نماذج من النقاط الأخرى في النظرة المشّائية للأخلاق من دون الالتزام الأنطولوجي بوجود الحقائق والخصائص الأخلاقية. ويوجد المزيد ممّا ينبغي قوله حول كيفية تعامل النظرة المشّائية مع الحدسيات الأخلاقية وكيف تختلف الإبستمولوجيا الأخلاقية المشّائية عن إبستمولوجيا الواقعية الأخلاقية الشديدة. في الواقع، فإنّ النزاع بين المشّائيين ومناصري الواقعية الشديدة لا يدور حول الأنطولوجيا بل حول العلاقة بين الإبستمولوجيا والأنطولوجيا. بالنسبة لمناصري مذهب الحدسية الواقعية، فإنّ الحدسيات تُقدِّمُ نافذةً على الواقع الأخلاقي حيث تُعلَم الحقائق الأخلاقية عبر الحدس. أمّا بالنسبة للمشّائيين والبنّائين الأخلاقيين، يُمكن معرفة الحقائق الأخلاقية عبر تفحُّص شروط الاستدلال العملي والاهتمامات البشرية، بغضّ النظر عن القول بتوافُق هذه الحقائق مع الوقائع الأخلاقية أو وصْفها للخصائص الأخلاقية. بالإمكان مقارنةُ موقف البنّائية الأخلاقية مع موقف الملّا صدرا حيال وجود المثال الأفلاطوني المتمثّل بالخير. وافق الملا صدرا على وجود عالم المُثُل الأفلاطونية لأنّه كان يرى أنّ المفاهيم العامة ينبغي أنْ تنعكس في الميدان الفكري، ولكنّه لم يكن يعتقد بأنّ اللجوء إلى المُثُل يُسهم في حلّ الإشكاليات المعرفية حول الأنواع الطبيعية. كذلك، قد يقبل المشّائيون والبنّائيّون بتفسيرٍ طفيف للواقعية التي تدور حول الحقائق والخصائص الأخلاقية مع إنكار كوْن اللجوء إلى الحدسيات المباشرة لهذه الوحدات يُقدّم معرفةً أخلاقية. ينبغي أن تعتمد المعرفة الأخلاقية المستقلة عن الوحي على العلم بالطبيعة البشرية والاستدلال العملي.
فيما يتعلّق بالإرادة الإلهية، قد نتخيّلُ بأنّ أشعريًا يقبلُ بشكلٍ من الواقعية الأخلاقية ويعتقد بأنّ الخصائص الأخلاقية غير الطبيعية تكمنُ في الأشياء والأفعال بأمرٍ إلهي، فتترافق الإرادة التشريعية الإلهية بالضرورة مع مشيئته الإبداعية بأن تكون الخصائص الأخلاقية ملتصقة بالأشياء. قد يعتقد هذا الأشعريُّ أيضًا بأنّ البشر لا يستطيعون الوصول إلى الواقع الأخلاقي إلا عبر الحقيقة الموحاة. الأمر الجوهري بالنسبة لمتّبعي مذهب الإرادة الإلهية في الأخلاق هو ليس إنكار الواقعية بل الفرضية الإبستمولوجية التي تُفيدُ أنّه لا يُمكن معرفة الحقائق الأخلاقية عبر أيّ وسيلةٍ أخرى غير الوحي.
يُمكن أيضًا تطوير نظريات الأمر الإلهي الخالية من الإرادة الأخلاقية بأساليب تتوافق مع شكلٍ شديد من الواقعية المتعلّقة بالقيم. ينبغي أن يُنظَر إلى مسألة إنكار الإرادة الإلهية الأخلاقية كفرضيةٍ إبستمولوجية وليس معرفية. يُتيحُ علمُ الأخلاق الدينيّ الذي يرفض الإرادة الإلهية في الأخلاق إمكانيةَ الوصول إلى معرفة بعض الحقائق الأخلاقية على الأقل بنحوٍ مستقلٍّ عن الوحي. يُمكن شرح كيفية معرفة هذه الحقائق الأخلاقية من خلال طرق عدّة، وأبرز طريقَيْن تمّ تطويرهما في العالَم الإسلامي كانا: أ) أسلوب المتكلّمين المعتزلة والشيعة الذين قدّموا نموذجًا واقعيًا للحدسيات الأخلاقية؛ وب) أسلوب الفلاسفة من زمن الفارابي وصولًا إلى الطوسي والملّا صدرا ومَن بعدهم مِن الذين دافعوا عن المقاربة المشّائية تجاه الأخلاق والحكمة العملية. مع أنّه يُمكن تصنيف المقاربة المشّائية على أنّها واقعيةٌ بنحوٍ طفيف، إلا أنّ لديها قواسم مشتركةً مع بعض نماذج البنّائية الأخلاقية أكثر من الواقعية الشديدة التي دافع عنها مور والمعاصرون من مؤيِّديه.
قدّم الأستاذ راينهارت بديلًا معقولًا لاقتراح حوراني بأنّ الواقعية الأخلاقية تبدو كردّة فعلٍ ضدّ الذاتية، ورأى أنّ السبب وراء الانتقال إلى مذهب الإرادة كان انحسار الحماس الدعوي الإسلامي. سعى الدعاة لاستحضار الحقائق الأخلاقية التي يعرفها غير المسلمين من أجل جذبهم إلى الدين الإسلامي، وقد اقتضى هذا الأمر الاعترافَ بالحقائق الأخلاقية التي يُمكن معرفتها بنحوٍ مستقلٍّ عن الوحي. حينما تدعّمت بُنى الحضارة الإسلامية ومؤسساتها وانحصر النشاطُ الدعوي في حدود دار الإسلام، أصبح الالتزام بالأحكام الأخلاقية الإسلامية اختبارًا للإيمان وليس وسيلةً لجذب الغرباء، ولم يُقدَّم سببٌ آخر للأوامر والنواهي غير أنّها تخضع للحكم الإلهي.
لمّا كان عبد الجبّار(935-1025م)، وابن سينا (حوالي980-1037م) عالِمَيْن مُعاصِرَيْن، عُدّت مؤلّفاتهم بأنّها تعكسُ العوامل الاجتماعية نفْسَها المؤيِّدة للإقرار بوجود الحقيقة الأخلاقية المستقلة عن الوحي. يحتاجُ تبيانُ سبب بقاء هذا الإقرار في التراث الشيعي للفلسفة اللاهوتية منذ زمن الخواجة نصير الدين الطوسي (1201-1274) فصاعدًا إلى تحليلٍ يربو عمّا بإمكاني تقديمه. لا داعي للقول بأنّ العوامل الاجتماعية التي ينبغي تناولها تشتملُ على أكثر من مجرد التحفيز على تقديم الإسلام والدفاع عنه أمام الغرباء. حينما نُوجِّه اهتمامنا نحو العوامل الاجتماعية التي قد تُشجّع على اتّباع الاتّجاهات اللاهوتية المتنوّعة، لا ينبغي أن نسقط في فخّ التبسيط حيث يُرى الاستدلال خارجًا عن الموضوع بشكلٍ تام. يصعبُ الدفاع عن مذاهب الواقعية الأخلاقية الشديدة؛ لأنّها تفترض وجودَ سماتٍ غير طبيعية وإمكانية الوصول إليها عبر حدسياتٍ مُلتبسة.
لقد قادت هذه المعضلات الفلسفية المتعلّقة بالواقعية الشديدة إلى أنْ يقوم كلٌّ من مور وعبد الجبّار بتعقيد نظرياتهما من خلال الاعتراف ببعض الأبعاد الارتباطية للسمات الأخلاقية، ولعلّ هذه التعقيدات بحدّ ذاتها هي التي جذبت علماء الشيعة من الطوسي فصاعدًا إلى اتّخاذ موقفٍ حول الفلسفة الأخلاقية يميل أكثر إلى المشّائية.
في العالم الإسلامي المعاصر، لا يوجد إجماعٌ حول الإرادة الإلهية أو الواقعية الأخلاقية. يبدو أنّ سياسات الهوية تُروّج لنوعٍ من الإرادة الإلهية بينما يُتوقَّع من الدفاع الفكري عن الإسلام في الميادين العالمية أن يجري على وفق المقاربات التي تتضمّنُ عناصر من العقلانية أو شكلٍ من الحدس الأخلاقي. لأسبابٍ تاريخية، ما زالت الإرادة الإلهيّة في الأخلاق مرفوضةً في علم الإلهيات لدى الشيعة بالرغم من أنّه -كما ذكرنا سابقًا- قد تُسهم العوامل المروّجة لهذه الإرادة في الحدّ من نطاق المعرفة الأخلاقية المستقلّة عن الوحي مع عدم الوصول إلى إنكارٍ تامٍ لها، وهذا يُفضي إلى شكوكيةٍ أخلاقية مُخفّفة. في إيران، كان التهديد الذي مثّلته الماركسية إحدى الدوافع العظمى للسماح بالتعليم العام للفلسفة في حوزات قم. بالرغم من أنّ بعض أشكال التحفُّظ الديني قد تؤيّد الشكوكية المخفَّفة التي تتعلّق بالاستدلال الأخلاقي وقد تحدّ من نطاق المعرفة الأخلاقية المستقلّة عن الوحي، إلا أنّ مسيحيين غربيّين قد قاموا بتقديم دفاعٍ دينيٍ لصالح الواقعية الأخلاقية في مقابل العناصر الذاتية التي تمّت مهاجمتها في ما يُسمّى بـ(الحروب الثقافية)، ولن يكون العثور على ميولٍ مُشابِهة في أوساط المسلمين الإيرانيين أمرًا مُفاجئًا. الواقعية الأخلاقية هي جذابةٌ بالنسبة لبعض الأشخاص لأنّهم يرون أنّها تُقدّم طريقةً للدفاع عن الادّعاءات الأخلاقية المطلقة في مقابل النسبية الثقافية.
من ناحيةٍ أخرى، تتّجه عملية عولمة الخطاب الأخلاقي نحو ترويج الآراء الأخلاقية التي تبدو مختلفةً عن تلك التي تُقدّسها الشريعة الإسلامية، وقد يُساعد هذا الأمر في تقوية ميول العلماء المسلمين نحو التشكيك بقدرة العقل الطبيعي على دعم الأخلاق الإسلامية. من المتوقَّع أنّ الاعتماد على الادّعاءات بوجود الحدسيات المباشرة للحقيقة الأخلاقية لن يُسهم إلّا في تصلُّب المواقف المتعارضة. في هذه المرحلة، تُقدِّمُ البنّائية المشّائية بديلًا معقولًا يُمكن أن نؤسّس عليه الأخلاق الدينية التي تتلاءم مع الإصرار الشيعي على العقل والعدل، والله أعلم.
---------------------------------
[1]*- المصدر: لغنهاوزن، محمد، المقالة بعنوان «Religious Ethics and Moral Realism» في مجلة Revelatory Ethics، التي تصدر في الجمهوريَّة الإسلاميّة الإيرانيَّة باللغة الإنجليزية، العدد 9، خریف وشتاء 1394، الصفحات 13 إلى 64.
تعریب: هبة ناصر.
**- أستاذ مُساعد في مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث.
[2]- Bertrand Russell
[3]- Bentham
[4]- Mill
[5]- Oscar Wilde
[6]- Walter Pater
[7]- Bloomsbury
[8]- Bernard Williams
[9]- Hilary Putnam
[10]- Prichard
[11]- Ross
[12]- Carritt
[13]- A.J. Ayer
[14]- Carnap
[15]- Willard Van Orman Quine
[16]- Wilfrid Sellars
[17]- Gertrude Anscombe
[18]- Peter Geach
[19]- Philippa Foot
[20]- Wittgenstein
[21]- Richard Boyd
[22]- David O. Brink
[23]- Simon Blackburn
[24]- Mark Timmons
[25]- Matthew Kramer