الباحث : محمد آصف محسني (حكمت)
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 35
السنة : صيف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : October / 21 / 2024
عدد زيارات البحث : 348
الملخص:
يُعدّ بحث العلاقة بين النظرية والتطبيق من الأبحاث المهمّة في فلسفة التربية والتعليم. لو وضعنا المباني النظرية أساساً للتربية والتعليم، وعمدنا إلى استنتاج المسائل التربوية منها، فسوف تكتسب النظرية التربوية هوية فلسفية. وأما لو نظرنا إلى التربية والتعليم برؤية علمية وعملية، فسوف لن يكون للمباني النظرية مكانة مرموقة في النظرية التربوية. وفي الحدّ الأدنى منذ النصف الثاني من القرن العشرين للميلاد، واجه الأسلوب الاستنتاجي والنظرية المنبثقة عن المباني الفلسلفية والتعاليم الدينية، والعلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، بعض التحديات الجادّة.
لقد ذكر فلاسفة التربية والتعليم أدلة متعددة على إنكار العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق. ومن بين أهمها مسألة العبور من (ما هو كائن) إلى (ما ينبغي أن يكون) والتي تحوّلت في الغرب إلى معضلة لا حلّ لها، وأدّت إلى الإعراض عن الأسلوب الاستنتاجي، والانتقال إلى المنهج التحليلي وما بعد التحليلي. إن التضاد بين النظرية والتطبيق دفع بعض الفلاسفة بدورهم إلى إنكار العلاقة المذكورة. كما أدّى التخلي الشامل عن الأبحاث النظرية وعدم الإحساس بدور النظرية من الناحية العملية ومستوى التطبيق، إلى فقدان المباني النظرية لمكانتها.
على الرغم من أن فلاسفة التربية والتعليم في الغرب المعاصر لم يشاؤوا أو لم يتمكنوا من تقديم حلول مقبولة لحل مشاكل العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، يبدو أن أدلتهم على إنكار هذه العلاقة ليست تامّة، وأنه في الحدّ الأدنى يمكن في منهج الفلسفة الإسلامية تقديم حلول منطقية ومقبولة لهذه المشاكل المذكورة. هناك في الرؤية الإسلامية ارتباط وثيق بين (ما هو كائن) و(ما ينبغي أن يكون)؛ وذلك لأن مدركات العقل العملي تقوم على أساس مدركات العقل النظري، وهي
على الرغم من أن فلاسفة التربية والتعليم في الغرب المعاصر لم يشاؤوا أو لم يتمكنوا من تقديم حلول مقبولة لحل مشاكل العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، يبدو أن أدلتهم على إنكار هذه العلاقة ليست تامّة، وأنه في الحدّ الأدنى يمكن في منهج الفلسفة الإسلامية تقديم حلول منطقية ومقبولة لهذه المشاكل المذكورة. هناك في الرؤية الإسلامية ارتباط وثيق بين (ما هو كائن) و(ما ينبغي أن يكون)؛ وذلك لأن مدركات العقل العملي تقوم على أساس مدركات العقل النظري، وهي ذات منشأ واقعي. إن اختلاف النظرية والتطبيق لدى بعض الفلاسفة أو الإعراض عن الأبحاث النظرية معلول بدوره لبعض العوامل الخارجية، وهي تنشأ بشكل رئيس عن النزعة التجريبية المتطرفة والنزعة العملية الحاكمة على العالم الغربي؛ ومن هنا لا يمكن أن تكون دليلاً على عدم جدوائية الأبحاث النظرية وعدم وجود العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق.
الكلمات المفتاحية: الفلسفة، التربية والتعليم، العلاقة المنطقية، النظرية، التطبيق، الوجود والوجوب.
المقدمة
إن التربية والتعليم ـ مثل سائر العلوم الأخرى ـ تقوم على أساس من المباني النظرية، وإن لها دوراً حاسماً في تعيين الأهداف والأصول والأساليب والمناهج. إن النظرية التربوية تمثّل من جهة أساساً ومبنى منطقياً للقيَم والسلوكيات التربوية، ومن ناحية أخرى تفتح الطريق أمام التحليلات والتحقيقات الجديدة، والتي تؤدّي بدورها إلى زيادة العلم والمعرفة أيضاً. إن النظرية تساعد المحققين والتربويين والمدراء على ترسيخ أسسهم النظرية والعمل على تحكيمها بما يتناسب مع الخطط والمشاريع التربوية التي يرومون تحقيقها. وكذلك هناك في حقل التربية والتعليم أسئلة أساسية وجوهرية لا يمكن الحصول على إجابات صحيحة عنها من دون أن نمتلك نظرية تربوية صحيحة في هذا الشأن. كما أن النظرية بالإضافة إلى الأبعاد المعرفية، تحظى بأهمية كبيرة من النواحي المرتبطة بالعمل والتطبيق أيضاً؛ ومن هنا كان الاتجاه الغالب على فلسفة التربية والتعليم هو الاتجاه الاستنتاجي وقيام المسائل التربوية على أساس المباني النظرية. وعلى الرغم من ذلك فإن مكانة ودور المباني النظرية والإلهية قد شهدت تحدياً في هذا الحقل العلمي في العالم الغربي منذ النصف الثاني من القرن العشرين للميلاد. وقد ذهب بعضهم إلى إنكار الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، وأقاموا أدلة على عدم وجود هذا الارتباط.
وقد تسلل هذا النهج إلى البلدان الإسلامية حالياً، وبفعل ذلك أصبح الشرخ ملموساً بين القيَم الدينية والثقافية في المجتمع وبين الكيفية العلمية / العملية لدى الناس. وهكذا أخذنا نشهد عزوفاً لدى الطلاب عن الدروس النظرية، وذلك إذ لم يتم توجيه أنظارهم إلى السبب الذي يوجب عليهم قراءة المباني النظرية، وما هو الدور الذي تلعبه الأبحاث النظرية في الحقل العملي؛ وعليه فإن دراسة نقد أدلة امتناع الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، تعدّ من الاحتياجات الماسّة في التربية والتعليم ومن الرسائل المهمّة في فلسفة التربية والتعليم.
سوف نعمل في هذه المقالة أولاً على بيان مفردات من قبيل: التربية والتعليم، والنظرية، والعمل، والعلاقة المنطقية، ثم ننتقل بعد ذلك إلى نقد ومناقشة آراء وأدلة فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب والقائمة على إنكار العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، وفي الختام سوف نعمل من خلال الاستعانة بالفلسفة الإسلامية وأعمال المفكرين المسلمين على تقديم حلول منطقية للمشاكل الماثلة أمام هذه العلاقة.
ماهية التربية والتعليم من وجهة نظر فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب
لقد تمّ العمل في العالم الغربي ـ بسبب وجود المدارس التربوية المختلفة بل والمتعارضة أحياناً ـ على تقديم تعريفات متعدّدة عن التربية والتعليم، بحيث يبدو الجمع بين هذه التعاريف وتقديم تعريف جامع ومانع عنها في غاية الصعوبة، بل هو أمر مستحيل. في السابق كان يتمّ الاهتمام في التربية والتعليم في الغرب ببُعد التنمية الروحية على نحو جاد، وهناك في جذور المفردة الإنجليزية (Education) يكمن عنصر من التنمية الروحية والمعنوية أيضاً[3]. إن أكثر الأنظمة التربوية المعاصرة في الغرب تعتبر التربية والتعليم وسيلة لانتقال العلوم والفنون والعمل على تطويرها، ويغفلون عن بعد التنمية الروحية فيها، من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن من بين التعاريف الشائعة في الغرب عن التربية والتعليم، هو التعريف القائل: «النشاطات التي يتمّ العمل من خلالها على نقل العلوم والفنون من جيل إلى جيل آخر، أو يتمّ العمل على الترويج لها وتطويرها» [4]
يتمّ التعبير حالياً في العالم الغربي عن التربية والتعليم في الغالب بالعلوم التربوية[5]، والمراد منها في الغالب عبارة عن: «المجموعة المأخوذة من مختلف الحقول العلمية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة التي تتكفّل بهداية وتوجيه مسار التعليم من خلال الاستفادة من معطيات سائر العلوم»[6]، وهناك من يذهب ـ بالنظر إلى تبعية العلوم التربوية إلى علوم أخرى ـ إلى تشبيهها بالسَلَطة، ولا يرى لها هوية مستقلة؛ من ذلك ـ مثلاً ـ يقول أوكانر:»ليس هناك من يرى أن التربية والتعليم علماً أو حتى مجموعة من العلوم، بل التربية والتعليم عبارة عن توظيف مختلف العلوم في حاضنة اجتماعية مهمّة، إن التربية والتعليم مجموعة من النشاطات العلمية بالإضافة إلى مجموعة من الأهداف المشتركة»[7].
وهناك ـ من أمثال إسرائيل شفلر[8] ـ من يرى أن التربية والتعليم ليس حقلاً علمياً، بل هو حصيلة أسئلة تمّ طرحها على التربويين أثناء نشاطهم التربوي، ويجيب عنها المتخصصون في مختلف الحقول، وبطبيعة الحال فإن دور المتخصص في العلوم الاجتماعية في هذا الشأن يكون هو الأكبر في البين ويعود السبب في ذلك إلى أهمية الشرائط التنفيذية، إنه يهتم في التربية والتعليم بالبُعد التجريبي، ويرى أن أسئلة المعلم وحقل نشاطه تجريبي بالكامل، ولا يرى موقعاً لحضور الأسئلة الفلسفية والتاريخية في حقل التربية والتعليم[9].
وذهب آخرون ـ من منطلق الدفاع عن الموقع والهوية المستقلة للعلوم التربوية ـ إلى الاستدلال بأن حاجة العلوم إلى بعضها لا تتنافى مع امتلاك الهوية المستقلة، وذلك لأن معطيات ونتائج كل علم حيثما تدخل في حقل آخر، فإنه بالنظر إلى الموضوع والأهداف والمحاور مورد الاهتمام في ذلك الحقل العلمي، سوف يكتسب في الحقيقة بنية أخرى. إن العلوم التربوية تعمل على توظيف معطيات العلوم الأخرى بوصفها من المواد الخام لموضوعها وهدفها، وإن الموضوع والهدف المنشود للعلوم التربوية، يؤدّي إلى تنمية هذه المواد الخام، ويصبح بنفسه عنصراً لاتحادها. إن تعريف العلوم التربوية في هذه الرؤية، عبارة عن: «مجموعة مترابطة من الحقول العلمية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة، ذات هوية مستقلة تتكفّل في إطار معرفة وهداية مسار التعليم والتربية (Education)، بدراسة منظمة تخصصية ونظرية لجميع أبعاد هذا المسار من خلال الاستفادة من معطيات سائر العلوم الأخرى» [10].
ماهية النظرية
إن مفردة (Theory) الإنجليزية مأخوذة من مفردة (Theoria) اللاتينية، وقد وردت هذه المفردة في اللغة الفرنسية على شكل (theorie)، وفي اللغة الإيطالية على شكل (teoria)، وإن المعنى اللغوي لـ (Theory) عبارة عن الفرضية التي تعمل على تفسير شيء ما، كما يتمّ إطلاق هذه المفردة على النظر والتدقيق والتنظير في الأفق والمشهد أيضاً[11].
إن النظرية بوصفها مصطلحاً ذات معان وتفسيرات متعددة، إلى الحدّ الذي يصعب بل ويستحيل معه الحصول على معنى واحد متفق عليه[12].
إن أهم معاني النظرية بشكل مختصر عبارة عن:
الإطار النظري أو البيان الذهني حول ما هو موجود وما يجب القيام به.
مجموعة من القضايا المنظمة من القواعد والأصول التي يجب اتباعها.
مجموعة أو منظومة من العقائد أو القضايا التي تمثّل بياناً أو تفسيراً لمجموعة من الحقائق والظواهر.
الفرضية التي يتمّ تقديمها بوصفها بياناً وتفسيراً للحقائق والظواهر.
سلسلة من المعتقدات الواقعية حول موضوع واحد[13].
بالنظر إلى موارد استعمال هذا المصطلح، ربما أمكن القول بأن النظرية بالمعنى العام للكلمة تبدأ بوصفها مساراً من الرؤية والنظر وتنتهي بالتعمّق حول موضوع ما. وبعبارة أخرى: إن النظرية بالمعنى العام تمثّل إطاراً فكرياً يمكن لنا أن نصب فيه حاصل كل نوع من أنواع التحقيق ـ الأعم من التجريبي أو غير التجريبي ـ والعمل على تفسيره وبيانه، ومن هذه الناحية يكون كل حقل معرفي ومعياري قابل للتنظير بل ومحتاج إليه لا محالة. وأما النظرية فإنها بالنظر إلى الشرائط الموجودة في كل حقل قد تحتوي على قوالب مختلفة بشكل وآخر، وفي مختبر الاعتبار لا تتمّ الاستفادة من المعايير والوسائل المتشابة والمتكافئة على الدوام[14].
النظرية التوصيفية / المعيارية (النظرية التربوية)
هناك اختلاف بين النظرية التوصيفية والنظرية المعيارية؛ إن النظرية التوصيفية ـ التي تحمل في الغالب هاجساً معرفياً ـ نظرية للتأمّل والتفكير حول ما هو موجود، في حين أن النظرية المعيارية التي تحمل في الغالب هاجساً إرشادياً، نظرية للتأمّل والتفكير بشأن ما يجب أن يكون، فإذا كنا في موضوعات، من قبيل: الفيزياء وغيرها ـ مما يتمّ وضعه لزيادة فهم البشر وتطوير حدود المعرفة- في الغالب بحاجة إلى النظرية التوصيفية فإننا في موضوعات، من قبيل: التربية والتعليم التي تعمل على توظيف المعلومات من أجل توجيه وهداية الأعمال والسلوكيات، فإننا بالإضافة إلى النظرية التوصيفية، نحتاج كذلك إلى النظرية المعيارية وإدراك كيفية ارتباط المعرفة بالقيَم ودورها في التطبيق والعمل أيضاً، وبعبارة أخرى: في النظرية التربوية نحتاج كذلك إلى بيان كيفية استعمال وتوظيف العلم والانتقال ممّا هو موجود إلى ما يجب أن يكون أيضاً، إن النظرية التربوية بالنظر إلى ما يقتضيه هذا الموضوع، بالإضافة إلى التوصيفية، يجب أن تكون معيارية أيضاً[15].
إن النظرية التربوية ـ من وجهة نظر دان ديوي ـ عبارة عن مجموعة من (التعميمات) و(الانتزاعات) بشأن التربية والتعليم. إن الانتزاع صفة ضرورية من أجل التوجيه التأمّلي والفكري للنشاطات، ولهذا السبب فإنه يرتبط بالأمور الواقعية والعملية أيضاً. إن الأمور التي يتمّ تعميمها على هذا النحو، قد يكون لها توظيف أوسع، وإنما تفقد النظرية قيمتها فيما لو كانت تعجز عن امتلاك وظائف واستعمالات عملية وتطبيقية[16].
وهناك من أمثال هيرست من يرى أن البُعد المعرفي للنظرية التربوية هو الأبرز. وقد قال في تعريف النظرية التربوية: «إن مفردة النظرية تشير إلى مجموعة أو منظومة من القوانين أو مجموعة من الأصول التي تعمل على توجيه مختلف السلوكيات والأفعال أو السيطرة عليها. بالنظر إلى هذا المعنى من النظرية، تمّ اقتراح أن تتألف النظرية التربوية من ذلك الجزء من علم النفس الذي يبحث في مفهوم الإدراك والتعلّم وتبلور المفهوم والدافع وما إلى ذلك، ويكون له ارتباط مباشر بمهمّة المعلم»[17].
وبطبيعة الحال فإنه من خلال النظرية يتحدّث عن الأصول العقلانية من أجل العمل التربوي أيضاً. وفي هذه الصورة تكون النظرية التربوية شيئاً بالإضافة إلى علم النفس قد تبلور من سائر الصوَر المعرفية الأخرى، من قبيل: المعرفة الأخلاقية، والمعرفة الدينية، والمعرفة الفلسفية وغيرها، وحيث يكون لها بُعد معياري أيضاً، يجب من الناحية المنطقية أن تشتمل على هاجس أكبر من مجرّد الحصول على المعرفة العلمية فقط، وأن يكون لها دور توجيهي وإرشادي بارز أيضاً لكي تنبثق عنها السلوكيات التربوية أيضاً[18].
وقال أوكانر في تعريف النظرية التربوية التي يجب أن تكون عقلانية من وجهة نظره: «إن مصطلح النظرية التربوية بالمعنى الواسع للكلمة، يُشير إلى التحقيقات العقلانية التي يكون الهدف منها في بادئ الأمر هو العمل على بيان مهام المشروع التربوي والتنظيمي الذي تعمل فيه، وفي المرحلة الثانية يتم العمل على تحسين وتطوير هذا النظام ومهامّه وآليات عمله في ضوء المعرفة بهذه المهام والأهداف التي تمّ بناء هذه المنظومة من أجلها»[19].
بالنظر إلى توصيفية / معيارية النظرية التربوية، يمكن القول: إن النظرية التربوية مشروع فكري منظم يجعل الإنسان قادراً على تنظيم القضايا التوصيفية والمعيارية بشأن التربية والتعليم، [والمباني (الأعم من المباني الفلسفية والنفسية والاجتماعية وما إلى ذلك)، والأهداف والأصول وأساليبها]، وكذلك كيفية توظيف واستعمال المعارف العلمية في المسائل التربوية وطريقة التحقيق والحكم بشأن المشاريع والخطط التربوية[20].
ماهية العمل
إن (العمل) من الناحية اللغوية كلمة عربية، وهي تطلق على السلوك الذي يصدر عن الكائن الحيّ عن قصد وعمد. والعمل أخصّ من الفعل؛ وذلك لأن الفعل يشمل الأمور المقصودة وغير المقصودة[21]. إن من بين المفردات المذكورة لكلمة العمل في اللغة الإنجليزية، يمكن أن نذكر أولاً كلمة (practice)، والتي ذكرت لها عدّة معان، من قبيل: العمل المتكرر والمعتاد، والقيام بفعل بواسطة شخص يوصي الآخرين بفعله، والمران الذي يؤدّي إلى تحسين أو إصلاح مهارة ما. وثانياً كلمة (action) التي تستعمل بمعنى القيام بعمل، والظهور الخارجي والواضح لكل وضع أو حالة، والنشاط الذهني[22]. وعلى كل حال فإن عنصر القصد يلعب دوراً حاسماً في كلتا المفردتين. ويبدو أن المفردة الثانية أكثر استعمالاً في بحث النظرية والتطبيق في حقل العلوم التربوية. وفي اللغة الألمانية هناك مصطلح خاص في (العمل التربوي) تحت عنوان (Erziehung)، حيث يقع في قبال مصطلح (padagogik) بمعنى النظرية في التربية والتعليم[23].
إن العمل من الناحية الماهوية أمر معقد ومتعدّد الأبعاد، ولا يكتب له التحقق إلا ضمن مسار معقد؛ ومن هنا فإنه من أجل فهم ماهية كل عمل ـ بما في ذلك العمل التربوي ـ يبدو الاهتمام بمبانيه ضروري جداً. وفي كلّ عمل تعدّ المعرفة أولاً ثم الاختيار بعد ذلك من أهم المباني في ذلك العمل. إن للمعرفة درجات ومراتب، وإن الذي يُعدّ هنا بوصفه مبنى للعمل التربوي، هو المعرفة العقلانية الناظرة إلى الهدف والغاية التي يمكن لها أن تشكّل دعامة منطقية ومقبولة للعمل التربوي. وذلك لأن التربية والتعليم يقترن على الدوام بملاحظات أخلاقية وقيَميّة، وإن الإنسان في هذا النوع من الملاحظات والأعمال يواجه في العادة تعارضات سواء من جهة اختيار القيَم أو من جهة تشخيص الأولويات، وإن المعرفة العقلانية بوصفها أساساً للعمل تكتسب ضرورة مضاعفة. وبطبيعة الحال هناك علاقة متبادلة بين المعرفة والعمل، وإن الأعمال التربوية بدورها تؤدّي إلى كسب وتكميل أو إصلاح المعرفة، ولكن على الرغم من ذلك فإن المعرفة تعدّ بوصفها من أهم مباني العمل[24].
إن المبنى الثاني للعمل، هو الاختيار والإرادة، التي تكون تارة متوافقة مع الرغبة وتخالفها تارة أخرى. وفي الواقع فإن العمل هو نتيجة نوع من المعرفة والاتجاه الخاص وترجيحه على سائر التوجهات الأخرى التي يحصل عليها الإنسان بشأن موضوع ما. إن اختيار الإنسان ينطوي على مسار معقد، بيد أن الذي يلعب دوراً أساسياً في الاختيار، هو الرؤية الكونية للإنسان، والتي تشرف على مجموع اختياراته بوصفها نظرية عامّة وشاملة، ويكون لها في هذا الشأن دور محوري وحاسم. ومن الواضح أن هناك ـ في مسار الاختيار ومن ثمّ صدور العمل التربوي ـ تدخّل للمقتضيات والعوامل الأخرى أيضاً، ولذلك يجب الاهتمام بها. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن خصائص العامل أو المعلم، وكذلك خصائص المخاطب بمعنى الحاصلين على المعرفة، وعنصر الزمان والمكان، وصورة وشكل العمل وما إلى ذلك، تعدّ من العناصر الدخيلة في النشاط التربوي، حيث يكون لها دور مؤثر في انتقال الخطاب ونجاح العملية التربوية. إن هذه العناصر لا تعدّ من مباني العمل، بل تعد من أجزاء العمل وجزءاً من بنيته[25].
المراد من العلاقة بين النظرية والتطبيق
إن الموضوع المهم الذي يجب الالتفات إليه بعد اتضاح ماهية النظرية والتطبيق، هو بيان المراد من الارتباط بين النظرية والتطبيق في فلسفة التربية والتعليم المعاصر في الغرب. هل الأبحاث المطروحة بشأن الارتباط بين النظرية والتطبيق ناظرة إلى تأثير أو فشل النظريات في مقام العمل؟ أو المرحلة السابقة عليها ناظرة إلى استعمال أو عدم استعمال النظريات في مقام التقييم والتخطيط والتوصيات التربوية؟ أو مرتبطة بكلا المقامين وتجيب عن كلا السؤالين؟ وبعبارة أخرى: إن السؤال الأول هو كيف يمكن ربط القيَم بالحقائق أو الاستدلال على الأحكام القيَميّة؟ والسؤال الثاني هو كيف يمكن تطبيق هذه النظريات من الناحية العملية، وإيجاد التوافق والانسجام بين النظرية والتطبيق؟ إن السؤال الأول ينطوي في الغالب على صبغة نظرية، وهو ناظر إلى طريقة استنتاج ما ينبغي أن يكون مما هو كائن، وأما السؤال الثاني فهو في الغالب ينطوي على صبغة عملية ويسعى إلى العثور على حلول من أجل تطبيق النظريات على المستوى العملي. وفي حدود تتبّع كاتب السطور لا يوجد تمايز واضح في كتب فلاسفة التربية والتعليم المعاصر في الغرب بين هذين المقامين من البحث. إن فصل بحث العلاقة بين النظرية والقيمة والنظرية والعمل مشكل جداً وغير ممكن من الناحية العملية؛ ومن هنا فإن فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب لم يتمكنوا أو لم يريدوا الفصل والتفكيك بين هذين المقامين، وإن بحث العلاقة بين النظرية والتطبيق يشمل كلا المقامين، ويمكن القول إن المراد من العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق عبارة عن الاستنتاج المنطقي للمسائل التربوية من المباني النظرية وقيام العمل التربوي على أساس النظرية.
السابقة والمنعطفات التاريخية لبحث العلاقة بين النظرية والتطبيق
ربما أمكن لنا القول إن العلاقة بين النظرية والتطبيق كانت تعدّ في السابق أمراً مفروغاً منه. وفي ضوء النظرية المشهورة كان الفيلسوف الإسكتلندي ديفد هيوم هو أول من أشكل على هذه العلاقة. فقد ادّعى أن مساحة العقل النظري التي تعدّ مهمّتها عبارة عن إدراك (الوجودات والأعدام)، ومساحة العقل العملي التي تتلخّص وظيفتها في إدراك (الوجوبات والمحظورات)، مساحتان منفصلتان عن بعضهما تماماً، ولا يوجد بينهما أيّ ارتباط منطقي، ولا يوجود إمكان للاستنتاج منهما[26].
وبعده عمد إيمانوئيل كانط ـ من خلال تحديد مساحة العقل النظري وإضعاف موقعه ـ إلى إخراج إدراك الوجودات من مساحة العقل النظري، كما أنكر إمكان الانتقال من (الوجود) إلى (الوجوب) أيضاً. يجب جعل وجوب القوانين ـ من وجهة نظر إيمانوئيل كانط ـ بمعنى وجوبات ومحظورات العقل العملي، هي الأساس. ومن طريق ضرورة قوانين العقل العملي نعمل على إثبات وجود الله وخلود النفس والأهم من ذلك كله وجود الاختيار أيضاً[27].
على الرغم من التشكيك في فلسفة الأخلاق في إمكان العبور من (الوجود) إلى (الوجوب)، إلا أن تاريخ تبلور حقل فلسفة التربية والتعليم في العقد الثالث من القرن العشرين للميلاد، كان الأسلوب الغالب والرئيس في تنظيم هذا الحقل العلمي هو الأسلوب الاستنتاجي. إن أكثر المحققين في هذه الحقل بعد إقرارهم بالارتباط المنطقي بين العقل النظري والعقل العملي، قد ذهبوا إلى القول بوجود العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق التربوي، وكانوا من خلال دراسة أفكار وآراء الفلاسفة والمفكرين الكبار يستنتجون الدلالات التربوية لهذه الأفكار، وكانوا بذلك يعملون على تأسيس المدارس والمذاهب التربوية المعروفة بـ (مدارس آي أس أم أس)[28] ويعملون على تنظيمها[29]. وأما منذ منتصف القرن العشرين (1955 م) فبسبب هيمنة الأفكار الوضعية والآراء البراغماتية على فضاء الأبحاث التربوية، فقد تمّ التشكيك في هذا الحقل بشدّة. لقد عمل هاري برودي[30] في عام 1955 م في مقالة له بعنوان «كيف يمكن لفلسفة التربية والتعليم أن تنطوي على بُعد فلسفي؟»[31]، وكذلك كينغسلي برايس[32] في السنة ذاتها في مقالة له بعنوان «هل هناك ضرورة لفلسفة التربية والتعليم؟»[33]، على الرغم من قبولهما بالأسلوب الاستنتاجي بوصفه أسلوباً معتبراً، قد أثارا الكثير من التشكيكات الجادّة على هذا الأسلوب، ونتيجة لذلك فقد أحدثا تشكيكاً حول العلاقة المنطقية بين النظرية والمسائل التربوية. وبعدهما قام سيدني هوك سنة 1956 م في مقالة له بعنوان «حقل فلسفة التربية والتعليم»[34] باتخاذ موقف غاية في التشدد ضد المنهج الاستنتاجي وإمكان استنتاج المسائل التربوية من الأفكار الفلسفية، ووضع التضاد بين النظرية والتطبيق بوصفه معضلة ماثلة أمام الارتباط بين النظرية والتطبيق[35]. وقام جو آر[36]. بارنت سنة 1958 م في مقالة له بعنوان «تأمّلات في باب الدلالات المنطقية للنظرية الفلسفية للتنظير والتطبيق التربوي»[37]، بوضع المنهج الاستنتاجي في زمرة الدلالات العامية وغير المعقولة. وقد ذهب هوبارت بورنز[38] في عام 1962 م من خلال مقالة له بعنوان «منطق الدلالة التربوية»[39] إلى الادعاء بأنه لو كان هناك ارتباط بين الفلسفة الرسمية والعمل التربوي، فإن هذا الارتباط سوف يكون ارتباطاً نفسياً وعملياً، ولن يكون ارتباطاً منطقياً. وهو يذهب إلى الاعتقاد بأن الذين يدّعون وجود العلاقة المباشرة، إنما يستعملون مفردة المنطقي بالكثير من التسامح[40].
وفي هذا البين كان لأوكانر التأثير الأكبر في إنكار العلاقة بين النظرية والتطبيق التربوي، وتغيير مسار البحث من إمكان العلاقة الضرورية بين الأفكار الفلسفية والمسائل التربوية إلى إمكان النظرية العلمية (التجريبية) في التربية والتعليم. فقد عمد في عام 1957 م في كتاب له بعنوان «مقدمة على فلسفة التربية والتعليم»[41] إلى القول بحصر النظرية في العلوم التجريبية، ولهذا السبب أنكر أصل إمكان النظرية في التربية والتعليم، كما أنكر وجود علاقة وارتباط ضروري بين النظرية والتطبيق أيضاً. وقد ذهب إلى الاعتقاد بأن الاستفادة من مصطلح النظرية في التربية والتعليم مجرّد إجراء بروتوكولي. خلال هذه الفترة حيث كان سوق كتابة المقالات وإقامة المؤتمرات العلمية في موضوع فلسفة التربية والتعليم عامراً، أحدثت مقالات وكتابات أوكانر موجة كبيرة جداً وعملت على تغيير مسار البحث إلى حدّ كبير. وقد ذهبت جماعة إلى القبول بنظرية أوكانر، وذهب آخرون وعلى رأسهم هيرست إلى نقدها بشدة، ودافعوا عن وجود النظرية العلمية وكذلك العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق في حقل التربية والتعليم[42].
ومنذ تلك الحقبة التاريخية دخل المنهج الاستنتاجي أولاً: في عزلة، ثم حلّ محله المنهج التحليلي. بل وحتى بعض الأشخاص من أمثال هيرست ـ من الذين كانوا ينتصرون للعلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق ـ قد اعتبروا العلاقة الضرورية بين (الوجود) و(الوجوب) والمنهج الاستنتاجي أمراً غير ممكن، وأخذوا يبحثون في بيان الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق عن حلول أخرى[43]. وثانياً: بتأثير من الأفكار الوضعية التي كانت ترى أن النظرية تنحصر في العلوم التجريبية، تركز البحث الرئيس عند فلاسفة التربية والتعليم على وجود أو عدم النظرية العلمية (التجريبية) في التربية والتعليم. وثالثاً: بفعل غلبة الاتجاه البراغماتي في التربية والتعليم، فقدت الأبحاث النظرية قيمتها وموقعها. وعلى الرغم من أن الفلسفة التحليلية واللغوية، وكذلك النزعة التجريبية المتطرّفة قد واجهت ردود أفعال شديدة من قبل أنصار الفلسفة القارّية والمدرسة النقدية وما بعد الحداثة وغيرها، تمّ إنكار العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، بل وتمّ التأكيد في الاتجاه ما بعد التحليلي حتى على إنكار العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق أيضاً.
وعلى هذا الأساس يمكن القول في رؤية عامة وكلية بأن فلاسفة التربية والتعليم في الغرب حول النظرية والتطبيق، ينقسمون إلى أربعة أقسام ومجموعات، وذلك على النحو الآتي:
المجموعة الأولى: من أمثال هاري برودي، تؤيّد الاتجاه الاستنتاجي الذي يقول بوجود العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، وكذلك إمكان العبور من (الوجود) إلى (الوجوب) أي مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون.
المجموعة الثانية: بعض الفلاسفة التحليليين من أمثال هيرست، الذين قالوا بوجود العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، وبذلك فقد اعتبروا الانتقال من الوجود إلى الوجوب أمراً غير ممكن[44].
المجموعة الثالثة: تشمل طائفة واسعة من المفكرين من أمثال جو آر. بارنت، حيث يؤمنون بالعلاقة والارتباط بين النظرية والتطبيق، ولكنهم يخفضونها إلى علاقات وروابط أخرى غير الارتباط المنطقي، كما أنهم يرفضون المنهج الاستنتاجي أيضاً[45].
المجموعة الرابعة: من أمثال أوكانر حيث خفضوا النظرية إلى النظرية العلمية / التجريبية، وحصرها في العلوم الطبيعية، فأنكروا بذلك أصل وجود النظرية في التربية والتعليم[46]. وحيث أن دراسة الآراء المختلفة لفلاسفة التربية والتعليم في الغرب بشأن العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق هي أولاً: خارجة عن موضوع هذه المقالة. وثانياً: حيث أن هذه المقالة بدورها لا تتسع لبحثها، فإنه بغض النظر عما هي النظريات الموجودة في هذا الشأن، سوف نعمل فيما يلي على بيان ومناقشة ونقد أهم أدلة فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب على عدم إمكان العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق التربوي.
أهم أدلة فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب على عدم إمكان العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق
أ ـ امتناع العبور من (الوجود) إلى (الوجوب)/ (مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون)
يبدو أن المشكلة الأساسية التي دفعت فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب إلى استنتاج المسائل التربوية من المعتقدات الفلسفية والإلهية والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق التربوي، هي مشكلة العبور من (الوجود) إلى (الوجوب). وكما أشرنا في سابقة البحث فإن أساس الإشكال المذكور يكمن في أن هناك من تصوّر أن دائرة الحكمة النظرية منفصلة تماماً عن دائرة الحكمة العملية، وأن هناك بين هاتين الدائرتين شرخ واسع لا يمكن ردمه أو جسره. وعلى هذا الأساس لا تتوفر الشروط المنطقية وصحّة القياس في استنتاج (الوجوب) من (الوجود). وذلك إذ لا يمكن لنا أن نستنتج من مقدمتين مشتملتين على (الوجود) المرتبط بدائرة الحكمة النظرية، نتيجة تسويغية تشتمل على (وجوب) يرتبط بالحكمة العملية[47].
وبعبارة أخرى: إن هذه الجماعة ترى أننا إذا أردنا أن نستنتج (الوجوب والحظر) من (الوجود والعدم)، سوف يكون هناك انفصال وشرخ بين النتيجة والمقدّمة سواء بلحاظ القضية وكذلك بلحاظ المفردات. إن الانفصال والشرخ في مجمل القضية هو أن المقدمات خبرية، في حين أن النتيجة إنشائية، وليست قضية حقيقية. ومن الواضح بداهة أنه لا يمكن أن نستنبط من المقدمتين الخبريتين نتيجة إنشائية شبيهة بالجملة الخبرية وليست جملة خبرية. إن التهافت الآخر الموجود بين النتيجة والمقدمتين يكمن في المفردات؛ وذلك لأن موضوع ومحمول المقدمتين اللذين يتمّ تنظيمهما على أساس (الوجودات) من الحقائق الخارجية والوقائع العينية، وأما موضوع ومحمول النتيجة الذي هو (الوجوب)، فهو أمر اعتباري وليس واقعياً؛ وعليه لا يوجد أي تناسم أو تناغم بين النتيجة والمقدمات لا من حيث المفردات ولا من حيث القضية[48].
طرق الحل المطروحة لمشكلة العبور من (الوجود) إلى (الوجوب)
في جواب الذين استدلّوا على امتناع العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، عمد بعض فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب، إلى تقديم مختلف الحلول، وفيما يلي سوف نعمل على نقدها ومناقشتها باختصار.
1. عدم التلازم بين امتناع العبور من (الوجود) إلى (الوجوب) وبين امتناع الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق
هناك من يؤمن بوجود النظرية في التربية والتعليم، كما يؤمن هؤلاء بارتباطها المنطقي بالتطبيق التربوي أيضاً، ولكنهم يرون أن استنتاج المسائل التربوية من المعتقدات الفلسفية والإلهية غير ممكن. ترى هذه الجماعة أن امتناع العبور من (الوجود) إلى (الوجوب) لا يستلزم امتناع الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن الاستناد إلى الأصول والواجبات الأساسية بدلاً من الاستناد إلى الوجودات، من النماذج المقترحة من قبل هيرست. إنه يرى أن النظرية التربوية عبارة عن مجموعة من الأصول التربوية (وليس المعتقدات الميتافيزيقية والإلهية) التي تقع دليلاً ومرشداً على العمل، وإن الارتباط المنطقي بين هذه الأصول (النظرية) والواجبات التربوية، لا يستلزم العبور من (الوجود) إلى (الوجوب) أيضاً. وذلك لأن الأصول لا تستنتج من القضايا الميتافيزيقية أو الأبستمولوجية، كما أن أسلوبها ليس استدلالاً قياسياً أيضاً. كما أنه يذهب إلى الاعتقاد بأن القيَم (الواجبات) الناشئة من داخل النظرية لا تتساوى مع القيَم الناشئة من خارج النظرية. إن القيَم التي تؤدّي إلى العمل وتكون مرشدة وهادية إلى العمل التربوي، هي القيَم الناشئة من داخل النظرية، دون القيَم المستنتجة من المعتقدات الميتافيزيقية والإلهية الموجودة خارج النظرية[49].
مناقشة ونقد طريقة الحل الأولى
يبدو أنهم من خلال بيان هذا الحل، قد وقعوا عملياً في شراك التناقض. وذلك لأن الارتباط المنطقي إما أن يكون بين التصوّرات التي تستنتج فيها المفاهيم النظرية من المفاهيم البديهية، أو أن يكون بين التصديقات، التي تستنتج فيها القضايا النظرية من القضايا اليقينية[50]. وكما سنرى لاحقاً فإن مدركات العقل العملي تقوم على أساس مدركات العقل النظري، وأن القضايا القيَميّة بدورها تستنتج على شكل منطقي من الواقعيات الخارجية. وعليه لو أننا عمدنا ـ مثل هيرست ـ إلى اعتبار النظرية التربوية سلسلة من الأصول وأنها من الأمور المعيارية فقط، وأنكرنا الارتباط الواقعي بين القيَم و(الوجودات) أيضاً، وفي الوقت نفسه نتحدّث عن الارتباط المنطقي بين النظرية التطبيق، فإننا أولاً: سوف نتجاهل البُعد التوصيفي للنظرية التربوية والذي هو من أهم الأبعاد فيها. وثانياً: سوف نقع في فخ التناقض. وثالثاً: من دون القول بقيام الأصول على الأسس والمباني النظرية، لا يمكن الدفاع المنطقي عن النظرية التربوية أساساً، بل سوف تكون جميع أنواع النظام التربوي مستحيلة[51].
وهناك من ذهب في نقد نظرية هيرست إلى القول بأنه إنما كان بصدد نقد نظرية أوكانر القائمة على عدم وجود نظرية في التربية والتعليم، وسعى إلى إثبات أصل وجود نظرية في التربية والتعليم. وبعبارة أخرى: إن هيرست إنما عمل على مستوى إثبات وجود نظرية في التربية والتعليم، وقد لفت الأنظار إلى هذا الأمر الواضح وهو أنه كلما تنبّهنا إلى العمل التربوي، سوف يكون لزوم وجود نظرية للعمل واضح للغاية، ولكنه لم يتمكن من تقديم توضيح كاف بشأن ماهية النظرية التربوية وطريقة ارتباطها مع العمل والتطبيق[52].
2. العبور من (الواجبات) إلى (الوجودات)
حيث أخفق هيرست ـ بسبب رفضه للأسلوب الاستنتاجي وإمكان العبور من (الوجود) إلى (الوجوب) ـ في ردم الهوّة بين النظرية والتطبيق، فقد اقترح في طريقة حلّ أخرى لبيان العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، المنهج الكانطي القائل بالوصول من العمل إلى النظرية (من الوجوب إلى الوجود)، معتقداً أن هذا الأسلوب ربما كان أيسر من أسلوب الذهاب من النظرية إلى العمل والتطبيق. إذ أن السعي في بعض الأحيان إلى إثبات الدلالات العملية لنظرية ما، يؤدّي إلى القصور في بحث الاحتياجات الواقعية للتربية والتعليم، في حين أنه كلما التفتنا إلى العمل التربوي، يصبح لزوم وجود مبنى نظري للتطبيق والعمل أكثر وضوحاً. إن هيرست بالنظر إلى هذه الناحية ـ أي إدراك ضرورة وجود نظرية للعزم والعمل ـ قد أصرّ على لزوم الوظيفة التوجيهية والإرشادية للنظرية التربوية، وقال بأنه لا يستطيع أن يتصوّر ولو للحظة واحدة عدم وجود ارتباط بين النظرية والتطبيق[53].
وفي أعمال المفكرين الآخرين، ومن بينها كتاب (الديمقراطية والتربية والتعليم)[54] لمؤلفه جان ديوي، تمّت الإشارة إلى هذا النوع من الاستنتاج الذي هو في الواقع التأثر الجدي للنظرية من العمل أكثر منه استنتاجاً للنظرية من العمل. في هذا المعنى من الاستنتاج، قد يعمل المعلمون ـ بعد نقل تجاربهم ونشاطاتهم العملية إلى بعضهم ـ على إصلاح آرائهم وأساليبهم، أو يعملون على تغييرها بشكل كامل، الأمر الذي يعمل على بيان تأثير العمل والتطبيق على النظرية بشكل واضح[55].
مناقشة ونقد طريقة الحل الثانية
هناك ثلاث صوَر يمكن تصوّرها في الأسلوب الاستنتاجي، وهي:
أ ـ الأسلوب من العلة إلى المعلول أو اللمي: في هذا الأسلوب قبل الخوض والبحث في الواجبات والمحظورات التربوية، يحب العمل أولاً على تنظيم المباني النظرية (النظرية التربوية)، ثم العمل بعد ذلك على استنتاج أهداف وأصول ومناهج التربية والتعليم (الواجبات) من المباني، وهكذا تعدّ المعتقدات من مباني الأفعال التربوية.
ب ـ الأسلوب من المعلول إلى العلة أو الإني: في هذا الأسلوب يتمّ العمل أولاً على النظر في الأعمال التربوية، ثم نحصل على المباني النظرية لها، ونعمل في الواقع على توجيه الأفعال التربوية منطقياً.
ج ـ النظر في الارتباط المتبادل: في هذا الأسلوب ـ من خلال النظرة إلى الارتباط المتبادل بين النظرية والتطبيق التربوي (من قبيل: الارتباط بين الإيمان والعمل الصالح) ـ يتم الاهتمام بشكل متزامن بالتأثير والتأثر المتبادل بين النظرية والتطبيق. من خلال أدنى تأمّل يتضح أن إمكان هذه الصوَر الثلاثة لا يعني أن معتقدات ومدركات العقل النظري في الصورة الثانية أو الثالثة فرع عن واجبات ومدركات العقل العملي، بل في جميع هذه الصوَر الثلاثة، يكون الأساس والمبنى عبارة عن مدركات العقل النظري، وأن مدركات العقل العملي تؤدّي في نهاية المطاف إلى مدركات العقل النظري، وكما تقدّم بيانه في تحليل العمل التربوي، فإن المعتقدات تعدّ من مباني العمل التربوي. وعلى هذا الأساس حتى لو انتهجنا الأسلوب الإني، فإن الذي يكون مبنى للاستنتاج وأساساً للواجبات هو تلك المباني النظرية، وإن انتهاج الأسلوب الإني لا يستوجب حلول المعلول في منزلة أعلى من العلّة، وإنما يمكنها مجرّد إثبات تأثر النظرية بالتطبيق في الجملة. وبعبارة أخرى: إن الاهتمام بالحقائق والأفعال التربوية له دور مؤثر في تكميل النظرية التربوية وواقعيتها.
3. تنزّل العلاقة بين النظرية والتطبيق إلى العلاقات غير المنطقية
هناك من ذهب ـ بسبب المشاكل الماثلة أمام العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، ضمن إقراره بوجود النظرية في التربية والتعليم والقول بالعلاقة والارتباط بينهما ـ إلى تنزّل هذه العلاقة والارتباط إلى حدّ الضرورة المنطقية، وقام بإحلال العلاقات الأخرى محل العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، ومن بين أهمها عبارة عن:
3 / 1 ـ كفاية عدم التضاد مع الحقائق بدلاً من العلاقة المنطقية
هناك من يذهب إلى الاعتقاد بعدم وجود أيّ ضرورة إلى إثبات الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق. وإن ما هو الضروري بالنسبة إلى النظام التربوي هو أن يعمل على تنظيم أهدافه وأصوله وأساليبه وأفعاله التربوية بحيث تنسجم مع المعتقدات الفلسفية القطعية، بل ويكفي عدم التعارض بين المسائل التربوية والأفكار الفلسفية أيضاً. إذ أن الذي يشكّل خطراً على النظام التربوي إنما هو التضاد بين المسائل التربوية والحقائق. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ لو أن مدرّساً في مادة الرياضيات قد اتخذ منهجاً تحليلياً (في قبال المنهج التجريبي)، ولكنه كان يرى أن لازم ذلك هو جذب انتباه الصغار نحو البيئة المحيطة بهم، وعمل في الواقع على إنجاز طريقته التدريسية في إطار الأسلوب والمنهج التجريبي والمشاهدة، لا يكون من الناحية العملية قد أوجد تناغماً وانسجاماً بين الأفكار الفلسفية وبين أساليبه التربوية، ولربما أدى إلى مشاكل بالنسبة إلى الطلاب. وأما إذا لم يكن هناك تضاد بين الأساليب التربوية وبين الأفكار الفلسفية، لن يكون هناك بعد ذلك أيّ إشكال في البين[56].
3 / 2 ـ العلاقة الموقعية بدلاً من العلاقة المنطقية
لقد عمل جو آر. بارينت إلى وضع الأسلوب الاستنتاجي ودلالات الفلسفة للتربية والتعليم في زمرة الدلالات العامية وغير المعقولة، وتحدّث بدلاً من ذلك عن الدلالة الموقعية. في هذه الرؤية يتوجّه الإنسان ـ من خلال امتلاكه للتجارب السابقة والآراء المحدّدة التي اتخذها بشأن الشرائط الواقعية، وكذلك الاستفادة من السوابق المعرفية ـ نحو الفلسفة، ومن خلال الأرضيات الواقعية الراسخة في ذهنه يعمل على تنظيم النظرية التربوية التي تمثل هادياً ومرشداً إلى العمل التربوي؛ ومن هنا لا بدّ من اجتياز العلاقات الوثيقة بين الأفكار الفلسفية بالإضافة إلى الأرضيات الواقعية من خلال مسار معتبر، بيد أن هذا المسار ليس منطقياً مئة في المئة. وذلك لأن التجارب والمعارف الشخصية للأفراد وكذلك الحقائق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بدورها، لها تأثيرات حاسمة في هذا الشأن أيضاً[57].
3 / 3 ـ العلاقة النفسية بدلاً من العلاقة المنطقية
لقد ذهب هوبارت بدوره ـ بعد تبويب دلالة الفلسفة بالنسبة إلى النظرية التربوية، من خلال إنكار العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق ـ إلى اعتبار الارتباط بينهما من نوع العلاقة والارتباط النفسي. وقد ذهب إلى الاعتقاد بأن الآراء والعقائد الشخصية تعدّ شرطاً لازماً في نشاط الإنسان، وبذلك تكتسب السلوكيات التربوية الخاصة مع العقائد الفلسفية الخاصة (الشخصية) ضرورة. وبعبارة أخرى: إن الإنسان إنما يمارس النشاط التربوي بسبب وجود الفرضيات الفلسفية السابقة في ذهنه، ولكن هذا لا يعني وجود علاقة ضرورية ومنطقية بين الأفكار الفلسفية (المعتقدات المعبّرة عن الحقائق الخارجية) والمسائل التربوية؛ وعلى هذا الأساس لا يمكن عدّ النشاطات التربوية من اللوازم المنطقية للعقائد الفلسفية، بل غاية ما يمكن في نهاية المطاف هو عدّها من اللوازم النفسية للعقائد الفلسفية[58].
نقد ومناقشة طرق الحل الثالثة
إن طرق الحل المذكورة تقرّ بمشكلة العبور من (الوجود) إلى (الوجوب)، وامتناع العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، وبدلاً من حل المسألة تعمل على محو صورة المسألة. ومن الواضح أن هذه الحلول ـ لو سلمنا بصحتها ـ لا تعمل على ضمان ما هو المطلوب. وإنما يمكن اللجوء إلى هذه الحلول فيما لو عجزنا عن حلّ الإشكال، ولم نستطع الدفاع عن العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق التربوي.
وبالتالي يمكن القول بأن الحلول التي تمّ بيانها في فلسفة التربية والتعليم المعاصر في الغرب، لا شيء منها ـ في حدود بحث كاتب السطور ـ ينطوي على الاستحكام اللازم والكافي، ومن هنا سوف نسعى فيما يلي من خلال التحليل الدقيق لماهية القضايا القيَميّة إلى العمل على بيان طريقة حل هذا الإشكال من طريق علاقة الضرورة بالقياس إلى الغير.
4. تحليل ماهية القضايا الإنشائية بالنظر إلى علاقة الضرورة بالقياس إلى الغير
لقد عمد بعض المفكرين من المسلمين ـ من خلال تحليل ماهية القضايا الإنشائية والخبرية ـ إلى حلّ المسألة أعلاه من طريق الضرورة بالقياس إلى الغير. إنهم يذهبون إلى الاعتقاد بأن القضايا الخبرية / التوصيفية ليست بحيث لا يمكن تحويلها إلى القضايا الإنشائية / المعيارية، أو بعكس ذلك لا يمكن تحويل القضايا الإنشائية إلى القضايا الخبرية، بل يتوفّر هذا الإمكان في الجملة في جميع اللغات. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ يتمّ في جميع اللغات في بعض الأحيان استبدال العبارة الإنشائية (قل) بالعبارة الخبرية (يجب عليك أن تقول). كما تستعمل كلمة (يجب) أحياناً في القضايا التي لا يكون لها بعد قيَميّ أصلاً، كما في قولنا: «يجب أن تتناول هذا الدواء لتحصل على الشفاء» أو «يجب إضافة عنصر الكلور والصوديوم إلى بعضهما لكي نحصل على ملح الطعام». في هذه الموارد على الرغم من أن مفردة الواجب تبدو في ظاهرها إنشائية، إلا أنها تبيّن (الضرورة بالقياس) بين العلة والمعلول وتعبّر عن حقيقة ما. ولو دققنا في المفاد الأصلي للقضايا القيَميّة من قبيل القضايا الأخلاقية والتربوية، فسوف ندرك أن مفادها هو على الدوام بيان علاقة الضرورة بالقياس بين الأفعال الاختيارية للإنسان وغاياته وأهدافه. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن هناك بين القرب الإلهي بوصفه هدفاً غائياً للإنسان والقيام بالأفعال التي تستوجب مرضاة الله سبحانه وتعالى، وتوصل الإنسان إلى هذه الغاية، تقوم علاقة الضرورة بالقياس إلى الغير.
وعلى هذا الأساس فإن القضايا القيَميّة والإنشائية التربوية، تعود في الواقع إلى القضايا الإخبارية. كما يمكن لبعض القضايا الإخبارية أن تعود إلى القضايا الإنشائية أيضاً. وبعبارة أخرى: ليس الأمر في القضايا القيَميّة كما لو أن نتيجة القياس المشتمل على الوجوب، مجرّد أمر إنشائي واعتباري، وليس له أيّ حظ من الحقيقة والتعبير عن الواقع، بل إن الواجبات الأخلاقية والتربوية وإن لم يكن لها ما بإزاء مستقل في عالم الخارج، إلا أنها حيث تكون من المفاهيم الفلسفية ومن المعقولات الفلسفية الثانية، يكون لها منشأ انتزاع واقعي في عالم الخارج وتحكي عن حقيقة في عالم الخارج؛ وعلى هذا الأساس لا يوجد في استنتاج الواجبات (النتيجة المعيارية والمشتملة على الوجوب) من الوجودات (المقدمات التوصيفية والخبرية) أيّ انفصال. إذ ليس الأمر كما لو كانت مقدمات القياس قضايا خبرية / توصيفية، وتكون نتيجة القياس مجرّد أمر إنشائي / اعتباري، بل إن النتيجة مهما كانت معيارية ومشتملة على الوجوب، إلا أنها تحكي عن الحقيقة وتشتمل على واقعية. وبالتالي لا يوجد في هذا النوع من القضايا أيّ انفصال بين المقدمات والنتيجة، وإن شرائط صحّة القياس متوفرة فيها تماماً[59].
إن هذا الحل يؤكد على هذا المبنى المعرفي المهم، وهو أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المعارف النظرية والمعارف العملية، وإن مدركات العقل العملي تستند وتنتهي إلى مدركات العقل النظري. إن هذا الحال يمثل مرشداً ودليلاً صالحاً لتوجيهنا نحو الكمال الحقيقي للإنسان وما هو الطريق الصحيح للوصول إلى ذلك، لكي نعلم ما الذي يتعيّن علينا فعله وما هو المسار الذي يتعيّن علينا أن نسلكه. إن علاقة المعرفة الكونية والأيديولوجية، تعدّ من بين مصاديق الارتباط بين المعارف النظرية والعملية واستناد مدركات العقل العملي على مدركات العقل النظري. وفي ضوء هذا الحل لا تكون فلسفة التربية والتعليم شيئاً آخر غير استنتاج لزوم نوع خاص من التربية والتعليم وعناصره من المباني الأنطولوجية والأبستمولوجية والأنثروبولوجية والقيَميّة؛ ومن هنا فإنه من دون القبول بهذا المبنى في الأساس لا يكون الدفاع الفلسفي عن أيّ نوع من أنظمة التربية والتعليم أمراً ممكناً[60].
في ضوء هذا المبنى وخلافاً لرأي القائلين بأن مدركات العقل العملي ـ من قبيل: (العدل حسن) ـ من القضايا المشهورة، وجعلوها في قبال القضايا الضرورية، وصرّحوا بأن هذا النوع من القضايا لا يمكن الاستفادة منه في مقدمات البرهان، يمكن القول: إن العقل يثبت بعض هذه القضايا بالبرهان وبشكل يقيني؛ ومن هنا يمكن القول: إن تلك الطائفة من المعارف العملية التي يمكن إثباتها بواسطة البرهان العقلي، يمكن أن تقع في مقدمات البرهان[61].
ب ـ مشكلة الركود والتوقف
إن الإشكال الآخر الماثل أمام الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، عبارة عن الركود وعدم حيوية التربية والتعليم المنبثق عن المباني النظرية والإلهية. لأن المسائل المستنتجة من الأبحاث النظرية غير قادرة على تقديم حلول معقولة ومتناسبة مع الاحتياجات الزمانية والمكانية المتغيّرة. لا سيّما وأن الحيوية ومواكبة الشرائط المتغيّرة في التربية والتعليم، تحتوي على أهمية مضاعفة. ومن هنا كان ديوي يصرّ على أننا بدلاً من الانطلاق في التحقيق بالفرضيات الفلسفية القديمة، علينا أن نشرع من المسائل الواقعية للإنسان من أجل الوصول إلى حلولها. لقد سعى الوجوديون إلى القيام بهذا الأمر من طريق إيجاد رؤية غير تنظيمية ونوع من الفردانية. كما أن اجتناب الإشكالات الناشئة عن الرؤية التنظيمية، يُعدّ من الأسباب المهمّة في ظهور الفلسفة التحليلية أيضاً[62].
طريقة حلّ إشكال الركود والتوقّف
إن الحيوية والالتفات إلى الحقائق الزمانية والمكانية المتغيّرة، يجب أن لا يتمّ فهمها وتفسيرها بالتخلي عن المعتقدات الدينية الثابتة والأفكار الفلسفية، والقول بأن على الإنسان أن يلجأ من أجل التماهي مع الشرائط والظروف المتغيرة إلى القول بالنسبية والتعددية. بل إن المراد من ذلك أولاً: أن يستمر التفكير والتأمّل النقدي حول المسائل النظرية والاعتقادية. وثانياً: بالإضافة إلى إعادة قراءة المفاهيم الدينية والمباني الفلسفية، يجب الاهتمام بالموضوعات المتغيّرة والمسائل المستحدثة أيضاً. وفي الحقيقة والواقع فإن عدم الالتفات إلى الأفكار الفلسفية، لا يكون سبباً في عدم الحيوية فقط، بل ويؤدّي إلى النظرة السطحية، وإلى تربية المتعلمين الأميين أو المفتقرين إلى القدرة على التفكير. كما ذهب بعضهم إلى الاعتقاد بأن نظام التربية والتعليم في الولايات الأمريكية المتحدة قد تعرّض إلى هذا الإشكال بتأثير من النزعة العملانية. من ذلك أن آلان بلوم[63] ـ على سبيل المثال ـ قد ذهب مؤخراً في كتابه بعنوان (تعطيل الذهنية الأمريكية)[64] إلى انتقاد التعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصل إلى النسبية الثقافية، وقد أخفق في إعداد الطلاب من خلال برنامج يمكنهم من أن يكونوا أشخاصاً كاملين. إنه من خلال الاستناد إلى جمهورية أفلاطون قد اعتبر التربية النفسية والروحية للطلاب أمراً في غاية الأهمية، بمعنى أن يتمّ إعدادهم بنوع من التربية والتعليم الذي يساعدهم على البحث عن الأجوبة اللازمة على الأسئلة الجوهرية من قبيل: (ما هو الإنسان؟)، و(ما هو الحُسن؟) وما إلى ذلك من الأسئلة الأخرى، والإجابة عن هذا المفهوم السقراطي القائل: (اعرف نفسك). كما يرى هاري برودي أن تجنّب الأسئلة الأساسية والأولية في فلسفة التربية والتعليم يعدّ عملاً متسرّعاً، ويعتقد بوجوب العودة إلى الأسئلة الأساسية، لكي ندرك مدى واقعية هذه الاحتياجات[65].
يذهب كينغسلي برايس[66] إلى رفض ميتافيزيقا التربية والتعليم ويرفض مجمل فلسفة التربية والتعليم، ولكنه يعترف في مقال له بعنوان (هل فلسفة التربية والتعليم ضرورية؟)[67] بأنه لو أمكن لنا العلم بصدق القضايا المينافيزيقية وما بعد الطبيعية، من قبيل: (إن الله موجود)، و(إن الإنسان يبقى بعد الموت) وما إلى ذلك من القضايا الأخرى، فسوف يكون التقصير في استنتاج كل قضية من القضايا الميتافيزيقية ـ المناسبة لتعيين الأهداف التربوية أو طرق تحقق الأهداف ـ دليلاً على الجهل وانعدام العقل. ولكنه يرى ضرورة القيام في الوقت الراهن بأمرين أساسيين، وهما أولاً: إن على ما بعد الطبيعة أن تعمل على إيضاح قضاياها التكميلية. وثانياً: إن على ميتافيزيقا التربية والتعليم أن تثبت صدق هذه القضايا. فلو تمّ القيام بهذين الأمرين، فإن الميتافيزيقا في التربية والتعليم سوف تكتسب الأهمية الأكبر[68].
وقد أقرّ كلارك في مقالة له صدرت عام 1989 م تحت عنوان (لماذا يحتاج المعلمون إلى الفلسفة؟)[69] ـ بالنظر إلى مقولة إننا نفكر ثم نعمل ـ بتأثير التفكير في نوعية نشاط وعمل الأفراد. وقد ذهب إلى الاعتقاد بأن المعلمين والمدراء في نشاطهم وأساليبهم والسياسات التي ينتهجونها، ينطلقون بتأثيرهم بمذهب فكري ونوعية تفكيرهم، وإن كانوا قد لا يلتفتون إلى ذلك. إن المعلمين بالنظر إلى ما يمتلكونه من الرأي والنظرية حول موضوع الدرس، يختارون نوع أسلوبهم الخاص للتدريس[70].
كما يذهب شيفلر بدوره إلى الاعتقاد بأنه توجد هناك على الدوام علاقة ضرورية بين ما يجب القيام به في التدريس وبين المفاهيم والأصول الحاضرة في الذهن. وقد ذهب بروخر إلى الاعتقاد بأن هناك نظرية في نهاية كل عمل؛ ومن هنا فإن التغيير في النظر سوف يؤدّي إلى التغيير في العمل أيضاً[71].
وعلى هذا الأساس فإن إشكال الركود والتوقف إنما يحدث عندما ننظر إلى الحقائق الثابتة فقط، ونغفل عن أهمية البُعد التاريخي والأمور المتغيّرة، أو أن نكتفي بمجرّد بيان الحقائق والواقعيات ونغفل عن دور التحليل والتفسير، أو أن نأخذ القضايا التوصيفية وحدها بنظر الاعتبار ونغض الطرف عن القضايا التسويغية، أو أن نحصر أسلوب البحث والتحقيق بالأسلوب الاستنتاجي ونتجاهل الأساليب الأخرى. وأما إذا عملنا ـ بالإضافة إلى المسائل الدينية والفلسفية الثابتة ـ على الالتفات بشكل مناسب إلى الأمور المتغيّرة والمتحرّكة وكذلك الأبعاد التاريخية والمعيارية للمسائل والظرفيات العميقة لأساليب التحقيق الأخرى أيضاً، فسوف لن نواجه الركود والتوقف في التربية والتعليم أبداً.
ج ـ مشكلة الاختلاف بين النظرية والتطبيق
هناك من فلاسفة التربية والتعليم المعاصرين في الغرب من أمثال: سيدني هوك (1956 م)، من يذهب إلى الاعتقاد بأنه لا ينبغي الاستناد إلى المعتقدات الميتافيزيقا أو الإلهيات من أجل الإعداد لتسويغ وجواز مسائل التربية والتعليم. وذلك لما نراه في الواقع العملي حيث نجد الكثير من الأشخاص على الرغم من اختلافهم في الآراء الفلسفية، ولكنهم يشتركون في الكثير من مسائل التربية والتعليم، وعلى العكس هناك في المقابل آخرون على الرغم من اختلافهم في المسائل الخاصة بالتربية والتعليم إلا أنهم يتفقون في النظريات الفلسفية. وكذلك هناك من المفكرين المتدينين والمؤمنين بالله من يخالف تعليم مادة الدين في المدارس، في حين هناك من الذين لا يؤمنون بالتعاليم الدينية ومع ذلك يقبلون بتدريس الدين في المدارس لما تنطوي عليه هذه المادة من الآثار الإيجابية والنافعة. وعليه ليس هناك عدم ارتباط منطقي بين المعتقدات الدينية والأفكار الفلسفية وبين الحقول العملية فحسب، بل وهناك بينهما في بعض الأحيان تعارض وتضاد أيضاً؛ ومن هنا فإن توقع حلّ مسائل التربية والتعليم من طريق استنتاجها من المباني النظرية والإلهية، يعد تجاهلاً للعلم والمناهج العلمية، ولا يُعد توقعاً صائباً[72]. وفي تأييد هذا الرأي يجب القول هناك فلاسفة قد عمدوا إلى بيان المسائل المرتبطة بالتربية والتعليم من دون الالتفات إلى آرائهم الفلسفية الخاصّة. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن عدداً من الفلاسفة من أمثال: جان لوك، وهيجل، وبرتراند راسل وغيرهم، من الفلاسفة الذين لا تقوم تأملاتهم التربوية على أساس تأمّلاتهم الفلسفية[73].
طريقة حل الإشكال الثالث وبيان أدلة التضاد بين النظرية والتطبيق
يبدو أن مجرّد وجود التضاد المذكور، لا يمكن أن يكون دليلاً على عدم إمكان الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق. إن التضاد بين النظرية والتطبيق في الموارد المذكورة يمكن أن يكون خارجاً عن القاعدة ومعلولاً لسلسلة من العوارض والعوامل الخارجية، والتي يساعد الالتفات إليها على حلّ هذه المشكلة. ولهذا السبب سوف نعمل في هذه المقالة على بيان أهم هذه العوامل بشكل مختصر.
1. عدم جامعية النظرية وتدخل سلسة من النظريات بدلاً من نظرية واحدة
إن من بين العوامل الرئيسة في التهافت بين النظرية والتطبيق، عدم جامعية النظريات، وبالتالي عدم كفاءتها في الإجابة عن جميع المسائل التربوية. إن عدم جامعية النظريات وعدم كفايتها، يؤدّي بأتباعها على الرغم من وجود الاشتراك في النظرية، إلى الاختلاف في وجهات النظر حول المسائل التربوية. وفي هذه الحالة فإن مجرّد اشتراك الفلاسفة أو المعلمين في نظرية ما، لا يستلزم توافقهم في مسائل التربية والتعليم أيضاً. إنما في حالة اتحاد آرائهم حول نظرية فلسفية جامعة تمتلك الكفاءة اللازمة في حل مسائل التربية والتعليم، يمكن لنا أن نتوقع اتحاد الآراء حول المسائل التربوية، والحصول على نظرية جامعة تشتمل على بُعد معرفي، وتشتمل في الوقت نفسه على بعد إرشادي وتوجيهي أيضاً[74].
وتارة يكون التضاد المذكور بين النظرية والتطبيق، ناشئاً من تدخّل سلسلة من النظريات في النشاط التربوي، بدلاً من نظرية جامعة وواحدة. من الطبيعي أن تشتمل هذه النظريات على نقاط اشتراك واختلاف؛ ومن هنا فإن كلتا النظريتين المتشابهتين أو المختلفتين، حيث تشتملان على وجوه اختلاف واشتراك، ولربما تنطويان على نتائج واحدة (رغم وجود الاختلاف بينهما)، أو تنطويان على نتائج مختلفة (على الرغم من وجود التشابه بينهما). إنما يصحّ التشكيك في تأثير النظرية على العمل والتطبيق، عندما يصل المفكران إلى نتائج عملية مختلفة على الرغم من ذهابهما إلى نظرية واحدة وجامعة بالكامل[75].
وعلى هذا الأساس لو كانت لنا في نقام بيان نظرية تربوية للإنسان، نظرة جامعة إلى احتياجاته وعلاقاته المختلفة مع الله ومع نفسه ومع العالم ومع إخوته في الإنسانية، فإن مشكلة التضاد بين النظرية والتطبيق سوف ترتفع. وبطبيعة الحال من الواضح أولاً: إن التنظير الجامع في حقل التربية والتعليم، فرع على تحقق المعرفة الجامعة للإنسان واحتياجاته الحقيقية، ولا يستطيع ذلك سوى الله سبحانه وتعالى. وثانياً: إن هذه المسألة توضح حاجة الإنسان إلى التربية الدينية والإلهية. وثالثاً: لو كان الإنسان في الاعتقاد والعمل تابعاً للنظام التربوي الكامل والجامع حقاً وعلى نحو تام، من قبيل النظام التربوي في الإسلام، لن يقع هناك تعارض بين معتقداته وأفعاله. ورابعاً: إن الإنسان بسبب امتلاكه لحرية الإرادة والاختيار، يمكن أن يعمل على خلاف معتقده بشكل واع أو غير واع، إلا أن هذا لن يؤدّي أبداً إلى عدم اعتبار الأسلوب الاستنتاجي وضرورة إرجاع الواجبات إلى الوجودات. إذ بالإضافة إلى المعتقدات هناك عوامل أخرى دخيلة ومؤثرة في أفعال الإنسان أيضاً؛ وكذلك علينا أن لا نتوقع حلّ جميع المسائل التربوية من خلال أسلوب الاستنتاج فقط، بل كما نلتفت إلى الظرفيات العميقة لهذا الأسلوب، يجب أن نلتفت إلى حدوده وإلى محدودياته في بعض الأحيان أيضاً.
2. تجاهل بعض المفكرين لمبانيهم النظرية
هناك من الفلاسفة والمعلمين من يغفلون عن المباني المقبولة في منظومتهم الفلسفية، وأخذوا بسبب تأثرهم بالمدارس التربوية الأخرى يقترحون أصولاً وبعض الأساليب والبرامج التي لا تنسجم مع المباني الفلسفية والإلهية المقبولة عندهم، أو أنهم في استنتاج الدلالات التربوية من الأفكار الفلسفية والدينية قد سلكوا طريقاً خاطئاً وتنكبوا السُبُل، وتوصّلوا بذلك إلى نتائج خاطئة. بيد أن هذه الغفلة وهذه الأخطاء لا يمكن أن تنفي ضرورة النظرية وعلاقتها بالمسائل التربوية أو أن تقلل من اعتبار الاستنتاج. وقد عمد زايس ـ بالنظر إلى هذه الحقيقة ـ إلى التذكير بأن بعض الأشخاص يغفلون عن المباني النظرية لأعمالهم، وبذلك فإنهم يواجهون مشكلة التضاد بين التنظير والتطبيق. إن طريقة حلّ الإشكال تكمن في العمل في هذه الموارد على إخراج الشخص من غفلته، عندها سوف يدرك أن النظرية تهدي وترشد إلى العمل والتطبيق. إن النظرية من دون تطبيق رؤية عبثية، وإن العمل والتطبيق من دون تنظير يقف عند حدود الخبط الأعشى[76].
3. النظرية جزء العلة وإن بعض الأمور تنشأ من العادة والتقليد وغيره
بالنظر إلى تدخّل العوامل المتعددة في صدور الفعل، حيث تكون النظرية واحدة من هذه العوامل، يمكن القول: إن الأعمال الناشئة عن التقليد والعادات والمعايير الاجتماعية التي تصدر بشكل وآخر من دون التدبّر والإدراك العميق، بدورها موجودة أيضاً. في هذا النوع من الأفعال والنشاطات هناك نوع من الوعي والإدراك بالمعنى العام، ولكنه غير حاذق ولا ينطوي على تفكير. ففي الحدّ الأدنى هناك جزء من الأعمال يتمّ العمل به دون إدراك (سببه)، وإن أصحاب التربية والتعليم ليسوا استثناء من هذه القاعدة؛ وعلى هذا الأساس فإن من بين الحلول الجادة لمشكلة التضاد والشرخ بين النظرية والتطبيق، عبارة عن تحكيم العقلانية على النظام التربوي، وأن نخطط بشكل عقلاني وأن نعمل في ضوء التفكير، كي لا نسقط في شراك التضاد بين التنظير والتطبيق. وذلك لأن الأعمال المفتقرة إلى التفكير المنطقي قبيحة من كل شخص، وهي من المفكر والمربي والمعلم لا محالة أقبح[77].
د ـ مشكلة نفور الباحثين والمعلمين من الأبحاث النظرية
إن من بين موانع تأثير النظرية على العمل، والذي يُعدّ في الواقع من أسباب حدوث الشرخ بين النظرية والتطبيق، عزوف ونفور الباحثين والمعلمين من الأبحاث النظرية. إنهم لا يعتبرون دور النظريات محسوساً في حياتهم، ولهذا السبب فإن ضرورة التعليم تشكل تحدياً بالنسبة لهم. ومن الناحية العملية فإن الباحثين والدارسين بعد إتمام المرحلة الدراسية قلما يولون اهتماماً بالنظريات، ويندر أن يلزموا أنفسهم بالعمل في ضوئها. هذا في حين أنه في دراسة سائر المواد الدراسية الأخرى لا يوجد عدم نفور فحسب، بل ونجد الدارسين يُقبلون عليها برغبة عارمة، وقلما نجدهم يسألون عن أسباب دراستها. وذلك لأنهم يلمسون تأثيرها في حياتهم العملية.
أسباب العزوف عن الأبحاث النظرية في التربية والتعليم المعاصر في الغرب
إن العزوف عن الأبحاث النظرية لا يمكن أن يُشكّل دليلاً على امتناع العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق. وذلك لأن هذا العزوف معلول لسلسلة من العوامل الخارجية، وليس ناشئاً عن امتناع العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق؛ ومن هنا فإن طريقة حلّ الإشكال تكمن في التعريف بعوامل وآليات الخروج منها.
1. النظرة العملانية والمادية إلى التربية والتعليم
كما سبق أن ذكرنا، فإنه بفعل سيطرة المنهج العلمي والعملاني على التربية والتعليم في الغرب، فقد تعرّض هذا الحقل لتغيير الهوية، وتحوّل إلى مجرّد آلة للكسب، وانخفضت موقعيته ومنزلته. إن الفكر البشري في التربية والتعليم المعاصر في الغرب، يتبلور تبعاً للشرائط العينية لحياته. وأما سائر الأبعاد الأساسية والمبنائية للتربية والتعليم التي ترتبط بالفلسفة والدين، فلا تحظى بأهمية كبيرة. إن هذا الأمر قد أدّى إلى حدوث تغيير ماهوي في مسائل وأهداف وحاجات ولغة التربية والتعليم. إن المزاج العلماني ـ ولا سيّما النظرية النفسانية لـ (بياجيه) ـ قد عمل منذ عام 1920 م على إبراز دور علم النفس العلمي بوصفه مبنى للتربية والتعليم إلى حدّ كبير، وظهور التكنولوجيا ولمس نتائجها في الحياة اليومية، كان مؤثراً في هذا الاتجاه. وعلاوة على ذلك فقد كان للنظرة الاقتصادية والسياسية إلى التربية والتعليم بدورها دور كبير في توسيع دائرة هذا النهج، وحوّله من الناحية العملية إلى أداة لتحقيق أهدافها المادية[78].
من أجل العمل على حل مشكلة العزوف عن الأبحاث النظرية، يجب تغيير نوع النظرة إلى التربية والتعليم، والأجزاء الأصلية والأهداف الحقيقية لها من النظرة المادية إلى النظرة الإلهية والإنسانية، وأن تستعيد التربية والتعليم رسالتها الأصلية المتمثلة في التربية المتعالية للإنسان. من الواضح أن للفلسفة والقيَم الدينية والأخلاقية ـ في التربية والتعليم المتعالي والإلهي ـ منزلة بارزة. وحيث يمكن للإنسان أن يصل إلى الحقائق النظرية من طريق العقل وسائر الطرق المعرفية المعتبرة، يجب عليه الالتفات إلى هذه الحقائق بما يتناسب مع حياته؛ ومن ناحية أخرى، على الرغم من وجود الحقائق النظرية ناظرة إلى الحقائق الأساسية المستقلة عن وجود الإنسان، إلا أن فهم الإنسان لها يؤثر في طريقة مواجهته مع المشاكل العملية أيضاً. ولهذا السبب لو كان العمل والتطبيق تابعاً للنظرية، فيجدر بالنظرية أن تكون بدورها ناظرة إلى العمل أيضاً.
2. انفصال وعدم انسجام المباني النظرية للتربية والتعليم مع مسائلها واحتياجاتها
إن انفصال النظريات التربوية عن المسائل والاحتياجات الأساسية للتربية والتعليم في الغرب، يمكن أن تُعدّ من أسباب عزوف أصحاب التربية والتعليم عن هذه النظريات. وذلك لأن الحقول الثلاثة وهي علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة التحليلية، قد أصبحت بحكم الحقول الأم والمصدر للنظريات التربوية بالنسبة إلى التربية والعليم. هذا في حين أولاً: إن هذه العلوم لا يمكن أن تلبي جميع احتياجات التربية والتعليم أو أن تعمل على بناء نظرية تربوية جامعة. وثانياً: إن المباني التربوية المتخذة من هذه العلوم، حيث لا تحتوي على الانسجام الضروري والكافي، فإنها تستوجب عدم التناغم الداخلي للنظريات التربوية المتخذة منها. وفي الواقع فإن النظريات التربوية المعاصرة، تابعة للنظريات غير المتجانسة وغير المتناغمة للحقول العلمية الأخرى. إن هذا الانفصال والتشتت هو الذي أدّى إلى نوع من التناقض في وضع السياسات والمشاريع وعزوف المعلين والمعنيين في هذا الشأن. لا سيّما وأنه يتمّ في العصر الراهن ـ بسبب هيمنة الأفكار ما بعد الحداثوية والنسبية ـ ضمّ النظريات غير المتماهية والمتناقضة أحياناً في التربية والتعليم إلى بعضها[79].
وبطبيعة الحال فإن التعامل بين الحقول المعرفية أمر مطلوب ولا مفرّ منه، إلا أن التبعية للنظريات الأجنبية عن المسائل والاحتياجات التربوية والتعاطي معها بالقبول والإيجاب في مجال التربية والتعليم، قد أدّت إلى حدوث الكثير من المشاكل؛ ومن هنا يجب لحل هذه المشاكل العمل على التنظير الناظر إلى المسائل والاحتياجات الواقعية للتربية والتعليم، وإخراج هذا الحقل من مجرّد كونه علماً فرعياً وتابعاً، وترقيته إلى علم مستقل ومؤثر. وفي هذه الحالة فإن النظريات التربوية سوف تنسجم مع القيَم والتوصيات التربوية، كما سوف تحظى من الناحية العملية باستقبال أصحاب التربية والتعليم أيضاً.
3. الافتقار إلى الجامعية وعدم الانسجام مع الواقع
إن النظريات المفتقرة إلى الأحقية والجامعية الناشئة عن الفلسفات الناقصة أو الأساليب الخاطئة، لا يمكنها أن تقدّم إلى المجتمع أشخاصاً متعلمين ومعتقدين. إن العلوم التربوية في العصر الراهن بالإضافة إلى خلوّها من المباني الميتافيزيقية والإلهية، لا تنظر إلى الإنسان بوصفه كائناً متعالياً، وله قابلية الكمال بشكل مطلق، بل يتم اعتبار دراسة الإنسان متساوية مع دراسة الحيوانات والجمادات، ويتمّ خفض الأساليب التربوية إلى مستوى الأساليب التجريبية. إن النظرة الأحادية إلى الإنسان، بالإضافة إلى كونها رؤية ناقصة، فإنه كذلك مخالفة للوجدان والفطرة الإلهية للإنسان ولا تنسجم مع حقائق عالم التكوين أيضاً. من الطبيعي أن النظريات التربوية التي تتبلور ضمن هذا النهج لا يمكنها أن تروي عطش الإنسان في البحث عن الحقائق والحصول على الكمال، وتحظى ـ بوصفها مرشداً ودليلاً إلى التطبيق والعمل ـ بترحيب أصحاب التربية والتعليم. وبطبيعة الحال فإن كون النظرية عملية، لا يعني بالضرورة أنها حقيقية وصادقة، كما أن كونها غير عملية لا يشكّل دليلاً قاطعاً على أنها كاذبة، بيد أن عدم الجامعية والافتقار إلى الأحقية، يمكن عدّه من أسباب عزوف أصحاب التربية والتعليم عن النظريات التربوية المعاصرة في الغرب أيضاً.
4. انتزاعية النظريات الاستنتاجية
لو نظرنا إلى مسار بحث العلاقة والارتباط بين النظرية والتطبيق في فلسفة التربية والتعليم المعاصر في الغرب، فسوف ندرك جيداً أن من بين أسباب الشرخ بين النظرية والتطبيق وكذلك عزوف أصحاب التربية والتعليم عن الأبحاث النظرية، عبارة عن انتزاعية النظريات المستنتجة من الأفكار المتافيزيقية والإلهية. إن الانتزاعية بالنسبة إلى النظرية أمر طبيعي، بيد أن أنصار الاتجاه الاستنتاجي لم يتمكنوا من بيان علاقة وصلة الأفكار الفلسفية بالمسائل التربوية بشكل ملموس. إن بعض المسائل النظرية من الكلية والانتزاعية بحيث لا يتضح ارتباطها بالقيَم والأعمال التربوية كثيراً. إن هذا الأمر لا يُعدّ نقصاً للأفكار الجوهرية، بل هو من مقتضيات طبعها. وأما المنظرون فبمقدورهم ـ من خلال تنقيح المباني النظرية القريبة ـ أن تثبت العلاقة والارتباط بين النظرية والتطبيق بشكل ملموس. وبعبارة أخرى: يمكن بيان النظريات بشكل أكثر تعيّناً وبلغة أبسط، وإثبات دلالاتها التربوية بشكل محسوس. وفي هذه الحالة سوف تكون الوسائط بين النظرية والتطبيق أقل، ويبدو الارتباط بينهما بشكل أوضح.
5. عدم الالتفات إلى الدور التربوي للمعلم
إن من بين أدلة عزوف المعنيين عن الأبحاث النظرية وعدم تطبيق النظرية في مقام العمل، عبارة عن تجاهل التربية والتعليم المعاصر في الغرب للدور التربوي للمعلم. يتمّ اليوم النظر إلى المعلمين بوصفهم مجرّد موظفين؛ حيث تكون رؤية المعلم نفسه إلى التربية والتعليم وكذلك رؤية المؤسسة المستخدمة له رؤية مادية واقتصادية. إن مهمة المعلم هي مجرّد التدريس الجيد والمحترف. وأما التربية والتفكير والتهذيب الذي يجب أن يتصف به المعلم والرسالة التربوية التي يجب أن يحملها على عاتقه، فتتمّ الغفلة عنها أو تجاهلها. هذا في حين أنه بالإضافة إلى تدريس المواد التعليمية، فإن طريقة التعليم وأداء المعلم وكذلك قدرته المعرفية والتزامه العملي بالنظرية، يلعب دوراً حاسماً وجوهرياً في الالتزام العملي للطلاب والمعنيين. إن المعلمين بالإضافة إلى نقل المعلومات يجب أن يؤدّوا دورهم في توجيه سلوك وأخلاق وشخصية الطلاب أيضاً. كما يُعد البُعد التربوي في التفكير الإسلامي وفي الأدبيات القرآنية في الأساس متقدّماً على البُعد التعليمي، ويعتبر من بين أهدافه وغاياته المهمّة. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين}[80].
6. النزعة التجريبية وإنكار النظرية في التربية والتعليم
كما سبق أن ذكرنا في جذور البحث، فإن هناك من لا ينكر العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق فحسب، بل وينكر حتى أصل وجود النظرية في التربية والتعليم أيضاً. وذلك لأنهم يرون أن النظرية في الأساس إنما تنحصر في العلوم التجريبية، ولا مكان للنظرية العلمية والمعتبرة في العلوم الاجتماعية ومن بينها التربية والتعليم أيضاً. ويتألف دليل هؤلاء من قسمين:
1. القسم الأول، الأدلة التي تبحث في المعايير العلمية ووجود النظرية العلمية، وتراها منحصرة في العلوم التجريبية. من قبيل أن النظرية لها ارتباط وثيق بالمشاهدة والاختبار التجريبي بوصفهما وسيلة للتقييم. إن النظرية مقولة معرفية ولا صلة لها بالعناصر التسويغية (القيَميّة)؛ كما أن قابلية البيان وتعيّن الموضوع وما إلى ذلك يُعدّ من المعايير الأخرى لاعتبارية وعلمية النظرية.
2. القسم الثاني، الأدلة التي تتعرّض إلى خصائص التربية والتعليم، وتدّعي أن هذه الخصائص تستوجب أن يكون وجود النظرية في هذا الحقل مفتقراً إلى الموضوعية. إن أدلة من قبيل: محورية النشاط وليس علمية التربية والتعليم، وارتباط التربية والتعليم بالقيَم التي تعمل من تلقائها على إدخال القيَم في النظرية التربوية، وعدم وجود علاقة وصلة منطقية بين الواقعية والقيمة، وضعف التربية والتعليم في قابلية الاختبار التجريبي وما إلى ذلك، تعد من بين الأدلة التي أقيمت على عدم علمية التربية والتعليم[81].
نقد النزعة التجريبية
لقد ذهب القائلون بوجود النظرية العلمية في التربية والتعليم ـ في إطار الدفاع عن الاعتبار العلمي للنظرية التربوية ـ إلى الطعن في بعض الخصائص التي تمّ ادعاؤها بالنسبة إلى النظرية العلمية، واستدلوا على ذلك بأن الخصائص المذكورة للنظرية العلمية لا وجود لها في نظريات العلوم التجريبية أيضاً. وهناك من سعى ـ من خلال القبول بالخصائص التي تمّ ادعاؤها بالنسبة إلى النظرية ـ إلى إجراء هذه الخصائص في التربية والتعليم أيضاً. بيد أن أكثر الجهود قد تركّزت على نقد المعايير العلمية ونقد حصر وجود النظرية في العلوم الطبيعية[82].
تذهب هذه الجماعة إلى الاعتقاد بأن أصل العينية الذي يؤكد على المواجهة مع الواقعيات الخارجية بغض النظر عن أيّ نوع من العناصر الذهنية والقيَميّة، غير ممكن من الناحية العملية. إذ حتى في العلوم الطبيعية لا يمكن الخوض في التحقيق بغض النظر عن القيَم والفرضيات المسبقة. إن المعتقدات الأخلاقية / القيَميّة، بل وأكثر من ذلك أن المعتقدات الفلسفية / العلمية، حاضرة بشكل مقصود أو غير مقصود في كل حقل من حقول المعرفة البشرية، وإن حذفها حتى في العلوم الطبيعية لا هو ممكن ولا هو مطلوب. إنما المهم هو أن علينا إدراك هذه المعتقدات وأن نتعرّف على الفرضيات المسبقة الحاكمة، وأن نعمل في ضوء الأدلة المنطقية والمعتبرة على جعل الفرضيات الصائبة أساساً لنشاطنا. رغم أن دور المعتقدات والقيَم في العلوم الاجتماعية أكثر بمراتب من العلوم الطبيعية[83].
يبدو أن النزعة التجريبية ـ بمعنى القول بحصر أسلوب الحصول على المعرفة اليقينية والمعتبرة في أسلوب التجربة الحسية ـ هو الخطأ الأكبر الذي ارتكبه التجريبيون ولا سيّما منهم الوضعيون. إنهم من خلال حصر طريق المعرفة في التجربة وحصرهم أداة المعرفة في الحواس الظاهرية، قد حرموا أنفسهم في الواقع من الطرق الأكثر اعتباراً ويقينية، من قبيل: الوحي والشهود والعقل. وفي الحقيقة فإننا إذا لم نعتبر التربية والتعليم من العلوم التجريبية، فإن هذا الأمر لا يُنقص شيئاً من الاعتبار والمنزلة المعرفية لهذا العلم أبداً، ويمكن الاستمرار في مواصلة الحديث عن النظريات المعتبرة واليقينية في التربية والتعليم وفي العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق التربوي أيضاً. وفي الأساس فإن التمايز بين مختلف حقول العلم من الناحية الأبستمولوجية والمنهجية لا يلازم اعتبارها. إن على كل علم أن يعمل على إثبات مسائله بأساليبه الخاصة، وعلى هذا الأساس فإنه أولاً: ليس من الضروري أبداً أن يتمّ حشر التربية والتعليم في إطار العلوم التجريبية الضيّق. وذلك لأن هذا الأمر يستوجب تجريد الكثير من حقول التربية والتعليم التي لا تقبل البحث والتحقيق بالأسلوب التجريبي منها، ويتحوّل هذا العلم إلى علم ناقص. وثانياً: إن النظرية لا تنحصر في العلوم التجريبية فقط، بل إن ذات العلوم التجريبية والطبيعية في الأساس تقوم على أساس النظريات الفلسفية والقيَميّة، وإن النظرية موجودة قبل العلوم التجريبية. ولهذا السبب فإنه على الرغم من تشكيك أكثر المحققين في اعتبار التربية والتعليم علماً، فإن أغلبهم يذهب في بحث النظرية في التربية والتعليم إلى القول بوجود وضرورة النظرية في التربية والتعليم[84].
النتيجة
في خلاصة البحث يمكن القول: إن مسألة التربية والتعليم في المجتمعات الغربية المعاصرة قد تمّ إفراغها من بُعدها المعنوي والتربوي، وتحوّلها إلى مجرّد وسيلة لانتقال المعلومات والتعرّف على الحرَف والحصول على الدخل والربح. لقد تمّ إفراغ النظرية التربوية من هويتها الفلسفية والقيَميّة، ولم يعد لها موقع مناسب في العلوم التربوية. كما تمّ التشكيك في العلاقة المنطقية بين النظرية والتطبيق، وتمّت إقامة الكثير من الأدلة على امتناعها.
وفي نظرة عامّة يمكن القول: إن الإشكال الأهم في العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق من وجهة نظر المفكرين المعاصرين في الغرب، عبارة عن إشكال العبور من مسألة (الوجود) إلى (الوجوب). إن هذا الإشكال قد دفع بهم إلى الإعراض عن الأسلوب الاستنتاجي والبحث في الأساليب البديلة. ولكن لو أمكن العثور على طريقة لحلّ هذا الإشكل فإن المعضلة الرئيسة سوف يتمّ حلها. كما أن بعض الفلاسفة المسلمين قد عمدوا إلى حلها بشكل متقن من طريق التحليل الدقيق لماهية القضايا القيَميّة وعلاقتها بالضرورة بالقياس.
وكذلك فإن التضاد بين النظرية والتطبيق لدى بعض المفكرين وعزوف المعلمين والطلاب عن الأبحاث النظرية، يُعدّ بدوره من معضلات الارتباط بين النظرية والتطبيق في فلسفة التربية والتعليم في الغرب أيضاً. ويبدو أن العوامل الأصلية للتضاد بين النظرية والتطبيق في هذا الحقل، عبارة عن: أ ـ عدم الجامعية والكفاءة اللازمة للنظريات. ب ـ عدم دقة أو غفلة بعض المفكرين عن مبانيهم النظرية. ج ـ عدم الالتفات إلى كون النظرية تشكّل جزء العلة وتأثير الكثير من العوامل المتعددة الأخرى، من قبيل: الآداب والتقاليد والبيئة وغير ذلك من القرارات والنشاطات التربوية. د ـ الشمولية وعدم الالتفات إلى سهم وحجم تأثير كل من الفلسفة والعلم في التربية والتعليم. وعلى هذا الأساس فإن هذا التضاد والشرخ لا يمكن أن يشكل دليلاً على عدم إمكان العلاقة والارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق، بل هو معلول لسلسلة من العوامل الخارجية. كما أن العزوف عن الأبحاث النظرية بدوره لا يشكّل دليلاً على عدم الارتباط المنطقي بين النظرية والتطبيق أو عدم تأثير النظرية في التطبيق، بل هو معلول لسلسلة من العوامل الخارجية، ومن بين أهمها عبارة عن: أ ـ النظرة المادية والاقتصادية إلى التربية والتعليم. ب ـ انفصال المباني النظرية في التربية والتعليم عن المسائل واحتياجاتها. ج ـ عدم أحقية وانسجام النظريات التربوية المعاصرة في الغرب مع الحقائق والفطرة الإنسانية الباحثة عن الحقيقة. د ـ انتزاعية الأبحاث النظرية، وعدم وضوح ارتباطها بالنشاط التربوي.
هناك من عمد ـ بتأثير من النزعة التجريبية المفرطة ـ إلى تقليل النظريات المعتبرة وخفضها إلى نظريات علمية (تجريبية)، واعتبر عدم معيارية النظرية العلمية في التربية والتعليم دليلاً على امتناع النظرية فيها، ونتيجة لذلك فقد اعتبروا بحث العلاقة والارتباط بين النظرية والتطبيق التربوي فاقداً للقيمة. ويبدو أنه بالإضافة إلى أن أكثر الانتقادات الواردة على المعايير المذكورة للنظرية العلمية صحيحة، يمكن القول: إن النزعة التجريبية غير مقبولة من الأساس. وذلك لأن المعارف المعتبرة ليست منحصرة في العلوم التجريبية فقط، وإن هناك طرقاً أخرى أكثر إتقاناً للمعارف المعتبرة أيضاً، ومن هنا فإن عدم تجريبية النظرية التربوية لا يُلحق أيّ ضرر باعتبارها وأهميتها. ولهذا السبب فإن ضرورة النظرية في التربية والتعليم وتأثيرها في العمل التربوي من الوضوح بحيث لم يتمكن حتى أصحاب المسلك التجريبي من إنكارها، ولذلك فقد اضطروا إلى البحث في هذا الموضوع على خلاف مبناهم الفلسفي.
المراجع والمصادر:
اسميت، فيليپ جي.، فلسفه تعليم و تربيت چيست؟ في: زمينهاي براي بازشناسي و نقادي فلسفه تعليم و تربيت غرب، ترجمه إلى اللغة الفارسية وقام بتدوينه: سعيد بهشتي، طهران، انتشارات اطلاعات، 1965 هـ ش.
اوزمن، هوارد و سموئيل ام. كراور.، مباني فلسفي تعليم و تربيت، ترجمه إلى اللغة الفارسية: غلام رضا متقي فر وآخرون، قم، مؤسسه آموزشي و پژوهشي امام خميني (رحمه الله)، 1379 هـ ش.
ايرواني، شهين، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، طهران، شركت انتشارات علمي و فرهنگي، 1388 هـ ش.
باقري، خسرو، درآمدي بر فلسفه تعليم و تربيت جمهوري اسلامي ايران، طهران، شركت انتشارت علمي و فرهنگي، 1389 هـ ش.
الإصفهاني، الراغب أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداوودي، بيروت، الدار الشامية، 1416 هـ ش.
بهشتي، سعيد، زمينه اي براي بازشناسي و نقادي فلسفه تعليم و تربيت غرب، طهران، انتشارات اطلاعات، 1386 هـ ش.
جوادي، محسن، مسأله «بايد» و «هست»، دفتر تبليغات اسلامي، قم، 1375 هـ ش.
سروش، عبد الكريم، دانش و ارزش، طهران، انتشارات ياران، 1358 هـ ش.
علم الهدى، جميلة، نظريه اسلامي تعليم و تربيت، طهران، دانشگاه امام صادق ؟ع؟، 1388 هـ ش.
كامبلس، جي. جي.، تاريخ فلسفه تعليم و تربيت، في: زمينهاي براي بازشناسي و نقادي تعليم و تربيت غرب، ترجمه إلى اللغة الفارسية وقام بتدوينه: سعيد بهشتي، طهران، انتشارات اطلاعات، 1386 هـ ش.
مصباح اليزدي، محمد تقي، فلسفه تعليم و تربيت اسلامي، طهران، انتشارات مدرسة، 1390 هـ ش.
ـــــــــــــــــ، محمد تقي، آموزش فلسفه، المجلد الأول، طهران، سازمان تبليغات اسلامي، 1371 هـ ش.
ــــــــــــــــــ، محمد تقي، دروس فلسفه اخلاق، قم، مؤسسه آموزشي پژوهشي امام خميني (ره)، 1376 هـ ش.
ــــــــــــــــــ، محمد تقي، نقد و بررسي مكاتب اخلاقي، قم، مؤسسه آموزشي پژوهشي امام خميني (ره)، ط 2، قم، 1387 هـ ش.
ميالاره، گاستون، معنى و حدود علوم تربيتي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي محمد كاردان، انتشارات دانشگاه تهران، 1370 هـ ش.
نيكزاد، محمود، كليات فلسفه تعليم و تربيت، طهران، انتشارات اسلامي، ط 1، 1371 هـ ش.
Barrow, R., "Philosophy of Education: Historical Overview", in Torsten. T. Neville Postlethwaite. The international Encyclopedia of Education. London: BPC Wheatson Lmt, 1994.
Beck, Clive, Education philosophy and Theory - an introduction, Little, Brown and company (inc). Canda, 1974.
Berzinka, Wolfgung, philosophy of Educational Knowledge, Translated by James Stuart Brice and Roul Eshelman, Kluwer Academic publishers, Netherland, 1992.
Broudy, Harry, Building a philosophy of Education, 2ed ed. Printice-Hall, Inc. U. S. A, 1961.
Brubacher, john, Modern Philosophy pf Education, Mc Graw - Hill Book Company. Tokyo, 1969.
Carr، Dvid. “Is Understanding the profeional Knowledge of Teachers a Theory-practice Problem?”, Jornal of philosophy of Education, Vol. 29. No 3, 1995.
Carr، Dvid, “Practice Enquiry، Values and problems of Eductional theory”. Oxford Reiew of Education. Vol. 18. No3., 1992, pp 241 - 251.
Carr, Wilferd, "Educational Theory and its rlation to educational practice", In Entwiftle. Noel. Handbook of Educational ideas and practice. Rutledge. London, 1990.
Carson, A. S., “Tow problems of Educational theory”, British Journal of Educational studies. Vol. 23. No2, 1980.
Clark، Charles, "Why teachers need philosophy?”, Jornal of philosophy of education. Vol. 23. No 2, 1989.
Daveney, T. F., “Eduction-a moral concept”. in: New Essays in the philosophy of education. Edited by Langford، Glenn & D. J. O Connor. International library of the philosophy of education، Routledge. first published in 1973، second 2010.
Evers, C. W, "Epistemology and the stracture of Educational theory, Some reflictions on the O، Connor-Hirst Debite”, Jornal of philosophy of education. Vol 21. No1.
Gribble, John, An introduction to philosophy of education. Allyn and bacon. Inc، Boston.
Heyting, Frieda & others, Methods in philosophy of education, Routledge, London & New York Taylor & Francis Group, 2001.
Hirst. P. H., “philosophy & Education Theory”, In: Christopher J, Lucas, What is philosophy of Educatio?. U. S. A: Macmillan, 1963.
Hirst, P. H., Educational Theory. in J. W Tibble. the study of eduction. Routledge and Kegan paul. London, 1966.
Hirst, P. H, “The Nature & scope of Educational Theory”, in: New Essays in the philosophy of education. Edited by Langford، Glenn & D. J. O Connor. International library of the philosophy of education، Routledge. first published: 1973.
Hook, Sidney, “The Scope of philosophy of education”, In Christopher J، Lucas. What is philosophy of Educatio?. U. S. A: Macmillan, 1956.
Kant, Immanuel, Critique of practical reason. Translator, Mary Gregor, London. Combridge university press, 1999.
Langford, Glenn., "The cocept of Education", in: New Essays in the philosophy of education. Edited by Langford, Glenn & D. J. O Connor. International library of the philosophy of education. Routledge, 2010.
O Connor, D. J, “The Nature & scope of Educational Theory”, in: New Essays in the philosophy of education. Edited by Langford، Glenn & D. J. O Connor. International library of the philosophy of education. Routledge. first published in 1973. second 2010.
O Connor, D. J., Introduction to the philosophy of eduction. 4 ed. Routledge and Kegan paul. London, 1957.
Price, Kingsley, “Is philosophy of Education Necessary?”, In Christopher J، Lucas. What is philosophy of Educatio?. U. S. A: Macmillan, 1955.
Scheffler, Israel, "Is eduction a diciplin?", In philosophy and education. Allyn and bacon. Inc. Boston, 1966.
Smith, Philip. G., philosophy of Education. New York, 1965.
Zais, Roberts, Curriculum, principle and foundation, Thomas Y. Crowell company LTD. Newyork, 1976.
-------------------------------
[1]* تم نشر هذه المقالة باللغة الفارسية في: همايش كنگره بين المللي علوم اسلامي (ضمن سلسلة مقالات المؤتمر الدولي الثاني للعلوم الإنسانية الإسلامية)، الجزء الثاني، تحت عنوان: (بررسي و نقد مهم ترين دلايل انكار رابطه ي منطقي نظريه و عمل در فلسفه ي تعليم و تربيت معاصر غرب). الصفحات من 11 إلى 48.
[2]. باحث في المرحلة الرابعة من جامعة المصطفى ؟ص؟ العالمية، وطالب على مستوى الدكتوراه في فلسفة التربية والتعليم الإسلامي في مؤسسة الإمام الخميني (رحمه الله) للدراسات والأبحاث.
[3]. لقد قدّم غاستون ميلاره في كتاب له بعنوان (مفهوم وحدود العلوم التربوية) شرحاً وتوضيحاً تفصيلياً في هذا الشأن. ميالاره، معنى و حدود علوم تربيتي، 5.
[4]. Price, “Is philosophy of Education Necessary, 58.
يذهب بعض المفكرين الغربيين الآخرين من المعاصرين في الحدّ الأدنى إلى الإقرار بهذا الأمر وهو أن هناك سلسلة من المعتقدات والقيَم الكامنة بشكل منطقي في مفهوم التربية والتعليم، وأن على التربية والتعليم أن توصل المنتسبين إلى هذه القيَم
Daveney, “Eduction - a moral concept”, 79.
[5]. Educational sciences
[6]. O, Connor, “The Nature & scope of Educational Theory”, 47 - 48.
[7]. Ibid, 47 - 48.
[8]. Israel Scheffler
[9]. Scheffler, "Is eduction a diciplin?", 77.
[10]. Hirst, “The Nature & scope of Educational Theory”. 72
هناك اختلافات بين التربية والتعليم وبين العلوم التربوية، وإن الالتفات إلى هذه الاختلافات ولا سيّما من حيث الاندراج وعدم الاندراج في العلوم التجريبية، وكذلك جريان أو عدم جريان النظرية العلمية يحظى بأهمية فيها. ولكن يتعذّر علينا بيان هذه الاختلافات في هذه المقالة.
Berzinka, philosophy of Educational Knowledge, 32; O, Connor, “The Nature & scope of Educational Theory, 48; Carr,Educational Theory and its rlation to educational practice, 102;
وانظر أيضاً: ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 29 ـ 31.
[11]. O, Connor, “The Nature & scope of Educational Theory”, 47 – 48.
وانظر أيضاً: ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 41.
[12]. O, Connor,. “The Nature & scope of Educational Theory”, 49.
[13]. ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 42.
[14]. م. ن، 80، و82، و92.
[15]. اسميت، فلسفه تعليم و تربيت چيست؟، 240 ـ 242.
[16]. اوزمن، مباني فلسفي تعليم و تربيت.
[17]. Hirst, “The Nature & scope of Educational Theory”. 66.
[18]. Ibid.
[19]. O, Connor, “The Nature & scope of Educational Theory” .48.
[20]. اسميت، فلسفه تعليم و تربيت چيست؟، 240 ـ 242.
[21]. الإصفهاني، المفردات في غريب ألفاظ القرآن.
[22]. Oxford advanced learner’s dictionary.
[23]. Berzinka, philosophy of Educational Knowledge, 1.
[24]. Carr, “Practice Enquiry، Values and problems of Eductional theory”, 246.
وانظر أيضاً: ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 100 ـ 105.
[25]. ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 100 ـ 116.
[26]. جوادي، مسأله «بايد» و«هست»، 32.
[27]. Kant, Critique of Practical Reason, 54 – 55, 59.
[28]. Isms
[29]. بهشتي، زمينهاي براي بازشناسي و نقادي فلسفه تعليم و تربيت غرب، 10 ـ 11.
[30]. Harry. S. Broudy
[31]. عنوانها الصادر في الترجمة الفارسية: (فلسفه تعليم و تربيت چگونه مي تواند جنبه فلسفي داشته باشد؟).
[32]. Kingsley Price
[33]. عنوانها الصادر في الترجمة الفارسية: (آيا فلسفه تعليم و تربيت لازم است؟).
[34]. عنوانها الصادر في الترجمة الفارسية: (قلمرو فلسفه تعليم و تربيت).
[35]. للمزيد من المطالعة حول هذه التشكيكات، بهشتي، زمينهاي براي بازشناسي و نقادي فلسفه تعليم و تربيت غرب.
[36]. Joe R. Burnette
[37]. عنوانها الصادر في الترجمة الفارسية: (تأملاتي در باب دلالتهاي منطقي نظريه فلسفي براي نظريه و عمل تربيتي).
[38]. Hobart Burns
[39]. عنوانها الصادر في الترجمة الفارسية: (منطق دلالت تربيتي).
[40]. اوزمن، مباني فلسفي تعليم و تربيت، 555 ـ 556؛ بهشتي، زمينهاي براي بازشناسي و نقادي فلسفه تعليم و تربيت غرب، 11 ـ 12.
[41]. عنوانها الصادر في الترجمة الفارسية: (مقدمهاي بر فلسفه آموزش و پرورش).
[42]. ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 47.
[43]. Hirst, “The Nature & scope of Educational Theory”. 69 – 70.
[44]. Hirst, “The Nature & scope of Educational Theory”. 69 – 70.
[45]. اوزمن، و سموئيل، مباني فلسفي تعليم و تربيت، 555 ـ 556.
[46]. O, Connor, "The Nature & scope of Educational Theory", 48.
وانظر أيضاً: ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 1 ـ 6، 39 ـ 40 .
[47]. جوادي، مسأله «بايد» و «هست»، 32.
[48]. O, Connor, “The Nature & Scope of Educational Theory”, 53.
وانظر أيضاً: سروش، دانش و ارزش، 205 ـ 217.
[49]. Hirst, “The Nature & scope of Educational Theory”, 69 – 70.
[50]. مصباح اليزدي، فلسفه تعليم و تربيت اسلامي، 107 ـ 108.
[51]. م. ن، 115.
[52]. ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 80.
[53]. Hirst, Educational Theory, 36.
[54]. عنوانه في الترجمة الفارسية: (دموكراسي و تعليم و تربيت).
[55]. اوزمن، و سموئيل، مباني فلسفي تعليم و تربيت، 547 ـ 548.
[56]. Hirst, “philosophy & Education Theory”, 178.
وانظر أيضاً: ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 84 .
[57]. اوزمن، و سموئيل، مباني فلسفي تعليم و تربيت، 555 ـ 556.
[58]. م. ن.
[59]. مصباح اليزدي، دروس فلسفه اخلاق، 180؛ مصباح اليزدي، نقد و بررسي مكاتب اخلاقي، 326 ـ 332.
[60]. مصباح اليزدي، فلسفه تعليم و تربيت اسلامي، 115 ـ 116.
[61]. م. ن.
[62]. اوزمن، و سموئيل، مباني فلسفي تعليم و تربيت، 560.
[63]. Allan Bloom
[64]. عنوانه في طبعته المترجمة إلى اللغة الفارسية: (تعطيلي ذهن امريكائيان).
[65]. اوزمن، و سموئيل، مباني فلسفي تعليم و تربيت، 571 ـ 572.
[66]. Kingsley, Price
[67]. عنوانها باللغة الفارسية: (آيا فلسفه تعليم و تربيت لازم است؟).
[68]. price, “Is philosophy of Education Necessary?”, 129.
[69]. عنوان المقالة في ترجمتها الفارسية: (چرا معلمان به فلسفه نياز دارند؟).
[70]. Clark, "Why teachers need philosophy?", 31 – 33.
[71]. Brubacher, Modern Philosophy pf Education, 324.
[72]. Hook, “The Scope of philosophy of education”, 136 – 137.
وانظر أيضاً: باقري، درآمدي بر فلسفه تعليم و تربيت جمهوري اسلامي ايران، 21.
[73]. Barrow, Philosophy of Education: Historical Overview, 555- 556.
[74]. اوزمن، و سموئيل، مباني فلسفي تعليم و تربيت، 557.
[75]. Beck, Education philosophy and Theory - An Introduction, 315.
[76]. Zais, Curriculum، principle and foundation, 87.
[77]. ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 120.
[78]. Carr, Educational Theory and its Relation to Educational Practice, 102.
[79]. Ibid, 103
وانظر أيضاً: ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 130.
[80]. آل عمران: 164.
[81]. O, Connor, “The Nature & scope of Educational Theory”, 48.
وانظر أيضاً: ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 1 ـ 6، و 39 ـ 40.
[82]. إن بيان الأدلة المذكورة في نقد قابلية تحقيق المعايير العلمية في هذه المقالة لا هو لازم ولا هو ممكن. وللمزيد من المطالعة باقري، درآمدي بر فلسفه تعليم و تربيت جمهوري اسلامي ايران، 27 ـ 61 ؛ ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 15 ـ 20. (مصدران فارسيان).
also: Evers, "Epistemology and the stracture of Educational theory. Some reflictions on the O، Connor - Hirst Debite", 7.
[83]. باقري، درآمدي بر فلسفه تعليم و تربيت جمهوري اسلامي ايران، 45 ـ 46.
[84]. ايرواني، رابطه نظريه و عمل در تعليم و تربيت، 28 و59.