انتشار الروحانية الإعراض عن الدين أو العودة إلى الدين
بقلم: أحمد شاكر نجاد / تعريب: حسن علي مطر
هل العصر الراهن هو عصر العودة إلى الدين؟ وهل يُعدّ انتشار الكلام حول الروحانية والمعنوية معبّراً عن انعطافة نحو التديّن؟ كيف أمكن اليوم للروحانية والمعنوية ـ التي يتمّ فهمها في إطار الدين ـ أن يتمّ تصوّرها حتى بمعزل عن الدين، بل وتبدو هذه الروحانية والمعنوية بالنسبة إلى بعضهم أكثر رقياً من الدين أيضاً؟ إن المسألة المحورية في هذه المقالة تقول: ما هي العناصر والأرضيات التي أدّت في العصر الحاضر إلى حدوث استدارة وانعطافة من الدين نحو المعنوية والروحانية، وما هي الأسباب الموجودة في التديّن والتي أدت بفهم الإنسان الجديد إلى التهرّب من تلك الأسباب، وأخذ يقبل من أجل تسمية هواجسه المتعالية إلى مصطلح المعنوية والروحانية؟ وبعبارة أخرى: إن السؤال الأصلي المطروح في هذه المقالة هو أولاً: ما هي الأرضيات (ولا سيّما الأرضيات الاجتماعية والثقافية) التي أدّت ببعضهم إلى المعنوية والروحانية المجرّدة من الدين، والسعي إلى امتلاك معنوية وروحانية خالية من الدين. وثانياً: ما هي الخصائص التي تكتسبها المعنوية والروحانية في ظل الانعطافة الجديدة للتديّن. إن هذه المقالة من خلال الاستعانة بنظريات في حقل علم الاجتماع الديني والثقافي، ومن بينها النظرية الذاتية، وإثبات الذات، وما بعد المادية، ونظرية حب النفس الثقافي، سوف تسعى إلى التعريف بالعوامل الأصلية وأسباب ظهور المعنوية بمعزل عن الدين، وأن تثبت ـ من خلال تحليل النظريات ـ كيف يدخل الدين ـ عبر التأكيد الكبير على نفس الإنسان في مسار العثور على المعنوية ـ إلى مرحلة جديدة، وتحت عنوان الروحانية والمعنوية بدلاً من التدين الأصلي والمتمحور حول الوحي، يتم القبول بنوع من التديّن الشخصي والمتمحور حول الذات.
الكلمات المفتاحية: معنوية ما بعد الحداثة، إظهار الذات، حبّ النفس الثقافي، النزعة الأنفسية.
من التعالي الإلهي إلى محايثة الطبيعة: تحليل مقارن لأسس المعنى في الروحانية الدينية والروحانية المتمحورة حول الطبيعة
السيد محمد رضا الطباطبائي
يتناول هذا البحث التحليل المقارن والنقدي لنموذجين فكريين (Paradigms) أخذا حيّزًا من الحيوية الفكرية في العالم المعاصر: «الروحانية الدينية» القائمة على التعاليم التوحيدية، و«الروحانية المتمحورة حول الطبيعة» (Eco-Spirituality) التي تعتبر الطبيعة المصدر النهائي للأمر المقدس. تجيب هذه المقالة، عبر اتباع منهج تحليلي-نقدي وبالاعتماد على أسس الفلسفة والكلام الإسلامي، عن هذا السؤال الجوهري: هل تمتلك الطبيعة، بوصفها أمرًا محايثًا (Immanent) وممكن الوجود، القدرة الأنطولوجية (الوجودية) والقيمية اللازمة لتأسيس نظام روحاني راسخ؟ إن منهج البحث هو التحليل المفهومي والمقارن والاستدلال الفلسفي. تُظهر نتائج التحقيق أن الروحانية المتمحورة حول الطبيعة، على الرغم من تأكيدها الصائب على أهمية الارتباط بعالم الخلق، تواجه في شكلها الطبيعاني الإلحادي تحديات جوهرية في بيان الأسس الأنطولوجية للأمر المقدس، وتقديم نظام أخلاقي مُلزِم، وتبيين الغائية النهائية للحياة؛ وذلك لافتقارها إلى مبدأ متعالٍ (Transcendent).
في المقابل، فإن الروحانية الدينية، بالاستناد إلى أصل التوحيد، لا تقدم الطبيعة بوصفها «الإله»، بل بوصفها «آية» و«تجليًا» للخالق، ومن هذا المنطلق، توفر إطارًا أكثر انسجامًا وعمقًا للمعنى والأخلاق وغاية الحياة. تستنتج هذه المقالة أن اختزال الأمر المقدس في الطبيعة، يؤدي إلى إفراغ الروحانية من أسسها الوجودية والغائية الراسخة.
الكلمات المفتاحية: الروحانية الدينية، الروحانية المتمحورة حول الطبيعة (الطبيعانية)، التعالي الإلهي، المحايثة، معنى الحياة، نقد الطبيعانية، اللاهوت الشيعي.
قراءة نقدية في التحوّلات الأخيرة للتدين والروحانية
بهزاد حميدية / تعريب: حسن علي مطر
في العقود الأخيرة من القرن العشرين أدّت التحوّلات الثقافية إلى تحوّلات في التديّن، ومن أهمّها عبارة عن: هيمنة ثقافة الانبهار بالذات مع الإصرار على النزعة الفردانية فيما يتعلق بتحقيق الذات، والانعطافة الذاتية، والنزعة الإحساسية وتأصيل العواطف، مع تسطيح واضمحلال المشاعر، ومن بينها ما نشاهده في النزعة الاستهلاكية والبحث عن الرفاهية واللذة وعبادة الجسد. وقد اتجه التدين والنزعة الروحانية بدورهما تبعاً لهذه التحوّلات الثقافية نحو الاستهلاكية والعلاجية.
بالإضافة إلى الانتقادات الواردة على التحولات الثقافية المذكورة ـ من قبيل المشاعر المتطرّفة في قبال تطرّف العقلانية الآلية، والبنية المتناقضة للنزعة العاطفية، والاغتراب عن الذات، والأنانية المدرجة ضمن الهيام بحب النفس، وعدم تطابق الشعارات الإنسانية لثقافة حب الذات مع الحقائق الاجتماعية، وغموض المعرفة الغائية في الانبهار بالذات، والآثار المدمّرة لحب النفس والفردانية ونزوع الناس نحو القصور الفكري ـ هناك انتقادات لكل واحد من هذه التحوّلات المذكورة آنفاً في التديّن والنزعة الروحانية أيضاً، من قبيل استناد المباني الفلسفية لإيمانويل كانط والفلسفة النفعية التي تعاني من بعض الإشكالات الفلسفية، والنظرة التقليلية إلى الإنسان، وخفض تأثير الدين والروحانية، وتحولهما إلى نشاط يمارس في أوقات الفراغ، والعجز عن بثّ الطمأنية، والاطمئنان بأحقيتنا وما إلى ذلك.
الكلمات المفتاحية: ثقافة الانبهار بالذات، الإحساس السطحي، الروحانية الاستهلاكية، تبضيع الروحانية، تحول الروحانية إلى وصفة علاجية، الفردانية، الإنسانية.
الروحانية اللادينية: من الحداثة السائلة إلى الهشاشة الدينية
د. محمود محمد علي
يتناول هذا البحث ظاهرة الهشاشة الدينية بوصفها أحد أبرز إفرازات الحداثة السائلة، التي أسهمت في إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والدين على نحو متغير، سريع، وغير مستقر. فالتحولات العميقة التي شهدتها المجتمعات الغربية – وخاصة في سياقها الثقافي والفلسفي – أدت إلى انكماش دور المؤسسات الدينية التقليدية، مقابل صعود نماذج بديلة من التدين غير المؤسسي، كالـ روحانية اللادينية، والتي تركز على التجربة الفردية، والسلام الداخلي، دون التزام بعقيدة أو طقوس.
انطلق البحث من تحليل المفهوم الذي صاغه زيجمونت باومان حول "الحداثة السائلة"، وكيف أثرت هذه الحداثة في تفكيك الثوابت الدينية، وتحويل الدين من منظومة جمعية إلى خيار فردي استهلاكي، يخضع لأهواء الفرد وظروفه المتغيرة. كما تمت مناقشة تأثير العولمة والتكنولوجيا، وتفشي النزعة الفردانية، في تعزيز مظاهر الهشاشة داخل البنى الدينية.
خلص البحث إلى أن الهشاشة الدينية لا تنبع فقط من ضعف الإيمان، بل من اختلال في المعنى، وغربة روحية تسببت فيها المتغيرات المعاصرة.
الكلمات المفتاحية: الهشاشة الدينية – الحداثة السائلة – زيجمونت باومان – الروحانية اللادينية – العولمة – الفردانية – تسييل الدين – القيم الحديثة – التفكيك الديني – التجربة الروحية.
نقد الروحانية العلمانية: الحدسية البرغسونية أنموذجا
د. ذهبان مفيدة
تعدّ المادية متلازمة غربية هيمنت على الذّهنية الحديثة مرحليا عبر عمل تدريجي لعملاء الانحراف الحديث، لم تعد مجرد فكرة أو مذهبا فلسفيا أو مفهوما فيزيقيا، بل رؤية للعالم تتجلى بشكل مباشر لا على مستوى النّظر، وإنما غدت سلوكا عيانيا اجتاح الأفراد والمجتمعات والثقافات، فالحضارة المهيمنة اليوم مادية، والحكم الزّمني أو العلمانية تتحكم وتوجّه السلطة الروحية، وهذا وضع العالم الحديث منذ ولوج حقبة الحداثة أو التنوير أو ما يعرف بالعصر العلماني الذي يمتد إلى حياتنا الراهنة، وبتنا أمام غزو العلمنة حتى الروحانية تعرضت للتّنكيس بفعل هيمنة المفهوم الدين البروتيستانتي الذي كان من استتباعاته تأسيس روحانية علمانية منفصلة عن المرجعيات المتعالية، وقاطعة مع المقدّس، تستمد المعيارية من الإنسانوية بالمنظور الغربي. من هذا المنطلق يأتي بحثنا لاستجلاء طبيعة ومفهوم الروحانية العلمانية أو اللاّدينية عبر أحد التيارات البارزة في الغرب والتي كان لها تأثير كبير، بل أصبحت مذهبا روحيا ومنهجا فلسفيا قائما بذاته تسمَّت على مؤسسها وهي "البرغسونية" نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون enri BergsonH.
الكلمات المفتاحية: العلمانية، الروحانية العلمانية، هنري برغسون، المادية.
"السلام الداخلي والسكينة" بين الروحية الدينية واللادينية "رؤية نقدية"
د. مديحة حمدي عبد العال مرسي
يهدف هذا البحث إلى تحليل ونقد مفهوم "السلام الداخلي" في الروحانية اللادينية المعاصرة، ومقارنته بالمفهوم الإسلامي للسكينة والطمأنينة. يعتمد البحث على منهج نقدي لتفنيد ادعاءات الروحانية اللادينية التي تروج لتحقيق السلام الداخلي عبر ممارسات مثل التأمّل واليوجا وعلوم الطاقة، مع استبعاد الأطر الدينية التقليدية. يُظهر البحث أن هذه الممارسات تعتمد على فلسفات شرقية قديمة تمت صياغتها في قوالب معاصرة، وتستند إلى مفاهيم مثل "الطاقة الكونية" و"الوعي المتعالي"، والتي تهدف في جوهرها إلى تأليه الذات الإنسانية والهروب من الدين والواقع.
من ناحية أخرى، يقدم البحث رؤية إسلامية للسكينة والسلام الداخلي، موضحًا أنها لا تتحقّق إلا من خلال الارتباط بالله والخضوع له، حيث تكون العبادات مثل الصلاة وسيلة للطمأنينة الحقيقية. كما يكشف البحث عن مخاطر الروحانية اللادينية، مثل عزل الفرد عن المجتمع وتشويه الفطرة الإنسانية، ويؤكّد أن السكينة في الإسلام تتكامل مع الحياة الاجتماعية ولا تنفصل عنها.
خلص البحث إلى أن الروحانية اللادينية تقدّم مفهومًا ضيّقًا وزائفًا للسلام الداخلي، بينما يظلّ المنظور الإسلامي هو الأكثر شمولًا وتوازنًا، لارتباطه بالفطرة والوحي.
الكلمات المفتاحية: الروحانية معاصرة- التأمل- الصحوة- الوعي- اللادينية-السلام الداخلي- السكينة.
الأخلاق الإفريقية في مواجهة مركزية الأنا الغربية
دعاء عبدالنبي حامد
تتناول الدراسة إشكالية الاختلاف بين الجماعية الإفريقية والذاتية الغربية، من خلال تفكيك البنى الفلسفية التي تأسست عليها منظومة القيم في كل من السياقين. فبينما ترتكز الأخلاق الغربية على مركزية "الأنا" بوصفها ذاتًا عاقلة، حرة، محايدة، تبلورت الأخلاق الإفريقية على أساس جماعي تفاعلي يتجسد في مفاهيم مثل "أوبونتو" (Ubuntu) التي ترى الإنسان ككائن لا يكتمل وجوده إلا بالآخر. وتجادل الدراسة بأن المنظومة الأخلاقية الإفريقية لا تمثل فقط بديلًا أنطولوجيًا وأخلاقيًا، بل تشكّل مقاومة فكرية لما أنتجته الحداثة الغربية من انقسامات أخلاقية واستعمارية. تبرز الدراسة كيف تعيد الأخلاق الإفريقية الاعتبار إلى مفهوم "الإنسان في العلاقة"، في مواجهة الذات المفصولة والمنعزلة التي روّجت لها الفلسفة الغربية. وتطرح الدراسة تساؤلات حول مدى قدرة المنظومة الأخلاقية الإفريقية على تقديم بديل إنساني شامل يتجاوز التمركز الغربي حول "الأنا"، والذي لطالما هيمن على فلسفات الحداثة. وتستند الدراسة إلى مقاربة تحليلية مقارنة إفريقية، وتضعها في حوار نقدي مع أخلاقيات كانط وغيره من منظّري الأخلاق الغربية. وتهدف في النهاية إلى إعادة الاعتبار للمنظور الإفريقي بوصفه مشروعاً أخلاقياً مضاداً لمركزية الأنا الغربية، ومؤسساً على منطق التضامن والعلاقات المتبادلة بدلاً من التنافس والهيمنة. تناقش الدراسة عدة محاور هي على التوالي مركزية الأنا الغربية والتي يوضح الصورة الغربية للذات الأوروبية في مقابل الذوات الأخرى. والمحور الثاني يتناول مدخل إلى الأخلاق الإفريقية وفيه عرض لتعريف الأخلاق الإفريقية مع أهم المصطلحات التي تعبر عن الأخلاق الإفريقية مع الإشارة إلى النظام القيمي الإفريقي. وفي المحور الأخير تتناول الدراسة مركزية الجماعة الإفريقية مقابل الفردية الغربية وفيه طرح لما تعنية الشخصية كمكانة أخلاقية بالإضافة إلى أهداف الأخلاق الإفريقية من تحقيق الرفاهية والصالح العام وما يعنيه الواجب الأخلاقي في الإطار الإفريقي بالإضافة إلى مقارنة بين الجماعية الإفريقية والفردية الغربية ثم خاتمة الدراسة.
الكلمات المفتاحية: الأخلاق الإفريقية – الأنا الغربية – أوبونتو – الطائفية الإفريقية – الشخصية الأخلاقية - الرفاهية - الصالح العام - التضامن الجماعي – الإنسانية الإفريقية.
الأخلاق بين الغزالي وكانط: بين روحانية مركزية الإنسان وروحانية الدين
د. نورة بوحناش
الغزالي وكانط ذروتان حضاريّتان، يؤشّران إلى لحظتين متمايزتين، فبينما يعبّر الغزالي عن براديغم ما قبل حداثي حيث المركزية الإلهية، يعبّر كانط عن براديغم حداثي حيث المركزية الإنسانية. على الرغم من هذه المفارقة فإنّ بين الغزالي وكانط هناك وصال جامع، يبدو في طبيعة القانون الأخلاقي المحمول في الصدر، قانون كوني يعتمد الإخلاص للمبدإ معيارًا. كان اعتبار الإخلاص مبدأ أخلاقيًا مهيمنًا، على وجهة التجربة الأخلاقية عند الغزالي وكانط، نتيجة دربة فلسفية عميقة تُسائل عن موقع اللامرئي في المعرفة والأخلاق، بحثًا عن علاقة الدين بالأخلاق، ففي حين يعتبر الغزالي الدين مركزية أخلاقية يجعله كانط تابعًا لها، إنه سياق علماني يكون فيه الدين هامشية تابعة. لكن يبقى سؤال الغيب في علاقته بالأخلاق مطارحة تجمعهما، تداولها الغزالي قبل كانط، وفق رؤية روحية بدا فيها الإخلاص لله قيمة العملية الأخلاقية برمتها، وتداولها كانط وفق رؤية عقلانية؛ بدا فيها الإخلاص للقانون الأخلاقي قيمة العملية برمتها.
الكلمات المفتاحية: الغيب، الأخلاق، الدين العقل، الذوق، العقل العملي، الفضيلة، السعادة.