البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

فلسفة ما بعد الاستعمار ، بين التفكيك وإعادة إنتاج السيطرة

الباحث :  حازم محفوظ
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  12
السنة :  السنة الرابعة - صيف 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 22 / 2018
عدد زيارات البحث :  2339
تحميل  ( 442.773 KB )
​تحاول هذه المقالة الوقوف على التغطية الفلسفية لحالة ما بعد الاستعمار. ومن أجل هذه الغاية تنطلق هذه الرؤية من اعتبار النظرية المابعد استعمارية عنصراً مكوِّناً للمناخ النقدي الذي ساد المجتمعات الثقافية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص.

إلى هذا تسعى المقالة نحو بيان جدليات السلوك الغربي المابعد استعماري، حيال المجتمعات العالم ثالثية، والتي تستهدف السيطرة عليها عن طريق تفكيكها وتجزئتها وإخضاعها للهيمنة من جديد.

المحرر

--------------------------------

تنتمي نظرية ما بعد الاستعمار إلى النظريات الفلسفية النقدية الحديثة التي تدور رحاها بشكل وثيق في إطار الفلسفة السياسية، وتعد تطوراً طبيعيّاً وضروريّاً لفلسفات ما بعد الحداثة والتفكيك وقد جعلت جل اهتمامها وآلياتها المنهجية والمعرفية تقويض خطاب المركزية الغربية بكل أبعاده السلطوية والاستبدادية، خاصة في حقل الممارسات السياسية والاقتصادية والثقافية سواء أكان ذلك على مستوى الفكر أو مستوى الفعل.

وإذا كانت نظرية ما بعد الاستعمار ـ التي توحي بوجود نوع جديد من الاستعمار عن طريق استخدام الأساليب غير التقليدية للسيطرة والهيمنة والذي كانت الإمبريالية إحدى تجلياته ـ قد شيدت عن طريق مفكرين أمثال: إدوارد سعيد، فرانز فانون، هومي بابا، جياتري سبيفاك، وجاك دريدا... وغيرهم بهدف تفكيك خطاب الهيمنة والمركزية والنزعة الذاتية المسيطرة على التفكير الأوروبي؛ فهل يمكن القول أن التفكيك الذي يهدف إلى خلخلة الذات وإعادة صياغة العلاقة بينها وبين الآخر، بغرض التخلي عن النزعة الذاتية وخطاب الهيمنة، هو شكل آخر من أشكال النزعة الذاتية التي تعطي الذات وضعاً حرّاً يتيح لها ممارسة سلطة مطلقة في وضع نفسها في الصدارة في كل شيء؟ وبالتالي يعد امتداداً لنظرية الاستعمار الغربية حتى وإن حاول أن ينقضها؛ لأنه مازال يدور في فلكها.

 بمعنى آخر هل ما تقدمه استراتيجية ما بعد الاستعمار والتفكيك يمكن تعريفه على أنه إعادة الذات إلـى محور الوجود والهيمنة من حيث حرية كل قارئ في تقديم نصه هو عن طريق إعادة كتابة النص (أي تفسيره) بالطريقة التي يراها؟ وعلى ذلك هل يمكن القول بأن هذا يعني ثقة جديدة في قدرات الذات؟ وهل المركزية الغربية موجودة على المستوى المعرفي  فقط أم أنها تتخطى السياق المعرفي إلى الممارسة الفعلية؟ وعلى هذا النحو كيف يمكن فهم المفاهيم الرئيسية في إطار نظرية ما بعد الاستعمار من قبيل نقد الخطاب المركزي المتمثل في المعرفة (الابستمولوجيا) وتصور التاريخ على أنه تاريخ واحد للإنسانية (التاريخية)، والاقتصاد على أنه اقتصاد واحد (اقتصاد السوق الحر) والعولمة التي تهدف إلى إفقار دول العالم الثالث والقضاء عليه، والثقافة على أنها ثقافة واحدة (ثقافة العقلانية الغربية)؟

 وكيف يمكن إيجاد علاقة جديدة بين الشرق والغرب تقوم على احترام الخصوصيات والاعتراف بالتعددية؟، وكيف يمكن محاربة التغريب؟ هل يكون ذلك بإنشاء علم الاستغراب وجعل الغرب موضوعا لدراسة موضوعية من قبل الآخر أم بالاعتصام بالأسس والمعاير الموضوعية والتحصن بميراث التاريخ والوعي؟

وعلى أي نحو يتسنى لنا الحفاظ على هويتنا المميزة والوقوف في وجهة عمليات التهميش وفرض الهيمنة المركزية للغرب ورفض كل أشكال الاستلاب والتبعية؟

ولكي يتسنى الإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي عرض الخطوط العامة لنظرية ما بعد الاستعمار والتفكيك مع التركيز على المحور المعرفي والسياسي والاقتصادي والثقافي.



(أولاً): نقد بنية المعرفة الغربية ( الابستمولوجيا)

الواقع أن الغرب اعتبر نفسه ممثلاً للوجود الإنساني الحقيقي على الأرض واعتبر نمط معرفته هو النمط الأمثل للمعرفة كما اعتبر وجوده هو كل الوجود وتاريخه هو تاريخ العالم وكماله في الوقت نفسه، ولعل هذا ما عبر عنه هيغل بوضوح حين جعل الغرب ممثلا لقمة وعي الروح المطلق بذاته كما اعتبر العالم الغربي يمثل قمة اكتمال تطور الروح المطلق. 

ويقول روبرت يانج : «في ما يتعلق بالمعرفة الأوربية بالمجتمعات الأخرى بصفة عامة، كانت التاريخية تعني تاريخاً إنسانيا واحدا يجمع البشرية، إما بلغ الذروة أو كان يراقب من مواقع الهيمنة الخاصة بأوربا أو الغرب[2].

وقد قامت فلسفة التفكيك بدور لا ينكر في التنبيه على مركزية الذات، وتقوم استراتيجية التفكيك عند «دريدا» على سبيل المثال على رفض المذاهب التقليدية في الفكر الغربي ونقدها انطلاقاً من رفضها من المركزية الغربية، لكنها لا تتوقف عند الجانب السلبي فقط الذي يتمثل في الرفض والنقد، وإنما تقوم بتفكيكها. ولما كانت المعرفة في ذاتها كيان متغير، دائم التحول، لأن العالم الخارجي الذي يرتبط به الوجود في حالة تحول وتغير مستمر، فإن تحقيق المعرفة بهذا العالم المتحول والمتغير تفترض وجود (مركز ثابت)، يرى «دريدا» أن له أسماء مختلفة عبر تاريخ الفلسفة مثل المركز الثابت، والجوهر، والكينونة، والحقيقة، الوعي، الله، الإنسان...الخ. وهي تسميات تشير في رأي دريدا إلى «المدلولات العليا» التي تمثل أرضية ثابتة تقف فوقها متغيرات العالم الخارجي الذي يمدنا بالمعرفة. وهذا المركز الثابت هو ما يرفض المشروع التفكيكي الاعتراف بوجوده. إنه ما يحاول التفكيكيون تفكيكه (خلخلته) باتباع منهجهم الـذي يتمثل فـي تحديد الفكرة/الموضوع وكشفه وفضح أساليب الاستعمار الغربي.

ويعرف «دريدا» التفكيك فيقول: «فالتفكيك ـ إن كان موجوداً، وحتى لو ظل تجربة المستحيل ـ ليس واحداً. «إن كان موجوداً»، كما اعتقد أنه من الواجب أن نقول دائماً، وبحسب وجهة الممكن غير القابلة للاختزال. إنه (ممكن الممكن ـ المستحيل)، إذ يوجد أكثر من تفكيك واحد، وهو يتكلم أكثر من لغة. هذا هو قدره... فكان واضحاً أن التفكيكات ينبغي أن تقال بصيغة الجمع. كل لحظة من هذه التجربة ترتبط بأشكال من الفرادة. وعلى الخصوص أشكال اللغة المتفردة. وطبعاً، سرعان ما دارت مسألة التفكيكات حول ما يسمى بطريقة ملغزة: اللغة المتفردة، ورهانات اللغة المتفردة. فكان ذلك يمس ألغاز الترجمة، ومفارقات البصمة الشخصية»[3].

ويعلق «عبد العزيز حمودة» على منهج التفكيك بشكل عام فيقول: «نعرف أن التفكيك يتحول إن عاجلا أو آجلا إلى كل قراءة نقدية أو تركيبة نظرية. حينما يتم اتخـاذ قـرار تظهر السلطة. حينما تعمل النظرية أو النقد عندئذ يشكك التفكيك. بمجرد أن يفعل ذلك يصبح مخربا...  وفي نهاية الأمر يحقق التفكيك مراجعة التفكير التقليدي»[4]، ويستطرد مؤكداً على أن التفكيك: «كالثور الهائج أطلقه عصر الشك الشامل من مربطـه يحطم كل شيء فلا شيء معتمداً ولا شيء موثـوقاً ولا شـيء مـقـدَّساً»[5]. لكن هل يمكن قبول قول الدكتور حمودة على عِلَّاته؟ بمعنى أن التفكيك هنا يقضى على كل شيء أم أن التفكيك ما زال مبقياً وسيطرة الذات دون أن يكون بوسعه استكشاف مواطن الاختلاف بين الشرق والغرب وتحديد أنماط التفكير المميزة لكليهما؟ بحيث يمكن القول بأنه يدور في مدار الميثولوجيا البيضاء التي كان لها الغلبة على الفكر العالمي والتي تعتبر أن الغرب هو مصدر العلم والمعرفة والإبداع حتى وهو ينتج نظرياته التفكيكية، أما الشرق فهو مصدر الخرافة والأساطير.

يقول «أدوارد سعيد»: كان الشرق تقريباً اختراعاً غربياً وكان منذ القدم مكانا للرومانسية والكائنات الغريبة المدهشة  والذكريات والمشاهد الشابحة والتجارب الاستثنائية[6].

ومن منطلق سعيه لتفكيك مركزية الغربية عمد «دريدا» - بوصفه أحد فلاسفة التفكيك - إلى اقتحام سكونية الميتافيزيقا الغربية متسلحاً بمقولة التمركز العقلي لتمييز نزعة التمركز الطبيعية في هذه الميتافيزيقا التي تعد السياسة إحدى تجلياتها، ويخلص دريدا إلى أن أكثر السبل تأثيراً، التي نهض عليها التمركز العقلي Logocentrisme في الفلسفة الأوروبية «هو اهتمامها بالكلام على حساب الكتابة، فالتمركز المنطقي هو في حقيقة الأمر تمركز صوتي، ويرجع جذر هذا الاهتمام إلى أفلاطون»[7]، ويمتد متمثلاً في وسائل الإعلام الغربية التي غدت سلطة تعرف بالسلطة الرابعة وقد أجاد الغرب استخدامها.

وإذا كان البعض يذهب إلى أن «دريدا» قد انتهى في التفكيك إلى تأكيده على التعدد والاختلاف وإلغاء الحضور والتعالي، وذلك بهدف تقويض ميتافيزيقا الحضور التي تستند إليها الحضارة الغربية، وكذا الهيمنة السياسية الغربية، الأمر الذي يسمح بظهور بدائل حضارية وفكرية وفلسفية تتغاير عما أرسته الميتافيزيقا الغربية[8]، إلا أن هذه قراءة متعجلة لا تكشف عن الثابت عبر النصوص وإنما تأخذ بظاهر النص.

في الواقع، ربط «دريدا» بين مركز اللوغوس (أو العقل) وبين ميتافيزيقا الحضور؛ حيث يرى أن الفكر الغربي منذ أفلاطون وحتى هيغل كان فكر ميتافيزيقا حضور، ولذلك فموقف التفكيك معارض لميتافيزيقا الحضور، ومعارض أيضاً لموقف الهيمنة السياسية والاستعمارية.

وإذا كانت المركزية الغربية[9] تستند في تثبيت دعائمها إلى مركزية العقل وميتافيزيقا الحضور في ما يقول «جاك دريدا»، فإن العقل يصبح هو المبدأ الذي يقبل الغرب أو يرفض على أساسه عقيدة ما أو فكرة ما أو ثقافة ما أو ممارسة سياسية ما باعتبار أن كل ما ليس عقليّاً غيرُ مقبول ويتساوى مع الخرافة رغم أن الغرب يمارس لا معقولية لا تقبل الشك في ما يتعلق ببعض القضايا السياسية التي تقع خارج مجاله الحيوي؛ فعلى سبيل المثال موقف الغرب حتى الآن من القضية الفلسطينية الذي يعبر عن لا معقولية شديدة؛ إذ تتنافى ممارساته السياسية في الأرض المحتلة مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي الإنساني.

ويرى «دريدا» أن التراث الفلسفي الغربي[10] ونظرياته المختلفة ما هو إلا صيغ مختلفة[11] من نظام واحد هو «التمركز حول العقل» و»ميتافيزيقا الحضور». فغاية دريدا هو تفكيك كل المراكز الدلالية، وبؤر المعاني التي تشكلت حولها؛ فالممارسة الفكرية حول «اللوغوس» أنتجت تمركزاً عقليّاً أقصى كل ممارسة فكرية لا تمتثل لشروطه، لأنه ربط بينه ومعنى الحقيقة، وأنتج نظاماً مغلقاً للتفكير. أما فكرة الحضور فتمثل مبدأً راسخاً مفاده أن الموجود يتجلى بوصفه حضوراً[12]. إن الحضور المقصود هنا هو حضور الذات الغربية في كافة مجالات الممارسة الفكرية والعملية ومنها بالضرورة المجال السياسي الاستعماري.

وهذا ما تؤكده نصوص «دريدا» نفسها؛ إذ يقول: «الحركة المثالية التي تتجلى الذاتية من خلالها، كما يقال، وتتجلى من خلالها روح الجسد الرنان، تدركها الأذن بنفس الطريقة النظرية التي تدرك بها العين اللون أو الشكل. وهكذا تصبح داخلية الموضوع هي داخلية الذات نفسها...»[13]، ويستطرد قائلاً : «حضور الشيء للنظر بوصفه صورة أو فكرة مدركة، الحضور بوصفه جوهر وجود، حضور زمني وتحديد للآن أو للحظة، حضور الكوجيتو أمام الذات، وعي، ذاتية، الحضور المشترك للذات وللآخر، والعلاقة بين الذوات كظاهرة قصدية للأنا... إلخ. تؤكد مركزية اللوجوس إذن تحديد وجود الموجود بوصفه حضوراً... إن حقبة اللوجوس تضع الكتابة في منزلة سفلى وتراها واسطة لواسطة وسقوطاً في خارجية المعنى. وإلى هذه الحقبة ينتمي الاختلاف بين الدال والمدلول»[14]. إن الذات هنا والمقصود بها الذات الغربية المهيمنة حاولت وتحاول تحويل كل ذات أخرى مغايرة لها إلى موضوع بحيث تعتبر الذات الغربية نفسها هي الحضور وهي الوجود. ومن هذا المنطلق أسست نظريتها الاستعمارية على أساس أن كل ما ليس غربيّاً فهو موضوع للذات الغربية.

لقد رأى «دريدا» أن الكوجيتو الديكارتي يعد مركز هذا الحضور ولم يستطع أن يفلت من مركزية الكوجيتو حتى ميشيل فوكو رائد الاتجاه التفكيكي، وفي هذا الصدد يقول «دريدا» في (الكوجيتو وتاريخ الجنون) «أن الكوجيتو صحيح حتى ولو كنت مجنوناً أي حتى إذا كانت أفكاري مجنونة تماماً»[15].

ولقد أكد «هيدجر» على أن التاريخ الغربي منذ بدايته، وعلى امتداده، ظل يبرهن على أن الفكر الغربي ذا نزعة الذاتية، وقد برهن على ذلك من خلال تفكيك كل الميتافيزيقا الغربية في كتابه «العدمية الأوروبية»  وهو كتاب على الرغم من أهميته الفكرية والسياسية لأنه يفضح أشكال الهيمنة الغربية إلا أنه لم يتم ترجمته إلى العربية حتى الآن.

ومن مركزية العقل انطلق «دريدا» ورأى أن جميع الفلسفات هي فلسفة (مركز العقل)، وهذه الفلسفات ما هي سوى نوع من (مركزية أوروبا)، واعتبر الغرب المحور الرئيسي للفكر والنموذج الذي يجب أن يحتذى في كل المجالات الأخرى بما فيها المجال السياسي؛ إذ غدت الديمقراطية الغربية هي النموذج الأمثل للفكر السياسي وأساليب الحكم. أما التفكيكية بمعنى ما «تقوم على رفض المذاهب السابقة وتخطئ كل المشاريع بل إنها في جوهرها تقوم على رفض التقاليد والسلف التي ترى أنها تحجب المعنى وتكبته»[16]. ولذلك يقول «ليتش» في تمهيده لدراسته عن التفكيك: «إن التفكيكية المعاصرة باعتبارها صيغة لنظرية النص والتحليل تخرب subverts  كل شيء في التقاليد تقريباً وتشكك في الأفكار الموروثة عن العلامة واللغة والنص والسياق والمؤلف والقارئ ودور التاريخ وعملية التفسير وأشكال الكتابة النقدية. وفي هذا المشروع فإن المادي ينهار ليخرج شيء فظيع»[17]. ولكن رغم كل ذلك فإن التفكيكية لم تستطع التخلص كلية من السياق المعرفي الحاكم للفكر الغربي القائم على السيطرة والهيمنة.

والواقع، أن «دريدا» قد ربط بين مركزية العقل، وبين الكلام المسموع والصوت[18]؛ بحيث أن مركزية العقل توظف الكلام المسموع والصوت لتكريس حضور الذات، فهناك «تواطؤ بين نزعة العقل المركزية وامتياز السمع والصوت، أي ميتافيزيقا الحضور، أي الوجود المدرك كحضور. حضور الشيء للرؤية كشكل (eidos)، حضور كجوهر، ماهية، وجود (ousia)، حضور مؤقت كذروة للآن أو للحال، حضور الكوجيتو لذاته... مقربة الصوت والوجود، مقربة الصوت ومعنى الوجود، مقربة الصوت وأمثلة المعنى... تواطؤ نزعة العقل والصوت المركزية (Logophonocentrisme)... إن صوت الحقيقة هو دائماً صوت القانون، صوت الله، وصوت الأب. إنها رجولة أساسية للوجوس (Logos) الميتافيزيقي»[19]. ولا نجانب الصواب إن قلنا أن صوت الحقيقة هو دائماً صوت مراكز الأبحاث الغربية التي تريد الهيمنة على الشرق باسم القانون وصوت آلاتها الإعلامية الجبارة التي تقضى على كل ما هو مخالف للغرب.

وإذا كان “دريدا” يقول - منطلقاً من اللغة التي تعد إحدى تجليات الكتابة- : “إن السيطرة تبدأ كما نعلم من خلال سلطة التسمية (إطلاق الأسماء)، ...وهذا التأسيس للسيادة قد يكون مفتوحاً شرعياً ومسلحاً أو مخادعاً، يختفي تحت ذرائع النزعة الإنسانية (أنسنة الكون)، وأحياناً في شكل أكثر أنواع الضيافة كرماً فهو يتبع دوماً أو يستبق الثقافة مثل ظلها»[20]، وبما يعني أن «دريدا» يرفض مركزية الذات، إلّا أن أحادية لغة الآخر كما يقول «دريدا» «ستكون تلك السيادة، ذلك القانون الناشئ من مكان آخر، بشكل مؤكد.... إن أحادية اللغة التي فرضها الآخر تعمل بالاعتماد على هذه القاعدة، هنا، من خلال سيادة يبقى جوهرها دوماً استعماريّاً، وتميل بشكل قمعي ومؤثر، لاختزال اللغة للذات، أي، لهيمنة المسيطر. وهذا يمكن التحقق منه في كل مكان، كل مكان تبقى فيه هذه الهيمنة-المتجانسة تعمل في الثقافة»[21].

ومن ناحية أخرى، فقد طرح «دريدا» مفهوم التسامح في فلسفته؛ حيث يرى «أن التسامح فضيلة مسيحية... (بمعنى) أن يوافق المسلمون التعايش مع اليهود والمسيحيين، وأن يوافق اليهود التعايش مع المسلمين، وأن يتسامح المؤمنون مع غير المؤمنين... ومن ثم يصبح السلام هو التعايش المتسامح»[22].

لقد لاحظ «دريدا» أن التسامح في التراث الغربي لم يكن له أي مدلول سياسي أو اجتماعي، وأنه كان يشير فقط إلى فضيلة دينية، وأكد أن الشخص المتسامح هو صاحب المكانة الاجتماعية الأعلى وأنه الأقوى القادر أيضاً على الإبعاد والنفي، بل إن من حقه أن يستبعد الآخر، الأضعف والأقل مكانة، وأن ينفيه، وألا يرى لهذا الآخر أي حقوق، ولكنه بصفته فاضلاً متديناً يتسامح فيمنح الآخر ما يراه من حقوق كما يستطيع ويملك الحق في أن يسحبها في أي وقت. ويضيف «دريدا» «أن التسامح في التراث الغربي بهذا المعنى يصبح مجرد نوع من الإحسان»[23]؛ ومن ثم لا يوجد معيار ثابت يتيح نوعاً من الموضوعية في تحقيق التسامح بل يعتبر منة وفضل من الذات المتسامحة؛ أي الذات الأقوى والمهيمنة على الآخر.

الواقع، أن «دريدا» يرفض في نصوص أخرى الصفح من موقف كلي، ويقره من موقف جزئي؛ إذ يقول: «يصفح الصفح فقط عما لا يقبل الصفح. ليس في وسعنا، أو قل ليس علينا أن نصفح، بل ليس هناك صفح - هذا إذا كان أصلاً موجوداً - ... فإن الصفح وجد نفسه بموجب ما لا يقبل الصفح ذاته، إذاً!»[24].

وقد ضرب “دريدا” مثلاً على عدم إمكانية الصفح بامرأة فقدت زوجها في حرب بين دولتين؛ حيث أنّ مَنْ أضير من فقد الزوج هو زوجته على حد قول دريدا، ومن ثم فمن يملك الصفح ليس السلطة السيادية، وإنما الفرد ممثلاً في المرأة التي فقدت زوجها.

وفي نص آخر يؤكد على هذا المعنى قائلاً: “ما أحلم به، وما أحاول التفكير فيه كنقاء صفح جدير بهذا الاسم، هو صفح بلا سلطة: لا مشروط ولكنه بلا سيادة. تبقى المهمة الأكثر صعوبة إذن، الضرورية والمستحيلة في ما يبدو لي، هي فك الارتباط بين اللامشروط والسيادة. فهل سننجز ذلك في يوم من الأيام؟ الظاهر أن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت. لكن ما دامت فرضية هذه المهمة التي لا تلوح في الأفق تعلن عن نفسها، كما لو كانت حلماً بالنسبة للفكر، فإن هذا الجنون ربما ليس مجنوناً بما فيه الكفاية”[25].

ويرى «دريدا» أن التسامح هو نقيض الاستضافة؛ إذ قال عند سؤاله: هل توافق على اعتبار التسامح شرطاً من شروط الضيافة؟ «كلا، إن التسامح في الحقيقة نقيض الضيافة أو على الأقل يضع حداً لها»[26].

ومن هذا المنحى، ذهبت «جيوفانا بورادوري» إلى أن دريدا في مفهومه للاستضافة «ركز على الالتزام الفريد الذي يحمل كل واحد إزاء الآخر»[27]، حتى لو كان هذا الآخر غريباً غربة كاملة «ولم توجه إليه الدعوة، ولم يكن منتظراً، ولكن ينبغي قبوله قبولاً كاملاً، غير مشروط، باعتباره زائراً ومقيماً، لا ينازعه أحد في أي حق من حقوقه... وبوصفي صاحب البيت والأرض والإقليم... فأنا لا أدعوك ولا أرحب بك في بيتي بشرط أن تستسلم للغتي وتراثي وتقاليدي وذاكرتي... وإنما استقبلك وأستضيفك بشكل مطلق ودون شروط»[28].

في الواقع، لقد طرح «دريدا» مفهوم الاستضافة «بشكل يعبر عن تفكير فلسفي مجرد، وأنه ليس فكراً سياسيّاً ولا هو فكراً اجتماعيّاً، ولا يطرح برنامجاً عمليّاً للتنفيذ، فهو لا يقدم أكثر من فكرة وعظية، كما أنه في طرحه لهذه الفكرة، زاد كثيراً من قدرات المضيف (المتسامح)، صاحب البيت، بينما أضعف كثيراً من الحقوق المقررة المؤكدة للزائر، الضيف»[29].

ولذلك من حقنا أن نتساءل: هل كانت فكرة الاستضافة التي طرحها «دريدا» قد جاءته بتأثير من تاريخ أسلافه اليهود[30] في الغرب، «الذين كانوا يعتبرون زائرين غرباء غير مرغوب فيهم، ولم يوجه الدعوةَ إليهم أحدٌ، ولم يكن أحد ينتظرهم، ولا يرغب أحد في وصولهم ولا في بقائهم في بيته الغربي الذي أراد صاحبه دائماً نقيّاً نقاء عنصريّاً ودينيّاً مطلقاً لا يلوّثه أي آخر غريب، حتى ولو كان هذا الآخر أوروبيّاً يعتنق الدين نفسه ولكنه ينتمي إلى عرق آخر، أو إلى مذهب مختلف»[31].

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق أيضاً، هل تأثر «دريدا» بهذا التاريخ الدامي لأبناء دينه الأصلي في الغرب، فأراد أن يغرس فكرة أو مبدأ استضافتهم دون شروط وحلولهم ضيوفاً لهم كل حقوق أصحاب البيت بعيداً عن مبدأ التسامح؟ ولذلك نجده يقول «بالضيافة اللامشروطة في حقل القانون أو السياسة»[32]. 

وهل يحق لنا أن نقول ما قاله البعض من أن «انتماء دريدا الديني للديانة اليهودية كان له دور في توجيه اهتماماته الكتابية؟»[33].

وإذا كان البعض قد ذهب إلى أبعد من هذا فرأي أن ظاهرة فهم الآخر عند «دريدا»، تهدف إلى «استسلام المرء للعنف»، أو جعل نفسه شريكاً فيه، أو أنه، بالمعنى النقدي، «يذعن إلى عنف الواقع»[34]، ونظراً إلى عدم إمكانية الوصول إلى الآخر، «تبدأ الحرب ... وبدخوله الحرب  يصل إلى الآخر بوصفه آخر (ذاتاً)»[35].

وبناء على هذا، فإن ما يقوله «دريدا»: «ينكر ببساطة التفاعل، وهو يُبقي على تجربتنا مع الآخر كأنها تجريد اختلاف. إن هذا انحدار في العاطفة الصادقة وتسطيح لما بعد الحداثة»[36].

في الواقع، يرفض «دريدا» الحروب الدينية؛ إذ يقول: «هناك بالطبع شيء آخر، ومصالح أخرى (اقتصادية، سياسية، وعسكرية...إلخ) تقف وراء حروب الدين، وتقبع خلف ما يقدم باسم الدين، في ما وراء المعارك التي تخاض دفاعاً عنه أو هجوماً باسمه، موتاً أو قتلاً أو اقتتالاً في سبيله، ... وبهذا الصدد لا تشكل الحروب أو التدخلات العسكرية للغرب اليهودي – المسيحي باسم أنبل القضايا (المتعلقة بالقانون الدولي، والديمقراطية، وبسيادة الشعوب والأمم أو الدول والمرتبطة حتى بالأوامر أو الامتيازات الإنسانية) هي أيضاً، ومن جهة ثانية، حروباً دينية بمعنى من المعاني؟... عندئذ، وبالرغم من الأمور الأخلاقية والسياسية المستعجلة التي قد لا تترك لنا فرصة انتظار الإجابة، لن يتم اعتبار التفكير في الاسم اللاتيني للدين تمريناً مدرسيّاً أو مدخلاً إلى فقه اللغة أو ترفاً وبكلمة نقول: إنه مجرد ذريعة لتعليق الحكم أو القرار، إنه وسيلة لإنجاز إيبوخي آخر... ما الدين؟ الجواب: الدين هو الإجابة. أليس هذا هو الجواب الذي ينبغي أن نلتزم بتقديمه في البداية. يبقى علينا أن نعرف بالضبط ماذا يعني فعل أجاب، ومعه أيضاً لفظ المسؤولية»[37].

ويرى بعض الباحثين أن التفكيكيين الأمريكيين يتجاهلون المصطلح المعرفي الفلسفي للتفكيك نظراً للمزاج الثقافي الأمريكي نفسه المتحمس للحرية الفردية وتأكيد الذات، والذي يصل في إيمانه بالذات إلى إطلاق يد القارئ[38] في تفسير النص، وتحديد معناه باعتبار أنه لا يوجد تفسير نهائي ومغلق لنص ما، وعلى أساس أن التفسير أو تحديد المعنى عملية تحدث في الزمن ومن ثم فهي عملية مؤقتة بصفة مستمرة.

ومن هذا المنحى يعتبر التفكيك في نسخته الأمريكية امتداداً لفلسفة «كانط» التي تتميز بالنزعة الذاتية، وهذا ما أكد عليه «بول بوفيه» في رسالته للدكتوراه عن التفكيك عام 1975 والتي يرى فيها أن التفكيكيين برغم ما يثيرونه من صخب حول رفضهم النقاد الجدد يعتبرون في حقيقة الأمر امتداداً لهم»[39].

وبناء على ذلك فإن ما تقدمه استراتيجية التفكيك ليس إقصاء الذات بل إعادة الذات إلى محور الوجود وحرية كل قارئ في تقديم نصه وفي إعادة كتابة النص -أي تفسيره- بالطريقة التي يراها. وعلى ذلك يمكن القول بأن هذا يعني ثقة جديدة في قدرات الذات وأننا نعود بالفعل إلى الذات بمعناها الكانطي.

فعلى الرغم من أن «دريدا» (وغيره من التفكيكيين) ينطلق من موقف فلسفي ونقدي ينادي بنسف التقاليد ورفض أي سلطة مرجعية لكنه لا يقدم بدائل جديدة حقيقية. البدائل الوحيدة التي يقدمها هي بدائل قد تنتمي إلى نفس المذاهب التي يرفضها والتقاليد التي ينسفها وإن كانت تغلف في صياغات براقة، تحقق بعض البريق المؤقت إلى أن تكتشف حقيقتها. فالتفكيكيون أجادوا فنون البيع والتغليف التي جعلتهم يقدمون بضائع سبق تداولها في أغلفة جديدة جذابة، ومن ثم تبدو الدراسات المتصلة غير متصلة.

ووفقاً لما سبق، يمكن القول أنه إذا كان «دريدا» يركز على مناقشة تركيب العقل البشري وهو بذلك التركيز على تركيب العقل لا يتجه إلى تأكيد الذات أو الحفاظ عليها حرة مستقلة بل إنه ينفي وجود الذات كنقطة انطلاق، فـإنه بمحاولته إلغاء مركزية الذات، أعطى في الوقت ذاته الذات الإنسانية الفردية مشروعية كل قراءة ممكنة للنص، ومن ثم تصبح الذات هي السلطة المرجعية النهائية ولا سلطان عليها إلا ذاتها، وهذا ما هو إلا شكل متطرف من أشكال النزعة الذاتية؛ فالتفكيكية نزعة ذاتية مثالية مغالية تجعل من الذات مركزاً لكل قراءة.

وفي السياق نفسه، إذا كان «دريدا» حاول عبر التفكيك إقصاء الذات؛ فإن إقصاء الذات لا يتم إلا بإحلال ذات أخرى مكانها، وهذا ما يمكن أن نستشفه من إدراك الهامش، وكذا كل ما تم إقصاؤه، وقد أكد على ذلك «هابرماس» حينما تحدث عن التفكيك بقوله: «لا يفقد نموذج من قوته إلا بمقدار ما يقوم «آخر» بنفيه، بشكل محدد أي بمقدار ما يقوم به آخر بالانتقاص منه بشكل يمكن الحكم عليه بأنه سديد؛ إن نموذج فلسفة الوعي لا يمكنه السقوط لمجرد الانتقاص لرؤية اختفاء الذات. لا يمكن لعمل التفكيك – مهما كان مندفعاً - أن يحصل على نتائج قابلة للتحديد إلا بدءاً من اللحظة حيث يحل مكان نموذج وعي الذات، المرجع الذاتي لذات تعرف وتعمل في العزلة (أي التفاهم)»[40].

كما يرفض “دريدا” من ناحية أخرى، القول بموت الفلسفة، وهذا يعني ضمناً رفض القول بموت الذات؛ إذ يقول: “إنني أحاول الوقوف عند حد الخطاب الفلسفي. أقول حدّاً لا موتاً. ذلك أني لا أؤمن مطلقاً بما شاعت تسميته راهناً بموت الفلسفة (بل لا أؤمن بكل بساطة بأي شيء: الكتاب، الإنسان أو الله؛ هذا مع الوعي بأن الموت كما نعرف جميعاً يمتلك فعالية ذات خصوصية واضحة)”[41].

ومن كل هذا نخلص إلى أن “بحث دريدا، في نهاية المطاف، يظل سجين الميتافيزيقا، سجيناً لميتافيزيقا الحضور هذه التي غالباً ما تفكك، ولكنها لا تهدم أبداً”[42]، وإن كان من الواجب هنا أن نشير إلى أن فلسفة «دريدا» تتضمن الكثير من الجوانب الإيجابية، فهو يدعوا إلى الاختلاف، وقبول الآخر، ويرفض الدخول في حروب باسم الدين، كما يعتبر التسامح فضيلة دينية.

(ثانيا): نقد الهيمنة الثقافية

اعتبرت الدول الغربية ثقافتها هي المعيار الذي يجب أن تقاس وفقاً له جودة الثقافات الأخرى من عدمها، وإن كان ذلك لا ينفي جهود علماء الأنثروبولوجيا في إقرار الثقافات الأخرى، وفي هذا السياق يقول «هانيز جوست» مؤلف مسرحية «شلاتر»: «حين أسمع كلمة الثقافة أتحسس مسدسي»، وثمة قراءة أكثر دقة للنص الألماني كما يلي: حين أسمع كلمة الثقافة أزيح صمام الأمان عن البراوننج، واسم براوننج أصبح مرادفاً للبنادق الآلية ونصف الآلية التي صممها الأمريكي جون م. براوننج» [43].

ويرى بعض الباحثين أنه إذا أردنا أن نصف إحدى الثقافات بشكل كامل فيجب علينا أن نتناول الأمور الآتية: مستوى تطور التقنية، وأسلوب الاقتصاد، ونظام السلطة، والعناصر الاجتماعية، والنظام القانوني، ونظام القيم، «ويتحدث ديتر زينجهاز Dieter Senghaas عن سداسي، أو تمدين مسدس، وهو يدرك ذلك بطريقة معيارية مثل خيط بناء أو مبدأ يحدد المجال الذي ينبغي للمجتمع أن يتحرك فيه. وهذا المسدس (Hexagon) يشمل احتكار الدولة للعنف، والنظام والقانون، والمشاركة الديمقراطية، وثقافة اختلاف خالية من العنف، والعدالة الاجتماعية، والسيطرة على الاضطرابات. وتشير الأخيرة إلى أن التربية والتكيف الاجتماعي مكونان لا غنى عنهما لأيّ ثقافة”[44].

فهذا الرأي يرى أن النظرة السكونية للثقافة التي جرى وصفها كانت تصح ربما على الفترات الماضية التي كان التحول فيها يتم غالباً بإيقاع بطيء، حين كان الاحتكام بين دوائر الثقافة محدوداً، والمسافات بينها مترامية، وكانت وسائل المواصلات والاتصال قليلة علاوة على بطئها، ولذلك فقد توفرت فقط فرص ضئيلة للتأثيرات المتبادلة حدثت عبر الغزو الإيجابي أو السلبي. وتحت هذه الظروف من الاختلافات السكونية نسبيّاً، وعلى أساس منها، فإن الإقدام على الخروج بنبوءات سياسية مستقبلية كان ممكناً ربما، ولكن هذه الأزمنة انصرمت، “فالمعالم الثقافية الجوهرية في المجتمعات تتبدل الآن في غضون أجيال قليلة، بل في غضون جيل واحد فقط غالباً. لقد غيّر الكمبيوتر حياتنا، فهو يتدخل بشكل قوي في روتيننا اليومي، ويضع معايير جديدة لمعرفتنا ولاكتساب هذه المعرفة واستدعائها، وعمل في غضون سنوات قليلة على تنوير سلوكنا الاتصالي، وذلك كله يعد علامات ثقافية هامة”[45]. 

ويقول «فيكتور بورك»: «يتضح لنا من تأمل أعمال سوركن أن التطورات المختلفة ارتبطت بالنتاج الثقافي مثل الديانات والأيديولوجيات ورؤى العالم تظهر داخل هذه الحضارات على المستوى العام والحضاري والمستوى الكبير والصغير وتتفاعل مع الحروب لتشكل الدول»[46].

ويقول هنتنجتون: «في عالم ما بعد الحرب الباردة أصبحت الأعلام تدخل في الحساب وتوضع في الاعتبار وكذلك رموز الهوية الأخرى مثل الصليب والهلال حتى غطاء الرأس لأن الثقافة[47] لها أهميتها ولأن الهوية الثقافية هي الأكثر أهمية بالنسبة لمعظم الناس...فالناس يكتشفون هويات جديدة ولكنهم في أحوال كثيرة يكتشفون هويات قديمة، ويسيرون تحت أعلام جديدة ولكنهم في أحوال كثيرة يسيرون تحت أعلام قديمة تؤدي إلى حروب مع أعداء جدد ولكن في أحوال كثيرة مع أعداء قدامى»[48].

وبغض النظر عن عدم الإحكام والدقة في الصياغة والإسهاب في التعبير عن المشكلة التي يريد إثارتها هنتنجتون فإنه يرى أن الثقافة الأصولية تؤدي إلى الحروب والصراعات بين الحضارات لأن الثقافة بشكل عام تقوم بوظيفتين متناقضتين. «فالثقافة والهويات الثقافية التي هي على المستوى العام هويات حضارية هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة»[49].

وهذا يوضح على نحو دقيق لماذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية عندما احتلت العراق باغتيال هويتها الثقافية فنهبت المكتبات والمتاحف على يد مرتزقة وظفتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا عينه هو ما حدث لبغداد عند الغزو التتاري لها؛ إذ وضع التتار الكتب في نهري دجلة والفرات وعبروا عليها. ولهذا يقول «هربرت ماركيوز»: «إن التخريب الثقافي ينطوي عليه كل ممارسه سياسية جذرية»[50].

والشيء نفسُه حدث لمكتبة الإسكندرية التي اغُتيلت هي الأخرى – ليتم تحطيم الهوية المصرية – على أيدي الرومان «فقد تعرضت للتلف بالحريق مرات عدة أولها عام 47 ق.م عندما أراد يوليوس قيصر نقلها إلى روما، والثانية عام 272 ق.م في حكم الإمبراطور أوريليا، وعام 391 بأمر الراهب ثيوفيل»[51].

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل بإمكان هذه الكتب أن تناصب أمريكا العداء؟ وهل بإمكان مقتنيات المتاحف أن تكون آلات دمار أعتى من الآلة العسكرية الأمريكية ؟ الذي لا شك فيه أن الكتب بما هي كتب لا يمكنها أن تدفع عن نفسها الأذى ولكن الطاقة الثقافية التي تحويها هذه الكتب والتي تعد بمثابة حصن للذات هي أخشى ما تخشاه أمريكا.

الطامة الكبرى في واقعنا العربي أننا ننظر إلى الثقافة والعلم بوجه عام على أنهما أدوات ترفيهية أو إحدى كماليات الحياة العصرية ولم ننظر إلى الثقافة والعلم أبداً على أنهما خط الدفاع الأول ضد كل غزو، ولذلك دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‏ (‏الالكسو‏)‏ إلى ضرورة تكثيف الجهود لتقليص نسب الأمية التي لا تزال مرتفعه في العالم العربي؛‏ «حيث يبلغ عدد الأميين‏70‏ مليوناً‏.‏ ورأت الالكسو أن البيانات الإحصائية حول واقع الأمية في البلاد العربية تشير إلى أن عدد الأميين لدى الفئات العمرية التي تزيد على ‏15‏عاما‏ً،‏ ارتفع عموماً من‏50‏ مليوناً عام ‏1970‏ إلى‏70‏ مليوناً في ‏2005،‏ كما أن معدل الأمية وصل إلى ‏35.6%‏ وتشكل هذه النسبة ضعف معدل الأمية في العالم وأعلى من تلك المسجلة بالمناطق الأقل نمواً فيه وتبلغ‏23.4%،‏ وتنتشر الأمية بنسبه مرتفعه بين النساء اللواتي يعاني نصفهن تقريباً منها‏(46.5%)»[52].

ومن هذا المنطلق، يبدو لنا أن فكرة الصراع الثقافي بين العالم العربي والغرب بعيدة كل البعد عن الواقع. ولكن من الملاحظ أن بعض المفكرين الغربيين مصممون على فكرة الصراع؛ بل واختلاقه.

ومن أجل أن تخفي أمريكا نزعتها الاستعمارية تختلق صداماً بأسماء متعددة يحدث نتيجة مجابهة القوة الوطنية للغزو الاستعماري «وهكذا يصبح الصدام المختلق واقعاً وحقيقة وهو يحدث عندما تجعل إحدى الثقافات من نفسها الثقافة العظمى‏، بينما كل الثقافات الأخرى ثقافات صغرى.‏ ومن ثم فالعلاقة بينهما هي علاقة ميتافيزيقية‏، علاقة بين الواحد والكثير، علاقة ذات صلة بالوجود‏، علاقة بين الإله والمخلوقات‏، بل إنها علاقة أخلاقية بين ما ينبغي أن يكون وماهو كائن‏.‏ إن ثقافة واحدة، في سعيها إلى القوة‏، تتجاوز كل الثقافات الأخرى وتتفوق عليها، مثل الإله زيوس على جبال الأوليمب‏.‏ إن ترتيب الثقافات هو ترتيب للقيم، فالثقافة العظمى أعلى من الثقافات الأخرى، الثقافات الصغرى‏.‏ واحدة في المركز والأخريات في التخوم‏.‏ بعد ذلك، تبدأ عملية التثاقف‏.‏ وفي ذهن الثقافة العظمى أن التثاقف يعني الإسقاط والإضافة‏، إسقاط ما هو أصلي وإضافة ما هو خارجي‏، وهو مسار ضروري من التخلف إلى النمو، من التأخر إلى التقدم، من البدائية إلى الحداثة‏، من الموت إلى الحياة‏.‏ أما التثاقف، في ذهن الثقافات الصغرى‏، فيعني تدمير الثقافات الوطنية الصغرى تنفيذا للثقافة الإمبريالية العظمى‏.‏ ولما كانت الثقافة هي المعبرة عن الهوية الوطنية،‏ فإن تدمير الثقافات الوطنية إنما هو تدمير للكيانات الوطنية والمجتمعات والشعوب‏»[53].

والواقع أننا قد نتفق مع «هنتنجتون» على أن الثقافة إما أن تؤدي إلى تماسك المجتمع أو تؤدي إلى تفسخه – على نحو ما يثار من جدل حاد في أمريكا حالياً عن ثقافة النخبة وثقافة الجماهير- ولكننا لا نتفق معه في أن الثقافة تؤدي إلى الصدام بين الحضارات؛ حيث إن الثقافات لا تُعَدُّ لاعباً سياسيّاً، ولا تستطيع أن تكون فاعلة في السياسة الدولية مباشرة، ولذلك فإن الحديث عن صدام الثقافات لا يعدو عن كونه مجازاً لا يميز واقعاً سياسياً ممكناً، فعالم السياسة له بُعْدٌ ماديٌّ ويتجلى ذلك بأوضح صورة في الحدود التي تعين أراضي الدولة، فالدولة توجد بصفتها معطى جغرافيّاً ويجسدها أشخاص محددون. ومن ينس الوجود المادي للدولة، فإن بإمكان البوليس والجيش اللذين تعلن سلطة الدولة عن نفسها فيهما بشكل ملموس، تذكيره بذلك بصورة سريعة وموجعة.

(ثالثاً): العولمة والهيمنة

بما أن العولمة تطور طبيعي ومنتج أصيل لسيادة الرأسمالية، والرأسمالية وفقاً لتعريفها الاصطلاحي هي “النظام الاقتصادي الذي يقوم على الملكية الخاصة لموارد الثروة ويطلق المجال لحريات الأفراد والمشروعات”[54]. إذاً، لا يمكن أبدأ النظر إلى الرأسمالية على أنها قادرة على تحقيق الفردوس على الأرض بل لن يكون بوسعها إلا إذكاء مزيد من الهيمنة والسيطرة للأنا على الآخر.  أضف إلى ذلك “أن الرأسمالية تسير بالعامل إلى منتهى الحرمان، وتحرره تدريجيّاً من كل العوامل المحددة ... ليس في حوزته شيء ... لا ملكية، لا أخلاق، لا أرض. إنه إذاً لا يملك أي شيء”[55].

ومن هذا المنظور يمكن قراءة سيطرة الرأسمالية كنسق اقتصادي على اقتصادات السوق تؤدي في النهاية إلى فرض الهيمنة والسيطرة لصاحب المال.

إن المال كما يقولون يولّد القوة ولا بد للقوة أن تتخارج، وهذا ما نجد عليه دليلاً واضحاً في حالة الولايات المتحدة الأمريكية. إن قوتها الاقتصادية تؤدي بها إلى التخارج الذي قد يبدأ في شكل مساعدات للفقراء ثم سرعان ما يتطور إلى تدخل بالقوة في الشؤون الداخلية لبعض الدول.

والواقع، ليست العولمة عملية حديثة أو مقترنة بنهاية القرن العشرين ونهاية الحرب الباردة، بل إنها قديمة ذات جذور تاريخية ترجع إلى بداية الرأسمالية وتطورها منذ عدة قرون، وهذا ما أكد عليه “فيليب ماك مايكل” إذ يقول: “إن مشروع العولمة ليس خاصاً بعصرنا، كما قد يظن البعض، لكن العولمة كرؤية لتنظيم العالم هي خاصة بعصرنا. إنها مشروع تاريخي مثلما كان مشروع التنمية”[56]، وهي من هذا المنحى وحدة تعكس المعنى الحقيقي لها بوصفها شكلاً من أشكال فرض الهيمنة من قبل المركز على الأطراف.

فإذا كانت الحروب الصليبية قد فشلت في تحقيق أهدافها لمدة قرنين، فإن أساليب أخرى أخذت في التطور حتى وصلت إلى مرحلة الاستعمار التقليدي للعالم الإسلامي، «ففي ظل السيطرة التجارية (العولمة) ... كانت تتمدد جذور الفكر عن المركزية الأوروبية من ناحية، كما تتبلور ملامح تفوق المنظومة الرأسمالية الغربية العلمانية من ناحية أخرى»[57].

ويطرح «ليوتار» رؤيته لطبيعة العلاقة الحالية القائمة بين أطراف المنظومة الرأسمالية الحاكمة والمؤسسة للعولمة بقوله: «إنه إذا كان يجب القضاء على الاستغلال والاغتراب الذي يتعرض له النشاط الإنتاجي، فلأنهما يؤديان إلى إبطال قيمة العمل والإنسان العامل. إن قيمة العمل هي التي أخذت في الأفول. وفي فرنسا أفضى تحقيق حديث إلى أن نصف الشباب الفرنسي، ممن يمثلون جميع فئات المجتمع، لا يبصر في العمل إلا غاية واحدة هي ضمان البقاء. إنه ينفي عنه كل قيمة خلقية وكل قيمة مثالية للذات»[58].

وينظر «ليوتار» إلى صراعات الرأسمالية قائلاً: «إنها صراعات مصاحبة لعميلة تعدي الرأسمالية على المجتمعات المدنية التقليدية ... هذه الصراعات دامت أكثر من قرن من التاريخ الاجتماعي، والسياسي، والأيديولوجي ... كما أن مصير هذا الصراع قد تحدد: ففي البلدان ذات الإدارة الليبرالية المتقدمة تحولت الصراعات وأدواتها إلى منظمات للنظام؛ وفي البلدان الشيوعية عاد النموذج ذو الصبغة الكلية وتأثيرات الشمولية تحت اسم الماركسية ذاتها، وحرمت الصراعات موضوع البحث ببساطة من الحق في الوجود»[59]، ولذلك لم تعد تتكون طبقة صانعي القرار «من الطبقة السياسية التقليدية، بل من شريحة مركبة من رؤساء الشركات...، ورؤساء المنظمات الكبرى المهنية»[60].

ومن ناحية أخرى، لما كانت الدولة فكرة كلية تسبق الوجود الجزئي للأفراد في ما يقول (أرسطو)، وتعد الدولة من وجهة نظر الساسة بمثابة الحصن الواقي للجماعة التي تدين لها بوجودها، فإن من شأن تحويل المحدود (الدولة) إلى اللامحدود (العالم) أن لا يبدو ذا قصد بريء وإنما هو بالأحرى يخضع لتوجه أيديولوجي ما. ويمكننا أن نستشف التوجه الأيديولوجي من تعريف العولمة نفسه الذي يركز على جوانبها الاقتصادية ويحيلها إلى اندماج أسواق العالم في مجالات التجارة والاستثمارات المباشرة ولم يمنع هذا أن يتضمن تعريف العولمة شمولها للجوانب الثقافية.

ومن ثم فالعولمة قد تكون في شكلها الظاهري عملية اقتصادية ولكنها في الواقع عملية أيديولوجية خالصة. من هنا نستنتج، أن الأمر يتعلق بالدعوة إلى توسيع وتبني النموذج الأمريكي وإفساح المجال له ليشمل العالم كله. وبالتالي فالعولمة، إلى جانب كونها نظاماً اقتصاديّاً، هي أيضاً أيديولوجية تعكس هذا النظام وتخدمه وتكرّسه، وهناك من الكُتّاب من يقرن بينها وبين «الأمركة»، أي نشر وتعميم الطابع الأمريكي.

ومن هذا المنطلق، فالعولمة، تعمل على تكريس الثنائية والتمزُّق والانشطار في الهُوِيَّات الثقافية الوطنية، ومنها طبعاً هُويتنا العربية الإسلامية. وثمة إجماع من قبل المفكرين المعاصرين العرب على أن العولمة «ليست سوى الثقافة الغربية الظافرة في هذا العصر، بعناصرها ومكوناتها المختلفة، وبروافدِها الأوروبية، وخاصة الأمريكية منها. وهي ليست سوى هذه الثقافة وهي تسعى إلى فرض قيمها واختياراتها ومرجعياتها، على سائر الثقافات الإنسانية الأخرى، من أجل إعادة تشكيلها.

وقد يعتقد البعض أن مصطلح العولمة مصطلح يقف على النقيض من مصطلح الصدام، لأن مفاده أن العالم يجب أن يكون قرية صغير واحدة، غير أن العولمة ليست نظاماً عالمياً أو نموذجاً عالمياً للحياة يرسم حدوداً لعالم مثالي تتكامل فيه الدول وتتوحد، كما أنها ليست نظاماً عالمياً نشأ نتيجة تفاعل طبيعي للثقافات العالمية، ولكنها نظام جديد من العلاقات بين الثقافات، كما هو الحال بين الجماعات والدول والأسواق، نشأ في سياق صراع التكتلات الرأسمالية الكبرى على الهيمنة العالمية. إنه يعكس إذن هذه الهيمنة[61] في بنيته العميقة، ويكرس الموقع المتميز للولايات المتحدة فيها، بقدر ما يعكس المشاركة الرئيسية للرأسمالية الأمريكية في ثورة المعلومات. وتلعب هذه الهيمنة، بما يلحقها من تطورات تقنية، وتبادلات تجارية، تعمل على تقريب المسافات وتوحيد أنماط الحياة المادية والفكرية، دوراً أساسيّاً في دمج الدوائر الثقافية المختلفة، وإنشاء فضاء ثقافي مشترك، أو قائم فوق الثقافات القومية، يسمح لمنتجات الثقافة الأمريكية أن تهيمن وتسود منتجات الثقافات الأخرى.

ويبدو أن الأمر كله لا يعدو كونه أيديولوجيا سياسية تحاول فرض هيمنتها على العالم لتحقيق مركزية القطب الواحد تحت بأسماء متعددة. وإذا كان البعض يرى أن العالم صار سوقاً واحدة شئنا أم أبينا وأن التجارة العالمية تبدو وكأنها في نمو مُطَّرِد يستفيد منه الجميع، فالواقع أن ثمة حقائقَ مفجعةً تُجافي كلَّ هذه الادعاءات. ولعل من أوضح هذه الحقائق «أن 20% من العاملين ستكفي في القرن القادم للحفاظ على نشاط الاقتصاد الدولي (ومن ثم) لن تكون هناك حاجة إلى أيد عاملة أكثر من هذا»[62].

وهذا يعني أن أحد أشكال العولمة هو تقليل الاعتماد على العنصر البشري، وهذا بطبيعة الحال لن يؤدي إلى إيجاد حلول لمشكلات الإنسان المتعلقة بالعمل، والبطالة بل سيؤدي إلى زيادتها وتفاقمها؛ فأين إذن ستذهب هذه الأيدي العاملة؟ بل كيف يمكن استيعاب الأيدي العاملة الجديدة التي يتم الدفع بها إلى السوق؟ وكيف يمكن خلق توازن بين مستوى الدخول المرتفعة والتي يتقاضاها العاملون في الشركات العالمية وبين هؤلاء المعدمين الذين لا يجدون فرصة عمل؟

من الحقائق المفزعة في ظل أطروحة العولمة التي بشر بها الغرب، أنه بالرغم من وجود العولمة إلا أن البيانات الإحصائية لا تدعم النظرية الزاعمة بأن تحرير التجارة يؤدي حتماً إلى نمو مجمل اقتصادات العالم، إذ أن: «ربع السكان في العالم الثالث يعيشون تحت خط الفقر، وأن 30 ألف شخص يموتون يوميّاً بسبب المياه الملوثة والظروف الصحية السيئة، وأن متوسط العمر في تلك البلاد يقل عشرين عاماً عما هو عليه في الولايات المتحدة»[63].

وفي بعض التقارير: «أن ثروة ثلاثة أغنياء أمريكيين تعادل أو تزيد ثروات 48 دولة من دول العالم الفقيرة، وأن 255 ثريّاً في العالم يمتلكون ألف مليار دولار، وأن 48 شخصاً أمريكيّاً تزيد ثروتهم على ثروة الصين التي يصل عدد سكانها إلى 1. 3 مليار نسمة، وأن أربعين مليار دولار فقط ـ أي ما يوازي 4% من ثروات الـ 225 شخصاً ـ كافية لكي تؤمن لكل سكان المعمورة الخدمات الاجتماعية الأساسية التي يحتاجون إليها، أي الغذاء والصحة والمياه والتعليم»[64].

وتأسيساً على هذه الحقائق، «فإن الأمل بأن تؤدي كل جولة من جولات تحرير التجارة الخارجية إلى تنامي نمو الاقتصاد العالمي وخيرات الشعوب المشاركة في هذه التجارة وهم وضلال بيّن»[65].

كما أن المشكلة أيضاً هي الحصول على عمال يبذلون جهداً كبيراً في العمل مقابل أجر زهيد، وهذا يعكس طبيعة المصالح الذاتية والاستغلال الرأسمالي.

إن الحقيقة التي يفصح عنها الصراع على لقمة العيش لا شك أنها مفجعة، ولعل مقولة «سكوت مك نيلي» مدير مؤسسة «سان» تعبر عن هذا الصراع على لقمة العيش أدق تعبير إذ يقول: إن المسألة ستكون في المستقبل هي «إما أن تأكل أو أن تؤكل To have Lunch or be lunch» ومن ثم فإن الحديث عن التكامل والتوحد والاندماج في ظل محاولات فرض رؤية أحادية وهيمنة المركز على الأطراف تبدو هراء.

وعلى الرغم من أنه كانت هناك محاولات لأن توضع الظروف الاجتماعية في الاعتبار عند تطبيق اتفاقية «الجات» التي تعد حجر الأساس للعولمة فإن هذه المحاولات قد باءت بالإخفاق. «ففي سياق المباحثات الختامية حول إنشاء المنظمة العالمية للتجارة نادى البعض بضرورة إدراج بند خاص بالظروف الاجتماعية للعمل وبحماية البيئة في اتفاقية منظمة التجارة العالمية، وبناء على هذا البند كان المفروض أن يكون في الإمكان تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الدول التي يثبت عليها أن صادراتها تنتج في ظل شروط تخل بالمعايير الدنيا المقررة من قبل منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، لكن سرعان ما جرى الاعتراض على هذا المسعى ليس من قبل الدول المعنية فحسب بل من قبل دول أخرى، وتصدرت قائمة الحكومات المعترضة الحكومتان الألمانية والبريطانية على وجهة الخصوص اللتان «تؤمنان بحرية التجارة إيمان الأطفال بالخرافات والأساطير»[66].

وإذا كانت دول المركز أو الدول الغربية هي صاحبة الاعتراض على مراعاة الظروف الاجتماعية عند تطبيق اتفاقية الجات، وهي التي ما فتئت تتشدق بالاهتمام بالنواحي الإنسانية؛ فإن هذا يكشف بوضوح عن محاولات المركز لتمكين وضعه دون أن يضع في اعتباره الدول الأخرى.

وعلى ذلك نستطيع طرح السؤال التالي: هل ستستمر الولايات المتحدة في تبني أطروحات العولمة لو خرجت هذه الأطروحات على مصالحها؟ وماذا لو اتخذت توجهات السوق اتجاهات متعارضة مع مصالح بيوت المالية الأمريكية الكبرى؟ ولماذا تخرج الولايات المتحدة على قوانين منظمة التجارة العالمية فتدعم الشركات الأمريكية؟

لعل ما فعلته أمريكا في الفترة ما بين 2002 - 2005 في ما يتعلق باستيرادها للصلب وفرضها رسوماً جمركية[67] على ما تستورده من الصلب لحماية منتجاتها المحلية بما يخالف اتفاقيات الجات هو سير في هذا الدرب أيضاً، «ولحماية الصناعة الأمريكية الفتية، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية ضرائب جمركية، وظلت تفرض تلك الضرائب على السلع المستوردة حتى بعدما تطورت الصناعة الأمريكية وأصبحت ذات قدرة تنافسية كبيرة، ولعل الضرائب التي فرضتها عام 2002 على الصلب والحديد خير مثال على هذه الحقيقة، ولعل أيضاً ما يقوم به الرئيس الأمريكي ترامب من أجراءات حمائية لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من العولمة يفسر لنا مدى تأثيرها حتى على دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا الإطار يمكن القول أن السلوك الخارجي للولايات المتحدة الأمريكية يظهر أن السلطة والهيمنة والمصالح هي العوامل الحاسمة في إدارة سياستها الخارجية، «فالسلطات الغربية قد استعملت حججاً مؤسسة على قيم لتبرير القرارات والأعمال المتولاة لأسباب أخرى وعقلنتها وشرعنتها»[68].

كما يمكن القول مع “آلان تورين” أنه توجد “سيطرة لنخب معقلنة ومحدثة على بقية العالم، وذلك بواسطة تنظيم التجارة والمصانع وبواسطة الاستعمار، لقد تجلى انتصار الحداثة في إلغاء المبادئ الخالدة، وإقصاء كل الماهيات والكيانات المصطنعة مثل الأنا والثقافات”[69]. 

ومن ناحية أخرى «لا تقف العولمة عند حدود تدعيم سوق عالمية للسلع والخدمات والأموال، بل إن العالم الذي أصبح قرية كما يقال عادة يقع تحت تأثير الترويج الإعلامي الذي زالت الموانع أمامه، بعد أن أصبحت الأقمار الصناعية وسيلة اتصال واستقبال لا تعترف بالحدود السياسية أو المناطق الثقافية. وتوافق ذلك مع هيمنة تجارة الخدمات والمعرفة، على التبادل بين الأمم، وسيطرة قوة وحيدة في هذا الميدان. وتصادف تاريخيّاً أن هذه القوة الوحيدة ذات المنعة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية خالية الوفاض من تراث إنساني وثقافي يعتد به، ولا تحمل رسالة إنسانية ولو من باب التبرير الإعلامي كما فعلت الأمم التي سادت في السابق. ولم تجد هذه الأمة غير نمط في العيش والاستهلاك تحاول التسويق له»[70].

في الواقع، تقوم العولمة على تدشين ثقافة الاستهلاك بحيث يصبح المركز هو المصدر أو المنتج وتصبح الأطراف أو الآخر هي المستهلك؛ إذ يقول البعض: «إن ثقافة الاستهلاك والتي كانت ثمرة عن المجتمع الصناعي أبرزت ملامح العقل الأداتي؛ حيث الذاتية والنفعية في أعلى تقمصاتها، بدءاً من عملية التفكير وممارسة إجراءات الاستقراء والاستنتاج وصولاً إلى العناية بالمنهج على حساب المضمون... وبهذا فإن الذاتية الفردية ــ الجمعية أصبحت هي الغاية التي يمثلها هذا العقل، وعبر هذا المنظور... تحدد الجانب الأخلاقي في المنفعة الذاتية، ومن خلال هذا العقل الذاتي ثبت الغرب خطواته في مجال التقدم الثقافي... وفرض معالم السيطرة وبرزت النزعة الاستعمارية»[71].

ونحن نجد تأكيداً لهذا المنحى في كتاب «رأس المال والرذائل الجديدة»؛ حيث يوضح «أمبيرتو جالمبرتي» إن ما يجعل ثقافة الاستهلاك رذيلة كبرى هو أنها تقوم على شراء الأشياء التي سنرميها بعيداً حين يروق لنا ذلك، ومن خلال ثقافة شراء الحاجات ورميها بعيداً، أقام المجتمع الاستهلاكي هويته الخاصة به وحدد وضعه الاجتماعي، وعرف فكرته الخاصة عن الحرية.

صحيح أن الاستهلاك موضوع اقتصادي، ولكن لا أحد ينكر صلته الوثيقة بالثقافة، فأنت عندما تقرر شراء سلعة معينة تستند إلى مجموعة من القناعات التي تدفعك لانتقائها دون غيرها، وفي عصر العولمة تكاد تتحول المجتمعات ومنها النامية الغارقة في الديون، إلى مجتمعات استهلاكية ليس بمحض المصادفة، ولكن نتيجة مخططات مدروسة بعناية وبدقة. «فقد ارتبطت معالم الظاهرة الاستعمارية أو عولمة القرنين السابع عشر والثامن عشر بالظروف التاريخية لهذين القرنين، وبخاصة الثورة التجارية، وقصة البحث عن المعادن النفيسة إلى حد كبير، كما ارتبطت عولمة القرن التاسع عشر بظروف هذا القرن التاريخية، وبخاصة بالثورة الصناعية، حيث سعت الدول القومية الوطنية الحديثة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المواد الأولية اللازمة لصناعاتها، وكذلك إلى أوسع الأسواق لتصريف منتجاتها»[72].

يضاف إلى ذلك أن التكنولوجيا الحديثة قصرت من عمر أي منتج، إذ سرعان ما يتحول إلى بضاعة غير مفيدة أو يتجاوزه الزمن في بحر سنوات أو شهور قليلة. عندها يجد المستهلك نفسه (مضطراً) إلى تغيير ما لديه من منتج وشراء الجديد الأكثر كفاءة أو الأفضل نوعية.

وبناء على هذا يقول جلال أمين: «إن هذا التحول الكبير الذي طرأ على طبيعة الاستغلال، من استغلال الدولة كمنتج (أو كمصدر للعمالة الرخيصة)، إلى استغلاها كمستهلك، كان له آثار أكبر أهمية بكثير مما قد يبدو لأول وهلة، ذلك أن استغلال العامل يحتاج لتبريره إلى أيديولوجيا مختلفة جدّاً عن تلك التي يمكن بها تبرير استغلال المستهلك»[73].

ومن صنو ثقافة الاستهلاك أيضاً الاقتناء، إن الاقتناء في ما يقوله «هيدجر» لا يتم هنا بناء على حاجة ملحة أو لتحقيق غرض ما، إنك تقتني أثمن أنواع الساعات أو أندر أنواع الكتب أو لوحة لفنان شهير تقدر بالملايين لا لأنك تريد أن تقرأ هذا الكتاب وما فيه أو لحاجتك إلى ساعة تضبط لك الوقت على نحو دقيق ولا لأنك تريد أن ترقى بذوقك الفني إلى درجة عالية، بل إنك تفعل كل هذا لمجرد أن يقال أنك تقتني. إن هذا يدشن عقلية الجهد المبذول والإمكانية المطلقة للتفعيل وتحولها إلى ساكن بحيث يصبح امتلاك القصور والبيوت الفخمة نوعاً من أنواع التباهي في مجتمع الناس، هذا المجتمع الذي لا هوية له «إن الناس - في ما يقول هيدجر - هم في الحقيقة كائن وهمي لا وجود له، ومن ثم فإن «الناس ينتمون إلى هذا الآخر ويعززون قوته»[74]، وذلك لأن «مفهوم الناس عبارة عن مفترق للطرق مفتوح لكل قادم»[75].

بيد أن هؤلاء الناس الذين لا وجود لهم، هم في الوقت ذاته يملكون طرقاً عدة لكي يمارسوا وجودهم الزائف. وعندما يتحقق وجودهم بشكل يملي على الموجود كل تصرفاته وأفعاله يصبح الوجود (مع) الآخرين بوصفه كذلك مهموماً بحياة التوسط، وفي مثل هذا النمط من الحياة «كل احد يكون الآخر، ولا أحد يكون نفسه»[76]، وهذا هو ما تهدف إليه العولمة على المستوى الجماعي، وإن كان حديث «هيدجر» هنا على المستوى الأنطولوجي الفردي. 

ومن ناحية أخرى، فإن شعار العولمة لا يخلو من نفع، ولكن النفع يعود أغلبه على مركز بثها وإشعاعها، وأغلب أضرارها تعود على الأطراف، ومن بين هذه الأطراف بالطبع المنطقة العربية «ويمكن أن تحقق أمة من أمم الأطراف نهضة تحولها من طرف سلبي في التعامل الدولي إلى قوة فاعلة وإيجابية ولا يمكن تصور حدوث هذه النهضة إلا باستعادة الدولة القومية قوتها»[77].

ومما لا شك فيه أن العولمة تهدف بالدرجة الأولى إلى إزاحة سيطرة الدول على شعوبها لفرض هيمنة المركز مباشرة على هذه الشعوب. إذاً، الواضح «أن حالة الدولة – الوطن - تفقد سيطرتها على المجتمع، وعلى استقلاليتها كنظام في العالم. وبالتالي، فإنه مع انحلال المشروع الحضاري الجديد، بدأ نظام الدولة – الوطن يفقد السيطرة على القوى التي كان يحتويها سابقاً، ذلك أن العولمة بأبعادها المختلفة تقلل من دور الاستقلالية لنظام الدولة – الوطن، وتؤثر سلباً على قدرتها على اتخاذ القرار»[78].

فهل يعني هذا أن العولمة هي أيديولوجية مناقضة فكريّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً لفكرة الدولة أو الوطن؟

إذا كانت العولمة تستلزم تحطيم المسافات أو التعامل عن قرب مع الآخرين، فمما لا شك فيه أن العولمة تهدف بالدرجة الأولى إلى إضعاف سلطة الدولة[79] وتفتيت العالم إلى كتل منعزلة لتمكين الشركات العملاقة التي يطلق عليها شركات متعددة الجنسيات من السيطرة والهيمنة على اقتصاديات ومقدرات الدول الأخرى. 

ومن ناحية أخرى، فإن توظيف وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة كأداة للسيطرة على العقول كما يحدث على شبكة الإنترنت التي يستخدمها البعض لنشر ثقافات هدامة – ولا يمنع هذا من كونها تقوم بدور إيجابي في نشر العلم والثقافة وإحداث التقارب بين الثقافات- تقوم بتخريب عقول الشباب كما حدث مع عبدة الشيطان، ومن ثم تحيل هذه العقول إلى توابع تدور في فلكها، وفي هذا الصدد يقول «هيدجر» موضحاً أثر التقنية في إحداث الغربة في الإنسان المعاصر «لكن ما يبعد إنسان الأزمنة الجديدة خاصة عن بداية تاريخه هو الطفرة التي حدثت في طريقة تأويل العالم. إن الوضعية الأساسية للأزمنة المعاصرة هي الوضعية التقنية»[80]. أي أن السّمة التكنولوجية هي الغالبة على العالم، وهي وإن كانت شكلاً من أشكال الوجود فإنها تبعده عن تاريخه الأصيل الذي يتحد فيه مع الوجود.

وبوسعنا أن نجد في شبكة الإنترنت وسيلة لنشر قيمة العولمة، فمن خلالها تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة التدفق الإعلامي والمعلوماتي ومن خلال شبكة واسعة من القنوات الفضائية الأمريكية أو المدعومة أمريكياً[81] وشبكة المعلومات الدولية الإنترنت، إلى تذويب الثقافات الرافضة للتهميش والإقصاء ونشر منظومة القيم الأمريكية المزعومة عن العلمانية والتعددية، واحترام الإنسان وحقوق الأقليات رغم تدني احترامها أمريكيّاً، وبما في ذلك تلك القيم المدمرة للعلاقات الاجتماعية، وفي مقدمتها العلاقات الأسرية على سبيل المثال، ونخلص من ذلك إلى القول بأن حرباً باردة أمريكية جديدة لا هوادة فيها تشن على المجتمعات والثقافات الرافضة للهيمنة الأمريكية، تهدف إلى تدمير بنياتها الاجتماعية وتقاليدها وعاداتها وأديانها تمهيداً لذوبانها في الثقافة الأمريكية الغالبة، والمغلوب مولع بتقليد الغالب كما يرى ابن خلدون.

ويبدو أن عناصر القوة اليوم لا تقف عند حد القوة العسكرية، كما لا تقف عند حد القوة الاقتصادية، وإن كانت أهم عناصر القوة وأشدها تأثيراً وأكثرها مساعدة في فرض الهيمنة على الآخرين، فعناصر القوة قد اتسعت لتشمل قوة المعلومات والإنترنت بما تشتمل عليه من قنوات فضائية ضخمة ووكالات إخبارية ترصد كل شيء على أرض الغير، وصحف عابرة للقارات، واتسعت لتشمل أيضاً العديد من الاتفاقيات الدولية التي وضعت جميعاً لتسهيل مهمة الهيمنة الغربية على بقية شعوب العالم كاتفاقية الجات الاقتصادية واتفاقيات الحد من الأسلحة النووية والبيولوجية وغيرها.

فالعولمة، إذن، تسعى إلى فرض نموذجها الرأسمالي على العالم من خلال الاقتصاد والسياسة والثقافة وتعميم قيم الليبرالية الجديدة مثل اقتصاد السوق وحرية التجارة وفتح الأسواق الوطنية وإلغاء أو تقليص أنظمة وإجراءات الحماية وإضعاف دور الدولة في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي. بحيث يمكن القول أن العولمة الغربية هي طور جديد على طريق النزعة المركزية الغربية والعالمية بمفهومها الغربي، إنها طور الاجتياح الذي يطمع في صب العالم داخل القالب الغربي على مختلف الصعد والميادين الاقتصادية والسياسية والقيمية والثقافية والعسكرية والتشريعية...إلخ.

الخلاصة:

نخلص من كل ذلك أن فلاسفة التفكيك؛ وخاصة دريدا كأحد رواد فلسفة ما بعد الاستعمار؛ لم يستطيعوا أن يتخلصوا كلية من مركزية الذات الغربية؛ بل أنهم بشكل ما أو بآخر أعطوا أولية الذات (الغرب) عن الموضوع (الشرق)؛ حيث إنها ما زالت تمارس الدور نفسه من الهيمنة والسيطرة وإن اختلفت الدرجة، كما أن القراءة الصحيحة للعولمة تتيح القول أنها أحد الأشكال السياسية لفرض المركز هيمنته على الآخر؛ فالعولمة هي فرض هيمنة الذات عن طريق استغلال التفوق التقني والاقتصادي والتجاري، وترويج لنموذجها الثقافي بوصفه النموذج الأمثل.

---------------------------

[1]*ـ باحث وخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ـ القاهرة ـ جمهورية مصر العربية.

[2]- يانج، روبرت، أساطير بيضاء: كتابة تاريخ الغرب؛ ترجمة: أحمد محمود، المشروع القومى للترجمة؛ (616)، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2003، ص8.

[3]-دريدا، جاك، لغات وتفكيكات فى الثقافة العربية؛ ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي (لقاء الرباط مع جاك دريدا)، سلسلة معالم؛ عدد 239.- ط1 .- الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 1998، ص193.

[4]-عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، سلسلة عالم المعرفة، عدد 232، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1998، ص293.

[5]-المرجع السابق، ص309.

[6]-إدوارد سعيد، الاستشراق؛ ترجمة وتحقيق: صبحي حديدي، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996، ص29.

[7]-أحمد عبد الحليم عطية، دريدا والفكر العربي المعاصر، ضمن أبحاث أوراق فلسفية بعنوان ما بعد الحداثة والاختلاف، مقالات فلسفية، أوراق فلسفية عدد 3، القاهرة: د.ن، 2000، ص164.

[8]-المرجع السابق، ص165.

[9]-إن قضية المركزية الأوروبية ليست هي موقف النظريات العالمية فقط بل أيضاً التفسيرات التاريخية، التي تؤكد الاختلاف والنسبية الثقافية كضد للحقيقة الموضوعية والتواصل التاريخي، وضد أحادية المفاهيم اللاهوتية للتاريخ. إلا أن هذه الأوضاع لا تمنع بالضرورة بناء أوروبا بوصفها المركز، والآخر غير الأوروبي بوصفه أدنى وأقل في الإنسانية. فالإنكار المطلق للحقيقة العامة والقيم العالمية يؤدى إلى إنكار الطبيعة المشتركة بين المشتركين في ثقافات مختلفة. وهنا تكون الخطوة للعرقية تأخذ شكل بناء الآخر بوصفه مختلفاً ولديه معايير للإنسانية مختلفة. (لارين، جورج، الأيديولوجيا والهوية الثقافية: الحداثة وحضور العالم الثالث؛ ترجمة: فريال حسن خليفة-ط1- القاهرة: مكتبة مدبولي، 2002، ص29).

[10]-إن تاريخ الثقافة الغربية هو بالنسبة لدريدا «تاريخ كبت، وتأجيل مسألة الحضور. من هنا تصبح دلالة الحضور مسألة اكتشاف للسكوت المؤجل في الخطاب». (ويتمر، باربرا، الأنماط الثقافية للعنف؛ ترجمة: ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة، عدد 337 ، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2007، ص205).

[11]-إن “دريدا” “الذي يقتطع هذه التصورات في بعض الأحيان من نصوص أخرى، يلعب بها ... دون تحفظ فـ Le pharmacon ... مقتطع من روسو “ما هو لا الزائد ولا الناقص، لا خارج ولا مضاف لداخل ما، لا هو بعرض ولا جوهر...الخ، مقتطع من مالارمي Mallarme ما هو لا الغموض ولا التمييز، لا الهوية ولا الاختلاف، لا الاستهلاك ولا البكارة، لا الحجاب ولا السفور، لا الداخل ولا الخارج...الخ”. (كوفمان، سارة و لابورت، روجي، مدخل إلى فلسفة جاك دريدا: تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الآثر؛ ترجمة: إدريس كثير و عز الدين الخطابي.-ط2   الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 1994، ص74).

[12]- عبد الله إبراهيم، المطابقة والاختلاف؛ المركزية الغربية: إشكالية التكون والتمركز حول الذات، الدار البيضاء، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1997، ص320.

[13]- دريدا، جاك، في علم الكتابة؛ ترجمة وتقديم: أنور مغيث و منى طلبة، المشروع القومى للترجمة؛ عدد950.- ط1 .- القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2005، ص73.

[14]-دريدا، جاك، في علم الكتابة، مرجع سابق، ص74.

[15]-Melehy, Hassan; Writing Cogito: Montaigne Descartes, and the Institution of the Modern Subject. New York: State University of New York Press, 1997, p. 36. 

[16]-عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، مرجع سابق، ص165.

[17]-المرجع السابق، ص291-292.

[18]-يؤكد “دريدا” على ارتباط الصوت والكتابة الصوتية بحضور الذات فيقول: “إنه الاهتمام البالغ بالصوت والكتابة الصوتية في علاقتهما بالتاريخ العام للغرب، وكما سيتم تمثلها في تاريخ الميتافيزيقا في شكلها الأكثر حداثة ونقدية وحذراً، أعنى الفينومينولوجيا المتعالية لهوسرل”. (دريدا، جاك، مواقع حوارات مع جاك دريدا (هنرى رونس – جوليا كريسطيفا – جيي سكاربيتا – جان لوى هودين) ؛ ترجمة وتقديم: فريد الزاهي، سلسلة المعرفة الفلسفية؛ عدد 125.- ط1 الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 1992، ص11).

[19]-كوفمان، سارة ولابورت، روجي، مدخل إلى فلسفة جاك دريدا: تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الآثر، مرجع سابق، ص65- 66.

[20]-دريدا، جاك، أحادية لغة الآخر، فضاءات للفكر والثقافة والنقد، في 5 إبريل 2001. http://www.fadaat.com/a5/a5p6.htm

[21]-الموقع السابق.

[22]-Borradori, Giovanna; Philosophy in a time of Terror: Dialogues with Jurgen Habermas and Jacques Derrida, Chicago and London: The University of Chicago Press, 2003, p. 126, 127 and 161.

[23]-دريدا، جاك، ما الذي حدث في 11 سبتمبر؛ ترجمة: صفاء فتحي، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2003، ص138، وأنظر أيضاً: سامى خشبة، نقد الثقافة، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2004، ص193.

[24]-دريدا، جاك... وآخرون، المصلحة والتسامح وسياسات الذاكرة؛ ترجمة: حسن العمراني.- ط1 .- الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 2005، ص12-13.

[25]-المرجع السابق، ص37.

[26]-Borradori, Giovanna; Philosophy in a time of Terror, Op. Cit., P.16 and 127.

[27]-Ibid; P.17.

[28]-Ibid; P.162.

[29]-سامى خشبة، نقد الثقافة، مرجع سابق، ص195.

[30]-يقول أدوارد سعيد «أُصبت بخيبة كبيرة عندما علمت أن جاك دريدا قبل دكتوراه فخرية من الجامعة العبرية في إسرائيل» (إدوارد سعيد، اللغة الفرنسية عائق أمام العالمية وسارتر من أهم الوجوه في القرن العشرين؛ ترجمة ديما فقيه، صحيفة الحياة، في 30/6/2007).

http://www.daralhayat.com/culture/06-2007/Item-20070629-78818496-c0a8-10ed-0082-a494879ea694/story.html

[31]-سامى خشبة، نقد الثقافة، مرجع سابق، ص196.

[32]-Derrida, Jacques; penseur de l’évènement, Entretien par Jérôme-Alexandre Nielsberg. Article paru le 28 janvier 2004. (http://www.humanite.fr/2004-01-28_Tribune-libre_-Jacques-Derrida-penseur-de-l-evenement).

[33]-أميمة الجلاهمة، تدلى بإفادات جريئة حول الصهيونية ومعاداة السامية، الإسلام اليوم، حوار عبد الحي شاهين، في  11 مارس 2004.

http://www.islamtoday.net/print.cfm?artid=3451

[34]-Derrida, Jacques, Writing and Difference. Chicago: The University of Chicago Press, 1978, P125.

[35]-Ibid, P.117 and 118.

[36]-ويتمر، باربرا، الأنماط الثقافية للعنف، مرجع سابق، ص208.

[37]-دريدا، جاك و فاتيمو، جياني...(مشرفين)، الدين في عالمنا؛ ترجمة: محمد الهلالي وحسين العمراني (ندوة كابري).- ط1 .- الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 2004، ص34-35.

[38]- إن أهم محاور التفكيك يرتكز على الأهمية الجديدة التي يكتسبها القارئ والدور الأساسي الذي يلعبه في تفسير النص.

[39]-عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، مرجع سابق، ص168.

[40]-هابرماس، يورجن، القول الفلسفي للحداثة؛ ترجمة: فاطمة الجيوشي، دمشق: منشورات وزراة الثقافة، 1995، ص475.

[41]-دريدا، جاك، مواقع حوارات مع جاك دريدا، مرجع سابق، ص12.

[42]-كوفمان، سارة و لابورت، روجي، مدخل إلى فلسفة جاك دريدا: تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الآثر، مرجع سابق، ص45.

[43]-جاكوبي، راسل، نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة؛ ترجمة: فاروق عبد القادر، سلسلة عالم المعرفة؛ عدد 269، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2002، ص49.

[44]-موللر، هارالد، تعايش الثقافات؛ ترجمة: إبراهيم أبو هشهش0-ط1 0- ليبيا: دار الكتاب الجديد المتحدة، 2005، ص56.

[45]-المرجع السابق، ص57.

[46]-Burke, Victor Lee, The Clash of Civilization, Oxford: Polity Press, 1997, P. 171.

[47]-كانت المفاجأة الهائلة في أن هنتنجتون قد استخدم مفهوم «حضارة» كما في المأثور الألماني للثقافة. وحدد فهمه للحضارة بنظم القيم، وجعل الدين في  أثناء ذلك معياراً حاسماً، وفى هذا الاستعمال المحدد يكمن مفتاح لماذا أفلت منه تشابهات وتقاربات كثيرة جداً وخاصة بين آسيا واليابان والغرب.

[48]-هنتنجتون، صامويل، صدام الحضارات.. إعادة صنع النظام العالمي؛ ترجمة: طلعت الشايب؛ تقديم: صلاح قنصوة، القاهرة: دار سطور للنشر، 1998، ص220.

[49]-محمد عابد الجابري، قضايا الفكر المعاصر، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997، ص37.

[50]-ماركيوز، هربرت، نحو ثورة جديدة؛ ترجمة: عبد اللطيف شرارة، بيروت: دار العودة، 1971، ص27.

[51]-أميرة حلمي مطر، الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها، القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 1998، ص17.

[52]-حازم محفوظ، بناء العقل النقدي: محاولة للخروج من دوامة التخلف العربي، جريدة الأهرام، السنة 44042، عدد 131، 7 يوليو 2007،  ص11.

[53]-حسن حنفى، الحضارات في صراع أم حوار، نموذجان بديلان، ورقة بحثية ألقيت في مؤتمر: «صراع الحضارات أم حوار الثقافات» الذي نظمته منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الأسيوية، وصدر في كتاب يحمل نفس عنوان المؤتمر، القاهرة: المنظمة، 1997، الصفحات من (ص54-ص59)، ص55.

[54]-محمد شفيق غربال، الموسوعة العربية الميسرة، مادة رأسمالية0-ط3 0-  القاهرة: دار الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، 1959، ص853.

[55]-كامي، ألبير، الإنسان المتمرد؛ ترجمة: نهاد رضا0-ط3 0-  بيروت – باريس: منشورات دار عويدات، 1983، ص256.

[56]-مايكل، فيليب ماك ، العولمة أساطير وحقائق، ضمن أبحاث كتاب من الحداثة إلى العولمة: رؤى ووجهات نظر في قضية التطور والتغير الاجتماعي، روبيرتس، تيمونز، وهايت، إيمي؛ ترجمة: سمر الشيشكلي، مراجعة: محمود ماجد عمر، سلسلة عالم المعرفة، عدد 310، ج2، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2004، ص141.

[57]-نادية مصطفى، التحديات الحضارية الخارجية للعالم الإسلامي: بروز الأبعاد الحضارية الثقافية، مرجع سابق، ص94.

[58]-Lyotard, J. F.; Expedient dans la decadence in “Rudiments paiens“. Collection 10/ 18  Union générale d’Editions, Paris , 1977, PP.132--133.

[59]-ليوتار، جان فرانسوا، الوضع ما بعد الحداثي: تقرير عن المعرفة؛ ترجمة أحمد حسان، تصدير فريدريك جيمسون،- ط1-، القاهرة: دار شرقيات للنشر والتوزيع، 1994، ص35.

[60]-المرجع السابق، ص37.

[61]-ويشير «محمد عابد الجابري»  إلى أن «العولمة هي ما بعد الاستعمار، باعتبار أن  الـ «مابعد» في مثل هذه التعابير لا يعنى القطيعة مع الـ «ماقبل»، بل يعنى الاستمرار فيه بصورة جديدة... ومن بين أبعاد العولمة التوسع والهيمنة»  (محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر، مرجع سابق، ص137).

[62]-مارتين، هانز بيتر وشومان، هارالد، فخ العولمة؛ ترجمة: عدنان عباس على ؛ مراجعة: رمزي زكى، سلسلة عالم المعرفة؛ عدد238، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1998، ص9 و 25- 26.

[63]-هادي المدرسي، لئلاّ يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب، ط1، بيروت: دار الجديد، 1996، ص150.

[64]-الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي، فقه العولمة: دراسة إسلامية معاصرة، ط1، بيروت: مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر، 2002، ص194.

[65]-أفهيلد، هورست، اقتصاد يغدق فقراً: التحول من دولة التكافل الاجتماعي إلى المجتمع المنقسم على نفسه؛ ترجمة: عدنان عباس على، سلسلة عالم المعرفة، عدد 335، الكويت: المركز الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2007، ص174.

[66]-مارتين، هانز بيتر وشومان، هارالد، فخ العولمة، مرجع سابق، ص268.

[67]-كتبت صحيفة Hamburger Abendblatt في الصفحة رقم 23 من عددها الصادر في السابع من مارس من عام 2002: ضرائب جمركية تأديبية: غضب عالمي من تصرفات الرئيس الأمريكي بوش. الاتحاد الأوروبي يحتج. أوروبا تخطط لفرض عقوبات مماثلة على الولايات المتحدة الأمريكية. أسباب عملية التصعيد.

[68]-شيرين هنتر، مستقبل الإسلام والغرب، صدام حضارات أم تعايش سلمي؟؛ تعريب: زينب شوربا، ط1، بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية، 2002، ص 35.

[69]- Touraine, A.; Critique de la modernite, Paris: Fayard, 1992, p.46.

وانظر أيضاً الترجمة العربية: تورين، ألان، نقد الحداثة؛ ترجمة: أنور مغيث، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1997، ص54.

[70]-منظمة العمل العربية، العولمة وآثارها الاجتماعية، د.م: المنظمة، 1998، د.ت، ص160-161.

[71]-إسماعيل نوري الربيعي، أطياف نيتشه: آلان تورين ونقد الحداثة، في 4 أبريل 2002.

  http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/04/04-15/677.htm

[72]-يحيى أحمد الكعكي، الشرق الأوسط وصراع العولمة0- ط1 0-  بيروت ـ لبنان: دار النهضة العربية، 2000، ص 73.

[73]-جلال أمين، العولمة والتنمية العربية: من حملة نابليون إلى جولة الأوروغواي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999، ص37.

[74]-Heidegger, M.; Being and time translated by John Macquariie and Edward Robinson. [San Francisco, Calif.]: HarperSanFrancisco, c1962, p. 126.

[75]-جوليفيه، ريجيس، المذاهب الوجودية (من كيركيغارد إلى سارتر)؛ ترجمة: فؤاد كامل، محمد عبد الهادي أبو ريدة، ط1 ، بيروت: دار الآداب، 1988، ص83.

[76]-Heidegger, Martin, Being and time. Op. Cit., p. 128.

[77]-جلال أمين، العولمة والتنمية العربية: من حملة نابليون إلى جولة الأوروغواي، مرجع سابق، ص190.

[78]-على أحمد الطراح؛ غسان منير حمزة، العولمة والدولة الأمة والمجتمع العالمي، حوليات كلية الآداب جامعة عين شمس؛ مجلد 30 ، أبريل – يونيو 2002، الصفحات من (ص35 – ص82)، ص37.

[79]-يقول اللواء وليام لونى، قائد القوات الجوية الأمريكية «إنهم يعلمون أننا نمتلك بلدهم، إننا نفرض عليهم الطريقة التي يعيشون ويتحدثون بها. وهذا هو الشيء العظيم بالنسبة لأمريكا في الوقت الراهن «. (بيلجر، جون، حكام العالم الجدد؛ ترجمة: إسماعيل داود. القاهرة: دار مصر المحروسة، 2003، ص75).

[80]-Heidegger, M.; Concepts fondamentaux, Paris: Gallimard, 1985. p. 31 - 33.

[81]-مما يدل على أن هذه القنوات مدعومة بشكل أو بآخر «إن تاريخ تغطية أحداث العالم الثالث في وسائل الإعلام الغربية يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن إعطاء اهتمام زائد للفوارق والخلافات بين الثقافات والحضارات، بدلاً من إبراز والتركيز على ما هو مشترك في ما بينها...، كما أن وسائل الإعلام تطبق أحياناً خطاباً هرميّاً وحصريّاً في النظر إلى حضارات الآخرين بما يذكرنا بخطاب استعماري أو استشراقي المفترض أنه انتهى تاريخيّاً منذ زمن». (وليد عبد الناصر، حوار الحضارات وتحدي العولمة، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2005، ص176).