البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

((بعد الفضيلة)) للفيلسوف الأسكتلندي ألسدير ماكنتاير (نقد أخلاق الحداثة الناقصة)

الباحث :  قراءة وتحليل: خضر إبراهيم
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  4
السنة :  السنة الثانية - صيف 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 13 / 2016
عدد زيارات البحث :  2371
تحميل  ( 276.097 KB )
((بعد الفضيلة))
للفيلسوف الأسكتلندي ألسدير ماكنتاير
نقد أخلاق الحداثة الناقصة
قراءة وتحليل: خضر إبراهيم
فكرة تأليف هذا الكتاب ـ كما يقول مؤلفه الفيلسوف الاسكتلندي ألسدير ماكنتاير ـ نشأت من تفكير مليّ وطويل بعد صدور كتابه الاول حول الفلسفة الأخلاقية. كما نشأت من عدم الرضا المتزايد عنده حيال الفلسفة الأخلاقية كمنطقة بحث مستقلة ومنعزلة. الفكرة المركزية لأعماله السابقة مثل «تاريخ موجز للأخلاق»، و «العلمنة والتغيير الأخلاقي (1971)، كانت تتمثل في هدفه بأنّ يتعلم الناس من التاريخ والانثروبولوجيا مجمل أنواع الممارسات الأخلاقية والمعتقدات والمخططات الفكرية. لكن النقطة الأساسية في عمل المؤلِّف هي نقد الرأي القائل بأنّ الفيلسوف الأخلاقي يمكنه ان يبحث في المفاهيم الأخلاقية بمجرد التفكير بأسلوب الفيلسوف النظري، كما تعبر عنه مدرسة اكسفورد. فالمؤكد عنده ان طبيعة المجتمع الأخلاقي والحكم الأخلاقي في المجتمعات الحديثة هي من النوع الذي لا يكون ممكناً معه اللجوء إلى معايير أخلاقية بطريقة كانت ممكنة في أزمنة وأمكنة أخرى.
أما مصدر هذا التوجه غير التقليدي في منظومة ألستر ماكنتاير الفلسفية فترجع إلى تجربته الغنية في الحقل الأكاديمي والفكري. إذ عندما كان ماكنتاير مساهماً في تحرير مجلة «المفكر الجديد» (The New Reasoned) تركّز عمله الفكري على الرفض الأخلاقي للستالينية. فكثيرون ممن رفضوا الستالينية قاموا بذلك عبر العودة إلى توسل المذهب الليبرالي الذي نشأت الماركسية من نقده، إلاّ أنّه لم يجد مثل هذا المنهج سليماً في التصدي للاستبداد الستاليني. إذ أن الليبرالية على الرغم من طابعها النقدي للإستبداد، فإنّها في المقابل كانت تحتوي على استبداد من نوع آخر، يشكل في حقيقته نقضاً للفضيلة. وإذن، فإنّ المؤلف في رده على المواقف التي اتخذها المفكر الستاليني ليزك كولاكوفسكي يؤكد على عدم قدرة الإنسان ان ينعش الأخلاقي داخل الماركسية بمجرد اتخاذ وجهة نظر ستالينية عن التطور التاريخي، ويضيف أخلاقاً ليبرالية إليها (New Reasoner 7, p.100). وعلاوة على ذلك، فقد توصل إلى أنّ الماركسية ذاتها كانت تعاني من فقر أخلاقي خطير بسبب ما ورثته من المذهب الفردي الليبرالي، وكذلك بسبب افتراقها عن المذهب الليبرالي نفسه.
النتيجة التي توصَّل اليها المؤلف والمتجسدة في هذا الكتاب، هي ان نواقص الماركسية واخفاقاتها نشأت من المدى الذي تجسّدت فيه روح العالم التحديثي. إنّ هذه النتيجة المتطرفة والقاسية، لا تعود إلى معظم اولئك الذين توجه اليهم المؤلف بالنقد، مثل إريك جون، وج. م. كاميرون، وآلان ريان. كما إنّ اللوم في الوصول إلى تلك النتيجة يجب الا يعزى ـ كما يقول ـ إلى أصدقائه وزملائه مثل هاينز لوباز، وماركس، وارتوفسكي.. بل يرجع إلى استيعاب المؤلف ـ وبحكم كونه مفكراً أصيلاً ـ مجمل التراث الأخلاقي منذ اليونان وصولاً إلى عصور الحداثة.
محتوى الكتاب ومراميه
الى مقدمتَيْ المترجم المؤلف يضم الكتاب تسعة عشر فصلاً تناولت القضايا الأخلاقية في ابعادها المختلفة. ويمكننا ان نذكر مجموعة من هذه القضايا التي شكلت أبرز عناوين الفصول منها:
1ـ طبيعة الخلاف الأخلاقي اليوم ومزاعم المذهب العاطفي2 ـ المذهب العاطفي: المحتوى الإجتماعي والبيئة الاجتماعية 3ـ الثقافة السلفية ومشروع التنوير التسويغي للأخلاق 4ـ بعض نتائج إخفاق مشروع عصر التنوير 5ـ الحقيقة الواقعية، الشرح والخبرة 6ـ فضائل المجتمعات البطولية 7ـ الفضائل في أثينا 8ـ شرح أرسطو للفضائل 9ـ طبيعة الفضائل10ـ العدالة كفضيلة 11ـ بعد الفضيلة: نيتشه أو أرسو، تروتسكي.
هذه العناوين التي ذكرناها هي حصيلة من عدد من المبادئ استند اليها الفيلسوف ألسدير ماكنتاير (Alasdair Macintyre) لتأسيس نقاشاته، وتقييماته، وانتقاداته للفضيلة السائدة في زمنه وقبل زمنه، أي منذ ما بعد الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس، وهي:
1ـ مبدأ سوسيولوجي مفاده ان المجتمع قبل الفرد، فالمجتمع يحتل مرتبة الأولوية في الواقع وفي الاعتبار، في حين يحتل الفرد المرتبة الثانوية.
2ـ مبدأ تاريخي وقد دلَّ على أن الأخلاق تابعة للتاريخ، أو لها علاقة بالتاريخ، ففضائلها تتغير من زمن إلى زمن. فليس هناك فضائل أخلاقية مطلقة.
3ـ مبدأ غائي (Telos)، أي أن للفضائل غايات ترمي إليها وليست بالأمور الاعتباطية المتروكة للفرد أو الأفراد ونزواتهم وتقلّباتها.
4ـ مبدأ أخلاقي، وبالمعنى الدقيق، ومفاده، مصلحة المجتمع فوق كل مصلحة، وهو مبدأ أرسطو.
شكلت هذه المبادئ ما يشبه المطرقة النيتشوية والتي نزل بها ماكنتاير على الفلسفات الفردية من أولها إلى آخرها، وبخاصة بعد إخفاق مشروع عصر التنوير (Yhe Enlightenment).
وفي العودة إلى الميدان الأخلاقي، نستطيع القول أنّه وردت في مؤلفات أرسطو الأخلاقية والسياسية فكرة فيليا (Philia) أو المحبة التي عرفت في كتاب: السياسة ب أنّها «إرادة العيش معاً» فتكون النتيجة المباشرة لتعريف "فيليا" بتلك الطريقة هي اعتبارها واجتماعية الإنسان شيئاً واحداً. كما أننا نجد أرسطو في كتاب السياسة (Politics) يميز بين نمطين للحياة الانسانية، هما: العيش اي مجرد العيش وهو صفة القرية والمنزل، والحياة الجيدة التي هي صفة مجتمع المدينة وحده (Polis). في مجتمع المدينة تصير "فيليا" أكثر تعقيداً، فهنا نجد العدالة (وليس الحب المبني على القرابة، كما هو الحال في المنزل وفي القرية) هي الأقرب إلى مفهوم «فيليا».
أمّا في كتاب الأخلاق اليوديمية يذكر أرسطو أن فيليا والعدالة تشتملان على المساواة. فيضيف أرسطو «فيليا» ب أنّها عدالة خاصة، في حين يصفها في الأخلاق النيقوماخية بالقول إنّها تشبه العدالة. وفي الكتاتبين المذكورين كليهما قيل إنّ فيليا تتضمن العدالة. (راجع مقدمة المترجم ص7).
المراحل الثلاث للفضائل
تتحدد رؤية ماكنتاير للفضائل ضمن مراحل ثلاث وضعها على الشكل التالي: المرحلة الاولى تتعلق بالفضائل بوصفها صفات ضرورية لتحقيق الخيرات الداخلية في الممارسات، والثانية تعتبرها صفات تسهم في خير الحياة كلها، والمرحلة الثالثة تربطها بالسعي وراء خير الكائنات الإنسانية، وهو المفهوم الذي لا يمكن صياغته والحيازة عليه إلاّ من داخل التقليد الاجتماعي المستمر في التطورهناك فلاسفة آخرون انطلقوا من نظر في العواطف أو الرغبات أو من شرح مفهوم ما للواجب أو الخير. وفي الحالتين كان النقاش عرضة بأنّ تحكمه باستمرار نسخة ما من نسخ التمييز بين الوسائل والغايات الذي تبدو بحسبه جميع النشاطات الانسانية مملوكة كوسائل لغايات موجودة أو مقررة. أو هي ببساطة ذات قيمة في ذاتها، وربما في الاحتمالين كليهما. إنّ ما تبعده هذه البنية عن النظر ـ كما يكتب ماكنتاير ـ هو تلك الاشكال المستمرة من النشاط الانساني الذي يجب اكتشاف وإعادة اكتشاف الغايات والوسائل المطلوبة للسعي وراءها وطلبها، وبذلك هي تحجب مكانة الطرق التي بها تخلق تلك الأشكال من النشاطات غايات جديدة ومفاهيم جديدة للغايات. (ص524) على هذا الأساس يقول ماكنتاير إنّ أهمية الابتداء من الممارسات في أي بحث في الفضائل تفيد بأنّ ممارسة الفضائل ليست ذات قيمة بذاتها، وإنما لها قصد آخر وهدف نحن نقيم ونثمن الفضائل عبر إدراكنا ذلك القصد والهدف – فأنت لا تستطيع أن تكون شجاعاً أو عادلاً، أو أي شيء آخر، بمعنى حقيقي من دون الاهتمام بتلك الفضائل لذاتها. ومع ذلك، فإنّ للفضائل علاقة بالخيرات التي توفر لها قصداً وهدفاً إضافيين مثل علاقة مهارة من المهارات بالغايات التي تحدثها ممارستها الناجحة، أو مثل علاقة المهارة بأهداف رغباتنا التي ممارستها الناجمة تمكننا من الحيازة عليها. كان الفيلسوف كانط محقاً باعتباره الأمر الأخلاقي ليس بأمر صادر عن مهارة أو عن حكمة، كما عرفهما. أمّا الخطأ الذي اقترفه فتمثل في افتراضه أن البديل الوحيد الباقي هو الامر أو الواجب الأخلاقي المطلق. ومع ذلك تلك كانت النتيجة التي يمكن أن يصل إليها الانسان، من دون أي أسباب ومبررات إضافية كنية للقيام بذلك الأمر. ذلك، لأن الخيرات الموجودة داخل الممارسات، لا يمكن تحقيقها من دون ممارسة الفضائل. فالغايات التي يسعى اليها الإنسان وفي مناسبات معينة هي فضائل أو امتيازات يتغير مفهومنا لها مع الزمن كلّما تغيرت أهدافنا.
من العناصر المهمة لكتاب «بعد الفضيلة» أن مؤلفه ألستر ماكنتاير حرص على تضمينه مجموعة من الآراء النقدية العميقة لنظرياته. وذلك يدل على ان النسخة التي بين أيدينا هي الطبعة الثانية من الكتاب. حيث أن الانتقادات الواردة في الصفحات الأخيرة منه كانت حصيلة نقاشات وردود على الأفكار والنظريات التي تضمنتها الطبعة الأولى. في هذا النطاق يصرِّح ماكنتاير بالملاحظات التي ساقها عدد من النقاد حول كتابه، ثم يعيد تلخيصها على الشكل التالي:
لقد أشار عدد من النقاد إلى نواقص في السرد النقاشي الرئيسي لكتاب بعد الفضيلة. وأبرزها عدم البحث الكافي والوافي في علاقة التقليد الارسطي الخاص بالفضائل بديانة الكتاب المقدس. فقد كتب جيفري ستوت مقالة بعنوان: فضيلة بين الخرائب، وظهرت في Zeitschrift fûr Systematishe Theologie und Religions-philosophie، وحدد فيها بعض الآثار غير السارة، إلاّ أنّها تحمل أهمية كبيرة. فمنذ لحظة المجابهة بين ديانة الكتاب المقدس والمذهب الأرسطي تطلب السؤال جواباً عن العلاقة بين المطالب الخاصة بالفضائل الإنسانية ومطالب الناموس المقدس والوصايا السماوية. فكان ـ على المؤلف كما يصرح ـ إجراء تسوية بين ثيولوجيا الكتاب المقدس والمذهب الأرسطي، تفيد بأنّ الحياة المكونة بجزء رئيسي منها من إطاعة للناموس ستعرض عرضاً كاملاً تلك الفضائل التي من دونها لا يستطيع البشر أن يحققوا غايتهم (Telos). الأمر اللاّفت أن المؤلف يعترف بصوابية الكثير من الردود والمناقشات، باعتبار أنّها أغنت أفكاره ولم تقلل من أهميتها.
يعتبر كتاب «بعد الفضيلة» من الناحية النقدية ومن وجوه أخرى، كتاباً قيد الصنع. اي أنّه يستكمل بالنقاش والتفاعل النقدي. يقول ماكنتاير في هذا الصدد: إذا كنت أستطيع الآن ان أتابع القيام بهذا العمل فالفضل في هذا يعود إلى الطريقة النقدية التي اسهمت في إثراء الكتاب، والتي أسهم بها الكثير من الفلاسفة ـ والسوسيولوجيين والأنثروبولوجيين والمؤرخين».
لا حاجة لتكرار القول، إنّ الاطروحة الرئيسية لكتاب «بعد الفضيلة»، هي ان التقليد الأخلاقي الارسطي هو افضل مثلٍ في حوزتنا لأنّه يتميز بمقدار عالٍ من الثقة بمصادره الابستيمولوجية والأخلاقية. غير ان الدفاع التاريخي عن ارسطو لا بد له من ان يعتبره بعض النقاد المتشككين مغامرة متناقضة ودونكيشوتية غير عملية. والسبب أنّ ارسطو نفسه في شرحه للفضائل لم يكن مؤرخاً من اي نوع، بالرغم من ان بعض المؤرخين البارزين ومن بينهم فيكو وهيغل كانوا أرسطيين بمقدار ما.


الكتـاب: بعد الفضيلة ـ بحث في النظرية الأخلاقية.
المـؤلف: ألسدير ماكنتاير.
المترجم: حيدر حاج إسماعيل.
إصـدار: المنظمة العربية للترجمة ـ بيروت ـ 2013.