البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نحو نظرية كونية في القيم (قراءة في "مفهوم الخير الأخلاقي" عند بيري..)

الباحث :  أحمد عبد الحليم عطية
اسم المجلة :  الإستغراب
العدد :  4
السنة :  السنة الثانية - صيف 2016 م / 1437 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 12 / 2016
عدد زيارات البحث :  4021
تحميل  ( 307.997 KB )
نحو نظرية كونيّة في القيم
قراءة في "مفهوم الخير الأخلاقي" عند بيري..
أحمدعبد الحليم عطية[1][*]
تظل القيم محوراً أساسياً في حياة الإنسان المعاصر، وتبقى هي البديل الفلسفي الأخلاقي للعولمة التقنية والاقتصادية التي تسيطر على حياتنا اليوم. فما هي مكانة ودور القيم في عالمنا، وهل يمكن أن تقدم القيم الأخلاقية رؤية كونية للعالم المعاصر؟.
هذا السؤال المركّب سيكون مدار البحث الذي يسعى فيه المفكر المصري أحمد عبد الحليم عطية، إلى تقديم رؤية إبستمولوجية للقيم، كما يحاول الإجابة على إمكان بلورة نظرية معرفية على نطاق إنساني شامل حول القيم الحديثة وأخلاقياتها.
المحرر
فلسفة القيم أو «النظرية العامة للقيمة» ونعني بها القيم في الفلسفة الواقعية الجديدة الأميركية، التي ظهرت في بداية هذا القرن في كل من إنجلترا وأميركا. ولعل من أبرز ممثليها: مور، ورسل، والفرد نوراث وايتهد، وصمويل الكسندر، ولدى العديد من المدارس الواقعية في الولايات المتحدة. وهذه المدارس التي تدور مباحثها الفلسفية حول الابستمولوجيا وتحليل المعرفة الإنسانية. وإن كنا نجد لدى هؤلاء الواقعيين اهتماماً بالقيم، فلا بد لنا من أن نشير بصفة خاصة إلى النظرية العامة التي قدمها الفيلسوف الأميركي المعاصر رالف بارتون بيري (1876-1957) (R.B. Perry). وهذا الفيلسوف يُعد من أبرز أعضاء الواقعية الجديدة الأميركية، بما قدمه من كتابات في نظرية المعرفة الواقعية، وفي نظرية القيمة وفي الفلسفة الاجتماعية وفلسفة الحضارة التي طابق بينها وبين آفاق القيم. هي نظرية في الحضارة الإنسانيّة تبدأ من القيم العامة، وتنتهي بنظرية في الألوهية.
ولد بير في 3 يوليه 1876 في بولتمي في فرمونت بنيو انجلند، والتحق بجامعة برنستون. وقد حصل على الماجستير عام 1897 وعلى الدكتوراه 1889 من جامعة هارفارد، التي ظل يدرس بها منذ سنة 1902 حتى أحيل للتقاعد عام 1946. وقد شغل منذ البداية بالرد على المثالية وكان ذلك عام 1901 في مقالته «دحض الأستاذ رويس للواقعية والتعددية» وكوّن مع زملائه الواقعيين مجموعة نشرت بعد عدة اجتماعات مشتركة في يوليو 1910 ما أطلقوا عليه «البرنامج والبيان التأسيسي الأول لستة من فلاسفة الواقعية الجديدة» ولم يمض عامان على عملهم الأول حتى ظهر لنفس المجموعة مجلدهم المشترك الثاني «الواقعية الجديدة: دراسات تعاونية في الفلسفة» في يوليو 1912 الذي كان بداية معرفتهم في دوائر الفلسفة بهذا الاسم. وألقى محاضرات جيفورد للدين الطبيعي بجلاسجو عامي 47 / 1948 ومن دروسه فيها قدم كتابه «آفاق القيمة» Realms of Value عام 1950 الذي يمثل مع كتاب «النظرية العامة للقيمة»، نظريته التجريبية البارزة في الفكر الأميركي في مجال القيم والتي تمثل إسهام الواقعية الجديدة في القيم. وصدر «إنسانيّة الإنسان» 1956، وظل يحمل لقب أستاذ الفلسفة الفخري لكرسي إدغار بيرس طوال حياته حتى توفي في كبرديج في 22 يناير 1957.
وقد تعددت إسهامات بيري في الفلسفة وتاريخ الفكر الأميركي، لكن هذا لم يمنعه من المشاركة في الحياة العامة والاهتمام بالقضايا الاجتماعية، ونستطيع أن نتبين ثلاث اتجاهات أساسية تدور حولها كتاباته: الأول هو اتجاه تكنيكي أكاديمي في الفلسفة تمثل في الواقعية الجديدة ونظرية القيمة، والثاني دراسات تتعلق بالفكر الأميركي، والثالث كتاباته عامة اجتماعية تتناول قضايا الديمقراطية[2].
ويتمسك بيري بأنّ الفلسفة تنبع من اهتمامات إنسانيّة أساسية، فالحياة هي نقطة البداية. والفلسفة حتى بالنسبة إلى أكثر النقاط الفنية العميقة الخاصة بها تنغمس في الحياة وشديدة التعلق بها بدرجة لا يمكن فصلها بإشباع الحاجات وحل المشاكل العملية[3]. ويتضح هذا المفهوم، الذي يربط الفلسفة بالاهتمامات الإنسانية ـ وهو تعريف له دلالاته – في كتابه «الصراع الراهن للأفكار» حيث ركز على النتائج الأخلاقية والسياسية والدينية للفلسفات المختلفة، فهذا الكتاب «دراسة للخلفية الفلسفية للحرب العالمية» ففي مقدمة «النظرية العامة للقيمة» ينطلق بيري من الحياة كنقطة بداية لكل من الفلسفة والقيم. ويؤكد ريك أن بيري في ربطه بين الفلسفة والحياة مدين كثيراً إلى فلسفات الحياة Lebenc philosophic التي ازدهرت في نهاية القرن التاسع عشر[4] فالحياة كما يقول بيري، في جوهرها الأكثر عمقاً تتعلق طبيعياً وعضوياً بالفكر، ومثل هذا الفكر ونتائجه هو الفلسفة[5].
الواقعية الأخلاقية الجديدة
ومن خلال هذا الفهم للفلسفة وبناء على ربطه إياها بالاهتمامات الإنسانية فقد وجه انتقاداته إلى كل الاتجاهات المخالفة له، ورغم انتقاده لكل من البراجماتية والوضعية والمادية، فقد حظيت المثالية باهتمام شديد يتناسب مع قوة ممثليها في هذا الحين.
ويحدد بيري موقف الفيلسوف الواقعي الجديد من العلاقة بين العلم والفلسفة في سياق تمييز موقفه من المثالية، بقوله: «إنّ الواقعي يأمل أن يصبح الفلاسفة كالعلماء يتحدثون لغة عامة ويشكلون مشاكل عامة ويلجئون إلى دائرة عامة من الحقيقة بحثاً عن الحلول الخاصة بهم، وعلاوة على ذلك فهو يأمل أن يتخلص من المنولوج الفلسفي ومن الشعر الوجداني والكيفية الانطباعية للتفلسف. وكل ما يهمه هو أن تصبح الفلسفة نمطاً من المعرفة، وليست أغنية أو صلاة أو حلم، وعلى هذا فهو يقترح أن تعتمد بدرجة أقل على الحدس وبدرجة أكثر على الملاحظة والتحليل، «وهو يدرك أن وظيفته في التحليل الأخير مثل وظيفة العالم فهناك عالم خارج يكتنفه الظلام ومن المهم أن نضيئه كلّما كان ذلك ممكناً»[6].
وتعد الواقعية الجديدة ونظرية المعرفة عند بيري نقطة بداية ومدخلا نظرياً لاهتمامات متعددة في مجال الأخلاق والسياسة والقيم والحضارة البشرية عامة[7]. بل إنّ كتابات بيري في القضايا العملية تفوق في كثرتها ما كتبه في المسائل النظرية. وقد استمرت نظرية بيري في القيمة ووجدت امتداداً لها لدى بعض زملائه وتلاميذه الذين اتخذوا منها أساساً لدراستهم وطوروها كما تظهر على سبيل المثال في أبحاث ودراسات ستفنس بيبير[8] وس. تولمان، وهكذا تتعيَّن النتائج الأخلاقية والدينية الواقعية الجديدة ونظرياتها في المعرفة في أنّها: فردية، ديمقراطية، وذات نزعة إنسانيّة في أخلاقها، وهي تعتقد في وجود الله. ومصلحة في الديانة الخاصة بها، وهي ترفض الأوهام، ويقظة، تميز الخير عن الشر وتحاول الارتقاء به[9].
والواقعية الجديدة قريبة من الحياة، فهي تربط «مدينة المستقبل» بالآمال الحاضرة وبكفاح الجنس البشري. ولكي يوضح بيري ذلك يستعين بنص لويلز Walls ـ نقتبسه هنا ـ ليحدد ما يدعوه بـ «مملكة العالم الخاصة بالآله».
«تكون هذه المملكة نشاطاً سلبياً متساوي في الدرجة لكل الجنس البشري نحو غايات مقدسة معينة. وهذه الغايات كما ندركها هي: أولاً المحافظة على الحياة البشرية، ثانياً: استكشاف الوجود الخارجي للطبيعة كما هي، وكما كانت أي التاريخ والعلم، وثالثاً: ذلك الاستكشاف للإمكانية الإنسانية والتي هي الفن. رابعاً: توضيح الفكر والمعرفة الذي هو الفلسفة. وأخيراً التوسع التدريجي والتطور الخاص بالحياة السلالية تحت هذه الأضواء حتى يمكن للرب من أن يعمل عبر مجموعة أفضل باستمرار من الإنسانية، وعبر عقول مهيئة بطريقة أفضل حتى يزداد هو وسلالتنا إلى الأبد. ونعمل إلى ما لا نهاية نحو تطوير قوى الحياة وقهر القوى العمياء للمادة خلال أعماق الفضاء. والاله غير المنظور[10].
لقد كانت دراسة «القيمة» تعد مبدأ أساسياً في الاقتصاد، وظهرت نظريات عديدة تبحث في طبيعتها، إلاّ أنّها لم تعرف علمياً إلاّ في القرن التاسع عشر كواحد من المواضيع الفلسفية الأصيلة. صحيح أن الفلاسفة قد ناقشوا منذ القدم موضوعات مثل الخير والحق والفضيلة والعدالة والجميل والصادق، إلاّ أنّ تصور القيم لم يتضح إلاّ في الفلسفة المعاصرة حيث صار يشغل منزلة الصدارة بين موضوعات الفلسفة من حيث الأهمية. وكما يقول الفيلسوف الأميركي المعاصر ولبر ايريان (1873-1952) (W.M. Uurban) وهو من أوائل الباحثين في نظرية القيمة المعاصرة: «نادراً ما كان هناك في تاريخ الفكر وقت شغلت فيه القيمة مكان الصدارة بهذا الشكل مثل الوقت الحالي». وهو يرى أن التغير الأساسي في القيم الفعلية للجنس البشري أو ما يطلق عليه «الأخلاق القلقة الخاصة بنا» قد خلق ما يمكن أن يوصف بالتغير التدريجي لمركز الجاذبية الفلسفي من مشكلة المعرفة إلى مشكلة القيم. بل أن مشكلة المعرفة ذاتها في بعض الميادين قد أصبحت مشكلة للقيمة»[11]. والأسباب التاريخية لهذا التغير في المواقف واضحة تماماً وهي تبدو في الانتقال من العقلانية إلى الإرادية، والنظام القاسي للروح البشرية الذي يبدو في التطبيق الكلي لمفاهيم النشوء والصراع من أجل الوجود. هذا التغير التدريجي يجيء من دعوة نيتشه إلى إعادة تقييم القيم[12].
والإتجاه الذي يرمي إلى خلق مجال جديد للقيم يرجع إلى الفلسفة الألمانية. حيث يعد الأب المؤسس لحركة القيمة في الفلسفة الحديثة هو ردولف هرمان لوطزه (1781-1871)، الذي يعد أول من حلل القيمة من الناحية الفلسفية، لأنّه ارتأى أنّ نقطة البداية في الميتافيزيقا هي الأخلاق. وشاركه في هذه الجهود زميله اللاهوتي ريتشل في مؤلفه «الدفاع عن المسيحية»، ثم تابع الفلاسفة الألمان جهودهم في هذا المجال. ونستطيع أن نتبين أن التطور اللاحق في نظرية القيمة يرجع إلى اتجاهين أساسيين ظهرا فيما يسمى بالمدرسة الألمانية (النمساوية) الأولى والثانية. الأولى هي المدرسة الاقتصادية التي تضم المتخصصين في القيمة الاقتصادية أمثال مانجر وفون وايزر، وفون بوهيم بافريك[13]والمدرسة الألمانية الثانية في القيمة (المدرسة الفلسفية) تشمل: برتنانو، وكلا من اهرنفلس، مينونيج، وأيضاً تلاميذ مينونيج: أوسكار كرواس، وارنست ميلي الذين بحثوا القيمة بمعناها الفلسفي العام بتأثير من أسلافهم السابقين[14]. وبالإضافة إلى هؤلاء هناك مدرسة بادن الكانطية الجديدة، التي أسسها فيلهلم فندلباند (1848-1915)، وريكرت، وتطورت لدى هوجو منستربرج. وقد أثرت المدرسة الألمانية للقيمة في الفلاسفة الأميركيين باتجاهها نحو إيجاد نظرية عامة للقيمة، واتضح هذا التأثير لدى كل من بيري وباركر وايربان.
تلبي نظرية بيري العامة في القيمة هذا المطلب المعاصر بدافعيه «فقد كانت إحدى الإنجازات الجوهرية في النزعة الواقعية الجديدة الأميركية، والتي كانت قادرة على أن تواجه مواجهة فعالة الأخلاق الثابتة المتعارف عليها»[15] وفي هذا يقول جون ليرد «إن بيري استطاع أن يظهر أن التحول التاريخي في قيمنا» يعتمد على تكوّن ونشوء وتغير الاهتمام وعلى تغيّر ونمو أهداف المجتمعات البشرية[16] وعلى هذا تعد نظرية بيري في القيمة امتداداً لموقفه الواقعي الجديد وتجيء متسقة معه فقد انتقل من واقعية التكنيكية إلى واقعية عملية ونجد التقاء هذين النوعين في نظريته العامة للقيمة[17].
نظرية القيمة
وإذا كان هناك من الشراح من يعتبرون نظريته في القيمة هي الأساس لنظرية أكثر شمولاً للحضارة الإنسانية. ويستدلون على ذلك بأنه في الفقرة الختامية للنظرية العامة في القيمة قد نظر وراء تعاريف القيمة الشاملة ومقاييس القيمة المقارنة ووعد باستخدام هذه المبادئ لتصحيح الحدود وإقامة نظام بين مجالاتها الموثوق بها تاريخياً، فإنّ هذه الخاتمة لم تظهر حتى عام 1954 عندما نشر «أفاق القيمة»، وهي كما ينص عنوانها الرئيسي دراسة نقدية للحضارة البشرية على ضوء نظرية الاهتمام وفيها تبدو الحاجة عاجلة لدراسة نقدية للحضارة[18].
هذا التفسير لنظرية القيمة، والذي يطابق بينها وبين مجالات الحضارة البشرية يؤكد مفهوم التكامل لدى بيري، الذي يتضح في الوحدة العضوية بين كل من النظرية العامة و«آفاق القيمة»، أي بين النظرية والتطبيق. ففي تقديمه للنظرية العامة يقول: «هذا العمل له امتداداً فيما اسميته بمجال آفاق القيمة الذي تناولت فيه مختلف الأنماط للقيمة، أمّا هنا فقد حددت معنى القيمة، ووضعت مبادئها الأساسية»[19]. وتأكيداً للتكامل بين هذين العملين قال في مقدمة «آفاق القيمة»: بعد أن ناقشت الطبيعة العامة للقيمة، وأوضحت المبادئ التي تحدد أنواعها وتغيراتها الفجائية في عوالمها الحقيقية يكون الجهد الحالي الذي أقدمه الآن هو الجهد المتمم الصحيح لعملي هذا»[20]. وهذا ما جعل البعض يؤكد أن بيري يصيغ مفهومه عن القيمة على أنّها موضوع للاهتمام بعد 28 عاماً في آفاق القيمة حيث عبر عن نفسه باصطلاحات أعاد فيها تأكيد صياغته السابقة[21]. وبالتالي فنحن نستطيع من خلال كتاباته المختلفة في القيم والتي جاءت تاريخياً بعد واقعيته الجديدة أن نحدد الخطوط العريضة للنظرية التكاملية في القيمة لديه.
وكتابات بيري في فلسفة القيم متعددة فبالإضافة إلى عمليه الأساسيين «النظرية العامة في القيمة» 1926، و«آفاق القيمة» 1954، نجد أيضاً عمله المبكر «الاقتصاد الأخلاقي» 1909 وهو توسيع للموضوع الأساسي الموجود في مقال له بعنوان «تصور الخير الأخلاقي» المنشور في المجلة الفلسفية 1907 وأيضاً مقاليه «البحث عن الالتزام الأخلاقي» في المجلة الدولية للأخلاق 1911، و«تعريف القيمة» في مجلة الفلسفة وعلم النفس والمنهج العلمي 1914، اللذان يحملان نفس المفهوم الأساسي لنظرية القيمة الشائعة في كتاباته كلها. وبالإضافة إلى هذه الأعمال المبكرة التي حدد فيها بيري مفهومه للقيمة هناك مقالات أخرى مثل «القيمة الدينية»[22] وأيضا «القيمة باعتبارها صفة موضوعية» مجلة الفلسفة 1931 و«القيمة من حيث هي قيمة»، ومقالته عن «أفكار وأخطاء الوعي» وأيضاً «القيمة الحقيقية والقيمة الظاهرة»[23]، «القيمة الاقتصادية والقيمة الأخلاقية»[24] وهذه الأعمال تحدد الخطوط العريضة لطبيعة عمل بيري في القيم.
ونظرية القيمة بمفهومها العام هذا برنامج جرئ، ذو هدف سام، لا يمكن التصدى له دون التنبيه لما فيه من تعقيد، فهو يتطلب من الفيلسوف أن يدخل ميادين قد أدلى فيها المتخصصون بأقوالهم. ويجد نفسه هاوياً بين المحترفين لا يأمل أن يقوم بعملهم المتخصص أفضل مما فعلوه.لكنّه يدمج نتائجهم مضيفاً إليها بعض العلاقات مستخلصاً منها النتائج. وحين يقوم بهذا الدور يكون أشد وعياً بصعوبته[25].
وبالإضافة إلى هذه العلوم الخاصة بالقيمة يضيف بيري علوماً أخرى معطياً الأولوية لنظرية المعرفة. وبعد أن يتحدث عن الأخلاق والسياسة والاقتصاد وعلم الجمال؛ يتحدث عن فلسفة الدين.يقول: «إنّه في كل فروع المعرفة فإنّ فلسفة الدين هي أهم ما تعتمد عليه نظرية عامة للقيمة، فالدين يتعامل مع القيم سواسية، وهو في هذا يتعامل مع القيم كقوة عليا مستمدة من الله وهي المرجع للوجود كله والدين ليس عنصراً خاصاً منفرداً للقيمة بل هو يعمل كإطار لكل القيم[26] فالأديان السماوية المنزلة إلى الإنسانيّة في إطار نظريّة أو عقيدة التوحيد جاءت كلها لتؤكد حرية الإنسان وكرامته وعزته وقاومت الظلم والعدوان عليه وأعلنت حقوقه كلها. حيث نادت باستقلاله عن الضغوط التي تزهق أنفاسه وتشعره بالقهر والتسلط والإذلال والمهانة سواء كانت ضغوطاً خارجية أو داخلية تحد من حريته وتفقده التحكم في مبادراته وتحيطه بالأغلال»[27] وهذا هو مجال القيم.
وقد اختلف الباحثون بصدد القيمة الدينية، فمنهم من رآها نمطاً فريداً من القيم مثل شليرماخر 1834 وماكس أوتو 1876 ومنهم من رآها مزجاً منهما معا كهوكنج (1873-1932) وفي النهاية هناك رأي أكثر الباحثين (ومنهم بيري) الذي يرى أن وظيفة الدين هي المحافظة على القيم[28] وهذا النوع من القيم بدأت دراسته مبكراً على يد اللاهوتي ريتشل في مؤلفه «الدفاع عن المسيحية»، وتبعه في ذلك كثيرون. حتى إننا نجد لدى بيري في نهاية الفصل الثاني والعشرين من النظرية العامة للقيمة تناولاً للخير الأقصى يبدو فيه بيري كأنه يقدم نظرية في الدين أو اللالوهية[29].
المهمة الأساسية بالنسبة لنظرية القيمة، هي تعريف مفهوم القيمة. أي إعطاء تحديد عام يشمل كل أشكال وأنواع القيمة. فإذا كان هدف كل متخصص في أي علم من العلوم هو أن يسعى لتحديد مصطلحات علمه الخاص بدقة. فإنّ الفيلسوف الذي يختص بالأكسيولوجي مهمته تحديد كلمة value التي تعد المحور الأساسي لاهتمامه، أو هي المصطلح الذي ينبغي أن يحدد له معناه الدقيق[30]. بشكل أكثر دقة من الاستخدام الشائع لدى غير المتخصصين.
عرفت نظرية بيري في القيمة على أنّها نظرية في الاهتمام[31]. فالاهتمام هو المصدر الأساسي والسمة الدائمة لكل قيمة، فأّ موضوع يكتسب قيمة عندما يستوعب جلَّ الإهتمامات فمهما كان الاهتمام فهو في حقيقته قيمة. ويمكن لأي موضوع محايد أن يصبح قيماً في الحالة التي يعبر فيها الشخص عن الاهتمام به[32]. وهو يحدد تعريفه على الشكل التالي:
«الشيء أيُّ شيء له قيمة أو يعد قيّماً في المعنى الأساسي الشامل عندما يكون موضوع اهتمام. وأي موضوع للاهتمام فهو بالتالي قيم بذاته، ويمكن صياغة هذا التعريف في المعادلة الرياضية التالية س لها قيمة = هناك اهتمام بـ س. فإذا كان أي موضوع يكتسب قيمة حينما يكون لنا اهتماماً به بصرف النظر عن نوع هذا الاهتمام، فهذا يعني ازدياد القيمة بازدياد الاهتمام، فعندما تكون هناك موضوعات أكثر قيمة من غيرها فمرجع هذا إلى أن الاهتمام الموجه إليها أكثر من ذلك الموجه إلى غيرها.
ونظراً لأن الاهتمام مكون للقيمة في معناها الأساسي، فإنّ نظرية القيمة سوف تتخذ منه نقطة بدايتها. وسوف تصنف القيم المختلفة باصطلاحات الأشكال المختلفة للاهتمامات ومواضعيها. والحقيقة أنّ عزو القيمة إلى الاهتمام له ما يُبرِّره في حقيقة أن حياة الإنسانية الوجدانية الحركية والتي ينطبق عليها اصطلاح الاهتمام تقوم بالعمل في كل المواقف الخاصة بالقيمة[33]. فالقيم تعتبر وظائف معينة خاصة بالكائن الحي، وهو ما يطلق عليه بيري اسم الاهتمام.
وتعريف بيري للاهتمام في إطار «مواقف الحياة الوجدانية الحركية» يقترب من رأى برال D. W. Pral في كتابه «دراسة في نظرية القيمة» الذي يقول فيه : «يقال للشيء أن لديه قيمة حقاً في حالة إذا ما كان موضوعاً للاستجابة «الوجدانية المحركة» التي نسميها كائناً مهتماً به إيجابياً أم سلبياً»[34].
يتكون الاهتمام عند بيري من مجموعة من الخصائص تمثل الوعي بمظاهره المختلفة: الإدراك والنزوع والوجدان. وهي تقابل الشعور والجهد والمعرفة. أولاها الخاصية السيكولوجية، ويقصد بها اهتمام نظرية بيري بجانب الوجدان والشعور لدى الكائن البشرى مقابل النظريات المعاصرة الأخرى التي تمد مفهوم القيمة ليشمل الكائنات في الكون كما نجد ذلك لدى الكسندر وليرد.
إنّ تعريف بيري للاهتمام يوضح خاصية أساسية وهي النزوع. فهذا التعريف يظهر فكرة السعي أو المجهود الحركي الذي يبذل لبلوغ هدف معين، حيث تمثل القيم وظيفة للسعي والكفاح. فهو ينطلق من فاعلية الفاعل وهي ظاهرة طبيعية ونفسية واجتماعية والنظريات النزوعية التي تدرج داخلها نظرية بيري يحدد ريمون رويه سماتها العامة على الوجه التالي «ليست القيمة صفة خاصة بالأشياء «الحقيقية أو المثالية» تنبعث في أنا الفاعل اهتماماً أو ميلاً أو رغبة أو تعاطفاً واستحساناً أو تحبيذاً بل القيمة هي نزعتي أو عاطفتي، أنّها ظاهرة أولية تتيح لنا الكلام على قيمة الشيء الذي تنطلق إليه هذه النزعة أو العاطفية[35].
يؤكد بيري أن السمة الأساسية في الاهتمام وبالتالي القيمة هي السمة الإدراكية فتفسير القيمة بالاهتمام يتطلب أن يكون للاهتمام هدف أو مقصد، لأن موضوع الاهتمام هو الذي يحكم عليه بأنّ له قيمة، وحتى يتضح ذلك بنبغي البحث في دور الإدراك في الاهتمام، «إنّ الإدراك هو الذي يعطي الاهتمام موضوعه» وعند بيري «صفة موضوع الاهتمام هي في جوهرها صفة موضوع المعرفة نفسها»[36] والارتباط بينهما يجعل من المستحيل تناول أحدهما دون الآخر: «وتوضيح الحقيقة الظاهره لاعتماد الاهتمام على المعرفة يوضح استحالة مناقشة إحدهما دون الآخر»[37].
تصنيف القيم
تعريف القيمة لا يتناول فقط معنى القيمةلكنّه يتناول أيضاً القيمة المقارنة Comparative ليس معنى القيمة لكن تدرجها Grading وعلوها وتسلسلها مراتب القيم Ranking والحكم النقدي عليها. «فالناس يهتمون بما يدعونه لقيمهم من علو، أكثر من اهتمامهم بقيمهم ذاتها، وما تنادي به الشرائع والأديان وتتمسك به ليس هو الخير لكن الخير الأقصى»[38].
وهي ما يطلق عليه «تصنيف القيم». وقد بذلت محاولات متعددة في بيان تلك المشكلة الأساسية المتعلقة بمكانة «الخير». وذلك بتصنيف القيم إلى معايير، وهي تتخذ شكل سلسلة من الأزواج المتقابلة كالقيم الكامنة مقابل الدنيا والقيم الوسيليّة، والقيم العليا مقابل القيم الثابتة بتحليل مختلف أنواع القيم يمكن ترتيب الأشياء الخيرة في سلم متدرج. وفي هذه الحالة توضع الأشياء الأكثر اشتمالاً في مكانة تعلو على الأقل اشتمالاً، ويتغلب الأعلى على الأدنى، والدائم على العابر، والأهم من ذلك وضع الكامن قبل الوسيلي. ويتضح من ذلك أن معظم الأشياء التي نسميها «خير» لا يكون لها قيمة إلاّ من حيث هي وسيلة «لخير» أشمل منها وهذا بدوره يتبين أنّه ليس إلاّ وسيلة لآخر أبعد مدى. وهكذا يكون لدينا سلم متدرج من القيم ولابد من أن تكون هناك قيمة من نوع ما حتى نصل إلى مفهوم القيمة العليا أو الخير الأسمى. وتحقيق هذا الخير يغدو إلى حد بعيد تنظيماً لكل القيم والاهتمامات الأخرى في صلتها ببعضها البعض. التي تنتج من تنظيم منسجم للاهتمامات يطلق عليها بيري اسم السعادة التوافقية[39].
وكي يتبين معنى الانسجام أو «السعادة التوافقية» يعرض بيري لأنواع الاهتمامات وتكاملها، حيث لا يظهر التوافق إلاّ من تكامل الاهتمامات المختلفة. وإذا كان بيري يستخدم الاهتمام ليُفّسِّر به القيمة. فيجب بالتالي تحديد الأنواع المختلفة من الاهتمام التي تحدد بدورها أنواع القيمة. والاهتمام الأساسي بينهما هو الاهتمام الفطري، الذي يعني الاهتمام الأصلي مقابل المكتسب. وهناك أيضاً الاهتمام المتقدم، وهو ضد الأقل تقدماً، وليس ضد الفطري. ويشير لفظ الفطري، «متقدم» إلى «مبكر» متأخر في نظام من التقدم أو الزمن العقلي. وعلى ذلك فكل الاهتمامات حتى الأصيلة منها متقدمة في التطور البيولوجي.
وإذا كان الاهتمام هو ما يميز القيمة فهناك كثيراً من الحالات ليست اهتماماً، بل «شبه اهتمام» «فقد توجد أوصاف مختلفة تتضمن نقصاً في الاهتمام مثل الكمون، والإمكانية، والوجود الواهي الزائف للاهتمامات وعلى هذا يمكن أن نعدد الأنواع المختلفة للاهتمامات بدأ بأقلها مرتبة حتى أكملها على الشكل التالي.
1 – الاهتمامات كامنة أو مستترة. وأسباب اختفاء الاهتمامات قد يكون التعب، عدم المناسبة للظهور، قصور مدى الوعي، لكنّها مع ذلك موجودة كميول واستعدادات تؤخذ في الحسبان لحظة صحوها»[40].
2 – الاهتمامات اللاواعية، والدوافع الخفية، وهي أيضا كامنة.
-3 الاهتمام العابث ويتصل بالاهتمام الإمكاني اتصالا وثيقاً.
-4 قد توصف الاهتمامات ب أنّها غير حقيقية أو معدومة، أو زائفة.
-5 الاهتمامات طويلة الأجل والاهتمامات المتبادلة.
-6 الاهتمام السلبي والإيجابي وهي خاضعة لتغير ظروف التحقيق أو عدم التحقيق وظروف النجاح والفشل.
-7 والاهتمامات إمّا مستقلة أو تابعة. والتبعيّة هنا تكمن في أنّ الاهتمام يوجد من أجل اهتمام آخر.
-8 الاهتمامات الشخصية والاجتماعية.
-9 الاهتمامات العليا والدنيا، ويمكن ترتيب الاهتمامات والمصالح على نحو تدرجي بحيث يعطي معنى للقيم العليا والسفلي، الأسمى والأدنى، وليس هناك ترتيب واحد بحيث يكون الخير الأسمى أسمى دائما وفي كل الأوقات وفي جميع الحالات.
-10 الاهتمامات المتضاربة والمتناسقة: وإذا كانت الاهتمامات ترتقي في هرم تصاعدى وصولاً للخير الأقصي، أي السعادة التوافقية،فهذا لن يتم إلاّ من خلال علاقات الاهتمامات المتبادلة. وأوضح علاقتين: هما «التنافر»، «التناسق» وتتنافر الاهتمامات أو تتصادم في معنيين أحدهما التناقض، والثانى الاختلاف.
وبعد تناولنا لأنواع الاهتمام نتحدث عن تكامل الاهتمامات. فالاهتمامات تكون بمعنى ما مشتركة أو مرتبطة، يقول بيرى: «عند تحليل صيغ مركبات الاهتمام، فنحن نقوم بوصف صيغ التكامل»[41] وهنا يظهر السؤال: ما هي هذه الصيغ أو العلاقة التي تقوم بين اهتمام وآخر أو بين مجموعة من الاهتمامات؟ والاهتمامات عند بيري يمكن أن تتكامل وتنسجم، أو أن تتصارع وتتنافر.
وعلى ذلك هناك حقيقتين أساسيتين لنظرية القيمة هما:
-1 إنّ الاهتمامات تكون منسجمة، ومستقرة،وودية، ومعضدة أو متحالفة ويمكن الإصطلاح على أنّها هرمونية أو توافقية.
-2 غير منسجمة، وعدائية أو متقابلة، تواجه بعضها بعض أي متصارعة. وعلى هذا تكون المشكلة الرئيسية للتكامل هي تحقيق الانسجام بدلاً من الصراع[42]. وهذا هو مبدأ الخير الأقصى.
وعلى ذلك فهناك ضروب للاهتمام تختلف حسب موضوع كل منها. فموضوع الاهتمام الإيجابي أحسن وأكثر خيراً من موضوع الاهتمام السلبي، أو عدم المبالاة، وكذلك بالنسبة لموضوع الاهتمام السلبي فهو أسوأ من اهتمام إيجابي أو عدم المبالاة، لكن هذه الحقائق لا تلقي الضوء على مقارنة خيراً بخير أو شر بشر، لذا علينا كما فعل بيري أن نقوم بالبحث في الطرق التي بواسطتها يمكن المقارنة بين اهتمام إيجابي واهتمام إيجابي آخر، واهتمام سلبي واهتمام سلبي آخر[43].
ويؤكد بيري دراسته لهذه الناحية باقتباس نص من الكتاب الذهبي لماركوس أوريليوس يقول فيه: «إننى أقول قولاً حراً مطلقاً هو أنّنا ينبغي علينا أن نختار الأحسن ونتمسك به، وقولهم الأحسن أو الأفضل، أي الأكثر نفعاً Prafitable. وإذا كانوا يعنون بالنفع ذلك الذي ينفع الإنسان كإنسان عاقل فتمسك به، أمّا إذا كانوا يعنون النافع له كمخلوق فنبذه تماماً [44].
ويقدم بيري في نظريته نموذجاً عملياً لطرق قياس الاهتمام وبالتالي القيمة وذلك مقابل إتجاه من ينكرون إمكانية قياس القيم من التحليلين والوضعيين المناطقة، وذلك على الشكل التالي: تكون قيمة ما أعظم من قيمة أخرى، بمعنى أنّ بعض الاصطلاحات تكمن وراء اصطلاحات أخرى في نظام تسلسلي، وأيضاً بمعنى أن الكل يتفوق على أي جزء من الأجزاء التي يكونها، وتعطي العلاقات التي من هذا النمط معنى لأشكال التفضيل وأفعال التفضيل الخاصة بالصفات، وعلينا بالتالي «بدلاً من أن نجادل في مسألة هل القيم كميّة ويمكن قياسها، أن نبحث عن اكتشاف المعنى المحدد الذي تكون فيه القيم كميّة وقياسيّة آملين بهذه الطريقة ليس فقط أن ندرس شيئاً بخصوص القيم، ولكن أيضاً أن نوسع معنى الكم والقياس»[45].
والصعوبة التي يمكن أن يثيرها تقدير وقياس القيم لا تقع في عدم قابليتها للقياس ولكن في قابليتها له. وتوجد معان مختلفة تجعل الحديث الأكثر والأقل شيئاً ذا مغزى؛ ذلك لأن التفضيل، والشدة، القوة، والاستمرار، والعدد، والاستنارة وشمول الاهتمام كلها أشكال من المقارنة مشروعة ومعروفة، ويمكن اعتمادها كمقاييس للمقارنة.
ويذكر بيري مقاييس متعددة للقيمة المقارنة:
1 – الحدّة (الشدّة) Intensity
2 – المفاضلة أو التفضيل Preference
3 – الاشتمال (الاحتواء) Inclusiveness
وهذه المبادئ «مستقلة» بمعنى أنّه لا يمكن رد بعضها إلى البعض الآخر فهي ترتبط بمدارس خاصة من الفكر. الحدّة ترتبط بمذهب اللذّة، والمفاضلة بمذهب الإنسانيّة، والاشتمال بمذهب تحقيق الذات الأخلاقي.
-1 الشدة: وهو قياس لقيمة الاهتمام باصطلاحات مقدرة الشيء على خلق إيقاظ أو إثارة الاهتمام. ويوضح لنا بيري هذا المعيار على أساس أن درجة إثارة الاهتمام؛ هي الدرجة التي يكتسب فيها سيطرته على الجسم ككل.
-2 التفضيل: هناك دوما ترتيب تصاعدي للموضوعات يتمثل في خط يمتد من الحد الأدنى المفضول ويتدرج حتى الحد الأقصى المفضل (على غيره) ونظراً لأنّ هذه المقارنة لا تختلطب بالحدّة، فيمكن القول بوجود اهتمام أكبر بالمفضل عن المفضول، فالتفضيل «هو أوضح مثال للمقارنة داخل نطاق اهتمام واحد» يعطي معنى للأحسن والأسوأ مثلما تفعل الحدّة، والقوّة والاستمرار، والعدد، والمعرفة والشمول».
والتفضيل عند بيري مبني على الخبرة العقلية وهو يتفق مع برال في الربط بين القيمة والتفضيل. وطالما أنّ التفضيل أو عدم التفضيل هو موضوع لإتجاه ذو تأثير حركي في الموضوع يعتبر ضرورياً لوجود القيمة، وكما يقول ليرد «بالنسبة لنظرية بيري ـ برال فإنّ وعيهما المشترك وتفضيلهما هو شيء ضروري بالنسبة لأية عملية تقيم»[46].إن التفضيل أساس القيمة بل إنّه لدى البعض هو ما يجعل القيِّم قيِّماً كما لدى ثورنديك الذي يرى أن القيم تفضيلات. وعند بيري التفضيل بالإدراك والتوقع، وهو يمثل مستوى مهم من مستويات المقارنة، إلاّ أنّه ليس المستوى الوحيد كما عرفنا.
ولا يكتفي بيري في نظريته في القيمة بالمقارنة بين هذين المستويين من مستويات قياس القيم بلإنّه يصعد في سلم المقارنة حتى يصل إلى الخير الأقصى وذلك بأنّ يقدم لنا معياراً أهم هو: معيار الشمول inolusveness ويستشهد بمعيار الشمول في حالة حدوث تداخل في الاهتمامات أي عندما يشترك عدد من الأشخاص في اهتمامات عديدة: ومعيار الشمول يعني التحام وتداخل الاهتمامات وهو الحالة التي يضاف فيها الاهتمام إلى الاهتمام في المواضيع نفسها. وتقوم هذه المواضيع باشتقاق قيمة متزايدة من جملة الاهتمامات الداخلة فيها وقد اعتمد بيري هنا في هذا المقياس والذي «يشمل» المقاييس المختلفة للقيمة المقارنة، على موقف النفعية وتطورها عند بنتام ومل فقد عدَّ موقفه في هذه النقطة بالتحديد امتداداً لموقف النفعية كما يعترف بذلك ليس بيري بمفرده بل كل الواقعيين الجدد.[47]
لقد تناول بيري هذه المعايير في «النظرية العامة للقيمة» سنة 1926، ثم توسع في «آفاق القيمة» حيث ذكر سبعة مقاييس للقيمة المقارنة، أي أنّه أضاف لما ذكرناه معايير أربعة، وهي القوة، الاستمرار، العدد، الاستنارة يقول: «إنّ التفضيل والحدة والقوة، والاستمرار والعدد، والاستنارة وشمول الاهتمام كلها أشكال من المقارنة مباحة ومشروعة، ويمكن اعتمادها كمقاييس للمقارنة.هذه المعايير المختلفة التي يذكرها بيري على أساس أنّها مقاييس للقيمة المقارنة، وإن كان المعيار الخاص بالاشتمال أهمها ويأتى في قمتها، فذلك لأنّه المعيار المستخدم لاستيعاب الاهتمامات المتعددة داخل نظام واحد متماسك».
وعلى ذلك يعدُّ معيار الشمول أكثر المعايير تحديداً للخير الأقصى، وذلك بسبب الدور الخاص الذي يلعبه في تسلسل القيم. «وسوف يكون الخير الأقصى موضوع نظام شامل كلية، ومتّسق من الاهتمامات، ومثل هذا النظام الشامل كلياً، والهرموني (المتوافق) من الاهتمامات هو الموضوع المثالي للإدارة المثالية، أي إجماع منسجم كلياً، وأريحي مستنيراً».
ومن هذه الخطوات التي تنتقل من تعريف القيمة (الخير) بالاهتمام إلى تعريف الخير الأقصى، الذي يتناول مجموعة من اهتمامات متوافقة كلية نقول أنّ بيري تجاوز الاهتمام الفردي إلى التكامل الاجتماعي، «إنّ التوسع الحيوى ـ النفسي لمذهب بيري لا يتنافي مع التوسع النفسي ـ الاجتماعي، وذلك لأنّه يخصص فصولاً أطول لدراسة تكامل أنواع الاهتمام سواء عن طريق «التعقيل الفردي أو عن طريق التأليف الاجتماعي»[48]. وعلى ذلك يلاحظ رويه أن بيري ينتقل من المذهب النفسي إلى المذهب الاجتماعي انتقالاً طبيعياً [49].
وتفسير «رويه» يوضح أنّ بيري يتجاوز أيضاً المذهب الاجتماعي بمعناه الضيق، حيث أن ما يتغياه الخير الأقصى الذي هو المكافئ الذرائعي لفكرة الله لدى الفلاسفة الميتافزيقيين ولدى رجال اللاهوت، فهذا الخير الأقصى إنما هو التكامل التام الذي يدمج أنواع الاهتمام كلّها في إتّحاد كلي يشمل الفاعلين جميعاً. وهذا التكامل ليس سوى مثل أعلى، وكل إنسان يصبح عنصراً من عناصر الإرادة الكلية الخيرة حين يتفق الجميع على تحقيق مثل هذا الانسجام الكلي.
نظرية الخير الأقصى
يمكن إنجاز ذلك عند بيري خلال النتيجة المنسجمة للحب التي تعرف على أنّها اهتمام إيجابي لإرضاء اهتمام ثاني، «والاهتمام الثاني هو شخص آخر، والحب خالي من الأنانية «فالحب يبدأ وينتهي في الخارج» فالحب بمعنى آخر وهو تأييد مهتم به لاهتمام آخر سابق في الوجود وموجود بطريقة مستقلة[50]. ويقدم بيري هذه النظرية في الحب لحل الصراع. وتعد هذه النظرية «الحب» الوسيلة الأخلاقية لإحلال التعاون، وهي الموقف الفلسفي الواقعي مقابل ما تقدمه النظريات المادية من نظريات في العنف والصراع كوسيلة لحل التناقضات وتغير العلاقات الاجتماعية الجائزة على بعض طبقات المجتمع.
والحب أساساً هو اهتمام بآخر يسعى نحو تعضيد والارتفاع بإنجاز هذا الشخص البشري ويمكن الاصطلاح على أنّه «موقف اهتمام أو بشاشة خير عموماً». ويمكن صياغته على النحو التالي «لا شرّ نحو أحد وإحسان نحو الجميع» فالحب هو «تكامل شخصي ويعرف طبقاً لتقاليد الفلسفة الأخلاقية على أنّه الإرادة الخيرة»[51].
والخير الأقصى أي الإجماع المنسجم كلياً والأريحي كلياً والمستنير هو مثل أعلى لا يمكن إدراكه تجريبياً. طالما أن الحقيقة البارزة للحياة هي الصراع، والخير الأقصى الذي يتصل بالسعادة ليس هو الإشباع الخالص لحدّة قصوى، ولكنّه كما علّمنا أفلاطون نظام إشباع يفرض العقل شكله[52] وليس هناك من ضمان بأنّ الإرادة المنسجمة كلياً أي المثل الأعلى سوف يدرك في السماء، ويبدو أنّ الخير الأقصى ليس حقيقة تاريخية، ولكنّه معيار طموح شرعي، فما يعرضه بيري هنا يعتمد إذن على نظرية المعرفة التي تقبل ما هو معقول أن نصل إليه على أنّه حقيقي.
يقول بيرى: «لقد عُرّف الله باعتباره إرادة تجعل كل المطالب متوافقة وقابلة للقياس إذا ما وجدت وهذا التعريف يتم بمنح حقائق الصراع والشقاق، والنتيجة ليست تقريراً ذا حقيقة تاريخية، ولكنه ذو طموح شرعي[53]، «وعلى هذا الأساس، فالله ليس كائناً يمكن الحكم على طبيعته ب أنّها أقصى طبيعة، بالمعنى المناسب لهدف لم يتم إدراكه ولكنه ملزم عقلياً للإرادة. فالله كائن يتعدى الإنسان، ومع هذا يعتمد جهد الإنسان الأخلاقي. فالعالم يكون مقدساً عن طريق الرغبة في أن يكون مقدساً وعلى هذا فإنّ كونه مقدساً يكون مشروطاً بالإيمان بالفعل الذي يتم من خلاله جعل القرارات العليا مؤثرة. يقول بيري متابعاً جيمس: «إن وجود الله بهذا المعنى يمكن أن ينتج من اعتقاد في الله، وليس من اعتقاد في أن الله يوجد بالفعل»[54].
ويرى بيري أن المثل الأعلى يجب أن يقدم نفسه على أنّه شيء يمكن تحقيقه، ويجب لإتمامه أن يكون متوقعاً بمقياس ما، حتى يمكن له أن يعمل كتوقع محدد، ويجب أن يكون صالحاً لطبيعة الإرادة، ويجب أن يكون للكمال معنى باصطلاحات التجربة. ويجب أن تكون هناك لحظات يستطيع فيها المرء في أفضل حالاته أن يمسك فيها بلون ومذاق أفضل شيء، أو كما نعبر بطريقة عامة يجب أن يكون هناك «قبس من الله في الإنسان» وهذه اللحظات يمكن الإحساس بها. موجودة كهدف يسعى في طلبه، ولها مثلها الأعلى، تتخذ من صراع الاهتمامات نقطة بداية ومن تناسق الاهتمامات هدف مثالياً لها. «الأخلاق هي محاولة التوفيق بين اهتمامات متصارعة تمنع النزاع حين يهدد، والشقاق حين يحدث وتتقدم من الموقف السلبي لعدم الصراع إلى الموقف الإيجابي للتعاون. فهي حل للصراع داخل فرد أو مجموعة أفراد»[55].
«فالأخلاق باعتبارها هدفاً تقدمياً على نحو موصول، تتطلب تكامل الاهتمامات فتصبح متناسقة دون أن تفقد شخصيتها والسبيل الذي يتم به ذلك هو منهج الوفاق التأملي The Mothod of reflective agreement وللتأمل أهميته، حيث تتكامل الاهتمامات عن طريقه «فالاهتمامات تتكامل عن طريق التأمل»[56]. ومن التأمل تصدر أحكام تحقق التوافق والتناسق الخطط والتوقيت.. الخ.
وهناك بالإضافة إلى هذه الإرادة، الإرادة الاجتماعية. ويجب أن نفرق بينهما منذ البداية، فبينما تصدر الإرادة الشخصية عن التأمل تصدر الإرادة الاجتماعية عن الاتصال والمناقشة. ويفيض بيري في الحديث عن هذه الإرادة الاجتماعية الأخلاقية Social moral will، وعنده أن خلق إرادة اجتماعية من إرادات شخصية يعتمد على الإحسان، أي اهتمام إيجابي لشخص باهتمام شخص آخر. ويطلق على ذلك أيضاً اسم «التعاطف» وهي الملكة الإنسانية التي تتخيل القيم وتضاعفها[57].
أي أن يعترف الشخص بمصالح الآخر ويحاول إيجاد مجال لها بالإضافة إلى اهتماماته، ونفسه ينطبق على الآخر الذي يعمل بدوره على احتضان مصالح الأول، فلدى كل منهما المشكلة نفسها وهي التوفيق بين اهتماماتهما، حتى يستطيع كل منهما أن يستعمل، ويحقق الضميرين «نحن»،و«لنا» بلسان الآخر. وعلى ذلك يكون الشكل الاجتماعي للإرادة الأخلاقية هو اتفاق لإرادات شخصية ويكون «الإحسان» أو «حب الخير» المستقل الشرط الضروري لها. وتوجد عوامل أخرى كثيرة تؤدى إلى مثل هذه الموافقة وهي في مجموعها تؤلف منهج الوفاق التأملي. وأول شرط للوفاق هو الرغبة في الاتفاق لا أن يحصل على أكثر ما يمكن من الجانب الآخر. وعلى ذلك فلكي تحصل على اتفاق عملي أو أخلاقي فمن الضروري أن يتأثر كل إنسان كما يتأثر الآخر من أجل بلوغ تناسق في الغرض والأداء. هذا هو المعيار الخلقي أو المثل الأعلى الذي يطلق عليه اسم السعادة التوافقية harmonious happiness «فأي مقصد يكون خيراً حين يكون موضوع اهتمام إيجابي، وهو خير من الوجهة الأخلاقية عندما يكون الاهتمام الذي يجعله محققاً التناسق والتعاون»[58].
ويمكن إيراد رأي بيري في السعادة التوافقية بالقول أنّه موقف توفيقي بين نظرية الواجب عند كانط، والمنفعة عند بنتام وجون ستيورات مل وباستعراضهما هنا يتضح معنى السعادة التوافقية.
ولما كان معيار السعادة التوافقية يعترف بكل المصالح فهو خال من ما يسمى بالمعادلة الشخصية Personal equation وزيادة على ذلك فإنّ معيار السعادة التوافقية هو المعيار الوحيد الكفء لكي يلتجئ إلى كل الناس ليس فقط لكل فرد بمفرده ولكن للجميع معاً. وهو المعيار الوحيد الذي يَعيِدُ بفوائد لكل اهتمام مع كل الاهتمامات الأخرى[59] ونظراً لأنّه يشمل كل الاهتمامات ويحقق مصلحة الجميع من ثم يحصل على تأييد زائد يفوق كل خير آخر، وهذا ما يطلق عليه بيري دليل الاتفاق The evidence of agreement [60].
إذن فإنّ التربية الأخلاقية ضرورية لإقامة معيار السعادة التوافقية وتحت هذا المعيار فإنّ الأشكال السياسية التي تتناولها تقاليد الحضارة الإنسانية المثالية، أي القيم بمعناها الشامل عند بيري سوف تكون الديمقراطية والتنظيم الأخلاقي للعالم. والتي تعد محور فلسفته الاجتماعية وفيها ينقل مفهوم الخير الأخلاقي من المستوى الاجتماعي إلى المستوى الدولي وتعادل الحضارة آفاق القيمة.
إنّ فلسفة بيري في القيمة لن تتضح بتمامها إلّا إذا توجها فهمه للفلسفة الاجتماعية وهذا هو ما تستهدفه هذه الخاتمة. فلما كان الخير يعنى السعادة التوافقية لأكبر عدد من الناس، فإنّه بهذا إنّما يحل الدافع الاجتماعى للتقدم محل الصراع البيولوجي. وإذا كان بيري على المستوى الأخلاقي إنّـما يريد أن يحقق السعادة فإنّّه على المستوى الاجتماعي والسياسي يستهدف تأكيد الديمقراطية والسلام والتعاون الدولي. «وبهذا يتضح أن الهدف الأقصى له هو إيجاد نظرية أكثر شمولاً للحضارة الإنسانية لا تكون نظريته في القيمة الأخلاقية إلاّ جزءا صغيراً منها»[61] فالهدف النهائي عنده هو سعادة البشر. وعلى هذا كرس بيري نفسه للقضايا الديمقراطية كما تمثل ذلك في موقفه في الحربين العظميين في مهاجمته الدائمة للنازية والتنديد بالأيديولوجية الفاشستية. وهو في كل هذا إنّـما يُوحِّد بين الديمقراطية والقيمة الخلقية. «فالديمقراطية هي التنظيم الصحيح للمجتمع، أو الطريقة التي يجب أن ينظم بها المجتمع أو المجتمع الخير، وقد أعطيت اصطلاحات الخير والواجب والصواب معنًا أخلاقياً، وتم تناول الأخلاق على أنّها تعني الاهتمامات من أجل غرض إزالة الصراع وإحلال التعاون»[62].


[1]*- مفكّر وأكاديمي ـ جمهورية مصر العربية.
[2]- -Andrwe Reck، Recent American Phil، Pantheon books a Division of House، New York 1964، p. XX، p. 43.
[3]-R. B. Perry: General theory of value، Introduction.
[4]-Andrew Reck، Ibid، p. 4 -1
[5]- R. B. Perry Present philosophic tendencies، Longman Green & Co.، New York، 1912 pp. 4-7.
[6] - R. B. Perry: Present conflict of Ideals، P. 369.
[7] - Andrew Reck، p. 15.
[8] - S. C. Pepper: Source of value، p. 2، 53.
[9] - R. B. Perry: Present ….، p. 379.
[10]- Ibid، p. 380.
[11]- W.M. Urban: Valuation، Its nature and lows، librory phil.، George Allex uniw Ltd، 1909، pp. 1-3.
[12]- انظر دراستنا عن نيتشه في الفكر العربى،مجلة الفكر العربى المعاصر،بيروت
[13] - Nicolas Rescher: Introduction to value thery، prentice Inc، Englewood cliffo، New Jersey 1969، pp. 50-51.
[14] - Nicolas Rescher: Ibid، p. 50.
[15]-هـ. شنيدر: تاريخ الفلسفة الأميركية: د. محمد فتحى الشنيطى، دار النهضة القاهرة ص435.
[16] - J. Laird، Recont philosophy، p. 223.
[17] - J. Blau، p. 288.
وانظر مقدمة د. زكى نجيب محمود للترجمة العربية لآفاق القيمة عبد المحسن عاطف سلام دار النهضة العربية بالقاهرة.
[18] - Andrew Reck: p. 35.
[19] - R. B. Perry: General theory of value، p. 694.
[20] - R. B. Perry: Realms of value، introduction.
[21] - Riseiri Frandzi، Ibid، p. 53.
[22] - R. B. Perry: Religious value، The American Journal of theology vol. 1915 pp. 1-16.
[23] - R. B. Perry Real and Apparent value، philosophical review (1932) p. 1-6.
[24] - R. B. Perry: Economic value and Moral value، Journal of Economy vol. 30 1916.
[25] - R. B. Perry: Realms of value، p. 14.
[26]- R. B. Perry: General theory of value، p. 8-9.
[27]- د. يحيى هويدى: العلاقة بين الدين والفلسفة من زاوية حضارية. أعمال مؤتمر الفلسفة الإسلامية الأول بالقاهرة 19-22 نوفمبر 1979 مطبوعات كلية التربية بجامعة عين شمس.
[28]- انظر كل من: د. نازلى إسماعيل فلسفة القيم (القيم الدينية ص192-222)، ازفلد كولبه المدخل إلى الفلسفة ص124-129 د. توفيق الطويل: أسس الفلسفة.. الفصل الرابع: القيم ص383.
[29]- R. B. Perry: Ibid، p.
[30] - R. B. Perry: Realms of value، p. 1.
[31] - Reck p. 21-22، W.S. Shakian، p. 381.
[32] - R. B. Perry: General theory.. p. 116.
[33] - Reck، p. 22.
[34] - R. B. Perry: General theory: V. 119.
[35] - ريمون رويه: فلسفة القيم، ص194-195.
[36] - R. B. Perry: Realms of value، P. 34.
[37] - R. B. Perry: General.. P. 300.
[38] - R. B. Perry: Realms of value، p. 50.
[39]- السعادة التوافقية هي الإطار النظري أو النظرية التي يصيغ فيها بيري أفكاره عن التكامل بين الرغبات والانسجام بين الاهتمامات وهو محور فلسفته في الخير الأقصى والقيمة الشاملة والهدف النهائي للأخلاق. وهي فكرة أساسية لدى أفلاطون نجدها في تصوره للعدالة وهي أيضاً من المثل العليا التي ينطوى عليها النشاط العلمي والتي أطلق عليها البيرباييه الوفاق أو الائتلاف (باييه دفاع عن العلم) د. عثمان أمين، دار إحياء الكتب العربية 1945 ص82.
[40] - R. B. Perry: Realms of value، p. 73.
[41] - R. B. Perry: General theory، p. 382.
[42] - Ibid، p. 382.
وانظر في مفهوم الانسجام عند جورج سانتيانا في كتابه مولد الفكر وبحوث أخرى الترجمة العربية، دار الآفاق الحديثة، بيروت. وإن كان موقفه على العكس من بيري حيث يتناول الانسجام على المستوى الطبيعي ليس فقط النفس أو الاجتماعي. انظر ص73-76.
[43] - R. B. Perry: Realms of value، p. 50.
[44] - Ibid، p. 50.
[45]-Ibid، pp. 626-627.
[46] - Ibid، p. 105.
[47] - W. P. Montague، Story of American Realism، p. 440.
[48] - ريمون رويه.. فلسفة القيم ص213.
[49]- المرجع السابق، نفس الصفحة.
[50] - R. B. Perry: General theory of value، p. 677.
[51] - R. B. Perry: General theory of value، p. 679.
[52] - Ibid، p. 687.
[53] - R. B. Perry: General theory … p. 688.
[54] - Ibid، p. 687-688.
[55] - R. B. Perry، Realms of Value، p. 90.
[56] - R. B. Perry، Realms of Value، p. 92.
[57] - رالف بارتون بيرى: إنسانية الإنسان، ص45.
[58] - R. B. Perry، Realms of Value، p. 104.
[59] - Ibid، p. 133.
[60] - Ibid، p.133.
[61] - Josph Blau، Man and Movement in American philosophy p. 289.
[62] - R. B. Perry: Realms of value، p. 274.