البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

فلسفة الحق عند هيغل

الباحث :  د. عفيف عثمان
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  34
السنة :  ربيع 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 26 / 2024
عدد زيارات البحث :  330
تحميل  ( 391.481 KB )
الملخص
يُنظر إلى مؤلَّف هيغل (1831 - 1771)[2] (G. F. Hegel) أصول فلسفة الحق (Grundlinien der Philosophie des Rechts)(1820) على أنه العمل الأكثر إثارة للجدل، لتضمّنه تاريخ الفلسفة الأخلاقية والحقوقية والسياسية، وتحليله الجريء للحداثة الثورية (بعد الثورة الفرنسية). وقد ألهم عددًا من التيارات والحركات السياسية يمينًا ويسارًا[3]، وفي كل مرة تعاد قراءته بعيون عصرية.
يشتغل البحث على مفهوم هيغل لفلسفة الحق، في مفاصلها الرئيسة. لكن من الضروري قبل التطرّق إلى موقفه من الحق ومبادئه استعراض نظرية كانط؛ إذ أسس هيغل فلسفته على نقده، فلا وجود لهيغل من دون كانط[4].

الكلمات المفتاحية: فلسفة، حق، قانون، فلسفة القانون، العقل، أخلاق، دولة، دستور، سلطة، فلسفة التاريخ.


المقدمة
فلسفة الحق عند كانط
تُعدّ فكرة الحق الفكرة الناظمة لفلسفة أمانويل كانط (I. Kant) (1804 - 1724) النقدية، النظرية والعملية[5]. ففيها حصل اللقاء المتأخّر بين الفلسفة والحق الوضعي الخاضع بدوره إلى محكمة النقد. نبع اهتمامه بالقانون من فكرة العقل العملي ونقده والنتائج النظرية المترتبة عليه. فمنذ نقد العقل الخالص (1781 الطبعة الأولى و1787 الطبعة الثانية) بات يمتلك نظامًا وبرنامجًا. ومن عام 1785، أي تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق، تم استكمال مشروع نقد العقل العملي.
ففي القسم الأوّل من الكتاب، «الانتقال من المعرفة العقلية المشتركة بالأخلاق إلى المعرفة الفلسفية»، يتحدث كانط عن الإرادة الخيّرة وآثارها انطلاقًا من مبدئها القبلي. ويُحدّد الواجب ويعرّفه بأنه : «ضرورة القيّام بفعل عن احترام القانون»، وعنده، هو الوحيد الجدير بالاحترام، فبعض الأفعال قد نميل إليها ونحبها، أما القانون فعامل موضوعي خارجي، واتّباعه قد يُفضي إلى التخلّي عن جميع النزعات والميول التي أحملها في نفسي. وتمثُل القانون في ذاته، وهو خاصيّة الكائن العاقل، هو «المبدأ المحدِّد للإرادة»، ويتابع كانط: «من أجل ذلك، كان هذا التمثّل وحده هو الذي يؤلّف ذلك الخير السامي الذي نصفه بأنه أخلاقي، والذي نجده بالفعل حاضرًا لدى الشخص الذي يعمل وفقًا له، ولا يصح لنا أن ننتظره أول ما ننتظر من الأثر الناتج عن فعله»[6].

ويعرّف كانط القانون بأنه: «مجموع الشروط التي بها حُريّة الفرد يمكن أن تتّحد مع حُريّة الآخر وفاقًا لقانون كليّ للحريّة»، ويحدد مبدأه الكلي : «يكون عادلًا كل فعل يمكن أو قاعدته تُمكّن حرية كل شخص من أن تتعايش مع حرية كل شخص وفاقًا لقانون كلي»[7]. وعنده أن القانون بوصفه علمًا منظمًا ينقسم إلى قانون طبيعي لا يقوم إلا على مبادىء قبلية وقانون وضعي يصدر عن إرادة المشرّع.

والحال أنّ فلسفة كانط القانونية والسياسية تشكّل تعليقًا نظريًا على الثورة الفرنسية التي تركت أثرًا عميقًا في الفلسفة الألمانية، ويبدأ ذلك بإعادة التفكير في مسألة العقد الاجتماعي. وبخلاف أسلافه، رفض كانط فرضية الحالة الطبيعية أو العقد الاجتماعي البدائي. ولم يعتبر أي منهما موضوعًا للتجربة؛ لذا لا يمكن معرفتهما. يجب أن يُنظر إلى العقد الاجتماعي باعتباره المعيار العقلاني لأي مجتمع سياسي فاعل، إنه يمثل الوضع المثالي، والشرط المعياري لشرعية السلطة السياسية.

ولذلك فإن كل شيء يجب أن يحدث كما لو كانت السلطة الشرعية مبنية على عقد ناشئ من كل شخص مع كل شخص. فالمجتمع السياسي يقوم بشكل معياري على العقد الاجتماعي، وهي تتميّز عن جميع أشكال التجمعات التي لا تفترض المثالية المعيارية للعقد الاجتماعي. المجتمع السياسي هو بناء معياري، وحالة الطبيعة تختلف عنها لأنها لا تقوم على قاعدة؛

إذ إن تفسير كانط القانوني هو أن حالة الطبيعة - التي يخضعها هو للقانون الخاص – ليست شيئًا آخر غير العلاقات القانونية الخاصة القائمة بين الأعضاء، بينما الحالة المدنية تخضع للقانون العام الذي ينظّم العلاقات بين السلطة القانونية وبين الأعضاء في الدولة. ومن هنا كان الانتقال سهلا ً وطبيعيًا بين حالة الطبيعة وحالة المدنية . وهو يصرّح بأن التقسيم الأعلى للقانون الطبيعي لا يمكن أن تكون (كما يحدث أحيانًا) القسمة فيه إلى قانون طبيعي وقانون اجتماعي، بل القسمة إلى قانون طبيعي وقانون مـدني: وأوّلهما يسمى القانون الخاص (droit privé)، والثاني يسمّى القانون العام (droit public.) ذلك أن حالة الطبيعة ليست في مقابل الحالة الاجتماعية، بل في مقابل الحالة المدنية، لأنه يمكن أن يوجد مجتمع في حالة الطبيعة[8].

ويركّز كانط على بُعد الحرية الإنسانية، وإلى وجود عقيدة قانونية صافية. والمذهب القانوني عنده مشروع قبلي، معرفة خالصة يتمّ تنظيمها على أنها استخلاص من مفاهيم خالصة، ولا يحتاج الأمر إلى الإشارة إلى أي حق تاريخي. يقوم القانون على العقل الخالص، باعتباره سببًا فرديًا ومتعدّدًا، ما يعني ضمنًا التقاء مجموعة من الكائنات الحرة العاقلة، أي مجموعة من الأشخاص في عقد.

يميّز كانط بين القانون والأخلاق، يقول في هذا الصدد إن التشريع الأخلاقي (حتى لو أمكن أن تكون الواجبات خارجية) لا يمكن أن يكون خارجيًا، أما التشريع القانوني فهو الذي يمكن أن يكون خارجيًا . فالوفاء بالتعهّد المعطى في عقد هو واجب خارجي، لكن الأمر بفعل ذلك فقط؛ لأنه واجب من دون مراعاة لأي اعتبار آخر لا ينتسب إلا إلى
تشريع باطن[9].

في مشروعه للسلام الدائم، وفي حديثه عن «حق الأمم» (أو الشعوب)، افترض أن النظام الجمهوري حيث تسود الديمقراطية قادر على تحقيق السلام بين الأمم. وبناءً على أن فلسفة كانط السياسية هي عقيدة قانونية في جوهرها، فهي ترفض النزاع بين التعليم الأخلاقي والعواطف باعتبارها أساس الحياة الاجتماعية، وقد عرّف كانط الدولة بأنها اتحاد للبشر تحت سقف القانون.

بيدَ أن هذا الحماس للثورة الفرنسية لم يأخذ بلبابه، فبدا محافظًا ورافضًا لاستخدام الثورة أو القوة من أجل تغيير شكل الحكم؛ إذ كما يقول د. عبد الرحمن بدوي مستندًا إلى نظرية كانط وفلسفته في الحق (أو القانون) (1796) (Docrtine du droit): «لا توجد معارضة شرعية من جانب الشعب ضد المشّرع الأعلى في الدولة، لأن الحالة القانونية لا يمكن أن تقوم إلا بالخضوع لإرادته المشرعة الكلية، فلا يوجد إذن حق للتمرد، وبالأحرى لا يوجد حق للعصيان، ولا يوجد تجاهه – بوصفه شخصًا مفردًا (الحاكم الملك) بدعوى إساءة استعمال السلطة أي حق في الاعتداء على شخصه، ولا على حياته. وأقل محاولة من هذا النوع هي هنا خيانة عظمي، والخائن من هذا النوع، الذي يسعى لقتل وطن، لا يعاقب إلا بالموت. ومبدأ واجب الشعب في تحمل الظلم، حتى لو كان لا يحتمل، الصادر عن السلطة العليا يقوم في كون مقاومته التشريع الأعلى يعتبر غير شرعي، بل ومدمِّرًا لكل الدستور الشرعي؛ لأنه لكي يكون من المسموح به المقاومة، فلا بد من وجود قانون عام يسمح بمقاومة الشعب هذه»[10]، أي أن يتضمن التشريع الأعلى في داخله مثل هذا التحديد.

وأي تعديل للدستور، اذا كان به عيب (جور على نحو ما)، فيتم بوساطة الحاكم نفسه من طريق الإصلاح، وليس بالثورة عبر الشعب، واذا ما حدثت الثورة فعليها أن تنال من السلطة التنفيذية وليس التشريعية، أي أن تطاول أدوات الحاكم[11]. ويعيد توكيد هذا الرأي في رسالته حول السلام الدائم (1795): «فما يخالف العقل تمامًا، المطالبة بإصلاح هذا العيب بالقوة وعلى وجه الإستعجال»[12]. وفي الواقع، فقد أنشأ كانط القانون العام على نحو قريب من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن، فعلى الدولة العقلانية، في زعمه، أن تتأسس على «حرية» الأفراد، وعلى «المساواة» بينهم، بوصفهم رعايا، وعلى «استقلال» المواطن، والذي هو في مجال القانون شريكًا في التشريع.

وفي شكل عام، مّيز كانط بين عمل الحقوقي وعمل الفيلسوف، الأول يبحث عن العدل وماهيته في التشريع، في حين يبحث الآخر عن معيار عام للعدل. بهذا المعنى يكون كانط هو أول من أحدث التمييز بين القاعدة القانونية[13] من جهة والقاعدة الفلسفية، أي موضوع فلسفة القانون وموضوع القانون، من جهة أخرى[14].

هيغل متابعًا كانط
شكّلت فلسفة كانط في عرف هيغل أساسًا ونقطة انطلاق للفلسفة الألمانية الحديثة وأثره كان بالغًا فيها، واعتقد ـ مثل كانط ـ أن الإرادة الحرة الحقة هي «الإرادة التي تريد ذاتها، وحريتها الخاصة»، فأقام فلسفة للحقوق في مقابل فلسفة الواجب الكانطية التي لم تمنع ـ في نظره ـ انتهاكات مثل السرقة والقتل.

ولكنه بخلاف فيلسوف كينغسبيرغ الذي بيّن استحالة معرفة «الشيء في ذاته» (النومان) ذهب إلى إمكان ذلك، فبحسبه كل شيء واقعي فهو عقلاني، وكل شيء عقلاني هو واقعي؛ لذا فإن مفهومه للقانون يندرج في إطار عقلانية مطلقة وجدلية، و«ترى فلسفته إن القانون طبيعي ووضعي في آن معًا»[15]. ورغم إقرار هيغل بعظمة كانط، الذي اجتازت معه الفلسفة شوطًا كبيرًا، بيد أنه لم يقدها إلى نهاية المطاف: مصالحة الذات مع نفسها وإدراك المطلق. قام كانط بالثورة الكوبرنيكية[16]، وأدرك أهمية الذات، «الأرض التي بها مولد الحقيقة»، لكن فلسفته ظلّت شكلًا من أشكال الوعي الشقي، أي الوعي المنقسم على ذاته والمتصارع معها، بحسب زعم هيغل. فلسفة كانط تفصل المسائل وتباعد بينها، بينما المطلوب إظهار وحدتها العميقة، ويؤكّد أن فلسفة كانط تقوم على رأسها وأن المطلوب إيقافها على قدميها. ويمكن إيجاز النقد الهيغلي بنقاط ثلاث هي الأوجه الثلاثة لنقد واحد:

1. الفلسفة الكانطية شكل من أشكال الوعي الشقي، أي الوعي المنقسم على ذاته المنفصل عن المطلق. فلسفة كانط تميز وتباعد بين: (العقل النظري والعقل العملي، المادة والصورة، الحساسية والذهن، الذهن والعقل، المعرفة والإيمان، ...)، بينما المطلوب إظهار وحدة الفكر الداخلية ووحدته مع الموضوع.
2. تميز فلسفة كانط بين الظواهر والأشياء في ذاتها. أما «المعرفة المطلقة» الهيغلية التي تدرك حقيقة الدين والتاريخ وتاريخها الذاتي، فهي تنطلق من وحدة الذات والموضوع وتؤكّد أن» كل ما هو عقلاني متحقّق وكل ما هو متحقّق عقلاني».
3. الفلسفة الكانطية التي درست الذهن في ضوء العقل وأظهرت وحدة المعرفة عبر وحدة الحساسية والذهن («التصور بلا عيان فارغ والعيان بلا تصور أعمى») عادت فدرست العقل في ضوء الذهن، فبان العقل صورة محضة وحدتها الأسمى غيبية الذهن الخالص واستقلاليته عن التجربة وعجزه عن إدراك المطلق[17].

فلسفة هيغل
نجد في فينومينولوجيا الروح[18] (1806)، فكرته الرئيسة أو لنقل فلسفته حيث يسعى الإنسان لوعي ذاته، فمسار البشرية هو هذا: «يبدأ من التيه والضياع، ويمر بمغامرة النفي والموت ليخرج مهشّمًا، ولكن منتصرًا، ربما كان ما يحدث يحصل للمرّة الأولى في تاريخ الفلسفة، فالحقيقة الإنسانية كلّها هي هنا، كلها صنع الإنسان في عمله، ليس هناك من عالم ظاهرة وعالم الشيء في ذاته (النومين الكانطي)، عالم الأشياء في ذاتها، الحقيقة كل الحقيقة في الظاهرة، والظاهرة تكتمل في الوعي، الوعي هو الروح أو العقل وقد أصبح شفّافًا لذاته، وكل ما يعمله الإنسان هو الحقيقة، وليس هناك من حقيقة أخرى خارج ما يفعله، فالحقيقة الكل، والكل هو الحقيقة، ولكن هذا الكل هـو هنا، وهو ما فعله الإنسان في مسيرته الطويلة عبر آلاف السنين من الحضارة»[19]. والوجود كل الوجود لا معنى له إلا لذاته. «الروح قد مضى في سفر طويل حافل بالاكتشافات في المغامرة الكبرى للوجود»، الحقيقة كل الحقيقة هي المطلق الذي لا يرضى بأي توقف في صيرورته، غير أن هذا المطلق هو هنا في الظاهرة، في "النسبي الذي يحمل نقيضه، وبالتالي موته فانبعاثه. من تجربة القبر الفارغ إلى تجربة الانبعاث تعيش الحرية كل دراما التجربة البشرية، ولكنها دراما منتصرة في النهاية، لأنها وإن مرت في تجربة الموت، لا تقع فيه لتتحول إلى مأساة، بل تتخطاه لتعلن تمام الوعي في نوع من التأليه للحرية الفردية التي لا تتم إلا عن طريق الكل»[20]، في مخالفة صريحة للعالم الذي أقامه كانط على «الأنا» المواكبة لكل أساس تقوم عليه المعرفة والحقيقة[21].

تنقسم فلسفة هيغل، في رأي د. إمام، إلى ثلاثة ميادين معرفية كبرى: علم المنطق، وفلسفة الطبيعة، وفلسفة الروح؛ وهي ميادين مترابطة في نسق فلسفي متميز، وتشترك في موضوع واحد، أي إنها تدرس الموضوع نفسه لكن في مستويات مختلفة : «الفكرة الشاملة» أو «الفكرة المطلقة» أو «العقل» في صور متنوعة: «العقل» محضًا في المنطق، و«العقل» في حالة تخارج في فلسفة الطبيعة، و«العقل» حين يعود إلى نفسه في فلسفة الروح[22]. وهي ذات مستويات ثلاثة: الروح الذاتي (ويدرس بالأساس العقل البشري من الناحية الذاتية أي كعقل فردي أو عقل الذات الفردية) والروح الموضوعي (تمثّل فلسفة الحق جوهر هذا المستوى الثاني من فلسفة الروح، وقد خصّص أصول فلسفة الحق كاملًا لهذا المستوى)، وينظر بعض الباحثين إلى معالجة هيجل «للروح الموضوعي» على أنها أفضل جزء في فلسفته. ويتكوّن المثلث الرئيسي هنا من الحق، بمعنى الحق المطلق (الذي ينظر فيه إلى الأفراد في علاقاتهم الخارجية بعضهم ببعض، وحقوق بعضهم تجاه بعضهم الآخر). ومن الأخلاق الشخصية (التي فيها يحوّل الأفراد أفكارهم إلى الداخل ويفحصون ضمائرهم)، ومن الأخلاق الاجتماعية التي تتموضع في الحقوق الذاتية والضمير الداخلي في مؤسسات اجتماعية مثل الأسرة والدولة[23]. والروح المطلق (وهو مركّب الروح الذاتي والروح الموضوعي)، يبحث في الفن والدين والفلسفة.

رأى هيغل أن حياة الروح والعقل لا تهاب الموت، ولا تخاف منه، ولا تبتعد عنه لتحمي نفسها من الدمار، بل تحمل الموت وتثبت فيه؛ لأن الروح تعرف كيف تواجه السّلب لتحوّله إلى وجود وإلى ذات[24]. وإلى جانب فكرة العدم والنفي هناك تشديد في هذا السفر الهيغلي الكبير «على دور الرغبة في مسيرة الخروج من الذات، وقبول الذوبان في الغيرية، والانغماس في العمل الذي هو بالضرورة ألم وشقاء واستلاب وتحوّل عما كُنّاه في السابق، ثم بعد ذلك صراع كي يقبل الآخر الاعتراف بنا، ودور العمل والتوق إلى معرفة هذا العالم، عالمنا صنيعة وعي الذات»[25].

وفي مؤلفه فلسفة التاريخ (1837) (المنشور بعد وفاته) كتب إن «تاريخ العالم ليس إلا تقدم الوعيّ بالحرية»، وفي زمنه كان المطلوب أمران أن يحكم الأفراد أنفسهم وفاقًا لضمائرهم وقناعاتهم، وأن يتم تنظيم العالم الموضوعي – العالم الواقعي بكل ما فيه من مؤسسات اجتماعية وسياسية بصورة عقلانية. فلا يكفي أن يحكم الأفراد أنفسهم وفقا لضمائرهم وقناعاتهم، لأنها ستكون مجرّد «حرية ذاتية»؛ فما دام العالم الموضوعي لم يتم تنظيمه بصورة عقلانية، سيتصارع الأفراد الذين يتصرفون بحسب ضمائرهم الشخصية مع القانون والأخلاق، وسيصبح القانون المطبق والأخلاق القائمة شيئين مناوئين لهم وقيدين على حريتهم. من جهة أخرى، ما إن يتم تنظيم العالم الموضوعي بصورة عقلانية، فسيختار الأفراد الذين يتّبعون ضمائرهم بحرية التصرف وفقًا لقانون وأخلاقيات العالم الموضوعي. ورغم تغنيّه بالحرية، إلا أنه ربطها بالقانون، فحيثما كان القانون كانت الحرية، ومن ثم «فالحرية عنده تزيد قليلًا على حق طاعة القانون»[26]. لكن يبقى السؤال المعلّق: ما الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه التنظيم العقلاني للأخلاق والقانون والمؤسسات الاجتماعية الأخرى؟ ما الدولة العقلانية حقًّا؟ لم يذكر هيغل في «فلسفة التاريخ» إلا القليل جدًا عن ذلك.[27]

فلسفة القانون عند هيغل
ينتمي الفيلسوف الألماني هيغل إلى المدرسة الشكلية في فلسفة القانون، وهي بالتعريف: «التي تكتفي بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية، فلا تنظر إلّا إلى الشكل الذي تخرج به هذه القاعدة إلى الوجود في صورة ملزمة، ولذلك فهي ترجع تكوين القاعدة القانونية إلى السلطة التي اكتسبت هذه القاعدة من طريقها قوةَ الإلزام في الحياة العملية، فهي تربط بين القانون والسلطة التي تكسبه قوة الإلزام في العمل. وقد نادى بهذا المذهب الشكلي كثير من الفقهاء الدستوريين والفلاسفة، وقد اتفقوا من حيث المبدأ على رد القانون إلى إدارة الحاكم أو السلطان مع خلافات يسيّرة في بعض الجزئيات لا تحل ولا تنقص من اتفاقهم على المبدأ»[28].

هذا، وتركز المدرسة الشكلية في شكل أساسي على الجوانب الشكلية والإجرائية للقانون. وتدعو إلى : الالتزام بالقوانين، فذلك أمر ضروري لتحقيق العدالة والاستقرار في المجتمع؛ إذ إن تطبيقها بدقة يسهم في منع الفوضى وتأمين حقوق الأفراد. وتطالب بضرورة وجود دقة وتحديد في الأنظمة القانونية، بحيث تكون واضحة ومحددة بشكل يمكن فهمه وتطبيقه بسهولة. ما يسهّل على العاملين في المجال القانوني فهم القانون وتطبيقه في شكل صحيح. ومن ثم الثبات والاستقرار: فعلى القانون أن يكون ثابتًا، حيث يجب أن لا يتغير على نحو متكرّر أو عشوائي. فالاستقرار في القانون يساهم في تعزيز الثقة والنظام في المجتمع. وتنادي المدرسة بأهمية حماية حقوق الأفراد وضمان تلقّيهم إجراءات قانونية عادلة، إذ إن الالتزام بالإجراءات القانونية الصحيحة يحمي حقوق الأفراد ويضمن توفير العدالة لهم.

أ. فلسفة الحق
دمج هيغل أصول فلسفة الحق[29] في إطارعمله الوظيفي في جامعة برلين، حيث كان يُدرّس ويلقي محاضراته، ويشرح في المقدمة أنه وضعه لطلابه في إطار الفصل الدراسي المخصّص لفلسفة الحق. وقد ﻳﻮﺣﻲ العنوان ﺑﺄنه ﻳﺘﻨﺎول ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺼﻮاب واﻟﺨﻄﺄ، أي دراﺳﺔ ﺣﻮل اﻷﺧﻼق. بالفعل تبرز اﻷﺧﻼق في اﻟﻜﺘﺎب، ﻟﻜﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ أﻗﺮب ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. اﻟﻜﻠﻤﺔ الألمانية في العنوان (Recht)، ﻗﺪ ﺗﻌﻨﻲ «اﻟﺤﻖ»، ﻟﻜﻦ لها دلالات أوسع، ﺑﻤﺎ في ذلك اﻟﻘﺎﻧﻮن كمفهوم، من دون الإشارة إلى قانون بعينه. وفيه يُعبّر هيغل عن آرائه اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺣﻮل اﻷﺧﻼق وﻋﻠﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن والمجتمع والدولة[30]. ولا يقصد الفيلسوف الألماني، بحسب قوله، القانون المدني فحسب، بل ويقصد أيضًا الأخلاق والحياة الأخلاقية، والتاريخ الكلي، فهذه كلّها تندرج في ميدانه، لأن هذا التصوّر يُوحّد بين الأفكار وفقًا للحقيقة (فلسفة الحق، الفقرة 33).

ويتوسّع هيغل في معنى كلمة «الحق» إلى أبعد حدّ، فيصرّح بأن القانون والحقّ هو الحرية بوجه عام من حيث هي الفكرة (Idée) (فلسفة الحق، الفقرة 29). ومعنى هذه العبارة أن «الـحق» هو الوجود المتحقّق العيني للإرادة الحرة؛ ولهذا فإن الحق والقانون هو الشكل العيني للحرية الإنسانية «إنه الحرية محقّقة، عينيًا، أي الحرية العامة الملتزمة الكلية». وهو في هذا يعارض كانط (فلسفة الحق، الفقرة 29 ).
ويميّز هيغل بين وجهين للحياة الأخلاقية، فيقول إن هناك الحياة الأخلاقية أولًا، كما تتجلى بضمير الفرد، وهناك ثانيًا الحياة الأخلاقية كما تتحقّق فعليًا في «الآيين» وفي النظم الاجتماعية. ويقصد بالأولى «الأخلاق»، والثانية «الآيين»، وهي كلمة فارسية استخدمها ابن المقفع للدلالة على العادات والتقاليد والنظم السارية في مجتمع ما، بحسب د. عبد الرحمن بدوي[31]. والآيين هي الأخلاق المتحقّقة عينيًا في مجتمع، وهي تعبّر عن نفسها في الأسرة، وفي المجتمع المدني، وفي الدولة، وفي الآيين تتطابق الحقوق الواجبات : فللإنسان الحق في أن يعيش في أسرة، وفي مجتمع، وفي دولة، لأن هذه التزامات يريدها ويستطيع الوفاء بها، وهي قواعد كلية للسلوك اختارها بحرية لنفسه، ولفردانيته، متخليًا بذلك عن الفردية (الأنانية) وعن الهوى الجامح لأهوائه الطبيعية[32] .

ويعلن هيغل أن الحق المطلق هو أن تكون لك حقوق، ويستخرج من ذلك الأمر المطلق الذي يقول: «كن شخصًا، وعامل الآخرين على أنهم أشخاص» ويشبه هذا الرأي القاعدة الثانية من قواعد الأمر المطلق عند كانط. ولما كان الإنسان شخصًا، وواعيًا بذاته، وحرًا، ومزودًا بقدرات أخلاقية، ويختلف بذلك عن الحيوان، فإنه يكون حاملًا لحقوق ويكون لديه التزامات مناظرة نحو نفسه ونحو أقرانه، وجاء اهتمامه بالقانون لأنه، في رأيه، يعبر عن تحقّق العقل في الواقع.

وفي فلسفة الحق، يحاول هيغل دمج عناصر مختلفة من فلسفته، وهو يتتبّع مفهومًا حديثًا للفردية وللفرد باعتباره صاحب الحقوق في إطار المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحديثة. ويصف أيضًا كيف أن هذا المفهوم الحديث للفرد يعتمد على اغتراب الفرد لصالح الجماعة. يدعو هيغل أيضًا إلى التشكيك في التقليد «الطبيعي» (نظرية الفيلسوف الإنجليزي جون لوك على وجه الخصوص) الذي يعتقد أن الدولة يجب أن تنقل وتضمن الحقوق الطبيعية غير القابلة للتصرف للأفراد، بالنسبة للوك والطبيعيين، فإن الاجتماعي هو ببساطة نتيجة عقد بين أفراد مستقلين لضمان احترام حقوق كل منهم. فالحرية عنده تؤسس بالسياسة.
يتلخّص مذهب هيغل في نظرته إلى القانون بأنه يستمد أساسه وشرعيّته وقوّته الملزِمة من صدوره عن الدولة، فالقانون اذًا هو التعبير الصادر عن إرادة الحاكم أو السلطة في الدولة، فالدولة سيدّة نفسها ولا سلطة تعلو سلطتها في الداخل أو الخارج، ففي الداخل يجب أن يخضع لها كل من يدخل في تكوينها، وأن المجتمع لا يصل إلى مرتبة الدولة إلا إذا رأى جميع الأفراد في المجتمع أن ثمة مصلحة عامة مشتركة يجب أن تتجه إرادتهم إلى تحقيقها. أما في الخارج حدود الدولة فعند هيغل لا توجد سلطة أو إرادة أعلى من سلطة الدولة وإرادتها بحيث يمكن أن تلزمها بسلوك معين في علاقاتها مع الدول الأخرى؛ باعتبار أن الدولة هي سيدة نفسها، وأن جميع الدول متساوية في السيادة، وبالتالي لا توجد سلطة بشرية أو دولية تقوم بتنظيم العلاقات بين الدول أو بحل النزاعات التي قد تنشأ بينها.

في التصدير (1820) يحدد هيغل هدفه النهائي أو غايته: «هذا الكتاب،إذن، وهـو يـحـتـوي على علم للدولة، لا يريد أن يكون أكثر من محاولة لفهم الدولة ورسم صورة لها بوصفها شيئًا عقليًا في ذاتها، ولا بد له ـ بوصفه عملًا فلسفيًا ـ أن يكون بعيدًا من محاولة بناء دولة ما على نحو ما ينبغي أن تكون عليـه الدولة. إنه لا يبيّن الكيفية التي ينبغي أن تفهم بها الدولة بوصفها عالمًا أخلاقيًا»[33]. ويجعل مهمة الفلسفة فهم «ما هو موجود، لأن ما هو موجود هو العقل»[34]. ومنهجه في فلسفة الحق هو نفسه منهجه الجدلي في المنطق، ووفاقًا له يسير الروح الموضوعي (أو فلسفة الحق)، في مراحل ثلاث: الحق المجرد أو الصوري (الملكية، العقد، الخطأ)، ومرحلة الأخلاق الفردية (الذاتية) أو أخلاق الضمير(الغرض والمسؤولية، النيّة والرفاهية (السعادة)، وأخيرًا مرحلة الأخلاق الاجتماعية (الأسرة، المجتمع المدني، الدولة).

وسنركّز اهتمامنا على فكرته عن القانون، وعلى المرحلة الأخيرة من مسار الروح (العقل) وذروتها، أي الدولة، في صفة كونها التحقق العيّني للعقل: «الشيء العقلي في ذاته»، كما يُعبر.

ب - القانون
ينظر هيغل إلى مبدأ الحق بوصفه قانونًا، وذلك «عندما يجعله الفكر متعيّنًا من أجل الوعي، ومعروفًا على أنه حق وصحيح، وعندما يكتسب الحق هذا الطابع المتعيّن بصبح قانونًا وضعيًا بصفة عامة»[35]. ويضيف إن وضع القانون لا يعبر عن «قاعدة سلوك صالحة لكلّ إنسان» فحسب، بل هي اللحظة الأكثر أهمية، ومن الواجب «معرفة مضمون القانون في كلّيته المتعيّنة»[36]. وميّزة القانون، في شكل عام، (قبالة العرف) أنه يحوي مبادىء التشريع في صورة كلية، وهو متعيّن ومُدرَك في إطار الفكر ومعبّر عنه[37]. ومن ثم يملك القانون الوضعي – بفضل ما فيه من حق – القوة المُلزمة، وما هو شرعي فيه عند هيغل أنّه «مصدر معرفتنا عن الحق، أو بدقة أكثر عن حقوقنا المشروعة، وإلى هذا الحد يكون علم القانون الوضعي علمًا تاريخيًا مبدؤه المرشد هو السلطة»[38]. وهكذا، يصبح الحق مُتعيّنًا حين يتخذ صورة القانون الوضعي، ويصبح مُتعيّنًا كذلك في المضمون حين يُطبق على المجتمع المدني (وعلى الأنواع المختلفة من الملكية والعقد داخل المجتمع)[39]. وفي اعتبار القوانين مُلزمة، فيجب أن تكون معروفة للناس كلهم[40]، وعلى القانون في زعمه أن يكون «كلًا شاملًا مغلقًا وكاملًا»، وإذا ما ظهرت بعض التناقضات أو الأخطاء في التطبيق، فإن «حق استكمال القاعدة التشريعية يظلّ قائمًا، مثله مثل الحق في أن تكون هذه المبادىء العامة البسيطة قادرة على أن توضع وتفهم في معزل عن تطبيقها على الأنواع الجزئية ومتميّزة عنها»[41].

لذا، فإن أي انتهاك أو ايقاع ضرر أو شرّ أو جرم أو فساد، لا يعود مجرد انتهاك ذاتي، بل هو «انتهاك أيضًا للشيء الكلّي الذي يوجد بقوة وثبات داخليين»، وبمعنى آخر «إلحاق الأذى بعضو واحد في المجتمع هو الحاق الأذى بجميع الأعضاء الآخرين»، ولا يعتبر مجرّد ضرر، بل يعتبر ضررًا يمسّ «روح المجتمع المدني ووعيه ككل»[42].
وخلاصة الأمر، يكتب هيغل: «حين يـتـخـذ الحق صـورة القانون، فـإنه يخطو نحـو نمط من الوجـه المتعين، وهو بذلك يصبح شيئًا لذاته معارضًا للإرادة الجزئية، وللرأي الذاتي عن الحق، فيكون له وجود قائم بذاته يدعم نفسه بوصفه شيئًا كليًا، ويتم إنجاز ذلك من طريق الاعتراف به وجعله واقعًا لحالة جزئية معينة بغض النظر عن الوجدان الذاتي والمصلحة الخاصة، وتلك مهمة السلطة العامة ـ أو دار القضاء أو المحكمة»[43].

ج - الدولة
يُعرّف هيغل الدولة بأنها: «الوجـود بالفعل للفكرة الأخلاقية، فهي الروح الأخلاقي من حـيـث هـو إرادة جـوهـرية تتجلى، وتظهـر، وتعرف، وتفكر، في ذاتها، وتنجز ما تعرف بمقدار ما تعـرف، وتوجـد الدولة على نحو مـبـاشـر في العرف والقانون، وعلى نحو غير مباشر في الوعي الذاتي للفرد ومعرفته ونشاطه، في حين أن الوعي الذاتي بفضل ميله تجاه الدولة يجد فيها ـ بوصفها مـاهـيّتـه وغاية نشاطه ومحصّلته ـ حريته الجوهرية»[44] . والدولة غاية في ذاتها مطلقة وثابتة، تصل فيها الحرية إلى حقها وقيمتها العليا، ولها حق أعلى من الفرد «لأن واجب الفرد أن يكون عضوًا في الدولة»[45]؛ لذا لا حياة أخلاقية أصيلة للفرد إلا في وصفه عضوًا في الدولة و«مصير الفرد أن يعيش حياة كلية جمعية، والإشباع الجزئي الأبعد من ذلك، والنشاط ونمط السلوك يتّخذ من هذه الحياة الجوهرية والمشروعة على نحو كلي نقطة البداية والنهاية»[46]. هذا، وتعتمد الدولة في مضمونها، أولًا: على وحدة الحرية الموضوعية (حرية الإرادة الكلية والجوهرية)، والحرية الذاتية (حرية كل فرد). ومن حيث صورتها، ثانيًا: تحدد ذاتها من طريق القوانين والمبادىء التي هي أفكار[47].

ويرفض هيغل فكرة الفيلسوف السويسري جان جاك روسو (1778 - 1712) عن العقد المُنشأ للدولة؛ لأنه لم ينظر إلى «الإرادة الكلية على أنها العنصر العقلي المطلق في الإرادة»، ويدعونا إلى التمييز بين مراحل التطور التاريخي للدولة وبين «جوهر الدولة»[48] أو «فكرة الدولة»، التي هي «الفكرة الكلية بوصفها جنسًا وكقوة مطلقة أعلى من الدول الفردية، إنها الروح وقد وهبت نفسها التحقّق الفعلي في مسار تاريخ العالم»[49]. فالدولة هي «التحقّق الفعلي للحرية العينيّة»[50]، ولا يسود هذا الكلّي إلّا في سيره مع المصالح الجزئية، ومن خلال تعاون المعرفة والإرادة الجزئيتين[51].
ولهذه الدولة حقيقتها الواقعية في ضمير الأفراد، والأشخاص الذين يتوقّفون عن أن يكونوا، بفضل هذا الضمير بالذات، مجرّد أشخاص فرديين. فالدولة هي واقع في مشاعر الوطنية لمواطنيها، بالإضافة إلى أن المواطن حرّ عينيًا عندما يتعرّف في الدولة على الحرية العينية، أي على ميدان العمل العاقل: «وحدها الدولة لها أهداف واعية وكلية في الوقت نفسه، والأفضل القول انطلاقًا من ماهيتها، أن لها هدفًا واحدًا، هدف لا يمكن التفكير بأي هدف غيره : العقل وتحقيق العقل، أي الحرية»، وفي مقابل الدولة ليس هناك إلا «الرأي والرغبة الفردية وتفاهات الإدراك «[52]، وماهية الدولة هي القانون، قانون العقل الذي به يمكن لكل كائن عاقل أن يتعرّف على إرادته العاقلة[53].

د - الدستور
يُقرّ هيغل في الفقرة 271: «أن دستور الدولة هو في الدرجة الأولى تنظيم الدولة، والعملية التي ترتبط بذاتها في حياتها العضوية، وهي العملية التي تميّز بها الدولة لحظاتها داخل ذاتها وتطورها حتى تصل إلى مرحلة الوجود القائم بذاته»[54]. وبنشاطها المتمايز تتوجّه الدولة أيضًا إلى الخارج وتقيم صلات مع الدول الأخرى[55].
ويرفض الفيلسوف الألماني الفصل بين السلطات الثلاث داخل الدولة (العزيز على قلب روسو)، بحجة أن «كلًا منها تحوي اللحظات الأخرى وتجعلها مؤثّرة في ذاتها، ولما كانت اللحظات تعبيرًا عن تمايز الفكرة الشاملة، فإنّها تبقى في مثاليّتها، ولا تشكّل سوى كل فردي واحد»[56]. فاستقلال السلطات يؤدّي، في زعمه، إلى تدمير الدولة، والأساس عنده «وجود الدولة». ويرى انقسام الدولة بوصـفـهـا كيانًا سياسيًا إلى ثلاثة أقسام جوهرية هي:

السلطة التي تحدّد وتقيم الكلي، وتلك هي السلطة التشريعية .
ب ـ السلطة التي تدرج الحالات الفردية والمجالات الجزئية تحت الكلي، وتلك هي السلطة التنفيذية.
جـ ـ سلطة ذاتية، بوصـفـهـا الإرادة مع سـلـطـة الـقـرار النهائي ـ التـاج (أو الملك)، وتتحدد جـمـيـع السلطات المتّصلة في سلطة التاج، أي في وحـدة فـردية تصبح في آن معًا القيمة والقاعدة للكل، وتلك هي للملكية الدستورية[57] .
وفي وجه اتّهامه بإلغاء الفرد تمامًا لصالح الدولة، وهو «العنصر الجزئي»، وجد الباحث المصري، مترجم هيغل، د. إمام عبد الفتاح إمام، أن هيغل كثيرًا ما تحدّث عن «حقوق الفرد التي لا يمكن سلبها»، وقد دان العبودية والرق، والحرمان من الملكية الخاصة، وهو من وحّد بين الحرية والإرادة[58].

يصل إريك وايلي إلى خلاصة مفادها أن النظرية الهيغلية عن الدولة نظرية صحيحة، لأنها حللت بصدق الدولة الواقعية في عصره (الدولة البروسية) ولعصرنا (الدولة الحديثة)[59].

هيغل ونقاده
هل للفكر الإسلامي فلسفة قانون خاصة به، بحيث يمكنها نقد ما طرحه هيغل أو غيره من فلاسفة القانون في العالم غير الإسلامي؟

للجواب على هذا التساؤل لا بدّ من التفريق بين أمرين:
الأمر الأول: الرؤية الفلسفية القانونية الإسلامية
الأمر الثاني: القدرة النقدية انطلاقًا من أدوات الرؤية الكونية الإسلامية

وذلك أن كلامنا تارة يكون حول التأسيس لفلسفة قانونية خاصة، وبذلك نلجأ إلى الأدوات المعرفية والابستمولوجية الخاصة التي يؤسّسها الفكر الإسلامي لإنتاج أجوبة حول الأسئلة التي حاول فلاسفة القانون الإجابة عليه، كالسؤال عن فلسفة العقوبة والسؤال عن المشروعية التي تكتسبها الدولة لممارسة العنف المقنّن تجاه المواطنين، وكالسؤال عن العلاقة بين الأخلاق والقانون وغير ذلك، ففي مثل هذه الموارد نذهب لنجيب عن الأسئلة وفق الأسس الابستمولوجية والأنطولوجية الإسلامية، ونكون هادفين لتأسيس الرؤية بغض النظر عن جميع الرؤى المقابلة.
وتارة أخرى، لا نسعى إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، بل نسعى لنحاكم ما طُرح من أجوبة في الفلسفات القانونية الأخرى على ضوء معطيات الفكر الإسلامي، كأن نقول مثلًا: إلى أي مدى ينسجم ما طرحه هيغل في مسألة الإرادة والحق مع البناء الفكري والعقائدي الإسلامي؟ وهكذا.

ونحن في هذا القسم من البحث لا نسعى لبيان الأمر– أي التأسيس الإسلامي لفلسفة القانون -، بل نسعى لبيان محطّات معيّنة نقدية للفكر الهيغلي في مسألة الحق من منظار الفكر الإسلامي الفلسفي والكلامي وغير ذلك.

المساواة بين الحقوق والواجبات
من الأفكار المحورية التي يصدّرها هيغل في بحثه حول فلسفة القانون قضية " أن الحق - القانون ليس تحديدًا للحرية، بل هو التحقيق الفعلي للحرية في الوجود العيني؛ ولهذا ينتهي إلى القول بأن الواجبات هي الحقوق، والحقوق هي الواجبات"[60]، وبالتالي فإن كل شخص له من الحقوق بمقدار ما عليه من الواجبات، ولا يسقط الحق مع بقاء الواجب ولا يسقط الواجب مع بقاء الحق، وهذا هو مقتضى التساوي بينهما.

وههنا توجد نقطتان جديرتان بالبحث والتحقيق:
أولًا: إن القول بالوحدة العينية بين الحرية والقانون فيه شيء من المبالغة وعدم الدقة، خاصة مع إطلاق مفهوم الحرية، فالحرية بمعناها العام في الفكر الإسلامي مشتركة بين عدّة مراتب، أو قل إنّ للحرية معنى شاملًا لعدة أقسام، فهناك الحرية الناشئة من إطلاق الشهوة والغضب، وهذه الحرية من حيث بعض قوى النفس، ولا يمكن أن تكون هي الباعث على الانتظام والقانون إلا بخضوعها للهيئة الاستعلائية العقلية التي تقيّدهما وتجعلهما في حدود التوسّط والاعتدال بين الإفراط والتفريط، ومن ثم لا يمكن أن يكون الإنسان حرًّا في هاتين القوّتين في عين كونه خاضعًا للقانون؛ لأن القانون بالنسبة لهاتين القوّتين هو تحديد وتقييد لهما، فلا بد من حاكم عليهما، وهذا الحاكم هو العقل والشرع وفق المنطق الإسلامي للفهم القانوني.

ثانيًا: هل الحقوق متساوية مع الواجبات في الرؤية القانونية الإسلامية؟ لا يظهر أن الأمر كذلك، خاصة أن التساوي المطروح لا بد أن يكون تساويًا في الفعلية والقوة، بمعنى أن الحق لو كان ثابتًا في نفسه ولكن غير مفعّل لسبب من الأسبا،ب فإن على هيغل أن يتبنّى عدم تفعّل الواجب بحكم المساواة التي ادّعاها، ولكننا لو توجّهنا إلى منطق الفقه والقانون الإسلامي، نجد أن ثمّة بابًا كبيرًا تسقط فيه الحقوق دون الواجبات، مثلًا المحجور عليه بسبب التفليس، فإن أمواله ثابتة في حقه، ولكنه ممنوع من التصرف فيها بسبب الحجر عليه، فالحق مجمّد ولكن في الوقت نفسه لا يسقط أي من واجباته في أداء الديون التي عليه مثلًا، ففي هذه الحالة تعطّلَ حقُّه – بمعنى تم تجميده - ولم تتعطل واجباته، فلا بد من القول بأنه لا معنى للتساوي في الحقوق والواجبات بالمعنى الذي طرحه هيغل بنحو مطلق، ونظير هذا الكلام موجود في أكثر من موضع أيضًا.
ثالثًا: في باب الوصاية على الصبي الذي لم يبلغ سن التكليف بحيث يستطيع التصرف بأمواله الخاصة التي وهبت له أو حصل عليها بطريق ما، فإن على الوصي أن يتصرّف في الأموال بما يجلب له المصلحة أو لا يوقع المفسدة، فالحق ثابت للصبي أولًا وبالذات، وليس عليه أي واجب من حيث كونه دون سن التكليف، كل ذلك بحسب الرؤية الإسلامية القانونية.

أما بالنسبة لنقد هيغل من الفلاسفة أو المفكرين الآخرين، فهناك ثلاث أفكار لجأ عدد من الباحثين إلى إعادة النظر فيها غالبًا ما ارتبطت بالمفهوم الهيغلي للدولة[61]. ويمكن تلخيصها بالعبارات التالية:

1. الدولة الهيغلية دولة “شاملة”، إن لم نقل شمولية.
2. تؤمن خضوع أعضائها من جانب واحد لسلطتها العليا.
3. تقوم على مفهوم “بطولي” للمواطنة. وبحسب الباحث البلجيكي من جامعة بروكسل الحرة، لوي كاري، لم يتحدث هيجل أبدًا عن دولة “كلية”، بل عن الدولة باعتبارها “كلية” (فلسفة الحق، الفقرة 272). وهذا في الواقع، في زعمه، أكثر بكثير من مجرد اختلاف بسيط في اللغة، فالفجوة بين الدولة «الشاملة» والدولة التي تم تصوّرها على أنها «كلية» تكمن في حقيقة أن مصطلح «الكلية» يشير عند هيغل إلى شكل من أشكال الواقع يتميز بخاصية إعادة إنتاج نفسه من خلال اختلافاته. إذ تشترك البنية العقلانية للدولة مع الكائنات الحية في أنها تقدم نفسها في شكل «كلية» معقّدة ومتمايزة ذاتيًا، ويقوم مفهوم الدولة عنده على الدستور[62].

وبالتوافق مع المعنيَين الواسع والمحدود، اللذَين يأخذهما مفهوم الدولة عنده، يقدم دستور الدولة أيضًا، على طريقة الإله جانوس، وجهان: الأول، «الدستور في عنصر الخاص» (الفقرة 265)، يتجه نحو تكامل المجالات المؤسسية الأخرى التي تتعلق بالحياة الأخلاقية ككل، والآخر، “الدستور السياسي” (الفقرة 270)، نحو تنظيم السلطات السياسية الثلاث في حد ذاتها. هذان الوجهان للدستور يكمل كل منهما الآخر ليشكّلا «كلية» متمايزة ذاتيًا (بالطريقة التي تساهم بها الأعضاء المختلفة التي تشكّل كائنًا حيًّا في تكاثره بينما يحافظ كل منها على خصوصيته)[63].

أ - نقد ماركس
وجه لودفيج فيورباخ (1872 - 1804) سهام نقده إلى مجمل فلسفة هيغل (1842) متّهمًا إياه بالمثالية[64]. لكن كارل ماركس (1883 - 1818) ركّز في نقده على نظرة هيغل إلى الحق (القانون)، واعتبر أن ما قدمه هو نسخة ألمانية في الدولة والحقوق، وما يطرحه مواطنه يتعلق بالدولة الألمانية الراهنة آنذاك، كما ينتقد فكرته عن الدولة من خلال نقد الصلة المقامة عنده بين الدولة السياسية والمجتمع المدني البورجوازي، وينتقد المذهب التأملي، ويضع في قباله «الممارسة»، ومن خلال أوجه النقد هذه افتتح ماركس حقل اشتغاله في التنظير السياسي.

وسأنقل هنا نص ماركس الطويل تعميماً للفائدة: «إن الفلسفة الألمانية للحقوق والدولة هي التاريخ الألماني الوحيد الذي يمكن اعتباره في مستوى الراهنية المعاصرة الرسمية، وهكذا فالشعب الألماني مقود إلى ربط هذا التاريخ الخيالي بالوضع الذي يعانيه اليوم، وإلى تسليط النقد لا ضد هذا الوضع القائم فحسب، بل ضد امتداده التجريدي أيضاً، إن مستقبله لا يمكن أن يقتصر على النفي المباشر للشروط السياسية والقانونية التي يعيشها حقًا، ولا على التحقيق المباشر لتلك الشروط التي يفكر بها، فإنه يتخطى منذ الآن تقريبًا تحقيق شرطه الفكراني في تأمل الشعوب المجاورة.

إن نقد الفلسفة الألمانية حول الدولة والحقوق، الذي قدم هيغل أشده تماسكًا ومنطقية وسموًّا وغنى، هو في الوقت نفسه التحليل النقدي للدولة العصرية وللواقع المرتبط بها، النفي الحازم لكل نمط سابق من الوعي السياسي والحقوقي الألماني، الوعي الذي تؤلّف فلسفة الحقوق التأملية أرفع وأشمل تعبير عنه، تعبير بلغ مستوى العلم. ففي ألمانيا وحدها كان ممكنًا أن تولد فلسفة الحق التأمليّة، هذا الأسلوب المجرّد والمتعالي في التفكير حول الدولة العصرية التي يظل واقعها ما ورائيًا (حتى وإن كان ذاك الماوراء يقع ما وراء نهر الرين فحسب). وبعكس ذلك فإن الأيديولوجيا الألمانية للدولة العصرية، التي تغفل الإنسان الواقعي، لم تكن ممكنة إلا بقدر ما تغفل الدولة العصرية بالذات إنسان الواقع، أو لا ترضي الإنسان الكلي إلا بصورة وهميّة. في السياسة، فكر الألمان ما فعلته الشعوب الأخرى، لقد كانت ألمانيا وعيهم المعنوي النظري.

إن التجريد وتعالي الفكر قد سارا دائماً جنباً إلى جنب مع ضيق أفق الواقع الألماني وابتذاله. وإذا كان الوضع القائد لنظام الدولة الألماني يعبّر جيدًا عن النظام القديم في اكتماله – وهو الشوكة المغروسة في أعمق أعماق جسم الدولة العصرية – فإن الوضع القائم لعلم الدولة الألماني يعبر عن الدولة العصرية في عدم اكتمالها : يعبر عن تعفّن الجسم ذاته. فنقد الفلسفة التأمّلية للحقوق، ولو بمجرّد كونها من حيث طبيعتها خصمًا لدودًا لنمط الوعي السياسي الألماني السالف، لا يبحث في ذاته عن غرضه هو ذاته، بل إنّه يفضي إلى مهمات لا حلّ لها إلا وسيلة واحدة: الممارسة» [65] .

ب - نقد رسل
رأى الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل (1970 - 1872)، في نظرية هيغل عن الدولة وانحيازه الكامل لها تبريرًا «لكل استبداد داخلي، وكل اعتداء خارجي يمكن تخيّله»، إذ قاده منطقه الجدلي إلى الاعتقاد بأن ثمة «حقيقة واقعية أو امتيازًا (واللفظان عنده مترادفان) أعظم في الكل منه في أجزائه، وأن الكل ينمّي الحقيقة الواقعية والامتياز عنـدما يكون منظّمًا بدرجة أكبر»[66]. واعتبر إيثاره الدولة على الكنيسة انحيازًا بروتستانتيًا فحسب، وحين تقيم السلطة في مكان واحد، أي في الدولة، فسيكون من الصعب مقاومتها إذا وقع جور ما، أو اذا كانت متجاوزة للحد[67].
من المؤكّد أن مبادئ فلسفة القانون تركت بصماتها على التقاليد القانونية والفلسفية. ولكن النقد الأساسي لهيغل هو مفهومه الدولتي، إلى الحد الذي أصبحت فيه الدولة في قلب المجتمع، تتحكّم حتى في المجتمع المدني.
أخيرًا، وبحسب أحد الباحثين، تبقى «العودة إلى هيغل ضرورة معرفية ومنهجية، في لحظة غياب النظرية السياسية الشاملة، لمصلحة شعارات أيديولوجية لهويات طائفية، وعدم الاتفاق حول فكرة عن الحق جامعة»[68].


قائمة المصادر والمراجع
1. إريك وايلي، هيجل والدولة (بيروت، دار التنوير، ط 3، 2007). ترجمة نخلة فريفر.
2. إمام عبد الفتاح إمام، المنهج الجدلي عند هيغل (بيروت، دار التنوير، ط2، 1982).
3. أمانويل كنت، مشروع للسلام الدائم (القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1952) ط 1. ترجمة وتقديم د. عثمان أمين.
4. برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977)، الكتاب الثالث، الفلسفة الحديثة. ترجمة محمد فتحي الشنيطي.
5. بيتر سينجر، هيغل، مقدمة قصيرة جداً (القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2017). ترجمة محمد ابراهيم السيد، ومراجعة مصطفى محمد فؤاد.
6. جورج سعد، "الإجابة على التساؤلات الأساسية في فلسفة القانون"، ضمن كتاب ثقافة فلسفة القانون، مجموعة من الباحثين ، (بيروت، دار النجوى، 2009).
7. جورج زيناتي، الفلسفة في مسارها (بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2002، الطبعة الثانية 2013).
8. حسام أبو حامد ، "الثورة تأكل أبناءها: قراءة في فلسفة هيغل السياسية"، موقع ضفة ثالثة، 7 نيسان/ ابريل، 2018
9. حسين جبار ، مذاهب الفكر القانوني الفلسفي، منشورة على الشبكة العنكبوتية.
10. عبد الرحمن بدوي، أمانويل كنت، فلسفة القانون والسياسة (الكويت، وكالة المطبوعات، 1979).
11. فارس ساسين، محاضرات في الفلسفة الحديثة في الجامعة اللبنانية – الفرع الرابع، وكان دونها الباحث أنجيلو البعيني، وبقيت مخطوطة.
12. كانط، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق (القاهرة، ط 1، 1963، طبعة مؤسسة هنداوي 2020). ترجمة د.عبد الغفار مكاوي، ومراجعة د. عبد الرحمن بدوي
13. ماغي حسن عبيد، فلسفة القانون، "السجال بين جمود النص وطفرات الواقع" (بيروت، دار صادر، 2017).
14. محمد العريبي، المختار في الفلسفة (لبنان، منشورات حركة الريف، 2002).
15. محمد وطفة، "القانون بين الفلسفة والنظريّة العامة: عود الى بدء أو نهاية القطيعة الإبستيمولوجية"، ضمن كتاب ثقافة فلسفة القانون، مجموعة من الباحثين، (بيروت، دار النجوى، 2009).
16. ميخائيل أنوود، معجم مصطلحات هيجل (القاهرة، المشروع القومي للترجمة، 2000).ترجمه وقدم له وعلق عليه د. إمام عبد الفتاح إمام.
17. هيجل، أصول فلسفة الحق (القاهرة مكتبة مدبولي، 1996). ترجمة وتقديم د. إمام عبد الفتاح إمام. الجزء الأول. ص 115.
18. وليم كلي رايت، تاريخ الفلسفة الحديثة (بيروت، دار التنوير، 2010). ترجمة محمود سيد أحمد، ومراجعة د.إمام عبد الفتاح إمام.
19. يوسف سلامة، السلب عند هيغل ،القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2008.
21. K. Marx, Critique de la philosophie du droit de Hegel, (Paris, éd. Sociales, 2018).
22. Louis Carré,” Hegel penseur de l’État contre la démocratie”, in: TUMULTES, numéro 44, 2015. P. 42 .
23. Simone Goyard – Fabre , Kant et le problem du Droit (Paris, Ed. Vrin, 1975). P. 10.

--------------------------------------
[1]*ـ أستاذ فلسفة، الجامعة اللبنانية، المعهد العالي للدكتوراه.
[2] - لن أستغرق في شرح حياة ومسار هيغل، لأن ما يهمنا هو فلسفته ولا سيّما فلسفة الحق. ويمكن للتوسع مراجعة كتاب د. عبد الرحمن بدوي، حياة هيجل (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980). وكذلك: رينه سرو، هيغل والهيغلية (بيروت، دار الطليعة، 1993). ترجمة الدكتور أدونيس العكره. وحول عصره يمكن العودة إلى : R. Haym, Hegel et son temps, (Paris, Gallimard, 2008).
[3] - إذ أدى الحاح هيغل على النسق (أو المنظومة) جعل فلسفته موضع التباس، «وجدت امتدادها في اتجاهين متباينيّن: فلسفة في التاريخ تؤدي إلى نزعة إنسانية بالمعنى الذي سيعطيه كل من فيورباخ وماركس (على الأقل في مؤلفاته الأولى) وهي تتجلّى أساسًا في كتاب فلسفة الحق، حيث تكون الفكرة هي الإرادة الكلية للدولة والدولة هي محقق التاريخ»، كما يقول د. عبد السلام بنعبد العالي، هايدغر ضد هيغل، التراث والاختلاف (بيروت، دار التنوير، 1985). ص 36.
[4] - برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977)، الكتاب الثالث، الفلسفة الحديثة. ترجمة محمد فتحي الشنيطي. ص 351.
[5] - Simone Goyard – Fabre , Kant et le problem du Droit (Paris, Ed. Vrin, 1975). P. 10.
[6] - كانط، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق (القاهرة، ط 1، 1963، طبعة مؤسسة هنداوي 2020). ترجمة د.عبد الغفار مكاوي، ومراجعة د. عبد الرحمن بدوي. ص 35 و36.
[7] - كانط، نظرية القانون، نقلًا عن الدكتور عبد الرحمن بدوي، أمانويل كنت، فلسفة القانون والسياسة (الكويت، وكالة المطبوعات، 1979). ص 26 و27.
[8] - كانط، نظرية القانون، نقلًا عن الدكتور عبد الرحمن بدوي، إيمانويل كنت، فلسفة القانون والسياسة (الكويت، وكالة المطبوعات، 1979). ص 13.
[9] - كانط، نظرية القانون، المصدر السابق، ص 6.
[10] - الدكتور عبد الرحمن بدوي، إيمانويل كنت، فلسفة القانون والسياسة (الكويت، وكالة المطبوعات، 1979). ص 119.
[11] - المصدر نفسه، ص 120 و121.
[12] - إيمانويل كنت، مشروع للسلام الدائم (القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1952) ط 1. ترجمة وتقديم د. عثمان أمين. ص 92.
[13] - القاعدة القانونية هي القاعدة التي تلزم الجميع بتطبيقها، كما تساهم في جعل النص القانوني قيد التنفيذ، فيعرف القانون على أنه مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم الحياة والعلاقات بين الأشخاص في المجتمع؛ لذلك في هذا المقال سنقوم بشرح وتوضيح القاعدة القانونية وخصائصها ومن ثم التطرق إلى مضمون القاعدة القانونية. ومن ميزاتها أنها: قاعدة اجتماعية، وعامة ومجردة، وأخيرًا القاعدة القانونية قاعدة ملزمة التنفيذ.
[14] - د. محمد وطفة، «القانون بين الفلسفة والنظريّة العامة: عود على بدء أو نهاية القطيعة الإبستيمولوجية»، ضمن كتاب ثقافة فلسفة القانون، مجموعة من الباحثين، (بيروت، دار النجوى، 2009). ص 211.
[15] - د. جورج سعد، «الإجابة على التساؤلات الأساسية في فلسفة القانون»، ضمن كتاب ثقافة فلسفة القانون، مجموعة من الباحثين، (بيروت، دار النجوى، 2009). ص 68.
[16] - ثورة كوبرنيكوس، مصطلح يشير إلى الثورة على النظرية المعروفة بنموذج مركز الأرض التي كانت تقوم على فكرة أن الأرض هي مركز المجرة، بزعم كوبرنيكوس أن الشمس مركز النظام الشمسي. كانت تلك النظرية نواة لثورة علمية في القرن السادس عشر الميلادي
[17] - من محاضرات الراحل الدكتور فارس ساسين في الفلسفة الحديثة في الجامعة اللبنانية – الفرع الرابع، وكان دونها الباحث أنجيلو البعيني، وبقيت مخطوطة.
[18] - ترجم الدكتور، عالم النفس المصري، مصطفى صفوان قسم منه تحت عنوان علم ظهور العقل (بيروت، دار الطليعة، 1981).
[19] - د. جورج زيناتي، الفلسفة في مسارها (بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2002، الطبعة الثانية 2013). ص 213 و214.
[20] - د. زيناتي، المصدر نفسه، ص 214.
[21] - من المهم الإشارة إلى القراءة المغايّرة التي قام بها المفكر الروسي أ. كوجيف لكتا ب «فينومينولوجيا الروح»، وفق تأويلات جديدة :»قادرة على إضاءة حركة الفكر والتأثير في سيرورة الفكر حاضرًا ومستقبلًا”. للتوسع، انظر: ألكسندر كوجيف، مدخل لقراءة هيجل (القاهرة، دار رؤية للنشر والتوزيع، 2017). ترجمة وتقديم عبد العزيز بومسهولي.
[22] - د. إمام عبد الفتاح إمام، المنهج الجدلي عند هيغل (بيروت، دار التنوير، ط2، 1982). ص 15 – 16.
[23] - وليم كلي رايت، تاريخ الفلسفة الحديثة (بيروت، دار التنوير، 2010). ترجمة محمود سيد أحمد، ومراجعة د.إمام عبد الفتاح إمام. ص 330.
[24] - للتوسع، راجع : د. يوسف سلامة، السلب عند هيغل (القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2008). والكتاب يتناول مفهوم السلب عند الفيلسوف الألماني باعتباره «عرض رحلة الروح من الوجود المجرد إلى الروح المطلق، بغية إيضاح الصورة الحقيقية لهذا المفهوم وجعلها هى ذاتها رحلة الروح ولكن الروح هنا هي بمثابة الغاية العليا والسلب هو وسيلتها».
[25] - د. زيناتي، المصدر نفسه، ص 215.
[26] - رسل، تاريخ الفلسفة الغربية، الكتاب الثالث، مصدر مذكور. ص 361.
[27] - بيتر سينجر، هيغل، مقدمة قصيرة جدًا (القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2017). ترجمة محمد إبراهيم السيد، ومراجعة مصطفى محمد فؤاد. ص 38 و39.
[28] - مذاهب الفكر القانوني الفلسفي، اعداد حسين جبار، منشورة على الشبكة العنكبوتية. وراجع أيضًا: د. ماغي حسن عبيد، فلسفة القانون، «السجال بين جمود النص وطفرات الواقع” (بيروت، دار صادر، 2017). ص 137.
[29] - وضعه هيغل في العام 1818 ويعد من أفضل كتبه تعبيرًا عن أفكاره، ولا سيما نظرته إلى فكرة الدولة، وهو آخر كتاب صدر له في أثناء حياته. وأول ترجمة عربية للكتاب أنجزها تيسير شيخ الأرض تحت عنوان «مبادىء فلسفة الحق” وصدرت عام 1973 عن وزارة الثقافة السورية.
[30] - بيتر سينجر، هيغل، مقدمة قصيرة جدًا (القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2017). ترجمة محمد ابراهيم السيد، ومراجعة مصطفى محمد فؤاد. ص 42.
[31] - د. عبد الرحمن بدوي، فلسفة القانون والسياسة عند هيجل (القاهرة، دار الشروق، ط 1، 1996). ص 9.
[32] - د. عبد الرحمن بدوي، فلسفة القانون والسياسة عند هيجل (القاهرة، دار الشروق، ط 1، 1996). ص 9.
[33] - هيجل، أصول فلسفة الحق (القاهرة مكتبة مدبولي، 1996). ترجمة وتقديم د. إمام عبد الفتاح إمام. الجزء الأول. ص 115.
[34] - المصدر نفسه، التصدير، ص 116.
[35] - هيغل، أصول فلسفة الحق، الجزء الثاني، ص 452. ترجمة د. أمام عبد الفتاح إمام. طبعة مدبولي. مصدر مذكور.
[36] - المصدر نفسه، ص 453.
[37] - المصدر نفسه، ص 454.
[38] - المصدر نفسه، ص 458.
[39] - المصدر نفسه، ص 459. ويعتبر هيغل في فلسة الحق إن المجتمع المدني نطاق متميّز من الحياة الأخلاقية مقابل الأسرة والدولة، ويتوسط بينهما، ويشمل الحياة الإقتصادية للجماعة مع التنظيمات القانونية والسياسة وال‘جتماعية التي تضمن قيامه بعمله في سهولة. للتوسع: ميخائيل أنوود، معجم مصطلحات هيجل (القاهرة، المشروع القومي للترجمة، 2000).ترجمه وقدم له وعلق عليه د. إمام عبد الفتاح إمام.
[40] - هيجل، أصول فلسفة الحق (القاهرة مكتبة مدبولي، 1996). ترجمة وتقديم د. إمام عبد الفتاح إمام. الجزء الأول. ص 460.
[41] - هيجل، المصدر نفسه،. ص 462.
[42] - المصدر نفسه، ص 465 . وعلى سبيل الإستطراد يمكن الإشارة إلى الآية القرآنية: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32 ) .
[43] - المصدر نفسه، ص 467.
[44] - هيغل، أصول فلسفة الحق، مصدر مذكور. ص 497.
[45] - المصدر نفسه، ص 497.
[46] - المصدر نفسه، ص 498.
[47] - المصدر نفسه، ص 498.
[48] - هيغل، أصول فلسفة الحق، مصدر مذكور، ص 501.
[49] - المصدر نفسه، ص 504.
[50] - المصدر نفسه، ص 505.
[51] - المصدر نفسه، ص 506.
[52] - إريك وايلي، هيجل والدولة (بيروت، دار التنوير، ط 3، 2007). ص 53. ترجمة نخلة فريفر.
[53] - المصدر نفسه، ص 59.
[54] - هيجل، أصول فلسفة الحق، مصد مذكور، ص 528.
[55] - هيجل، المصدر نفسه، ص 529.
[56] - هيجل، المصدر نفسه، ص 530.
[57] - هيجل، م.س، . ص 533.
[58] - من تقديم د. امام لترجمة أصول فلسفة الحق، مصدر مذكور، ص 85.
[59] - إريك وايلي، هيجل والدولة، مصدر مذكور، ص 81.
[60] - عبد الرحمن بدوي، فلسفة القانون والسياسة عند هيجل، مصدر سابق، صفحة 9.
[61] - انظر في بحث د. أشرف منصور، «قراءة جديدة لفلسفة هيغل في الدولة». موقع الحوار المتمدن، 2007.
[62] - Louis Carré,” Hegel penseur de l’État contre la démocratie”, in: TUMULTES, numéro 44, 2015. P. 42 .
[63] - Ibid, P. 43..
[64] - د. محمد العريبي، المختار في الفلسفة (لبنان، منشورات حركة الريف، 2002). ص 218.
[65] - نقد فلسفة الحق عند هيغل ( Zur Kritik der Hegelschen Rechtsphilosophie) مخطوط كتبه الفيلسوف السياسي الألماني كارل ماركس في عام 1843 في الحوليّات الألمانية – الفرنسية Deutsch–Französische Jahrbücher . لم ينشر المخطوط أثناء حياة ماركس (باستثناء المقدمة في عام 1844)، وفيها يعلق ماركس على كتاب مواطنه الفيلسوف هيغل أصول فلسفة الحق . واحدة من انتقادات ماركس الرئيسية لهيغل في الوثيقة هو حقيقة أن كثيرًا من الحجج جدلية. يحتوي هذا العمل على صياغات نظرية ماركس الخاصة في الاغتراب، كما تحوي المقدمة نقدًا للدين.
K. Marx, Critique de la philosophie du droit de Hegel, (Paris, éd. Sociales, 2018).
[66] - برتراند رسل، تاريخ الفلسفة الغربية (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977)، الكتاب الثالث، الفلسفة الحديثة، ترجمة محمد فتحي الشنيطي. ص 367.
[67] - رسل، المصدر نفسه، ص 368.
[68] - حسام أبو حامد، “الثورة تأكل أبناءها: قراءة في فلسفة هيغل السياسية”، موقع ضفة ثالثة، 7 نيسان/ ابريل، 2018.