البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نقد ومناقشة رأي جورج مور في حقل الفهم العُرفي

الباحث :  مصطفى عزيزي علويجه ، السيد إحسان رفيعي العلوي
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  36
السنة :  خريف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 13 / 2025
عدد زيارات البحث :  132
تحميل  ( 495.640 KB )
الملخص:
إن فلسفة الفهم العُرفي التي تمّ التأسيس لها في بادئ الأمر من قبل توماس ريد وبعده جورج إدوارد مور، لغرض مكافحة التشكيك والمثالية، قد تركت تأثيراً ملحوظاً في الإبستمولوجيا اللاحقة لها. إن المهم بشأن «الفهم العُرفي» عبارة عن:

1 ـ التحليل المفهومي لـ «الفهم العُرفي» وبيان خصائصه.
2 ـ منشأ ومصدر قضايا «الفهم العُرفي».
3 ـ ملاك صدق وكذب ومعيار اعتبار «الفهم العُرفي».
وقد عمدنا في هذه المقالة إلى بحث ومناقشة هذه المسائل الثلاثة من وجهة نظر جورج إدوارد مور، وانتقلنا بعد ذلك إلى نقد نظريته في حقل «الفهم العُرفي»، وتم بيان التحديات الجادّة الماثلة أمامها. وفي الختام أجرينا ضمن منهج مقارن، مقارنة بين نظرية «الفهم العُرفي» وبحث «البديهيات».

الكلمات المفتاحية: الفهم العرفي، جورج إدوارد مور، المعطيات الحسيّة، البديهي، معرفة الحقيقة. المقدمة

لقد عمد الفلاسفة طوال تاريخ الفلسفة إلى اقتراح طرق متنوّعة لمواجهة التشكيك، ومن بينها:
1 ـ اللجوء إلى الشك كقانون ومنطلق: وهو النهج الذي سلكه رينيه ديكارت. وقد شكك في كل شيء، ولكنه لم يستطع الشك في شكّه وتفكيره التشكيكي. وقد جعل من قضيته القائلة «أنا أشك، إذن أنا موجود» حجر الأساس لأفكاره الفلسفية.

2 ـ من طريق العلم الحضوري: إن الكثير من الفلاسفة واجهوا التشكيك من طريق العلم الحضوري للإنسان بنفسه وصفاته وخصائصه.

3 ـ طريقة الفهم العُرفي[4]: إن هذا النهج قد تمسّك به الكثير من الفلاسفة، من أمثال: توماس ريد، وجورج إدوارد مور، وذهبوا إلى الاعتقاد بأن جماهير الناس والفلاسفة من بينهم أيضاً، يقولون بصدق سلسلة من القضايا، ويعتبرون صدقها أمراً مسلّماً وقطعياً، وإن إثبات صدقها لا صلة له بالطرق والأساليب الفلسفية المعقّدة.

4 ـ من طريق التمسّك بالبديهيات: إن الكثير من العلماء يعتبر وجود الحقائق الخارجية جزءاً من البديهيات.

ولكن ما هو الفهم العُرفي؟ وما هو منشأه وجذره وملاك صدقه وكذبه؟ وهل يمكن للفهم العُرفي أن يكون معياراً لاكتشاف الحقيقة؟ وما هي الرؤية التي تم وضع نظرية «الفهم العُرفي» لمواجهتها؟ وهل الفهم العُرفي مطلق أم نسبي؟ وما هو معيار تشخيص الفهم العُرفي من سائر الأفهام الأخرى؟ وما هي صلة الفهم العُرفي بالبديهيات المذكورة في المنطق؟ وما هي صلة الفهم العُرفي بـ «المشهورات» التي يَرِدُ ذكرها في المنطق؟ وهل يمكن عدّ الحُسن والقبح العقلي واحداً من مصادر الفهم العُرفي؟ وهل هناك دور للفطرة والمدركات الفطرية في تكوين الفهم العُرفي؟ ما هي صلة «الفهم العُرفي» بالمعارف المرتكزة؟ وما هي حدود استخدام الفهم العرفي والمساحات التي يؤدّي فيها أدواره؟ وما هي الانتقادات والتحديات الماثلة أمام نظرية الفهم العُرفي؟ وأيهما يكون المتقدّم عند وقوع التعارض بين «الفهم العُرفي» و«المعتقدات الفلسفية»؟ وكيف يتم بيان صلة الفهم العرفي والميتافيزيقا؟ وأين تكمن حدود الفهم العُرفي؟ وبالتالي ما هي المنطقة المحظورة في الفهم العُرفي؟

إن هذه المقالة لا تتسع للخوض في بحث جميع هذه الأسئلة؛ فهي تحتاج إلى كتاب مستقل، بيد أن الذي نسعى إلى بيانه في هذه المقالة بعض المسائل المهمّة في باب «الفهم العُرفي»:

1 ـ التحليل المفهومي للفهم العُرفي.
2 ـ بحث منشأ ومصدره الفهم العُرفي.
3 ـ ملاك الصدق والكذب في الفهم العُرفي.
4 ـ نقد ومناقشة نظرية «الفهم العُرفي».

1 ـ التحليل المفهومي للفهم العُرفي
إن الفهم العُرفي لغة هو: العقل السليم، والشعور، والحسّ المشترك، والمعرفة المشتركة، والمعرفة العامّة، والفهم العام، والعُرف العام[5]. وهناك معنيان رئيسان لهذا المصطلح في الفلسفة:

1 ـ إن المعنى الأول قد ذكره جان لوك في كتابه (مبحث في الفاهمة البشرية)، وهذا التفسير يقوم على بيان ظاهراتي، هناك حس في فهم جميع الناس وظيفته توحيد المعطيات الحسية. وبعبارة أخرى: إن كل واحد من الحواس يقدّم معطيات يتمّ دمجها وتوحيدها في انطباع واحد يطلق عليه عنوان الحسّ المشترك، لقد ذهب ابن سينا في كتاب النفس من الشفاء إلى القول بأن الحسّ المشترك قوّة تنتهي إليها المحسوسات، ويمكن للإنسان في ضوئها تمييز مختلف أنواع المدركات الحسيّة من بعضها[6]. إن هذا المعنى من الفهم العُرفي المعبّر عنه بـ «الحسّ المشترك»، ليس هو المنشود في هذه المقالة.
2 ـ أما المعنى الآخر لـ «الفهم العُرفي»، فهو القول بأنه ردّة فعل طبيعية على مذهبي «التشكيك» والمثالية. ويُعدّ توماس ريد وجورج إدوارد مور من بين المنظرين والمدافعين عن هذا الرأي. في ضوء هذا التقرير هناك معرفة تقوم على «الفهم العُرفي» هي أكثر يقينية واستعمالاً من أيّ نظرية فلسفية. إن القضايا والتصورات التي تقع مورداً لاعتماد جمهور الناس، ويؤمن الناس بصدقها دون احتياج إلى إثباتها والاستدلال عليها، تُسمّى بـ «معتقدات الفهم العرفي».
على الرغم من عدم وجود تعريف دقيق وتام لـ «الفهم العُرفي»، عند الرجوع إلى آثار فلاسفة، من أمثال: توماس ريد وجوج إدوارد مور، نحصل على خصائص لـ «الفهم العرفي»، حيث يمكن لنا الوصول من خلالها إلى ماهية «الفهم العُرفي». إن هذه الخصائص على النحو الآتي:

1 ـ إن أصول الفهم العُرفي تكون بشكل عام مورداً لاعتقاد جميع الناس ومشتركة بينهم جميعاً[7].
2 ـ إن إنكار أو نفي معتقدات الفهم العُرفي، جديرة بالسخرية والتهكّم؛ بحيث إن مخالفتها تعدّ أمراً مستهجناً، أو أن يُرمى من يخالفها بالجنون أو القول بأنه شخص مغرض.
3 ـ إن إنكار أو ردّ أصول الفهم العُرفي، يؤدّي إلى التناقض.
4 ـ إن معتقدات الفهم العُرفي ثابتة وراسخة.
5 ـ إن معتقدات الفهم العُرفي سارية وجارية في جميع الأزمنة والعصور، ولا تختص بوقت دون آخر. وبعبارة أخرى: إن هذه المعتقدات ثابتة ودائمية ولا تزول.
6 ـ إن معارف الفهم العُرفي تشتمل على خصيصة فطرية وداخلية؛ بمعنى أن كل إنسان يصدّق بها في ذاته.
7 ـ إن تصوّرات الفهم العُرفي ذات خصيصة منطقية؛ بمعنى أنه عندما تقع مورداً للنقد، فإنها تبدي من نفسها مقاومة تجاه الشك والترديد.
8 ـ إن معتقدات الفهم العُرفي ليست وليدة تفكير شخص أو جماعة محدّدة، بل هي معتقدات يذهب إليها ويتبنّاها جميع الناس في شتى المذاهب والأمم.
9 ـ إن معتقدات الفهم العُرفي تكون حاكمة حتى على ذهن المنكرين لها، وتظهر في حياتهم أيضاً.
10 ـ إن الفهم العرفي متّحد مع المرتكزات الذهنية أو المدركات الارتكازية. وقيل في تعريف المدركات الارتكازية: إن المرتكزات عبارة عن شعور عميق وجذري في ذهن جميع الناس، دون التعرّف على منشئها بشكل دقيق. إن هذه المرتكزات راسخة ومستقرة في أذهان الناس ونفوسهم، دون النظر فيها أو الاستدلال عليها[8].
11 ـ إن حقائق الفهم العُرفي لا تتضح بواسطة البراهين القياسية، ولا تحتاج إلى استدلال، بل هناك على الدوام فراغ وانعدام للمعنى في المعتقدات المتضادّة معها[9].

يُفهم من كلمات جورج إدوارد مور أن قضايا ومعتقدات الفهم العُرفي لا تحتاج في صدقها إلى البراهين العقلية والفلسفية، بل إن كل شخص بصرف نفسه ومن دون أن يمتزج ذهنه بالبراهين والأدلة الفلسفية يمكنه إدراك صدقها، وبعبارة أخرى: لا يمكن اعتبار تحليلات الفهم العرفي وبياناته جزءاً من الأدلة الفلسفية بالمعنى الشائع لها، بل ليست هناك حاجة إلى أيّ مجهود لإثباتها.
يذهب جورج إدوارد مور في مواجهة المشككين إلى التأكيد على هذه النقطة، وهي أن أكثر الناس يعلمون يقيناً بأن الكثير من القضايا صادقة، ويعتبرون كل توضيح أو بحث بشأنها توضيحاً للواضحات والبديهيات البحتة؛ وحيث إن النزعة التشكيكية تنكر حصول المعرفة واليقين بالنسبة إلى الناس، فحيث تكون هذه الأمور بديهية بالنسبة إلى الناس لا يكون الشك في ضوء ذلك مرفوضاً فحسب، بل ويكون عديم المعنى أيضاً.

وعلى هذا الأساس فإن أنصار نظرية الفهم العُرفي يذهبون إلى الاعتقاد بوجود معرفة قائمة على أساس الفهم العُرفي، وهي أكثر يقينية من كل نظرية فلسفية، وإن أكثرنا نحن البشر نستفيد منها، وقد تجلّت في اللغة المتعارفة. إن الفيلسوف الذي ينشد الوصول إلى اليقين يجب أن يمتلك تأمّلاً مقروناً بالدقة والاهتمام بمعارف الفهم العُرفي.
وكذلك فإن النظريات الفلسفية التي لا تنسجم مع المعرفة القائمة على فهمنا العُرفي، هي الأخرى كاذبة أيضاً، وعلى هذا الأساس يمكن لنا من خلال اللجوء إلى معرفة الفهم العرفي أن نردّ الكثير من النظريات الفلسفية اللامعقولة، ونجتنب بذلك الوقوع في الخطأ ونحرر أنفسنا من براثن أشباه المسائل. ومن خلال تحليل المعرفة القائمة على فهمنا العرفي يمكن لنا أن نمنّي النفس بحل المسائل الميتافيزيقية أو اكتشاف الطرق الموصلة إلى حل هذه المسائل.
يذهب هنري سيجويك إلى الاعتقاد بأن الفهم العُرفي قد ظهر وتمّ التأسيس له في صلب العلوم التجريبية. وقال إنّ الفهم العُرفي بمنزلة الجبل الكبير من الحجارة الزاخرة بالمعادن القيّمة، ولكن هذه المعادن تحتاج إلى عملية تنقيب واستخراج وتصفية من الشوائب. وعليه يجب تصفية الفهم العرفي من شوائب الغفلة وعدم الدقة والفوضى والتناقض[10].
وقد ذهب جي. إف. ستوت[11] في هذا الشأن إلى الاعتقاد بأن الفهم العُرفي، عبارة عن ذات الآراء الجامعة والشاملة والعامّة والثابتة واليقينية، وقال إنه لو وقع التعارض بين الفهم العُرفي وبين بعض المعتقدات الفلسفية، فإن المرجعية الأخيرة إنما تكون للفهم العُرفي[12].

وكان برتراند راسل يرى إمكانية بيان وتوصيف الفهم العُرفي بواسطة سلسلة من النظريات والآراء الفلسفية، وكان يقول إن العلم يستطيع أن يتخذ من الفهم العُرفي نقطة انطلاق له[13].
لو اعتبرنا الفهم العرفي وما يُفهم بشكل عام، بمعنى ما يكون مورداً لإدراك وفهم جميع الناس، شيئاً واحداً؛ فيجب القول إن أرسطو كان أول فيلسوف في الفهم العُرفي؛ إذ كان يذهب إلى الاعتقاد بأن علينا أن نعمل في المرحلة الأولى على استخراج الحقيقة من صلب المعتقدات العامّة والآراء الجماعية، يجب علينا قبل الخوض في التصنّع والتكلّف الذهني أن نستخرج الحقائق المشهودة من تضاعيف العقائد العامّة[14].

2 ـ المعرفة الحقيقية القائمة على الفهم العُرفي
إن أهم فائدة يحصل عليها فلاسفة الفهم العُرفي من هذا الفهم، عبارة عن إثبات الحقيقة الخارجية في ضوء فلسفة الفهم العُرفي. لقد تمسّك جورج إدوارد مور في نفي الشك بالفهم العُرفي، ورفض التفسيرات الفلسفية بشدّة.
لا يمكن القول إن لديه فهماً عرفياً للآراء والنظريات حول العالم بأسره، لا شيء من الآراء والأنظار الناشئة من الفهم العُرفي تعود إلى مجموع العالم؛ بيد أن الفهم العُرفي يحتوي على الكثير من التصوّرات المحدّدة، بمعنى أن بعض أنواع الأشياء موجودة في العالم يقيناً، ويجدر البدء بتوصيف آراء وأنظار الفهم العُرفي؛ وذلك لأن أكثر أبعاد آراء الفلاسفة إثارة للحيرة عبارة عن كيفية مواجهتهم مع الفهم العُرفي أو مخالفتهم القاطعة للفهم العُرفي.
يذهب الكثير من الفلاسفة إلى الاعتقاد بوجود الكثير من أنواع الأشياء المهمّة في العالم، حيث لا يذهب الفهم العرفي إلى ادعاء فهمها، وكذلك فإن الأشياء التي يكون للفهم العُرفي الاطمئنان الأكبر بها لا وجود لها في العالم، وإذا كان لها من وجود في الحدّ الأدنى، فليس لدينا علم بوجودها. وعلى هذا الأساس فإن الطريق الأفضل لفهم التوصيفات الفلسفية للعالم هو أن نفهم حجم اختلافها عن الفهم العُرفي؛ بمعنى أن ندرك إلى أيّ مدى تتجاوز فيه هذه التوصيفات حدود الفهم العُرفي في بعض الموارد، وما هو مستوى القطع في مخالفتها للفهم العُرفي.

3 ـ الفهم العرفي من وجهة نظر جورج إدوارد مور
لقد كان جورج إدوارد مور عدوّاً لدوداً لجميع أنواع ما بعد الطبيعة التي كانت تهزّ أركان الحقائق المقبولة من قبل الفهم العُرفي، وكان مع برتراند راسل في سعي مشترك من أجل إبطال نظريات مثاليين إنجليزيين بارزين، وهما: برادلي (من جامعة أوكسفورد)، وجي. أم. تيغرغ (من جامعة كامبرج).
إن الأعمال المتأخرة لجورج إدوارد مور قد تمّ جمعها في أربع رسائل له تحت عنوان (حول الشك في مورد الحواس)؛ حيث الرسالتان الأوليان منها، ونعني بهما: «اليقين» و«أربعة أشكال من الشك» في الردّ على الشك، والرسالة الثالثة «برهان العالم الخارجي» في مواجهة المثالية، ورسالته الرابعة «الدفاع عن الفهم العُرفي» تبحث في مذهب الشك والمثالية معاً.
وقد اشتهر جورج إدوارد مور وتوماس ريد كل واحد منهما على انفراد بسبب تمسّكهما بالفهم العُرفي، لردّ وإبطال الشك. وقد حدّد إدوارد مور ثلاثة موارد أصلية للاهتمام بالفلسفة:

1 ـ تقديم شرح كلي عن العالم، مع ذكر أهم أنواع الأشياء التي نعلم بوجودها فيها (المواجهة مع المثالية).
2 ـ التحقيق حول الأساليب التي يمكن لنا من خلالها التعرّف على الأمور (الفهم العُرفي).
3 ـ ما يرتبط بالأخلاق.
عندما قام جورج إدوارد مور بردّ النظرية المثالية القائلة بأن كل شيء إنما هو وليد الذهن، تبنّى رؤية «الفهم العُرفي» القائم على وجود عالم من الأشياء الفيزيقية والمادية. وقد استدل على عدم الحاجة لإثبات وجود الأشياء الخارجية إلى تقديم الشواهد والأدلة؛ وذلك لأن الشيء الخارجي شيء نعرفه مسبقاً بواسطة الفهم العُرفي.
وبعبارة أخرى: إن جورج إدوارد مور كان يذهب إلى الاعتقاد بأن قضايا الفهم العُرفي ثابتة، بحيث إننا بأجمعنا نذعن بصدقها، فلو كنا نعلم بصدقها، سيكون من العبث أن يسعى الشكاك إلى إثبات عدم صحّتها بأجمعها، في حين أنه هو الآخر بدوره يعلم أن تلك القضايا صحيحة. وعلى هذا الأساس ليس من شأن الفيلسوف أن يسعى على سبيل المثال إلى إثبات «وجود الأشياء المادية في الخارج»؛ إذ ليس هناك ما يدعونا إلى تصوّر أن الفيلسوف يستطيع أن يأتي بدليل أفضل مما لدينا في القول بوجود الأشياء الخارجية. إن كل ما يمكن للفيلسوف أن يقوم به هو تحليل القضايا التي تمّ إحراز صدقها أو كذبها بشيء آخر غير البرهان الفلسفي الخاص، وبطبيعة الحال يمكن للفيلسوف أن يسعى إلى شرح وبيان الأدلة التي نمتلكها من أجل القبول ببعض قضايا الفهم العُرفي؛ بيد أن هذه الأدلة لا تحوّل الفهم العُرفي إلى دليل فلسفي خاصّ، بحيث يمكن للفيلسوف أن يُضيفها إلى خزانة أدلتنا[15].
لقد تحدّث جورج إدوارد مور في مقالة له بعنوان «إثبات العالم الخارجي»، قائلاً: «أستطيع أن أثبت أن لي يدين، كيف؟ من خلال رفعهما إلى الأعلى، في حين أقوم بتحريك يدي اليمنى بشكل خاص وأقول: هذه إحدى يديّ، ثم أحرّك يدي اليسرى، وأقول: وهذه هي يدي الأخرى»[16].

إن وضوح وبساطة جورج إدوارد مور في هذا البيان تثير الاستحسان والسخط في آن واحد؛ إذ إنه يلفت انتباه كل عالم يتمتع بالرؤية والنظر إلى تجربة عامة واعتيادية، ولكنه يثير بذلك الغضب؛ إذ يبدو بذلك أنه يتجاهل ذلك السؤال الذي تمّ طرحه، وهو السؤال القائل: «لو كان هناك وجود للعالم الخارجي، فهل سيكون بمقدورنا أن نعلم به؟».
يقول جورج إدوارد مور: «لا أرى أن العالم أو العلوم قد أوجدت أيّ مشكلة فلسفية بالنسبة لي، وإن الذي يبدو بوصفه مشكلة فلسفية، إنما هو تلك المطالب التي ذكرها سائر الفلاسفة بشأن العالم والعلوم»[17].
إنه يذهب إلى القول بوجود ثروة مشتركة من المعارف، حيث إن الكثير من الناس يمتلكونها، وإن الجزء الأعظم من تلك المعارف يتكوّن من المعطيات الحسية، وقال في مقالة معروفة له بعنوان «الدليل على وجود العالم الخارجي: «لو أشرنا إلى شيء أو عدد من الأشياء، فإن مجرّد هذه الإشارة تمثّل برهاناً وافياً وكافياً للدلالة على وجود الأشياء المادية في العالم الموجود خارج الذهن. ثم ادعى بعد ذلك أن بمقدوره إثبات وجود اليدين بمجرّد رفعهما إلى الأعلى، ثم قام أولاً برفع يده اليمنى وقال: هذه إحدى اليدين، وبعد ذلك رفع يده اليُسرى وقال: وهذه هي اليد الأخرى.

وقد رأى الناقدون لجورج إدوارد مور أن هذا الاستدلال منه يُشبه ردّة فعل ساموئيل جانسون عندما سمع بأن باركلي قد أنكر وجود العالم الخارجي، حيث لم يكن منه إلا أن ركل صخرة كانت أمامه برجله ركلة قوية، ثم قال: هذا هو العالم الخارجي، وهذا بالضبط هو ما قام به إدوارد جورج مور من أجل إثبات وجود العالم الخارجي، ولكنه بدلاً من الركل برجله قام برفع يديه، وبذلك عمد إلى إثبات العالم الخارجي»[18].
إن هذا الأمر وهذا البرهان قد يبدو ساذجاً وسطحياً للغاية، بيد أن موقف جورج إدوارد مور ليس ساذجاً كما يبدو للوهلة الأولى، إذ إن الشكاك المتطرّف لا يذعن لأيّ دليل، وإن الذي يقوله جورج إدوارد مور للشكاك بشكل أو آخر هو كالآتي:
«إن الدليل الوحيد الذي يمكن لي أن أذكره لكم حالياً هو ذات الشاهد والبينة التي نمتلكها في الجملة، وهو دليل كاف، ولكنكم تطلبون بيّنة لا نمتلكها، وأرى أن الحصول عليها متعذّر؛ إذ لا أرى دليلاً على هذا الاعتقاد لكي أذكره»[19].
ومن ناحية أخرى، فإن جورج إدوارد مور، على الرغم من اعتقاده بأنه ليس من شأن الفيلسوف أن يسعى بأدواته الخاصة إلى إثبات حقيقة القضايا من قبيل: «إن الأشياء المادية موجودة»، أو «إن الأشياء المادية موجودة خارج الذهن»، إلّا أنه يذهب إلى الاعتقاد قائلاً: «إن تحليل هذا النوع من القضايا ليس من وظائف الفيلسوف، إذ على الرغم من إمكان قطعية صدق قضية ما، قد لا يكون تحليلها الصحيح قطعياً ويقينياً بأيّ حال من الأحوال»[20].
كان جورج إدوارد مور يذهب إلى الاعتقاد بأن التحقيق الكامل حول المفردات اللغوية، ولا سيّما منها المفاهيم التي نستعملها، يمكنه إيضاح المتاهات ومواطن الغموض التي تعدّ منشأً للكثير من المشاكل الفلسفية. إن تحليلاته تأتي في إطار اكتشاف معاني العبارات العادية من طريق تحديد الأجزاء المختلفة التي يمكن التعرّف في صلبها على المفهوم العام، وكذلك من طريق مشاهدة العلاقة التي أمكن لتلك الأجزاء المذكورة أن تتصل ببعضها من خلالها.

يذهب جورج إدوارد مور إلى الاعتقاد بأن الرؤية الكونية للفهم العرفي تكون صادقة تماماً في بعض الخصائص الأساسية. وكذلك فإنه يدّعي أن القضايا المرتبطة بالفهم العُرفي تحتوي على معرفة مقرونة باليقين، من الجدير هنا ذكر طائفة من القضايا التي يعتبرها جورج إدوارد مور جزءاً من الفهم العُرفي، ثم العمل بعد ذلك على مناقشتها وتحليلها.

4 ـ قضايا الفهم العُرفي من وجهة نظر جورج إدوارد مور

كان جورج إدوارد مور يقول:
1 ـ يوجد في اللحظة الراهنة كائن حي، هو بدني.
2 ـ قبل اللحظة الراهنة كانت هناك الكثير من الأبدان التي عاشت على الأرض غيري. كما كانت هناك أشياء خارجية في الماضي، بمعنى أني كنت قبل لحظات قد وضعت كلتا يديّ على هذه الطاولة، ومن هنا كان هناك وجود لليدين قبل لحظات. وعلى هذا الأساس كان هناك في مقطع زمني في الماضي وجود في الحدّ الأدنى ليدين في الخارج.

3 ـ قبل سنوات من ولادة جسمي، كان هناك وجود للأرض.
4 ـ لقد أدركت جسدي وسائر الأشياء التي تشكل جزءاً من بيئتها ومحيطها، ومن بينها أجساد الآخرين.
5 ـ هناك في العالم الكثير من الأشياء المادية من مختلف الأنواع، من ذلك على سبيل المثال، هناك على وجه الأرض، بالإضافة إلى أجسامنا، ملايين الأشخاص الآخرين والأجسام الأخرى وملايين الحيوانات والنباتات والجمادات والمصنوعات البشرية.
6 ـ هناك في العالم ما لا يحصى من الظواهر الخاصة التي تختلف عن الأشياء المادية بشكل كبير، إننا نحن البشر بالإضافة إلى أبداننا نمتلك ذهناً؛ بمعنى أننا نقوم ببعض «الأفعال الذهنية» أو «الأفعال الواعية» الخاصّة: إن السمع، واللمس، والاستذكار، والتفكير، والتصديق، والإرادة، والحبّ، والغضب، والخوف، والإرادة، وما إلى ذلك من الأمور الأخرى كلها من الأفعال الذهنية؛ بمعنى أننا كلما قمنا بفعل واحد من هذه الأشياء، يحصل لنا علم وإدراك بشيء. نحن نقوم بهذا النوع من الأشياء، وإن هذه الأشياء تختلف عن الأشياء المادية إلى حدّ كبير، إن السماع في حدّ ذاته ليس شيئاً مادياً، مهما كان ارتباطه بالأشياء المادية وثيقاً، وإن هذه الأفعال «الواعية والذهنية» ليست منحصرة بحالة النوم، وهناك في كل لحظة في العالم ملايين الأفعال الواعية التي تصدر عن ملايين البشر من شتى أصنافهم، أو من جميع أنواع الحيوانات في حالة من الوقوع والصيرورة.
7. إن كل واحد من الأشياء المادية دونما استثناء موجود في كل لحظة خاصة وفي مكان خاص، في شيء نطلق عليه عنوان الفضاء.
8 ـ إن الفهم العُرفي، والآراء والأنظار الكثيرة المحددة بدورها نوع من الارتباط بين هذين النوعين من الأشياء، الأفعال الواعية والأشياء المادية ببعضها، وهي أن الأفعال الواعية أو الأفعال الذهنية بشكل كامل لها تبعية خاصة لبعض الأشياء المادية، وليس له هذه التبعية بالنسبة إلى بعض الأشياء المادية الأخرى. ومن ناحية أخرى فإن أفعالنا الواعية مرتبطة بأجسامنا؛ بمعنى أولاً: إنها في كل لحظة إنما تقع في المكان الذي تحلّ فيه أجسامنا في تلك اللحظة. وثانياً: عندما ننتقل من مكان إلى مكان آخر، فإن أذهاننا وأفعالنا الواعية بدورها تنتقل من مكانها السابق إلى مكانها الجديد.
9. نحن في الأزمنة الخاصة نحيط علماً بالأشياء المادية؛ من ذلك أننا على سبيل المثال نراها أو نلمسها أو نفكّر فيها. إن هذه الأشياء المادية حتى عندما لا يكون لنا علم بها يمكن أن يكون لها استمرار وجود، كما أن لها استمرار وجود في الواقع أيضاً. إن الأشياء المادية بهذا المعنى لها وجود مستقل بالكامل عن علمنا بها؛ بمعنى أن سنخها بحيث إنها عندما لا نكون على علم بها يكون لها حظ من الوجود النسبة نفسها التي تحظى فيها بالوجود عندما نكون على علم بها. والخلاصة هي أن المادة مستقلة عن علمنا بها، وفي كل لحظة يكون عدد الأشياء المادية التي لا نعلمها أكثر بكثير من عدد الأشياء المادية التي نحيط بها علماً.
وعلى هذا الأساس فإن جورج إدوارد مور كان من القائلين بالفصل والتفكيك بين العين والذهن، خلافاً للمثاليين الذين كانوا ينكرون الواقعية العينية فيما وراء الذهن.

قال كابلستون بشأن هذه الرؤية لجورج إدوارد مور: «يتمسك جورج إدوارد مور برؤية مثالية للمعرفة، ويرى أنها العلاقة الوحيدة القابلة للتحليل بين الذهن والعين؛ وهي علاقة لا تعمل على إحداث فرق في ماهية عين المعلوم؛ ولكنه في باب صدق وكذب المعتقدات كان يقرّ بأن هذا الأمر يقوم بمعنى من المعاني على التطابق أو عدم التطابق»[21].

ومن خلال ذلك يتبين ممّا ذكر بوضوح ثلاثة شروط هي بطبيعة الحال لازمة، ولكنها ليست كافية:
أ ـ إن الأشياء المادية سنخ مختلف عن سنخ الأفعال الواعية.
ب ـ إنها في كل زمان محدّد، تقع في موضع من الفضاء؛ بمعنى أنها زمانية ومكانية.
ج ـ إنها عندما لا نعلم بها تکون موجودة كما في حالة ما لو كان لنا علم بها.
إن هذه الخصائص الثلاثة هي من أهم خصائص الأشياء المادية، وليس هناك شيء يمكن له أن يكتسب عنوان الشيء المادي إذا لم يكن متّصفاً بهذه الخصائص الثلاثة.
10 ـ إن جميع الأشياء المادية، وجميع أفعالنا الواعية الصادرة عنا نحن البشر وعن سائر الحيوانات على وجه الأرض، إنما تقع ضمن الزمان. وبعبارة أدق: إما أنها قد وقعت في الزمن الماضي أو أنها تقع في الزمن الحاضر، أو أنها سوف تقع في الزمن الآتي[22].

هذه هي نماذج من قضايا الفهم العُرفي التي أشار إلیها جورج إدوارد مور.
والنقطة الجديرة بالذكر هي أن إدوارد مور يعتقد بأن هذه القضية القائلة: «إني أدرك وجود يد الإنسان أمامي» تمثل قضية حسية[23]؛ بمعنى أن الذي أدركه أثناء الإحساس والشعور بيد الإنسان مباشرة، مُدرَك حسّي. إن هذا المُعطى الحسّي مغاير لتلك اليد، ولا يمكن له أن يتحد معها. ومن هنا فإن التحليل الصحيح لهذه القضية القائلة: «إني أشعر بيد إنسان» تدفع الباحث نحو الفحص في ماهية المُعطى الحسّي وعلاقته بالشيء المادي المرتبط به.
ينافح جورج إدوارد مور عن هذا المطلب بشدّة ويقول: هناك اختلاف بين الإدراك الحسّي ومتعلقه وموضوعه. فحتى لو لم يكن هناك إدراك حسّي، إلا أن متعلقه وموضوعه يكون موجوداً؛ وذلك خلافاً لرؤية باركلي الذي كان يذهب إلى الاعتقاد بأن الشيء المادي إنما يكون موجوداً ما دمت تدركه، وبمجرّد زوال الإدراك سوف يزول ذلك الشيء المادي أيضاً، ولن يكون له وجود. وبعبارة أخرى: لقد كان باركلي رجلاً مثالياً، وكان يرى أن الشيء الخارجي ليس سوى ذلك الإدراك الذهني[24]؛ بيد أن جورج إدوار مور يخالف هذا الرأي بشدّة، وكان في ضوء الاستناد إلى الفهم العرفي يذهب إلى الاعتقاد بوجود ثنائية واختلاف بين الصورة الحسية ومتعلقها.

يقول جورج إدوارد مور: «من الثابت والمسلّم أننا جميعاً نعلم على سبيل المثال أن الإحساس باللون الأزرق يختلف عن الإحساس باللون الأخضر، وعليه لو كان هذان الإحساسان موجودين، فيجب أن يكون هناك قاسم مشترك بينهما، وقد أطلق جورج مور على ذلك العنصر المشترك عنوان «الإدراك»، في حين ذهب إلى تسمية عناصر الافتراق بين هذين الإحساسين بمتعلقاتهما أو موضوعاتهما. فمن جهة حيث يمكن للإدراك أن يجتمع مع سائر متعلقات الإحساس بالإضافة إلى اللون الأزرق، لا يمكن لنا الادعاء من الناحية المنطقية أن اللون الأزرق هو ذلك الشيء الذي يوجده الإدراك فقط. ومن ناحية أخرى لا يمكن لنا من الناحية المنطقية أن ندّعي أن اللون الأزرق في نفسه هو ذلك الشيء الذي يقترن بالوعي والإدراك. فمن المعقول لنا أن نتساءل ونقول: هل اللون الأزرق يمكن أن يكون له وجود دون أن ندركه أو نعلم بوجوده؟»[25].
لقد كان لهذا الاتجاه القائم على «الفهم العُرفي» تأثير كبير في علم المعرفة والأبستمولوجيا. يذهب جورج إدوارد مور إلى الادعاء قائلاً: «إن قضايا الفهم العُرفي مورد البحث، يتمّ تأييدها برؤية بسيطة. وإن ذلك الشاهد البسيط أنه في ضوء كلام بعض الفلاسفة لو لم يكن أي واحد من هذه القضايا في الفهم العُرفي صادقاً، عندها لن يكون هناك من وجود لأيّ فيلسوف، وبذلك لا يمكن لأيّ فيلسوف أن ينكر صدق قضايا الفهم العُرفي. وعلى هذا الأساس فإن إنكار قضايا الفهم العرفي سوف يسقط الشخص في إبطال ذاته»[26].

يمكن للشكاكين أن يذكروا نقطتين في الجواب عن كلام جورج إدوارد مور:
أ ـ يذهب جورج إدوارد مور إلى الظن بأنه لو أنكر الشخص صدق قضايا الفهم العُرفي، ففي هذه الحالة يثبت وجود شخص بوصفه جسداً لإنسان. إن هذا النوع من الإنكار في ضوء اعتقاد جورج إدوارد مور يستلزم الوجود الحقيقي لجسم إنسان حي؛ ولكن ما هو الدليل على هذا التصوّر؟ من الممكن أن نتصوّر أننا كائنات مفكرة من دون جسم، حيث لا نحتاج في حياتنا الفكرية إلى مادة فيزيقية.
ب ـ يذهب جورج إدوارد مور إلى الظن بأن لدينا معرفة بقضايا الفهم العُرفي، وأن تلك المعرفة مقرونة باليقين. يمكن الشك والترديد في هذا التصوّر، دون إنكار صدق قضايا فهمه العُرفي، ويمكن ببساطة وبغض النظر عن أن تكون تلك القضايا صادقة أم كاذبة إنكار المعرفة المقرونة باليقين بتلك القضايا. فإن صدق أو كذب قضية ما شيء، والمعرفة المقرونة باليقين لتلك القضية أو عدم مثل هذه المعرفة بها شيء آخر، من ذلك على سبيل المثال يمكن لك إنكار المعرفة المقرونة باليقين بالنسبة إلى مسألة وجود كلاب في الصين تعيش على أكل الخضروات، إن هذا الإنكار لا يستلزم إنكار صدق هذه القضية القائلة بأن الكلاب في الصين تأكل الخضروات. إن إنكارك يمكن أن يكون مجرّد إنكار للأدلة المؤيّدة للقضايا مورد البحث فقط[27].

5 ـ تحليل جورج إدوارد مور للعلّية
يذهب جورج إدوارد مور إلى الاعتقاد بأن الناس من غير الفلاسفة يعلمون جيداً ما هي العبارات التعليلية التي يجدر بهم استعمالها في موارد الاقتضاء. فلو قال لهم شخص إن علة انخلاع الباب عبارة عن هبوب الرياح العاتية التي هبّت من النافذة التي كانت مفتوحة في الجهة المقابلة، فإنهم سوف يدركون هذا المعنى بشكل تام وعلى نحو كامل. يمكن له (أي: الإنسان العُرفي) أن يميّز بين موارد «ما إذا كان الأمر كذا»، وبین موارد «إذن سيكون الأمر كذا»، ويمكنه التعرّف على العلاقات العليّة الخاصّة.
وعلى هذا الأساس يمكن لهذا الشخص بمعنى من المعاني أن يدرك معنى العلية بوضوح؛ ولكن لو طُلب من هذا الشخص غير الفيلسوف أن يقدّم تحليلاً انتزاعياً عن مفهوم «العلية»، فإنه سوف يشعر بالعجز، وسوف يكتفي في معرض الإجابة بذكر بعض الموارد عن العلاقة العليّة لا أكثر؛ ولكن من الواضح أن الفلاسفة المحترفین منذ عصر أفلاطون وأرسطو فما بعد، قد سعوا إلى تقديم تحليل انتزاعي عن مفاهيم من قبيل «العلية»، وتسمّى هذه الجهود بـ «التحليل الفلسفي». ونتيجة لذلك فإن الفهم العُرفي لا يكون قادراً على التحليل الفلسفي، وإنما يكتفي بمجرّد ذكر الموارد والأمثلة والمصاديق. كان جورج إدوارد مور يقول: إما أن نعلم في الجملة ما هي العلة (وكيف يتمّ استعمال هذه الكلمة)، أو أن لا نعلم ذلك. فإذا كنا لا نعلم، فإن ذكر الأمثلة على العلاقة العليّة يمكنها أن تعرّفنا عليها، وعلى هذا الأساس من الخطأ أن نتصوّر أنه حيث نصف بعض الأشياء بـ «الجمال» على سبيل المثال يجب أن يكون هناك معنى واحد حقيقي في البين؛ بمعنى التحليل الوحيد الذي يمكن للفيلسوف أن يعمل على اكتشافه عادة[28]. كان جورج إدوارد مور يقول: «إن الإنسان يعلم بالكثير من الحقائق التي لا يستطيع أن يقدّم تحليلاً صحيحاً لها، كما لا يمكن للإنسان حتى أن يقدّم تحليلاً صحيحاً عن أسلوب تقديم التحليل الصحيح»[29].

وفي الختام يجدر الحديث عن هذه النقطة، وهي أنه بالإضافة إلى جورج إدوارد مور، كان هناك فيلسوف آخر اسمه توماس ريد قد اهتم على نحو خاص ببحث «الفهم العُرفي»، وقد ذكر توماس ريد آراءه في هذا الباب في كتاب له بعنوان (تحقيق في مورد الذهن على أساس العقل السليم)[30].
إنه يرى أن الفهم العُرفي يعلمنا أن نؤمن بأن العالم الخارجي منفصل ومستقلّ عنّا، وأن وجوده وعدمه لا ربط له بتجربتنا له أم لا، لا يمكن لشخص في حياته الاعتيادية والمتعارفة أن يعتقد بأن وجود العالم رهن بإدراكه ومعرفته، وأنه إذا لم يكن هناك مدرك لن يكون هناك من وجود للعالم. إن الفهم العُرفي يحكم بأن نفهم الأشياء الواقعية في العالم الخارجي من دون واسطة، وعلاوة على ذلك يتعيّن علينا أن ندركها كما هي، لا أن نتصوّر أنها نماذج توجد حقيقتها وأصلها في أذهاننا. إن الواقعية تقوم على أساس هذه العقيدة[31].

6 ـ نقد ومناقشة نظرية جورج إدوارد مور
إن نظرية جورج إدوارد مور في باب «الفهم العُرفي»، وإن كانت قد تمكنت من زعزعة أسس «التشكيك» إلى حدّ ما، إلا أنها تحتوي على إشكالات وتحديات سوف نتعرّض لها ضمن النقاط الآتية:
1 ـ إن جورج إدوارد مور قد رصد الفهم العُرفي في مجرد الحواضن الأبستمولوجية والمعرفة المادية والتجريبية، وبالتالي فإنه قد حصر آراء الفهم العُرفي ضمن الأمور المادية والفيزيقية والطبيعية فقط؛ في حين هناك الكثير من الأمور الميتافيزيقية والمعنوية وما فوق المادية، التي يعترف بها العُرف، ولكنه لم يذكرها بوصفها جزءاً من الفهم العُرفي، من قبيل القضية القائلة: إن لكل معلول علة.
وبعبارة أخرى: إن جورج إدوارد مور قد حصر «الفهم العُرفي» في المحسوسات فقط، في حين يرد الفهم العرفي حتى في دائرة «المعقولات» أو «المشهودات» - العلوم الحضورية - أيضاً. من ذلك على سبيل المثال لو أن شخصاً ضرب طفلاً بريئاً من دون سبب وظلمه، فإنه یکون من وجهة نظر الفهم العُرفي قد قام بفعل قبيح، وإن هذا الظالم يستحق العقاب على فعله. إن القول بأن الظلم والجور قبيح، وإن العدل حسن، من بين قضايا الفهم العُرفي التي لم يأتِ جورج إدوارد مور على ذكرها.

صحيح أن بعض التحليلات والبراهين الفلسفية بعيدة عن الفهم العُرفي، بيد أن هذا البُعد لا يستوجب أن تفقد تلك التحليلات قيمتها واعتبارها المعرفي. وعلى هذا الأساس لا يمكن إنكار المعارف الفلسفية القيّمة والمعتبرة ونبذها بالمرّة تحت ذريعة البُعد عن الفهم العرفي، بل إذا تمّ إرجاع قضايا الفهم العُرفي إلى القضايا البديهية، يمكن القول إن جميع التحليلات والبراهين الفلسفية تقوم على أساس من الفهم العُرفي، وإن الفهم العُرفي يُعد أساساً متقناً ومحْكَماً للتحليلات الفلسفية. وبعبارة أخرى: إن الفهم العُرفي يحتوي على سلسلة من المناشئ والمصادر التي يجب التعرّف عليها بواسطة الاستقراء والتتبّع الكافي، وإلا فإن الفهم العُرفي لا ينطوي في حدّ ذاته على أيّ حجيّة واعتبار معرفي مستقل. إن الفهم العرفي إما أن يكون ضارباً بجذوره في المحسوسات أو أنه يعود إلى الفطريات والأوليات والوجدانيات والمرتكزات النفسية. ومن هنا فإن الفهم العُرفي إنما يكون معتبراً بالنسبة لنا فيما إذا كان يعود إلى البديهيات بجميع أقسامها.
2 ـ لقد عمد جورج إدوارد مور في مقام فهرسة بعض أهم الآراء والأنظار في الفهم العرفي إلى الاكتفاء بذكر الآراء والأنظار الأنطولوجية والوجودية للفهم العُرفي، وغفل أو تغافل عن ذكر الآراء والتصوّرات الأبستمولوجية والمعرفية والقيمية والعملانية واللسانية من الفهم العُرفي.

3 ـ لقد ظن جورج إدوارد مور أن «العرف» لا يحتوي على أيّ تحليل فلسفي؛ في حين أن العُرف في الكثير من الموارد يقوم بالتحليل الفلسفي والتدقيق أيضاً. إن هذين الأمرين ليسا غريبين عن بعضهما. ویمکن إثبات هذا المدّعى،من خلال الرجوع إلى المحاورات اليومية لجموع الناس، من ذلك على سبيل المثال أن العُرف يفصل بين مختلف أنواع العلية، بمعنى وجود «المقتضي»، و«الشرط»، و«عدم المانع»، وعلى الرغم من عدم اطلاعه على هذه المصطلحات الفنية، ولكنه يستطيع التمييز بين حقائقها. مثلاً إن العرف عندما يريد أن يقدح ناراً، يقول إنه يحتاج إلى مادّة قابلة للاشتعال، مثل الخشب أو الفحم (وجود المقتضي) ومن ناحية أخرى فإنه يقول في قرارة نفسه إن شرط تحقق النار أن تقترب من الخشب مادّة محترقة مثل الكبريت، فلو تحقق هذان الأمران أي المقتضي والشرط ومع ذلك لم يتحقق الاحتراق، يقول العُرف يجب أن يكون هناك مانع حتماً حال دون تحقق الاحتراق واشتعال النار، كأن تكون هناك رطوبة في الخشب حالت دون احتراقه.
4 ـ كان جورج إدوارد مور يذهب إلى الاعتقاد بأنه ليس من شأن الفيلسوف أن يثبت بأدواته الخاصة حقيقة القضايا من قبيل «إن الأشياء المادية موجودة» أو «إن الأشياء المادية موجودة في خارج الذهن»، وفي الأساس فإن تحليل هذه القضايا ليس جزءاً من وظائف الفيلسوف، في حين أن الفلاسفة طوال التاريخ قد واجهوا ظاهرة التشكيك بواسطة التحليل والأسلوب الفلسفي. من ذلك على سبيل المثال أن الفلاسفة في مواجهتهم للتشكيك، قالوا: إن الادعاء والقول «لا يمكن تحقق أيّ معرفة بالنسبة إلى الإنسان» هو في حدّ ذاته معرفة يقينية. وعليه فإن نفي المعرفة اليقينية بالنسبة إلى الحقيقة يستلزم معرفة يقينية. ومن ناحية أخرى فإن الإنسان الشاك لا يستطيع أن يثبت شيئاً، كما لا يمكنه أن يردّ شيئاً أو يُبطله؛ وذلك لأن الردّ والإبطال يستلزم القبول بالعقل والاستدلال والتفكير وصحة قواعد الاستنتاج وأصل العلية وأصل امتناع التناقض وأمثال ذلك[32].
5 ـ على الرغم من إنكار ورفضها جورج إدوارد مور في مواجهته للمثالية اللجوء إلى التحليلات والأدلة الفلسفية والانتزاعية، إلا أنه كتبه ومقالاته على المستوى العملي لا تخلو من التحليلات الفلسفية والانتزاعية، وهي تحليلات تبتعد عن الفهم العُرفي كثيراً، وإن أساس الفهم العُرفي أجنبي عنها بالكامل. إن بيان خصائص الفهم العُرفي في إطار التحليل الفلسفي العميق يختلف عن الفهم العُرفي البسيط، وهذا أمر ينطوي على تناقض.
وبطبيعة الحال لا يمكن اتهام جورج إدوارد مور بمحاربة الفلسفة، ولكن يمكن القول إنه كان يتهرّب من التحليلات الفلسفية المعقدة، وكان يستند في الغالب إلى الفهم العرفي البسيط. ومع ذلك فإن جورج إدوارد مور في بعض الموارد قد استفاد في كتاباته من هذه التحليلات والتفسيرات الفلسفية الدقيقة. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه في معرض الاحتجاج على برتراند راسل القائل: «لست على يقين من أن يكون هذا الشيء قلماً»، أو «لست على يقين من أنك عالم بذاتك»، كان يقول: إن احتجاج برتراند راسل يقوم على أربعة افتراضات متمايزة:

أولاً: أن يعلم الشخص بهذه الأشياء (إن هذا الشيء قلم أو أنك عالم بذاتك) من دون واسطة.
ثانياً: إن هاتين القضيتين أعلاه، لم يتم استنتاجهما منطقياً من أيّ شيء يعتبره الشخص من دون واسطة.
ثالثاً: في هذه الحالة يجب أن يكون علمنا بالقضايا مورد البحث أو اعتقادنا بها، قائماً على برهان تمثيلي أو استقرائي.
رابعاً: إن هذا النوع من البراهين لا ينتج عنه علم قطعي أبداً.
ثم استطرد جورج إدوارد مور بعد ذلك، قائلاً: «لا يحصل لي يقين من أي واحد من هذه الافتراضات الثلاثة كما يحصل لي يقين بعلمي بأن هذا الشيء قلم»[33].
أليس هذا المسار وطريق الحل الذي سلكه جورج إدوارد مور في معرض الجواب عن شبهة برتراند راسل، شيئاً آخر غير المسار وطريقة الحل الفلسفي؟
6 ـ إن من بين أفضل طرق المواجهة مع التشكيك الاهتمامُ بالمعارف الحضورية والوجدانية. فلدى كل إنسان معرفة يقينية ومن دون واسطة بوجوده وحالاته النفسانية. والاهتمام بهذه المعارف المباشرة والحضورية واحد من أبسط وأفضل الطرق في مواجهة التشكيك؛ في حين أن جورج إدوارد مور هذا لم يكن يبدي اهتماماً بهذه المعارف الحضورية بمقدار اهتمامه بالمحسوسات والإدراكات الحسية، وهذا إشكال أساسي يرد عليه.
7 ـ يقول جورج إدوارد مور: «عندي يدان»، ومن خلال الاستناد إلى هذه القضية «الفهم العُرفي» يروم إثبات الحقيقة الخارجية. في حين أن هذا البيان لا يفي بالغرض (إثبات الحقيقة) الخارجية؛ وذلك لأن هذه القضية قضية نحصل على مفادها إما بالعلم الحضوري أو بالعمل الحصولي ومن طريق الحواس. إن قضية لي يدان لا تحصل من طريق علمي الحضوري بيديّ. إني أعلم بنفسي (الجوهر المجرّد للنفس) بالعلم الحضوري، إلا أن علمي بيديّ لا يكون من طريق العلم الحضوري. ومن هنا فإن ابن سينا يروم من خلال الاستناد إلى «الإنسان المعلق في الفضاء» أن يثبت أننا نعلم بالجوهر المجرّد للنفس بالعلم الحضوري، ولكن ليس لدينا مثل هذا العلم بأعضائنا وجوارحنا.
الاحتمال الثاني هو أن تكون قضية «إن لي يدين» قد حصلت من طريق الحواس. وهذا الاحتمال بدوره باطل أيضاً. إن التصديق بوجود مصاديق المحسوسات في الخارج، وإن كان يحصل بحسب ظن بعضهم بمجرّد تحقق التجربة الحسية، اإلّا أنه ومن خلال التدقيق يتضح أن قطعية هذا الحكم تحتاج إلى برهان عقلي. ليس هناك تصديق يتحقق بمجرّد تحقق التجربة الحسيّة، كما صرّح بذلك كبار المفكرين في الفلسفة الإسلامية، من أمثال: ابن سينا، وصدر المتألهين، والعلامة الطباطبائي؛ وذلك لأن الصوَر الحسيّة لا تمتلك ضمانة للصحّة والتطابق مع المصاديق الخارجية.
يقول صدر المتألهين في هذا الشأن: «فالحواس أو النفس الحساسة بما هي حساسة ليس لها علم بأن للمحسوس وجوداً في الخارج إنما ذلك ممّا يُعرف بطريق التجربة، فهو شأن العقل أو النفس المتفكر؛ وليس شأن الحس ولا الخيال، والدليل على صحة ما ذكرناه أن المجنون مثلاً قد تحصل في حسّه المشترك صوَر يراها فيه ولا يكون لها وجود من خارج، ويقول ما هذه المبصرات التي أراها؟ ويقول إني أرى فلاناً وكذا وكذا، ويجزم أن ما رآه كما رآه فهي بالحقيقة موجودة في حقه كما وجدت للإنسان سائر الصوّر الحسيّة، لكن لما لم يكن له عقل يميّزها، ولمّا کان يعلم أن لا وجود لها من خارج، توهّم أن تلك الصوَر موجودة في الخارج ـ كما هي مرئية له»[34].
هناك الكثير من الإشكالات الواردة على مدعيات جورج إدوارد مور، فقد تموضع كل من المثاليين وصولاً إلى الشكاكين للدفاع عن أنفسهم في مواجهته، بل وهناك منهم من لم يضع أدلة جورج مور ضمن الأدلة الفلسفية، ولكن ربما كان نقد لودفيغ فيتغنشتاين من أشد الهجمات على جورج إدوارد مور، حيث تعرّض إلى ذلك في قسم من كتابه (في اليقين)[35].
يعمد لودفيغ فيتغنشتاين إلى تذكير جورج إدوارد مور بأن الموضوع المطروح هنا لا يكمن في الرؤية المجرّدة لليدين أو عدم رؤيتهما؛ وذلك لأن المثاليين والشكاكين بدورهم يرونها أيضاً، بل يكمن مدعاهما في القول: ما هو البرهان والدليل اليقيني والصادق والوجيه الذي يمكن تقديمه لإثبات العالم الخارجي؟ بمعنى أن رؤية اليدين ليس أمارة على واقعيتهما. فمن أين لنا أن نعرف أن هذه الرؤية صادقة[36].
8 ـ حيث يُعدّ جورج إدوارد مور شخصاً تجريبياً (بمعنى أن أبستيمولوجيته تقوم على أساس حسي وتجريبي)، فإن الذي يحصل عليه بواسطة الأدوات الحسية (الحواس الخمسة)، إنما هو مجرّد أعراض وأوصاف الأشياء وليس الجواهر المادية أو غير المادية؛ وذلك لأن الإنسان يمتلك حاسة تدرك الأعراض دون الجواهر. وعلى هذا الأساس لا يمكن لجورج إدوارد مور إثبات الجواهر المادية من خلال الاستناد إلى الحواس الخمسة.

9 ـ إن قضية الفهم العُرفي ذات بُعدين، وهما:
إن مفادها جزء من مفاد الإدراك الحسي، من قبيل رؤية اليد أو لمس الأشياء.
البعد العام وكلية الفهم العرفي.
وبعد تحليل هذين البعدين، يجب القول: لا المعطى الحسي بالذات صادق لا يقبل الخطأ، ولا الاعتقاد العام والكلي لدى عامة الناس صادق وملاك للصدق والكذب. وبعبارة أخرى: لو كانت قضية (اثنان في اثنان يساوي أربعة) إنما تكون «معتبرة» لمجرد قول الجميع بها، عندها لن يكون لهذه القضية أي قيمة منطقية أو معرفية؛ وذلك لأن الأكثرية بما هي أكثرية والعموم بما هو عموم، لا يحتوي على أي حجيّة واعتبار في الأبستمولوجيا وعلم المعرفة، إلا إذا كانت هذه القضية مستندة إلى معرفة بديهية ومتقنة.
وعلى هذا الأساس لو كانت مرجعية الفهم العُرفي عبارة عن الإدراكات الحسيّة المتفق عليها من قبل الجميع، فإن هذا النوع من المرجعية لن يكون معتبراً؛ وذلك لأن الإدراك الحسي في حدّ ذاته لا يفيد التصديق اليقيني، إلا إذا أضيف إليه استدلال خفي. ومن ناحية أخرى فإن الاتفاق من قبل جميع الناس وعامّتهم من دون أن تكون هناك دعامة منطقية ومتقنة في البين، لن يكون له أيّ اعتبار أو قيمة معرفية.
10 ـ لا يمكن إنكار حقيقة أن الفهم العُرفي يعاني في باطنه على الدوام من وجود آفة وخلل يتمّ التعبير عنه بـ «المسار التسامحي». وربما لهذه الناحية ذهب بعض المنكرين إلى تصوّر أن «الفهم العرفي» مرادف لـ «التسامح»، وقالوا بعدم جواز الرجوع إليه والأخذ منه، أو أنهم قيّدوا هذا الرجوع وقاموا بتحديده وتضييقه بحيث يسقط الفهم العرفي عن الجدوائية من الناحية العملية.
وعلى هذا الأساس فإن الفهم العرفي يكون من الداخل عُرضة للتسامح، وهذا لا يعني نبذ الفهم العرفي وردّه بالكامل، بل يعني ضرورة انتقاء معتقدات الفهم العُرفي استناداً إلى الأدلة والمباني العقلية والمنطقية.
11 ـ لقد تمسّك جورج إدوارد مور لإثبات الأشياء الخارجية بهذا البرهان: «أنا أرفع يدي اليمنى إلى الأعلى وأقوم بتحريكها؛ إذن يدي اليمنى موجودة. ثم أرفع يدي اليسرى إلى الأعلى وأقوم بتحريكها، إذن يدي اليسرى موجودة». إن هذا الدليل ينطوي على إشكال، وهو أن هذا البرهان لا يردّ على الادعاء القائل بأنه ربما قد رأى أنه يرفع يديه في عالم الرؤيا. فمن أين لنا أن نعلم أن هذا التحريك ليديه لم يكن مجرّد حلم رآه في المنام؟! وكذلك ربما يكون جورج إدوارد مور قد تعرّض في هذا الشأن لسوء في الفهم؟!
يقول جورج إدوارد مور في الجواب عن هذا الإشكال: «إن الارتباط بالخواطر والذكريات التي أحملها من الماضي القريب بالإضافة إلى التجارب الحسية الموجودة، تكفي لكي أتمكن من معرفة أني لست في عالم الرؤيا»[37]. ولكن من الثابت قطعاً أن الشاك سوف يجيب قائلاً: من الناحية المنطقية يمكن لجورج إدوارد مور أن يمتلك جميع تجاربه الحسية وذكرياته الموجودة، ولكنه يبقى مع ذلك رازحاً في عالم النوم والرؤيا. يجيب جورج إدوارد مور عن ذلك بالقول: «إن اتصال وارتباط هذه القضية القائلة بأني أحمل هذه التجارب الحسية والذكريات والخواطر، يبدو متناقضاً في حدّ ذاته مع هذه القضية القائلة بأني أعيش في حالة من النوم وعالم الرؤيا»[38]. بيد أن هذا الجواب ليس مقنعاً؛ وذلك لأن جورج إدوارد مور لا يقدّم دليلاً على التناقض الذاتي لهذا الأمر[39].

7 ـ الرأي المخالف للفهم العُرفي
هناك بشكل عام ثلاثة اتجاهات عامّة وكلية في قبال نظرية «الفهم العُرفي»، وهي:
1 ـ النفي المطلق: هناك من يمرّ بالفهم العُرفي مرور الكرام ويتجاوزه بتجاهل تام، ويخالفه، ولا يُدخله في محاسباته وتحليلاته الفلسفية.
2 ـ التأييد المطلق: هناك مجموعة أخرى لا تبدي أيّ اهتمام لآفات الفهم العُرفي ونقاط ضعفه أبداً، ويقبلون به تماماً، ويرفضون الأبحاث والتحليلات الفلسفية وينكرونها.
3 ـ النظرة التلفيقية: إن آراء وأنظار الفهم العُرفي لا يمكن رفضها بالكامل، كما لا يمكن القبول بها بشكل كامل أيضاً.
إن الكثير من آراء الفهم العُرفي جديرة بالاعتماد والوثوق، بيد أن الكثير منها في الوقت نفسه يتنافى مع البراهين والأدلة الفلسفية والعلمية المتقنة أيضاً. من ذلك على سبيل المثال أن الفهم المتعارف والعرفي يقول بسكون الأرض وعدم حركتها؛ وذلك لأن حركتها غير محسوسة ولا ملموسة؛ إلا أن العلم قد أثبت حركتها بالكثير من الأدلة، وإن الكثير من الآراء الفلسفية كذلك أيضاً. يقول لودفيغ فتغنشتاين:
«إن القضية القائلة (إني أعلم ذلك) تعني في الغالب: إني أمتلك أدلة صحيحة على قولي هذا ... ولذلك فإن عبارة (إني أعلم بوجود يد هنا) يمكن القول في تتمّتها: (لأن هذه هي يدي التي أنظر إليها). وفي هذه الحالة لن يكون هناك إنسان عاقل يشك في أني أعلم ذلك. وحتى المثالي لن يشك في ذلك، بل سوف يقول: إنه لا يبحث حول الشك العملي الذي زال، ولكن هناك خلف هذا الشك شك آخر؛ وهو أن هذا التوهم يجب العمل على بيانه بأسلوب آخر ... إن الشك في وجود عالم الخارج لا يعني الشك على سبيل المثال في وجود كوكب سوف يتمّ إثباته لاحقاً بواسطة المراصد. أو أن جورج إدوارد مور يروم القول بأن العلم بأن يده موجودة هنا، يختلف نوعاً ما عن العلم بأن كوكب زحل موجود. وإلا سوف يكون بمقدورنا تذكير الشكّاكين باكتشاف كوكب زحل»[40].

ومن الثابت بطبيعة الحال أن فيتغنشتاين لم يكن مثالياً ولا شكّاكاً أبداً، وقد عمل في كتابيه (التحقيقات الفلسفية) و(في اليقين) على إيضاح هذا النوع من التعقيدات والمعضلات الفلسفية على أساس نظرية اللعبة اللغوية.

8 ـ مدخل تطبيقي إلى الفهم العُرفي
في مقام تحليل الفهم العُرفي، ذكرنا أن قضايا الفهم العُرفي تحتوي على عدد من الخصال والخصائص:
1 ـ إنها ثابتة وراسخة.
2 ـ إنها مشتركة بين جميع الناس.
3 ـ إنها سارية وجارية في جميع الأزمنة والعصور.
4 ـ إن صدقها لا يحتاج إلى استدلال فلسفي.
5 ـ إنها غير قابلة للطعن والترديد.

هناك من وجهة نظر العلماء المسلمين مجموعة من المعارف الأساسية، وفي الواقع فإن ثروة ورأس مال الإنسان في الحصول على المعارف الأخرى عبارة عن هذه المعارف الأساسية التي تحظى تماماً بخصال وخصائص قضايا الفهم العُرفي؛ بمعنى أن المعارف اليقينية لا تقبل التشكيك والزوال، إن الأمثلة والنماذج على هذه الطائفة من المعارف على النحو الآتي:
1 ـ معرفة الإنسان بنفسه بغض النظر عن خصائصها من قبيل الكينونة المادية أو غير المادية.
2 ـ معرفة الإنسان بقواه الإدراكية، من قبيل: الحواس والعقل والذاكرة والخيال.
3 ـ معرفة الإنسان بقواه التحريكية، بمعنى القوى التي تكون منشأ للأفعال الجسدية للإنسان.
4 ـ معرفة الإنسان بحالاته النفسانية ومشاعره وأحاسيسه، من قبيل: الخوف والرجاء والقلق والحزن والفرح والحب.
5 ـ معرفة الإنسان بالصوَر والمفاهيم الذهنية.
6 ـ أصل امتناع التناقض؛ بمعنى: استحالة اجتماع النقيضين واستحالة ارتفاعهما.
7 ـ الإيمان بوجود حقيقة (إن هذه القضية أمر وجداني).
8 ـ أصل العلية.
9 ـ إن الكل أكبر من الجزء.
10 ـ إن كل شيء هو ذاته (القضايا الاُنطولوجية).
11 ـ أصل المساواة: إن كل واحد من المتساويين مساو لما يساوي الآخر.
12 ـ أصل انقسام الأزواج: إن كل زوج ينقسم إلى قسمين متساويين[41].

في ضوء هذا الاتجاه، لا يكون الترديد والتشكيك في هذا النوع من المعارف معقولاً. وبهذه الثروة المعرفية يمكن تمييز القضايا الصادقة من القضايا الكاذبة. وبذلك يكون أصل إمكان الحصول على المعرفة اليقينية بل وتحققها في الجملة أمراً بديهياً وغير قابل للتشكيك.

يذهب هذا الاتجاه إلى إمكان إقامة الصرح العظيم للمعارف البشرية على مثل هذا الأساس المتين والمنيع. في المنطق التقليدي يتمّ تقسيم القضايا إلى قسمين، وهما: القضايا البديهية، والقضايا النظرية. وإن القضايا البديهية هي التي لا يحتاج التصديق بها إلى التفكير والاستدلال، وأما القضايا النظرية فهي التي يكون التصديق بها بحاجة إلى فكر واستدلال. وقد تمّ تقسيم البديهيات إلى قسمين فرعيين، وهما:

أولاً: «البديهيات الأولية» التي لا يحتاج التصديق بها إلا إلى التصوّر الدقيق للموضوع والمحمول؛ من قبيل: قضية استحالة اجتماع النقيضين، وهي التي تسمّى بـ «أم القضايا».
وثانياً: «البديهيات الثانوية» التي يكون التصديق بها رهن بتوظيف الأعضاء الحسيّة أو أشياء أخرى غير تصوّر الموضوع والمحمول، وقد تمّ تقسيمها إلى ستة أقسام:
1 ـ الحسيات. 2 ـ الوجدانيات. 3 ـ الحدسيات. 4 ـ الفطريات. 5 ـ التجريبيات. 6 ـ المتواترات[42].

9 ـ طرق وأساليب المواجهة مع التشكيك
يطرح هذا السؤال نفسه هنا ويقول: ما هو سرّ بداهة أصل الواقعية؟ هناك عدّة احتمالات بشأن سرّ بداهة الواقعية الخارجية:
1 ـ قد يُجاب بأن التصديق بوجود الواقعية العينيّة بشكل كامن، والتصديق بالواقعية المادية بشكل محدد، هو مقتضى فطرة العقل وطبيعته، والشاهد على وجود هذا النوع من العقائد موجود لدى جميع الناس؛ كما أن سلوكهم وأفعالهم في الحياة تؤيّد ذلك أيضاً؛ بيد أن هذا الكلام لا ينطوي على قيمة منطقية كافية؛ إذ يبقى هذا السؤال قائماً، وهو: كيف نعلم بأن عقلنا البشري لو خلق بشكل آخر، لم يكن يدرك الأمور بشكل آخر؟

بعبارة أخرى: لو افترضنا أن سلسلة من المفاهيم كانت من لوازم طبيعة وفطرة العقل، لا يمكن إثبات إظهارها للواقع، وأقصى ما يمكن قوله: إن هذا المطلب هو من مقتضيات فطرة العقل الذي يواجه المشكلة المذكورة.
يُضاف إلى ذلك أن الاستناد إلى أنظار الناس وأفعالهم في الواقع، إنما هو استدلال بالاستقراء الناقص، وهو لا يحتوي على قيمة منطقية تامّة.
2 ـ قد يقال إن هذه التصديقات من البديهيات الأولية التي يكفي فيها مجرد تصوّر الموضوع والمحمول فيها للتصديق بها. بيد أن هذا الادعاء بدوره غير صحيح أيضاً؛ وذلك إذ لو افترضنا القضية البديهية الأولية على شكل «الحمل الأولي»، فمن الواضح أن مفادها ليس شيئاً آخر غير الوحدة المفهومية للموضوع والمحمول، ولو افترضناها على صورة «الحمل الشائع» واعتبرنا موضعها ناظراً إلى المصاديق الخارجية، واعتبرناها بحسب المصطلح المنطقي من قبيل «الضروريات الذاتية»، فإن صدق هذا النوع من القضايا يكون مشروطاً بالوجود الخارجي للموضوع؛ في حين أن المراد هو أن الوجود الخارجي لها يتمّ إثباته بهذه القضية البديهية[43].
3 ـ الاحتمال الآخر، أن يكون إثبات الواقعية الخارجية من طريق الحسّ والتجربة الحسيّة؛ بمعنى أنه يمكن إثبات الواقعية الخارجية بواسطة الحواس الخمسة. وهذه النظرية بدورها غير مقبولة أيضاً؛ إذ كما تقدّم بيانه في نقد رؤية جورج إدوارد مور، لا يمكن لأي تصديق يقيني أن يتحقق بمجرّد التجربة الحسيّة؛ وذلك لأن الصوَر الحسيّة لا تحتوي على ما يضمن الصحة والتطابق التام مع المصاديق الخارجية، إلا إذا ضممنا لها البرهان العقلي.

بعد نفي الاحتمالات المذكورة أعلاه، يطرح هذا السؤال نفسه: ما هو منشأ الاعتقاد الجزمي بوجود الواقعية المادية؟ وكيف يقبل كل إنسان من تلقائه بوجودها، ويقوم سلوك ونشاط جميع الأشخاص على هذا الأساس؟
إن الجواب عن هذا السؤال هو: أن اعتقاد الأشخاص بالواقعية المادية ينشأ من استدلال ارتكازي وشبه واع؛ قضايا قريبة من البداهة، حيث يتمّ التعبير عنها تارة بالفطريات أيضاً.

توضيح ذلك أنه في الكثير من الموارد يقوم عقل الإنسان في ضوء المعلومات الحاصل عليها بشكل سريع وعلى نحو تلقائي بعملية الاستنتاج، دون أن يكون لهذا المسار والاستنتاج انعكاس واضح في الذهن. لا سيّما في مرحلة الطفولة، حيث لا يكون الوعي والإدراك قد تكامل بعد، فيكون هذا المسار الذهني مقترنًا بالمزيد من الإبهام والغموض، ويكون أقرب إلى عدم الوعي. ومن هنا يذهب التصوّر إلى أن العلم غير المنتج والمفتقر إلى التعبير الفكري يحصل من المقدمات؛ ولكن مهما تطوّر الوعي والإدراك الذاتي للإنسان وكان مدركاً لنشاطاته الذهنية بشكل أكبر، ينخفض مستوى القيام بهذا النشاط، ويظهر بالتدريج على شكل أدلة منطقية واعية.
إن القضايا التي أطلق عليها علماء المنطق عنوان «الفطريات»، وقالوا في بيان تعريفها: «إن الفطريات هي القضايا التي تكون قياساتها معها، أو التي يكون الحدّ الأوسط فيها حاضراً في الذهن دائماً»، هي في الواقع من قبيل: هذه القضايا الارتكازية التي يتمّ الاستدلال عليها سريعاً وعلى نحو شبه مدرك.

إن العلم بالواقعية المادية بدوره يحصل في الواقع من هذه الاستنتاجات الارتكازية، والذي يكون لا سيّما في مرحلة الطفولة أبعد من مرتبة الوعي والإدراك، وإذا أردنا أن نبيّنه على صورة استدلال منطقي دقيق، فسوف يكون على النحو الآتي: إن هذه الظاهرة الإدراكية (من قبيل: احتراق اليد عند ملامسة النار) معلولة لعلة، وإن علتها إما ذات النفس (الأنا المدركة) أو شيء خارج عنها؛ ولكنني لم أعمل على إيجادها بنفسي، إذ لم أرد ليدي أن تحترق أبداً. وعليه فإن علة الاحتراق سوف تكون شيئاً آخر خارجاً عن وجودي.
وبطبيعة الحال لكي يشتد اعتقادنا بالنسبة إلى الأشياء المادية بوصف المادية، وينتفي احتمال التأثير المباشر لأمر غير مادّي آخر، هناك حاجة إلى ضمّ أدلة أخرى تقوم على معرفة خصائص الموجودات المادية وغير المادية؛ ولكن الله سبحانه وتعالى قد زوّد ذهن الإنسان بهذه الإمكانية والمقدرة، بحيث يتمكّن قبل الحصول على ملَكة الاستدلال الفلسفي الدقيق من الحصول على نتائجها بشكل ارتكازي ومن خلال الاستدلال شبه الواعي، ويعمل بذلك على تلبية حاجته في الحياة[44].

النتيجة
لقد تمسّك جورج إدوارد مور في نفي الشك بالفهم العُرفي، ورفض التفسيرات الفلسفية بشدّة، على الرغم من أن رؤية الفهم العرفي في مواجهة التشكيك والمثالية كانت هي المنتصرة إلى حدّ كبير، ولكن لا يمكن تجاهل هجوم هذا الرأي على الفلسفة والأدلة الفلسفية.
لقد ذهب الظن بجورج إدوارد مور إلى حدّ القول بأن «العرف» لا يمتلك أيّ تحليل فلسفي؛ في حين أن العُرف في الكثير من الموارد يقوم بالتحليل الفلسفي والتنقيب الدقيق.
إن نظرية الفهم العُرفي حيث تقوم على أساس المعتقدات البديهية والبديهيات المنطقية العامة، تكون مقبولة، ولا يوجد أي تناف في ذلك مع الأدلة الفلسفية. إن تطرّف رؤية الفهم العُرفي في نفي البراهين العقلية وإنكار الأدلة الفلسفية المعتبرة، غير قابل للدفاع أبداً؛ وفي الواقع فإن الآفة والخلل الرئيس في هذا الرأي إنما يكمن في هذه النقطة. وعلى هذا الأساس فإن رأي جورج إدوارد مور القائم على «الفهم العُرفي» إنما يكون مقبولاً من قبل الفلاسفة في الجملة، وليس بالجملة.

قائمة المصادر
ابن سينا، حسين بن عبد الله، النفس من كتاب الشفاء، مكتب الإعلام الإسلامي، طهران، 1375 هـ ش.
جيمز، كرن فيبل، آشنائي با فلسفه غرب، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد بقائي، انتشارات حكمت، طهران، 1375 هـ ش.
حق شناس، علي محمد، فرهنگ معاصر هزاره، فرهنگ معاصر، طهران، 1375 هـ ش.
الحكيم، السيد محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، انتشارات فدك، قم، 1426 هـ.
صدر المتألهين الشيرازي، محمد بن إبراهيم، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، دار إحياء التراث العربي، ط 3، بيروت، 1981 م.
صدر المتألهين الشيرازي، محمد بن إبراهيم، منطق نوين (اللمعات المشرقية في الفنون المنطقية)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد المحسن مشكوة الديني، انتشارات آگاه، طهران، 1362 هـ ش.
العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، نهاية الحكمة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1416 هـ.
الطوسي، نصير الدين، أساس الاقتباس، انتشارات دانشگاه طهران، طهران، 1367 هـ ش.
كاپلستون، فردريك، تاريخ فلسفه، ترجمه إلى اللغة الفارسية: بهاء الدين خرمشاهي، انتشارات علمي و فرهنگي سروش، ط 3، طهران، 1382 هـ ش.
كاپلستون، فردريك، تاريخ فلسفه (فيلسوفان انگليسي)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أمير جلال الدين أعلم، انتشارات علمي و فرهنگي، ط 4، طهران، 1382 هـ ش.
كالينسون، دايانه، فيلسوف بزرگ از طالس تا سارتر، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد رفيعي مهرآبادي، انتشارات عطائي، طهران، 1380 هـ ش.
مصباح، محمد تقي، آموزش فلسفه، سازمان تبليغات اسلامي، ط 2، طهران، 1379 هـ ش.
مكيان، مصطفى، «فلسفه: بازنگري فهم عرفي»، مجلة پژوهشنامه متين، العدد: 14، ص 119 ـ 146، 1381 هـ ش.
ور، جي. أي.، «برهان عالم خار»، ترجمه إلى اللغة الفارسية: منوچهر بديعي، مجلة أرغنون، العدد: 7 ـ 8، ص 32، 1374 هـ ش.
موزر، پل، مولدر وتروت، درآمدي موضوعي بر معرفت شناسي معاصر، ترجمه إلى اللغة الفارسية: رحمة الله رضائي، مؤسسه آموزشي و پژوهشي امام خميني (قدّس سرّه)، قم، 1385 هـ ش.
ويتگنشتاين، لودويگ، در باب يقين، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مالك حسيني، انتشارات هرمس، طهران، 1379 هـ ش.
Moor, G. E. Philosophical Papers. London: Routledge, 1959.
Edwards, Paul. The Encyclopedia of Philosophy. Macmillan Publishing, 1972.

------------------------------------
[1]* نشر هذا المقال بنصّه الفارسي تحت عنوان: (نقد و بررسي جورج مور در باب فهم عرفي)، في مجلة (معرفت فلسفي)، العدد: 53، خريف عام 1395 هـ ش. من ص 105 إلى ص 132.
تعريب: السيد حسن علي مطر الهاشمي
[2]. أستاذ مساعد في جامعة المصطفى العالمية.
[3]. باحث في مستوى الدكتوراه في حقل الحقوق العامة في جامعة العلامة الطباطبائي.
[4]. طريقة الفهم العُرفي: common sense ، تترجم أحيانًا بالحس المشترك (المحرر)
[5]. حق شناس، فرهنگ معاصر هزاره، 270. (مصدر فارسي).
[6]. ابن سينا، النفس من كتاب الشفاء، 227.
[7]. كاپلستون، تاريخ فلسفه، 8: 452.
[8]. الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، 200.
[9]. Moor, philosophical papers, 23.
[10]. Edwards, The Encyclopedia of Philosophy, 158.
[11]. G. F. Stout
[12]. Ibid.
[13]. Ibid.
[14]. Ibid.
[15]. كاپلستون، تاريخ فلسفه، 8: 452.
[16]. مور، «برهان عالم خارج»، 32.
[17]. كالينسون، فيلسوف بزرگ از طالس تا سارتر، 326.
[18]. مور، «برهان عالم خارج»، 123.
[19]. كاپلستون، تاريخ فلسفه (فيلسوفان انگليسي)، 8: 456.
[20]. م. ن، 444.
[21]. كاپلستون، تاريخ فلسفه، 8: 441.
[22]. ملكيان، «فلسفه: بازنگري فهم عرفي»، 122.
[23]. sense data
[24]. كاپلستون، ريك، تاريخ فلسفه، 5: 236.
[25]. Moor, Philosophical Papers, 17.
[26]. موزر، مولدر وتروت، درآمدي موضوعي بر معرفت شناسي معاصر، 288.
[27]. م. ن.
[28]. كاپلستون، تاريخ فلسفه، 8: 454.
[29]. م. ن، 455.
[30]. عنوانه في الترجمة الفارسية: (تحقيق در مورد ذهن بر اساس عقل سليم).
[31]. جيمز، آشنائي با فلسفه غرب، 311.
[32]. العلامه الطباطبائي، نهاية الحكمة، 235.
[33]. كاپلستون، تاريخ فلسفه، 8: 458 ـ 459.
[34]. صدر المتألهين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، 3: 498.
[35]. عنوانه في ترجمته الفارسية: (در باب يقين).
[36]. ویتگنشتاین، در باب يقين، 42.
[37]. موزر، ومولدر وتروت، درآمدي موضوعي بر معرفت شناسي معاصر، 252.
[38]. م. ن، 251.
[39]. م. ن، 290 ـ 291.
[40]. ویتگنشتاین، در باب يقين، 42.
[41]. صدر المتألهين الشيرازي، منطق نوين (اللمعات المشرقية في الفنون المنطقية)، 123.
[42]. الطوسي، أساس الاقتباس، 345.
[43]. مصباح، آموزش فلسفه، 1: 300.
[44]. م. ن، 302.