البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الاستعمار وما بعد الاستعمار ، المفهوم والمصطلح والنظرية

الباحث :  خضر إبراهيم حيدر
اسم المجلة :  الاستغراب
العدد :  12
السنة :  السنة الرابعة - صيف 2018 م / 1439 هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 22 / 2018
عدد زيارات البحث :  3436
تحميل  ( 341.923 KB )
أخذت الدراسات حول مفهوم الاستعمار مساحات واسعة في الموسوعات والمعاجم الحديثة. ونستطيع القول أن هذه الدراسات ازدهرت بقوة ابتداءً من القرن التاسع عشر، وهو القرن الذي شهد التوسع الاستعماري الأوروبي في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

في ما يلي جولة بانورامية على مصطلح الاستعمار المتعدد المعاني والدلالات، بالإضافة إلى المفاهيم المتفرعة منه في مجال النظرية والتجربة التاريخية:

المحرر

-----------------------------

يرى الكثيرون أن التفكير بالاستعمارية يعني التفكير بالعلاقة بين أوروبا وبقية أرجاء العالم، فقد أنجزت أوروبا قدراً كبيراً من فرادتها وتوحدها وهويتها ووضعها العالمي الفريد في الظاهر من خلال ادعائها السيطرة على رعايا الشعوب في البلدان المستعمرة. وكما عبّر فرانز فانون ذات مرة، فإن «أوروبا هي بالمعنى الحرفي من خلق العالم الثالث».

في هذا الدراسة نوثق لعدد من المفاهيم الأساسية والفرعية التي تناولت مفهوم الاستعمار من جوانبه الثقافية والسوسيولوجية والتاريخية. بالإضافة إلى مجموعة من المفاهيم المتصلة والتي كانت لها صلة بهذا المقدار أو ذاك بالمفهوم العام للاستعمار.

الاستعمار والاستعمارية (Colonialism)

يدل مصطلح الاستعمارية بوجه عام على منطق الهيمنة والسيطرة. وأما تطبيقاته في العادة فتتم على شكل حكم سياسي وسيطرة اقتصادية من جانب دولة أوروبية على أراضٍ أو شعوبٍ خارج أوروبا. وقد ظهرت أقدم أشكال الاستعمارية بهذا المعنى (إذ لم تكن جميع الإمبراطوريات استعمارية) في العالم الجديد من قبل إسبانيا والبرتغال، برغم أن الاستعمارية الكلاسيكية لم تزدهر لاحقاً إلا بالاشتراك مع بزوغ الرأسمالية العالمية، التي اتضحت في الحكم الذي مارسته الدول الأوروبية على مختلف الحكومات في آسيا وأفريقيا. ووجدت استثناءات لهذه القواعد، كما في حالة السيطرة الاستعمارية اليابانية على كوريا وأجزاء من جنوب شرق آسيا في أواسط القرن العشرين.

غير أن أغلب الباحثين يتفقون على أن الاستعمارية كانت في الواقع صورة من صور الحكم ولم يكن في الغالب يصحبها الاستيطان الأوروبي، وأن مصطلح «الاستعمارية» يتضمن إبقاء السيطرة على السكان المحليين من قبل دول لم تكن معنية بالاستيطان ولا بالاندماج. في الدراسة المقارنة، يوجه مصطلح «الاستعمارية» الانتباه في جميع الحالات نحو المستعمرات ذاتها، في حين أن عنوان «الإمبريالية» يوجه الانتباه نموذجيّاً نحو المدينة الأم والنظام العالمي، الذي تعمل فيه الأوامر السياسية والاقتصادية لجعل الإمبراطورية شرطاً تكوينيّاً لهيمنة الغرب العالمية خلال الأزمنة الحديثة (Dirks, 1992)[2].

كثير من المقولات التي يستخدمها المستعمِرون والمستعمَرون على السواء لفهم الاستعمارية كانت هي نفسها من نتاج المواجهات الاستعمارية. وبرغم أن الفتح الاستعماري كان متوقعاً بقوة الأسلحة المتفوقة، والتنظيم العسكري، والاستحواذ السياسي، والثروة الاقتصادية، فقد أنتج أيضاً الظروف المواتية لجميع هؤلاء لكي يأخذوا أهمية أكبر مما كان يُتخيَّل من قبل. وفي الوقت نفسه، فإن الأشكال العسكرية والاقتصادية والسياسية من السلطة كانت تقوم بصورة لا فكاك منها على عدد من التقنيات الثقافية؛ والحقيقة أن الاستعمارية نفسها كانت مشروعاً للسيطرة إلى حد كبير (Cohen, 1995). فالمعرفة الاستعمارية أتاحت الفتح الاستعماري وكانت نتاجاً له أيضاً. وهكذا تم بناء الأشكال الثقافية في مجتمعات «تقليدية» مصنفة حديثاً وتحويلها بالتدخلات الاستعمارية ومن خلالها، مما خلق تصنيفات وتقابلات جديدة بين المستعمِرين والمستعمَرين، والأوروبيين وسواهم، والمحدثين والتقليديين، والغرب والشرق، بل بين الرجال والنساء. وحينها، إذا كانت أوروبا تشكل أساساً لتاريخ الاستعمارية، فإنها أيضاً  جزء من مجموعة أكبر من المصطلحات المتقابلة التي أنتجتها الاستعمارية بدورها.

ما بعد الاستعمار PostColonial

تعد هذه النظرية في أساسها بمثابة رؤية نقدية للاستعمار من الجوانب الثقافية والسياسية والسوسيولوجية والتاريخية. كما تعتبر من أهم النظريات التي تستكشف عمق العلاقة بين بلدان الشرق والبلدان الاستعمارية في أوروبا. ويعمل المساهمون في هذه النظرية على تعرية ثقافة وسلوك الحكومات الغربية إزاء بلدان المستعمرات. وعليه، يشكل فكر ما بعد الاستعمار مدرسة تفكير داخل النظام الاستعماري على وجه التحديد من دون أن يعني ذلك اقتصار المنتمين على الانتلجنسيا الأوروبية. إذ أن هناك العديد من الشرقيين ساهموا في وضع الأسس الأولى للخطاب ما بعد الاستعمار مثل: المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد[3] ـ المفكر الكيني عبد الرحمن جان محمد – الباحث الهندي هومي بابا – الباحثة الهندية ج سي سبيفاك ـ الفيلسوف الأفريقي فرانز فانون، والفيلسوف الإنكليزي روبرت يونغ، هذا إلى جانب عدد من المفكرين العرب مثل حسن حنفي وعبد الوهاب المسيري.

ويمكن القول أن نظرية ما بعد الاستعمار هي نظرية تعبر عن خط المقاومة الثقافية والفكرية التي اعتمدها كتّاب ومفكرون من العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية. وبهذا المعنى، فإن هذه النظرية جاءت في مرحلة ما بعد الحداثة للوقوف في وجه التغريب والتهميش والأقصاء الذي تمارسه الحكومات الغربية في مجتمعات البلدان التابعة.

وبناء على ما سبق، فنظرية «ما بعد الاستعمار» هي التي تهدف إلى تحليل كل ما أنتجته الثقافة الغربية باعتبارها خطاباً مقصديّاً يحمل في طياته توجهات استعمارية إزاء الشعوب التي تقع خارج المنظومة الغربية. كما يوحي المصطلح بوجود استعمار جديد يخالف الاستعمار القديم. لذا، يتطلب هذا الاستعمار التعامل معه من خلال رؤية جديدة، تكون رؤية موضوعية وعلمية مضادة. وحسب عدد من الباحثين فإن هذين المصطلحين (الخطاب الاستعماري ونظرية ما بعد الاستعمار) إلى حقل من التحليل ليس جديداً بحد ذاته، ولكن معالمه النظرية والمنهجية لم تتضح في الغرب إلا مؤخراً مع تكثيف الاهتمام به، وازدياد الدراسات حوله. يشير المصطلح الأول إلى تحليل ما بلورته الثقافة الغربية في مختلف المجالات من نتاج يعبر عن توجهات استعمارية إزاء مناطق العالم الواقعة خارج نطاق الغرب، على أساس أن ذلك الإنتاج يشكل في مجمله خطاباً متداخلاً بالمعنى الذي استعمله فوكو لمصطلح خطاب. أما المصطلح الثاني، «النظرية ما بعد الاستعمارية»، فيشير إلى نوع آخر من التحليل ينطلق من فرضية أن الاستعمار التقليدي قد انتهى، وأن مرحلة من الهيمنة- تسمى أحياناً المرحلة الإمبريالية أو الكولونيالية- كما عرَّبها بعضهم- قد حلت وخلقت ظروفاً مختلفة تستدعي تحليلاً من نوع معين. ولذا، فإن المصطلحين ينطلقان من وجهات نظر متعارضة في ما يتصل بقراءة التاريخ، وإن كان ذلك اختلافاً في التفاصيل لا في الجوهر.  فبينما يرى بعضهم انتهاء مرحلة الاستعمار التقليدي، وبالتالي، انتهاء الخطاب المتصل به، وضرورة أن يتركز البحث في ملامح المرحلة التالية، وهي مرحلة ما بعد الاستعمار، يرى بعضهم الآخر أن الخطاب الاستعماري ما يزال قائماً، وأن فرضية «المابعدية» لا مبرر لها. ويمكن أن نميز بين نوعين من النقد يشيران أيضاً إلى تحديدين كبيرين لفكر ما بعد الاستعمار.  الأول هو حقيقة أن دراسات ما بعد الاستعمار تعمل بشكل أساسي على النصوص. فكانت إذاً، وعلى نحو سريع، موضوعاً لنقد من طبيعة مادية، غالباً من مفكرين ماركسيين. إذ يأخذون عليها مثاليتها: التخندق في نقد النصوص، كان ملحوظاً كطريقة لهجران أرض واقع النضالات الاجتماعية الحقيقية، وكخيانة للشعوب الفقيرة والمحرومة، التي نصّب مفكرو ما بعد الاستعمار أنفسهم المتحدث باسمها، بمقدار ما تستمر هذه الشعوب في النضال كل يوم من أجل نجاتها، أو ضد الأنظمة المضطهدة، وطالما ظلت مرتهنة بشدة إلى شروط الحياة التي صنعوها لها. إنها ليست أبداً لا مبالية، بل على العكس ملتزمة بمعركة التحديث والتقدم، والحريات الملموسة إلخ، وهي معارك لا يقدّم لها نقد النصوص شيئاً. والميزة الأُخرى للنقد نفسه هو أن نقد المجتمعات المستعمرة سابقاً، حصراً، من خلال الزاوية التي يستمر فيها الغرب  بممارسة تأثيره عليها، فذلك يعني السكوت على عدم المساواة داخل هذه المجتمعات أو تجاهلها، إذ أن أصل هذا الاضطهاد هو في داخل هذه المجتمعات نفسها. هذه المثالية النصوصية لدراسات ما بعد الاستعمار سيكون لها إجمالاً كنتيجة، ترك الجماهير المقموعة لقدرها المادي الحزين لمصلحة اهتمامات ذات طبيعة محض ثقافية. هذا النقد المادي لمثالية دراسات ما بعد الاستعمار يترافق في الأغلب مع اتهام مفكر ما بعد الاستعمار نفسه. يقولون كثيراً: “أنظر إلى هؤلاء المؤلفين الذين يعيشون برفاهية عالية في جامعات أنكلوسكسونية، في بلدان الشمال التي تدفع لهم ببذخ. إن شروط حياتهم لا تشبه بشيء على الإطلاق، شروط حياة الناس الذين يدّعون الدفاع عنهم”. هذا النقد، كما يبدو، قلّما يقبل في الحدود التي يترجم فيها شكلاً معادياً، للنزعة الفكرية، حتى وإن كانت لا واعية، ثمة ضمناً فكرة أن العمال وحدهم، يستطيعون على سبيل المثال، التكلم بطريقة صحيحة عن العمال، وهذا موقف غير ماركسي إلى حد بعيد، لأن الماركسية نفسها، وضعت على الدوام، في المقام الأول، التعاون بين المثقفين والجماهير، الماركسية نفسها يمكن أن تعتبر باطلة في هذا المنظور، لأن ماركس كان بورجوازيا صغيراً وليس عاملاً، وأن أنجلس كان ابن أحد صناعيي النسيج الكبار.

الحشد النقدي الكبير الآخر للحدود المعترف بها، أو التي تعزى لمرحلة ما بعد الاستعمار، ويخص طابعها المؤرخ هو الطريقة التي ينظر فيها مفكرو ما بعد الاستعمار إلى التاريخ، وقد أخذ عليهم المؤرخون بشدة قطيعتهم مع الإمبريالية، إذ أن هوسهم بالنصوص حال دون رؤيتهم للأشياء كما هي، ويؤخذ عليهم بشكل خاص ميلهم للكلام عن الأنظمة الاستعمارية، كما لو أن المقصود نوع من الهيمنة وحيد الشكل، وثابت على امتداد الكرة الأرضية، ومنذ بدايات التوسع الأوروبي والأنظمة الاستعمارية، في الحقيقة، مختلفة واحدها عن الآخر، والسلطة الاستعمارية لم تكن أبداً متراصة وذات سلطة مطلقة، بل على العكس، كان يتخللها تناقضات، وتضطر للتفاوض باستمرار مع المجتمعات المحلية، وكانت تتطور أيضاً تبعاً للظروف. هذا النقد هو صحيح تماماً، والتاريخ، كما بدا أن مفكري ما بعد الاستعمار كانوا يريدون كتابته، لا يأخذ في الحسبان التطورات التاريخية، وهذا العيب يعود بالتأكيد، في جزء منه،  إلى أن دراسات ما بعد الاستعمار ذات مصدر أدبي، وهذا على ما أعتقد تعبير جديد للتوتر الدائم للعلاقة بين الأدب والتاريخ، فالتاريخ يأنف أن يأخذ الأدب في الحسبان لأنه خيال، ولكن في الوقت عينه، يستنكف من النظر إلى ذاته، وأن يعترف أنه هو أيضاً، وبشكل أساسي على مستوى المخيلة، كما على مستوى الكتابة، حقل أدبي ويصعب عليه الاعتراف أنه مشروع لا ينتهي أبداً، إذ أن أعماله تُستعاد على الدوام، وتُكتب من جديد. حقيقة التاريخ هي أنه بذاته حقيقة، لن أقول إنها حقيقة مشابهة لتلك التي تنبثق من الأعمال الخيالية، ولكن مع ذلك، هو حقيقة هشه ومصهورة أيضاً بالنزعة النصوصية.

العلم الاستعماري Colonial Science

يُحيل الكثير من المؤرّخين مصطلح «العلم الاستعماري» إلى المعرفة العلميّة الصّادرة عن مختصّين تدرّبوا في حواضر المستعمرات، ويُركّز المؤرّخون المؤمنين بـ «أقلمة أوروبا» على دور الإدارات الاستعماريّة في خلق أشكالٍ جديدة من المعرفة العلميّة عادت لاحقًا إلى أوروبا، ويستعرض غيرهم من الباحثين كيفيّة تبنّي التابعين لجوانبٍ من المعرفة الاستعماريّة فقط لأجل إخضاعها لأهدافهم الخاصّة. ويرى نقّاد ما بعد الاستعمار أنّ العمليّات العنفيّة التي أنتجت سُلطةً استعماريّة هي نفسها التي أنتجت معرفةً علميّة، ونظّروا لطرق ترابط العلم مع السلطة، غير أنّهم لم يُعيروا كيفيّة توظيف الخُبراء المعرفة في أُطُرٍ محدّدة أدنى اهتمامٍ، كما أنّهم لم يلتفتوا إلى النتائج غير المقصودة للبحث العلمي المنفّذ ضمن علاقات القوّة الاستعماريّة غير المتناظرة[4].

في العقد الثامن من القرن التاسع عشر كانت جماعةٌ من الهواة تُنتج معظم المعرفة المتعلّقة بشعوب المستعمرات الفرنسيّة ومواردها وإدارتها، بمعنى أنّ هذا النوع من المعرفة لم يجد لنفسه مقامًا معترفًا به ضمن مؤسّسات التعليم العالي. حاول بعض الخبراء تغيير هذا الوضع عبر تأسيسهم لمجالات جديدة كالجغرافيا الاستعماريّة والتاريخ الاستعماري والتشريع والاقتصاد الاستعماريَّين وعلم النفس الاستعماري، وذلك لإضفاء طابعٍ علميٍّ على الإمبرياليّة الفرنسيّة، عبر التقصّي المُضني لجيلين من هؤلاء الخبراء وشبكاتهم يُظهر سينغارافلور أنّ العلم الاستعماري ترسّخ في فرنسا بين سنة 1870 وسنة 1920، وتقهقر بعد ذلك. المجاهرة بالاستعمار جزءٌ من موجة جديدة في الثقافة الفرنسيّة تجمع ما بين تاريخ العلوم الإنسانيّة الاجتماعي الفكري وبين التاريخ الاستعماري، ويرتكز على فهم طرق تفاعل الثقافة الأكاديميّة العلمائيّة مع ثقافة أوسع نطاقًا وأكثر شهرة منها، وعلى تخطّي تحليل الخطاب الاستعماري النخبوي إلى دراسة شعاع انتشاره وآثاره.  

كان العقدان الثامن والتاسع من القرن التاسع عشر حقبة الإصلاح الجامعي ونموّ العلوم الإنسانيّة، وتوسّع العلوم التجاريّة والتطبيقيّة، وتجدّد العدوان الإمبريالي، وقد سهّلت هذه التطوّرات الثلاثة مأسسة المجالات الجديدة. بدأت تدريس مقرّرات حول «الجغرافيا والتاريخ الاستعماري» و«الاقتصاد والتشريع الاستعماري» و«الاستعمار المُقارَن» و»علم نفس السكّان الأصليّين» في مدارس تجاريّة خاصّة، وفي مدارس جديدة أُنشئت لأجل تدريب الإداريّين الاستعماريّين، وفي كلّيّات الاقتصاد (facultés de droit) وبحدٍّ أدنى في كلّيّات الآداب (facultés des lettres). تحقّق فصل مناطقيّ للعمل الأكاديميّ الإمبريالي داخل فرنسا، حيث تخصّصت ليون بالتدريس المتعلّق بجنوب شرقيّ آسيا، وصوّبت بوردو على أفريقيا الغربيّة والمغرب، وركّزت لوهافر على الأميركيتين، وقدّمت مارسيليا مقرّرات دراسيّة عن أفريقيا الشرقيّة والجزائر والشرق الأوسط ومدغشقر. إضافة إلى ذلك أُنشِئت العديد من كراسي الأستاذيّة في باريس، وفي سنة 1926 أكاديميّة العلوم الاستعماريّة لأجل تنسيق الجهود البحثيّة ولإسداء النصائح للحكومات وراء البحار.

       الغرب (The West)

ارتبط مصطلح الغرب ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الاستعمارية التي افتتحتها أوروبا حين بدأت بتوسيع نفوذها إلى القارات الثلاث أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. والواضح أن هذا المصطلح تجاوز معناه الجهوي بالنسبة إلى تقسيم الكرة الأرضية (شرق - غرب) ليأخذ سماته الحضارية باعتباره مركزاً للهيمنة في مقابل الشرق ولا سيما بلدان العالم الإسلامي. على أن التعبير الذي اكتسب طابعاً عالميّاً عن «الغرب» لم يطغَ في الاستعمال العام إلا عبر القرنين المنصرمين بوصفه التكوين الرئيس في أوروبا الغربية التي صار يُنظَر إليها باعتبارها كلية الحضور في السيطرة الاستعمارية على عموم أرجاء العالم. والمفترض أن «الغرب» يوحِّد جماعة من الناس تُدعى «الغربيين» من حيث جغرافية إقامتهم، وتقاليدهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وحضارتهم المشتركة؛ ويبدو أنه أصبح اسم علم، وصار يُكتب بالحرف الكبير، كما هو الحال في هذا الكتاب. على أن المصطلح اشتهر بالمراوغة، ويبدو أن الوحدة التي تؤكدها صارت تتعرض للتحديات باستمرار في العقود الأخيرة.

حين يُستخدم لفظ «الغرب» كظرف، يوحي باتجاه وفي الأغلب بحركة نحو مكان يشار إليه إشارة غامضة إجمالاً: فقد كتب شكسبير في الليلة الثانية عشرة (Twelfth Night): «هناك يكمن طريقك نحو الغرب» (1601). وحين يقترن بلون الغروب المتوهج والظلمة المتزايدة، فإن «التغرب» (going west) يكون عبارة لم تعد مستخدمة للدلالة على الموت أو الاختفاء («لقد تغرب أصدقائي القدامى» (1915)؛ «تغرب الدليل الثمين»، (1925»، غير أنه يحمل بقوة أكبر في السياقات الاستعمارية وعداً يوتوبيّاً بمكان يضج بالإغراء لفرط غموضه: وقد كتب هنري هنغسلي في أستراليا عن «المراعي البهية، التي تمتد غرباً على مدى لم يصله إنسان من قبل» (1859)، في حين أن النصح الشهير في الولايات المتحدة: «اذهب غرباً، أيها الشاب» يعود تاريخه إلى العام 1851. تطوِّر هذه الاستعمالات خيالاً بأن «الغرب» هو مكان محدد وكذلك اتجاه أو خط حدودي يتقهقر دائماً، مما يجعل من السهل الافتراض بأن المصطلح يمكن أن يشير إلى منطقة جغرافية بذاتها على سطح الأرض[5].

يحقق «الغرب» بوصفه بناءً أسطورياً آثاراً قوية حين يجمع إلى ذاته خصائص متنوعة ومتناقضة؛ فمثل فكرة «الشرق»، للغرب «تاريخ وتراث فكري، وخيال ومعجم أضفى عليه واقعه وحضوره» (Said, 1978: 5). مع ذلك، من الضروري أن لا ننسى أن ما نعتقد أننا نفهمه من هذه الأسطورة هو شيء غامض ومتعارض مع نفسه، على وجه التحديد لأن «الغرب» هو واقع يُفترَض أن موضوعيته مقبولة على نطاق عالمي؛ فهو كعنصر أسطوري ما زال ينظم طريقتنا التراتبية في إسناد مكان إلى شعوب ومؤسسات على الخريطة العالمية – التاريخية. قبل عقود قليلة مضت، كان «الغرب» يُستعمل استعمالاً لا غبار عليه كمؤشر تاريخي لقياس الكيفية التي يكون عليها مجتمع ما في علاقته بآخر، ومن ثم لرسم خريطة موضع جغرافي على أساس ثبت زماني تاريخي للتقدم. وبمعزل عما يسمى بالبلدان المتقدمة، وفي داخلها أيضاً، كان «التحديث» يسمى تغريباً (Westernization)، وقد جعلت هذه الصيغة بإمكاننا أن نغفل إغفالاً مؤلماً المشكلات الواضحة التي تتعلق بالفكرة القائلة أن بعض المجتمعات تجري أمام غيرها، وأن الأولى تقع في الغرب، في حين تتلكأ البقية في الخلف. والحقيقة أن كل تكوين اجتماعي ينطوي على أشياء جديدة وأشياء قديمة، تماماً كما يضم شباباً وشيباً، غير أن وهم التقدم الخطي يقمع هذا التعقيد. من المتوقع، إذاً، أن ينفع «الغرب» كمعيار للحداثة التي يتجمد قبالتها ما هو محلي بالذات وغير – غربي في الزمان بوصفه غير حديث. ولا يفضي هذا إلى تشويه بسيط للأخير وحسب. ذلك أن الثقافة «المحلية»، في الوطنية العرقية، يتم تثبيتها في خصومة نسقية مع السمات المزعومة للغرب.

وهكذا يؤدي الغرب دوراً أيديولوجيّاً في الرغبات التنظيمية للمجتمعات غير الغربية بقدر ما يؤديه في ما يسمى بالمجتمعات الغربية. وحتى الثمانينيات من القرن الماضي كان كثير من سكان بقية العالم يتخيلون أن الغرب هو المؤشر على مستقبلهم والهدف الذي ينبغي أن تتطور مجتمعاتهم نحوه. على أن سلطة «الغرب» مؤخراً كمخيال اجتماعي يبدو أنها تبهت. وصار عدد متزايد من الشباب يعي المظاهر «غير الغربية» لدى المجتمعات في أوروبا وأميركا الشمالية، كما يعي المظاهر «الغربية» للحياة في كثير من المجتمعات في ما يسمى بالأجزاء غير الغربية من العالم. ويبدو أن صورة «الغرب»، لكونه لم يعد تهديداً ولا إغراء كما كان من قبل، صارت تفقد إلى حد ما قبضتها على الرغبات في كثير من أجزاء العالم رغم أنصارها المسلحين - و- للقوة العسكرية التي تحت تصرفهم.

      الهامشي (Marginal)[6]

الهامشي، أو الهامش في الاصطلاح الدولي، يدل على وجود المتن في مقابله، والمتن هو على وجه التحديد المركز الإمبريالي الذي يعتبر القوة المسيطرة على الهوامش أي البلدان المستعمرة[7].

دخلت كلمة الهامشي إلى الاستعمال في أواخر القرن السادس عشر، وكانت تشير في الأصل إلى أي شيء «يُكتَب أو يُطبَع على هامش الصفحة أو حاشيتها... وغير مثلوم». ولم يطل بها الوقت قبل أن يمتد معناها إلى حقول مثل النبات والحيوان وعلم النفس (وفي القرن التاسع عشر، الاقتصاد) لكي تعني كل ما يرتبط «بحافة أو حد أو تخم أو طرف». وفي بواكير القرن العشرين، صارت مفردة «الهامشي» تستخدم لتدل على فرد أو جماعة اجتماعية «معزولة أو لا تتواءم مع المجتمع أو الثقافة المهيمنة؛ (ويُنظَر إليها باعتبارها توجد) على حافة المجتمع أو الوحدة الاجتماعية؛ وتنتمي إلى جماعة أقلية (غالباً ما تنطوي على مضامين الاستغناء وعدم الانتفاع)».

في العقود العديدة الماضية، تبنت الجماعات المحرومة سياسيّاً استعارة الهامش للتعبير عن مشاعرها حول مكانتها في الديمقراطيات، أو حتى في الاقتصاد العالمي. يستخدم بعض الأفراد والجماعات فكرة التهميش لوصف إحساسها المعمم بكونها خارج الخط السائد. وطوّر المنظرون السياسيون فكرة الهامش، والمفهوم المصاحب له عن «المركز»، لخلق طرق جديدة لفهم اللغة والسلطة (Derrida, 1982; Hooks, 1990a). وفي الاستعمالات المعاصرة الأحدث، تجمع فكرة التهميش القوة المهيمنة مع الاستعارة المكانية: فأن يكون المرء هامشيّاً يعني امتلاك سلطة أقل، وأن يكون على مسافة بعيدة من مركز السلطة.

في الدراسات ما بعد الاستعمارية، أُوليَ كثير من الاعتبار للعلاقات العالمية بين «المراكز» الأوروبية والأميركية والأماكن التي كانوا يحتلونها في السابق كمستعمرين. ويوحي هذا المفهوم ذو الطابع الدولي عن التهميش أنه لم تُفرَض الأشكال السياسية والاجتماعية لدى المستعمِرين
ـ المركز ـ وحدها، بل فُرِضت أيضاً النماذج العقلية. وفي علاقة المركز – الهامش هذه، فإن الهامشيين، الذين كانوا في الحقيقة مراكز القوة داخل ثقافتهم أو حكومتهم ما قبل الاستعمار، يضطرون الآن للعمل في إطار نظرة المستعمِر إلى العالم وقيمه؛ والحقيقة أنهم يجب أن يروا أنفسهم كما تراهم السلطة الاستعمارية المفروضة[8] (Said, 1978). والواقع أن النخبة بين المستعمَرين، كما أظهر باحثو ما بعد الاستعمار، تضطر إلى مكافحة تهميشها بلغة المستعمِرين نفسها، وتبني المقولات التي خلفها العقل الاستعماري وراءه (Spivak, 2000).

الاستشراق (Orientalism)

يعتبر الاستشراق (Orientalism) من أبرز التعبيرات عن الحقبة الاستعمارية الغربية في تعاملها مع الشرق ابتداء من القرن التاسع عشر، حيث كانت حملات نابليون على مصر واحدة من العلامات التاريخية على حركة الاستشراق بمدلوله الاستعماري.

يعزو معجم أكسفورد الإنكليزي، الذي يحتل موقعه مطمئناً في الغرب، معنى «الشرق» إلى «تلك المنطقة من السماء التي تشرق فيها الشمس والأجرام السماوية الأخرى، أو المنطقة المقابلة من العالم، أو ربع البوصلة»- كما في قول شكسبير: «اُنظر! في الشرق حين يرفع النور السمح رأسه المشتعل» (Sonnet vii, 1600). ثم يتابع معجم أكسفورد  مصطلح «الاستشراق» إلى انبثاق تدريجي «لشخصية، أو أسلوب، أو خاصية... كانت تقترن بأنماط التفكير أو التعبير أو طرز الأمم الشرقية». وفي هذه العملية، نُقِلَ اقتران الشرق بخصائص الشمس – بوصفها «ساطعة، ولماعة، ومشرقة، ووهاجة، ومتوقدة، ومتألقة» – إلى الشرق كخليط من المجهول، العجيب، الغريب. مع ذلك كانت دائماً هناك ضبابية بخصوص أين يبدأ الشرق بالضبط وأين ينتهي. وبحلول أواسط القرن الثامن عشر، بدأت تتكون رسميّاً فكرةٌ حين عبر الأوروبيون إلى إسطنبول، فكان كثيرون يتصورونه المساحة الشاسعة وراء أوروبا الممتدة من ولايات الحكم العثماني في البلقان ومروراً بآسيا حتى يابان توكوغاوا.

في القرن الثامن عشر، صار الاستشراق يُعرَف على نطاق واسع بأنه الميدان العام للدراسة والبحث المتعلقين بجغرافيا كونية يهيمن عليها الانقسام بين الشرق والغرب. وقد دُوِّن المصطلح للمرة الأولى عام 1769، وكان بوسع بايرون عام 1811، أن يشير بثقة إلى «التلميحات المتكررة للسيد ثورنتن إلى الاستشراق العميق». مع ذلك بقي المصطلح يحمل معه معنى أكثر عموماً أيضاً. ذلك أن «الاستشراق» بقي يشير إلى كلِّ من معرفة «الشرق»، وإلى إنشاء الصور والماهيات والحساسيات والخصائص التي تقرن ب«آخر» معمَّم. ولم تصبح هذه الأفكار الأخيرة، التي تراكمت عبر القرون، ذريعة للمعرفة العلمية إلا عندما جنَّدت الإمبريالية الأوروبية الاستشراق في المشروع الاستعماري للغزو والسيطرة. ومن المستحيل تحديد تاريخ الدراسة الاستشراقية الرسمية، لكنَّ لحظةً من أهم لحظاتها الأصيلة تتمثل في عام 1697 حين نشر كتاب المكتبة الشرقية لبارتيلمي ديربيلو (Berthélemy d’Herbelot)، وهو عمل يمتاز بشمولية كبيرة وكان يرجع إليه الباحثون كثيراً حتى القرن التاسع عشر (Schwab, 1984).. وشهد القرن الثامن عشر انفجاراً أدبيّاً في المعرفة الاستشراقية، بمعالم مهمة تمتد من ترجمة جورج سال وتأويله للقرآن (1734) إلى «اكتشاف» وليام جونز أن اللغة السنسكريتية هي إحدى اللغات «الهندو – أوروبية» (Trautmann, 1997). وفي عام 1784 أسس جونز «جمعية البنغال الآسيوية»، التي دعت إلى اجتماعات علمية منتظمة ونشر «البحوث الآسيوية». وقد ترجم نصوصاً فارسية وسنسكريتية أساسية حين كان يترأس المؤسسة القانونية الاستعمارية في “كلكتا” حتى وفاته عام 1794. وصارت الهند أول مختبر للمعرفة الاستشراقية، حين كان البريطانيون يكافحون للتعلم والسيطرة على اللغات الكلاسيكية والشعبية معاً ولتثبيت أنظمة الريع والقانون التي تسوغ لهم أنهم منسجمون مع العادات «الأصلية» (Cohen, 1995).

حين استعمل إدوارد سعيد[9] مصطلح «الاستشراق»، خلط عامداً الميل العام للفكر الذي يُجعل فيه «الشرق» – سواء أكان إسلاميّاً، أم هنديّاً، أم كونفشيوسيّاً – «آخر» أوروبا المتكامل في متون الدراسة الكلاسيكية بالتاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا ودراسات المنطقة. واستناداً إلى المقترحات النظرية التي قدمها ميشال فوكو، ركّز سعيد أيضاً على الطبيعة الإنتاجية للمعرفة الاستشراقية. فحين أُدمِجَ الاستشراق بالسلطة الاستعمارية والاستعمارية الجديدة، صار يشارك في خلق «شرق» يُدعى بلا توقف بوصفه موضوعاً لفعل الغرب وقصده ورغبته. وبرغم أن كثيراً من الباحثين بعد سنوات من نشر «الاستشراق» انتقدوا سعيد لقبوله الجليِّ بنظرات واحدية عن الشرق والغرب، فقد أوضح كثير من الباحثين الآخرين المدى الذي تترتب فيه على العلاقة بين السلطة الاستعمارية والمعرفة الاستشراقية نتائج استثنائية، وربما تدميرية، على العالم ما بعد الاستعماري. لقد حرضت طرق الفهم الاستشراقية للدين منافرات وطنية والآن نووية بين الهندوس والمسلمين، حتى بعدما  عتّمت الفكرة العامة بأن الدين والطائفة يحرضان الاختلافات القديمة على ما خلفته الحداثة الاستعمارية من تراث قوي. والجزء الأكبر مما يعتبر «تقليداً» هو في الواقع نتاج المواجهة الاستعمارية، وحصيلة التعاون بين المعرفة الاستشراقية والسلطة. وفي ظل الظروف الاستعمارية، كان يتم إفساد مقدمات الحداثة دائماً بالطرق التي تصير فيها الحداثة الإسفين الأيديولوجي للهيمنة الاستعمارية. وفي العادة يريد المستعمَر أن يستولي على الأفكار الاستعمارية عن التقليد كالمقاومة واللجوء، ومن ثم لينهي قصة سعيد عن «الشرقنة» الفاعلة للشرق.

     ما بعد الحداثة (Postmodernism)

يعتبر كثيرون من علماء الاجتماع وأساتذة الفكر السياسي أن مصطلح ما بعد الحداثة هو أحد التعبيرات التي أطلقت على الطريقة الجديدة التي تعاملت فيها الحركة الاستعمارية مع بلدان العالم الثالث.

غالباً ما تستخدم «ما بعد الحداثة» كمصطلح تاريخي للدلالة على الحقبة التي أعقبت الحداثة، التي بدأت في عصر التنوير وانتهت في الستينيات (Jamedon, 1984)، أو السبعينيات (أشقرثغو 1990). وما تشترك به هذه التفسيرات هو إصرارها على أن التغيرات الثقافية والاجتماعية التي أنتجت ما بعد الحداثة ترتبط ارتباطاً لا ينفصم بالتغيرات في الرأسمالية: من التركيز الأساسي على الإنتاج إلى الاستهلاك (Bell, 1976)؛ وتغير تاريخي في الغرب من مجتمعات قائمة على إنتاج الأشياء إلى مجتمع قائم على إنتاج المعلومات و«المظاهر» (Baudrillard, 2000)؛ من رأسمالية «منظمة» حديثة إلى رأسمالية «مفككة» ما بعد حديثة (Lash and Urry, 1987)؛ من القومي إلى العالمي، الذي حقق منعطف «الضغط الزماني المكاني»، الذي تولد عن التسارع في كل من السفر والاتصالات البعيدة.

ويمكن العثور على استعمال مؤثر آخر ل«ما بعد الحداثية» في التواريخ الثقافية التي تريد أن تضع ميلاد ما بعد الحداثية في التغيرات الثقافية التي لوحظت أولاً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة في الستينيات. وفقاً لهذا السرد، تنبثق نزعة ما بعد الحداثية أولاً كرفض طليعي ليقينيات الحقوق الحصرية الاجتماعية لنزعة الحداثة. وقد وصفت سوزان سونتاغ (Sontag, 1966) هذا الرفض بأنه «حساسية جديدة». لقد صاغت  هذا المصطلح لوصف ما سمته باستسلام «فكرة ماثيو أرنولد عن الثقافة» بوصفها «أفضل ما تم التفكير فيه وعُرِف» (Arnold, 1971 [1869]: 56)، وادعت أن الفكرة الأرنولدية عن الثقافة كانت «آيلة إلى الزوال تاريخيّاً وإنسانيّاً»، وأضافت أن «التمييز بين الثقافة «العليا» والثقافة «الدنيا» يبدو كأنه يفقد معناه باستمرار» (Sontag, 1966: 302). وهذا هو مظهر ما بعد الحداثية الذي غالباً ما يُقصد (إما إيجاباً أو سلباً) حين يُستخدَم المصطلح في النبذ المعاصرة عن الإنتاج الثقافي. على سبيل المثال، تدل «ما بعد الحداثية» في النحت على أسلوب عامي جديد، يمزج بين الرفيع والخفيض والمعاصر والتاريخي، وهذا ما يشار إليه في الأغلب باسم «التشفير المزدوج» (Jenks, 1991). ويقال أن صورة مماثلة من صور الانتقائية هي أيضاً سمة من سمات تقليعات الملابس ما بعد الحديثة (Wilson, E., 1998). وفي مناقشات ثقافة موسيقى البوب، يستخدم مصطلح «ما بعد الحديث» في الأرجح ليدل على خلط الموسيقى الشعبية بالموسيقى الفنية (ألبوم أغاني عازف الكمان الكلاسيكي نايجل كينيدي لدى جيمي هندركس؛ تسجيلات لوشيانو بافاروتي مع يو تو؛ النجاح التجاري لقطعة أداء لوري أندرسون «أيها السوبرمان»؛ الجدية الجمالية لدى بوب ديلان والخنافس).

يمكن تحديد تاريخ الرواج الأكاديمي للمصطلح بنشر كتاب جان فرانسوا ليوتار «الوضع ما بعد الحديث» (Lyotard, 1984). في هذه النبذة المؤثرة، يُقدَّم الوضع ما بعد الحديث بوصفه أزمة في منزلة المعرفة في المجتمعات الغربية. ويجد هذا التعبير عنه «بوصفه تشكيكاً بالحكايات والسرود الشارحة» (p. xxiv)، وينتج في المقابل «زوال الجهاز السردي الشارح للمشروعية»، أي الانهيار المفترض المعاصر أو الرفض الواسع لجميع الأطر المهيمنة والتشميلية («الحكايات الشارحة»)، التي تريد أن تروي القصص الكلية عن العالم الذي نعيش فيه.

مصطلحات فرعية رديفة

رافقت حركة توسع الاستعمار بوجهيها القديم والجديد مجموعة واسعة من المفاهيم والمصطلحات المرادفة لمفهومه العام. وفي ما يلي نورد بعض أبرز هذه المصطلحات الفرعية:

الكولونيالية (colonialism): الظاهرة التاريخيّة المتمثّلة بفتح الثقافات الأضعف وضمّها أو إلحاقها كمستعمرات، سواء من أجل الاستيطان (التوسّع الجغرافي أبعد من منطقة أوروبا المزدحمة)، أو الاستغلال الاقتصاديّ، أو كليهما (في العادة). ويُسْتَخْدَم هذا المصطلح أيضاً للإشارة إلى الآثار الإيديولوجيّة المترتّبة على هذه الممارسة والباقية في بنى الاعتقاد ما بعد الكولونيالية، كالاعتقاد، مثلاً، بأنَّ أوروبا أو «الغرب» أو «العالم الأول» هو مصدر الحداثة والمعرفة والثقافة جميعاً، وأنَّ كلّ ما يأتي من المستعمرات السابقة لا بدَّ من أن يكون بالضرورة انعكاساً شاحباً للتعبير الأوروبيّ أو رفضاً متمرداً له (وأقلّ قيمة إذاً في الحالتين).

ما بعد الكولونيالية (Postcolonialism): حالةُ ثقافية أو متعلقة بالدراسات الثقافية ناجمة عن تجربة الكولونيالية وما أعقبها؛ وهي تُعنَى بمشكلات هوية الجماعة كما تنعكس في اللغة، الثقافة، القانون، التعليم، السياسة، إلخ؛ وهي ميّالة إلى جميع ضروب التنوّع، وترتاب بالحلول المبسّطة القائمة على فكرة النقاء والتي تُطْرَح لحلّ مشكلات معقدة.

الإمبريالية (Imperialism)

يُنظر أحياناً إلى «الإمبريالية» باعتبارها مصطلحاً رديفاً يتبادل المواقع مع «الاستعمارية»، برغم أنها غالباً ما كانت تستعمل للتركيز على الطبيعة الاقتصادية، والرأسمالية تحديداً، للحكم الاستعماري. وأحياناً تدَّخر كلمة الاستعمارية نفسها لحالات الاستعمارية الاستيطانية، مثل أستراليا أو نيوزلندا، حيث لم يكتف أجزاء من السكان المهيمنين بالحكم وحسب، بل استوطنوا في الأراضي المستعمرة. وتكمن جذور المصطلح في الكلمة اللاتينية (Colonia)، بمعنى المزرعة أو المستوطنة، و(Colonus) بمعنى المستوطن، و(Colere) بمعنى يعلم ويقدم الدعم بهذا الصدد. كما أن تاريخ الاستيطان الاستعماري قد ترك بصمته على كثير من مظاهر الاستعمال السابق والمعاصر: فالمعمار الاستعماري، مثلاً، أو التجربة الاستعمارية تقال لوصف فترات العمل والإقامة في الأراضي المستوطنة، تماماً كما تنطبق الحدود الاستعمارية على المناطق المتنازع عليها بين السكان المحتلين والسكان الأصليين، ويشير استعماري المولد إلى تمييز جديد داخل السكان المهيمنين.

النسبيّة الثقافيّة (Cultural relativism): الاعتقاد بأنَّ ما من ثقافة هي في جوهرها أفضل من أيّ ثقافة أخرى، وأنَّ معايير وقيَم أيّ ثقافة على وجه الأرض ليست «كونيّة» أو «إنسانيّة بطبيعتها».

تصفية الاستعمار (Decolonization): العمليّة التدريجيّة المتمثّلة بنقض آثار الاستعمار الضارّة، خاصةً عقدة الدونية الجمعيّة؛ أي إحساس المستعمرَة السابقة بأنّها أقلّ حداثةً، وتعليماً، وذكاءً، وثقافةً، وتحضّراً من القوّة الإمبراطوريّة السابقة. ويشير هذا التعبير في بعض الأحيان إلى الاجتثاث التام لكل آثار الكولونيالية، والعادة أن يُفْهَم منه على نحوٍ أكثر واقعيّة عملية تجاوز الإرث الكولونيالي، ودمجه في المستقبل المتغيّر، لأن الماضي لا يمكن اجتثاثه قطّ.

الاستبداد (Despotism): حكم طاغية أو مستبدّ أوحد؛ وقد ساد الاعتقاد طويلاً في الغرب أنّ الاستبداد يمثّل حالةً نمطية في المجتمعات الآسيوية؛ وغالباً ما اسْتُخْدِمَت هذه النظرة «الاستشراقيّة»، كما تبيّن تيجاسويني نيرانجانا، في تبرير حكم المستعمرات الآسيوية حكماً استبداديّاً من قبل الأمم الأوروبيّة الديمقراطيّة في الظاهر.

التمثّلية (Assimilationnism): الاعتقاد بأنَّ على الجماعات الأقلوية أن تتمثّل معايير الأكثرية في مسلكها، وملبسها، ولغتها، وقناعاتها.

الثقافة الحدودية (Border culture): الثقافة الهجينة التي تنوجد على كلا جانبي الحدود الجغرافية السياسية بين البلدان أو سواها من المناطق المتباينة (عرقيّاً، أو إثنيّاً، أو لغويّاً).

المركز (Centre): مصطلح مُسْتَمدّ من استعارة جغرافية للدلالة على قوة سياسية وثقافية، بحيث يكون «المركز» هو البلد أو المنطقة أو المدينة التي تتركّز فيها أشدّ القوة والسيطرة على مناطق واسعة، ويكون «الهامش» هو تلك المناطق القصيّة البعيدة عنه، أو تلك المناطق الأقلّ قوة وسيطرة.

الشتات (Diaspora): يستخدم هذا المصطلح في الدراسات ما بعد الكولونيالية للإشارة إلى واقعة أنَّ معظم الشعوب على الأرض أو جميعها قد أتت من مكان ما، وتعيش الآن في مكان آخر، وأننا قد تكيّفنا جزئيّاً مع ظروفنا الثقافية الجديدة بتمثّلنا معايير المحليين وقيمهم وامتزاج دمائنا بدمائهم؛ غير أننا احتفظنا جزئيّاً أيضاً بما كنا عليه ذات مرّة.

الإمبراطورية (Empire): ضمُّ أُممٍ ومناطق على مستوىً سياسيّ كبير ووضعها، في العادة، تحت سيطرة أمة أو جماعة واحدة، لغايات الربح الاقتصاديّ و/ أو الحماية العسكرية/ السياسية.

الإثنوغرافيا (Ethnography): الدراسة الأنثروبولوجية لـ «الشعوب» (ethnoi باليونانية) من خلال الرصد المشارِك (العيش معها، وفِعلُ ما تفعل، وتعلّم لغاتها، وطرح الأسئلة عليها، إلخ). وتلحّ الدراسات ما بعد الكولونيالية بصورة متزايدة على أنَّ الإثنوغرافيين هم في العادة باحثون من العالم الأول يدرسون شعوب العالم الثالث؛ وقد نمت نظرية الترجمة ما بعد الكولونيالية جزئيّاً من اكتشاف الإثنوغرافيين المطّرد أنَّ ما كانوا يفعلونه هو في الأساس محاولةٌ لترجمة كلمات شعوب العالم الثالث وأفعالهم إلى لغات العالم الأول، وأن ذلك قد كان متورطاً من نواحٍ متعددة مع المشروع الكولونيالي.

المركزية الأوروبية (Eurocentrism): بنية اعتقادية جمعيّة نشأت في أوروبا، وعبر نشر الكولونيالية في بقية العالم، ترى أنَّ أوروبا هي مركز الكوكب الذي تمثّل بقية العالم هامشه. أمّا الشكل الأعتى فهو المركزية الإثنية (أي الاعتقاد بأنّ جماعة إثنية ما هي المركز) التي برزت في العقود الأربعة الأخيرة.

نزعة البقاء على الطابع الأجنبيّ (Foreignism): رؤية للترجمة مؤسّسة على أعمال مفكّرين ألمان مثل أ. و. فون شليغل، وفريدريش شلايرماخر، وفالتر بنيامين، وأشدّ المدافعين عنها اليوم هو أنطون بيرمان ولورنس فينوتي، وهي ترى أن الترجمة «الجيدة» تحافظ دوماً على أثرٍ مهمّ من النصّ «الأجنبي» الأصل. ومع أنها ترتبط تاريخيّاً بالحرفيّة أو الترجمة كلمة مقابل كلمة، إلا أنها أقلّ جذريّة من الحرفيّة في إلحاحها ليس على التمسّك الدقيق بمعاني الكلمات المفردة في السلسلة النحوية الأصلية، بل على الاحتفاظ بنكهة الأصل في الترجمة.

الأسسيّة (Foundationalism): الاعتقاد الفلسفيّ بوجود أسس ثابتة للمعرفة، مثل الله، أو العقل، أو الصلاح الإنسانيّ، أو الموضوعية العلمية، أو الحقيقة. وعادة ما يستخدم مصطلح ما بعد الأسسيّين في إشارة إلى خصومهم الفلسفيين.

الهيمنة (Hegemony): مصطلح طوّره المنظّر الإيطالي أنطونيو غرامشي ليشير إلى تحكّم الأيديولوجيات غير الواعي في مجتمع ما، والقيم والمعايير المسيطرة كما تُنْقَل عبر اللغة عبر «الخطاب»، والمَسْلَك، والملبس، إلخ. ولذلك، فإنَّ ما هو «مهيمن» يكون منقولاً عبر أقوى القوى الموجودة في المجتمع؛ خصوصاً الذين هم في السلطة مثل الأهل، المعلّمين، الكهنة، إلخ) من كلّ فرد أن يعتقد به، وما تريد لكل فرد أن يسلكه، إلخ.

التهجين (Hybridization): عملية اختراق الأعراق، والجماعات الإثنية، والثقافات، واللغات مع بعضها بعضاً. وهذه العملية التي يعتبرها الطهرانيّون ضارّة، هي عملية يعتقد معظم المنظّرون ما بعد الكولونياليين أنّها مصدر غنىً للمجتمع البشريّ.

البينثقافية (Interculturality): الوجود بين الثقافات، وإظهار الولاء لثقافتين أو أكثر. وغالباً ما تستخدمها الدراسات ما بعد الكولونيالية في الإشارة إلى حالة مرغوبٍ فيها توجد أكثر ما توجد في المناطق الحدودية، وبين الجماعات المهاجرة والشتاتية، وبين المترجمين.

الاستدعاء (Interpellation): مصطلح سكّه المنظّر الماركسي الفرنسي لوي ألتوسر للإشارة إلى العملية التي تشكّل من خلالها «أجهزة الدولة الأيديولوجية» أو المؤسسات المهيمنة في المجتمع ذاتية أعضائه أيديولوجيّاً أو خطابيّاً. فمن خلال «استدعاء» أو «مناداة» شخص، أو جماعة ما، بوصفهما «خاضعين كولونياليين» على سبيل المثال، تجعل القوة الكولونيالية هذا الشخص أو تلك الجماعة خاضعين كولونياليين، وتجعل ذاتية ذلك الشخص أو تلك الجماعة خاضعة للقوة الكولونيالية. وتستخدم تيجاسويني نيرانجانا هذا المصطلح في وصف عملية «استدعاء» أو «مناداة» الهنود بوصفهم غامضين وبدائيين، لا يُعْتَمَد عليهم، وأفّاكين، إلخ، من قبل المستعمرين البريطانيين، ونظر الهنود إلى أنفسهم على نحوٍ يثبت الصور النمطية البريطانية؛ فمن خلال «إخضاع ذواتهم» بدأ الهنود عمليّاً بالامتثال لتلك الصور النمطية.

الإنسانوية الليبرالية (Liberal humanism): الأيديولوجيا الأوروبية السائدة في القرون الثلاثة أو الأربعة الماضية، والتي ترى أنَّ البشر جميعاً خُلقوا متساوين، ولهم حقوق متساوية ثابتة في الحياة، والحرية، والتملّك. وغالباً ما ينتقد المنظّرون ما بعد الكولونياليين هذه الأيديولوجيا بوصفها «كونويّة» لكنها لم تُطبَّق على مستوى كونيّ حتى من قِبَل أولئك الذين يؤمنون في الظاهر بكونيّتها: فالمستعمرون الأوروبيون ذوو صيت، على سبيل المثال، في عدم توسيع الحقوق الإنسانوية في المساواة والحرية بحيث تطال الشعوب المستعمَرة، في الخارج، أو الأقليات (النساء، الملوّنين) في الداخل.

الحداثويّة (Modernism): مرحلة في تاريخ الفنّ تغطّي بصور تقريبيّة من أوائل القرن العشرين حتى أواسطه، خصوصاً في أوروبا؛ وهي تقتضي في صورتها النمطية أشكالاً متشظيةً، وانحلالاً للسرد والشخصية والصوت التقليديّ في الأدب وانهيار النزعة التمثيلية في الفنّ، فضلاً عن النزوع اللعوب الذي غالباً ما يكون كلبيّاً أو يائساً؛ وهي تنطبق أيضاً على الثقافة أو المجتمع عموماً، خصوصاً في الصور السلبية التي تلتقط التغيّر التكنولوجيّ بالغ السرعة («صدمة المستقبل»)، والتمدين، و «تلاشى» أو حتى أفول الفرد.

الأحادية الثقافيّة (Monoculturalism): الاعتقاد بأنَّ ثقافة ما ينبغي أن تكون أحادية وليست متعددة، موحّدة وليست متنوعة، وأنَّ الوحدة والتماسك ينبغي الحفاظ عليهما من خلال إقصاء أو تمثّل (أو كليهما) أولئك الذين يُعْتَبَرون «مختلفين».

التعدديّة الثقافيّة (Multiculturalism): الاعتقاد بأنَّ التنوّع من طبيعة كلّ ثقافة، وأنّه مصدر غني يجب تعهّده بالرعاية بدل اعتباره نوعاً من النجاسة التي ينبغي اجتثاثها.

القوميّة (Nationalism): الاعتقاد بأنّ جميع أعضاء جماعة ما، خصوصاً على النحو الذي تحددّها به الحدود الجغرافية السياسية الحالية أو التاريخيّة، يمتلكون تراثاً مشتركاً معيناً (خلفية وراثية أو عرقية، تاريخ، أيديولوجيا، ثقافة، لغة، الخ)، وأنَّ: (أ) أولئك الذين يبدون «داخليين» أو «منتمين» في الظاهر لكنهم لا يمتلكون تلك الخصائص المشتركة يجب استئصالهم، أو تهجيرهم، أو تجريدهم من حق الاقتراع وغيره من الحقوق السياسية؛ (ب) كلّ تأثير جانبيّ، في الماضي، والحاضر، والمستقبل، هو تأثير مؤذٍ ويجب صدّه أو مقاومته؛ و (ج) أيّ خلائط أو هجائن عرقية، أو إثنية، أو ثقافيّة، أو لغوية هي ضروب من النجاسة ينبغي التخلّص منها[10].

الكولونيالية الجديدة (Neocolonialism): شكلٌ من السيطرة الاقتصادية على بلد من قِبَل بلد آخر دون فَتْحٍ صريح أو احتلال، وعادة ما يتمّ ذلك من خلال فاعلية الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات؛ فبشراء الأرض التي يقوم عليها اقتصاد الفلاحين الزراعيّ الكفافيّ أو الاقتصاد التبادليّ، تخلق الشركات اقتصاداً ماليّاً تابعاً لها في عمالته، ودخله، ومرافقه الحديثة المتعددة (الصرف الصحيّ، الكهرباء، إلخ).

الهامش (Periphery): مصطلح مستمدّ من استعارة جغرافية لكي يُسْتَخدَم في الإشارة إلى قوة سياسية وثقافية، حيث يكون البلد أو المنطقة أو المدينة التي تتركز فيها السيطرة الواسعة والفاعلة على منطقة أوسع هي «المركز» والمناطق القصيّة، أو الأماكن الأقل قوة هي «الهوامش».

ما بعد الأسسيّة (Postfoundationalism): الاعتقاد الفلسفيّ بأنَّ ما من أسسٍ قائمة للمعرفة، ما يجعل من المتعذّر «الوقوف» في «مكان» ما ومَسْح العالم بطرائق يمكن التعويل عليها؛ وهي نزعة نسبيّة راديكالية تقوم على قناعة بأنّ الواقع في حالة تدفّق دائم، بحيث إن ما بدا صحيحاً البارحة قد لا يكون صحيحاً اليوم (وسيبدو سخيفاً ومنافياً للعقل غداً). وتشير السابقة «ما بعد» ليس إلى نهاية الأسس (كما لو أنها وُجِدَت ذات مرّة لكنها لم تعد موجودة الآن) بل إلى نهاية الفلسفات الأسسيّة.

------------------------------

خضر إبراهيم حيدر : صحافي وباحث في اجتماعيات التواصل ـ لبنان.

[2] - طوني بينيت – لورانس غروسبيرغ – ميغان موريس – مفاتيح اصطلاحية جديدة – ترجمة: سعيد الغانمي – مركز دراسات العربية – بيروت 2010.

[3]ـ إدوارد سعيد ـ الاستشراق ـ ترجمة كمال أبو ديب ـ مؤسسة الأبحاث العربية ـ بيروت ـ لبنان ـ 2005.

[4]- What is Colonial Science? Professor Alice L. CONKLIN. Reviewed: Helen Tilley, Africa as a Living Laboratory: Empire, Development, and the Problem of Scientific Knowledge, 1870-1950, Chicago, University of Chicago Press, 2011, 496 p. and Pierre Singaravélou, Professer l’Empire: Les “sciences coloniales” en France sous la IIIe République, Paris, Publications de la Sorbonne, 2011, 409 p.

Published by Books&Ideas.net, 31 January 2013.©booksandideas.net

[5]- مفاتيح إصطلاحية – طوني بينيت – لورانس غروسبيرغ – ترجمة: سعيد الغانمي – المنظمة العربية للترجمة – 2010 – ص 523.

[6] - المصدر نفسه – ص 523.

[7] - J. Derrida,

[8] - Said , Edward, Representations of the intellectual, vintage Books New Yourk, 1996, P: 5.

[9] - أنظر إدوارد سعيد- «الاستشراق» ـ الترجمة العربية ـ مصدر سابق ـ ص35.

[10]ـ طوني بينيت وآخرون ـ مصدر سابق، ص