الباحث : إدارة التحرير
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 33
السنة : شتاء 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث : May / 16 / 2024
عدد زيارات البحث : 418
العلمويّة الغربية
إدارة التحرير
لا شكّ في أنّ العلم هو أحد أرقى أشكال التميّز بين الإنسان وبين غيره من المخلوقات، ولعلّه لا يكون من الإغراق في تحليل الفعل الإلهيّ أن نقول إنّ الله تعالى حين خلق الإنسان الأول، فعلّمه الأسماء كلّها وباهى به ملائكته، أراد أن يبيّن هذه الخصوصيّة في خليفته الأرضيّ وهي قابليّته للتعلّم واكتساب العلم والمعرفة. وبدأت رحلة الإنسان في مراكمة المعرفة مضافًا إلى العلم الذي تلقّاه بالتعليم الإلهيّ، ولا أدري، وليُحمَل هذا الكلام على الإنشاء والشعر وليس على بيان الاعتقاد، ولا أدري هل كان الإنسان في مبدأ رحلته المعرفية تجريبيًّا، حيث إنّ الآية تومئ إلى الربط بين الأكل من الشجرة وبين الخلد، فلعلّ أبانا آدمA أراد أن يجرِّب ليثبت صحة تلك الفرضية أو يكشف زيفها، فأكل وكانت النتيجة انكشاف بطلان تلك الفرضية، وفَتَحت له تلك التجربة سائر أبواب المعرفة، فأدرك أنّ التجربة ليست هي الوسيلة الوحيدة للمعرفة، فأصابه الندم على ما جرّب، وانفتحت له كوًى أخرى تطلّ على زوايا أخرى من حديقة المعرفة، وهي المعرفة غير التجريبية. واستمرّت رحلة الإنسان المعرفية بتؤدة عبر قرون طوال، أغلق فيها الإنسان بعض الأبواب وفتح بعضها الآخر. ففي فترةٍ من تاريخ الفكر الإنسانيّ، لم تكن التجربة من دأب العلماء وما كان ينبغي أن تكون كذلك، بل كان يُنظر إليها بشيء من الاحتقار ويُلام صاحبها؛ لأنّه كما يقولون مشغولٌ بإدراك الجزئيّات على حدّ تعبير أحد الفلاسفة. ومن هنا، يقرّر برتراند راسل بلحن فيه شيءٌ من السخرية الهادئة أنّ «أرسطو يؤكّد أنّ عدد أسنان المرأة أقلّ من عدد أسنان الرجل، ما يبيّن -رغم أنّه تزوّج مرّتين- أنّه لم يكلّف نفسه عناء النظر في فم أيٍّ من زوجتيه ليبرهن مقولته»[1]. وعلى أيٍّ ورثَ العلماء عبر التاريخ هذه الرؤية وغيرها من الرؤى. وظلّت العلوم كلّها تسير إلى فترة طويلة من الزمن مع أمّها الفلسفة تُماشِيها، إلى أن تفرّق الجمع بعد ذلك وانفصلت العلوم شيئًا فشيئًا عن الفلسفة، وصار لكلّ علم ميدانه وأدواته أو عدّته المنهجيّة الخاصّة به.
ثم ما لبث أن فتح العقل البشريّ فتوحات كبرى في مجال العلوم الطبيعية واستطاع هذا العقل حلّ الكثير ممّا كان يُصنّف في دائرة الألغاز التي تحتاج إلى حلٍّ. وقد أغرت هذه الفتوحات العقل الإنسانيّ فأراد أن يفتح بمفاتيح العلم كلّ أبواب المعرفة المغلقة. مذ ذاك اليوم لمعت في أذهان بعض العلماء عبارة «العلم الحديث» التي يقصد به الإلماح إلى النهضة العلمية التي استجدّت على العلم في هذه الفترة الزمنية التي نتحدّث عنها، وصار العلم هو العلم الحاصل من أدوات التجريب وما سوى ذلك ليس علمًا. ويبدو أنّ هذا المصطلح (nuova scienzia)، وُلِد على يد الرياضي الإيطاليّ نيقوللو تارتجليا (Niccolò Tartaglia) وذلك كعنوان لأطروحته في علم المدفعية[2].
ولم يقتصر الأمر على ميدان العلوم؛ بل سرى هذا التطلّع إلى ميدان السياسة وأهلها، حيث تحوّل العلم إلى جزء من البرنامج السياسيّ لبعض السياسيّين من أمثال جواهر لال نهرو الذي يُنقل عنه قوله: «العلم وحده هو الذي يستطيع حلّ جميع المشكلات من الجوع والفقر، والجهل والأميّة، والخرافات والتقاليد البالية، والمصادر الغزيرة التي تذهب إلى النفايات، ومشكلة البلد الغنيّ الذي يسكنه شعبٌ جائعٌ... من الذي يستطيع تجاهل العلم في هذا العصر؟ إنّنا نحتاج إليه في كلّ دورة من دورات تاريخنا... إنّ المستقبل هو للعلوم ولأولئك الذين ينشئون علاقة صداقة بينهم وبين العلوم»[3]. ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ الانبهار بالعلم ونتائجه أفضى إلى مواقف تُعلي من شأنه وتجعل منه النافذة الوحيدة أو على الأقل النافذة الأهمّ للنظر إلى العالم بكلّ ما فيه من ظواهر ومظاهر. وهذا ما بات يُعرف بـ«العلمويّة» (scientism).
في المصطلح وبداياته
لا يخفى أنّ هذا المصطلح منحوتٌ وليس أصيلًا في اللغات التي تستخدمه بصيغة إضافة اللاحقة (ism) إلى كلمة (science) التي تدلّ على العلم. وإذا كان لا بدّ من البدء من التعريف اللغويّ فإنّه يمكن الاستناد إلى معجم وبستر الذي يحدّد لهذه الكلمة المنحوتة معنيين هما:
المناهج والتوجّهات النموذجية المرتبطة بالعالم المتخصّص في العلوم الطبيعيّة.
الثقة المتضخّمة بفعالية منهجيّات العلم الطبيعيّ في جميع المجالات البحثيّة كالفلسفة وعلم الاجتماع والإنسانيّات.
ويضيف مدوّنو هذا المعجم أنّ أوّل استعمال موثّق لهذه الكلمة في المعنى الأوّل كان 1870 [4]. هذا بالنسبة إلى التعريف اللغويّ. ويبدو من تتبّع التعريفات الاصطلاحية أنّ المعنى الأوّل يكاد يكون مهجورًا لمصلحة المعنى الثاني وما يقاربه.
التعريف العلمي للمصطلح
تدور التعريفات الاصطلاحية على تنوّعها واختلاف توجّهات أصحابها في فلك التعريف اللغويّ الثانيّ سواء عند المؤيّدين للعلمويّة أو الرافضين لها، على الرغم من اختلاف التوجّهات والتقويمات عند من تصدّى لتعريف العلموية. والانقسام الأهمّ بين المتصدّين للتعريف الاصطلاحي هو الانقسام بين من يستخدم هذا المصطلح بنبرة تتضمّن الإدانة والرفض، كما نلاحظها عند مسيمو بليوتشي (Massimo Pigliucci) كوصمة عار أو إهانة[5]، وبين من يستخدم هذا المصطلح بطريقة تشي بالرضى والتأييد؛ بل كوسام شرف (badge of honor) يُعلّق على الصدور أو الأكتاف كما عند أوستين ل. هيوز (Austin L. Hughes)[6]. وهذه نماذج من التعريفات نعرضها تباعًا:
1- «العلمويّة هي موقفٌ فلسفيٌّ يعلي من شأن المنجهيّات المعتمدة في العلوم الطبيعيّة ويجعل منها أرقى أساليب البحث عن المعرفة عند الإنسان. وتعتنق العلموية التجربة والعقل وحدهما لتفسير الظواهر، سواء أكانت ماديّة أو اجتماعيّة أز ثقافية أو نفسية»[7]. ولعلّ مراد أصحاب هذا التعريف من مصطلح العقل هو العقل التجريبيّ، لا العقل بالمعنى الفلسفيّ.
2- ومن التعريفات الموسوعية لهذا المصطلح تعريف موسوعة العلم والتكنولوجيا والأخلاق: «العلمويّة هي الثقة المبالغ بها بفعالية المناهج العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعيّة، بهدف تطبيقها في حقول المعرفة الأخرى مثل: الفلسفة، والعلوم الاجتماعية، والإنسانيّات»[8].
3- وثمة تعريف موسوعيّ ثالثٌ هو تعريف العلموية: «يُستخدم مصطلح العلموية في معانٍ عدّة في الأدبيات المتخصصة؛ حيث يُستخدم غالبًا بطريقة ساخرة تحقيرية للإشارة إلى الاستخدام الخاطئ للعلم أو المدّعيات العلمية. وكثيرًا ما تُلصَق تهمة العلموية في مجال النقض لتبيين الاستخدام الخاطئ للعلوم ومناهجها، كما في الحالات التي يُقدَّر أنّ الموضوع يقع خارج دائرة المعرفة العلمية»[9]. ويكمل محرّرو هذه الموسوعة فيقولون: «وعلى النقيض من هذا الفهم، فقد كان هذا المصطلح في بدايات القرن العشرين يُستخدم كمرادف للمدرسة الوضعية المنطقية. كما إنّ هذا المصطلح يُستخدم أحيانًا بطريقة محايدة نسبيًّا للتعبير عن سلطة العلم على سائر التفسيرات للحياة، من الفلسفة إلى الدين، والأساطير والروحانية، أو التفسيرات الإنسانويّة. كما تتضمّن العلموية النظرة إلى العلوم الطبيعيّة على أنّها صاحبة اليد العليا على سائر حقول البحث كما في العلوم الاجتماعيّة مثلًا. وتُستخدم في بعض الأحيان مصطلحات تشير إلى هذا المعنى بشكلٍ أو بآخر مثل: «الإمبريالية العلمية» (scientific imperialism)، و«الأصولية العلمية» (scientific fundamentalism)»[10]. ولا تخفى السخرية في لحن الخطاب في هذين المصطلحين الأخيرين. وعلى أيّ حال وعلى الرغم من بعض الاختلاف في تحديد المصطلح وهذا أمرٌ نلاحظه في جميع المصطلحات الفكريّة والفلسفيّة، فإنّه يمكن العثور على نقاط اتّفاق أبرزها جعل العلم بمعناه التجريبيّ إطارًا منهجيًّا لجميع حقول المعرفة البشريّة، وأهمّ نقاط الاختلاف هي تقويم هذه التولية للعلم بين داعيةٍ ومرحّب، وبين مستنكر ورافض.
حقيقة العلموية وأهمّ مدّعياتها ودعاتها
يحسن التمييز بين مصطلح العلمويّة، وبين ولادة هذه النزعة في الفكر الغربي. وذلك أنّ المصطلح وُلد كما نقلنا أعلاه في 1870 ثمّ راج وتحوّل إلى شعارٍ عند بعضٍ وأداة اتّهامٍ عند بعضٍ آخر؛ ولعلّه لا ضرورة تقتضي الحديث عن أوّل من بعث هذا المصطلح وأسهم في رواجه وانتشاره؛ ولكن لا بأس من الإشارة إلى الاختلاف في هذا الأمر بين من توقّفوا عند هذه المحطة الاصطلاحية. حيث تُنسب هذه «الفضيلة» إلى الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل الألماني - الأمريكي فردريك هايك (Friedrich August von Hayek) (1899-1992) الذي يعترف بأنّ المصطلح على الرغم من عدم غرابته عن اللغة الإنكليزية إلا أنّه بمعناه الذي نقصده في هذا النقاش مقترضٌ من اللغة الفرنسية[11]. وفي المقابل ثمّة من ينسب هذا الترويج للمصطلح إلى عالم الأجنّة فيلكس لو دانتِك (Félix-Alexandre Le Dantec) (1869-1917)[12]. وبالنظر إلى الإشارة الواردة في كلام هايك يبدو أنّ الاحتمال الثاني هو الأرجح لاعترافه باقتراض هذا المصطلح من النقاشات الفكرية الفرنسية.
ومهما يكن من أمر المصطلح، فإنّ هذه النزعة أو المدرسة الفكرية وُلِدت في الغرب مع بدايات النصف الثاني من القرن السادس عشر[13] يوم بدأ بعض المفكِّرين يظهرون انسحارهم بـ«العلم الحديث». وانتهى ذلك إلى الحطّ من قدر الفلسفة وكل ما سوى العلوم الطبيعية التي يمكن إخضاعها للتجربة ووصل الأمر إلى ما يشبه تحريم السؤال الفلسفيّ عند عددٍ من المفكّرين وبعض المدارس الفكريّة الفلسفية. حيث وصل الأمر بماركس كمثال إلى تعريف «الإنسان الاشتراكي» بأنّه الإنسان الذي لا يطرح الأسئلة الميتافيزيقية[14].
وقد قسّم الباحثون في العلمويّة، خاصّةً نقّادها، هذه النزعة بتقسيمات عدّة سوف أختار منها تقسيمين. والهدف المتوخّى هو توضيح صورة هذه النزعة ليسهل التعامل معها والحكم لها أو عليها.
النموذج الأوّل:
تقسيم العلمويّة إلى الآتية إلى الاتّجاهات الآتية[15]:
1- العلموية في الفضاء الأكاديمي (academic-internal scientism): ويُقصد بها تطبيق أطروحة العلموية ومدّعياتها في الفضاء الأكاديميّ وضمن دائرة العلاقة بين العلوم سواء أكان ذلك على نحو اختزال بعض العلوم وإقصائها لمصلحة العلوم الطبيعيّة، أو تحكيم منهجيّات العلوم الطبيعيّة في سائر العلوم، وخاصّة العلوم الإنسانيّة. وينتج عن هذا الفرعان الآتيان:
أ- العِلموية الاختزالية (reduction): ويميل أصحاب هذه الاتّجاه العلمويّ إلى اختزال العلوم التي لم تكن تُصنّف في دائرة العلوم الطبيعيّة، وإدخالها قسرًا في دائرة هذه العلوم. وممّن يعبّر عن هذا التوجّه إدوارد و. ويلسون (Edward O. Wilson) (1929) حيث يقول: «لا أكون مجازفًا إذا قلت: إنّ علم الاجتماع وغيره من العلوم الاجتماعية، كما سائر الإنسانيّات، سوف تكون الفروع الأخيرة من البيولوجيا التي يجب أن تنضمّ إلى «الطباق الحديث»[16]. ولا تقف هذه الاختزالية عند حدِّ إدراج سائر فروع المعرفة في دائرة العلوم الطبيعية؛ بل تنال هذه الاختزالية من بعض العلوم الطبيعية فتدخلها تحت عباءة علمٍ رديفٍ آخر، كاختزال البيولوجيا في الكيمياء والكيمياء في الفيزياء. وممّن عبّر عن هذه الرغبة البيولوجي فرانسيس كريك المشارك في اكتشاف الجينات الوراثية (DNA)[17].
ب- العلموية المنهجية (Methodological Scientism): وينزع أصحاب هذا الاتّجاه إلى توسعة صلاحية مناهج العلوم الطبيعية للعمل خارج دائرة تخصّصها ومدّ أذرعتها إلى ساحة العلوم غير الطبيعيّة. وممّن عبّر عن هذا النزوع في العلموية فيليب س. كورسكي (Philip S. Gorski) (1963) الذي يعرِّف العلموية بأنّها: «محاولة تطبيق منهجيّات العلوم الطبيعية في دراسة المجتمع»[18]. كما ورد هذا المعنى عند توم سوريل (Tom Sorell) (1951) حيث يكتب: «ما هو ثقيل على العلموية ليس هو تقسيم المعارف إلى علمية وغير علميّة، بل هو كون العلميِّ أمرًا قيمًا، وتجريد سائر المعارف من القيمة». والحلّ الذي تميل العلموية إلى اعتماده هو إخضاع سائر الميادين المعرفيّة لمنهجيّات العلم الطبيعيّ لتحظى بقيمتها التي تستحقّ[19].
2- العلموية في الفضاء الاجتماعي/ خارج الفضاء الأكاديمي (academic-external scientism): والسمة العامّة لهذه العلموية هي التوسّعية. وأصحاب هذه الرؤية يعتقدون بتوسعة حدود العلم لتشمل الكثير من الأمور الاجتماعية التي كانت حتّى حينٍ تُصنف خارج دائرة العلم الطبيعيّ. وإذا استعصى شيء مّا على الخضوع يُنكر معناه أو يُحكم عليه بالاستحالة. والسمة المشتركة بين أصحاب هذا الاتّجاه هي الاتّفاق على فتح حدود العلم ورفع العوائق من دربه ليتسنّى له القول والحكم في ميادين الحياة الإنسانيّة كما في الفنّ والأخلاق[20].
أ- العلموية المعرفية (Epistemic Scientism): وحاصل هذه الرؤية هي الاعتقاد بأنّ المعرفة المعتبرة الوحيدة والتي يمكن الوثوق بها أو الاعتماد عليها هي المعرفة العلمية، وكلّ معرفة يجب أن تكون علميّةً (العلم الطبيعي) أو على الأقل يمكن اختزالها وترجمتها إلى لغة هذا العلم. ويبدو كارناب (Rudolf Carnap) (1891-1970) واحدًا ممّن يعبِّرون عن هذه الرؤية حين يقول: «ليس للعلم بوصفه نسق المعرفة المفهومية أي حدود، لكن هذا لا يعني أن لا شيء يوجد خارجه وأنّه شاملٌ للكلّ. لا يزال للمدى الكليّ للحياة العديد من أبعاده الأخرى خارج العلم؛ لكن العلم لا يلاقي أي عائق ضمن إطاره... عندما نقول إنّ المعرفة العلمية غير محدودة فإننا نعني: لا يوجد سؤال يكون الجواب عنه في العلم من حيث المبدأ مستحيلًا؛ في ما يتعلّق بالتعبير «من حيث المبدأ» إذا كان يستحيل عمليًّا الإجابة عن سؤال حول حدثٍ معيّن؛ لأنّ الحدث قد نُقِل بعيدًا في المكان أو الزمان، لكن إذا أمكن حقًّا الجواب عن سؤال من النوع نفسه حول حدثٍ حاضرٍ وفي المتناول، فإنّنا نعتبر السؤال غير قابلٍ للجواب عمليًّا؛ لكنّه قابل للجواب من حيث المبدأ...»[21]. ولست في حاجة إلى التذكير بالفكرة المعروفة التي تبنّتها المدرسة الوضعية المنطقية وكارناب أحد أركانها الأساسيين، والتي تميّز بين قضايا ذات معنى وأخرى لا معنى لها، والأولى هي التي يمكن إثباتها والبرهنة عليها بالطريقة العلمية، والثانية هي القضايا التي لا يمكن البرهنة عليها بهذه المنهجية.
ب- العلموية العقلانية (Rationalistic Scientism): لتوضيح هذا الاتجاه في العلموية ينبغي التمييز بين الصحيح وبين العقلاني أو المبرّر عقلانيًّا، فثمة أمور قد لا تكون صحيحةً؛ ولكنّ الاعتقاد بها عقلانيٌّ ومنطقيٌّ بالنظر إلى وجود مبرّرات تسمح بالاعتقاد بها، مثلا الاعتقاد بكون الأرض مسطّحةً قبل ألفين أو ثلاثة آلاف سنة أمرٌ عقلانيٌّ، على الرغم من عدم صحّته وعدم مطابقته للواقع. إذا اتّضح هذا فإنّ بعض العلمويّين يحصرون العقلانيّة بما يمكن إثباته علميًّا وفق منهجيّات العلوم الطبيعيّة. ويمكن الإشارة إلى برتراند راسل كواحدٍ من الذين عبّروا عن تصوّرهم هذا في نظرتهم إلى ما يجوز الاعتقاده وما لا يجوز: «لا يجد الإله والخلود، وهما المعتقدان المركزيّان للديانة المسيحية أيّ دعمٍ من قبل العلم... وأنا لا أزعم أنني قادرٌ على إثبات أنّه لا يوجد إله. كذلك لا يمكنني أن أثبت أنّ الشيطان هو مجرّد تخيّل. فقد يكون الإله المسيحيّ موجودًا... إنّها [فرضية وجود إله أو آلهة القدماء]، لكن ما من افتراض من هذه الافتراضات محتملٌ أكثر من أي افتراض آخر. إنّها تقع خارج نطاق حتى المعرفة المعقولة، لهذا ما من داعٍ لأن نضع أيًّا منها موضع الاعتبار»[22].
ج- العلموية الأنطولوجية (Ontological Scientism): وقد حلّقت إحدى نسخ العلموية عاليًا إلى أن أنكر دعاتها وجود الأشياء التي لا يمكن تلمّسها بأدوات العلم ومنهجيّاته؛ وبالتالي لا وجود لشيءٍ أو واقعٍ لم يثبت وجوده بالعلم. ومن دعاة هذا المستوى من العلموية يمكن الإشارة إلى كارل ساغان، حيث يقول: «أنا مجموعة من الماء والكالسيوم والجزئيّات العضوية تُدعى كارل ساغان. وأنت مجموعة من جزئيّات مماثلة تقريبًا تحمل يافطة مختلفة. ولكن هل هذا كلّ شيء؟ وهل لا يوجد أيّ شيء آخر هنا سوى الجزئيّات؟ يجد بعض أنّ هذه الفكرة تحطّ بشكلٍ ما من قدر الإنسان. أما أنا فأشعر بالرفعة كأنّ الكون يسهم بتطوير مكائن جزيئيّة بالتعقيد والذكاء الذي نتّسم به. ولكن جوهر الحياة ليس هو بالأحرى الذرّات والجزيئات البسيطة التي نصنع نحن منها؛ بل الطريقة التي تؤلّف بينها. ونحن نقرأ بين الآونة والأخرى عن أنّ المواد الكيميائية التي يكون منها جسم الإنسان تكلّف 97 سنتًا أو عشرة دولارات... إنه لأمر يدعو إلى الاكتئاب أن تكون أجسامنا بخسة الثمن إلى هذا الحدّ. ومهما يكن من أمرٍ فإنّ هذه التقديرات للكائنات البشرية قد خفضت إلى أبسط المكوّنات الممكنة»[23]. والعبارة التي تبيّن الرؤية الأنطولوجية في علموية ساغان هي قوله: «الكون هو كل ما هو موجود وما وجد وما سيوجد»[24].
د- العلموية القيمية (Axiological Scientism): وهذه النسخة من العلموية يقرّرها توم سوريل في عبارة صريحة أشرنا إليها أعلاه. ويوافقه على ذلك جيرارد رادنيتزكي (Gerard Radnitzky) التشيكي الألماني (1921-2006)، وحاصل هذه الرؤية أنّ المعرفة العلمية هي أرقى المعارف البشريّة قيمةً. ولا تقف العلموية القيمية عند هذا الحدّ بل تتعدّاه إلى حدود دعوى أنّ العلم، بمعناه المستخدم في هذه المقالة، يمكنه أن يحدّد لنا تكاليفنا الأخلاقية وقيمنا، وأن يؤدّي دور الأدوات التي كنّا نعتمدها سابقًا في بناء منظوماتنا القيمية وواجباتنا الأخلاقيّة. ومن أكثر نماذج هذه الرؤية صراحةً سام هاريس (sam harris) (1967) في كتابه الشهير «المشهد الأخلاقي: كيف يستطيع العلم تحديد القيم الإنسانية».
هـ- العلموية الخلاصية (Redemptive Scientism): وحاصل هذه الرؤية أنّ العلم هو الجهة الوحيدة التي يمكن الركون إليها لحلّ جميع مشكلات الإنسان، وللإجابة عن جميع الأسئلة الكبرى التي تواجه الإنسان في حياته من قبيل سؤال من أين أتينا؟ ولماذا؟ ولأي شيء نحن هنا؟ وغير ذلك من الأسئلة الكبرى التي أقلقت البشرية طويلًا وما زالت. ومن أشهر من عبّر عن هذه الرؤية بهذه الطريقة ستيفن هوكينغ. وثمّة من يستخدم مصطلح الخلاص المسيحيّ بحمولته المعنائيّة كلّها للتعبير عن هذه الرؤية[25]، وبالتالي يجعل من العلم دينًا ينافس المسيحية أو غيرها من الأديان التي تحمل رؤيةً خلاصيّةً للإنسان.
و- العلموية الشاملة (Comprehensive Scientism): ويعبّر عن هذه الرؤية صاحب هذه الخريطة المفهومية للعلمويّة بأنّها الاعتقاد بقدرة العلم وحده على حلّ جميع مشاكلنا الحقيقية ودون الاستعانة بأيٍّ من أدوات المعرفة الأخرى. وتنبني هذه الرؤية على التمييز بين نوعين من المشكلات أحدهما مشكلات غير حقيقية، والآخر مشكلات حقيقية تحتاج إلى حلٍّ وهذا النوع من المشكلات يمكن للعلم مساعدتنا على حلّه. وممن يعبّر عن العلموية بهذه الطريقة اللاهوتي آرثر بيكوك (Arthur Peacock)[26].
النموذج الثاني:
يُلاحظ ريك بيلز (Rik Peels) صاحب هذا النموذج سلفَه المشار إليه أعلاه، ويحاول تجنّب بعض الهفوات التي وقع فيها، ويقسّم العلموية إلى الأقسام الآتية[27]:
1- العلموية في الفضاء الأكاديمي/ الأكاديمية: وقد مرّ هذا المصطلح آنفًا. ويتفرّع من هذا القسم فرعان هما:
أ- العلموية المنهجية
ب- العلموية الإقصائية
وقد مرّ الحديث عن هذين الفرعين في النموذج الأوّل فلا نعيد. مع ملاحظة أنّ الفرع الأوّل يشترط في الاعتراف بعلمية علوم كعلم النفس أو الفلسفة الاعتماد على منهجيّات العلوم الطبيعيّة. وإلا فإنّها تخسر إمكانية صدق مفهوم العلم عليها. أمّا الفرع الثاني فإنّ الفرضية الأوّلية فيه هي أنّ بعض العلوم من الأساس ليس علمًا ولا يمكن الاعتراف بعلميتها؛ لقصورها وعدم توفّرها على خصائص العلم في المسائل والمنهجيّات. والإضافة المحقّة عند صاحب هذا النموذج في هذا القسم وفرعيه أنّ هذه الإقصائية أو القسر المنهجيّ تارةً يكون شاملًا لجميع العلوم غير الطبيعية وطورًا يقتصر فيه على بعض العلوم دون ما سواها وهذا ما يسمّيه على الترتيب العلموية الجزئية (partial academic scientism) والعلمويّة الكلّية (full academic scientism). ومن ذلك مثلًا التمييز في الإقصاء بين الميتافيزيقا وغيرها من فروع المعرفة بحيث تُحرم هذه ويمنّ على غيرها بالإبقاء في حظيرة العلم.
2- العلموية الشاملة (universal scientism): يرجّح ريك بيلز هذه التسمية على تسمية العلموية خارج الفضاء الأكاديمي (academic-external scientism)؛ لأنّه يراها تسمية مضلِّلة حيث إنها توحي بأنّها تقع فقط خارج فضاء الجامعات والبيئة الأكاديمية. وعلى أيّ حال يعرِّف هذا القسم بأنّه النزوع العلمويّ الذي لا يقصر إقصائيّته على علمٍ من العلوم في الفضاء الأكاديميّ بل يمارس في مدًى أرحب يشمل دائرة الجامعات وغيرها. وأوّل التفريعات التي تنجم عن هذه العلموية هي:
أ- العلموية الشاملة المعرفية (Epistemological): وأهمّ مدّعياتها هي الآتية:
كلّ المعارف الحقيقية لها مصدر وحيد هو العلوم الطبيعيّة
العلوم الطبيعية تؤمّن المعبر الموثوق به الوحيد إلى المعرفة
كل الأسئلة يمكن الإجابة عنها مبدئيًّا بواسطة العلوم الطبيعيّة
كل ما يمكن معرفته يمكن معرفته عن طريق العلوم الطبيعيّة
وهنا أيضًا يشير إلى التنويع المتقدم بين علموية معرفية كلية وجزئيّة.
ب- العلموية الشاملة الأنطولوجية (Ontological): وروح هذا الفرع لا تختلف عمّا تقدّم في النموذج السابق سوى في التمييز بين الكليّة والجزئية.
ج- العلموية الشاملة الأخلاقية: ويرى صاحبنا أنّ هذا الفرع يمكن التعبير عنه بثلاث طرائق على الأقل هي:
- العلوم الطبيعية يمكنها أن تهدينا إلى حياة أخلاقيّة طيبة.
- ينبغي استبدال الحسّ المشترك (Common-sense) الأخلاقي بالأخلاق العلميّة.
- مشكلاتنا الأخلاقية الفردية والاجتماعية يمكن أن تحلّ بواسطة العلوم الطبيعية.
وثمة تنويع آخر في هذه الدائرة يعبر عنه بطريقة أكثر خطورة هي:
- العلوم سوف تكشف لنا عن أنّ الأخلاق ما هي إلا وهمٌ.
- العلوم ترينا أنّ الحسن والقبيح (أخلاقيًّا) ما هما إلا تعاقدات اجتماعية.
- العلوم تكشف لنا عن أنّ الحدس الأخلاقيّ والمعتقدات، ما هي إلّا خصائص ناجمة عن التطوّر البشري بمعناه الدارويني.
وهذا الفرع من العلموية يمكن أن يكون كليًّا وجزئيًّا، والاعتقاد بأنّه لا يكون إلا جزئيًّا لاختصاصه بميدان الأخلاق هو اعتقاد غير صحيح.
د- العلموية الشاملة الوجودية (Existential Scientism): ويُقصد من هذا الفرع تلك الدعوة إلى استبدال المصادر المعرفية والمدارس التي تحاول تقديم الأجوبة عن الأسئلة الوجودية التي يطرحها الإنسان. ومن هذه المصادر الدين، والأساطير، ومن المدارس الماركسية والفاشية وغيرها. ويمكن اختصار مدّعيات هذا الفرع من العلموية بالآتي:
- ينبغي أن يكون العلم بديلًا عن الأديان التقليدية والأيديولوجيات العلمانية.
- يمكن للإنسان أن ينال خلاصه بواسطة العلوم ومنهجيّاتها فحسب.
والملاحظة الجديرة بالاهتمام التي يطرحها بيلز على سلفه أنّ ما يسميه العلموية العقلانية لا مبرّر له وذلك أنّ النتيجة الطبيعية التي تترتّب على العلمويّة المعرفية هي أنّ الاعتقاد ببعض المعتقدات التي لا تستند إلى المعرفة العلمية التجريبية لن تكون عقلانيةً أبدًا[28].
إشارة لا بدّ منها:
وقبل ختام البحث في تقسيمات العلموية الغربية تجدر الإشارة إلى أمرين أحدهما أنّه لا شيء يستدعي أن يكون لكلّ نوعٍ أو قسم من هذه الأقسام من يتبنّاه دون غيره، فقد يجمع شخص واحدٌ بين نسختين من العلموية في وقتٍ واحدٍ، وبالتالي هذه التقسيمات هي تقسيمات للعلموية وليس تقسيمات للعلمويّين. والأمر الثاني هو أنّ العلموية قد بلغت بالفعل هذه المستويات من التطرّف. ويمكن ملاحظة مصداق هاتين الإشارتين في العبارة الآتية، التي وردت على لسان أحد دعاة العلموية وهو ويليام بروفن (William Provine)، حيث يقول: «تفيد العلوم الحديثة أنّ العالم منظّم بطريقة صارمة وفق مبادئ الميكانيك. ليس ثمة مبادئ هادفة من أيّ نوع كان في الطبيعة. ليس ثمّة آلهة ولا قوى منظّمة يمكن اكتشافها بطريقة عقلانية... يدلّ العلمَ الحديث على أنّه لا وجود لمبادئ أخلاقية موروثة أو قوانين من هذا النوع، ولا توجد مبادئ هادية مطلقة في الاجتماع الإنسانيّ... والكائنات البشرية هي آلات على درجة مدهشة من التعقيد... عندما نموت، نموت وينتهي بنا الأمر... وإنّ حرية الإرادة كما كانت تُفهم تقليديًّا أي بمعنى الاختيار بين أمرين على درجة واحدة من إمكان التحقّق لم توجد أبدًا... ليس ثمّة معنى مطلق للإنسان...»([29]).
نظرة إلى التراث الإسلامي:
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه إثر الحديث عن العلموية الغربية وتقسيماتها هو: هل مارس علماؤنا ونخبنا شكلًا من أشكال العلمويّة في نتاجهم العلمي؟ الأمر يستحقّ البحث والمتابعة في اعتقادي. وليس ذلك من باب الرغبة في إثبات حيازة قصب السبق لنا على الغرب، بل من باب الاعتقاد بأنّ العقل البشريّ يعمل بطرق متشابهة على الرغم من الاختلاف في الجغرافيا الثقافية. ويبدو من الصعب الحديث عن علمويّة بالمعنى الذي نتحدّث عنه في الغرب الراهن وذلك أنّ العلم بهذا المعنى لم يكن بعد قد شبّ وتطوّر حتى يستطيع فرض نفسه على سائر الحقول العلمية. ولكن في عجالة يخطر في بالي الإشارة إلى نسخٍ مختلفةٍ من التغليب لعلمٍ على علمٍ مورست في التراث الإسلاميّ، كما غُلِّبت العلوم الحديثة على سائر فروع المعرفة الإنسانية. وهذه الظاهرة ينبغي بنا ترصّد آثارها ونتائجها على فكرنا وما أنتجناه من معرفة.
وأهمّ الأشكال هي:
أ. تغليب النحو على سائر العلوم: لعلّه ليس من المبالغة القول إنّ أوّل أشكال ما نحن فيه هو تغليب النحو على الفقه وتحويل الفقه إلى علم لغويٍّ، ويظهر هذا في عدد النقاشات اللغوية في الفقه وأصوله وحجم هذه المباحث. ومن هنا اشتهر عن أحد الفقهاء قوله: «أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه».[30] ومن هنا، يبدو التشابه بين تمييز النحاة وغيرهم من علماء اللغة بين السماعيّ والقياسيّ، وتمييز الفقهاء بين الأحكام التوقيفية والأحكام التي يمكن استنباطها بالقياس أمرًا مفهومًا. فقد يكون انفتاح باب القياس عند النحاة وعلماء اللغة أوحى إلى بعض الفقهاء اعتماد القياس في الفقه، وأعترف بأنّ هذا الأمر يستحقّ المتابعة والبحث عن الجذور.
ب. الفلسفة والكلام في الفقه وأصوله: كما حضر النحو وترك بصمته على البحث الفقهيّ كذلك حضر علمان آخران كان لهما نصيب من التأثير في النقاشات الفقهيّة، وأحد هذين العلمين هو علم الكلام، والثاني هو الفلسفة. وقد دخل هذان العلمان إلى دائرة البحث الفقهيّ بأشكال عدّة. وممّن التفت إلى هذا الأمر عبد الوهّاب خلّاف حين يميّز بين أسلوبين في التدوين الأصوليّ أحدهما طريقة المتكلّمين والآخر طريقة الأحناف، فالفئة الأولى من الأصوليّين عمدوا إلى تقرير الأصول والقواعد على طريقة المتكلّمين بغضّ النظر عن النتائج التي انتهى إليها أئمّة المذهب، بينما الأحناف نظروا في فتاوى الأئمة السابقين وحاولوا استنباط القواعد منها وبما ينسجم معها.[31] ولا يخفى أنّ العلم الذي يُدوّنه على طريقة علمٍ آخر وعلى يد علماء كلام، سوف يكون متأثّرًا بذلك العلم قهرًا. ولعلّنا نجد في علم الأصول الإماميّ مثل هذا النمط حيث اشتغل عددٌ من الفلاسفة أو المتأثّرين بها بالتدوين الأصوليّ وكانت الفلسفة حاضرة وتركت صبغتها على العلم الذي دوّنوه. وسواء صحّت ملاحظ خلّاف أو لم تصحّ، فإنّ ما أقصده من تأثّر الفقه وأصول بالفلسفة أو الكلام هو أنّ الأحكام الفلسفية أو الكلاميّة تحوّلت إلى أدوات للاستنباط في علم الفقه، وذلك في مجالات لا ينبغي أن تُبنى على مثل هذه الأحكام، ومن هنا التفت عددٌ من الأصوليّين إلى هذا الخلل المنهجيّ ورفضوا تجاوز الفلسفة لحدودها، وأنكروا بناء الأحكام الفقهيّة على مبادئ فلسفيّة بالنظر إلى تغاير الساحتين: ساحة الواقع والوجود الواقعيّ، وساحة الاعتبار والتشريع، ومن هنا نلاحظ أنّ عددًا من الأصوليّين والفقهاء، ينكرون قياس الأمور الاعتباريّة على الأمور الحقيقية، وهذا نموذجٌ من هذا الاعتراض: «والحقّ أن يُقال إنّ البرهان قام على استحالة توقّف الموجود على المعدوم في الأمور الحقيقية. وأمّا الأمور الاعتباريّة كما هو محلّ الكلام فلا؛ لما عرفت مرارًا أنّ صحّتها إنما يتوقّف على ترتّب الآثار فلا موجب لهذه التعسّفات، إلا الخلط بين الحقائق والاعتباريّات...»[32] ونجد مثل هذا النقاش في كثيرٍ من الاستدلالات المبنيّة على قواعد فلسفيّة كقاعدة استحالة إعادة المعدوم وغيرها من القواعد التي تتكرّر كثيرًا في علمي الفقه والأصول.
ت. الانتصار لأحد العلوم وترجيحه على غيره: وهذا صراعٌ طويلٌ خاضته النخب الإسلاميّة واختلفوا في ترجيح علمٍ على آخر. وهي مساحةٌ يبدو لي أنّها لم تحظَ بما تستحقّ من اهتمامٍ بحثيٍّ؛ لاكتشاف المؤثِّرات الخارجية والداخلية التي أدّت إلى الانتصار لأحد العلوم على غيره من مساحات المعرفة في التراث الإسلاميّ. ويكفي لإعطاء صورة أوّلية عن هذا الأمر الصراع بين الفقهاء والفلسفة في فتراتٍ عدّة من تاريخ الفكر الإسلاميّ حيث دوِّنت كتبٌ من قبيل: «تهافت الفلاسفة» للغزالي، «صون المنطق والكلام عن فنّي المنطق والكلام» للسيوطي، «مصارع الفلاسفة» للشهرستاني، «نصيحة أهل الإيمان في الردّ على منطق يونان» لابن تيمية، «مفتاح دار السعادة» لابن القيم...
ث. الجربزة: ويُعرِّفها العلماء أحيانًا عرَضًا، وذلك حين يتحدّثون عن ملكة الحكمة، فيقولون إنّ الحكمة هي الحدّ الوسط المعتدل بين طرفي الإفراط والتفريط وهما الجربزة والبلادة[33]. وطورًا يعدّونها من شروط الاجتهاد في الفقيه: «أن لا يكون له حدة ذهن زائدة، بحيث لا يقف ولا يجزم بشيء مثل أصحاب الجربزة» [34]، وهذا ما يمكن تسميته بالوسواس العلميّ الذي يمنع من الجزم وأخذ موقفٍ علميٍّ وفق القواعد المقرّرة في كلّ علم. والربط بين هذه الإشارة وبين بحثنا هي الموقف السلبيّ من الوسواس العلميّ الذي يؤدّي إلى عكس المطلوب، فالمطلوب من العلم هو الوصول إلى موقفٍ وكثرة التدقيق التي تخرج عن الحدّ المتعارف تمنع المدقِّق من اتّخاذ موقفٍ في العلم الذي يبحث فيه.
ج. العلمويّة الواضحة: وإذا كنّا نشير إلى ما ورد أعلاه بخفرٍ، فإنّ ثمة شكلًا من أشكال العلموية الصريحة مارسه عدد من علماء المسلمين في التاريخ الإسلامي المعاصر بعد أن أناخت عليهم النهضة العلمية الحديثة بكلكلها، وهو ما صار يُعرف لاحقًا بالتفسير العلميّ للقرآن. ولهذا النوع من التفسير روّاده الذين يتنوّعون بين متطرّف ومعتدل. والأمثلة والنماذج كثيرةٌ. والملفت أنّ هذا اللون من التفسير بدأ مع الغزالي في كتابه المعروف «جواهر القرآن»، وانتهى إلى تخوم أغرقت في التطرّف مثل تفسير الطنطاوي الجوهري (1870-1940) في تفسيره «الجواهر في تفسير القرآن».
صعوبات تواجه العلموية:
وتواجه العلمويّة صعوباتٍ جمّة وتترتّب عليها آثار خطيرة ولن أتحدّث عن الآثار وإنّما أكتفي ببعض الإشارات التي مرّت نقلًا عن دعاتها لنعرف أنّ من أهمّ آثار هذه النزعة نزع المعنى عن الإنسان كما مرّ. وتجنّبًا للتكرار وطلبًا للاختصار سوف أكتفي بذكر بعض الصعوبات، مع تقسيمها إلى صعوباتٍ عامّة تواجه العلمويّة على العموم بغضّ النظر عن أيّ نسخة أو طبعة من طبعاتها، وأخرى صعوباتٍ خاصّة تواجه العلمويّة في بعض نسخها.
أ. صعوبات عامّة:
- العلم ليس أفضل ما أنتجه البشر: يدّعي مروّجو العلمويّة أنّ «العلم» هو أفضل ما أنتجه الإنسان خلال منذ أن وطئت أقدامه الأرض. ولكن يبدو أنّ هذا الكلام غير صحيح، فقد أنتج العقل البشريّ الكثير من الأشياء الجميلة بغضّ النظر عن صوابها وخطئها. فأنتج هذا العقل الكثير من الأدب والفنّ والعمارة... ولست أنكر أهميّة العلم بمعناه الجديد وتأثيره الإيجابيّ على الحياة الإنسانيّة ولكنّ لا ينبغي النظر إلى العلم بعينٍ واحدة ومن زاوية واحدة فهذا العلم الجميل، له ضحايا بالملايين، ولا أدري أيّهما أكثر عددًا ضحايا العلم أم الناجون بواسطته؟
- العلموية ليست علمًا: من الصعوبات التي تواجه العلمويّة فقدانها للأساس العلميّ الذي تنبني عليه. وعلى الرغم من اشتهار هذا الشكل من أشكال النقض للدعاوى المعروف عند الفلاسفة وعلماء المنطق بالإبطال الذاتي (Self-refuting). وقد اشتهر الاستناد إلى هذا الأسلوب من النقض في كثير من النقاشات الفكريّة والفلسفية بدءًا من الفلسفة اليونانية[35] إلى عصرنا هذا حيث دُونت الكثير من المقالات لمناقشة أفكار معاصرة بالاستناد إلى هذه الطريقة، مثل: النسبية عمومًا، والنسبية الثقافية،[36] وغيرها من المقولات التي لا يهمّنا التعرّض لها. وما يهمّنا النظر فيه في مقام توضيح هذه الملاحظة هو الإجابة عن هذا السؤال: هل العلمويّة علمٌ؟ أو هي موقف فلسفيٌّ من العلم؟ يبدو أنّ العلمويّة لا تحظى بمواصفات العلم ولا شروطه؛ بل هي موقفٌ فلسفيٌّ بنِي على الثقة بالعلم وحسن الظنّ به كما تبيّن من عدد من التعريفات المتقدّمة التي أشرنا إليها أعلاه. ومن هنا وجدنا أنّ كثيرًا من نقّاد العلمويّة حكموا عليها بأنّها من طبيعة تختلف عن طبيعة العلم، ومن هنا وصِفت بأنّها دعوى (claim) أو أطروحة (theses)، أو موقف ذهني (stance)، أو طبع (attitude).
- العلم ليس هو العلوم الطبيعية وحدها: مصطلح العلم في اللغة العربية له معانٍ عدّة أحدها مجموعة القواعد والنظريات التي تُستنبط بطريقة تجريبية أو بعبارة عامّة وشاملة عن طريق الملاحظة والتجريب. ولسنا نقصد هنا محاكمة المدرسة أو الفكر بالاستناد إلى اللغة عمومًا ولا إلى اللغة عربية على نحو الخصوص. ولكن السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هو: ما العلم؟ يبدو لنا أنّ العلم هو المعرفة المنظّمة التي يحصل عليها الإنسان بطريقة منهجية. وبناء على هذا الفهم لمصطلح علم، يبدو إمكان إطلاق العلم على كثير من العلوم التي توصف بأنها إنسانيّات ولا يُنظر إليها في بعض الدوائر المعرفية نظرة العلم.
- الرياضيات والفلسفة: العلاقة بين الفلسفة والرياضيات علاقةٌ وثيقة تشهد لها المقولة المعروفة التي تفيد أنّه كان مكتوبًا على باب الأكاديمية في أثينا «من لم يكن رياضيًّا فلا يطرق بابنا». ولست أدّعي الخبرة في هذا المجال، إلا أنّني أحيل القارئ الكريم على أهل الخبرة في هذا الفرع المعرفي وأترك التحليل جانبًا. ولكن أسمح لنفسي بدعوى أنّ عددًا من المبادئ الأساسية للرياضيات هي مبادئ عقلية ثبتت بالنظر العقلي وليس بالتجربة.
- قصر العلوم التجريبية على الفيزياء: إنّ العلمويّة المعاصرة تشتمل على تيّارات عدّة واتجاهات متنوّعة؛ ولكنّ النسخة الأخيرة منها والأكثر رواجًا هي النسخة التي تنظر إلى العالم بعين الفيزياء ولا تعترف بالعلوم إلا إذا أمكن اختزالها إلى الفيزياء، وهذا بعيدٌ عن الإنصاف وتضييق لما اتّسع دون مبرّرٍ كافٍ يسمح بهذا التضييق. وقد أشرنا أعلاه إلى عدد من التعريفات للعلموية تصرّ على إيلاء الفيزياء مزيد عنايةٍ بالقياس إلى سائر العلوم.
- الحدس (intuition) الشهود: لا أقصد من هذا العنوان التسوية بين المصطلحين فلكلٍّ منهما معناه الخاصّ به، فالحدس بالمعنى الذي نقصده هنا: «يعني ذلك النوع من المعرفة من المعرفة المباشرة التي لا تحتاج إلى برهان أو دليل، ولا تحتاج بالتالي إلى الطرق التي تُستخدم في إقامة البراهين، كالقياس بأشكاله والاستدلال والاستنباط أو ما شابه. إنّها استنتاج مباشر أو معرفة متكاملة مباشرة تضع العارف إزاء موضوعه... فالحدس يعني قدرة الذات على معرفة الموضوع معرفة عقلية مباشرة دون أن يكون للتجربة وللحواسّ أثر في ذلك..»[37]. والشهود مصطلح كثيرًا ما يُستخدم في مجال العرفان والتصوّف ويقصد منه مشاهدة الحقائق بالكشف المباشر دون واسطة سوى العلم اللدنيّ[38]. وقد سمحت لنفسي بالجمع بين المصطلحين في عنوان واحد بالنظر إلى أنّ السمة المشتركة بينهما هي حصول الإدراك من دون واسطة حسية أو عقليّة. والبحث في مدى صحّة الاعتماد على الشهود كوسيلة للمعرفة مطروح في الفكر الإسلاميّ، وقد طرحت إشكالات وقُدِّمت أجوبة كثيرة نعفي أنفسنا من الدخول فيها[39]. وقد أعطي الحدس دورًا مهمًّا في المعرفة العلمية واعتُرف بتأثيره على النتائج العلمية التي ينتهي إليها البحث العلمي عددٌ من فلاسفة العلم: «الحدس الاستقرائيّ... هو أن نصل مباشرة أو فورًا إلى نتيجة منطقية تلي فرضيّة ما أو تستند إليها. هي ذي الخطوة الأولى الرائدة في الكشف العلميّ، إنّها بداية الخيط الذي له أن يغدو عالمًا بعد ذلك... [أو هو] الالتقاط المباشر لأوجه التشابه المفترض بين فكرتين أو منظومتين فكريّتين بغض النظر عن مضمونهما ومحتواهما... [ولكن لماذا لا يعترف العلماء بهذا المصدر المعرفيّ؟ في الجواب يمكن أن نقول: إنّ العلماء ومن باب الغرور أو الخجل لتجدهم في الغالب شديدي التحفّظ [على الاعتراف بهذا الأمر] لأنّهم يظنّون أن مثل هذا الباب لا ينسجم واعتبارهم لأنفسهم جماعة وقائع وجماعة الأحكام الاستقرائيّة الدقيقة»[40].
ب. صعوبات خاصّة:
وفي مقابل هذه الصعوبات العامّة التي سردنا أهمّها ثمة صعوبات خاصّة تواجه العلموية عندما يُراد اعتمادها كخلفية علمية لبعض الفروع المعرفية المحدّدة كالأخلاق وعلم الاجتماع وغيرهما من الميادين التي تستهدف العلموية وتحاول فتحها وتسخيرها لصالحها. ولمّا كان توضيح الصورة في هذا المجال يحتاج إلى مجال أوسع من المجال المتاح في هذه الدراسة أكتفي بالإشارة إلى الإشكاليات الناجمة عن اعتماد العلموية في علم الاجتماع.
بادئ ذي بدءٍ تنبغي الإشارة إلى أنّ علم الاجتماع وسائر العلوم الإنسانية هي ميدان صراعٍ بين تيّارين على الأقلّ يتبنّى كل منهما نموذجًا (Paradigm) مختلفًا عن النموذج الآخر؛ أحدهما هو النموذج التجريبيّ وهو ما يُطلق عليه المدرسة الوضعية التي تطوّرت بعد ذلك إلى ما يُعرف بالوضعية المنطقية (Logical positivism)، والاتّجاه الآخر هو الاتّجاه الذي يرفض النزعة التجريبية في العلوم الإنسانية ويرى أنّ دور الباحث فيها هو الفهم والشرح وليس التجريب. ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ بناء علم الاجتماع على خلفية علمية يبدو أنّه حلمٌ بعيد المنال إذ إنّ الباحث الاجتماعي لا يمكنه التعاطي مع الظواهر الاجتماعية كما يتعاطى العالم التجريبي مع الظاهرة التي يدرسها. وحتى الإحصاءات، فإنّها مهما كانت دقيقة، ومهما بذل الباحث جهدًا في التعامل معها بطريقة رياضية تجريبيّة، فإنّه مضطرٌّ إلى ممارسة التفسير عليها.
قائمة المصادر والمراجع:
1. أفلاطون، في السفسطائيين والتربية: محاورة بروتاجوراس، ترجمة عزّت قرني، دار قباء، القاهرة، 2001.
2. البهبهاني، محمد باقر، الفوائد الحائرية، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1414هـ.
3. التهانوي، محمد علي، موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، مكتبة لبنان، بيروت، 1996.
4. خلّاف، عبد الوهّاب، علم أصول الفقه وخلاصة التشريع الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966.
5. راسل، برتراند، أثر العلم في المجتمع، ترجمة صباح صدّيق الدملوجي، ط 1، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2008.
6. راسل، برتراند، لماذا لست مسيحيًّا؟، ترجمة عبد الكريم ناصيف، ط 1، دار التكوين، بيروت دمشق، 2015.
7. ساغان، كارل، الكون، ترجمة نافع أيّوب لبّس، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة.
8. السيد الطباطبائي، حاشية الكفاية، بنياد علمي فرهنگی، طهران، لا تا.
9. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، لا تاريخ.
10. القمي، أبو القاسم، القوانين المحكمة في أصول الفقه، دار إحياء الكتب الإسلامية، قم، لا تاريخ.
11. كارناب، رودولف، البناء المنطقي للعالم والمسائل الزائفة، ترجمة يوسف تيبس، المنظمة العربية للترجمة والعلوم، بيروت، 2011.
12. كاشف الغطاء، علي، النور الساطع في الفقه اللامع، مطبعة الآداب، النجف، 1963م.
13. مدوّر، بيتر، الاستقراء والحدس في البحث العلمي، ترجمة: محمد شيا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010.78.
14. الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الإنماء العربي، 1986.
15. اليزدي، الشيخ مصباح، دروس في العقيدة الإسلامية، ترجمة هاشم محمد، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة، 1997.
لائحة المصادر الأجنبيّة
1. "Scientism", Encyclopedia of Science, Technology, and Ethics. Retrieved November 14, 2018 from Encyclopedia.com: https://www.encyclopedia.com/science/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-maps/scientism
2. (2018-10-25). de Ridder, J., Peels, R., & van Woudenberg, R. (Eds.), Scientism: Prospects and Problems: Oxford University Press,. Retrieved 19 Nov. 2018, from http://www.oxfordscholarship.com/view/10.1093/oso/9780190462758.001.0001/oso-9780190462758.
3. «The idea of salvation through science alone» See: Mary Midgley, Science as Salvation, (London: Routledge, 1992).
4. Arthur Peacocke, Theology for a Scientific Age, (Minneapolis, Fortress Press, 1993).
5. Edward 0. Wilson, On Human Nature (Cambridge, Mass: Harvard University Press, 1978).
6. Eric Voegelin, «The Origins of Scientism», published in: The Collected Works of Eric Voegelin, Ellis Sandoz (ed.), University of Missouri Press. columbia and London, 2000, v. 10.
7. F. C. White, Self-refuting Propositions and relativism, Metaphilosophy, Vol. 20, No. 1 (January 1989).
8. Francis Crick, Of Molecules and Men (Seattle: University of Washington Press, I 966).
9. Hayek, F. A. v. (1942). "Scientism and the Study of Society. Part I". Economica. 9 (35).
10. http://www.newworldencyclopedia.org/entry/Scientism
11. Hughes, A. L. 2012. “The Folly of Scientism”. The New Atlantis 37.
12. Jawaharlal Nehru, Proceedings of the National Institute of Science of India 27 (1960).
13. Loren R. Graham, Between Science and Values (New York: Columbia University Press, I98I).
14. Mario Bunge, «In Defense of Scientism», Free Inquiry, vol 35 issue 1.
15. Martin Ryder, "Scientism." Encyclopedia of Science Technology and Ethics, 3rd ed. (Detroit: MacMillan Reference Books, 2005).
16. Mikael Stenmark, «What Is Scientism?», Religious Studies, Cambridge University Press, Vol. 33, No. 1 (Mar., 1997).
17. Philip S. Gorski, «Scientism, Interpretation, and Criticism», Zygon, Vol. 25, No. 3. (I990).
18. Pigliucci, M. 2010. Nonsense on Stilts: How to Tell Science from Bunk. Chicago, IL: The University of Chicago Press.
19. Provine, William, 1988, “Evolution and the Foundations of Ethics”, Marine Biology Laboratory Science 3.
20. Tom Sorell, Scientism: Philosophy and Infatuation with science, Routledge, London and New York, 1991.
[1]- راسل، برتراند، أثر العلم في المجتمع، ص27.
[2]- Eric Voegelin, «The Origins of Scientism», published in: The Collected Works of Eric Voegelin, Ellis Sandoz (ed.), University of Missouri Press. columbia and London, 2000, v. 10, p. 168.
[3]- Jawaharlal Nehru, Proceedings of the National Institute of Science of India 27 (1960), p. 564.
نقلًا عن:
Tom Sorell, Scientism: Philosophy and Infatuation with science, Routledge, London and New York, 1991, P 2.
[4]- معجم وبستر على الإنترنت، مادّة (scientism).
[5]- Pigliucci, M. 2010. Nonsense on Stilts: How to Tell Science from Bunk. Chicago, IL: The University of Chicago Press, P. 235.
[6]- Hughes, A. L. 2012. “The Folly of Scientism”. The New Atlantis 37: 32–50.
[7]- “Scientism”, Encyclopedia of Science, Technology, and Ethics.
Retrieved November 14, 2018 from Encyclopedia.com: https://www.encyclopedia.com/science/encyclopedias-almanacs-transcripts-and-maps/scientism
[8]- Martin Ryder, “Scientism”. Encyclopedia of Science Technology and Ethics, 3rd ed. (Detroit: MacMillan Reference Books, 2005).
[9]- موقع موسوعة العالم الجديد، مقالة منشورة على الرابط الآتي، وتاريخ الدخول إلى الموقع 15-11-2018:
http://www.newworldencyclopedia.org/entry/Scientism
[10][2]- Ibid.
[11]- Hayek, F. A. v. (1942). “Scientism and the Study of Society. Part I”. Economica. 9 (35): p. 269.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ نسبة هذا الترويج للمصطلح إلى هايك هي على ذمّة موسوعة ويكيبيديا. وقد توفّرت مقالته المشار إليها أعلاه بين يديّ ولكن كونه هو المروّج هذا أمر آخر أتركه على عهدة مدّعيه.
[12]- See: Mario Bunge, «In Defense of Scientism», Free Inquiry, vol 35 issue 1.
[13]- Eric Voegelin, «The Origins of Scientism», published in: The Collected Works of Eric Voegelin, Ellis Sandoz (ed.), University of Missouri Press. columbia and London, 2000, v. 10, p. 168.
[14]- م.ن
[15]- أنا مدين في هذا التقسيم لـ:
Mikael Stenmark, «What Is Scientism?», Religious Studies, Cambridge University Press, Vol. 33, No. 1 (Mar., 1997), pp. 15- 32.
وتجدر الإشارة إلى عدم التزامي بالنقل الحرفي لكلامه أو الترجمة الدقيقة لاصطلاحاته تسهيلًا لعرض المطالب وطلبًا للاختصار. كنموذج هو يعبّر عن الاتّجاه الأول بـ(scientism within the academy) أي العلموية داخل الأكاديميا. ويقسمه بدوره إلى قسمين علموية داخلية وعلموية منهجية. وقد اجتهدت في تسمية الاتجاه الأوّل بـ العلموية الاختزالية بالنظر إلى مضمون ما وصفها به.
[16]- Edward 0. Wilson, On Human Nature (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1978), p. 90.
[17]- Francis Crick, Of Molecules and Men (Seattle: University of Washington Press,I 966), p. I4 and 98.
[18]- Philip S. Gorski, «Scientism, Interpretation, and Criticism», Zygon, Vol. 25, No. 3. (I990), p. 279.
[19]- Tom Sorell, SCIENTISM: Philosophy and the infatuation with science, Rutledge, London and New York, 1991, P. 9.
[20]- See as example: Loren R. Graham, Between Science and Values (New York: Columbia University Press, I98I), p. 6.
[21]- كارناب، رودولف، البناء المنطقي للعالم والمسائل الزائفة، ص519-520.
[22]- راسل، برتراند، لماذا لست مسيحيًّا؟، ص65.
[23]- ساغان، كارل، الكون، ترجمة نافع أيّوب لبّس، ص115.
[24]- م.ن، ص19.
[25]- «The idea of salvation through science alone» See: Mary Midgley, Science as Salvation, (London: Routledge, 1992), PP. 37 and 57.
[26]- Arthur Peacocke, Theology for a Scientific Age, (Minneapolis, Fortress Press, 1993), PP. 78.
[27]- (2018-10-25). de Ridder, J., Peels, R., & van Woudenberg, R. (Eds.), Scientism: Prospects and Problems. : Oxford University Press,. Retrieved 19 Nov. 2018, from http://www.oxfordscholarship.com/view/10.1093/oso/9780190462758.001.0001/oso-9780190462758.
[28]- Op. cit. p. 41.
[29]- Provine, William, 1988, “Evolution and the Foundations of Ethics”, Marine Biology Laboratory Science 3: 27–29.
[30]- ينقل أبو جعفر الطبري هذه المقولةَ عن الجرمي، وقد وردت في عددٍ من المصادر انظر كمثال: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، لا تاريخ، ج 1، ص 18.
[31]- انظر: عبد الوهّاب خلّاف، علم أصول الفقه وخلاصة التشريع الإسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966، ص 19.
[32]- السيد الطباطبائي، حاشية الكفاية، بنياد علمي فرهنگی، طهران، لا تا، ج 1، ص 107. وتجدر الإشارة إلى أنّ صاحب هذا الاعتراض هو أحد الفلاسفة المعاصرين.
[33]- انظر: أبو القاسم القمي، القوانين المحكمة في أصول الفقه، دار إحياء الكتب الإسلامية، قم، لا تاريخ، ج 2، ص 467.
[34]- محمد باقر البهبهاني، الفوائد الحائرية، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1414هـ.، ص 340؛ وانظر: علي كاشف الغطاء، النور الساطع في الفقه اللامع، مطبعة الآداب، النجف، 1963م.، ص 115.
[35]- ومن الأمثلة المشهورة في تاريخ الفكر البشريّ الحوار الذي دار بين أفلاطون وبين بروتاجوراس حول الفضيلة، حيث كان يدّعي بروتاجوراس أنّ «الإنسان هو معيار الفضيلة». لمزيد من التفصيل، انظر: أفلاطون، في السفسطائيين والتربية: محاورة بروتاجوراس، ترجمة عزّت قرني، دار قباء، القاهرة، 2001.
[36]- F. C. White,Self-refuting Propositions and relativism, Metaphilosophy, Vol. 20, No. 1 (January 1989), pp. 84-92.
[37]- الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الإنماء العربي، 1986، ج 1، ص 358.
[38]- لتعريف الكشف، انظر: محمد علي التهانوي، موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، مكتبة لبنان، بيروت، 1996، ج 2، ص 1366.
[39]- انظر كمثال: الشيخ مصباح اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ترجمة هاشم محمد، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة، 1997، ص 50-56.
[40]- بيتر مدوّر، الاستقراء والحدس في البحث العلمي، ترجمة: محمد شيا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010، ص 77-78.