الباحث : د. علي رضا قائمي نيا، د. مجتبى رستمي كيا و د.محمد علي عبد اللهي
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 37
السنة : شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : April / 19 / 2025
عدد زيارات البحث : 225
الملخّص
يُعدّ تحديد مفهوم النّصّ واحدًا من المسائل المهمّة في فلسفة اللّغة المعاصرة. ذهبت الهرمنيوطيقا الفلسفيّة إلى عدم تعيّن مفهوم النّصّ، وتسعى هذه المقالة إلى بحث هذه المسألة في ضوء تراث الفلسفة التّحليليّة للّغة المتعارفة (العاديّة) الذي يمثّله جون سيرل، وعلم أصول الفقه الذي يمثّله آية الله السّيّد الشّهيد الصّدر.
يذهب جون سيرل استنادًا إلى بعض المباني من قبيل: الأفعال الحواريّة، والحيثيّة الالتفاتيّة الفرديّة، والحيثيّة الالتفاتيّة الجماعيّة، والقائمة على أساس القواعد المقوّمة للبُعد الاجتماعي إلى القول بتعيّن مفهوم النّصّ.
ومن ناحية أخرى يذهب آية الله السّيّد الشّهيد الصّدر بدوره إلى القول بتعيّن معنى النّصّ استنادًا إلى مبان، من قبيل: القرن الأكيد، والتّعيّن الدّاخلي للمعنى، والتّعيّن الاستعمالي للمعنُى، والتّعيّن القائم على ظهور المعنى، والتّعيّن التّنظيمي، والاجتماعي للمعنى. ومن هنا سنعمل في هذه المقالة من خلال المقارنة بين هذين الفيلسوفين المعاصرين على فتح الطّريق أمام تدوين العلوم البينيّة بين الفلسفة التّحليليّة، وعلم أصول الفقه.
الكلمات المفتاحية: جون سيرل، السّيّد الشّهيد الصّدر، تعيّن المعنى، معرفة المعنى، الأفعال الحواريّة، النظريّة الاجتماعيّة للمعنى
المقدّمة
يتمّ طرح مفردة التّعيّن بوصفها مفردة بينيّة، إنّ التّعيّن يُستعمل في علوم مختلفة، وهي مفردة معروفة، ومألوفة لأهل العلم، من ذلك على سبيل المثال أنّ هذه المفردة قد تمّ استعمالها في هامش علم الرّياضيّات، وذلك في حقل الهندسة أيضًا، وكذلك في علوم من قبيل: الكيمياء، وصناعة الأدوية، وفي العلوم الطّبيعيّة، وفي معرفة الوزن الذريّ للماء، وفي علم الفلك والنّجوم، وفي تحديد المدارات الفلكيّة، وما إلى ذلك. وقد تمّ استعمال تعيّن المعنى والمفهوم في هذه المصادر بمعنى «الحدود»، و«التّحديد»، و«إمكان التّوقّع»؛ حيث يتلاقى ذلك مع معناه في علم المعاني الفلسفيّة.
وبحسب المصطلح، تمّ استعمال التّعيّن في معانٍ مختلفة؛ حيث يُستعمل التّعيّن بمعنى العلم الجازم الدّقيق، والعلم الجازم المتطابق مع الواقع، والإرادة الحازمة، والمصير القطعي، والنّتيجة الضّروريّة، والعلم الضّروري. في ضوء المنهج القديم للفلاسفة الذين يقولون إنّ كلّ شيء يُعرف بضدّه، يمكن للتّعيّن أن يقع على الضّدّ من عدم استقلال النّصّ، وعلى الضّدّ من عدم الكثرة، وعلى الضّدّ من عدم النّسبيّة، وعلى الضّدّ من عدم انتهاء المعنى المشتمل على المعنى الأدقّ، والذي تمّ التّعرّض له في التعاليم الهرمنيوطيقيّة. كما يمكن لتعيين مقياس النّسبة إلى مقولات من قبيل: قابليّة المعنى للانعطاف، وارتباطه بتعيين المعرفة الوجوديّة، والواقعيّة، ورسم الحدود، واحتمال الخلاف، واحتمال الصّحّة، وإمكان الفهم، والمخاطب، وقصد المتكلّم، والأرضيّة، والاستعمال، وإمكانيّة التّوقّع، أن يرسم الشّبكة المفهوميّة والإطار التّصوّري لتعيّن المعنى.
إنّ مسألة تعيّن المعنى إنّما حظيت بالاهتمام للمرّة الأولى في الفلسفة القارّية، والهرمنيوطيقا الفلسفيّة. فقد ذكر غادامير في المسائل التّفصيليّة للغاية، والتي تقدّمت في مورد تعيّن النّصّ، أدلّة كثيرة على عدم تعيّن مفهوم النّصّ؛ ومن هنا فإنّه في بيان المسألة، تمّ السّعي أوّلًا إلى ذكر المسألة المنشودة للفلاسفة القاريين من «التّعيّن»، ومفهوم «عدم التّعيّن»، والعمل بعد ذلك على اتّخاذ الموقف من جواب الفيلسوفين: جون سيرل، والسّيّد الشّهيد الصّدر، حول التّعيّن.
في ضوء ما قاله غادامير، فقد انتهت رؤية غادامير إلى هذه المسألة، وهي أنّه يقول بعدم تعيّن مفهوم النّصّ؛ إذ إنّ من بين الأدلّة الأصليّة في عدم تعيّن مفهوم النصّ هو الابتعاد عن المراد الجدي للمتكلّم، وإنكار قصديّة المعنى. إنّ الهرمنيوطيقا الفلسفيّة عند غادامير قد رهنت تعيّن المعنى بفهم المخاطبين؛ بمعنى أنّنا إذا كنّا من القائلين بالطّبقات المفهوميّة الثّلاثة للّغة، والّتي هي عبارة عن: طبقة المتكلم، وطبقة الكلام، وطبقة المخاطب، فإنّ الهرمنيوطيقا الفلسفيّة تذهب إلى الاعتقاد بأنّ طبقة فهم المخاطبين هي التي تحدّد مصير تعيّن المعنى. وفي طبقة المخاطبين كذلك بسبب تدخّل الفرضيّات المسبقة، والأحكام المسبقة في فهم النّصّ، فإنّ إمكان فهم النّصّ أوّلًا وبالذّات، وثانيًا تعيّن معنى النّصّ، لن يكون ممكنًا. وللمزيد من التّوضيح يمكن الرّجوع إلى الرّسم البياني أدناه:
إنّ دليل الهرمنيوطيقا الفلسفيّة على نفي تعيّن معنى النّصّ هو أوّلًا: عدم وجود معنى محتمل. وثانيًا: إنّ عدم وجود المعنى المحتمل هذا يعود سببه إلى عدم إمكان الفهمّ، وعدم وجود المعاني الممكنة؛ ومن هنا فإنّ فهم النّقطة أعلاه ضروري من أجل بيان الهرمنيوطيقا الفلسفيّة؛ فبسبب عدم إمكان المعرفة، فقد تحدّد عدم تعيّن المعنى.
وعلى ما سيأتي في هذه المقالة، فإنّ جون سيرل، والسّيّد الشّهيد الصّدر، كلاهما يذهبان إلى الاعتقاد بتعيّن المعنى، بيد أنّ تعيّن المعنى في حقل المباني المعرفيّة يشتمل على اختلافات أساس أيضًا على الرّغم من الاشتراكات.
أ. المباني المعرفية لتعيّن معنى النّصّ من وجهة نظر جون سيرل
لقد تحدّث جون سيرل عن ثلاثة مراحل فكريّة من تعيّن المعنى، وهي: «مرحلة فلسفة اللّغة»، النظريّة الأوّليّة المفهوميّة له في إطار تعيّن «المضمون في الكلام» الذي تمّ إيجاده. وفي المرحلة الثّانية يتمّ نقل هذا التّعيّن في حقل «فلسفة الذّهن والحيثيّة الالتفاتيّة الفرديّة»، وفي المرحلة الثّالثة سعت فلسفة الاجتماع إلى الخوض في «الحيثيّة الالتفاتيّة الجماعيّة»، ودورها في تعيّن المعنى؛ ولذلك سوف نسعى بدورنا إلى تحديد المباني المعرفيّة التي تعمل على تعيين المعنى في هذه الحقول الفكرية الثّلاثة. كما أنّ هذه المراحل الثّلاثة سوف تعمل على تشخيص مرحلة التّطوّر الفكري لجون سيرل أيضًا.
1. الأفعال الحواريّة والاستناد إلى القواعد
إنّ المعنى في رؤية جون سيرل إنّما يتحقّق في «فعل المضمون في الكلام»، وذلك حيث يكون الإظهار والبيان مشتملًا على واحد من الأفعال التي هي من قبيل: «الإفصاح»، و«التّوصيف»، و«الادّعاء»، و«التّذكير»، و«إصدار الأمر»، و«الطّلب»، و«الانتقاد»، و«الاعتذار، و«العتاب»، و«التّأييد»، و«التّرحيب»، و«الوعد»، و«الاعتراض»، و«المطالبة»، و«الاستدلال»، وما إلى ذلك. إنّ اللّازم اللّغوي لهذا المطلب هو أنّه من بين الطّبقات الثّلاث المتمثّلة بالفعل اللّفظيّ، وفعل المضمون، والفعل بعد الكلام، يكون فعل المضمون في الكلام، هو الذي يحدّد تعيّن المعنى. إنّ هذا التّعيّن للأفعال القوليّة بسبب قيامها واستنادها على القواعد سوف تكون هي المقوّمة.
2. الحيثيّة الالتفاتيّة الفرديّة
لقد ذهب جون سيرل في المرحلة الثّانية من حياته الفكريّة إلى الاعتقاد بأنّ الاختلاف، والتّفاوت بين العمل، والحركة يكمن في أنّ العمل يتضمّن القصدـ والالتفات، في حين أنّ الحركة تفتقر إلى الالتفات. لقد عمد جون سيرل إلى تخصيص القصديّة، والحيثيّة الالتفاتيّة إلى الكائنات التي تمتلك عقلًا. وبطبيعة الحال، فإنّ جون سيرل بعد ذلك أضاف تكملة إلى هذه المسألة، حيث قال: «إنّي لم أقل بأنّ القصد مختصّ بالكائنات العاقلة، وإنّما القصديّة تحتاج إلى آليّة وهيكليّة، سواء أكانت هيكليّة ذات عقل أم هيكليّة غير ذات عقل»، إنّ فلسفة اللّغة من وجهة نظره تعدّ فرعًا من فلسفة الذّهن. وقال في هذا الشّأن: «حيث إنّ الأفعال القوليّة تعدّ نوعًا من النّشاط الإنساني، وحيث إنّ ظرفيّة القول لإظهار الأشياء والحالات تمثّل جزءًا من ظرفيّة أكثر شموليّة للذّهن من أجل الارتباط الهيكلي مع العالم، فإنّ أيّ نوع من الشّرح الكامل للقول، واللّغة يحتاج إلى شرح كيفيّة ارتباط الذّهن/العقل، والهيكل بالواقعيّة»؛ ومن هنا فقد عمد بعضهم إلى وصفه بأنّه «طبيعي أحيائي».
يذهب جون سيرل في هذه المرحلة الفكريّة إلى الاعتقاد بأنّ اللّغة في الأساس ظاهرة اجتماعيّة، وتعدّ انعكاسًا للحيثيّة الالتفاتيّة الفرديّة؛ ومن هنا فإنّ بحث الحيثيّة الالتفاتيّة بدوره يحظى بأهمّيّة في نظريّة المعنى هذه. إنّ السّؤال الأصلي الذي يطرحه في هذه المرحلة الفكريّة هو: كيف يمكن للذّهن أن تكون له بالنّسبة إلى الأشياء الفاقدة للرّوح حيثيّة التفاتيّة وقصديّة؟ ومن هنا فإنّه في مشروعه الفكري هذا قد سعى إلى الرّفض القاطع للسّلوكيات البحتة التي لا يعترف بها الذّهن الواعي وغير الواعي، ومن ناحية أخرى يذهب إلى الاعتقاد بأنّ جميع الأفعال، والانفعالات الذّهنيّة تشتمل على أثر أحيائي على الأعصاب في المخّ. وبهذا المعنى يكون «الوعي والحيثيّة الالتفاتيّة» مثله كمثل الدّورة الدّمويّة، والجهاز الهضمي جزءًا من الحياة الإنسانيّة. إنّ طريقة الحلّ الصّحيحة لـ «مشكلة الذّهن / الجسم»، من وجهة نظره، لا تكمن في إنكار واقعيّة الظّواهر الذّهنيّة، وإنّما في التّقويم الصّحيح لماهيّتها البيولوجيّة.
يذهب جون سيرل إلى الاعتقاد بأنّ الحالات الذّهنيّة واقعيّة بمقدارِ مَا لسائر الظّواهر البيولوجيّة من قبيل: الرّضاعة، والتّركيب الضّوئي، والهضم من الواقعيّة؛ فإنّ الحالات الذّهنيّة بدورها مثل هذه الظّواهر تمامًا يتمّ إيجادها من قِبل الظّواهر البيولوجيّة، وتؤدّي بدورها إلى ظواهر أحيائيّة أخرى. وقد أُطلق على هذه الرّؤية عنوان «النّزعة الطّبيعيّة البيولوجيّة».
يذهب جون سيرل في هذه المرحلة الفكريّة إلى الاعتقاد بأنّ الحالات الذّهنيّة تؤدّي بدورها مثل النّشاط الجسدي إلى إطلاق، العصبون في المخّ وانفجاره، وتعمل على تحفيز الجوارح وتحريكها. إنّ هذا الانفجار يحدث بفعل الأكسدة للخلايا الهيدروكاربونيّة المفردة، وهي تبدو، بحسب الرّسم البياني أدناه، على النّحو الآتي:
حركة الجسم العلية القصد في العمل
وعلى هذا الأساس:
إنّ الفعل الكلامي قائم على أساس الحيثيّة الالتفاتيّة.
إنّ الحيثيّة الالتفاتيّة، حال من الحالات البدنيّة.
إنّ الحالات الطّبيعيّة للجسم تحدث من طريق الإطلاقات العصبيّة.
إنّ الحيثيّة الالتفاتيّة والمعنى بدوره يحدث من طريق الإطلاقات العصبيّة أيضًا.
إنّ الإطلاقات العصبيّة تحدث في المخّ.
إنّ المعنى ينتهي إلى المخّ.
إنّ المعنى يتعيّن في المخّ.
3. الحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة
مال جورج سيرل في مرحلته الفكريّة الثّالثة إلى ناحية المسائل المرتبطة بحقل الفلسفة الاجتماعيّة. وقد سعى في هذه المرحلة من خلال الاستفادة من الأدوات والمباني في مرحلتيه السّابقتين، ولا سيّما من خلال الاستفادة من بحث «القواعد والأفعال الكلاميّة»، و»الحيثيّة الالتفاتيّة»، و»الواقعيّات التّأسيسيّة»، و»الطّبيعة البيولوجيّة» إلى تقديم نظريّته في مرحلتين تحت عنوان «بنية الواقعيّة الاجتماعيّة»، و»بنية العالم الاجتماعي». وفي ما يلي سوف نسعى في هذا الخصوص إلى الحديث حول بعض النّقاط الأصليّة في قسمين مستقلّين:
يذهب جون سيرل إلى الاعتقاد بأنّ نظريّة الحيثيّة الالتفاتيّة تمثّل شرطًا ضروريًّا جدًّا لفهم الواقعيّة الاجتماعيّة؛ وذلك لأنّ المجتمع رهن بالسّلوكيّات الجماعيّة للنّاس، ومن هنا فإنّه من أجل فهم المجتمع، يجب فهم السّلوك الجمعي للإنسان؛ ومن ناحية أخرى، فإنّ السّلوكيات الجمعيّة تتقوّم بالحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة، ولكي نفهم الحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة، يجب التّعرّف إلى الحيثيّة الالتفاتيّة.
إنّ بنية الواقعيّة الاجتماعية غير مرئية من وجهة نظره. يقول جون سيرل في هذا الشّأن: «إن من بين الأسباب التي تجعلنا قادرين على تحمّل أعبائها، هي أنّ البنية المعقّدة للواقعيّة الاجتماعيّة، هي بحسب المصطلح عديمة الوزن، وغير مرئية. إنّ الطّفل ينشأ في ثقافة تعدُّ الواقعيّة الاجتماعيّة ببساطة أمرًا طبيعيًا. فنحن نتعرّف إلى السّيّارات، والحافلات، والبيوت، والنّقود، والمطاعم، والمدارس من دون التّأمّل والتّدبّر في خصائصها الوجوديّة الخاصّة، ونستفيد منها». إنّ المعرفة الوجوديّة من وجهة نظر سيرل في مورد الواقعيّة الاجتماعيّة أمر معقّد؛ في حين أنّ هذه المسألة تبدو من وجهة نظر العُرف مسألة بسيطة، وإنّ الأنطولوجيا البسيطة المرتبطة بالواقعيّات الفيزيقيّة تبدو صعبة. إنّ الدّليل على هذا التّعقيد هو أنّنا نؤسّس للواقعيّة الاجتماعية بما يتطابق مع مقاصدنا، ولهذا السّبب يتمّ اعتبارها في العُرف أمرًا بديهيًا.
يذهب جون سيرل في تعيين الواقعيّة التّأسيسية إلى القول بضرورة توفّر أربعة أمور:
تعيين الوظيفة والعمل.
القصد الجمعي.
القواعد المقوّمة.
القدرة على إدراك الأرضيّة.
في تعيّن العمل والوظيفة لا بدّ من الالتفات دائمًا إلى هذه النّقطة، وهي أنّها ليست أمرًا ذاتيًّا أبدًا؛ بل هي على الدّوام رهن بالنّاظرين إلى التّعريف. إنّ القدرة على الاستطاعة في إسناد شيء إلى شيء وتوظيفه على نحو متعيّن، يعدّ من خصائص النّاطقين بالّلغة، والذين يعملون على توظيفها. وهنا لا تكون الأنطولوجيا الطّبيعيّة ناجعة؛ بل إنّ مجموعة من النّظام القيَمي الذي نتمسّك به هو الذي يصنع الواقعيّة، بل هناك حاجة إلى هذا النّظام من القيَم السّابقة حتّى من أجل اكتشاف الظّواهر الطّبيعيّة أيضًا. وبعبارة أخرى: إنّ اكتشاف هذه الحقائق، والمهام الطّبيعيّة تحتاج بدورها إلى التّعيّن القيَمي أيضًا، وإنّ هذا التّعيّن بدوره رهن بالمقاصد، والغايات، وسائر المهام المحتملة يمكن أن يكون متغيّرًا. إنّ الأسانيد العمليّة خلافًا للأسانيد العليّة لها شكل متضمَّن في الكلام.
وباختصار يمكن تلخيص نظريّة تعيّن المعنى، والمفهوم لجون سيرل، على النّحو الآتي:
إنّ الحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة تقوم على أساس الحيثيّة الالتفاتيّة الفرديّة.
إنّ العالم الاجتماعي يتمّ بناؤه على أساس الحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة.
إنّ الحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة تقوم على أساس القواعد المقوّمة للمجتمع.
إنّ القواعد المقوّمة تستند إلى الأفعال المضمّنة في الكلام.
ومن هنا فإنّ جون سيرل يعمل على إثبات تعيّن المعنى من خلال ثلاث خطوات، فإنّه في البداية ومن خلال الاستناد إلى نظريّة الفعل، والأفعال الكلاميّة يكشف النّقاب عن حقيقة باسم الحيثيّة الالتفاتيّة الفرديّة، وبلحاظ العصب الأحيائي، وكذلك بالاستناد إلى الحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة، قد وصل إلى مفهوم اسمه «الواقعيّة الاجتماعيّة»، حيث يعني تعيّنه بواسطة القواعد مقوّمًا تأسيسيًا.
ب. المباني المفهوميّة لتعيّن معنى النّصّ من وجهة نظر السّيّد الشّهيد الصّدر
إنّ تعيّن مفهوم النّصّ في علم الأصول يتألّف من عدّة عناصر، فمن جهة في منظومة الكشف، والاستنباط يتمّ اختيار المراد الجدّي للمتكلم بوصفه هو المحور، ويقع اكتشاف قصده في منزلة ومكانة أساس؛ ومن ناحية أخرى، فإنّ هذا البحث يرتبط إلى حدّ كبير ببحث الحجّيّة في علم الأصول، إنّ تعيين المعنى يتحقّق من خلال المرور بفلترين، وهما عبارة عن: «كشف المراد»، و«الحجّيّة».
ومن بين علماء الأصول المعاصرين، كان السّيّد الشّهيد الصّدر من بين العلماء الذين تعرّضوا لهذا البحث، والجواب عنه بشكل تفصيليّ. لقد ذهب السّيّد الشّهيد محمد باقر الصّدر في باب الوضع وتعيّن المعنى إلى القول بنظريّة القرن الأكيد. وقال سماحته في توضيح القرن الأكيد: إنّ التّبادر ينشأ من أحد ثلاثة أمور، وهي: إمّا من القرينة (الشّواهد)، أو من القرن الأكيد النّوعي الذي هو الوضع اللّغوي، أو من القرن الأكيد الشّخصي.
إنّ مراد السّيّد الشّهيد من القرن الأكيد هو المورد الثّاني، وقد ذهب سماحته إلى الاعتقاد بأنّ الحصول على المعنى الحقيقي للكلمة، والتّشكيل الكامل للتّبادر (خطور المعنى في ذهن المخاطب) إنّما يكون ممكنًا حيث لا تحدث قرينة، ولا يتمّ الاكتفاء بالقرن الشّخصي؛ ومن ناحية أخرى فإنّ سماحته يقول بأصل لغوي يقع تحت عنوان «التّطابق بين الظّهور النّوعي والتّبادر النّوعي»، وهو يرى أنّ التّبادر النّوعي رهن بالقرن الأكيد النّوعي والوضع. وفي هذه المسألة ذهب سماحته إلى عدم إمكان الاستفادة من «أصالة عدم القرينة»؛ وذلك لأنّ هذا الأصل اللّفظي إنّما هو من أجل الكشف عن مراد المتكلّم، ولهذا الموضع بمعنى كشف الوضع، وطريقة تعيّنه تتمّ الاستفادة من القرن الأكيد. إنّ كلمة «النّوعي» بدورها تعمل على إخراج المعنى الشّخصي للمتكلّم، وتدخل في نوع من المسار «القانوني»، و»الاجتماعي» للمعنى. ويمكن لنا رسم طريقة الاستدلال على النّحو الآتي:
إنّني بوصفي متكلّم بلغة أدرك وأفهم هذا اللّفظ، وهذا بدوره يمكن أن يكون أصلًا لمعرفة المعنى، حيث يمكن الاستفادة منه في علاميّة التّبادر بوصفه أصلًا لفظيًّا في المعنى من قبل علماء علم الأصول.
ومن ناحية أخرى، فإنّ تشخيص القرن الأكيد قد تمّ إيكاله إلى العُرف؛ وذلك لأنّ العُرف هو الذي يستعمله في المعنى كثيرًا، وحيث يكثر الاستعمال فيه، فإنّه يكتسب نوعًا من القرن الأكيد. إنّ التّكرار، والظّرف المؤثّر شرطان يعملان على تأكيد الاقتران وتقويته. وعندما يتحقّق هذا القرن الأكيد، تتحقّق «الدّلالة» أيضًا. وبالنّظر إلى نظريّة القرن الأكيد، يذهب السّيّد الشّهيد الصّدر إلى الاعتقاد بأنّ المعنى المجازي بعد كثرة الاستعمال، وبالنّظر إلى شرط التّكرار، والوقوف في ظرف مؤثّر ينقلب إلى المعنى الحقيقي. وبعبارة أخرى: في الوضع التّعييني يتحقّق هناك نوع من إنشاء الكيفيّة من قبل المتكلّم في إطار الإنشاء؛ وأمّا في الوضع التّعيّني، فيوجد نوع من الكمّيّة، وكثرة المعنى الكيفي. وبطبيعة الحال، فإنّ بعض المحقّقين يذهب إلى الاعتقاد بأنّ هذا الارتباط في حال المعنى الحقيقي، يكون ارتباطًا مطلقًا، وفي حال المعنى المجازي يكون ارتباطًا مشروطًا بشروط معيّنة.
1. التّعيّن الاستعمالي للمعنى
يذهب السّيّد الشّهيد الصّدر إلى الاعتقاد بأنّ الاستعمال، والدّلالة الاستعماليّة فرع عن القرن الأكيد للمفهوم بين اللّفظ والمعنى. وبطبيعة الحال، فإنّ هذا القرن الأكيد يمكن أن يحدث بواسطة استعمال واحد، وبذلك يقع بحسب المصطلح الوضع بالاستعمال. إنّ هذه النظريّة قد حظيت باهتمام جاد في آراء السّيّد الشّهيد الصّدر تحت عنوان «نظريّة الاستعمال». إنّ هذه النّظريّة بسبب أهمّيّة التّقريب إلى الفضاء المعرفيّ في الفلسفة التّحليليّة، وكذلك بسبب إمكان التّأسيس لأبحاث من قبيل «نظريّة العُرف والاستعمال» في علم الأصول، وعلى نحو ما بداية نوع من بناء الواقعيّة الاجتماعية تحظى بأهمّيّة خاصّة؛ ومن هنا، فإنّ هذا الأمر يستدعي اهتمامًا خاصًّا.
يذهب سماحة السّيّد الشّهيد الصّدر إلى الاعتقاد بوجود ثلاثة أنواع من الإرادة للمتكلّم تحت العناوين الآتية: الإرادة الاستعماليّة، والإرادة التّفهيميّة، والإرادة الجدّيّة. ومن هنا، يبدو أنّ السّيّد الشّهيد من خلال ضمّ نظريّة الاستعمال في نظريّته المفهوميّة، قد دخل في مرحلة جديدة من النّظريات اللّغويّة، والأبحاث الإراديّة في باب تفهيم المعنى، بيد أنّه لا شكّ في أنّه إنّما يُدخل هذه النّقاط في حقل الدّلالة التّصديقيّة، ومن هنا يذهب السّيّد الشّهيد الصّدر إلى الاعتقاد بأنّ هذا التّحليل يعمل على حلّ المسألة في «إطلاق اللّفظ، وإرادة الشّخص أو النوع»، وفي بحث «استعمال اللّفظ في أكثر من معنى» بشكل كامل أيضًا. إنّ الاستعمال من وجهة نظر السّيّد الشّهيد الصّدر رهن بالإرادة؛ وهي الإرادة التي تخرج اللّفظ من الدّلالة التّصوريّة، وتدخله في الدّلالة التّصديقيّة.
2. التّعيّن القائم على ظهور المعنى
إنّ من بين الأبحاث المهمّة الأخرى الموجودة في أبحاث لعلم الأصول بحث «الظّهور». إنّ دلالة عبارة ما على مراد المتكلّم تارة تكون من الصّراحة بحيث ينتفي معها احتمال الخلاف. وعندها يُقال إنّ العبارة نصّ في المعنى، وتارة أخرى لا تكون دلالة العبارة صريحة في بيان مراد المتكلّم، وإنّما تحتمل معاني متعدّدة، بيد أنّ ثمّة بين الاحتمالات احتمال واحد هو الأسرع خطورًا إلى الذّهن. وفي مثل هذه الحال يُقال: إنّ هذه العبارة «ظاهرة» في هذا المعنى.
لقد بحث علماء الأصول في باب الظّهور من جهّتين، وهما: أ البحث من النّاحية الصّغرويّة النّاظرة إلى تعيين الظّهور اللّفظي وتحديده. ب البحث الكبروي الذي تمّ إيجاده بسبب حجم الاطمئنان، ويجاب عن هذا السّؤال القائل بأنّه على فرض تعيين الظّهور هل يمكن للظّهور أن يكون مبنى لفهم الكلام وتفسيره أم لا؟ إنّ البحث الصّغروي يحظى بأهمّيّة في بحثنا؛ إذ قال علماء الأصول إنّ التّبادر من بين طرق تعيين الظّهور.
إنّ التّبادر في باب الظّهور من حيث الحقيقة، والماهيّة لا يختلف عن التّبادر في باب الوضع، بل يكون الاختلاف في النّتيجة، والغاية التي تترتّب عليه. إنّ التّبادر في باب الوضع يُستعمل لإثبات الوضع، والمعنى الحقيقي، ولكنّه يُستعمل في باب الظّهور لإثبات قصد المتكلّم.
وتجنّبًا لمحذور تعميم الحال الشّخصيّة، قال السّيّد الشّهيد الصّدر إنّه لو تبادر من لفظ أو عبارة لغويّة معنى واحد إلى أذهان أشخاص متعدّدين، يحصل لدى الإنسان اطمئنان بأنّ منشأ التّبادر هو القوانين العامّة الحاكمة على اللّغة، وليس القرائن الشّخصيّة؛ إذ في هذه الحال يكون التّبادر أمرًا حقيقيًّا، وإنّه في ضوء حساب الاحتمالات يثبت أنّ هذا ما تقتضيه القوانين، والقواعد الحاكمة على اللّغة.
3. التّعيين التّنظيمي للمعنى
إنّ فهم المعنى في المنظومة الكلّيّة يُعدّ أمرًا ممكنًا من وجهة نظر السّيّد الشّهيد الصّدر، ويرى أنّ نظريّة السّلوكيّين، والماركسيين في هذا الشّأن ليست صحيحة. يذهب السّيّد الشّهيد الصّدر إلى القول بأنّ اختلاف رؤيتنا عن الماركسيّين لا يقتصر على دائرة فهمهم المادّي للإدراك فقط؛ إذ إنّ المفهوم الفلسفي للحياة الذّهنيّة، وإن كان يمثّل النّقطة الأصليّة لحربنا الفكريّة معهم، إلّا أنّنا نختلف معهم في ارتباط الإدراك أيضًا، وكذلك الحال في الإحساس بالشّرائط الاجتماعيّة، والشّرائط المادّيّة الخارجيّة.
يذهب الماركسيون إلى الاعتقاد بأنّ الحياة الاجتماعيّة للفرد هي التي تعمل على تعيين أحاسيسه ومشاعره، وإنّ هذه الأحاسيس أو الأفكار إنّما تنمو بالنّظر إلى نموّ الشّرائط الاجتماعيّة، والمادّيّة، وكلّما ازدهرت هذه الشّرائط بما يتطابق مع العامل الاقتصادي، فإنّ العامل الاقتصادي يكون إذًا هو العامل الرّئيس للازدهار، والنّموّ الفكريّ.
تختصّ نظريّة بافلوف بالجانب الفسيولوجي من الحيوان؛ إلّا أنّ المذهب «السّلوكي» قد أساء توظيفها، حيث ادّعى أنّ الحياة الذّهنيّة ليست شيئًا آخر غير الأفعال الانعكاسيّة، وأنّ التّفكير يشمل الاستجابات الكلاميّة اللّاواعية التي توجد بواسطة المحرّك الخارجي. وعلى هذا الأساس فإنّهم قد شبهوا التّفكير تمامًا بسيلان لعاب الكلب عند سماعه لصوت الجرس الذي كان بافلوف يقرعه في تجربته بالتّزامن مع تقديم الطّعام له؛ فكما أنّ سيلان اللّعاب يمثل ردّة فعل فسيولوجيّة واستجابة لمحرّك يمثّل المنعكس الشّرطي، فإنّ الفكر كذلك يمثّل ردّة فعل فسيولوجية لمحرّك شرطي، من قبيل: اللّغة التي تمثّل على سبيل المثال محرّكًا طبيعيًا. ولكن من الواضح أنّ التّجارب الفسيولوجية من خلال الفعل الذي يمثّل منعكسًا شرطيًّا لا يمكن أن تثبت أنّ العمل المنعكس لواقعيّة الإدراك يمثّل المحتوى الواقعي للمسارات، فما دام الإدراك ممكنًا تكون له واقعية تذهب إلى ما هو أبعد من حدود التّجربة.
إنّ هذا الأمر من وجهة نظر السّيّد الشّهيد الصّدر، يختلف تمامًا عن ذلك الشّيء الذي يقوله المفكّر السّلوكي؛ وذلك لأنّ الإدراك والتّفكير ليسا عمليّة فسيولوجيّة لكي ينعكس في المحرّك الشّرطي المرتبط بسيلان اللّعاب، كما يدّعي السّلوكيون. من أجل الاستجابة الانعكاسيّة، يكون الإدراك حقيقة نفهمها فيما وراء ردود أفعال المحرّك الشّرطي. إنّ سيلان لعاب الكلب عند تحقّق المنعكس الشّرطي (صوت الجرس) لم يكن مجرّد عمل ميكانيكيّ، بل هو نتيجة لإدراك الكلب لمعنى المنعكس الشّرطي. إنّ صوت الجرس الذي كان يقرعه بافلوف على نحو متكرّر كلّما جاء إلى الكلب بالطّعام قد شكّل قرينة في ذهن الكلب بحضور الطّعام؛ وهكذا يسيل لعابه عند ذلك؛ والأمر ذاته يصدّق بالنّسبة إلى الطفل أيضًا؛ إذ يبدو أنّ الطّفل عندما يتهيّأ للرّضاعة وتناول اللّبن، لا يكون ذلك التّوق الذي يوجد لديه مجرّد ردّة فعل فسيولوجيّة بتأثير من أمر خارجيّ مرتبط بمحرّك طبيعيّ، بل هو ناشئ من إدراك الطّفل لمعنى المحرّك الشّرطي.
إذًا ثمّة منظومة من العلاقات والرّوابط بين الأشياء؛ حيث تعمل على تقسيمها إلى مجموعات، وتحدّد موقعها بالنّسبة إلى كلّ شيء في مجموعته، وتعمل على توسيع رؤيتنا حول المجموعة التي تتعلق بها، وتقوم بتطوير فهمنا للأشياء داخل هذه المنظومة. لو كانت هذه حالة فيزيقيّة وظاهرة جسديّة ناشئة عن المخّ، لما كان بمقدورنا أن نرى بأعيننا بعض الأشياء بوصفها كلًّا منظّمًا، حيث تتّصل بعض أقسامها ببعضها على نحو خاصّ، بحيث لو نظرنا إليها ضمن العلاقات، والرّوابط الأخرى لكان فهمنا وإدراكنا لها مختلفًا؛ إذ إنّ الذي يصل إلى المخّ من زاوية الفهم إنّما يتألّف من مجموعة من الخطابات؛ وعلى هذا الأساس كيف يمكن لنا إدراك منظومة العلاقات بين الأشياء، وكيف سُمح للفهم والإدراك في بداية الأمر أن يركّز على الكلّ؛ وذلك حيث إنّنا ندرك جميع الأشياء ضمن كلٍّ منسجم، بدلًا من أن نعتبر الأشياء منفصلة أثناء دخولها إلى المخّ. فإذا لم يكن ثمّة وراء المشاعر والأحاسيس والحالات الجسديّة المتفرّقة دور فعّال للذّهن، فكيف تكون جميع هذه الأمور ممكنة؟
يذهب السّيّد الشّهيد الصّدر في بحث تعيّن المعنى إلى الاعتقاد بأنّ رأيه يختلف عن كِلتا الرّؤيتين اللّتين تصدع بهما الماركسيّة والسّلوكيّة، ولا تؤيّد آليّة إدراك الإنسان على هذه الصّورة. إنّ الأفكار والأفهام على ما يتمّ تصوّره من قبل السّلوكيّين، ليست مجرّد انعكاسات عن البيئة الخارجيّة، أو كما يتصوّر الماركسيون، ليست ردّة فعل، ونتيجة للاستجابات التي تمّ بسطها؛ ثمّ إنّ الأصول المنطقيّة، أو الرّياضيّة العامّة والكلّيّة، وسائر الأفكار القابلة للتأمّل إنّما تنشأ من الذّهن، والتي لا تنسجم مع لوازم البيئة الاجتماعيّة، حيث إنّه إذا تمّ تجاهل هذه الأفكار، فإنّ التّشكيك الفلسفي المطلق، وعدم التّعيّن سوف يشمل الحياة برمّتها. لو كانت جميع الأفكار منسجمة مع عوامل البيئة، وكانت تتغيّر على هذا الأساس، لما كان يعتقد بأيّ رؤية، أو بواقعيّة التّغيير والتّحوّل.
وكذلك، فإنّ تطابق الأفكار العمليّة مع لوازم وشروط البيئة من وجهة نظر السّيّد الشّهيد الصّدر لا يتمّ بشكل تلقائي، بل هو تطابق اختياري ينشأ من الدّوافع الإراديّة لدى الفرد، حيث تضطرّه إلى العمل على جعل المنظومة منسجمة مع بيئته. لقد سعى سماحته في كتاب (مجتمعنا) إلى بحث ماهيّة هذا الانسجام، والتّناغم، ومحدوديّاته بالنّظر إلى مفاهيم الإسلام حول المجتمع، والدّولة.
4. التّعيّن الاجتماعيّ للمعنى
لقد تحدّث السّيّد الشّهيد الصّدر في خصوص الفهم الاجتماعيّ للنّصّ بشكل مستوفى في جوابه عن رسالة أرسلها إليه سماحة العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة. وفي ضوء هذا الاتّجاه يتبلور من مجموع الدّلالات السّياقيّة والوضعيّة ظهور لفظي في الذّهن، ويتعيّن مفهوم منسجم مع هذه الدّلالات.
بيد أنّ السّؤال الذي يُطرح نفسه هنا يقول: كيف يتمّ تبلور وظهور هذه الدّلالات الوضعيّة والسّياقيّة؟ وما هي الرّوابط المتبادلة فيما بينها؟ وكيف تعمل على تعيين وإثبات نوع الدّلالات الوضعيّة والسّياقيّة لكلّ كلام؟ وهل يمكن لكلّ شخص أن يجعل من مساحته اللّغويّة الخاصّة به معيارًا لتعيين هذه الدّلالات؟ أم يتعيّن عليه أن يختار الدّائرة اللّغويّة العامّة بوصفها معيارًا لهذه الدّلالات؟ وإذا كان المعيار هو الدّائرة اللّغويّة العامّة، فما هي الدّائرة العامّة التي تحظى بالاعتبار دون سواها؟ وهل يجب الاقتصار على الدّائرة اللّغوية العامّة في عصر صدور النّصّ فقط، أو يمكن الاكتفاء بالدّائرة اللّغويّة العامّة المعاصرة على الرّغم من التّطوّر والتّغيّر الحاصل في اللّغة؟
إنّ هذه الأسئلة ونظائرها يتمّ تناولها ومناقشتها في البحث الأصولي الخاصّ بحجّيّة الظّهور في حدود ما يحتاجه الفقيه في مسار الاستنباط. والذي نسعى إليه هنا إنّما هو التّوصّل إلى رؤية إجماليّة عن الظّهور اللّفظي بمقدار ما سبق أن ذكرنا؛ لكي ندرك الجهّة اللّفظيّة، واللّغويّة لمسار فهم النّصّ، ونصل من خلال ذلك إلى جانب جديد يتمّ التّعرّض له في كتاب (فقه الإمام الصّادق عليه السّلام )، وهو عبارة عن البُعد الاجتماعي من مسار فهم النّصّ. إنّ السّؤال الذي يتعيّن علينا أن نطرحه هنا هو: هل يمكن لمن يريد فهم النّصّ إذا أخذ جميع الدّلالات الوضعيّة، والسّياقيّة للكلام، وأدرك جميع المعطيات اللّغويّة للنّصّ بشكل كامل أن يفهم المعنى النّهائي للنّصّ بجميع أبعاده؟
إنّ الجواب عن ذلك يكون بالإيجاب تارة، وبالسّلب تارة أخرى؛ فإنّ الجواب إنّما يكون على نحو الإيجاب فيما لو افترضنا أنّ الشّخص الذي يروم فهم النّصّ الشّرعي، إنّما هو عالم في حقل اللّغة؛ بمعنى أنّه شخص قد استلهم اللّغة على سبيل المثال من طريق الإلهام، ومن الطّرق الغيبيّة، ومن هنا فإنّه يعلم بجميع الدّلالات الوضعيّة، والسّياقيّة للمفردات، والألفاظ، وليس له أيّ معرفة، وإدراك آخر. إنّ مسار فهم النّصّ بالنّسبة إلى هذا الإنسان العالم باللّغة، والّذي ليس له علم إلّا باللّغة حصرًا، سوف ينتهي إلى تجميع الدّلالات الوضعيّة، والسّياقيّة، وتعيين الظّهور اللّفظي على أساسها.
وأمّا إذا كان الشّخص الذي يريد فهم النّصّ إنسانًا عاش على نحو اجتماعي، وعاشر العقلاء الآخرين في مختلف مجالات الحياة. فالجواب سوف يكون بالنّفي؛ إذ بين هؤلاء الأشخاص الذين لديهم مثل هذه الحياة الاجتماعيّة، بالإضافة إلى الأفهام والتوجّهات الخاصّة لدى كلّ شخص، يتبلور فهم مشترك وذهنيّة واحدة تشكّل الرّكيزة العامّة والأفهام المشتركة في مختلف المجالات والحقول، ومن بينها حقل التّشريع والتّقنين الجوهريّ. إنّ الارتكاز العامّ والأفهام المشتركة في حقل التّشريع والتّقنين، هو الشّيء ذاته الذي يطلق عليه الفقهاء في علم الفقه عنوان «مناسبات الحكم والموضوع».
إنّ هذه المناسبات بين الحكم والموضوع في الحقيقة هي الذّهنيّة الواحدة ذاتها، والارتكاز التّشريعي العامّ الذي يحكم الفقيه في ضوئه بأنّ مساحة ما هو المناسب لموضوع الحكم بـ «التّملّك بواسطة الحيازة»، أو «التّنجّس بواسطة الماء المتنجّس» أوسع من الموارد التي ورد التّصريح بها في التّركيب اللّفظي للرّوايات، وهذا هو مراد السّيّد الشّهيد الصّدر من «الفهم الاجتماعي للنّصّ»؛ وبذلك يكون المراد من الفهم الاجتماعيّ للنّصّ، هو فهمه في ضوء الارتكاز العامّ الذي يتوفّر عند جميع الأفراد نتيجة لوعي وإدراك عام وفهم واحد له؛ ومن هنا فإنّ هذا الفهم الاجتماعي يختلف عن الفهم اللّفظيّ، وعن لغة النّصّ التي تعمل على تعيين الدّلالات الوضعيّة والسّياقيّة للكلام. إنّ سبب الاستناد إلى الارتكاز الاجتماعي في فهم النّصّ عبارة عن أصل حجيّة الظّهور؛ وذلك لأنّ هذا الارتكاز يضفي على النصّ ظهورًا منسجمًا ومتناغمًا مع المعنى المرتكز، وإنّ هذا الظّهور يكون حجّة بالنّسبة إلى العقلاء مثل الظهور اللّفظي؛ وذلك لأنّ كلام المتكلّم باعتباره فردًا من أهل اللّغة يُفهم على شكل لفظي، وباعتبار أنّه شخص اجتماعيّ، يُفهم على شكل اجتماعيّ، وإنّ الشّارع بدوره قد أيّد هذا الأسلوب من الفهم.
ج. مقارنة المباني المفهوميّة لتعيّن المعنى من وجهة نظر جون سيرل والسّيّد الشّهيد محمّد باقر الصّدر
يمثّل علم الدّلالات اليوم مساحة واسعة جدًّا، ويشمل الكثير من المسائل. وهناك فيلسوفان أحدهما في الشّرق، والآخر في الغرب قدّما نظرّيّات متعدّدة في هذه الأبحاث، وهما يشتركان في بعض النّقاط، ويختلفان حول بعض الأمور بشكلٍ أساسٍ. إنّ الفلسفة المقارنة والتّطبيقيّة تسعى إلى بناء مستقبل العلم من خلال المرور بهذه المشتركات والاختلافات.
1. نقاط الاشتراك
يبدو أنّه من بين المباني الآنف ذكرها في الإطار النّظريّ لهذا التّحقيق، يمكن اعتبار عدم الإحالة إلى ما وراء اللّغة، وقاعدة اللّغة، ودور الأرضيّة في تعيّن معنى النّصّ، من الخصائص المشتركة بين هذين المفكّرين.
1 - 1 عدم الإحالة إلى ما وراء اللّغة
يذهب كلّ من جون سيرل، والسّيّد الشّهيد الصّدر إلى الاعتقاد بعدم الحاجة إلى الإرجاع، والإحالة إلى ما وراء اللّغة لكي تكون الدّلالة صحيحة، وإنّ ذات اللّغة بنفسها يمكنها أن تكون على نحو منسجم معبّرة عن الدّلالات اللّغويّة، ولكن لكي نتمكّن من استخراج النظريّات المفهوميّة من كلمات هذين المفكّرَيْن، يجب البحث في بعض الموضوعات بشكل أدقّ.
إنّ اللّغة من وجهة نظر هذين المفكّرَين تحمل معها خصائص الاستقلال المهمّة، وليس هناك من لغة معياريّة أبعد من ذلك، بحيث يمكن الإحالة والإرجاع إليها، أو اعتبارها عاملًا في صحّة ظاهرة لغويّة. إنّ هذه الخصوصيّة تستطيع أن تتحدّث من تلقائها عن اكتفائها الذّاتيّ، وأن تكتسب حجّيّتها بلغة العالم الأصولي في ذاتها.
2 - 1 القاعدة اللّغويّة
إنّ القول باعتبار اللّغة بوصفها ارتكازًا بشريًّا عامًّا، أو لحاظها بوصفها سيرة عقلائيّة، يشتركان في هذه النّقطة، وهي أنّ ظاهرة اللّغة في الأساس ظاهرة مقعّدة، ولكي نفهم كِلا الأمرين يجب الرّجوع إلى القواعد بوصفها أصولًا جوهريّة. إنّ هذه القواعد في المنظومة الأصوليّة تعمل على صنع الحجّيّة، وتعمل في اللّغة المتعارفة على إيجاد الفهم.
ولكن يمكن التّدقيق في معنى القاعدة بشكل أكبر. لو تمّ تفسير القاعدة بشأن الواقعيّات التّأسيسيّة، فسوف يقع اختلاف في هذا الشّأن بين هذين المفكّرَين، حيث سوف نتكلّم عن ذلك عند بيان نقاط الاختلاف.
3 - 1 حجّيّة الظّهور والقواعد
لقد كان لجون سيرل في كتابه (الأفعال الكلاميّة) أبحاث تفصيليّة تحت عنوان القواعد، والتي عمد إلى تقسيمها إلى قسمين في نهاية المطاف؛ وهما القسم المقوّم، والقسم المنظّم. وعلى أساس هذا النّشاط، كان إبداع جون سيرل يكمن في أن يتمكّن من الجمع بين الفهم المتعيّن، وغير المتعيّن للمجتمع بواسطة القواعد المشتركة بين المتكلّم، وبين المخاطب بالكلام؛ وبذلك فقد توصّل إلى انسجام في هذه النّظريّة، حيث تعود جميع الأفعال الكلاميّة إلى القواعد المقوِّمة، وهي القواعد التّابعة لنوع من الارتكاز والبناء العقلائي، ولو لم تكن هذه القواعد والأسس العقلائيّة موجودة، لما كان هذا الارتكاز موجودًا أيضًا.
ومن ناحية أخرى، وعلى الرّغم من أنّ السّيّد الشّهيد الصّدر قد صنّف نظريّته بشكل عامّ على أساس نظريّة الاعتبار في علم الأصول، إلّا أنّه في مقام التّوجيه، وحيث إنّه أقام نظريّته على نوع من النّزعة الطّبيعيّة وعلى أساس إثبات الاحتمال الطّبيعي للأمور الاجتماعيّة، فقد تحدّث في مقام الإثبات الاجتماعي عن نوع من التقعيد في نسيج علماء اللّغة، وهو النسيج الذي يمكنه أن يعمل بنحو من الأنحاء على الإعداد للقواعد الأساس من أجل فهم الظّهور. يمكن تعريف قواعد الوصول إلى حجّيّة الظّهور في علم الأصول بوصفها قواعد مقوِّمة لهذا العلم. لقد سعينا في الأبحاث الماضية إلى إيضاح بعض هذه القرائن في الأصول اللّفظيّة، وكذلك في القرائن اللّبيّة، والمقاميّة التي يقع الكلام حولها في علم الأصول.
إنّ القواعد المقوِّمة، والقواعد المنظّمة في علم الأصول، وتبعًا لذلك في الفقه، يمكن أن تؤدّي إلى تبويب هذا الأمر. إنّ تطبيق هذا البحث على القواعد الفقهيّة والأصوليّة المهمّة يمكن أن يكون سببًا في نوع من التّحوّل في استعمال هذه القواعد وتوظيفها. كما يعلم المخاطب بهذه الرّسالة، فإنّ القاعدة الفقهيّة عبارة عن الحكم الشّرعي الكلّيّ الذي يتمّ الحصول من انطباقه وتطبيقه على المصاديق من قبيل انطباق الكلّيّ الطّبيعي على الأفراد على الحكم الشّرعيّ؛ من قبيل: قاعدة الصّحّة، وقاعدة الطّهارة، وقاعدة اليد، وهي القواعد التي لا تجري في الفقه إلّا في ظرف الشّكّ. وهناك من ذهب إلى الاعتقاد بأنّ القاعدة الفقهيّة هي القاعدة التي تكون لها أوّلًا كلّيّة بلحاظ عدد أصناف الحكم. في حين أنّ هذا التّصنيف للحكم تارة يكون بلحاظ الموضوع، من قبيل قاعدة اليد التي تجري في مورد أصناف الأموال التي تقع تحت اليد، وتارة أخرى بلحاظ الحكم، من قبيل قاعدة «تيمّم الميّت بمنزلة تيمّم الحيّ»، والتي تثبت أحكام تيمّم الحيّ بالنّسبة إلى تيمّم الميّت. وثانيًا: أن تتعارض مع أدلّة الأحكام؛ بمعنى أن يكون بينها، وبين أدلّة الأحكام تعارض غير مستقرّ؛ بحيث تكون هناك ضرورة إلى الجمع بينها وبين أدلّة الأحكام.
وبطبيعة الحال، يوجد اختلاف بين الفقهاء وبين علماء الأصول حول الفرق بين القاعدة الأصوليّة وبين القاعدة الفقهيّة. إنّ القاعدة الفقهيّة هي القاعدة التي تقع في كبرى القياس الاستنباطي، وحيث لا تحظى هذه القواعد بالبداهة، فإنّه يتمّ العمل على إثباتها في أصول الفقه. وفرقها عن مسألة علم الأصول يكمن في أنّ القواعد الفقهيّة ليست بحيث تكون مجرّد وسيلة وواسطة لاستنباط الأحكام وكشفها؛ وذلك لأنّها في حدّ ذاتها من الأحكام، من قبيل: قاعدة لا ضرر ولا ضرار، التي هي بنفسها حكم شرعيّ. وهناك من قال إنّ الفرق بين القاعدة الأصوليّة وبين القاعدة الفقهيّة يكمن في أنّ المجتهد في القاعدة الأصوليّة هو الذي يمتلك القدرة على توظيف هذه الأصول، ومن هنا فإنّها لا تكون مجرّد تطبيق على المصداق. وهناك من قال إنّ القواعد الأصوليّة عامّة وتشمل جميع أبواب الفقه، وأمّا القواعد الفقهيّة فتكون خاصّة بباب واحد من أبواب الفقه. وهناك من ذهب إلى الاعتقاد بأنّ القاعدة الأصوليّة هي التي تكون نتيجتها عبارة عن حكم كلّيّ، في حين أنّ الملاك في القاعدة الفقهية هو أن تكون نتيجتها حكمًا جزئيًّا، وإن كان في بعض الموارد قد تكون نتيجتها حكمًا كلّيًّا. وهناك من ذهب بدوره في ضوء تعريف علم الأصول بأنّه عبارة عن: «القواعد التي يمكن أن تقع كبرى في القضيّة التي تنتج منها الأحكام الإلهيّة الكلّيّة، أو الوظيفة العمليّة» إلى الاعتقاد بأنّ المراد من هذه القواعد هي القواعد التي يُنظر إليها بوصفها طريقًا، لا بوصفها أمرًا مستقلًّا، وأنّ وظيفتها هي أن تقع طريقًا فقط. وعلى هذا الأساس، فإنّ القواعد الفقهيّة تخرج من تعريف علم الأصول؛ وذلك إذ يُنظر إليها بشكل مستقلّ لا على نحو الطّريقية. وهناك من قال بأنّ الاختلاف بين المسألة الأصوليّة وبين القاعدة الفقهيّة إنّما يكمن في كيفيّة الاستفادة منها في الوصول إلى الحكم الشّرعيّ؛ وذلك لأنّ المسألة الأصوليّة تقع واسطة في استنباط الأحكام الشّرعيّة الإلهيّة، ويُستفاد من القواعد الفقهيّة على نحو الانطباق على الأفراد، والمصاديق في إثبات الحكم الشّرعي. ولكن يبدو أنّنا نتعامل مع علوم اعتباريّة، وفي هذه العلوم الاعتباريّة يجب أن ننظر إلى تاريخ تدوين علم الأصول، وأن نلتفت إلى هذه النّقطة، وهي أنّ أصول الفقه قد استنبطت من صلب الفقه. وبعبارة أخرى: إنّ هذه الأصول قد تمّ ابتكارها من أجل حلّ المشاكل في مختلف مواطن الفقه، من ذلك أنّ الصّحابة على سبيل المثال لم يتمكّنوا من حلّ المسألة من خلال شواهد الفقه نفسه، وقد توصّلوا إلى هذه النّقطة، وهي: ما هو الأصل؟ ولا معنى لأن نفترض هذا الأمر حقيقة ونبحث في مناطه.
وبعد ذكر هذه المقدّمة في هذا البحث يمكن بشكل أو بآخر ضمّ القواعد المقوّمة والقواعد المنظّمة في علم الأصول، وذلك في ضوء الاتّجاه التّنظيمي، وترتيب الأولويّات إلى بعضها، والوصول إلى تعريف جديد للقواعد الأصوليّة والفقهيّة أيضًا، والعمل بشكل أو بآخر، ضمن الرّؤية التّاريخيّة إلى علم الأصول، على التّعبير عن نوع من التّبويبات، والأولويات، وتقديم تعريف جديد عن هذه الأصول. وعلى هذا الأساس، فإنّ القواعد التي يقوم عليها نظام الشّريعة، وتكون ضروريّة بعبارة أخرى، سوف تعتبر من القواعد المقوِّمة، والتي سوف تعمل في الاتّجاه التّنظيمي على ضمان أولويّة هذا النّظام الفقهي والأصولي.
4 - 1 الأرضيّة ودورها في تعيين المعنى من وجهة نظر جون سيرل والسّيّد الشّهيد الصّدر
يذهب كِلا هذين المفكّرَين إلى الاعتقاد بأنّ الأرضيّة والسّياق هما اللّذان يتعيّن المعنى داخلهما؛ حيث إنّ الأرضيّة تعمل بشكل ما على إضفاء التّعيّن على المعنى الثّقافي والاجتماعي، وهذا الأمر يتمّ طرحه في علم الأصول الذي يبحث في الخلفيّات التّاريخيّة للمسألة على نحو ٍجادٍّ أيضًا؛ وعليه لا يكون الأمر كما لو أنّ الأرضيّة هي التي تكتسب التّعيّن من المعنى، وإنّما الأرضيّة هي التي تضفي التّعيّن على المعنى.
2 . نقاط الاختلاف
يبدو أنّه من بين المباني الآنف ذكرها، يمكن اعتبار الاختلاف في الحيثيّة الالتفاتيّة، والاختلاف بين نظريّة التّطبيق والاستعمال، والاختلاف بين القرن الأكيد وبين الفعل الكلامي في إضفاء التّعيّن على معنى النّصّ، من خصائص الاختلاف بين جون سيرل وبين السّيّد الشّهيد محمّد باقر الصّدر.
1 - 2 الاختلاف بين القرن الأكيد والفعل الكلامي
إنّ نظريّة القرن الأكيد هي نظريّة السّيّد الشّهيد الصّدر في مسألة الوضع، فقد سعى السّيّد الشّهيد في هذه المسألة للوصول إلى تحليل لمسألة اقتران تصوّر اللّفظ بتصوّر المعنى، حيث تمكّن من الوصول في ضوء قيام هذا الاقتران على نوع من السّنّة الاجتماعيّة إلى نوع من التّعيّن الاجتماعيّ لقواعد المعنى. لقد سعى السّيّد الشّهيد الصّدر من خلال الاستفادة من نظريّة الاحتمالات لجعل القطع الحاصل من هذه العقود الاجتماعيّة متعيّنًا، وجعل القطع عينيًّا. وأمّا الفعل الكلامي، على ما تقدّم ذكره، فهو نوع من التّحليل للنّشاط والأفعال التي تظهر في الكلام والنّصّ. إنّ قيام الفعل الكلامي على الفعل المضمّن في الكلام، والاستناد إلى القواعد المقوّمة بدوره كان من بين الموارد التي صرّح بها جون سيرل في كتاب (الأفعال الكلاميّة)، في حين لا نرى هذا التّأكيد، والاستناد إلى القواعد الكيفيّة الاجتماعيّة في كلام السّيّد الشّهيد الصّدر.
2 - 2 وحدة الارتباط اللّغوي
لقد صرّح السّيّد الشّهيد الصّدر بأنّ النّواة الأولى للكلام عبارة عن التّصوّرات والألفاظ المفردة، وإنّ التّعيّن يحدث -من وجهة نظره- في دائرة التّصوّرات أيضًا؛ بل وقد عرّف حتى العلامات التي تقدّمت الإشارة إليها، من قبيل التّبادر وسائر الأصول اللّفظيّة، في هذا الحقل أيضًا. وهو يرى حجّيّة الارتكاز الاجتماعي الذي يتحقّق في هذا الشّأن. كما أنّه في حقل تعيّن المعنى في التّصوّرات يقول بنوع من التّعيّن الارتكازيّ للمعنى.
وأمّا جون سيرل، فيرى أنّ النّقطة الابتدائيّة من الكلام، والجزء الأصغر المفهوم من الكلام عبارة عن الجملة؛ وبذلك فإنّه يختلف عن السّيّد الشّهيد الصّدر في هذه المسألة. يذهب جون سيرل إلى القول بأنّ الفعل الكلامي يقع في الجملة، أي: في حقل التّصديقات. وعلى هذه الشّاكلة، فإنّ السّيّد الشّهيد الصدر في حقل تعيّن المعنى يذهب إلى رؤيتين، وهما: حقل التّصوّرات، حيث يعتقد بوجود نوع من التّعيّن الارتكازي؛ وحقل التّصديقات، حيث يقوم أسلوبه في هذا الشّأن، على ما تقدّم تفصيله من قبله وهو الأسلوب الكشفي والتّفسيري، على إثبات الأسلوب التّفسيري بطريقة الاستظهار، ونظريّة الاحتمالات. ومن هنا، فإنّه في حقل المعنى يسعى نوعًا ما إلى إثبات التّعيّن الطّبيعي للمعنى، ويسعى بشكل ما إلى الحصول على أصل قابل للإثبات أيضًا.
3 - 2 ملاك الاشتمال على المفهوم وقابليّة الإثبات
يبدو أنّ جون سيرل من خلال نقده للرّؤية الوضعيّة في حقل المعنى، يرى المعنى بشكل وآخر في التّعيّن الاجتماعي، وحيث إنّه يراه نوعًا من الواقعيّة التّأسيسيّة، فإنّه لا يسعى إلى أصل إثباتي شبيه بالأصول القابلة للإثبات من أجل توجيه المعنى. إنّ السّيّد الشّهيد الصّدر بدوره، وإن عمد إلى نقد هذا الرّأي، ولكنّه من ناحية أخرى وقع في شراك أصل قابليّة الإثبات. ومن هنا فإنّ الشّهيد الصّدر في مباحث القطع يسعى إلى القطع واليقين العينيّ؛ ولذلك كانت جميع جهوده في منطق الاستقراء تقوم على اعتبار أنّ هذا المنطق كاشف عن الواقع؛ في حين أنّ جون سيرل يعتبر الواقعيّة الاجتماعيّة أمرًا اعتباريًّا، ويرى أنّ أسلوب الوصول إلى هذه الواقعيّة هو التّحليل؛ بمعنى التّحليل من أجل الذّهاب إلى المستويات الأساس للكلام الذي يحدث بواسطة الأفعال الكلاميّة.
يرى السّيّد الشّهيد الصّدر أنّ العينيّة تُفهم ويتمّ تفسيرها بشكل ما في واحدة من ثلاثيّة: العقل، والواقع، والدّين؛ ومن هنا يمكن اعتبار مساره العام في حقل العلوم الطّبيعيّة وامتدادها في العلوم الإسلاميّة. وقد سعى بشدّة من خلال المباني الوضعيّة للوصول إلى المعنى، ومن طريق الاحتمالات، أو من خلال الاستنتاج من طريق أفضل التّفاسير، إلى إثبات الكثير من المعاني المنظورة له.
حيث كان جون سيرل في حقل تعيّن المعنى يسعى بنحو ما إلى تحويل نوع من النّزعة الطّبيعيّة الأحيائيّة، فإنّنا نشاهد نوعًا من قابليّة الإثبات في أعماله أيضًا، مع فارق أنّ أصوله إنّما تُفهم ضمن العلوم المعرفيّة، والذّهن، وتقوم على معرفة الأحياء العصبيّة.
4 - 2 التّفسير والشّرح المنظومي للمعنى
لقد سعى جون سيرل في الأفعال الكلاميّة إلى تقديم تفسير، وشرح منظومي تامّ للمعنى، وإنّ سعيه إلى إقامة جميع الأفعال الكلامية على أساس المنظومة الاجتماعيّة، يثبت أنّه كان بشكل أو بآخر يقول بالتّعيّن الاجتماعي للمعنى ضمن ثلاثة مستويات. فقد عمد جون سيرل إلى التّفريق بين الواقعيّات الطّبيعيّة، وبين الواقعيّات المنظوميّة، واعتبر المعنى متعلّقًا في الأصالة بالواقعيّات المنظوميّة.
ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من أنّ السّيّد الشّهيد قد بحث في حقل علم الأصول، وقد تحدّث بنحو ما في حقل العلوم الاعتباريّة، إلّا أنّه سعى في هذا الخصوص، من خلال طرحه لنظريّته الخاصّة في حساب الاحتمالات، إلى إرجاع هذه الواقعيّات الاعتباريّة إلى الواقعيّات التّحصليّة، ودخل في هذا المجال؛ بمعنى أنّه لم يكن يعتبر المعنى مستقلًّا، ولم يكن يبحث عن ملاك من خارج المعنى لإضفاء المفهوم عليه؛ وعليه يبدو من هذه الحيثيّة أنّ جون سيرل بدوره يرى المعنى ضمن مساحة اللّغة الأصليّة، ويراه تابعًا للاعتباريّات؛ في حين أنّ السّيّد الشّهيد الصّدر قد خفض المعنى إلى مستوى الأمر التّجريبي. إنّ خفض المعنى إلى مستوى العلوم التّجريبيّة، والابتعاد من نظريّة الفعل، يُرى في مجموع نظريّة السّيّد الشّهيد الصّدر، ومن هنا لا يمكن اعتبار النّظريّة التّأسيسيّة للشّهيد الصّدر ولجون سيرل شيئًا واحدًا.
ومن هنا، فإنّ هذا المبنى قد أظهر نفسه في هذه المسألة. إنّ القطعيّة في الرّؤية الفكريّة لجون سيرل والسّيّد الشّهيد الصدر قد حدثت في فضاءين مختلفين؛ إذ كان أحدهما يبحث عن المعنى من خلال النّظريّة التّحصليّة، وابتعد عن البيان المنظومي للمعنى؛ ومن هنا كان نوع القطعيّة في كلام السّيّد الشّهيد الصّدر وبين جون سيرل متفاوتًا. إنّ هذا الاختلاف إنّما يتعمّق بشكل أكبر، حيث يبدأ جون سيرل فلسفة اللّغة من الجملة، بينما يبدأ السّيّد الشّهيد الصّدر، تبعًا للتّقليد الأصولي، من المفردة؛ وبذلك تنفصل دائرة التّصديقات عن التّصوّرات، ويتمّ طرح القطعيّة في حقل التّصديقات. إنّ هذه القطعيّة تعني التّطابق مع المراد الجدّي للمتكلّم، وتحكي عن الحيثيّة الالتفاتيّة له؛ وأمّا في المنظومة الفكريّة للسّيّد الشّهيد الصّدر؛ فإنّ القطعيّة تعني التّطابق مع المراد الجدّي للمتكلّم؛ ولكنّها تحكي عن درجات الصّدق.
2 - 5 نظريّة الدّلالة في المنظومة الفكريّة لجون سيرل والسّيّد الشّهيد الصّدر
إن الدّلالة في المنظومة الفكريّة لدى السّيّد الشّهيد الصدر تقع في حقل نظريّة الاستعمال. إنّ الدّلالة موجودة من وجهة نظر السّيّد الشّهيد الصّدر في المراحل الأربعة، وهي: المرحلة التّصوّريّة، والمرحلة التّصديقيّة الأوّليّة (الاستعماليّة)، والمرحلة التّفهيميّة، أي مرحلة المراد الجدّي. وقد سعى السّيّد الشّهيد الصّدر إلى تقديم بيان وتفسير لنظريّة الدّلالة.
ومن هذه النّاحية يمكن ربط النّظريّات -الخاصّة بالمعنى- بالأرضيّة إلى حدّ كبير. وبعبارة أوضح: إنّ السّيّد الشّهيد الصّدر يسعى إلى اكتشاف تعيّن المعنى في الدّلالة التّصوريّة بوصفها سيرة عقلائيّة مستقرّة، وأن يكتشف المراد الجدّي للمتكلّم في الدّلالة التّصديقيّة، ولو من خلال وجود القرينة، والأرضيّة، ويعمل بذلك على إيصال المعنى إلى التّعيّن؛ وبذلك فإنّ نوع الدّلالة في المنظومة الفكريّة للسّيّد الشّهيد الصّدر ينتظم في البُعدين التّصوّري والتّصديقي.
ولكن كما سبق أن ذكرنا، فإنّ جون سيرل قد حصر الدّلالة في نظريّة الدّلالة بالدّلالة التّصديقيّة؛ وذلك لأنّه يرى أنّ الجملة هي الجزء المفهومي الأصغر في الكلام؛ وبذلك يمكن التّفريق من هذه النّاحية بين نظريّة جون سيرل، وبين نظريّة السّيّد الشّهيد الصّدر. ولا يكون للكلمة معنى ومفهوم أو دلالة خاصّة من دون أن تندرج ضمن نسيج الجملة.
ومن ناحية أخرى فقد عمد السّيّد الشّهيد الصّدر إلى ربط الدّلالة التّصديقيّة، وإضفاء التّعيّن عليها بإضفاء التّعيّن على التّصوّرات؛ وبذلك فإنّه طبقًا لأسلوب بنيوي يعمل على إعادة أسلوب تعيّن كلّ معنى إلى المعنى التّصوّري والدّلالة التّصوريّة، وقد سعى في الدّلالة التّصوريّة، على ما تقدّم، إلى إضفاء التّعيّن على هذا الاستدلال من طريق نظريّة حساب الاحتمالات، ودرجة الصّدق في بناء العقلاء؛ ومن هنا فإنّ النّظام المترابط، والمتسلسل في هذا النّوع من الدّلالات يمكن مشاهدته في أصول الفقه بوضوح.
2 - 6 الاختلاف بين الحيثيّة الالتفاتيّة والقصد
لا شكّ في أنّ كِلا هذين المفكّرَين يرى المراد الجدّي للمتكلّم بوصفه حدًّا وسطًا في تعيّن المعنى؛ بيد أنّ أدبيّات الحيثيّة الالتفاتيّة تختلف عن القصد؛ يبدو أنّ القصد، والإرادة الجدّيّة للمتكلّم قد تمّ بحثها في منظومة الأفعال الاختياريّة للإنسان، ولها توجّه معرفي؛ وأمّا الحيثيّة الالتفاتيّة المنشودة لجون سيرل فهي واسعة، وتشير إلى العناصر غير المعرفيّة الأخرى أيضًا؛ ومن هنا لا ينبغي إرجاع هاتين المفردتين إلى معنى واحد.
7 - 2 الاختلاف بين الاستعمال والنّظريّة الاستعماليّة
في الوهلة الأولى قد يذهب بعض الباحثين إلى اعتبار التّطبيق والاستعمال شيئًا واحدًا؛ ولكنّهم كلّما دقّقوا بشكل أكبر، فسوف يطرأ عليهم هذا الشّعور، وهو أنّ هناك نوعًا من الاشتراك اللّفظي بين هاتين المفردتين. إنّ النّظريّة الاستعماليّة في رؤية جون سيرل تعبّر عن نوع من الاتّجاه إلى اللّغة، والذي يتمّ فيه اعتبار مختلف الألعاب اللّغوية، ومختلف الحيثيّات الالتفاتيّة فيه معترفًا بها رسميًّا، وإنّ معنى كلّ مفردة في استعمالها وفي أرضيّتها التّصديقيّة يصبح واضحًا.
ومن ناحية أخرى، فإنّ الاستعمال من وجهة نظر السّيّد الشّهيد الصّدر يعبّر عن نوع من الإرادة في منظومة الأفعال الاختياريّة للإنسان، وإنّ الدّلالة الاستعماليّة سوف تحكي عن الارتكاز العقلائي للبشر في معنى الألفاظ والمفردات؛ وعليه فإنّها لن تكون منظورة في تلك الألعاب اللّغويّة والحيثيّات الالتفاتيّة الواسعة؛ ومن هنا سوف تكون هناك بين التّطبيق بوصفه نظريّة في نسيج فلسفة اللّغة المتعارفة، وبين نظريّة الاستعمال في المنظومة الفكرية للسّيّد الشّهيد الصّدر، نوع من نسبة العموم والخصوص من وجه.
النّتيجة
في ضوء ما تقدّم، يمكن اعتبار الاختلاف الفكريّ بين التّراثين الفكريّين في مسألة تعيّن المعنى ناشئًا عن المنهج الفكري لهذين المفكّرين اللذَين ينتميان إلى فكرين مختلفين؛ ومن ناحية أخرى، لا بدّ من الالتفات إلى هذه النّقطة: وهي أنّ القواعد الاجتماعيّة للمعنى، والاستناد إلى القواعد المقوّمة في رؤية جون سيرل، واستناده إلى الواقعيّات التّأسيسيّة، وتأكيد السّيّد الشّهيد الصّدر على الارتكازات اللّغويّة والحجّيّة النّاشئة عن درجة الصّدق والاحتمال تعود بجذورها في الغالب إلى المنهج الفكريّ التّأسيسي، والإثباتي عن المفهوم والمعنى، ويجب بحثه في الأرضيّة المفهوميّة؛ ومن ناحية أخرى، فإنّ هذا الاختلاف في الأطر العامّة، لا يُغني الباحث عن الدّراسة وعن البحث الموردي للنّظريّات، ويمكنه العمل على المقارنة بين بعض الموارد؛ من ذلك أنّ استناد جون سيرل على سبيل المثال إلى الحيثيّة الالتفاتيّة الفرديّة، وقيامها على الحيثيّة الالتفاتيّة الجمعيّة في رؤية السّيّد الشّهيد الصّدر قد شوهدت على نحو باهت جدًا. وربّما أنّه لو لم تكن هناك مغالطة الخلط بين الاعتبار، والحقيقة في البين، ولم يأخذ علم أصول الفقه لغته من الفلسفة والعلوم النّظريّة، لما بقيت الجهود النّظريّة من أجل ربط طبقة الاحتمال بالتّعيّن، أو طبقة الظّنّ بالقطع في علم أصول الفقه غير مكتملة. إنّ جهود الفلسفة التّحليليّة في تحليل القصد في الطّبقة الأنفسيّة والآفاقيّة، والدّراسات المعمّقة للسّيّد الشّهيد محمّد باقر الصّدر في المسائل القائمة على القصد في علم الأصول، والمنظومة الفكريّة لسماحته كانت مؤثّرة، ويمكن لها أن تحدث التّغيير فيها.
ومن ناحية أخرى، فإنّ علم أصول الفقه من خلال قيامه على الحجّيّة وأصل الظّهور، ومن خلال الاستناد إلى المرتكزات، والشّهودات اللّغويّة، يمكن لها أن تفتح الطّريق أمام معرفة المعنى المراد من النّصّ. إنّ هذا الأسلوب لو حظي بالبسط والتّفصيل اللّازم، فسوف يكتسب القدرة لكي يتمّ طرحه وبيانه بوصفه مبنى معرفيًّا وتعيّنيًّا في علم المعرفة وفهم المعنى.
وفي الختام، لا بدّ من الالتفات إلى هاتين النّقطتين، وهما: إنّ نظريّة الاستعمال والتّطبيق، على الرّغم من الاختلافات التي تقدّم ذكرها، فيما لو عمد كلّ واحد منهما إلى تكميل بعضهما في أرضيّة النّظام التّأسيسيّ والتّنظيمي للمعنى على نحو تطبيقي ومنسجم، يمكن لهما التّأثير في الأساليب القائمة على العرف والمصالح، والأبنية العقلائيّة في علم الأصول، والعمل على إيجاد التّغيير والتّحوّل فيها. وعليه، فإنّ فلسفة اللّغة المتعارفة من هذه الزّاوية، خلافًا للفلسفة القارّية التي تشير إلى التّعيّن والتّوجيه الإنساني في الدّازاين، إنّما تفهم التّعيّن بشكل كامل في الأبنية العقلائيّة.
المصادر
الآخوند الخراساني، محمد كاظم، كفاية الأصول، قم، مؤسسة آل البيت، 1409هـ.
الأنصاري، مرتضى، فرائد الأصول، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1428هـ.
الخميني، السّيّد روح الله، مناهج الوصول إلى علم الأصول، قم، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (ره)، 1422هـ.
الخوئي، أبو القاسم، مصباح الأصول، قم، مؤسسة إحياء آثار السّيّد الخوئي، 1422هـ.
الصدر، السّيّد محمد باقر، بارقهها، پژوهشگاه علمي تخصصي شهيد صدر، قم، دار الصدر، 1393هـ ش.
ـــــــــــــــــــــــــ، بحوث في علم الأصول (أ)، تقرير: حسن عبد الساتر، لبنان، الدار الإسلامية، 1417هـ.
ـــــــــــــــــــــــــ، بحوث في علم الأصول (ب)، تقرير: السّيّد محمود الهاشمي الشاهرودي، قم، مؤسسة دائرة المعارف فقه اسلامي بر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، 1417هـ.
ـــــــــــــــــــــــــ، مباحث الأصول، تقرير: السّيّد كاظم الحسيني الحائري، قم، دار البشير، 1430هـ.
ـــــــــــــــــــــــــ، محاضرات في علم أصول الفقه، تقرير: محمد الصدر، قم، مؤسسة المنتظر لإحياء تراث آل الصدر، قم، 1433هـ.
ـــــــــــــــــــــــــ، موسوعة الإمام الشّهيد السّيّد محمد باقر الصدر، قم، پژوهشگاه علمي تخصصي شهيد صدر، دار الصدر، قم، 1434هـ.
عبد اللهي، محمد علي، «روش اثبات مدعيات زباني در علم اصول وفلسفه تحليلي»، مجلة نقد ونظر، العدد: 37ـ 38، 1384هـ ش.
علي أكبريان، حسن علي، قاعده عدالت در فقه امامیه: گفت وگو با جمعی از اساتید حوزه ودانشگاه، قم، پژوهشگاه علوم وفرهنگ اسلامي، 1386هـ ش.
محقق داماد، مصطفى، قواعد فقه بخش مدني، طهران، مركز نشر اسلامي، 1383هـ ش.
الميرزا القمي، أبو القاسم، قوانين الأصول، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، 1378هـ ش.
النائيني، محمد حسين، فوائد الأصول، قم، جامعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، 1376هـ ش.
Crompton, T. R. Determination of Organic Compounds in Natural and Treated Waters. Boca Raton, FL: CRC Press, 2000.
Gadamer, Hans-Georg. Philosophical Hermeneutics. Translated and edited by David E. Linge. Berkeley: University of California Press, 1976.
———. Truth and Method. 2nd revised ed. Translated by Joel Weinsheimer and Donald G. Marshall. New York: Continuum, 1989.
Görög, Sándor. Identification and Determination of Impurities in Drugs. Amsterdam: Elsevier Science, 2000.
Schutz, Bob E., Byron D. Tapley, and George H. Born. Statistical Orbit Determination. Amsterdam: Academic Press, 2004.
Searle, John R. Intentionality: An Essay in the Philosophy of Mind. Cambridge: Cambridge University Press, 1983.
———. Speech Acts: An Essay in the Philosophy of Language. Cambridge: Cambridge University Press, 1969.
Stouffer, E. B. “A Geometrical Determination of the Canonical Quadric of Wilczynski.” Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America 18, no. 3 (March 15, 1932): 252–255.